يعمل الرئيس المنتهية ولايته على بناء شراكات مع محور أبوظبي الرياض
لم يعد الكثير من الموريتانيين يخفون امتعاضهم من المستوى الذي وصل إليه التغول الإماراتي على مقدرات بلادهم.
وبات واضحاً مساعي سلطات أبوظبي الحثيثة لابتلاع مرتكزات القوة وأسس التنمية، من خلال صفقات تبرمها بوتيرة متسارعة مع نظام يوشك على الرحيل، مكنتها من الدخول بقوة في كل المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية وحتى الإعلامية.
ويرى عدد من المتابعين للشأن الموريتاني أن الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز، الذي أكد أكثر من مرة أنه سيحتفظ بدور سياسي واقتصادي في البلاد بعد مغادرته القصر الرئاسي بداية يوليو القادم، يعمل على بناء شراكات استراتيجية مع محور أبوظبي الرياض، ويفسح المجال أمام المؤسسات الإماراتية لامتلاك العقارات والاستيلاء على الموانئ والمطارات.
وينظر إلى ما يقوم به بأنه يحاول زرع الألغام تحت أقدام رفيقه الذي رشحه لخلافته الجنرال محمد الغزواني، حتى يتسنى له التحكم فيه لاحقاً وتوجيهه، أو حتى لتسهيل الإيقاع به في المستقبل إن هو أراد ذلك.
وتيرة متسارعة
يرى الدكتور أحمد أنداري، الأستاذ في العلاقات الدولية بجامعة العيون، في تصريح خاص لـ”الخليج أونلاين”، أن “التغلغل الإماراتي في موريتانيا يعبر في جزء منه عن رغبة الإمارات في الاستفادة من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها البلاد، لتوطيد نفوذها في بلد له أهمية كبيرة من الناحية الجيواستراتيجية بالنسبة للإمارات، خاصة فيما يتعلق بمساعيها للتغلغل في أفريقيا”.
إلا أن ماهو لافت في هذا الصدد– يضيف الدكتور أنداري- هو “الإيقاع السريع الذي يطبع هذا الغلغل والذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى مشروعية إبرام كل هذه الاتفاقيات مع نظام يوشك على المغادرة من جهة، ومن جهة أخرى حول ما إذا كانت هذه الاتفاقيات تخضع للمناقشة والتمحيص الكافيين قبل إبرامها، خاصة أن بعضها لم يمر أصلاً على البرلمان، على الرغم من تداعياتها الأكيدة والبالغة التأثير على اقتصاد البلد، وعلى توجهاته السياسية في العديد من المجالات”.
وتنامت وتيرة دخول الإمارات للمجال الموريتاني وازدادت قوة واندفاعاً في السنوات القليلة الماضية، كما تكثفت الزيارات الرسمية بين المسؤولين السامين في الدولتين.
كما أصبح سفير الإمارات في نواكشوط، عيسى عبد الله مسعود الكلباني، أكثر أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في موريتانيا لقاء بوزراء الحكومة.
ويرى المدير العام لوكالة أنباء الأخبار المستقلة، الأستاذ الهيبة ولد الشيخ سيداتي، أن “الدور الإماراتي في موريتانيا بدأ وتيرته التصاعدية مباشرة بعد قطع نواكشوط لعلاقاتها مع قطر، بعيد فرض السعودية والإمارات ومصر والبحرين حصارها على الدوحة”.
ويعتبر ولد الشيخ سيداتي في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن “هذا الدور كان شاملاً لكل المجالات العسكرية من خلال تمويل كلية للدفاع أطلق عليها اسم: كلية محمد بن زايد، وثقافياً من خلال تمويل العديد من المراكز الثقافية والأدبية ( مجلس اللسان العربي، وبيت الشعر..إلخ)، وفكرية من خلال تمويل بعض مراكز الدراسات، وإعلامياً من خلال إيجاد مشاريع إعلامية لأول مرة تتبع لدولة أجنبية، فضلاً عن استثمارات في مجالات الزراعة والري والموانئ والمطارات”.
احتجاجات
وقد أثار ورود اسم الإمارات في صفقة تتعلق بمطار نواكشوط الدولي (أم التونسي) الكثير من الجدل، خاصة أن أي تفاصيل لم تنشر عن كيفية إبرام الصفقة التي ستمنح شركة (AFROPORT) التابعة لمطارات أبوظبي الحق في تسيير المطار الموريتاني الأهم لمدة 25 سنة .
كما أدى منح أراض زراعية خصبة واسعة على ضفاف نهر السنغال إلى رجال أعمال إماراتيين إلى اندلاع احتجاجات من طرف السكان الأصليين، الذين اعتبروا أن تهجيرهم عن أراضيهم التي يعتاشون من خيراتها لمصلحة مستثمرين أجانب يعد ظلماً وإضراراً بهم، وهو ما أثار النائب في البرلمان العيد ولدمحمدن خلال مداخلته في الجلسة العلنية للبرلمان التي جرت فعالياتها قبل أسبوع.
وتداولت العديد من الصحف والمواقع الإعلامية الموريتانية أخباراً عن دور للإمارات في تسيير رصيف ميناءي العاصمتين السياسية والاقتصادية (نواكشوط ونواذيبو).كما تواردت أخبار عن دخولها على مشروع ميناء “انجاغو” القريب من الحدود الموريتانية السنغالية، والذي يبدو أن إقامته في المنطقة القريبة من حقول الغاز التي يشترك البلدان في أحدها لم ترق للسنغاليين ولا للفرنسيين.
ويجري حديث عن وجود محميات سياحية في الصحراء لإماراتيين يستغلونها في تربية الحبارى وممارسة هواية الصيد البري.
قلق ومخاوف
ويثير ولوج الإمارات إلى حقل الإعلام المحلي، من خلال ترخيص قناة تلفزيونية خاصة لمحسوبين على أبوظبي، ووجود صفحات ومواقع تدور في الفلك ذاته، الكثير من القلق والمخاوف بين نخب الشعب الموريتاني.
وفي هذا السياق كتب الصحفي والمدون الموريتاني الشهير حبيب الله ولد أحمد على صفحته على فيسبوك يقول: “إذا كان صحيحاً أن قناة باسم(الرؤية) تابعة لموقع (الرؤية) المحلي- الإماراتي سترى النور قريباً، فمعنى ذلك أن محمد بن زايد سيحكمنا مباشرة وسنكون ضمن إماراته، طبعاً لن نكون (عينها)ولا (رأس خيمتها) ولا (دبيّها) ولا (ظبيّتها) سيكون الترخيص لها كارثياً وعملاً غير وطني على الإطلاق”.
ويضيف ولد أحمد: “(الرؤية) ذراع إماراتي، يكفى أنه للتحايل على المال الإماراتي، ولا نريد أن يتحايل على الإعلام المحلي ويجعلنا تابعين فيه لبلد عربي نحترمه ونقدره لكننا لا نقبل التبعية له”.
ويردف: “لنتذكر كيف ظهرت عشرات الصفحات منتحلة بأسماء مدونين وإعلاميين محليين على(تويتر) مربوطة بموقع(الرؤية)، الذي اتضح لاحقاً أنه متورط فى إنشاء وتغذية تلك الصفحات التي تبشر بالمشروع الإماراتي السعودي المصري فى الوطن العربي، وهو مشروع مدمر لطموحات الوحدة العربية واستقرار الأوطان والشعوب”.
ويرى ولد أحمد أنه “يجب على كل الوطنيين رفض الترخيص لمثل هذه القناة التابعة لدولة أجنبية، تسعى لتحقيق أجندات مدمرة ومشبوهة داخل البلاد وفى شبه المنطقة”.
من جانبه كتب المدير العام لوكالة أنباء الأخبار المستقلة يقول: “رغم قناعتي، بل دفاعي، عن حق المؤسسات الإعلامية الإماراتية في فتح مكاتب، واعتماد مراسلين في البلد، إلا أنني لا أستسغ أبداً أن يُسمح لدولة أجنبية لفتح قناة تلفزيونية خاصة ببلد معين توجهه وتشكل رأيه العام على مقاسها، ومن يدري فقد تذيع عبرها – لا قدر الله – بياناتها الأول كما فعلت مع حفتر وغيره”.
وأضاف: “أرفض الارتهان الخارجي لأي دولة، وكنت أتصور أن من مزايا نظام عزيز، سياسة رفض التخندق في المحاور الدولية لكن يبدو أن مال الإمارات أقوى”.