"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

تريدان تجنب الخطأ الذي ارتكبتاه في مصر.. لماذا تتعجل السعودية والإمارات في وأد الثورة السودانية؟

 عربي بوست :

  قمع الجيش السوداني للمتظاهرين المطالبين بالحكم المدني، تم بناء على ضوء أخضر من رعاته الإقليميين، إذ أن السعودية والإمارات تريدان إفشال الثورة السودانية، وفقا لما يقوله النشطاء السودانيون.

فعندما قامت قوات الدعم السريع سيئة السمعة بشن هجوم ليلي قاتل لفض اعتصام القيادة العامة تساءل العديد من الناشطين السودانيين عمَّ إذا كانت هاتان الدولتان الخليجيتان القويتان منحتا الضوء الأخضر لتنفيذ الهجوم، حسبما ورد في صحيفةThe Financial Times البريطانية.

وفي هذا الهجوم الذي شن في 4 يونيو/حزيران الجاري، تعرَّض المتظاهرون للضرب وإطلاق النار والاغتصاب، فيما ألقيت جثث عشرات القتلى، الذين بلغ عددهم الإجمالي حوالي 100 قتيل وفقاً لتقديراتٍ محلية، في نهر النيل.

ما الهدف من هذه المذبحة؟

وأوحى هذا الهجوم بأنَّ القادة العسكريين في البلاد، الذين يحكمونها منذ أن أسفرت الاحتجاجات الشعبية عن قيام انقلابٍ ضد الرئيس السابق عمر البشير في أبريل/نيسان الماضي، كانوا يبعثون برسالةٍ قاتلة مفادها أنَّهم لن يرضخوا للضغط الشعبي، ولن يقبلوا تسليم السُلطة لحكومةٍ مدنية.

لكنَّ التطورات لم تٌسلَّط على قوات الدعم السريع والقادة العسكريين فقط، فمع تزايد عدد القتلى، ازداد التركيز على الدولتين الأجنبيتين اللتين تدعمهم: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حسب الصحيفة البريطانية.

المتظاهرين في السودان/ رويترز
المتظاهرين في السودان/ رويترز

لدرجة أنَّ العديد من الناشطين السودانيين تساءلوا عمَّا إذا كانت هاتان الدولتان الخليجيتان القويتان منحتا الضوء الأخضر لتنفيذ الهجوم.

وبعد يومين من الهجوم، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً مقتضباً على غير العادة عن مكالمةٍ هاتفية أجريت بين ديفيد هيل وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، والأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي وشقيق الأمير محمد بن سلمان القائد الفعلي للمملكة. ووصف هيل في المكالمة الهجوم بأنه «وحشي» وأكَّد للأمير خالد «أهمية انتقال السُلطة من المجلس العسكري الانتقالي إلى حكومةٍ بقيادة مدنية».

نعلم أن السعودية والإمارات تريدان إفشال الثورة السودانية.. ولكن لماذا تتعجلان بهذا الشكل؟

ويقول بعض الدبلوماسيين إنَّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تنكران بشدة معرفتهما بهذا الهجوم سلفاً.

كما تصر الدولتان على أنَّهما تعززان الاستقرار في المنطقة، وأنهما تملكان تاريخاً طويلاً من العلاقات الاقتصادية والسياسية مع السودان، التي تعد حلقة وصل بين العالمين العربي والإفريقي، ولديها سواحل طويلة على طول البحر الأحمر.

لكنَّ الهجوم القمعي سلَّط الضوء على دور الدولتين في السودان، وأثار جدلاً أوسع حول السياسات التدخلية التي تتبعها دولٌ خليجية قوية، في الوقت الذي تنفق فيه مئات الملايين من الدولارات على شراء امتيازاتٍ لإدارة بعض الموانئ وغيرها من جوانب البنية التحتية في منطقة القرن الإفريقي.

ويقول سلمان أسامة، وهو جرَّاح عمره 27 عاماً كان في الصفوف الأمامية للاحتجاجات في السودان وعالج الجرحى أثناء الهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع: «كل مشكلاتنا بسبب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. فهذه الدول كانت تدعم نظام (البشير) الذي كان يضطهدنا، وهي تدعم النظام الحالي كذلك».

حميدتي زار بن سلمان قبل المجزرة بعشرة أيام

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الأمير محمد بن سلمان استضاف الفريق محمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس العسكري السوداني  في جدة قبل 10 أيامٍ فقط من الهجوم الدموي.

ويعد حميدتي أقوى قائد عسكري في السودان، وهو قائد قوات الدعم السريع المتورطة في الجرائم ضد المتظاهرين، والتي تنحدر من ميشلشيات الجنجاويد التي ارتبكت المجازر الشهيرة في إقليم دارفور.

وفي الأسبوع نفسه، أجرى الفريق عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري السوداني، زيارة إلى الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي والزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة.

كما تعهدت السعودية والإمارات بتقديم 3 مليارات دولار للمجلس العسكري الانتقالي في السودان منذ إطاحة البشير، وانضمت الدولتان إلى مصر في صفوف الداعمين المهمين للقادة العسكريين السودانيين.

ويرى العديد من المتظاهرين أنَّ الهجوم القمعي عزَّز مخاوفهم حيال تصميم الدول العربية الثلاث على إبقاء حلفائها في السلطة على حساب الديمقراطية.

فهم يحتاجون الجنود السودانيين في اليمن بشدة

ففي أعقاب الهجوم، دعت السعودية والإمارات إلى «حوار بنَّاء» بين الأطراف السودانية.

لكن يبدو أنَّهما تعتمدان على القادة العسكريين السودانيين لحماية مصالحهما، بما في ذلك نشر السودان قواتٍ تابعة له في اليمن ضِمن تحالفٍ بقيادة السعودية يقاتل المتمردين الحوثييين المتحالفين مع إيران.

وفي السياق نفسه، قالت المجموعة الدولية للأزمات في تقريرٍ لها: «السعوديون والإماراتيون يعرفون البرهان وحميدتي (الفريق حمدان دقلو) جيداً نظراً إلى قيادتهما القوات السودانية في حرب اليمن.

ولا تريدان تكرار الخطأ الذي ارتكبتاه في مصر

وهُم يثقون في قدرة القادة العسكريين على تولي شؤون البلاد خلال انتقال مُوجَّه من نظامٍ عسكري إلى نظامٍ عسكري آخر، وتجنُّب الفاصل الذي حدث في مصر (في عام 2011) – حين أقيمت انتخابات تبعتها سيطرة الإخوان المسلمين على الحُكم مدةً وجيزة.

وفي مواجهة سعي الثوار السودانيين لتجنب أخطاء السيناريو المصري، تسعى القوى الإقليمية المعادية للديمقراطية بدورها لتجنب فترة من الحكم الديمقراطي كالتي حدثت في مصر.

ولذا تريد مصر والسعودية والإمارات وحلفاؤهم السودانيون  تهميش أولئك الذين يفضلون المزيد من الإصلاحات الشاملة بين المتظاهرين المدنيين».

والعسكريون يقرون بأن علاقتهم مع الدول الثلاث هدفها استئصال الإسلاميين

ومن جانبه، نفى الفريق صلاح عبدالخالق، أحد الضباط العسكريين السبعة الذين يديرون السودان، وجودَ أي ضرر في دعم دول الخليج للسودان.

إذ قال: «إنهم يدعموننا سياسياً لأنهم يريدون التخلُّص من هذا النظام الإسلامي الذي كان يحكم السودان«، في إشارةٍ إلى الإسلاميين الذين وطَّدوا سلطة البشير في التسعينيات من القرن الماضي.

وصحيحٌ أنَّ معظم المُطالبين بالديمقراطية شبابٌ وعلمانيون. لكنَّ عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، ألمح في الشهر الماضي مايو/أيار إلى مخاوف الرياض بشأن النفوذ المحتمل للإسلاميين.

وقال: «الإخوان المسلمون انتهازيون، لقد سطوا على التغييرات في مصر في عام 2011. وأعتقد أنهم ربما يحاولون فعل الشيء نفسه في السودان».

إذ أن أبو ظبي والرياض تحاربان الديمقراطية في أي مكان بالعالم العربي

وبوجهٍ عام، تتبع السعودية والإمارات، منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، سياساتٍ خارجية حازمة سعياً لتشكيل المنطقة وفق تصورهما.

إذ أثارت الانتفاضات صدمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث خُلِع حكامٌ مستبدون من مناصبهم، بمن فيهم الرئيس المصري السابق حسني مبارك والعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، واندلعت صراعاتٌ في سوريا واليمن.

واعتبرت السعودية والإمارات هذه الانتفاضات علامةً على أنهما يجب أن تصبحا أكثر تدخلاً لمواجهة ظهور الإسلام السياسي الذي تعتبرانه تهديداً وجودياً، ونفوذ إيران.

حتى أن الإمارات مولت وسائل إعلام مصرية حاربت مرسي

وبالفعل يُزعَم أنَّ الإمارات موَّلت وسائل الإعلام المصرية المعادية لمحمد مرسي، القيادي الراحل في جماعة الإخوان الذي أصبح رئيس البلاد بعد الثورة. وبعدما أطاحه الجيش في انقلاب عام 2013، أغدقت الإمارات والسعودية أموالاً على مصر لدعم النظام الجديد. واعتُقِل مرسي إلى أن توفي في السجن في الشهر الجاري يونيو/حزيران.

ومن ناحيةٍ أخرى، عزَّز قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بتوقيع اتفاق نووي مع إيران في عام 2015 شعور السعودية والإمارات بأنهما بحاجةٍ إلى أن تصبحا أنشط في التصدِّي لغريمتهما الإقليمية، وهي وجهة النظر نفسها التي تتبنَّاها القيادة السودانية الآن في الخرطوم. إذ قال الفريق عبدالخالق السوداني، في إشارةٍ إلى علاقة طهران بالمتمردين الحوثيين في اليمن: «لا نريد أن تتولى إيران السلطة في اليمن. محاربة الجماعات الشيعية هي واجبنا».

وحصار قطر زاد الصراع في منطقة القرن الإفريقي

وفي السياق نفسه، أسفرت الخطوة التي اتخذتها الإمارات والسعودية في عام 2017 بفرض حصار على قطر -التي تتهمانها بدعم جماعات إسلامية سياسية والاقتراب أكثر من اللازم من إيران- عن تفاقم حدة الصراع الإقليمي على النفوذ. وكذلك تزايدت شدة هذا الصراع جراء المخاوف السعودية والإماراتية إزاء طموحات تركيا، التي تعد قريبة من قطر وتزداد نشاطاً في إفريقيا.

وقال أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، بعد الهجوم على متظاهري الخرطوم، إنَّ الإمارات تريد «تحقيق توازن» في نهجها.

وأضاف: «التحدي الكبير في هذه البلدان، كما رأينا من تجربة الربيع العربي، هو كيفية تحقيق تغييرٍ يُلبي مطالب الشعب مع الحفاظ على الاستقرار المؤسسي».

وتدريجياً يتحول القرن الإفريقي والخليج إلى منطقة واحدة

وتجدر الإشارة إلى أنَّ هناك أجزاء كبيرة من منطقة القرن الإفريقي والخليج تربطها علاقات اقتصادية ودينية ببعضها بعضاً منذ عدة قرون؛ فالسودان والصومال وجيبوتي دولٌ ذات أغلبية مسلمة، في حين أنَّ إثيوبيا وإريتريا يعيش فيهما عددٌ كبير من المسلمين.

وفي أوقات الحج، تُشحَن جِمالٌ وأغنام واللبان الذكر وغيرها من البضائع عبر البحر الأحمر وخليج عدن، بينما يتوجه الحجاج شرقاً إلى مكة المكرمة.

ومع تطوُّر هذه العلاقات، استخدمت الإمارات والسعودية وقطر ثروتها النفطية لتمويل بعض البلدان الإفريقية الأفقر. ويتمثل أحد أهداف هذا التمويل في حرص دول الخليج على الاستفادة من الأسواق الاستهلاكية الكبيرة في تلك الدول الإفريقية، ولكن هناك كذلك مصالح قومية استراتيجية يتضمنها هذا التمويل، مثل الرغبة في الاستفادة من الموارد الزراعية في المنطقة، وتأمين استخدام الموانئ، وغيرها من المصالح الاقتصادية.

إذ يقول زاك فيرتن الباحث في معهد بروكنجز في العاصمة القطرية الدوحة: «الطفرة في العلاقات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية لم يسبق لها مثيل. لقد أصبح الأمر أشبه بمنطقتين تتحولان تحولاً سريعاً إلى منطقةٍ واحدة».

والأتراك يستثمرون بدورهم في المنطقة

ولعل أبرز مثالٍ على هذه العلاقة الجديدة هو الطفرة التي حدثت في عقود الأصول البحرية. ففي عام 2014، حصلت مجموعة البيرق التركية على حق تشغيل الميناء الرئيسي في العاصمة الصومالية مقديشو. ثم حذت شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية حذوها بإبرام صفقات تشغيل موانئ في منطقة بونتلاند الصومالية التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، وإقليم صوماليلاند المستقل. ثم توصَّلت كل من تركيا في عام 2017، وقطر في عام 2018 إلى اتفاقٍ يمنحهما حقوق تطوير موانئ في السودان.

لطالما كان ممر البحر الأحمر الذي يفصل القارة الإفريقية عن شبه الجزيرة العربية محل خلاف. وقد أسست بريطانيا محمية صوماليلاند في عام 1888 لمساعدتها على التحكُّم في طرق الشحن من شرق آسيا عبر البحر الأحمر إلى قناة السويس.

ومن جانبه، ذكر سعد علي شير، وزير خارجية صوماليلاند السابق، أنَّ الاستثمارات الجديدة الوافدة من دول الخليج تهدف إلى نشر القوة والسيطرة على التجارة، كما كان الحال في القرن التاسع عشر. وقال: «دائماً ما كان هناك اهتمامٌ بهذه المنطقة، لكنَّ تركيا والإمارات العربية المتحدة أصبحتا الآن دولتين ثريتين. وتريدان إظهار أنهما قوتان يُحسَب لهما حسابٌ في المنطقة».

جديرٌ بالذكر أنَّ 8% من حركة التجارة البحرية العالمية في الوقت الراهن تمر عبر مضيق باب المندب، إما متجةً إلى قناة السويس أو قادمةً منها.

هل تريد الإمارات التحكم في إثيوبيا؟

وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة هي الطرف الفاعل الأشد حزماً، ولديها استراتيجية بحرية أوضح. فبالإضافة إلى الاتفاقات التي أبرمتها شركة موانئ دبي العالمية لتشغيل موانئ في مدينتي بربرة وبوصاصو الصوماليتين، أنشأت الإمارات قاعدةً بحرية في مدينة عصب في إريتريا، وتسيطر، عبر تدخلها العسكري في اليمن، على ستة موانئ على الأقل على الجانب الآخر من البحر الأحمر.

وفي السياق نفسه، تعهدت الإمارات في العام الماضي 2018 بتقديم مساعداتٍ مالية واستثمارات قيمتها 3 مليارات دولار لإثيوبيا، وساعدت مع السعودية في التوصُّل إلى اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتريا عن طريق التوسُّط في محادثاتٍ بينهما لإنهاء الصراع الذي استمر 20 عاماً.

رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد خلال زيارته للإمارات/رويترز

ومن جانبه أكَّد قرقاش أنَّ توسُّع الروابط الاقتصادية مع منطقة القرن الإفريقي يتماشى مع تحوُّل الإمارات إلى المركز المالي التجاري الرئيسي في الشرق الأوسط. وقال: «بالنسبة لنا، فأي شيء يتعلق بحقوق شركات الطيران، والمناطق الحرة، والتخزين، والموانئ هو جزء من قصة أسباب نجاحنا. لذلك، فمن الواضح أننا يجب أن نجد طريقةً للوصول إلى 100 مليون إثيوبي يحتاجون إلى أكثر من ميناء واحد». 

بيد أنَّ التجارة ليست سوى جزء من الصورة الكلية. فمنذ عام 2015، أسفر التدخل العسكري في اليمن عن ظهورٍ حاجةٍ جديدة لدى السعودية والإمارات إلى ضمان وجود أنصارٍ لهما على جانبي البحر الأحمر، والقدرة على تدريب قواتٍ تابعة لهما ونشرها.

وبالفعل جمعت السعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي ممثلين من مصر وجيبوتي والصومال والسودان واليمن والأردن في العاصمة السعودية الرياض في إطار مبادرةٍ لإنشاء «تحالفٍ يضم دول البحر الأحمر» لحماية مصالحها ومصالح «جيرانها».

وفي هذا الصدد، قال محللٌ سعودي: «أنت تواجه مشكلة بالفعل مع الإيرانيين في الخليج، ولا يمكنك تحمل مواجهة المزيد من المشكلات في البحر الأحمر، لذا يجب عليك أن تُنشئ نوعاً ما من التفاهم بينك وبين السودانيين والمصريين وبقية دول القرن الإفريقي. ويجب أن تُبرِم اتفاقيات اقتصادية، واتفاقيات سياسية وثقافية، وعسكرية، عليك ألا تكتفي بمجرد تقديم مساعدات مالية. أعتقد أن العلاقات ستتوسَّع».

الصومال يتعرض للابتزاز بعدما رفض المشاركة في حصار قطر

التقاء التصدعات التجارية والأمنية والجيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي يعني أن عسكرة المنطقة ستستمر على الأرجح، حسبما يرى قال أحمد سليمان، الباحث في مؤسسة تشاتام هاوس.

وأضاف أنَّ ذلك يعني أيضاً أنَّ القوى الإفريقية عرضة لخطر الانجرار إلى تنافساتٍ إقليمية.

فحينما قطعت السعودية والإمارات العلاقات الدبلوماسية مع قطر، طُلب من حلفائهما الأفارقة اتخاذ موقفٍ والانحياز إلى أحد الجانبين.

وحينئذٍ، سعت الحكومة الفيدرالية في الصومال إلى البقاء على الحياد، لكنَّها اُعتُبِرَت منحازةً إلى قطر وتركيا، مما دفع الإمارات والسعودية إلى خفض دعم الميزانية الذي تُقدمانه لها، حسب ما ذكر بعض المحللين.

وقال الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير خارجية قطر: «تعرَّضت بعض البلدان، لا سيما تلك التي تحتاج إلى مساعدة ودعم من السعودية والإمارات، لابتزازٍ من أجل اتباع نفس سياستهما ضد قطر، وهذا يخلق الكثير من عدم الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي ومنطقة إفريقيا جنوب الصحراء».

والآن السعودية والإمارات تحاولان تشكيل الوضع السوداني

وقبل إطاحة البشير، وقع السودان في مأزق بسبب عدم الالتزام بالديناميات المتحولة في الخليج، مع إصابة العلاقات بينه وبين السعودية والإمارات بفتورٍ بعدما دعا الرئيس السوداني السابق قطر وتركيا إلى الاستثمار في الساحل السوداني المُطِل على البحر الأحمر.

والآن بعد رحيل البشير، تسارع السعودية والإمارات إلى تعزيز علاقاتهما مع السودان. وعلى العكس من ذلك، قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن إنَّ الاتصالات بين الدوحة والخرطوم «محدودة للغاية».

من جانبه قال فيرتن: «السعودية والإمارات تريان قطعة شطرنج جديدة على لوح اللعب. لذا تتحركان بسرعةٍ لتأمين علاقات مهمة مع السودان، وربما تحاولان تشكيل الانتقال السوداني».

بيد أنَّ حركة المعارضة السودانية تتبنى نهجاً أقل دبلوماسية تجاه هذه العلاقة.

إذ قال محمد يوسف أحمد المصطفى، المتحدث باسم تجمُّع المهنيين السودانيين، الذي قاد الاحتجاجات: «كلهم يريدون استغلال السودان وموارده وقوته العاملة وموقعه الاستراتيجي. وإذا نشأ نظامٌ ديمقراطي في السودان، سيُصعِّب عليهم تنفيذ خططهم».