إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ

شفقنا : قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114] {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}: وساعات من الليل قريبة من النهار من أزلفه إذا قربه وهو جمع زلفة. في التهذيب: عن [الإمام] الباقر (عليه السلام) طرفاه: المغرب والغداة، وزلفا من الليل: هي صلاة العشاء الآخرة. والعياشي: عن [الإمام] الصادق (عليه السلام) مثله. {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}: يكفرنها. وفي الحديث النبوي المشهور إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكباير. وفي الأمالي عن [الامام] أمير المؤمنين (عليه السلام) إن الله يكفر بكل حسنة سيئة ثم تلا الآية. وفي الكافي، والعياشي: عن [الإمام] الصادق (عليه السلام) في هذه الآية صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار. والقمي مثله. وفي الكافي: عنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعدهن إلا هالك: يهم العبد بالحسنة فيعملها فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيته وإن هو عملها كتب الله له عشرًا، ويهم بالسيئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء وإن هو عملها أجّل سبع ساعات، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال: لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها فإن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} أو الاستغفار…

في رحاب كلام الله.. النظم الكلامي في القرآن الكريم

 شفقنا العراق : كان من إعجاز القرآن الكريم أن أقام أبنية من النظم الكلامي غير مستندة إلاّ على ما بينها من تناسق هندسي، وتجاذب روحي، وترابط الكلمات، وتعانق الآيات، أحكمه الحكيم العليم، وقدَّره اللطيف الخبير. تعريف النظم النظم هو لجام الألفاظ، وزمام المعاني، وبه تنتظم أجزاء الكلام ويلتئم بعضها ببعض، فتقوم له صورة في النفس، يتشكل بها البيان. والنَّظْمُ هو وضع كلِّ لفظ في موضعه اللائق به، بحيث لو أُبدل مكانه غيره ، ترتب عليه إمّا تبدل المعنى، أو ذهاب رونقه وسقوط البلاغة معه. والنظم هو رعاية قوانين اللغة وقواعدها، على وجه لا يكون الكلام خارجاً عمّا هو المرسوم بين أهل اللغة. هذه تعاريف ثلاثة للنظم، غير أنّ المقصود منه هنا هو تماسك الكلمات والجمل، ووضع كل كلمة مكانها. وأمّا رعاية القوانين، فهي وإنّ كانت دخيلة، في تحقق النظم ـ فإنّ الكلام الخارج عن إطارها متخلخل ـ غير أنّ القرآن أرفع شأناً من أن يعرض على القواعد، بل هي تعرض عليه، كما تقدم. ولأجل ذلك نركّز في النظم على الأمرين الأولين، الانسجام أولاً، ووضع كل كلمة مكانها، ثانياً.

حقيقة التأويل في القرآن الكريم (1)

 شفقنا : فسّر قوم من المفسرين التأويل بالتفسير وهو المراد من الكلام، وإذا كان المراد من بعض الآيات معلومًا بالضرورة كان المراد بالتأويل على هذا من قوله تعالى: (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) «1»، هو المعنى المراد بالآية المتشابهة فلا طريق إلى العلم بالآيات المتشابهة على هذا القول لغير اللّه سبحانه أو لغيره وغير الراسخين في العلم. وقالت طائفة أخرى: إن المراد بالتأويل: هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ وقد شاع هذا المعنى بحيث عاد اللفظ حقيقة ثانية فيه بعدما كان بحسب اللفظ لمعنى مطلق الإرجاع أو المرجع. وكيف كان فهذا المعنى هو الشائع عند المتأخرين كما أن المعنى الأول هو الذي كان شائعًا بين قدماء المفسرين، سواء فيه من كان يقول: إن التأويل لا يعلمه إلّا اللّه، ومن كان يقول: إن الراسخين في العلم أيضًا يعلمونه كما نقل عن ابن عباس، أنه كان يقول: أنا من الراسخين في العلم وأنا أعلم تأويله. وذهبت طائفة أخرى: إلى أن التأويل معنى من معاني الآية لا يعلمه إلّا اللّه تعالى، أو لا يعلمه إلّا اللّه والراسخون في العلم مع عدم كونه خلاف ظاهر اللفظ فيرجع الأمر إلى أن للآية المتشابهة معاني متعددة بعضها تحت بعض، منها ما هو تحت اللفظ يناله جميع الأفهام، ومنها ما هو أبعد منه لا يناله إلّا اللّه سبحانه أو هو تعالى والراسخون في العلم. وقد اختلفت أنظارهم…

بحث في الفرق بين جرح واجترح واستحالة الترادف بين الألفاظ في كتاب الله

موقع إعجاز القرآن والسنة : كتب الدكتور أنس العمايرة بحثاً في الفرق بين جرح واجترح واستحالة الترادف بين ألفاظ القرآن الكريم ما يلي : [ الفرق بين جَرَحَ و اجْتَرحَ في لغة التنزيل بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: (جَرَحَ و اجْتَرحَ)  فعلان قرآنيان متفقان في الجذر اللغوي: (جَرَحَ)، كثيرٌ من المفسرين فسر كلا الفعلين بمعنى: الكسب. يقول ابن الجوزي -على سبيل المثال لا الحصر-: (وجرحتم بمعنى كسبتم)(1) (1) زاد الميسر: 3/55، مرجع سابق.   ويقول: (واجترحوا بمعنى : اكتسبوا)(2). (2) زاد الميسر:7/361، وانظر كذلك -على سبيل المثال-: التبيان في تفسير غريب القرآن للهائم المصري:1/179و 1/377، و معاني القرآن للنحاس: 2/264و438و 6/425، مراجع سابقة.   وإلى ذلك ذهب كثير من أصحاب المعاجم، يقول أبو بكر الرازي في مختار الصحاح: (و”جَرَحَ”: اكتسب. وبابه أيضا قَطَعَ، “واجترح” مثلُه)(3). (3) مختار الصحاح: 42، مرجع سابق.   ويقول ابن منظور في لسانه: (وجَرَح الشيءَ واجْتَرَحَه: كَسَبه، وفي التنزيل: ]وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ[ (الأنعام:60) …… وفلان يَجْرَحُ لعياله ويَجْتَرِحُ ويَقْرِشُ ويَقْتَرِشُ بمعنى. وفي التنزيل: ]أَم حَسِبَ الذين اجْتَرَحُوا السيِّئات[ أَي: اكتسبوها)(4). (4) لسان العرب: 2/422، مرجع سابق.   ويقول الفيومي في “المصباح المنير”: (“جَرَحَ” و “اجْتَرَحَ”: عمل بيده واكتسب)(5). (5) المصباح المنير: 1/95، مرجع سابق. ويقول الفيروز آبادي في القاموس المحيط: (وجَرَحَ كمنع: اكتَسَبَ كاجْتَرَحَ)(6). (6) القاموس المحيط:1/217-218، مرجع سابق.   ويقول “مرتضى الزبيدي” في “تاج العروس من جواهر القاموس”: (جَرَحَ…

مصادر تفسير القرآن الكريم (5)

شفقنا : المصدر اللغوي يمكننا أن نصل إلى ضرورة هذا المصدر عقليًّا وحسيًّا، لأن استقراء ما كتب في القرآن وتفسيره يدلنا على حقيقتين هما: الأولى: إن كثيرًا من الأئمة والصحابة والتابعين كانوا إذا سئلوا عن معنى كلمة غريبة في القرآن رجعوا إلى شعر العرب، واستشهدوا بأقوالهم وجعلوا ذلك ميزانًا حاكمًا فيما يجيبون به، وهم بذلك يختلفون شدة وضعفًا، إلا أن أشهرهم بذلك ابن عباس. الثانية: إن أرباب المعرفة، وجهابذة اللغة، وفي طليعتهم: أبو عبيدة والفراء والمبرد وابن قتيبة والزجاج والشريف الرضي والراغب الأصبهاني وأمثالهم، قد ألفوا في الغريب والمعاني والألفاظ القرآنية، وقد أرجعوا جملة كبيرة من أصول ذلك إلى أقوال العرب، وما يؤثر عنهم من شعر ونثر ومثل. فإذا أضفنا إلى ذلك خصيصتين: الأولى: إن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فأهل اللسان بعد هذا عادة هم أدرى به وأروى للغته، وهو موجه له ، وعليهم معرفة ما فيه من أمر ونهي، وزجر وعبرة، ليكون التكليف منسجمًا مع الفهم، أما تكليف الانسان بما لا يفهم ولا يعي فهو خلاف التبيين الذي صرح به الكتاب الكريم. الثانية: إن المفسرين بصورة عامة قد استندوا على اللغة في كثير من النصوص القرآنية، فبحثوا القراءة والحجة والأعراب والأصوات والتصريف وعلل النحو، كما خاضوا في تفصيلات اللغة المنسجمة مع بلاغة القرآن من مجاز وكناية واستعارة وتشبيه وتمثيل مما يسهل فهم القرآن، وكان هذا الأمر متداولًا فيما بينهم…

سلامة القرآن من التحريف (2)

شفقنا : يكفي في الجواب عن هذه الروايات ورفضها افتقار الآيات المزعومة للحد الأدنى من المستوى الفني والبلاغي المألوف في كلام البلغاء وأسلوبهم، فضلاً عن أن ترتقي إلى روعة القرآن الكريم ومكانته السامية التي حيّرت البلغاء وأهل الفصاحة على مرّ العصور، حتى قال عنه الوليد بن المغيرة المخزومي: “ما هذا من كلام الإنس ولا من كلام الجن، والله إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق، وإنّه يعلو ولا يعلى عليه” (1). وهذا يشهد بأنّ هذه الروايات ـ رغم ورودها في صحاح الجمهور ـ من عبث الرواة أو دسائس المحرّفين والطغاة. وأنّ عجزهم عن مجاراة القرآن الكريم مضموناً وأسلوباً خير شاهد على تميزه وإعجازه (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (2). وقد تنبّه بعض المحققين منهم، فرفض هذه النصوص جملةً وتفصيلاً، معترفاً بعدم جدوى تأويلها بنسخ القرآن مثل السرخسي ـ بالنسبة لنسخ الحكم والتلاوة ـ والجزيري والسايس والعريض. قال السرخسي: لا يجوز هذا النوع من النسخ ـ نسخ الحكم والتلاوة ـ عند المسلمين، وقال بعض الملحدين ممّن يتستّر بإظهار الإسلام ـ وهو قاصد إلى افساده ـ هذا جائز بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً، واستدلّ في ذلك بما روي أن أبا بكر الصديق كان يقرأ “لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم”…

سلامة القرآن من التحريف (1)

 شفقنا : وهذا من أهم ما اهتم به الباحثون في علوم القرآن. وقبل البحث في ذلك لابدّ أن نمرّ على معاني التحريف وتحديد الموقف من كل واحد منها.. المعنى الأول: التحريف في تفسير القرآن الكريم، بمعنى حمل الآيات الكريمة على غير معناها الحقيقي، كما يفعل الظالمون وأعوانهم، وأهل البدع والمنحرفون حيث يفسّرون الآيات القرآنية بغير معانيها تبعاً لأهوائهم أو آرائهم المنحرفة. قال ابن منظور: والتحريف في القرآن والكلمة: تغيير الحرف عن معناه والكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه، كما كانت اليهود تغيّر معاني التوراة بالأشباه، فوصفهم الله بفعلهم، فقال تعالى: (يحرّفون الكلم عن مواضعه) (1) وهذا المعنى من التحريف لا يشك أحد من المسلمين في تحققه قديماً وحديثاً، وقد ورد ذمّ هؤلاء المحرّفين والتحذير منهم، قال الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: “إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالاً ويموتون ضلّالاً، ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه..”(2)، وقال (عليه السلام) في وصف أهالي بعض الأزمنة المستقبلة: “وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق (أي أروج) منه اذا حُرّف عن مواضعه…”(3). وفي رسالة الإمام محمد الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: “وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه” (4). المعنى الثاني:…

من هو الذي يكذب بالدين؟

شفقنا: أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ (3) فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ (4) ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ (5) ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ (6) وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ (7)  إنه الإنسان الجاهل، المتكبر، الإنسان الضال، المغرور برأيه وبنفسه. ولا يخطر على بالنا: أن مجرد عدم حض الناس على طعام المسكين، وكذلك دعّ اليتيم، يصلح أن يكون عنوانًا للتكذيب بالدين، أو أن له أي ارتباط به. ومعنى ذلك هو أن هناك أمورًا نتخيل أنها لا أهمية لها، ثم يتبين لنا أنها ترتبط بأمور خطيرة جدًّا، حتى على مستوى التكذيب بيوم القيامة. ومن جملة هذه الأمور ما ذكرته السورة المباركة من أن أوصاف وخصوصيات من يكذّب بالدين أنه لا يحض على طعام المسكين.. فكيف نفسر ذلك! وعلى وفق أي معيار يمكننا أن نفهمه و نتعقله؟! ويمكن أن يقال في الجواب: إن قضية التدين أساسًا، إنما تعني العبودية، والخضوع، والانقياد للّه عز وجل، والالتزام بأوامره ونواهيه، وهذا الخضوع يحتاج إلى‌ استعداد نفسي، ولا يكفي أن يمارس الإنسان خضوعًا ظاهريًّا جوارحيًّا، وحسب. فالجندي مجبر على تأدية التحية لرئيسه، ولكنه لو خلي وطبعه فقد يكون يكرهه، بل ويكره الدخول في الجيش من الأساس. ومن الواضح: أن الخضوع الحقيقي للّه عز وجل يحتاج إلى معرفة ووضوح في الرؤية بالنسبة لألوهيته سبحانه وتعالى، وبالنسبة إلى صفاته، ثم إلى تقييم دقيق لحقيقة النعم والألطاف والرعاية…

دورة التاريخ في القرآن

شفقنا :   (وَنُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ). [القصص : 5]. (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِن بَعْدِ الذّكْرِ أَنّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصّالِحُونَ). [الأنبياء : 105]. (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لّمْ تَطَؤُوها). [الأحزاب : 27]. (قَالَ مُوسَى‌ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُوا إِنّ الأَرْضَ للّهِ‌ِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ). [الأعراف : 128]. (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ الْحُسْنَى‌ عَلَى‌ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ). [الأعراف : 137]. هذه الجملة من الآيات الكريمة لها دِلالات عجيبة في ترسيم سنّة الله تعالى في تداول الأيام، والقوّة والسلطان، والسيادة بين الناس، وهي ترسم لنا دورةً كاملة للتاريخ في حركته المستمرة الدائبة، ونلاحظ نحن في هذه الحركة الأصول التالية ـ التي ترسم لنا سنن الله في التاريخ ـ: 1ـ أنّ القوة والمال تتبعان دائماً الصلاح والتقوى، وكلّما حلّ بقوم الصلاح حلّت معه القوة والسلطان والمال، بعكس ما يتصوّر الناس ـ عادةً ـ من أنّ الإنسان يكسب القوّة والمال بالعدوان والغش والظلم والفساد، والقرآن يؤكد كثيراً، وفي تعبيرات مختلفة، هذا المعنى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ). [الأعراف : 128]. (وَتَمّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ الْحُسْنَى‌ عَلَى‌ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا). [الأعراف : 137]. (لّيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذّبَ الْمُنَافِقِينَ…

آيات القرآن الكريم القاطعة في الإخبار بالغيب

 شفقنا : انظروا إلى الآيات التالية كيف تحكم بأمر الغيب على نحو القطع واليقين. (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ، سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ). «1» (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى (عذاب الدنيا) دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). «2» حيث إنّ المراد بالعذاب الأدنى هنا، هو العذاب في الدنيا من حرب وجرح وقتل وأسر، مقابل عذاب البرزخ، لأنّ (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) قرينة لهذا المعنى. ولو كان العذاب الأدنى أحد أنواع العذاب البرزخيّ أو حين الاحتضار، لما كان من أمل بالرجوع عن الذنب، لأنّ الأمر سيكون ممّا لا رجعة فيه. (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ، (بما أنّه لم يَحِنْ ذلك الزمن بعدُ) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (ماذا سيحلّ بهم). «3» (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ). «4» (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) «5» (فيبقى أثره واضحاً على الدوام). وهذه الآيات عائدة إلى الوليد بن المُغيرة، وكان من المشركين ومن أعداء رسول الله، وقد نزلت هذه الآيات في مكّة، وكان إذا تُليَت عليه آياتُ القرآن قال. ليس في الأمر من جديد، فهذا كلّه من أساطير الأوّلين. ويقول الله تعال . إنّنا سنسمه على خُرطومه أي على أنفه، وسماً يبقى ولا يزول. وقد جاء هذا الرجل في وقعة بدر التي وقعت قرب المدينة في السنة الثانية للهجرة، ليحارب النبيّ…

عمدة البيان في ترتيب القرآن

معلومات الكاتب : الاسم : السيد محمد حسين الطبطبائي  في ثلاثة فصول : الفصل الأول معنى الأجزاء والأحزاب القرآنية إن للقرآن الكريم أجزاء يعرف بها كالجزء والحزب والعشر وغير ذلك والذي ينتهي اعتباره إلى عناية من نفس الكتاب العزيز اثنان منها وهما السورة والآية فقد كرر اللّه سبحانه ذكرهما في كلامه كقوله: (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) «1» وقوله: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) «2». وغير ذلك. وقد كثر استعماله في لسان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والصحابة والأئمة كثرة لا تدع ريبًا في أن لها حقيقة في القرآن الكريم وهي مجموعة من الكلام الإلهي مبدوءة بالبسملة مسوقة لبيان غرض، وهو معرف للسورة مطرد غير منقوض إلّا ببراءة وقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام أنها آيات من سورة الأنفال، وإلّا بما ورد عنهم عليهم السّلام أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة وأن الفيل والإيلاف سورة واحدة. ونظيره القول في الآية فقد تكرر في كلامه تعالى إطلاق الآية على قطعة من الكلام كقوله: (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) «3»، وقوله: (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) «4»، وقد روي عن أم سلمة أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كان يقف على رؤوس الآي وصح أن سورة الحمد سبع آيات، وروي عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن سورة الملك ثلاثون آية إلى غير ذلك مما يدل على وقوع العدد على الآيات في…

عمدة البيان في ترتيب القرآن

شفقنا : في ثلاثة فصول : الفصل الأول معنى الأجزاء والأحزاب القرآنية إن للقرآن الكريم أجزاء يعرف بها كالجزء والحزب والعشر وغير ذلك والذي ينتهي اعتباره إلى عناية من نفس الكتاب العزيز اثنان منها وهما السورة والآية فقد كرر اللّه سبحانه ذكرهما في كلامه كقوله: (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) «1» وقوله: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) «2». وغير ذلك. وقد كثر استعماله في لسان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والصحابة والأئمة كثرة لا تدع ريبًا في أن لها حقيقة في القرآن الكريم وهي مجموعة من الكلام الإلهي مبدوءة بالبسملة مسوقة لبيان غرض، وهو معرف للسورة مطرد غير منقوض إلّا ببراءة وقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام أنها آيات من سورة الأنفال، وإلّا بما ورد عنهم عليهم السّلام أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة وأن الفيل والإيلاف سورة واحدة. ونظيره القول في الآية فقد تكرر في كلامه تعالى إطلاق الآية على قطعة من الكلام كقوله: (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) «3»، وقوله: (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) «4»، وقد روي عن أم سلمة أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كان يقف على رؤوس الآي وصح أن سورة الحمد سبع آيات، وروي عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن سورة الملك ثلاثون آية إلى غير ذلك مما يدل على وقوع العدد على الآيات في كلام النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.…

ماذا تفعل آيات القرآن بنفوس المؤمنين؟

شفقنا : إنّ القرآن هو أفضل القول وإنّ آياته متشابهة وناظرة إلى بعضها، وإنّ جلود المتّقين تقشعرّ عند قراءته أو استماع آياته، وإنّ القلوب والأبدان تطمئنّ وتستقرّ بذكر الله. وهذه هي المسيرة التي وضع القرآن عالَم الآدميّة فيها على مدارج ومعارج الروح والنفس، وكان له بالغ الأثر على أرواح المؤمنين ونفوسهم، وهذه هي الهداية الإلهيّة مقابل تخبّط المعرضين عن القرآن في وادي الظلمات متشبّثين بالأهواء والخيالات والتصوّرات حتى آخر عمرهم. والقرآن في الحقيقة كالمحكّ الذي يميّز المهتدي عن الضالّ في صَفَّين متميّزَين. صفّ المؤمنين والسير في الكمال النفساني ، وصفّ الكافرين والجمود في زوايا الأهواء النفسانيّة، فهو كالبيّنة القويمة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ). «1» يستتبع حياة الخلود للمؤمنين المنهمكين بالسجود والبكاء والتسبيح والتقديس وقيام الليل والمسألة والدعاء والرغبة والرهبة إلى الله سبحانه، وتحليق الروح إلى عالم التوحيد وارتجاف البدن واقشعرار الجلد ووجل القلب من خوف هجر المحبوب الأزليّ، والطمأنينة والسكينة من وجد وصال المعشوق السرمديّ والحظو بلقائه. تأمّلوا في هذه الآيات في كيفيّة امتداح وتمجيد القرآن الكريم للذين تربّوا في هذه المدرسة. وأي آثار وخصائص يمتدحها فيهم، وأخيراً الصفات والمزايا النفسيّة والملكات الروحيّة التي يُشير إليها في خِرِّيجي هذه المدرسة، والتي هي مثار الإعجاب حقّاً. (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا…

قصة عيد الغدير كاملة

إذاعة طهران : واقعة الغدير تعدّ من أهم الوقائع التاريخية في حياة الأمة الإسلامية، حيث قام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم – خلالها وبُعَيد عودتة من حجّة الوداع والتوقف في منطقة غدير خم – بإبلاغ المسلمين بالأمر الإلهي الصادر بتنصيب علي بن أبي طالب عليه السلام إماماً للمسلمين وخليفة له صلى الله عليه وآله وسلم عليهم، والتي انتهت بمبايعته عليه السلام من قبل كبار الصحابة وجميع الحجاج الحاضرين هناك.   اليكم قصة عيد الغدير كاملة: يوم الغدير من أشهر الأيام في حياة رسول الإسلام (ص) ولقد وثقته كل الكتب التاريخية على اختلاف مذاهبها وذكرت العديد من تفاصيل هذا اليوم العظيم.. فما هي قصته؟ جبرائيل يبلغ الرسول (ص) لما انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع والمسلمون معه وهم على بعض الروايات زهاء مائتي ألف نسمة، سار (صلى الله عليه وآله) نحو المدينة، حتى إذا كان اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وصل ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن معه من المسلمون ـ إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين عن غيرهم، ولم يكن هذا المكان بموضع إذ ذاك يصلح للنزول، لعدم وجود الماء فيه والمرعى، فنزل عليه الأمين جبرئيل (عليه السلام) عن الله بقوله تعالى: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ))[2].…