بعد سنوات من الواقعة.. سيدة فلسطينية تحكي شهادة اغتصابها
قاومته لكنه كان أقوى مني، عمل اللي بده إياه، اغتصبني، ضليت أضربه وأصرخ ما في حد سمعني.
هكذا تحكي سيدة فلسطينية، شهادة اغتصابها في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2017 بعد سنوات من تعرضها للاغتصاب، ويُظهر الإفصاح المتأخر لاغتصابها، حساسية القضية، وميل الكثيرين إلى عدم الكشف عنها، أو التبليغ الرسمي؛ مما يُصعب كثيرًا من إمكانية الوصول إلى أرقام محددة بشأن تلك الحالات.
وترجع الواقعة عندما منع جنود من شرطة الاحتلال الإسرائيلية السيدة من دخولها إلى القدس، واقتادوها إلى أحد المقار الأمنية، حيث تحرش بها أحد الجنود، واستمرت محاولاته ساعات دون أن يتمكن من اغتصابها، قبل أن يأتي آخر ليغتصبها بعد عراك.
وعلى عكس ما يميل إليه كثيرون، لجأت تلك السيدة إلى الإبلاغ رسميًّا بعدما أقنعها أحد أقاربها بذلك، لكنّ وحدة التحقيق الإسرائيلية أغلقت الملف أكثر من مرة «دون استكمال التحقيق»، بحجة أن الجاني غير معروف، في الوقت الذي أفاد فيه محامي الضحية بأن جهات التحقيق لم تمكنه من الحصول على أشرطة تسجيلات الفيديو لكاميرات المراقبة الموجودة في مركز الشرطة، ولم تعرض على الضحية صور رجال الشرطة الذين كانوا موجودين أثناء ارتكاب الجريمة، لتحديد الجاني.
نظرة في وقائع الاغتصاب في أرشيف النيابة العسكرية الإسرائيلية
قدّس الجيش الإسرائيلي منذ إقامته قيمًا مهمة، من بينها: احترام الإنسان، والحفاظ على طهارة السلاح، وهذه القيم تستند إلى موروث يهودي يمتد إلى سنوات طويلة مضت.
قال هذه الكلمات، جادي إيزنكوت، رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، في رسالةٍ عمَّمها على المجندين في إسرائيل نهاية مارس (آذار) 2016، ليأتي رد لم يكن عربيًا، وإنما من مواطنه الإسرائيلي أمير أورين، أحد كبار المراسلين، وكاتب عمود في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، الذي استفزته كلمات إيزنكوت وبالأخص «طهارة السلاح» معتبرًا أن بكلماته «خطأً كبيرًا»، ولفت إلى ما وصفه بـ«تاريخ من الفساد والعفن يقف وراء موروث المعارك».
وأفرد أورين مقالًا، يعود إلى 3 أبريل (نيسان) 2016، يُفنِّد فيه كلمات إيزنكوت، مُستعينًا بأرشيف النيابة العسكرية الإسرائيلية، الذي تضمَّن كثيرًا من جرائم الحرب التي شملت تصفية للأسرى، وحالات اغتصاب، تجاوزتها إسرائيل، دون عقاب الجناة، مثلما وقع مع السيدة الفلسطينية التي سلف الحديث عنها.
يوم الأسير الفلسطيني
قال أورين: إنّ «إسرائيل في غالبية العمليات والجرائم لم تطلق سراح أحد لأنها ببساطة لم تعتقلهم ولم تحاكمهم وبدلًا من سياسة «الباب الدوار» شرعت إسرائيل الباب عبر قوانين العفو العام»، موضحًا: «حين انتهت الحروب الكبرى (1948- 1967) بمشاعر من النصر، نُصّب جميع من شاركوا فيها في مرتبة الأبطال، وتم إسكات جرائم الحرب تحت شعار «في الحرب نُقاتل وفي الداخل نعفو ونسامح».
واستشهد أورين بعدد من وقائع الاغتصاب، في ملفات النيابة العسكرية الإسرائيلية، والتي انتهت بغلق الملفات دون معاقبة الجناة، من بينها عمليات اغتصاب وقعت في عكا ليلة 29 مايو (أيار) 1948، وواقعة أخرى قدم مواطن فلسطيني دعوة قال فيها: إن «أربعة جنود إسرائيلين اقتحموا منزله وأخرجوه منه، واغتصبوا زوجته»، وأمر قائد مدينة الرملة بالتحقيق في تلك الواقعة، لكن التحقيق أغلق أيضًا.
فيما وقعت جريمة اغتصاب أخرى، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1948، في مقر كتيبة 11 الإسرائيلية، حينما التقى أربعة جنود إسرائيليين قافلة عربية، كانت تسير بالقرب من بلدة ترشيحا، واستوقفوا فتاتين اغتصب أحدهم الأولى، وحاول البقية اغتصاب الثانية، وادعى الجنود في التحقيق أن «الفتاتين قاومتا بداية الأمر عملية الاغتصاب لكنهما بعد ذلك وافقتا عليه بل ساعدتا في تنفيذ الاغتصاب»؛ مما دفع النائب العام إلى محاكمة الجنود، ولكن ما هي إلا أيام قليلة حتى دخل قرار العفو العام حيز التنفيذ ليُطلق سراح الأربعة جنود.
وتضمنت وقائع الاغتصاب تلك اغتصاب فتيات صغيرات السن لم يتعدين سن 18 عامًا، من بينها اغتصاب جنود لفتاة عمرها 16 سنة، أمام والديها في قرية «عراق سويدان»، في نوفمبر 1948، وأمرت النيابة العسكرية بالتحقيق في الواقعة لكن قائد المنطقة الجنوبية رفض تقديم سيارة للمحققين، ولم يُجرَ التحقيق من الأساس.
ويروي أورين واقعة اغتصاب أخرى: «يوم إقامة إسرائيل اغتصب ثلاثة من رجال الشرطة العسكرية الإسرائيلية طفلة في الثانية عشرة من العمر في مدينة يافا، وجرت محاكمتهم بعد 10 أيام من الجريمة، أُدينوا بارتكاب «عمل مشين» وحُكم عليهم بالسجن ثلاثة أشهر فقط لا غير، لكن رئيس الأركان أمر بعدم تنفيذ العقوبة».
اقرأ أيضًا: أرقام صادمة عن الجنس في إسرائيل وجيشها.. 87% من نساء الكنيست تعرضن للتحرش!
الحاخام الأكبر لجيش الاحتلال أفتى بجواز اغتصاب الفلسطينيات!
يجوز لجنود إسرائيل اغتصاب الفلسطينيات وغير اليهوديات في حالة الحرب.
هكذا أفتى إيال كريم، الحاخام الأكبر لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في سلسلة من الفتاوى المثيرة التي أدلى بها الرجل، والتي أجازت أيضًا تعذيب المعتقلين الفلسطينيين لانتزاع الاعترافات، وقتل الفلسطينيين المصابين، وهي فتاوى تُرسخ أيضًا لما لفت إليه مقال أروين حول جرائم الحرب ووقائع الاغتصاب التي مرتّ في النهاية مرور الكرام، دون معاقبة الجناة.
وقد أثارت تصريحات كريم الجدل، وقال عنها إيزنكوت إنّها «غير منسجمة مع قيم الجيش الإسرائيلي»، ولكن ذلك لم يمنع كريم من الاحتفاظ بمنصبه، بعدما قال في يوليو (تموز) 2016 إن تصريحاته «كانت تقتصر فقط على العصور القديمة» وهو ما ما يؤكد أيضًا جرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 والتي ذكرها أورين نقلًا عن أرشيف النيابة العسكرية الإسرائيلية.
ويبدو أن المسؤولين في إسرائيل دائمًا ما يتذمرون «إعلاميًّا» على الأقل من حقيقة اغتصاب جيش الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيات، وهو ما ظهر جليًا أيضًا، على عدد من المسؤولين الإسرائيليين، على رأسهم، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من عرض جمعية الأفلام الإسرائيلية لفيلم يحمل اسم «ليبيستيكا» في عدد من دول العالم من بينها أمريكا وألمانيا.
وما أزعج نتنياهو، هو مضمون الفيلم كونه مأخوذًا من قصة حقيقية، لفتاتين فلسطينيتين تعرضتا للاغتصاب عام 1994، أثناء الانتفاضة على يد جندي من جيش الاحتلال الإسرائيلي، لتحكيا ما تعرضتا له من مآسٍ، تضمنت أيضًا «العار» الاجتماعي الذي قد يصيب بعض الضحايا الفلسطينين، ولذلك اعتبر نتنياهو، في تصريحات في فبراير (شباط) 2011، أن عرض الفيلم بمثابة استفزاز له ولجيش الاحتلال الإسرائيلي، مُطالبًا بوقف عرضه.
اقرأ أيضًا: «يقضين العمر في السجن».. ماذا تعرف عن الأسيرات المقدسيات في السجون الإسرائيلية؟
شهادات التعرية القسرية والتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب
لدينا شهادات عدة موثقة ومروعة لأسيرات فلسطينيات معتقلات في السجون الإسرائيلية أو محررات، جميعهن يؤكدن أن المحققين الإسرائيليين يتحرشون بالأسيرات ويهددونهن بالاغتصاب، إذا لم يدلين باعترافات مطلوبة منهن.
هكذا يقول عبد الناصر فراونة، الباحث المختص بشؤون الأسرى، مدير دائرة الإحصاء في وزارة الأسرى والمحررين الفلسطينية، في تصريحات تعود إلى عام 2012، فبالإضافة إلى حالات الاغتصاب التي استعرضناها في التقرير، تروي بعض الفلسطينيات المحررات من الأسر، ما تعرضن له من اعتداءات جنسية، وتعرية قسرية، وتحرش جنسي، وتهديد بالاغتصاب من جنود الاحتلال الإسرائيلي في سجون إسرائيل.
من بين هذه الحالات، كانت الأسيرة المحررة«أ. ح» التي قالت بأنها «تعرضت لمحاولتي اغتصاب ولتعذيبٍ قاس ما زالت آثاره على جسدها حتى اللحظة على رغم مرور سنوات طويلة على تحررها»، فيما تقول «ش. أ» :« أجبرني المحقق(الإسرائيلي) على رفع الشال عن رأسي، وتغزل بشعري، وهددني بالاغتصاب إذا لم أعترف». وتحدثت «ر. ع» عن التعرية القسرية وتقول: « منذ لحظة اعتقالي من البيت فتشنا الجنود ميدانيًا تفتيشًا عاريًا، ثم نقلت مكبلة بالسلاسل الحديدية لمعتقل المسكوبية في القدس للتحقيق، وهناك جرى تفتيشي تفتيشًا عاريًا مرة أخرى».
وهو أمر مشابه لما تعرضت له أسيرة أخرى، تلفت إلى تحرش المجندات بها وتفتيشها عاريةً أمام الجنود وتقول: «في لحظة اعتقالي كان هناك أربع مجندات أدخلنني وفتشنني تفتيشًا عاريًا، وكان أحد الجنود في الغرفة، وعندما رفضت خلع ملابسي أمامه اعتدوا عليّ بالضرب الشديد وخلعوا عني ملابسي بالقوة، بينما كان الجندي ينظر إلي وأنا عارية».
وأضافت باكيةً: «كانت هناك مجنَّدة قذرة تدعى نيتشة تعتدي علي، وتحرَّشت بي جنسيًا أكثر من مرة، وكانت تأتي مع ثلاث مجندات وتأخذني من غرفتي مساء بحجة الاشتباه بي وأنهن يردن تفتيشي؛ إلا أنها كانت تعتدي عليّ جنسيًا بالقوة، وتكرّر هذا الموقف مرارًا وتكرارًا، وفي كل مرة كنت أشعر بمنتهى الإهانة والقسوة، وما زال هذا الموقف حتى الآن كلما تذكرته يشعرني بالإحباط والضعف النفسي»
اقرأ أيضًا: الأسيرات الفلسطينيات في سجون إسرائيل.. «الإيد إلا بتوجع»
التعذيب الجنسي ممنهج في سجون الاحتلال.. ولم يسلم منه 40% من الأطفال المعتقلين
السلطات الإسرائيلية متورطة في تعذيب جنسي ممنهج.
هكذا خلص تحقيق للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، وأجرى التحقيق دانيل واشيت، العضو باللجنة، وخرج التحقيق للنور، في نوفمبر 2015، وجاء تحت عنوان «التعذيب الجنسي من السلطات الإسرائيلية ضد الرجال الفلسطينيين»، واستقصى التحقيق شهادات الاعتداءات الجنسية في الفترة من عام 2012 وحتى عام 2015، ورأى منفذه أن هذا التحقيق هو الأول من نوعه.
وكشف التحقيق أن الرجال الفلسطينيين، عرضة أيضًا للاعتداءات الجنسية من قوات الاحتلال وليس النساء فقط، وتمكن واشيت من توثيق 60 شهادة حول الاعتداءات الجنسية والتعذيب الجنسي الذي تعرض له الفلسطينيون، تضمنت77 حالة اعتداء جنسي، تنوعت بين التحرش الجنسي اللفظي (36 حالة)، والتعرية القسرية (35) ، والاعتداء الجنسي البدني (6).
وفي سياقٍ متصل، لم يسلم الأطفال الفلسطينيون أيضًا، من الاعتداءات الجنسية التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين، ففي نوفمبر 2014، أصدرت مجموعة «نادي السجناء الفلسطينين» تقريرًا أفاد بأنه من بين 600 طفلالذين اعتقلوا في القدس منذ يونيو (حزيران) 2014، هناك 40% منهم تعرضوا تعرضوا لاعتداءات جنسية من قوات الاحتلال، وهو ما يوازي 240 طفلًا.