* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى أنبياء الله المرسلين، وسلام الله على أهل بيته وأصحابه الطاهرين.
أحد الإخوان، يؤكد على السؤال الذي سأله، منذ مدة، حول وضع المسلمين، وكيفية نشر الدعوة الإسلامية، وعن الأفكار الإسلامية، هل تتناسب مع حياتنا أم لا؟ ويصر على الإجابة، وأنا أؤكد على الإجابة، وهذا بحاجة إلى محاضرة. وسوف يرد في محاضرتنا عن العلم والدين، بإذن الله، وسأتكلم فيه حتمًا. يعني ما هربت من الجواب، إنما ما حاولت أن أبتر الجواب لأن الجواب إذا جاء مبتورًا، لا يدخل في العقل ولا يشمل. وبالنسبة إلى المسائل الدينية نحن لسنا فقط نريد المنطق والبرهان بل نريد أن نعيش الفكرة. وحتى نعيش الفكرة بحاجة إلى ذكر شواهد وأمثلة، أوضاع وأحوال. وإن شاء الله سوف أتكلم في هذا الجواب.
أما حديثنا في هذه الأمسية كما وعدت، هو الحديث عن المرأة. سبق وأن قدمت قسمًا من هذه المحاضرة في أولى محاضراتنا للسيدات. ولهذا أحاول أن أمر بصورة مختصرة على ما ذكرنا في اليوم الأول من هذه المحاضرة، حتى ندخل في تفاصيل من بحثنا هذا. الشيء الذي أذكره، القسم الأول من المحاضرة ملخصًا من المحاضرة التي ألقيتها في… القسم الأول من “دانييل بروتيه”، وأذكر لكم ملخصًا حتى ندخل في القسم الثاني، الذي هو القسم الأساسي من المحاضرة. قلنا في تلك المحاضرة إن بحثنا يشتمل على ثلاثة مواضيع
المرأة في التاريخ.
واقع المرأة.
الإسلام والمرأة أو الدين والمرأة.
أولًا- المرأة في التاريخ
قلنا في حدود دراستنا أن المرأة كانت مظلومة، في جميع المجتمعات البشرية القديمة، وفي أكثر الشرائع، غير الشرائع الإلهية. في المجتمعات البدائية، كانت المرأة تُمْلَك أي كانت مُلكًا، هي تُمْلَك ولا تَمْلُك، تُورَث ولا تَرِث. تُكْره على الزواج والخدمة… لا قصاص في قتلها ولا دية. العرب قبل الإسلام ما كانوا يحترمون المرأة، حتى ينقل القرآن الكريم عدة مواقف منها: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾ [النحل، 58-59].
موقف آخر: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ [النور، 33]. يشير إلى أنه كان هناك إكراه على الفساد من قبل الرجال. والعرب قبل الإسلام ما كانوا يورثون المرأة. يعني ما كانوا يعطونها ميراثًا وكانوا لا يعتبرون لها قصاصًا ولا مهرًا. وكان العرب لا يعتبرون البنت خلفًا للرجل. وكانوا يعتبرون أن الذي لا صبي له، انقطعت أسرته ومات ذكره. وكانوا يعتبرون الشخص أبتر إذا لم يكن له صبي. لقد سموا النبي محمدًا (ص) حينما مات إبراهيم، آخر أولاده، سموه أبتر؛ ولهذا كانوا يتبنون، شاعت عادة التبني، يأخذون صبيًا ويعتبرونه ابنًا لهم.
والعالم من غير العرب، لم يكونوا أحسن حالًا من العرب. من باب المثل في أوروبا في سنة 586، في هذا الوقت نجد أن ملك فرنسا اسمه فرنسيس أصدر قرارًا، اعتبروه إعطاء للمرأة حقوقها، وبلغت المرأة قمة مجدها. قرار فرنسيس، يقول: إن المرأة إنسان في خدمة الرجل. يعني إنسان من الدرجة الثانية، ليس إنسانًا متساويًا مع الرجل.
أما الشرائع المعروفة، غير الشرائع الإلهية، عدّلت من هذا الظلم، بعض الشيء، ولكنها سايرته، بعضها. فنجد في قانون روما، هذا القانون الذي يفتخر الأوروبيون به، لأنه قانون قديم قبل تأثير المسيحية في أوروبا، وقبل الإسلام، وحتى بعضهم يقول أن القوانين المدنية في الإسلام مأخوذة من قانون روما. اسمعوا ماذا يقول قانون روما: إن الرجل إله البيت، يُعبد، لا يُسأل عما يفعل حتى القتل أو البيع أو الإيجار للمرأة. هذا هو قانون روما.
حمورابي المقنن المعروف الكلداني أو البابلي يقول أن المرأة تابعة للرجل غير مستقلة بأمور وفي صورة التخلف عن إطاعة الزوج يخرجها من بيته أو يتزوج، وفي صورة الإسراف يرفع أمرها إلى الحاكم ثم يغرقها في الماء.
اليونان، مهد الفلاسفة الكبار، كانوا يقولون أن المرأة شيء لا بد منه، ولكن يعاملها الرجل بحذر واجتناب، إن جاءت بالحسنة لا تشكر، وإن جاءت بالسيئة تؤدب وتعذب. أما في العنصر الأصفر، عند اليابان والصين، كونفوشيوس وبوذا وأمثال ذلك، فالمرأة أضعف من هذا واستسلامها للرجل أكثر من غيره عند الشرائع الأخرى، مثلًا كونفوشيوس، هذا العالم الأخلاقي الكبير، يقول ضمن شرائعه بحثًا… فيقول من باب المثل: حينما تفتح لك زوجتك الباب فالْطُمْها لطمة، فلا تنسى أنك إذا لم تعلم السبب فهي تعرف السبب.
البوذي يقول أنه لا يجوز للمرأة أن تغضب زوجها حتى في صورة خيانته لها. وإذا تزوجت بعد وفاة زوجها أو طلاقها، تُحرم من الجنة. براهما في الهند، كان يعتقد أن المرأة تُوْرَث ولا ترث. في الهند من القديم وحتى في الأيام الأخيرة، كانت تحرق نفسها مع زوجها بعد الوفاة.
أما الشرائع السماوية فكما تعلمون عدلت من هذا الموقف، هذا بالرغم من أن في بعض الشرائع وقعت تحريفات، مثلًا عند اليهود… اليهود غيروا التوراة وحرفوها. اليهود كانوا يعتبرون أن البعل حسب تعبيرهم مالك للزوجة. الزوجة لا ترث. شغلها يفوق طاقتها، حيث إن عليها واجبات في البيت وفي المزرعة. وفي الوصايا العشر، طبعًا حرفوا أيضًا نص الوصايا العشر، عُدت المرأة في عداد الأنعام وأموال الرجل. وفي الدعاء المخصوص للزواج، الذي يبدأ بكلمة: سبحانك اللهم خالق الكون أنت الذي خلقت الرجل على صورتك، وليس خلقت الإنسان، بل خلقت الرجل على صورتك. ولا يوجد في الدعاء أي ذكر للمرأة.
هذا موجز عن وضع المرأة في التاريخ. كيف نفسر هذا الشمول؟ لماذا المرأة في جميع المجالات مظلومة؟ هل نقول إن طبيعة المرأة فيزيولوجيًا وبيولوجيًا passive حسب تعبيرهم، وطبيعة الرجل actif كي نقول طبيعة المرأة يجب أن تكون مظلومة؟ هكذا نفسر… بأن المرأة ترغب بأن يتعدى الرجل عليها؟ لا أعتقد أن هذا التفسير صحيح. تفسير ثانٍ، أنا أعتقد بهذا التفسير، أن المرأة من أول الخلق كانت أضعف جسدًا، جسدها أضعف من جسد الرجل؛ فالرجل تغلب عليها بالعنف، يعني سيطر عليها. وقديم الزمن، منطق الجهل كان يقتضي أن يقول أن الحق لمن غلب. فالرجل سيطر ماديًا على المرأة، ثم استغل وتطاول ظلمه، ثم أكد سيطرته بوضع القوانين، وبالأفكار العامة، وبالعادات، فكرّس مظلومية المرأة في التاريخ. هذا الشيء الذي أنا أعتقده، يعني ضعف المرأة كان سببًا لهضم حقوقها، فقط.
ثانيًا- واقع المرأة:
هذه نبذة من التاريخ، ما الفرق بينهما؟ لا نتمكن أن نبحث طويلًا ولكن نذكر بعض الأقسام:
الفرق الجسدي، أو تمكن المرأة من أن تتشرف بشرف الأمومة، لها رحم وأعضاء جسدية تهيئها للأمومة.
رقة المفاصل والعظام والعضلات. القصر في الجسم بالنسبة إلى الرجل هذا معدل طبيعي، لا أقصد شخصًا معينًا أو امرأة معينة، بصورة عامة هذا المعدل الطبيعي عند الرجل وعند المرأة في العالم كله.
طبقة من الشحم تحت جلد المرأة تجعلها تتحمل الحر والبرد والسهر أكثر من الرجل، يعني بالرغم من ضعف المرأة جسديًا بالنسبة إلى الرجل، مقاومتها أمام الحر والبرد والسهر أكثر لأنها مزودة بطبقة من الشحم تحت الجلد حتى الضعاف من النساء. هذا فرق طبيعي جسدي.
أمامنا بعض التجارب، المرأة أُعطيت حقوقها الكاملة في أسبق تجربة بشرية في بريطانيا من سنة 1838 يعني منذ مدة أكثر من 130 سنة، فتح المجال أمام المرأة في الأمور السياسية والإجتماعية والإقتصادية ولكن نسبة النجاح للمرأة في الحقل الإجتماعي أقل بكثير. يعني تجد المئات من الوزراء والنواب والتجار والشركات وتجد عدد النساء فيها قليل، مما يدل على أن استعداد المرأة لخوض المعارك السياسية والإجتماعية والإقتصادية أقل. لا أقول ليس لها هذا المجال، لكن عمليًا إمكاناتها أقل في هذا الحقل. نحن لا يمكن أن نفسر هذه الفروق الجسدية بالوراثة، هناك من الكتَّاب من يعتبر أن المرأة بالوراثة صارت ضعيفة، هذا باطل لأن الوراثة مشتركة بين الرجل والمرأة. نحن نأخذ النصوص من القرآن ومن بعض كلمات النبي (ص) والأئمة.
ثالثًا- الإسلام والمرأة أو الدين والمرأة:
تعريف المرأة:
أما شخصية المرأة، النظر الموضوعي للمرأة، ما هو تعريف المرأة في الإسلام؟ هل الدين يقول أن المرأة إنسان أو لا؟ في خدمة الرجل أو لا؟
ماذا يقول الدين حول مفهوم المرأة؟ وما هو تعريف المرأة عند الدين؟ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [النساء، 1]، خلق منها زوجها، وليس الرجل والمرأة شيئين، شيء واحد، من نفس الخلق، خلق الزوج والزوجة. ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [النحل، 72]. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [الروم، 21]. المرأة والرجل، حقيقة واحدة، المرأة إنسان، كما أن الرجل إنسان، لا تفاوت في حقل الإنسانية.
الأولاد:
كانوا يعتقدون أن الأولاد من الرجل، والمرأة ظرف، ممر. أبدًا! القرآن الكريم يقول ﴿الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء﴾ [النساء، 1]. يعني الطفل من الأب والأم معًا ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى﴾ [الحجرات، 13]. فإذًا، الطفل وليد الأب والأم معًا. هنا يعلق عليه أهمية كبرى، لأنه ما دام الطفل خُلِقَ من الأب والأم، فإذًا، جسميًا ونفسيًا، الأب والأم يكوِّنان الطفل، ولهذا الشيء أثر عميق في حياة المجتمع. فإذًا، أولًا المرأة في تفسير الدين إنسان كامل، ثانيًا لها دور أساسي في تكوين الطفل.
بقاء الأسرة ليس ببقاء الصبي
بل وجود البنت يكفي لبقاء الأسرة. ودليل على ذلك شخص النبي محمد الذي لم يكن له إلا بنت واحدة هي فاطمة (س).
فالقرآن الكريم يرد على من يقول أن محمدًا (ص) هو أبتر: ﴿إنا أعطيناك الكوثر * فصلِّ لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر﴾ [الكوثر] ليس أنت، عدوك أبتر… أنت لست أبتر، أنت معك الكوثر، أنت معك فاطمة الزهراء. يعني الرجل إذا كان له بنت، ليس أبتر. الأسرة باقية ببقاء البنت. النبي محمد قال: أسرتي من فاطمة. كان يسمي الحسن والحسين إبناي إمامان، وأسرته من فاطمة. هذا ثالثًا.
عمل المرأة محترم كعمل الرجل
﴿أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى﴾[آل عمران، 195]. ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل، 97]. عمل المرأة محترم كعمل الرجل. كلمة: ﴿بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ﴾ [التوبة، 67] كثيرة في القرآن، تشير إلى أنه أنتم من بعض، لا يفتخر أحدكم على الثاني، كلكم من عنصر واحد.
في الحقل الإجتماعي
مقدمة موجزة، اليوم الشعب يشترك في تكوين الحكومة بالتصويت، الشعب يصوّت للنواب أو لرئيس الجمهورية، والنواب يختارون رئيسًا للوزراء، الشعب يشارك في الحكم بالتصويت. بينما قديمًا الشعب كان يشارك بالبيعة كانوا يبايعون؛ البيعة قديمًا بمنزلة التصويت جديدًا، أي ممارسة الحقوق الإجتماعية. نحن نجد أن النبي بايع الرجال لأنه كان حاكمًا على المدينة وبايع النساء، بأي طريق؟ يقال أنه وضع ظرفًا من الماء وكانت النساء تضعن أيديهن في هذا الماء. لم يصافحهن لأن المصافحة كما قلت أمس حرام. القرآن الكريم يشير إلى هذا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ [الممتحنة، 12] هذه شروط البيعة، ﴿فَبَايِعْهُنَّ﴾ [الممتحنة، 12]. فإذًا، النبي بايع النساء، والنساء شاركن في ممارسة الحقوق الاجتماعية، واعترف لهن النبي بأنهن يشاركن في إعطاء ومشاركة الحكم.
في الأموال والإرث والحياة الإقتصادية.
يعترف ويؤكد الإسلام للمرأة بكامل حقوقها: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ [النساء، 7]، ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء، 32]. فلا نجد أي حكم يدل على حجر المرأة من التصرف في أموالها أو منعها من ذلك بعد الزواج على طريقة بعض البلاد الأوروبية أظن فرنسا، منذ مدة وجيزة حينما تتزوج المرأة كان يحجر عليها ولا يحق لها التصرف في أموالها الخاصة ولكن لا يوجد في الدين دليل على ذلك أبدًا.
في اختيار الزوج
لا يحق للأب ولا للأم إكراه البنت على الزواج، لا يجوز لهم الاستبداد، لا يجوز لهم منع البنت من الزواج بدليل ﴿وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [النساء، 19]. نعم للأب حق في أن يشارك ابنته في اختيار الزوج. يعني لا يحق للبنت أن تتزوج في الزواج الأول دون رضى والدها. ولكن كذلك لا يحق للأب أن يفرض الزواج على البنت، ولا للأم. وبتعبير موجز ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة، 228].
إلى هنا بصورة موجزة استعرضنا اعتراف الدين بإنسانية المرأة الكاملة، ومشاركتها بتكوين الطفل وباستمرارها لحياة الأسرة، وبالحقوق المالية والسياسية والإجتماعية كاملة، وبالحقوق المدنية كاملة. هذه شخصية المرأة من جهة الدين.
هنا بعض الفوارق والتفاوت، وحينما نقول بعض الفوارق والتفاوت لا نقصد أيضًا تفضيل الرجل على المرأة أو تفضيل المرأة على الرجل، لأن التفاوت في الخلق أساس تكوين المجتمعات؛ حتى الرجال، حتى النساء، حتى الشعوب، حتى الأمم، حتى القبائل، بينهم تفاوت في الكفاءات. والتفاوت في الكفاءات هذا جمال الكون وجمال المجتمعات. واحد يقدر أن يعمل طبيبًا! واحد يقدر أن يعمل مهندسًا! واحد يقدر أن يعمل رياضيًا وواحد يقدر أن يعمل صانعًا أوعاملًا وهكذا… فالتفاوت في الشعوب، استعدادهم وذكاؤهم خاصة في الفن أو في العلم أو في الصناعة، إلى ما هنالك. التفاوت في الكفاءات ليس تقليلًا لمقام المرأة، ولا تكثيرًا لمقام الرجل، وإنما استعدادات خاصة، تفاوت بينهما في الخلق. هذا التفاوت إذا أُعطي الحق لأهله والأعمال لأصحاب الكفاءات يزدهر المجتمع.
فلندرس هذا الفرق لكي نجد، هل التفاوت بالأحكام بين الرجل والمرأة في الإسلام، بمختلف الحقول، تعود إلى هذه الناحية أو لا؟
المرأة كما قلنا تتمكن من القيام بشرف الأمومة. وهي مستعدة لذلك جسمًا وعاطفة وروحًا كما قلنا. هنا أحب أن ألفت نظركم إلى مثل صغير. السيدات اللواتي سمعن مني، اسمحن لي أن أشرح هذا المثل مرة ثانية للإخوان. كل بناء وكل شيء يتكون من عنصرين: المادة والصورة. هذه القاعة مثلًا، صرف في هذه القاعة مواد: البلاط، الحجارة، الباطون، الحديد أليست مواد هذه الأشياء؟ لكن لو أحضرنا مئة ألف من الحجارة وخمسين طنًا حديد، ومئة كيس من الباطون، هل تصير قاعة؟ لا! لا تصير قاعة، نحتاج أن نرتب، ونركب كي تصبح قاعة. وهذا التركيب هو ما سماه الفلاسفة بالصورة والشكل. يوجد مواد، ويوجد شكل التكوين، هذا شيء واضح. القاعة إذا كانت المادة والصورة فيها كاملتين، فالقاعة كاملة. وإذا كانت إحداهما ناقصة دون الأخرى، فالقاعة ناقصة. مثلًا، لو أحضرنا أحسن المواد: أحسن باطون، أحسن حديد، أحسن حجارة، ولكن ركبناها بصورة غير منطقية، القاعة تنهار، وليس لها أساس. لو أحضرنا أحسن المهندسين، أحسن المعلمين وعملنا أحسن صورة، ولكن الحجارة كانت فاسدة، الحديد كان فاسدًا، أو الباطون كان رطبًا فاسدًا، هل نتمكن من تكوين قاعة أساسية؟ لا، فإذًا، كمال القاعة بكمال المواد وكمال الشكل.
هذا بالنسبة للأبنية، ولنرجع إلى المجتمعات: المجتمع في المنطق الديني يتكون من مادة ومن شكل. ما هي المواد؟ أو بتعبير الطب ما هي الخلايا لتكوين المجتمعات؟
عند الإسلام، الخلية أو المادة، تتكون من الأسرة. الأسرة المادة الأولى، الخلية الأولى لتكوين المجتمعات. ومن ثم هذه الأسرة نضعها جانب هذه الأسرة، وجانب هذه الأسرة، نركب هذه الأسر مع بعضها، نعمل من الأسر مجتمعًا. ففي المجتمعات أيضًا، أنا أذكر مثلًا تقريبيًا، يوجد مادة، خلية هذه الأسرة، كل أسرة. ويكون تركيب بين الأسر، تفاعل بين الأسر، بيع شراء، أخذ وعطاء، زراعة، وزبائن ومشترون، وإدارة، ورئيس ومرؤوس… هذه الارتباطات الإجتماعية، هي تركيب لهذه الأسر بعضها مع بعض. ولكي يكون المجتمع، مجتمعًا كاملًا، نحتاج إلى أن تكون الأسر متينة، قوية، وأن يكون التركيب بين الأسر قويًا ومتينًا. فلو كانت الأسرة مهزوزة، ضعيفة، المجتمع يكون ضعيفًا، مهزوزًا. لو كانت الأسر متينة ولكن إرتباط الأسر بعضها مع بعض، يعني شكل المجتمع كان ضعيفًا، نشعر أيضًا بضعف المجتمعات، ونعتبر هذا المجتمع مهزوزًا أيضًا! فنحن بحاجة إلى قوة في الأسرة وقوة في التركيب.
هذه مقدمة، فلنرجع إلى الواجبات الإجتماعية. بعد ما عرفنا أن المجتمع يتكون من مادة هي الأسرة، ومن الشكل هي الروابط الإجتماعية نتمكن من أن نقسم الوظائف الإجتماعية والواجبات الإجتماعية، الأسس التي يبنى عليها المجتمع نتمكن أن نقسمها إلى قسمين؛ أرجو الإنتباه لحديثي لأني سأدخل في هذا البحث. واجبات المجتمع على نوعين: نوع يخص الأسرة، الواجبات التي تعود إلى تحكيم الأسرة وقوة الخلية الواحدة. الواجبات الثانية، الواجبات التي تعود إلى تمتين الروابط الإجتماعية وتشابك الأسر بعضها مع بعض لأجل تكوين المجتمعات. نوعان من الواجبات: النوع الأول يعني الواجبات والمسؤوليات والأعمال التي تقوي الأسرة سُلّمت للمرأة، والواجبات الثانية التي تقوي صلات المجتمعات سلّمت للرجل.
لماذا هذا التقسيم؟
أولًا، نبحث في أهمية هذا التقسيم ثم نبحث لماذا هذا التقسيم؟ أهمية هذا التقسيم كما سمعتم لو كانت الحجارة أو الحديد أو الباطون التي بنينا بها هذه القاعة ضعيفة مهترئة، القاعة لا تقوم، تنهار حتمًا أليس كذلك؟ الأسرة لو كانت ضعيفة مبلبلة، المجتمع لا يكون قويًا، ولهذا النبي (ص) يقول: ما بني بنيان في الإسلام أحبُّ عند الله من الزواج. أرجو الإنتباه إلى هذا النص، كلام ليس مني، كلام من محمد الذي لا ﴿يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم، 3-4]، ما بني في الإسلام بناء أحبُّ عند الله من الزواج. ما بني في الإسلام بناء… يعني الأبنية التي بنيت في الإسلام أهمها الزواج.
ما هي الأبنية التي بنيت في الإسلام: المساجد، المدارس، المؤسسات، المستشفيات كل هذه الأبنية بنيت في الإسلام، أليس كذلك؟ الزواج أهمها كلها. لماذا؟ يريد النبي محمد أن يعطي للأسرة قداسة؟ حتى لا يفكر الزوج والزوجة أن يعملوا شركة مساهمة، لا يفكروا أن يتمتعوا ويتلذذوا بالجنس أو بالأنس، لا يريد النبي محمد أن الزوج والزوجة يفكران بأن الإنسان يكسب بالزواج شرفًا من أهل امرأته أو من أهل زوجها، لا يريد الإسلام أن الزوج والزوجة يفكران أن هذا عمل لا بد منه، أبدًا. إنما يريد أن يعرف المسلم والمسلمة، أو كل إنسان حينما يدخل في الحياة الزوجية، يعرف أنه يدخل في أقدس بناء في الإسلام. يعني كأنه يبني مسجدًا، كأنه يبني مدرسة، كأنه يبني مستشفى وأكثر.
كما أنك تدخل إلى المسجد في خشوع واحترام، أدخل إلى الحياة الزوجية، أدخل إلى بيتك بخشوع واحترام. ولهذا بناء الأسرة مقدس، عبادة. تهديم الأسرة محرم، معصية. كما أنك لا تتمكن من هدم حائط المسجد، وإذا هدمته فعليك الذل والخزيان الأزلي، لا يحق لك أن تهدم حياة الأسرة بكلمة، بتشويش، بإغراء، بفساد، بوشاية ولو كنت امرأة العم أو العم، ولو كنت تتدخل في حياة بنتك أو إبنك، لا يحق لك. كما أنك إذا تكلمت كلمة، كلمة سببت ضعف كيان الأسرة تمامًا تكون حالك مثل حال الشخص الذي أخذ المعول لكي يهدم المسجد، أي إنسان كنت. وكما أنك إذا تمكنت وتوفقت لبناء المسجد، لك الأجر الكبير عند الله، إذا رأيتَ عائلة مهزوزة، فنصحتَ وسعيتَ وبيّنتَ، يكون لك شرف بناء المسجد وأكثر. كما أنك لا تتمكن من هدم المسجد، لا تتمكن كزوجة أو كزوج من أن تضعّف صلاتك مع زوجك أو مع زوجتك؛ يعني الواجبات الزوجية للزوج أو للزوجة واجبات مقدسة.
لا تفكري أنت أيتها المرأة أنك تعملين أو تخدمين في البيت لأجل زوجك، أبدًا، لأجل الله. عبادة عملك، الزوج، وهكذا الرجل حينما يعامل زوجته، يجب أن يعرف أنه هو يقوم بواجب وبعبادة مقدسة. إذا موقف سلبي من الرجل أو من المرأة، استياء، ضعف، استهتار، خيانة، أي موقف أوجب ضعف كيان الأسرة، وهزّ العائلة، أي موقف.. يكون حالك مثل حال الشخص الذي أخذ المعول لكي يهدم المسجد.
فإذًا، عمل مقدس، وعبادة كبرى أمام كل واحد منا، يجب أن نعرف ماذا نعمل؟ وما هي واجباتنا؟ الواجبات الزوجية للزوج والزوجة. ولهذا يقول النبي (ص): جهاد المرأة حسن التبعل، ومسجد المرأة بيتها. وهكذا بالنسبة إلى الرجال يقول: أحسنكم لأهله خيركم… من كانت معاملته مع زوجته أحسن من الآخرين، وأنا أحسنكم لأهلي، لأن معاملتي معهن أحسن من الجميع. فإذًا، أنا أحسن منكم، النبي يفتخر على الناس.
هذا فيما يعود إلى حكمية الأسرة واستقامة الخلية. ومن ثم إذا وصلنا إلى حقيقة هذا الأمر، نجد أن إتقان الأسرة الذي كلفت المرأة بأدائه، خدمة إجتماعية عظيمة. ليست خدمة الرجل، بل خدمة المجتمع. لأنه كما قلنا إذا كانت مواد البناء، حديد وباطون وحجارة خربانة، فالقاعة خربانة. وإذا كانت الأسر ضعيفة، فالمجتمع ينهار. ولهذا نحن نقول بإعطاء واجبات تحكيم الأسرة، للمرأة. هذا ليس معناه أن المرأة أقل من الرجل، بل بالعكس يمكن أن تكون أهم. هذا الواجب واجب عظيم لا يقل عن الواجبات الإجتماعية.
تريد أن أوضح أكثر: تصور أن الأم كأم كم لها من دور في تكوين المجتمعات؟ هل أحدكم ولد بلا أم من رجل أو امرأة؟ أبدًا! فإذًا، على خلق كل واحد منا، على تكوين كل واحد منا، مسحات يد الأم. نحن من صنع الأم. كما قلنا أن الأم تشترك في تكوين الطفل. ما مدى تأثير الأم بالطفل؟ تأثير كبير جدًا… الأم لها دور الطبيب، الطبيب من الشؤون الإجتماعية، من الروابط الإجتماعية، ولكن الأم وحدها تقوم بدور الطبيب، ورجل الدين، والمعلم، والقاضي… وحدها بالإضافة إلى سائر الأدوار. كيف ذلك؟
دور الطبيب:
الأم حينما حملت بالطفل، تعرفون كم هي حساسة رعاية الطفل في الرحم. إذا الأم قصّرت، أو زادت أو قللت في الأكل، في الشرب، في النوم، في الإستراحة، في الإستبراد، هناك أمراض وأمثال ذلك. إذا الأم قصرت، الطفل يصبح مريضًا. وإذا ولد الطفل مريضًا معيوبًا، تنقصه بعض الفيتامينات فألف طبيب لا يقدرون على معالجة الطفل الذي يولد مريضًا. وأنتم تعرفون بأن أمراض الحمل لا علاج لها على الإطلاق.
ونفس الدور في أيام طفولة الطفل. فإذًا، يجب أن نعترف أن الأم الواعية تنظم حياتها كأم، بصورة تتمكن من تكوين طفل صحيح قوي، يتمكن أن يعيش في مجتمعات بصورة قوية سليمة، لا طفلًا ضعيفًا مهزوزًا مريضًا، لا يتمكن من تقديم خدمة مادية أو معنوية للمجتمعات. فإذًا، الأم لها دور الطبيب.
دور رجل الدين:
الطفل يولد، من يوم ولادة الطفل، حتى قبل ولادة الطفل، أعمال الأم لها أثر في حياة الطفل. خشوع الأم، صلاة الأم، دعاء الأم. في حالة الحمل ينعكس على الطفل لا تقول أن الطفل لا يفهم! نعم الطفل لا يفهم، ولكن يتكون من هذا اليوم. كما أن أكلك مؤثر في تكوين طفلك، دعاؤك، صلاتك، خشوعك، عبادتك، إحسانك، حبك للخير، مؤثر في تكوين طفلك. مؤثر في تكوين نفسية طفلك. وبالعكس انحرافك، فسادك، استهتارك، يؤثر في تكوين الطفل. الطفل يولد… الطفل حينما يولد، يعيش في الأجواء التي تخلقها الأم.
هذا ليس معناه أن الرجل غير مسؤول أيها الإخوان، كثير من الأجواء الفاسدة هي من خلق الرجال، مع الأسف. الأم تكوِّن الأجواء الداخلية. الطفل يولد، كل صوت يسمعه، كل منظر يراه، كل مشهد يشاهده، كل جو يعيشه، له أثر في تكوين نفسية هذا الطفل المسكين. فإذا كانت الأجواء، طاهرة، صادقة، طيبة، الطفل يتربى تربية مؤمنة وحينما يفتح لسانه الطفل، يبدأ بالأسئلة اللامتناهية، موجهة لأمه فيسأل: الله! السماء! الأرض! مات! حي! جنة! نار! لماذا؟ ما هي هذه الأشياء؟ ولمن يوجّه هذه الأسئلة؟ للأم. فالأم الواعية تتمكن أن تضع الحجارة الأساسية في بناء خلق الطفل المؤمن… ويكون الطفل الذي يتربى، طفلًا مؤمنًا صالحًا. فالطفل الذي يتربى على أساس الإيمان، هذا الطفل لا ينحرف إلا بصعوبة.
والطفل الذي يعيش تحت رحمة الخدم، الطفل الذي يعيش من دون رعاية، الطفل الذي الأب والأم لا يفكران في أنه أمام أعين الطفل، يجب أن لا يرتكبوا الفساد والانحراف والمآسي، وخلق الأجواء والسهرات الباطلة؛ الأب والأم اللذان لا يرحمان الطفل، فيتنازعان، ويتسابان، ويتشاتمان، أمام أعين الطفل، لا يمكن أن يطلبا من طفلهما خيرًا، لأن هذا الطفل يتكون على ضوء من الانحراف.
هذا الطفل غدًا ألف شيخ لا يقدروا أن يعالجوه، لأنه منحرف من الأساس. الطفل الذي يكبر فيجد عند أمه أو عند أبيه ـ لا سمح الله ـ انحرافًا أو كذبًا أو نفاقًا أو دجلًا أو ملقًا أو شكلين، هذا لا يمكن أن يعيش متينًا وسليمًا، هو متناقض. فإذًا، تكوين الطفل من صنع الأم، ودور الأم دور عالم دين.
دور المعلم:
الطفل حينما يحرك لسانه يبدأ الأسئلة متوجهًا إلى أمه عن حقيقة الأشياء: الشمس؟ القمر؟ المطر؟ الشتاء؟ الضوء؟ طالع؟ نازل؟ يسأل عن هذه الأشياء. الأم الواعية تضع الأحجار الأساسية في تكوين حياة الطفل. فالطفل الذي يتعود على المعرفة وعلى الثقافة وعلى الوعي طفل سليم. أما الطفل الذي يتعود على السحر والشعوذة وكتب الكتاب والأباطيل والجهل والظن والتطيَّر والتفاؤل والجن والعفريت وهذه المسائل، هذا الطفل لا يرجى منه الخير. حتى القصص التي تذكر… الجن في التفسير القرآني الجن وارد، ولكن بالصورة التي يقولون أن فلانًا وجد قطة صارت كبيرة كبيرة قالوا هذا جن. هذه المسائل المشهورة.. أي لو ربينا أطفالنا بنقل القصص والأحاديث بهذه التربية بعض الأطفال يتربون أسطوريًا خياليًا. من الصعب جدًا أن نربي، هذا دور المعلم.
دور القاضي:
الأطفال يتنازعون في البيت فسرعان ما يحكّمون الأم في مشكلتهم، هذا يقول يا أمي هكذا قال لي، وهكذا قال لي. يجب أن تحكم بالحق لأنها إذا أرادت أن تنحاز للصبي أو للأكبر أو للأصغر أو لواحد منهم سوف تخلق عقدة في نفس طفلها. وحينئذ يتعود على الباطل، على الظلم، على الانحياز، على الميل إلى أحد في الحياة. يجب أن تكون صريحًا، حقاويًا باصطلاحنا حتى تعوّد طفلك على الإستقامة والصفاء والسلوك المتين.
على هذا الأساس، دور الأم دور كبير جدًا كما سمعتم تكوين الأسرة واجب ليس فوقه واجب، ودور الأم في تكوين كل البشر فما من أحد إلا وله أم. دورها في إصلاح المواد، يعني خلق بشر صالح لتكوين المجتمعات دور عظيم فإذا قلنا دور الأمومة، فقد عملنا وقمنا بدور كبير جدًا ليس شيئًا قليلًا.
وإذا قلنا شرف الأمومة، حينئذ نرجع لكي نعلق على ما ورد في رسالة أحد الشباب الذي يذكر لي أن الإنسان قد يجد أكثر ما يمكن من الإغراء؛ كل واحد منا عندما يقرأ الجرائد يتعرف على الكثير من هذا. ولكن كم عالمة تعرفون؟ قلت لهم هل تعرفون أن في لبنان سيدة عالمة، من كبار العلماء في العالم، وساكنة في لبنان؟ أغلبهم ما كانوا يعرفون. هذه العالمة هي الدكتورة سلوى نصار، التي ماتت منذ مدة وجيزة، وكانت رئيسة جنيور كولدج عالمة في الذرة بمستوى علماء كبار في العالم. لا أحد يعرفها، ولا جريدة تنقل أخبارها، لماذا؟ لأن عمرها سبعون سنة، لأنها ما تلبس اللبس المثير، حتى ماتت السيدة سلوى نصار حينئذ بعض الجرائد، تكرمت فوضعت أخبارًا صغيرة عن وفاة السيدة سلوى نصار التي أفنت عمرها في سبيل العلم، وفي سبيل أقوى إدارة في لبنان، وهي أول مديرة لبنانية للمؤسسة الأميركية جنيور كولدج حتى قبل وفاتها، أوصت بأن تقدم عيونها، ودماغها، وقلبها للتحاليل الكيماوية. هذه المرأة لا أحد يذكرها، لأنها ليست جميلة، لأنها لم تكن مثيرة. ولا جريدة، ولا مجلة وضعت صورة سلوى نصار، ولا جريدة أبدًا، لأن الصورة يجب أن تكون مغرية. هذه نظرة المجتمع إلى المرأة، لا يعترف بشيء في المرأة، إلا الإغراء والإثارة.
تأتي إلى الأحوال الأخرى، إلى الموضة. قاعدة الموضة ما هي أخواتي وإخوتي؟ قاعدة الموضة هي كيف يمكن لنا أن نُخرج المرأة بصورة أكثر إثارة وإغراء؟ هذه فقط القاعدة القصيرة. إذا وصلت إلى ميني جوب، إذا وصلت إلى أقل، فليكن! ليس مهمًا، المهم أن تتمكن المرأة أن تكون مثيرة أكبر قدر ممكن.
نرجع إلى حقل القصص والأفلام. أنظروا أخواتي إلى المؤامرة ضد كرامة المرأة، في كل قصة تُكتب، وفي كل رواية تكتب، وفي كل فيلم يُلعب، وفي كل أداء على المسرح في مسرحية، المرأة تمثل فقط دور الجمال والإغراء. عندما تدخل المرأة يعني أنهم يريدون أن يبرزوا الجمال والأنوثة، الإغراء، ولا وجود لدور آخر. ما في بطولات، ما في أمهات، ما في كفاءات، ما في علم أبدًا أبدًا، عندما يريدون أن يغيّروا ذائقة القارىء أو المتفرج يأتون بامرأة تمثل دور الجنس فقط، أليس كذلك في الأفلام؟ أليس كذلك في القصص؟ أليس كذلك في المسرحيات؟
هذا من ناحية، ثم تأتي إلى شؤون المجتمعات، إلى العزائم العامة. نريد أن نقيم سهرة ووليمة للرجال وللنساء، جيد! الرجل مثل المرأة والمرأة مثل الرجل. لماذا اللباس الرسمي للرجل يستر جميع جسد الرجل من عنقه إلى رجليه، مع الكلسات، البنطلون الطويل والكم الطويل والياقة المسكرة وكل شيء؟ لماذا اللبس النسائي في المجتمعات، في السهرات يجب أن يكون décolleté أو يجب أن يكون… لا تضحكوا، ابكوا بدها بكاء. لماذا لبس المرأة في المجتمعات الرسمية والعزائم والحفلات والسهرات يجب أن يكون أقل ما يمكن من اللبس؟ هل هذا إلا لأن المرأة في قاموس المجتمع الحديث، تعني الجنس فقط، ليس إلا؟ لا كفاءة، لا علم، لا إدراك، لا أمومة أبدًا.
نرجع إلى سائر الحقول. نأتي إلى توظيف المرأة. الإدارة بحاجة إلى سكرتيرة. ماذا نريد من السكرتيرة؟ نريد أصابع، نريد أن تكتب وتقرأ، نريد وعيًا أنه تتمكن من طبع الرسالة على الآلة الكاتبة. ولكن بينكم وبين الله، هل يكفي لتوظيف سنتراليست، سكرتيرة، كاتبة، موظفة عند الدوائر الرسمية وغير الرسمية هذه الأشياء؟ كلا، حتمًا يجب أن تكون مثيرة ومغرية، وحتمًا يجب أن تلبس أمام سعادة المدير أو سيادة فلان أقل ما يمكن من الملابس حتى تصبح لوحة تمتع نظر رئيس الإدارة أو مدير المؤسسة، حتى في حالة الشغل.
حقل آخر، المعلمة، الممرضة، ماذا نريد منهما؟ نريد منهما الدقة والرأفة والأمومة. هل نريد منها الملابس الضيقة؟ هل نريد منها الملابس القصيرة؟ لماذا يفرض عليهما…؟
ماذا نريد من المضيفات في الطائرة؟ ماذا نريد من البائعة التي تبيع سندويشًا أو بضاعة؟ نريد يدًا، نريد وعيًا، نريد حسابًا. لماذا يفرض على البائعات والمضيفات وغيرهن الإثارة والإغراء؟ هذا المتاجرة بجسد المرأة، هذا تنكر لجميع شؤون المرأة ما عدا الإثارة والإغراء. هذا أيضًا حقل.
من مجموع هذه الحقول، الراديو والتلفزيون، الأفلام والمسارح، الجرائد والمجلات، الحفلات والعزائم، الملابس، الموضة، من جميع هذه الأمور نحن نستفيد من نتيجة واحدة. هل أنتم معي في استنتاج هذه النتيجة؟
إن الحضارة الحديثة على الأغلب، ومعكم مئة بالمئة حتى تناقشوا بالمناقشة، الحضارة الغربية الحديثة تعتمد على أن المرأة لوحة فنية، أن المرأة إثارة وإغراء فقط، والتنكر لجميع ما في المرأة سوى هذه الناحية من المرأة هكذا الصب، هكذا صالونات الموضة، هكذا الدعايات، هكذا تجار البضائع، هكذا الملابس الداخلية والخارجية، هكذا السينما والتلفزيون والمسارح، هكذا الاجتماعات، هكذا احترام الرجال، حتى هكذا احترام الأزواج أيضًا. الأزواج أيضًا يحترمون هذه النواحي فقط. الحضارة الحديثة تفرض على المرأة أن تكون أنثى فقط يعني التنكر لجميع حقائق المرأة ما عدا الإثارة والإغراء.
هل وصلنا اليوم إلى ما قاله امبراطور فرنسي سنة 586، هل وصلنا إلى ما صدر قبل 1400 سنة من أن المرأة إنسان في خدمة الرجل؟ وصلنا إلى نفس الموضوع. فإذًا، المرأة لا كفاءة لها، لا شمولية لها، ليست غاية وعنصرًا أساسيًا في المجتمع، المرأة إنسان لخدمة الرجل فقط، هكذا تقول الحضارة الحديثة، ومن يقول عنها شيئًا بلسانه فهو يكذبه بعمله، يقدم شيئًا بيده ويسحبه برجله حسب تعبير المثل عندنا. يقولون أن المرأة حرة، لكن وضعوا على المرأة ألف غلّ وألف قيد. يفرضون عليها في الدعاية والكتب والاحترام والضيافات وفرض الموضة، يفرضون عليها عدم الحرية، ويتنكرون لشخصية المرأة وواقع المرأة. وهذا ما معناه؟
أولًا، معناه التنكر لإنسانية المرأة، لأن المرأة على الأغلب لا تظهر إلا بمظهر الأنثى. لا أم، لا زوجة، لا عالمة، لا ماهرة، لا فنانة. أبدًا حتى الفنانة يعني Artisteيعني التي تلعب في الأفلام بأقل ما يمكن من الملابس وبأكثر ما يمكن من الإغراء، من الإثارة هذا الفن. فإذًا، هذا أولًا تنكر لشخصية المرأة ولكفاءة المرأة.
ثانيًا، هذا تقليل لعمر المرأة. كم من الوقت تستطيع أن تكون المرأة فيه مثيرة ومغرية؟ كم سنة؟ عشرون؟ خمسة عشر؟ أقل… أكثر حسب اختلاف الأجسام. قبل هذا المرأة لا شيء. وبعد هذا المرأة لا شيء. هذا المجتمع الدجال الذي كان يحترم المرأة فيجعلها فوق وتفضلي! وأهلًا وسهلًا! وكذا… وصور الجرائد. كل هذا بمجرد ما فقدت المرأة الإثارة والإغراء، تُترك في بوتقة النسيان ولا أحد يسأل عنها؟ ولا أحد يعزمها ولا أحد يحترمها، ولا أحد يعطيها مكانه في السيارة أو في السينما أو في مكان آخر. انتهت. ماتت المرأة بعد هذه الفترة. فإذًا، هذه المؤامرة تقليل لعمر المرأة.
ثالثًا، حتى العمر الذي تعيشه المرأة في هذا الدور، يعني في دور الإثارة والإغراء، ليست كل فرصها موفورة لها. المرأة التي تريد أن تكون مثيرة وسيدة مجتمع، لا تقدر أن تستفيد من ساعات ليلها ونهارها؟ كم من الوقت يجب أن تمضي عند الحلاق؟ كم من الوقت عليها أن تقف أمام المرآة؟ كم من الوقت يلزمها أن ترتب الملابس وتتفحص الموضة والمجلات والمعارض وأمثال ذلك؟… حتى تتمكن من البروز بمظهر كامل ومرتب حسب تعبيرهم. من كل ليل ونهار المرأة يأخذون الوقت الكثير ولا يعطوها المجال الكافي. فإذًا، أولًا تنكر لشخصية المرأة. ثانيًا تقليل لعمر المرأة. ثالثًا حتى الفرص تقليل لفرص المرأة. هذه القيود التي وضعت على المرأة، ثم فساد وانهيار للعائلات.
إسمعي أيتها الفتاة، أنت اليوم بجمالك وبإثارتك تتمكنين من أن تلفتي نظر الرجال إليك. ممكن هذا، بهذا العمل أنت تساهمين في عادة شائعة في المجتمع، أنه تعدٍ على الحرمات، وعلى حرم الغير، وعلى النساء. أنت لست دائمًا شابة ومثيرة، غدًا تكبرين، فتغري زوجَك فتاة أخرى غيرك. السهم الذي ترمينه اليوم، غدًا يرتد إلى صدرك… كما أن الشباب نفس الشيء.
نحن نكوِّن المجتمعات والعادات الإجتماعية، إذا ساهمنا في فساد المجتمعات، غدًا يأخذون نساءنا من بيوتنا، يأخذون بناتنا من أمام أعيننا.
أيها الشاب وأيتها الفتاة، أنا اليوم أتكلم إليكما، أنتما تساهمان في زيادة تيار الفساد، ولكن غدًا تبتليان به، أنتما لستما دائمًا شابًا وشابة.
هل تعرفان أن الإثارة ولبس الملابس القصيرة، والزينة والتي نجدها أمام أعيننا في الشوارع، وفي المجالس، وعند الجلوس والقيام، وعند الحديث في التلفون، وعند الشراء، وفي سائر المحافل، هذه الأجواء من الإثارة كم تؤثر في نفوس الرجال؟ كم تزعزع كيان الأسرة؟ كم تخلق شكوكًا في نفوس النساء؟ كم تجعل من الشكوك في نفوس الرجال؟ كم تولد من التوتر وزيادة الشك والتردد وعدم التمكن من السكن واللبس والإستقرار والطمأنينة التي نحن بحاجة إليها كلها في الحياة العائلية؟ كم تخلق هذه المسائل بينك وبين الله أهذا صحيح أو غير صحيح؟ هل سهرة واحدة من هذه السهرات بكل تأثر نقرأ أخبارها في الجرائد… كم تؤثر سهرة من هذه السهرات في نفوس الرجال الذين لهم عائلات وأزواج؟ تأثير كبير. هذا التأثير يولد برودة بين الزوج بالنسبة إلى المرأة، يقلل من رغبته في زوجته. يخلق الشك عند الزوجة، تبدأ المناقشات والمشاكل ثم تنتهي إلى ما لا تحمد عقباه.
ينتهي إلى أن الغرب، وفي أميركا حيث لا طلاق حسب الموازين الشرعية في الديانة المسيحية التي لا تعترف بالطلاق، في أميركا وأوروبا نجد نسبة الطلاق خمس مرات أكثر من الشرق الذي يعترف بحق الطلاق بيد الزوج. لا طلاق في الغرب، ولكن المحكمة تطلق، لأن الحياة لا تطاق، ملؤها الشك، ملؤها التردد، ملؤها قلة الصفاء. المرأة جالسة في المنزل والزوج يسهر خارجًا مليئة بالشك: أين ذهب؟ ماذا يفعل؟ مع من خرج؟ هذا الشك موجود والعكس بالعكس.
هذه حياة؟ لماذا خُلقت هذه الحياة؟ إنها نتيجة للإثارات، للإغراءات التي أوجدتها الحضارة القائمة اليوم. لا تقل إن هناك فاسدات أيضًا بين اللابسات، المتحجبات، أنا لا أنكر هذا، أنا لا أنكر أنه قد تكون هناك سيدة أنيقة، مثيرة، مغرية، ولكنها بالمعنى الأخص عفيفة، لا أنكر أنها قد تمتلئ من الفساد في كثير من الأحوال إذا كانت مثقفة وقوية وديّنة وقلبها نيّر، أنا لا أنكر ذلك. ولكني أقول أن مجرد سيرها في الشارع، مجرد جلوسها في السهرات، مجرد ظهورها في الأماكن العامة، هذا يهز كيانات الأسرة. فتصاب أنت، ويصاب هو، ويصاب غيركم من الناس بهذه المسائل.
فإذًا، الحضارة الحديثة تعتمد على الإثارة والإغراء فقط وهذا تقليل لقيمة المرأة وتنكر لكفاءات المرأة أولًا. تقليل لعمر المرأة ثانيًا. تقليل لفرص المرأة ثالثًا. زعزعة لكيانات وأسر المجتمعات رابعًا.
ما العلاج؟ كيف نعالج هذه المشكلة؟ وكيف يعالجها الإسلام؟
الإسلام يعالجها بالحجاب، هل تعرف ما منطق الإسلام بالحجاب؟ هذا منطق الإسلام، يتلخص في أربع أو خمس من الآيات، تفهم ما يقصد الإسلام، لماذا يقول بالحجاب؟ يقول لك: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب، 32]. عندما تحكين يا نساء المؤمنين، عندما تحكين لا تحكوا بالخشوع والخضوع والإثارة. لا تُثِرْنَ مرضَ مَنْ في قلبه مرض يعني لا تغررن، لا تُثِرْنَ، لا تتدللن في كلامكن وفي حديثكن. هذه نقطة. يعني الإغراء والإثارة في الكلام.
في المشي: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ [النور، 31]. المشي لا يكون مغرٍ. سيرك في الشوارع لا يكون مغريًا، مشيك في المجالس وفي البيوت وفي القاعات لا يكون مغريًا ومثيرًا. هذا الثاني.
الثالث: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ [النور، 31]. لا يقول أسترن، يقول: لا يبدين زينتهن، ويقصد في مواضع الزينة، مواضع الإثارة، مواضع الجمال، لا تبديها. لماذا لا تبديها؟ لأنك إذا مشيتِ مشيًا مثيرًا، حكيتِ حديثًا مثيرًا، أبرزتِ مفاتنك، حينئذ أول شيء يلفت نظر الرجل إليك الأنوثة والإغراء. أنوثتك تغطي كل وجودك، أنوثتك تمنع من بروز سائر الكفاءات. لا تتخيلي أن الرجل يفكر في علمك، في فضلك، في خدماتك في البيت، في أمومتك، في تضحياتك، أنت تغطين بيدك هذه الكفاءات والتضحيات التي لا يعرفها إلا نادرًا من الناس، أن الأم ماذا تعاني ليلة من الليالي لأجل طفلها، أن الزوجة ماذا تعاني في تنظيم بيتها، أن المرأة بأي مقام من التضحية والفداء والإخلاص بالنسبة إلى زوجها إذا أخلص لها؟
هذه الصفات لا يعرفها، لا يعرف فنك، لا يعرف شِعرك، لا يعرف أدبك، لا يعرف كفاءاتك، تفكيرك، تدبيرك لماذا؟ لأنك لبست وجهًا ملؤه الإثارة والإغراء، فتغطي كل ذاتك بهذه الناحية، فلا يبرز لك شيء غير هذا الشيء.
﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب، 33]، ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ [النور، 31] إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا. فإذًا، الإسلام يريد للمرأة، حينما تكون في البيت، أن تكون مثيرة، مغرية مثلما تريد لأن لا خطر من هذا بالعكس جهاد المرأة حسن التبعل. هي أنثى حينما كان الرجل ذكرًا. هي في البيت لزوجها مثيرة، مغرية، شيقة، سكن، راحة، جمال الحياة. حسب تعبير فاطمة الزهراء (س): رياحين خلقن لكم… هذا في البيت.
حينما تخرج، لواجب، لضرورة، لتعليم، لشراء، لبيع، ليس لديها واجبات بيتية تخرج إلى المجتمع، فحينئذٍ تخرج كإنسان، وليس كأنثى، -مفهوم حديثي- تخرج كإنسان. أنت مضطرة لأن تبيعي بضاعة، مضطرة كمهاجرة، حينئذٍ تكونين في المحل مثل الرجل. كما أن الرجل في المحل التجاري، لا يهتم كثيرًا بالجمال والأناقة والإثارة، أنت كذلك في المحل التجاري لا تحاولي أن تثيري وأن تغري، لأن هذا متاجرة بالجسد، هذا تقليل من قيمتك، هذا تنكر لحقيقتك. إذا خرجتِ من البيت للشراء لا تكوني لوحة، كوني إنسانًا كاملًا فقط.
فإذًا، عدم المشي المغري، وعدم الخضوع بالقول، وإخفاء مواضع الزينة يعني الشعر، يعني الصدر، يعني الأرجل وأمثال ذلك، هذا إخفاء حتى تتمكن المرأة من أن تبرز بمظهر الإنسان، أول ما نلتقي بسيدة نجد إنسانًا مقابلنا وليس أنثى مقابلنا. مفهوم الكلام؟ أنا أحاول أن أوضح وأعتذر من التكرار.
إذا كانت المرأة لا تخفي زينتها، إذا كانت المرأة تخضع بالقول، أو تمشي لكي تبدي ما تخفي من زينتها، إذا كانت المرأة في حالة الإثارة والإغراء، مهما كان لها من العلم، والكفاءة والتضحية والعظمة، أول ما نقابلها يلفت نظرنا الإثارة والإغراء، انتهت، لوحة، تنكرنا لسائر وجودها.
هذا موقف الإسلام، وهذه الحضارة الحديثة، والمؤامرة من صنع الرجال ولكن نُفذت بالمشاركة مع النساء.
أنا لا أنكر أن الرجال اليوم ينادون بهذا الشيء، يحترمون المرأة المثيرة، ويتنكرون للمرأة غير المثيرة ولو كانت عالمة. الرجال اليوم، أمام أعين نسائهم، تلفت نظرهم المرأة المثيرة. الزوجة لا تتحمل هذا فتحاول أن تكسب انتباه زوجها بنفس اللبس، لأنها لابسة هكذا، أنت يا رجل تنظر إليها أنا بإمكاني أن ألبس مثلها وأحسن منها، ولهذا تضطر إلى هذا النوع من اللبس. أنا أعرف أن الرجال بقولهم، باحترامهم، بكتابتهم، بتجارتهم، بتوظيفهم، بمواقفهم يعملون هذا العمل. ولكن هذه خيانة، هذه مؤامرة. لماذا أنت تشتركين في هذه المؤامرة؟ حاولي قدر المستطاع أن تعرفي أنك في هذا الخط تذهبين إلى المذبح. تصبحين لوحة فنية لتمتع الرجال فقط. لا أقول بإمكانك مئة في المئة أن تعملي، لكن إعرفي المؤامرة. وأعتقد إذا حاولتم بالتعاون مع الأزواج وبالتعاون مع السيدات خلقتم جوًا معينًا حسب ما يقول القرآن ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر]. التواصي يلزمه تعاون، أية واحدة منكن أو أي واحد من الرجال لا يتمكن من أن يسلك هذا السبيل، وإن كان علي يقول: لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله، وإن كانت زينب (ع) تقف وحدها أمام تيار الحكم الأموي وتتحداه.
المرأة إذا أرادت، تتمكن أن تقف وحدها في وجه التيار ولكن تتعاون… إعرفي أن هذا اللبس القصير يلفت النظر، ولكن هذا تنكر لكل شيء. تنكر لكل شيء. صحيح أنت عندما تجلسين كل الرجال ينظرون إليك، أنا معك. هذا صحيح ولكن لماذا ينظرون إليك؟ لأنك مثيرة فقط. أتذكر شاعرة كبيرة قالت لي مرة، أو كتبت في مجلة أن الرجال لا ينظرون إلى شِعر المرأة إلا إذا كُتِب على ملابسها الداخلية، لا يهتمون بشِعر المرأة. هل المرأة شاعرة؟ المرأة تقدر أن تنظم الشعر؟ لا. لكن إذا كان مع الشِعر الإثارة والإغراء، يُحترم، وإلا لا. هذا تنكر، تنكر للمرأة، تنكر لإنسانية المرأة، تنكر لكفاءة المرأة، تنكر لحيوية المرأة وإمكان مساهمتها في بناء المجتمع.
فالقضية بحاجة إلى علاج، والعلاج أوسع منا، لكن الإنسان قدر المستطاع، ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة، 286]. إعلموا أن هذه الحقيقة وتصرفوا كما تريدون. هذا هو البحث عن الغطاء. الإسلام لا يمنع المرأة من مباشرة نشاطها الأصلي الذي هو تقوية دعائم الأسرة. والحجاب لا […]
المصدر: مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات