"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الفساد والمفسدون في القرآن الكريم!

يمانيون :

أحمد المالكي

مسألة الفساد والإفساد في الأرض ارتبطت بالإنسان منذ بدء الخليقة عندما اختار الله البشر لاستخلاف الأرض وعمارتها وهو أمر جعل مخلوقات مطهرة كالملائكة تحتج على هذا لقرار .

قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة آية30

وللفساد قادة ومقتدون على رأسهم الحكام والجبابرة والطغاة والمستكبرين وهؤلاء في عصرنا هم كثر، وقد مولوا وأنشأوا أكاديميات ضخمة تدرس مختلف التخصصات وعلوم الفساد والإفساد في الأرض كالفساد الأخلاقي والقيمي والفساد السياسي والمالي والإداري والإنساني حتى صار الفساد فساداً أمميا بامتياز.

هذه الأكاديميات فرخت تخصصات على مختلف المستويات والأصعدة، وتخرج منها الرؤساء والزعماء والقادة والوزراء والوكلاء والمدراء حتى استوطن الفساد نفوس العامة والبسطاء من الناس في البر والبحر إلا من رحم الله.

وذلك كله بالتأكيد لم يأت من فراغ بل جاء نتيجة للإمكانيات والقدرات الهائلة التي سخرها قادة الفساد والمفسدون في الأرض لتوطين ثقافة الفساد على المستويات الوطنية في كل دولة وعلى المستوى الدولي والإقليمي، فصار الإعلام بمختلف وسائلة وأساليبه المرئية والمسموعة والمقروءة أداة من أدوات الفساد والإفساد الأخلاقي والثقافي وحتى السياسي والاقتصادي وغيره ، ثم جاء الانترنت ليسهم بشكل أكبر وأخطر داخل المجتمعات والكيانات الإنسانية عن طريق اختراع وتطوير وتسهيل تقنيات الاتصال بواسطة ما يسمى وسائل التواصل الاجتماعي الخ..

ولذلك من المهم ونحن نعيش أيام شهر رمضان المبارك أن نستحضر العبر والعظات من الآيات التي أوردها الله في القرآن عن خطورة الفساد والإفساد بمختلف تخصصاته ومراتبه ، خاصة وأن بلادنا اليمن تتعرض لأكبر وأخطر حملة عدوانية إفسادية شاملة وعلى مختلف الأصعدة يقودها قادة الفساد والإفساد الدوليين والإقليميين والمحليين ، بقيادة أمريكا والصهيونية العالمية ،وهي حالة تتطابق تماما مع مخاوف الملائكة عندما ربطوا الفساد بسفك الدماء حين احتجوا على استخلاف الله للإنسان في الأرض، ونحن في حالة المواجهة مع قوى الفساد والإفساد فلابد أن نطهر أنفسنا من الفساد في مؤسساتنا حتى ننتصر على قوى الظلام الإفسادية التي وطنت الفساد الإداري والمالي في كل مفاصل الدولة، ولأن القيادة الثورية تدرك أهمية هذه الجبهة فقد ركزت أكثر من مرة على أهمية تطهير مؤسسات البلاد من الفساد المستشري مؤكدة أن هناك ضرورة ملحة للقضاء على الفساد والمفسدين ولعل آخر الخيارات التي اقترحتها القيادة منظومة “المضادات الحيوية” التي ستدخل حيز التنفيذ في القريب العاجل..

الجدير بالذكر أن النظام السابق أنشأ مؤسسات للمراقبة والمحاسبة ومكافحة الفساد لكنها تعد مجرد هياكل مؤسساتية تجسد الفساد نفسه وتحميه ولم يلمس الناس جدواها مطلقا ، ويمكن للإنسان أن يلحظ ذلك من خلال سلوك وممارسات المنتسبين إلى هذه المؤسسات التي ذهبت إلى إحداها للإجابة على بعض التساؤلات حول ما أوردة السيد القائد عن المضادات الحيوية ودور هذه المؤسسات في مكافحة الفساد ،وإلى الآن مازالت التداولات جارية لأعضاء الهيئة حتى تصلنا الردود هذا إن كان عندهم ما يردون به مع الأسف الشديد ربما لأنهم منشغلين بتوزيع دباب البترول اليومية على الموظفين وأعضاء الهيئة مجانا بينما عامة الشعب يقفون في طوابير طويلة للحصول على دبة بنزين واحدة أمام محطات البنزين لأيام طويلة وبعضهم يضطر لشرائها من السوق السوداء بـ 18 ألف ريال ..

والمتأمل في حديث القرآن عن الفساد والفاسدين أو الإفساد والمفسدين، سيجد أن إيقاع الفساد من قبل البشر يأتي على مراتب:

أولها: إفسادهم أنفسهم بالإصرار على المعاصي وما يترتب عليها من مفاسد أخر. فكل معصية إفساد قال – تعالى – عن فرعون: ((آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)) [يونس/ 91] وكل تولٍ, عن الحق إفساد قال – تعالى -: ((فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين)) [آل عمران/ 63] وكل إعراض عن الإيمان إفساد، قال – تعالى -: ((ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين)) [يونس/ 40].

المرتبة الثانية من الإفساد: ما يلحق بالذرية والأبناء والأتباع في اقتدائهم بالكبار المتبوعين في مساويهم. ولهذا قال نوح – عليه السلام -: ((إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً)) [نوح/ 27].

المرتبة الثالثة: إفساد الدائرة المحيطة بالمفسدين عن طريق بث أخلاق وصفات ودعاوى الفساد، وذلك بالإسراف في المعاصي حتى يتعدى أثرها إلى غير أصحابها، ولهذا قال صالح – عليه السلام – ناهياً قومه عن التأثر بالمفسدين: ((ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون)) [الشعراء/ 152].

المرتبة الرابعة: إفساد الدائرة الأوسع في المجتمعات عن طريق إشاعة الأمراض الاجتماعية المفسدة بواسطة المضلين مثل إثارة فتن الشبهات والشهوات، والوقوف في وجه المصلحين وإحداث العقبات في طرقهم زعماً بأنهم يقفون ضد مصالح الناس.
قال – تعالى -: ((وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)) [البقرة/ 11]. وقال الملأ المضلون من قوم فرعون: ((أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك)) [آل عمران/ 127].

المرتبة الخامسة: الإفساد الناشئ عن فساد الحكام والقادة والزعماء، وهو الفساد الأكبر، لأن الكبراء إذا فسدوا في أنفسهم فإنهم ينشرون الفساد بقوة نفوذهم واستخدام سلطاتهم وقوتهم وقد ذكر القرآن عن بلقيس قولها: ((إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون)) [النمل/ 34].

وكثيراً ما يزعم الطغاة المتكبرون أن المصلحين هم أصحاب الفساد. كما قال فرعون عن موسى – عليه السلام -: ((إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)) [غافر/ 26].

هذا بالرغم من أن فرعون نفسه كان مكثراً من الإفساد بكل أنواعه، ولا تشفع له الأبراج العالية والأصنام المنصوبة والقبور المشيدة فيما يطلق عليه (الحضارة الفرعونية) فإنها جميعاً شواهد على استبداد وسيطرة وطغيان الفراعين الذين كانوا يطمعون أن ينقلوا معهم الثروات المسروقة من الشعوب المستضعفة إلى قبورهم.
قال – تعالى -: ((وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد)) [الفجر/ 10 12]. وقد وصف القرآن فرعون بالعلو والإفساد في الأرض: ((إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً، يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم، إنه كان من المفسدين)) [القصص/ 4].

ومثلما كان فرعون، مفسداً بنفوذه السياسي والعسكري، فقد كان قارون مفسداً بنفوذه المالي الاقتصادي، وقد كان قادراً على استعمال أمواله في الإصلاح في الأرض، ولكنه أبى إلا أن يستعمل نعمة الله في محاربة الله، وقد قال له الناصحون من قومه: ((ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين. قال إنما أوتيته على علم عندي)) [القصص/ 77].

– وقد أوسع المتعالون من بني إسرائيل الأرض فساداً، فكلما زاد علوهم زاد فسادهم. قال – تعالى – عنهم: ((وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً)) [الإسراء/ 4].
وكثر فسادهم وإفسادهم حتى صار الإفساد ديدنهم، وصار طبيعة فيهم حتى أنهم لا يشعرون بذلك.
قال – تعالى -: ((وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)) [البقرة/ 14].
ولم يفلح معهم العلاج، حتى الوحي المنزل من السماء لم يمنعهم من الإفساد، بل كانوا يوغلون في الطغيان حتى فيما بينهم، فصاروا ميؤوساً من صلاحهم واستحقوا أن يكونوا الأمة المغضوب عليها إلى يوم القيامة بسبب فسادهم وإفسادهم.
قال – تعالى -: ((وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً، وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين)) [البقرة/ 64].

والفساد في بني إسرائيل لم يكن على مستوى الساسة والقادة والزعماء فقط، بل وصل إلى من يفترض أنهم يقفون في وجه الفساد إصلاحاً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، فقد سكت علماء الضلالة فيهم عن إنكار المنكر.
قال – تعالى -: ((وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يفعلون. لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يصنعون)) [المائدة/ 62، 63].

إن تلك المراتب الخمس للإفساد في الأرض، قد أحدثها ويحدثها البشر على هذا الكوكب، فالناس لا غيرهم من المخلوقات هم الذين ملأوا الأرض بالفساد حين ضلوا عن مناهج الوحي الإلهي عبر العصور، أما بقية مظاهر الحياة على الأرض فإنها تتأثر بفساد المفسدين من البشر تبعاً. قال – تعالى -: ((ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)) [الروم/ 41].

إن الصراع الواقع على ظهر الأرض منذ بدأت عليها الحياة البشرية، إنما هو صراع بين المصلحين والمفسدين والعاقبة فيه لأهل الصلاح في الدنيا والآخرة: ((تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين)) [القصص/ 83].

للمصلحين طرق ومناهج للإصلاح، كما أن للمفسدين سبل وطرائق للإفساد وعلى الناس أن يتبعوا سبيل المصلحين ويجتنبوا سبل المفسدين. قال – تعالى -: ((ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون)) [الشعراء/ 152].

وقد أوصى موسى – عليه السلام – أخاه هارون حين استخلفه بألا يتبع سبل المفسدين: ((وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)) [الأعراف/ 142]. فهما صنفان من الناس مصلح أو مفسد ولا يستويان.
قال – تعالى -: ((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد)) [البقرة/ 205].

ولا يمكن أن يستوي أهل الإصلاح وأهل الإفساد في الدنيا ولا في الآخرة. قال – تعالى -: ((أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، أم نجعل المتقين كالفجار)) [ص/ 28].
أبداً لا يستون: ((والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)) [الرعد/ 25].

وفي تلك الدار، دار البوار، فإن العذاب يضاعف للمفسدين جزاء ما تعدى فسادهم في أنفسهم إلى إفسادهم لغيرهم: ((الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون)) [النحل/ 118].
وهل بعد ذلك من خسران؟ أبداً، ((الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون)) [البقرة/ 27]].

– إن أثر الفساد والإفساد ليس له حدود لو سارت الأمور على مقتضى أهواء المفسدين، فالكون كله يفسد لو سارت أموره بحسب أهواء أهل الفساد قال – تعالى -: ((ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)) [المؤمنون/ 71]، ولو لم يقف المصلحون في وجه المفسدين لعم الفساد أرجاء الأرض ولشمل الضلال كل أطرافها، ولكن من رحمة الله أنه يدفع فساد المفسدين بجهاد المصلحين ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين)) [البقرة/ 251].

إن مسؤولية المصلحين عظيمة، فواجبهم أن يعتصموا بحبل الله جميعاً ضد المفسدين، فالمفسدون مهما تباعدت ديارهم واختلفت ألوانهم وألسنتهم، فإنهم جبهة واحدة وصف واحد ضد الإصلاح والمصلحين. وما لم يكن للمصلحين صف واحد ضدهم فالفساد سيظل يكبر ويكبر حتى لا يستطيع أحد أن يقف أمامه. قال – تعالى -: ((والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)) [الأنفال/ 73].

إن الأمل الوحيد في إنقاذ الأرض من المفسدين في كل الأزمنة والأمكنة، يكمن في قيام أهل الحق والإصلاح بمسؤولياتهم أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وجهاداً في سبيل الله: ((فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم، واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين.
وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون. ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين)) [هود/ 116 119]…