"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

كيف تَحَوَّلت حركة “طالبان” إلى العَروس الجَميلة التي يَطلُب الجَميع وِدَّها؟ ولِماذا يَعنِي ذِهاب وفدها إلى طِهران صَدمَةً للأمريكيين وحُلفائَهم العَرب؟ وهَل ستَكون ذِراعًا عسكريًّا مُستَقبَليًّا لطِهران لاستِنزافِ القُوّات الأمريكيّة عَسكَريًّا وسِياسيًّا؟

راي اليوم :

لا نُبالِغ إذا قُلنا أنّ العام المُقبِل سيَكون عام حركة “طالبان” في آسيا على الأقَل، فالتَّطوُّرات التي حَدثَت في الأشهُر الأخيرة مِن العام المُنصَرِم (2018) أكَّدت أنّ أطرافًا مُهِمَّةً سعَتْ وتَسعَى إلى كَسبِ وِدّها، بِدءًا مِن الإدارة الأمريكيّة، ومُرورًا بالعَرب (دول خليجيّة خاصّة)، وانتِهاءً بالإيرانيين الذين دخَلوا على الخَط بقُوَّةٍ.

كانَ مُفاجِئًا، بَل واستِفزازًا، لجَميع الأطراف المَذكورة آنِفًا، الإعلان الإيرانيّ الذي صَدر اليوم الاثنين “بأنّ مُمثِّلين عَن حركة “طالبان” الأفغانيّة أجْروا مُفاوضَات مع مَسؤولين إيرانيين في العاصِمَة طِهران أمس الأحد، فيمَا تسعَى الجمهوريّة الإسلاميّة إلى دَفعِ مُحادثاتٍ للسَّلام في الدُّوَل المُجاوِرة لكَبْح تأثير جَماعات إسلاميّة أُخرَى”.

السيد بهرام قاسمي، المُتحدِّث باسم وزارة الخارجيّة، أكَّد أنّ هَذهِ المُحادَثات تمَّت بعِلم الرئيس الأفغانيّ أشرف غني، وتَهدُف إلى رسم مَعالِم مُفاوضات بينَ طالبان والحُكومة الأفغانيّة.

هُناك خطّان مُتنافِسان للمُفاوضات مَع حركة “طالبان” التي لم تَعُد تُوصَف بأنّها مُنظّمة إرهابيّة على ألسِنَة المُتَحَدِّثين الأمريكان والأُوروبيين، وسُبْحان مُغَيِّر الأحوال:

  • الأوّل: بَدأ في الدوحة، وانتَقل فجأةً إلى أبو ظبي، بين مُمثِّلين عن الحَركة والسيد زلماي خليل زاد، المَبعوث الأمريكيّ إلى أفغانستان، وتُمهِّد للتَّوصُّل إلى “اتِّفاق سلام” قبْل الانتِخابات الرئاسيّة والتشريعيّة التي كانَت مُقرَّرةً في نيسان (إبريل) العام المُقبِل (2019)، وجَرى تأجيلها إلى شهر تموز (يوليو)، وبِمَا يُمهِّد الطَّريق لانسِحاب القُوّات الأمريكيّة.
  • الثّاني: بين حركة طالبان وحُكومة أشرف غني في طِهران للتَّوصُّل إلى اتِّفاقِ سَلامٍ بينَ الأطراف الأفغانيّة، وبَعيدًا عَن أيِّ وَساطةٍ أمريكيّةٍ، لتَحقيق مُصالحة داخليّة، تَعود بالاستِقرار لأفغانستان، ودول الجِوار (إيران والهند وباكستان)، وتُوحِّد الجُهود لمُحارَبة الجَماعات المُسلَّحة المُتطرِّفة، وخاصَّةً “الدولة الإسلاميّة” التي بَدأت تتَغلغل في الأراضِي الأفغانيّة.

الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب يُريد سَحب جميع جُنوده مِن أفغانستان بعد تَزايُد أعداد القَتلى في صُفوفِها، حيثُ بَلغ في العام الماضي 12 أمريكيًّا مِن مَجموع 2200 مُنذ بِدايَة الحَرب، على أن يبْدأ بتَخفيض عَدد هَذهِ القُوّات إلى النِّصف (مجموع عددها 14 ألف جندي) في الأشهُر الثَّلاثة المُقبِلة، ولكنّه لا يُريد أن يكون انسِحابًا أُحادِيًّا، أيّ مِن الطَّرف الأمريكيّ، ممّا يَعنِي اعتِرافًا بالهَزيمة بعد خسارة أكثَر مِن ترليونيّ دولار في الحَرب الأفغانيّة التي شنَّتها أمريكا مَدعومةً بحِلف النّاتو في تشرين أوّل (أكتوبر) عام 2001، وبَعد هجَمات الحادِي عشر مِن أيلول (سبتمبر) مُباشَرةً.

التَّقارُب الإيرانيّ الطالبانيّ سيُشَكِّل صَدمةً بالنِّسبةِ للإدارة الأمريكيّة، وضَغْطًا كَبيرًا بتزويد حركة المُقاومة الطالبانيّة بأسلحةٍ ومُعِدَّاتٍ قِتاليّةٍ مُتَطوِّرة مِثل الصَّواريخ التي سلَّمتها إلى “حزب الله” في لبنان، وحركة “أنصار الله” الحوثيّة في اليمن.

المَشروع الأمريكيّ في أفغانستان انْهار تَقريبًا وباتَت القُوّات الأمريكيّة فيها بمَثابَة “رهائِن” تحت رحمة حركة طالبان وحليفِها الإيرانيّ الجَديد، الأمر الذي يُفَسِّر هذا التَّهافُت الأمريكيّ للتَّوصُّل إلى اتِّفاقِ سلام يُنْقِذ ما تَبقَّى مِن ماء وجه الإدارة الأمريكيّة، ويُقَدِّم لها طَوق النَّجاة للخُروج مِن هذا المَأزَق.

حركة “طالبان” تَستعِد لإعادَة تأسيس إمارَتها الإسلاميّة في كابول للمَرّة الثّانية، ولن تَقبل بأيّ شراكة في الحُكم، وتُصِر على أنّ مُفاوضاتها مع المُحتَل الأمريكيّ يَجِب أن تتركَّز على أمْرٍ واحِدٍ، وهو تَأمين انْسِحاب آمِن للقُوّات الأمريكيّة فقَط.

حركة طالبان مِثل الفتاة الجَميلة التي يَطلُب الجَميع يدَها هَذهِ الأيّام، ولكنّها عَروسٌ جَميلةٌ شُجاعةٌ ومُسلَّحةٌ، قَدَّمت، وتُقَدِّم، دَرسًا في المُقاومة والصُّمود، وستَفْرِض جميع شُروطها في نِهايَة المَطاف.

“رأي اليوم”