فوزي بن يونس بن حديد
من المعلوم أن جامعة الزيتونة منذ تأسيسها وعبر تاريخها العريق أنها جامعة أكاديمية، تتبع النهج البحثي والاستقصائي في سياستها منح الشهادات العلمية، وفي تاريخها أيضا لم يذكر عنها أنها منحت لأيّ كان دكتوراه فخرية، وتلك هي سياستها إلى الآن، كل من انضم إليها حاز ونال بشرف درجته العلمية عن اقتدار دون مجاملة او محاباة، أما من يريد أن ينال شهادتها دون تعب وشقاء فلا يحصل عليها كما أراد، وقد عُرفت جامعة الزيتونة بأنها أول صرح علمي ديني عربي وعالمي، لعبت دورا مهما في التاريخ الإسلامي، تخرج منها جهابذة التاريخ والحضارة الإسلامية والعلماء المسلمين، وكانت وجهة كل طالب وطالبة يبتغيان العلم الشرعي، فقد وَلدت الطاهر بن عاشور وابن خلدون وغيرهما من العلماء، واتبعت نهج التسامح ونبذ العنف والاعتراف بالآخر وعدم إقصائه.
كانت جامعة الزيتونة تعيش أوج ازدهارها في التاريخ منذ القرن الثامن الميلادي الموافق للقرن الثاني الهجري، واستمر وهجها مُضاءً إلى وقت متأخر من القرن العشرين حيث جمّد الحبيب بورقيبة الرئيس الأسبق لتونس دورها في الحياة الدينية بزعم أنها تفرخ الإرهاب وتنشر الدين الإسلامي وتعلم الناس كيف ينتفضون على الحكام، ومن بعده جاء بن علي وجفف منابعها وكتم أنفاسها بالقوة بالدعوى نفسها او قل بمحاربة الإسلام جهرة وعلانية رغم سلمية الجامعة واعتدالها وسياستها الوسطية التي تنفذ إلى المجتمع التونسي، فتضاءل دورها وبقي جامع الزيتونة يؤدي دوره الكلاسيكي، تُؤدى فيه الصلوات ويحتفل فيه بالمولد النبوي الشريف الذي كان يحضره رئيس الجمهورية بلباسه التقليدي وشكله الديني الصوري، وبينما كان بورقيبة وبن علي يحاربان جامعة الزيتونة وما تنتجه من كوادر دينية على مستوى عال من العلم والمعرفة جاءت الثورة التونسية والانتفاضة العارمة لتحيي هذا الصرح العلمي من جديد وتفتح أبواب العلم الديني الأكاديمي وتعلي راية الجامعة وتعيد لها ألقها وبهاءها وإشعاعها العربي والعالمي.
وعندما تبنت جامعة الزيتونة سياسة الدراسة الأكاديمية لم تحد عنها، ولم تمنح يوما شهادة دكتوراه فخرية لأحد، وعندما وردها طلب رئاسي بمنح الملك سلمان دكتوراه فخرية ردت عليه باحترام وأدب أن الجامعة تأسف لذلك لأنها لا تمنح شهادة دكتوراه فخرية لأحد مهما كان حتى ولو كان ملكا، وحتى لو جاء الطلب من أعلى مؤسسة في البلاد، هذا التمسك بالمبدأ فخرٌ للجامعة ولتونس بعد الثورة وهو مكسب من مكاسب الثورة، لكن قد يثأر السبسي منها ذات يوم لأنها رفضت طلبه باعتباره رئيس الجمهورية، فحوّل وجهته إلى القيران معقل الفاتح العظيم عقبة بن نافع.
وقد تكون جامعة الزيتونة ترى في الملك سلمان أنه غير كفء لتسلم هذه الشهادة لسجله السياسي الذي يرفضه الشعب التونسي ومنه الحرب التي أعلنها على اليمن وتقارير حقوق الإنسان التي تتهم السعودية بانتهاكها والمسؤولية عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي وعدم الصرامة في محاسبة ابنه الأمير محمد المتورط في هذه القضية، زد على ذلك ما تفعله بدولة قطر من حصار وإغلاق للمنفذ البري الوحيد، وسياسة الإقصاء لعدد من المشايخ والناشطين والناشطات السعوديين الذين زجت بهم في السجون وغيرها من المشاكل التي تشهدها السعودية التي بدّلت جلدها بعد أن كانت الوهابية سيدة الموقف السياسي والديني، وقد ساهمت إلى حدّ كبير في تدمير سوريا من خلال دعم الجماعات المسلحة، كل هذا الحصاد كان نقاطا سوداء في سجل الملك سلمان ومنعته من أن يتسلم شهادة دكتوراه من أعرق الجامعات في تونس وأعلاها رتبة وأقدمها تاريخا.
وحينما وافقت جامعة القيروان، جاء المدد السلماني، فقد أمر بترميم جامع عقبة بن نافع والمدينة العتيقة بالقيروان وإنشاء مستشفى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الجامعي بالقيروان وترميم جامع الزيتونة المعمور، وأعتقد أنه لو رفضت جامعة القيروان منح الدكتوراه الفخرية للملك سلمان لرفض أن يمنح كل ذلك لتونس، في وقت كانت فيه تونس تشهد تغيرات سياسية كبيرة في نظامها السياسي، ولا تقبل في الوقت الحاضر وصاية من أحد مهما كان وضعه السياسي لأنها تستمد السلطة من الشعب، وبالتالي فهي تتغير تدريجيا رغم الضعف الاقتصادي والوضع السياسي إلا أنها ترفض دائما وأبدا التدخل في شؤونها الداخلية ولا تقبل أي مساومة على مبدئها وكرامتها وعزتها.
كاتب تونسي
abuadam-ajim4135@hotmail.com