صدى الخليج :
قد يكون من المناسب الان أن نكرر الشكر لنظام قام بعد ثورة اسلامية عارمة، وبنى فكره الاسلامي على منهاج الامامة الالهيّة، كما يعتقدها – قيادة وشعبا – متصلة بعصر النبوة بلا انفكاك ولا فصل، ورفع شعاراته الاممية في الدفاع عن المستضعفين والمظلومين والمحرومين، ليس في العالم الاسلامي فحسب، وإنما اينما وجد ظلم واستقوى به ظالم على مظلوم في العالم، وقد سببت هذه الثورة وما نتج عنها من مد ثوري اسلامي، صداعا وقلقا وارتباكا لدى أنظمة الهيمنة والاستكبار العالمي، دفعها الى العمل على التصدي لها، ومحاولة منع انتشار افكارها ودعوتها، وتمني زوال نعمتها على أهلها، لكنها لم تفلح في كبح جماح ذلك المد الاسلامي المبارك، أينما بلغت دعوته، ووجد آذانا صاغية وقلوبا واعية لها، وكان من اهم نتائجها، نشوء حركات اسلامية مقاومة في فلسطين ولبنان، باشرت عملها الجهادي، متوكلة على الله تعالى، ومستعينة بالنظام الاسلامي في ايران، واثبتت بالأدلة القاطعة، سقوط مقولة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، وأنها كانت مجرد دعاية أنزلتها الى الحضيض، ضربات رجال المقاومة في لبنان وفلسطين.
ولا يتردد الدارس لمختلف اطوار الحركة الثورية في ايران، منذ أوّل نشوئها، الى يوم انتصارها، وقيام نظامها الاسلامي، وما أفرزته من آثار إيجابية على محيطها الاسلامي، في ان يرجع فضل قيام ما استتبعها من حركات اسلامية ثورية اليها وحدها، حاملة تقريبا نفس الفكر الثوري، ومتّفقة في عناوينها وشعاراتها معها، في اعتبار الكيان الصهيوني، غدة سرطانية تجب ازالتها من أرض فلسطين، مهما بلغ الثمن وكانت التضحيات، وقد عبّر الامام الخميني على أهمّية وقيمة ذلك الصراع المرتقب، وتلك المواجهة المصيرية الحاسمة، بإطلاقه على جيش تحرير القدس، جيش العشرين مليون، آخذا بعين الاعتبار تورط دول معادية، في المواجهة المصيرية، ودخولها على خط المواجهة الى جانب العدو الصهيوني، وهي التي لا تزال تعتبر نفسها ضامنة لأمنه، وحامية وداعمة لكيانه، وما يستوجبه ذلك من رصيد بشري، كاف لاستكمال الصراع، وتحقيق النصر النهائي على الكيان الصهيوني الغاصب، ومن سيتورط معه.
وكلما اقتربنا من موعد الحسم مع العدو الصهيوني، كلما سقطت انظمة كانت فيما مضى تدّعي مؤازرة الشعب الفلسطيني في قضيته، في شراك التطبيع والتفريط في القضية، فباعوا بالبخس المبادئ والقضية معا.
هجمات الطابور المعادي لإيران الاسلام، تركزت على مجرد دعاوى لا تمت الى واقع ايران بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، وكل ما روجه اعداؤها من استكبار وصهيونية وعملاء لهما، كان محاولة يائسة منهم لإخفاء صورتها الحقيقية، التي تريد الخير للأمة الاسلامية، تفاديا من التأثير على شعوبها، والاقرار بدورها الرائد في الصحوة الاسلامية التي أسست معالمها، وفضلها الذي اقر به العالمون بحقيقتها، والقريبون من فكرها، والمنخرطون في نهجها المقاوم للإستكبار والصهيونية.
ومن حقنا اليوم بعد كل الذي حصل من انحراف أن نتساءل: اين كل اولئك الذين عبّروا مرارا وتكرارا انهم مع القضية الفلسطينية ؟ اين موقعهم الان؟ أليس قد تخلوا بسلوكهم المشين، عن وعودهم والتزاماتهم المبدئية تجاه اشقائهم الفلسطينيين؟ يؤسفني أن اقول ان الوضع اصبح أسوأ مما عرضت.
تعالوا نستعرض اليوم الانظمة العربية التي دخلت نفق التطبيع مع الكيان الصهيوني، وستصابون بالصدمة والاستياء، من تضاعف اعدادها بسرعة، ومن بقي منها خارج هذه القائمة الغير مشرفة ماضيا وحاضرا ومستقبلا، كان قاصرا عن تقديم شيء يفيد الفلسطيني المقاوم، وينفع قضيته في مواجهة عدو مدجج بأفتك الاسلحة الامريكية المتطورة، والمدعوم سياسيا واقتصاديا وعسكريا، من طرف الغرب وحلفاءه وعملاءه.
ونظرنا الى الداخل الفلسطيني وواقعه المضغوط بالاحتلال، والحصار الخانق لقطاع غزة، بمساعدة مصرية مدانة دينيا واخلاقيا، نجد ان فصائل مقاومته، قد رتبت اعمالها الجهادية، على اساس الاكتفاء الذاتي، وبمساعدة لا تقدر بثمن من اخوتهم الايرانيين، الذين قدموا من التقنيات والتجهيزات العسكرية، ما اربك حسابات العدو الصهيوني، واسقط اعماله العدوانية في فشل ذريع، ولم تحقق شيئا مما كان يصبو اليه، من اخضاع وإذلال الشعب الفلسطيني.
لقد كان موقف الجمهورية الاسلامية الايرانية واضح جدا من المأساة الفلسطينية، فلم يتردد نظامها الاسلامي في التعبير عنها، بانها مقدّم قضايا الشعب الايراني والشعوب الاسلامية، وفكان ولا يزال رافعا شعاراته منذ انتصار ثورته على ذلك الاساس.
هذا على المستوى النظري والاعلامي، اما على المستوى العملي والتطبيقي، فان ما قدمته ايران للمقاومة الفلسطينية – وقد كلفها ذلك من الامكانيات والجهد ما الله وحده يعلم مقداره – ما جعلها توسع من قدراتها في المقاومة، ودائرة امكاناتها وخياراتها العسكرية، وتدخل نطاق ردع العدو الصهيوني، ومعادلة تكافئ القوى، رغم الفارق الكبير بين تجهيزات القوتين.
لذلك نجدد قول كلمة شكرا ايران، كلمة معبّرة سبق ان قالها الناطقون باسم فصائل المقاومة الفلسطينية مرارا، اثناء احتفالاتهم السابقة بتفوقهم على العدو الصهيوني، وردعه عما تعود عليه سابقا من عربدة واستهتار..
شكرا لإيران الاسلام، كما شكرت من قبل، على تلك الصواريخ التي واجه بها الفلسطينيون غطرسة، ما كان لها ان تنكفئ خاسئة لولا فجر 4 وفجر5 الايرانيين.
وشكرا لإيران الاسلام، على هذا الكورنيت الايراني المبارك، الذي اعلنت الفصائل الفلسطينية، بظهوره كسلاح فعال بيد عناصرها، ان الميركافا ستكون لقمة سائغة لها، اذا حاولت الدخول الى غزة.
وشكرا لايران الاسلام، وحرسها الثوري – مفخرة كل مسلم – الذي ازعج اعداءه منذ تأسيسه، وكان صمام امان النظام الاسلامي، وكفيل مشروع الامة الاسلامية في تحرير فلسطين، رجال وعدو فصدقوا، وهذه مرحلة اخرى ناجحة، يجتازها مشروع المقاومة من أجل فلسطين، تمهيدا للمرحلة القادمة في التحرير الحقيقي والفعلي، وهي بنظر السائرين على خطى العزة والكرامة ليست ببعيدة.
وبينما تعمل ايران الاسلام من اجل تحرير فلسطين، ولا تدخر من اجل ذلك جهدا، نجد توسّع نطاق طابور التطبيع والعربي والاسلامي مع العدو الصهيوني، كل نظام ودوافعه ومبرراته التي ركز عليها عمله الخسيس، معلنا بذلك طي صفحة مناصرة اخوته واشقائه، والدخول تحت سقف العدو، ماحيا اي علاقة له بالمقومة والثورة ، وصدق نظام من تلك الانظمة، في ان يظهر بذلك المظهر المعيب، إذ كيف للعملاء ان يتحملوا وطأة ما يتحمله الشرفاء من معاناة في سبيل العزة والشرف الاباء؟
وفي المقابل أسائل الذين استجابوا لمؤامرات امريكا والغرب، في حل القضية الفلسطينية عبر المفاوضات، ومراحلها المتنوعة الفاشلة، ماذا حصلوا من مكسب يفيد فلسطين سوى اعترافهم بباطل العدو وشرعيته المزعومة، ومزيدا من الانزلاق في منحدر التنازلات عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ما زاد في نسبة انتهاكاته ووسع من نطاق اعتداءاته.
فكل الشكر لايران أولا وآخرا وكل العتب والادانة لخونة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وما ظهر خائن الا بتفريط الشعب لمواقعه وخلوها من طلائعه المكافحة.. العزة لا تعطى ولا تهدى، وانما تكتسب بالعلم والعمل وصدق النية والتضحية، وهكذا يجب أن نكون.
شكرا إيران.. ألف شكر