Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

لماذا كف الحمير عن النهيق؟

بقلم نور الدين أبو لحية

عندما كانت الحرب الناعمة تأكل الأخضر واليابس في دولنا العربية الممتلئة بالكآبة والتمزق، كان الخطباء والفقهاء ورجال الدين كلهم يحملون أعواد الثقاب وخزانات البنزين، ويشعلون النار في كل محل، ويدعون أن الحديث في السياسة من الدين، وأنه لا يمكن لهم أن يسكتوا عن الاستبداد، حتى لو قضوا على ثلثي الشعوب العربية، بل حتى لو لم يبقوا على واحد منها.

وكان من هؤلاء ثلة كبيرة معروفة أعلنت النفير العام، كالقرضاوي أبو الفتنة الأكبر، ومحمد حسان، والعريفي، والقرني، والريسوني، والضاري، والديلمي.. وغيرهم كثير.. كل عبر عن ذلك بطريقته الخاصة.

لكن بمجرد أن بدأت نيران تلك الفتنة تخمد، لتلد فتن جديدة أخرى، لا تقل عنها خطورة مثل ضرب اليمن، واستعمال كل الوسائل للقضاء على شعبها، ومثل تلك الفضيحة الكبرى التي فضح بها رأس الاستبداد العربي، والزيارات المتوالية لأعمدة الكيان الصهيوني للدول العربية، وخصوصا الخليجية منها.. سكت الجميع، وكأنهم بلعوا ألسنتهم، بل راح بعضهم يصرح بأنه لا يريد أن يتكلم في السياسة، لأن السياسية ليست من الدين.

وهكذا بقدرة قادر تحول أولئك الناشرون للخراب، والداعون للفتنة زهادا ورعين لا يريدون أن يلطخوا ألسنتهم بالسياسة النجسة، مع أنهم في حياتهم جميعا كانوا عبيدا مأجورين لسادتهم، يفتون بحسب ما يطلبون، ويرقصون بحسب النغمات التي يرددونها على مسامعهم.

فهم الذين دعوا إلى الجهاد في أفغانستان، وأرسلوا خيرة شباب الأمة ليقتلوا فيها، لا دفاعا عن أفغانستان، وإنما لأن السيد الأمريكي احتاج إلى من يدعمه في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، فاستأجر بعض الحمير ليقوم بذلك.

وهكذا عندما احتاج إلى تمزيق سورية وليبيا والعراق وكل الدول العربية القريبة من إسرائيل، راح يستعمل نفس الحمير، لتنهق بنفس النهيق الذي حفظته وتعودت عليه؛ فملأت أرض العرب روثا ونهيقا ونجاسة ودمارا.

لكن عندما أصبح الأمر مرتبطا بالقواعد الأمريكية في الخليج، والدول التي تساندها، لم ينبزوا ببنت كلمة، ولم يطلبوا من ملوكهم وأولياء نعمتهم أن يكفوا عن إرسال تلك المعونات الكبرى لأمريكا وإسرائيل، ولم يطلبوا منها أن تكف عنتريتها على المستضعفين في اليمن، ولم يطلبوا منها أن تكف عن تطبيعها وتعاونها مع إسرائيل، ولم يطلبوا منها أن تخرج أولئك المعارضين من السجون السعودية والخليجية، والذين يُهددون كل حين بالإعدام، ولم يطلبوا منها أن تقف مع أولئك المجاهدين الغزاويين الذين يقابلون المحتل الصهيوني بصدورهم العارية.

والسبب بسيط هو أنهم حرموا على أنفسهم الحديث في السياسة الذي أوجبه عليهم الشرع المقدس، في الوقت الذي فتحوا أفواههم بكل النجاسات المرتبطة بها.. فهل بقي لهؤلاء حرمة؟ وهل ما زلت لحومهم مسمومة يحرم الاقتراب منها؟ وهل ما زالت لهم حصانة دينية تمنع من انتقادهم، بل من توبيخهم، بل من كيل كل تهم العمالة لهم؟ وهل نشفق عليهم، فلا نطلق عليهم لقب الحمير.. مع اعتذارنا للحمير؟

إذا فعلنا ذلك، فإننا لا نقرأ القرآن الكريم، ولا نعترف بموازين العدالة الإلهية، فالله تعالى حذر من أن يصير علماء هذه الأمة مثل حمير بني إسرائيل الذين هجاهم، فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [الجمعة: 5]

وأخبر أنهم يضلون الناس، ويتاجرون بالدين، ويتلاعبون بالفتاوى، فقال: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]

وهكذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن كثيرا من علماء الأمة سيتحولون إلى حمير مثل حمير بني إسرائيل، وسيصبحون مجرد مراكب للساسة والمستبدين والظلمة يركبونهم، ويحملون عليهم كل ما شاءوا من مظالم، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لأنا من غير الدّجّال أخوف عليكم من الدّجّال) فقيل: وما ذلك؟ فقال: (من الأئمّة المضلّين)([1])

————–

([1]) رواه أحمد.