تصريحات مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكيّ، التي أدلى بها أمس وأكّد فيها “أن بلاده ستحشد تحالفًا دوليًّا ضِد حكومة الرئيس الفنزويليّ نيكولاس مادورو لإجباره على الرّحيل من السّلطة، تُذكّرنا بالسّيناريو الذي طبّقته أمريكا وحلفاؤها العرب والأوروبيّون في سورية في بداية أزمَتها عام 2011، تحت عُنوان الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وحُكومته، ولا نعتقِد أنّها، أيّ الولايات المتحدة، ستكون أفضل حظًّا في فنزويلا، رغم أنّ السّيناريو واحد.
الرئيس دونالد ترامب الذي عيّن الصّهيوني المُتطرّف إليوت أبرامز، مبعوثًا خاصًّا له في فنزويلا، يُريد إغراق البِلاد في حربٍ أهليّةٍ طاحنةٍ، والبِداية تدخّل عسكريّ لقوّات مُعارضة فنزويليّة مُوالية لبلاده، ومُموّلة من خزينتها، تغزو البِلاد وتُغرقها في الفوضى انطلاقًا من كولومبيا، على أمل تنصيب خوان غوايدو، رئيس الجمعيّة الوطنيّة (البرلمان) المفصول بتُهم الفساد رئيسًا للبِلاد.
مُشكلة الرئيس ترامب أنّه لا يفهم إلا في العقار والصّفقات الماليّة، ومُعاشرة الممثّلات الإباحيّات، أمّا عندما يتعلّق الأمر بالشّؤون الدوليّة والمُتغيّرات الكُبرى في موازين القِوى في سقف العالم، فإنّ خبرته تقترب من الصّفر إن لم يكُن دونه.
نشرح أكثر ونقول أن ترامب لم يتبادر إلى ذهنه مُطلقًا أنّ مُحاولاته التدخّل، وتغيير النظام في فنزويلا، لن تكون طريقًا في اتّجاهٍ واحد، وأن الرّد سيأتي ساحِقًا من القوّتين العالميّتين الآخريين، أيّ روسيا والصين، وأسرع ما يتصوّر مُستشاره للأمن القوميّ جون بولتون.
بالأمس وصلت إلى مطار كاركاس الدّفعة الأُولى من قوّات صينيّة، مصحوبةً بطائرة شحن ثانية مُحمّلة بأطنانٍ من العتاد العسكريّ، وهذه من المرّات النّادرة التي تُقدِم فيها القيادة الصينيّة على هذه الخطوة، أيّ إرسال قوّات إلى دولة خارج حُدودها، وإلى أمريكا الجنوبيّة بالذّات.
الطائِرتان الصينيتان وصلَتا بعد أيّام معدودة من وصول أُخريتين روسيتين تحمِلان 99 جنديًّا روسيًّا من ضِمنهم العقيد فاسيلي تونكو شكوروف، النائب الأوّل للقائد الأعلى للقوّات البريّة الروسيّة، وعتادًا عسكريًّا مُتطوّرًا.
لا نعتقد أن هؤلاء الجنود، صينيين كانوا أو روسًا، ذهبوا إلى فنزويلا من أجل الاستمتاع بمناظِرها الطبيعيّة الخلّابة، وجوّها المُشمس، وإنّما لتوجيه رسالةٍ قويّةٍ إلى الرئيس ترامب بأنّ هُناك من سيتصدّى لمُؤامرته في فنزويلا، تمامًا مِثل الرسائل نفسها التي أرسلت وأعطت أوكلها بمنع سُقوط النظام السوري، ومُساعدته لاستعادة أكثر من 80 بالمِئة من الأراضي التي خسِرها بسبب التدخّل العسكريّ الأمريكيّ الدّاعم لخُصومه من رجال المُعارضة السوريّة المُسلّحة.
القيادة الروسيّة أرسلت طائرات حربيّة إلى كراكاس قادرة على حمل صواريخ نوويّة، وزوّدت الجيش الفنزويليّ بصواريخ “إس 300” لحماية المواقع الحسّاسة مِثل المطارات والتصدّي إلى أيّ هجمات أمريكيّة تستهدفها.
مشروع ترامب في تغيير النّظام في فنزويلا يُواجه فشلًا ذريعًا حتّى الآن، وهذا ما يُفسّر خُطّته الجديدة في إغلاق الحدود مع المكسيك للتّغطية على هذا الفشَل، ممّا يُؤكّد النظريّة التي يتبعها وتتلخّص في فتح جبهة جديدة لحرف الأنظار عن الهزيمة في الجبهة القديمة.
ترامب سيُهزم في فنزويلا مثلَما انهزم مشروعه في سورية، وما إعلانه الاعتراف بضم دولة الاحتلال لهضبة الجولان إلا صرَخات الألم من هذهِ الهزيمة.
“رأي اليوم”