استشهاده عليه السلام
إخباره عن استشهاده عليه السلام بوحي تعلمه من رسول الله صلى الله عليه وآله :
من المغيّبات التي أخبر الإمام عنها أنّه أخبر في كثير من المناسبات أنّه لا يموت حتف أنفه وإنّما ينال الشهادة على يد أشرّ خلق الله تعالى ، وكان من بين ما أخبر به :
١ ـ روى روح بن اميّة الدؤلي قال : مرض عليّ بن أبي طالب مرضا شديدا حتى خفنا عليه ، ولمّا أبل من مرضه أسرعنا إليه فقلنا له :
هنيئا لك يا أبا الحسن ، الحمد لله الذي عافاك ، لقد خفنا عليك؟ فأجابهم الإمام غير حافل بما ألمّ به من المرض ، وأنّه لا يخشاه قائلا : « لم أخف على نفسي ، أخبرني الصّادق المصدّق ـ يعني رسول الله ـ أنّي لا أموت حتّى اضرب على هذا ـ وأشار إلى مقدّم رأسه الأيسر ـ فتخضب هذه منه ـ وأومأ إلى لحيته وهامته وقال : ـ يقتلك أشقى هذه الامّة ، كما عقر ناقة الله ، أشقى بني فلان من ثمود .- » المحن : ٩٦. اسد الغابة ٤ : ٣٤.
٢ ـ روى عبد الله بن سبع قال : خطبنا علي بن أبي طالب فقال : « والّذي فلق الحبّة ، وبرأ النّسمة لتخضبنّ هذه من هذه » ـ يعني لحيته من دم رأسه ـ. قال رجل : والله لا يقول ذلك أحد إلاّ ابرنا عترته ، فقال عليهالسلام : « اذكر الله ، وأنشد أن يقتل منّي إلاّ قاتلي » (اسد الغابة ٤ : ٣٤.
٣ ـ روى أبو الطفيل قال : لمّا دعا عليّ الناس إلى البيعة أتاه عبد الرحمن بن ملجم المرادي مرّتين أو ثلاثا ، ثمّ قال : « أين أشقاها؟ أما والّذي نفسي بيده لتخضبنّ هذه من هذه » ، أي لحيته من دم رأسه ( – المحن : ٩٦).
٤ ـ عن ابن الطفيل قال : شهدت جنازة أبي بكر يوم مات ، وشهدت عمر حين بويع ، وعلي عليهالسلام جالس ناحية إذ أقبل غلام يهودي عليه ثياب حسان وهو من ولد هارون حتى قام على رأس عمر.فقال : يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم هذه الامّة بكتابهم وأمر نبيّهم.قال : فطأطأ عمر رأسه.فقال له الغلام : إيّاك أعني ، وأعاد عليه القول.فقال له عمر : ما ذاك؟ قال : إنّي جئتك مرتادا لنفسي ، شاكّا في ديني.فقال : دونك هذا الشاب.قال : ومن هذا الشاب؟ قال : عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو أبو الحسن والحسين وزوج فاطمة بنت رسول الله ، فأقبل اليهودي على عليّ بن أبي طالب فقال : أكذلك أنت؟ قال : « نعم ».قال : فإنّي اريد أن أسألك عن ثلاثة وثلاثة وواحدة ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن الواحدة ، فأخبرني عن وصيّ محمّد كم يعيش من بعده؟ وهل يموت أو يقتل؟ قال : « يا هارونيّ ، يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوما ولا ينقص يوما ، ثمّ يضرب ضربة هاهنا ـ يعني قرنه ـ فتخضب هذه من هذه ».قال : فصاح الهاروني … وهو يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ) – فرائد السمطين ١ : ٣٥٤.
٥ ـ أعلن الإمام عن شهادته وشهادة سبطي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الحسن والحسين ، قال : « أما والله لاقتلنّ أنا وابناي هذان ـ وأشار إلى الحسن والحسين ـ وليبعثنّ الله رجلا من ولدى آخر الزّمان يطالب بدمائنا ، وليغيبنّ عنهم ، تميّزا لأهل الضّلالة حتّى يقول الجاهل : ما لله في آل محمّد حاجة – بحار الأنوار ٥١ :
٦ ـ يقول محمّد بن سيرين : « إن كان أحد يعلم متى أجله ، فإنّ عليّ بن أبي طالب كان يعلم متى أجله ، قال العباس بن ميمون : فحدّثت به ابن عائشة فقال : أنت تعلم يا ابن أخي أنّه قاتل يوم الجمل فلم يتكلّم ، ويوم صفّين فلم يتكلّم ، ولقد لقي ليلة الهرير ما لقي فلم يتخوّف ، ولم ينطق بشيء ، فلمّا رجع إلى الكوفة بعد قتله الخوارج قال : ألا ينبعث أشقاها ، ليخضبنّ هذه من هذه » ( ذيل الأمالي والنوادر ٣ : ١٧٠.
وتحقّق ما أخبر به الإمام ، فقد استشهد في بيت الله الحرام في شهر رمضان ، وذكر الله بين شفتيه ، فقد اغتاله عبد الرحمن بن ملجم المرادي أشقى الأوّلين والآخرين ، واستشهد ولده الزكي ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد اغتاله بالسمّ ابن هند ، واستشهد ولده الإمام الحسين عليهالسلام بصورة مروعة وجرت عليه من المآسي والأهوال ما لا يوصف.
هذه بعض الأحاديث التي أعلن الإمام فيها بشهادته ، وأثرت عنه بهذا المضمون كوكبة اخرى من الأحاديث ، منها :
أ) استشهاد عليّ عليه السلام عنه كما في بحار الأنوار:
[ من الاخبار الواردة بسبب قتله عليه السلام وكيف جرى الامر في ذلك ما رواه جماعة من أهل السير منهم أبومخنف وإسماعيل بن راشد أبوهاشم الرفاعي وأبوعمرو الثقفي وغيرهم أن نفرا من الخوارج اجتمعوا بمكة ، فتذاكروا الامراء فعابوهم وعابوا أعمالهم ، وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم ، فقال بعضهم لبعض : لو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهم وأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهروان ، فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك ، فقال عبدالرحمن بن ملجم لعنه الله : أنا أكفيكم عليا ، وقال البرك بن عبيدالله التميمي : أن أكفيكم معاوية ، وقال عمرو بن بكر التميمي ، أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، وتعاقدوا على ذلك وتوافقوا على الوفاء ، واتعدوا شهر رمضان في ليلة تسع عشرة منه ، ثم تفرقوا فأقبل ابن ملجم لعنه الله – وكان عداده في كندة – حتى قدم الكوفة ، فلقي بها أصحابه فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شئ ، فهو في ذلك إذ زار رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب ، فصادف عنده قطامة بنت الاخضر التيمية ، وكان أميرالمؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان ، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها ، فلما رآها ابن ملجم شغف بها و اشتد إعجابه بها ، وسأل في نكاحها وخطبها ، فقالت له : ما الذي تسمي لي من الصداق ؟ فقال لها : احتكمي ما بدالك ، فقالت له : أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفا وخادما وقتل علي بن أبي طالب ، فقال لها : لك جميع ما سألت ، فأما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام فأنى لي بذلك ؟ فقالت : تلتمس غرته ، فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنأك العيش معي ، وإن أنت قتلت فما عندالله خير لك من الدنيا ، فقال : أما والله ما أقدمني هذا المصر – وقد كنت هاربا منه لا آمن مع أهله – إلا ما سألتني من قتل علي بن أبي طالب ، فلك ما سألت ، قالت : فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقويك ، ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبرته الخبر ، وسألته معونة ابن ملجم لعنه الله ، فتحمل ذلك لها ، و خرج ابن ملجم فأتى رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة ، فقال : يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والآخرة ؟ قال : تساعدني على قتل علي بن أبي طالب ، وكان شبيب على رأي الخوارج ، فقال له : يا ابن ملجم هبلتك الهبول لقد جئت شيئا إدا ، وكيف تقدر على ذلك ؟ فقال له ابن ملجم : نمكن له في المسجد الاعظم فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به ، فإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا ، فلم يزل به حتى أجابه ، فأقبل معه حتى دخلا المسجد الاعظم على قطامة وهي معتكفة في المسجد الاعظم قد ضربت عليها قبة ، فقالا لها : قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل ، فقالت لهما : إذا أردتما ذلك فائتياني في هذا الموضع ، فانصرفا من عندها ، فلبثا أياما ثم أتياها ومعهما الآخر ليلة الاربعاء لتسعة عشرة ( ليلة ) خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم ، وتقلدوا أسيافهم ، ومضوا وجلسوا مقابل السدة التي كان يخرج منها أميرالمؤمنين عليه السلام إلى الصلاة ، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الاشعث ابن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أميرالمؤمنين عليه السلام ، وواطأهم على ذلك وحضر الاشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه ، وكان حجر ابن عدي في تلك الليلة بائتا في المسجد ، فسمع الاشعث يقول : يا ابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فأحس حجر بما أراد الاشعث ، فقال له : قتلته يا أعور ! وخرج مبادرا ليمضي إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ليخبره الخبرو يحذره من القوم ، وخالفه أميرالمؤمنين عليه السلام من الطريق فدخل المسجد . فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف . وأقبل حجر والناس يقولون : قتل أميرالمؤمنين عليه السلام . وذكر عبدالله بن محمد الازدي قال : إني لاصلي في تلك الليلة في المسجد الاعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أوله إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة ، وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام لصلاة الفجر ، فأقبل ينادي : الصلاة الصلاة ، فما أدري أنادى أم رأيت بريق السيوف ، و سمعت قائلا يقول : لله الحكم لا لك يا علي ولا لاصحابك ، وسمعت عليا يقول : لا يفوتنكم الرجل ، فإذا عليه السلام مضروب ، وقد ضربه شبيب بن بجرة فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق ، وهرب القوم نحو أبواب المسجد ، وتبادر الناس لاخذهم ، فأما شبيب بن بجرة فأخذه رجل فصرعه وجلس على صدره ، وأخذ السيف ليقتله به فرأى الناس يقصدون نحوه ، فخشي أن يعجلوا عليه ولم يسمعوا منه ، فوثب عن صدره وخلاه ، وطرح السيف من يده ، ومضى شبيب هاربا حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره ، فقال له : ما هذا لعلك قتلت أميرالمؤمنين ؟ فأراد أن يقول لا ، قال : نعم ! فمضى ابن عمه واشتمل على سيفه ، ثم دخل عليه فضربه به حتى قتله ، وأما ابن ملجم فإن رجلا من همدان لحقه فطرح عليه قطيفة كانت في يده ، ثم صرعه وأخذ السيف من يده ، وجاء به إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ، وأفلت الثالث وانسل بين الناس . فلما دخل ابن ملجم على أمير المؤمنين عليه السلام نظر إليه ثم قال : النفس بالنفس ، فإن أنامت فاقتلوه كما قتلني ، وإن أنا عشت رأيت فيه رأيي ، فقال ابن ملجم : والله لقد ابتعته بألف وسممته بألف ، فإن خانني فأبعده الله ، قال : و نادته ام كلثوم : يا عدوالله قتلت أميرالمؤمنين ؟ قال : إنما قتلت أباك ، قالت : يا عدوالله إني لارجو أن لا يكون عليه بأس ، قال لها : فأراك إنما تبكين علي إذا ؟ لقد والله ضربته ضربة لو قسمت على أهل الارض لاهلكتهم ، فاخرج من بين يديه عليه السلام وإن الناس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع ، وهم يقولون : يا عدوالله ما فعلت ؟ أهلكت امة محمد صلى الله عليه واله وقلت خير الناس ، وإنه لصامت لم ينطق ، فذهب به إلى الحبس ، وجاء الناس إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقالوا له : يا أميرالمؤمنين مرنا بأمرك في عدوالله ، والله لقد أهلك الامة وأفسد الملة ، فقال لهم أميرالمؤمنين عليه السلام : إن عشت رأيت فيه رأيي ، وإن أهلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي ، اقتلوه ثم حرقوه بعد ذلك بالنار . قال فلما قضى أميرالمؤمنين عليه السلام نحبه وفرغ أهله من دفنه جلس الحسن عليه السلام وأمر أن يؤتى بابن ملجم ، فجئ به ، فلما وقف بين يديه قال له : يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين ، ثم أمر فضربت عنقه ، واستوهبت ام الهيثم بنت الاسود النخعية جثته منه لتتولى إحراقها ، فوهبها لها فأحرقتها بالنار . وفي أمر قطام وقتل أمير المؤمنين عليه السلام يقول : . فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر قطام من فصيح وأعجمي ثلاثة آلاف وعبد وقينة وضرب علي بالحسام المسمم ولا مهر أغلى من علي وإن غلا ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم وأما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص فإن أحدهما ضرب معاوية وهو راكع ، فوقعت ضربته في إليته ونجا منها واخذ وقتل من وقته ، وأما الآخر فإنه وافى عمروا في تلك الليلة وقد وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة العامري ، فضربه بسيفه وهو يظن أنه عمرو ، فاخذ واتي به عمرو فقتله ، ومات خارجة في اليوم الثاني ] .
ب) نصوص وردت في مقتله عليه السلام:
قال الحلواني في كتابه نزهة الناظر :
[انه نزل فيه «و سيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون» ابو بكر مردويه فى فضائل امير المومنين، و ابوبكر الشيرازى فى نزول القرآن انه قال سعيد بن المسيب: كان على يقرأ: (اذا انبعث اشقاها) قال: فو الذى نفسى بيده لتخضبن هذه من هذا، و اشار الى لحيته و راسه. وروى الثعلبى و الواحدى باسنادهما عن عمار، و عن عثمان بن صهيب عن الضحاك، و روى ابن مردويه باسناده عن جابر بن سمرة، وعن صهيب، وعن عمار، و عن ابن عدى، و عن الضحاك، و الحطيب فى التاريخ عن جابر بن سمرة، و روى الطبرى والموصلى عن عمار، و روى احمد بن حنبل عن الضحاك انه قال النبى: يا على اشقى الاولين عافر الناقة، و اشقى الاخرين قاتلك. و فى رواية: من يخضب هذه من هذا. قال الصنوبرى:
قال النبى له اشقى البرية يا على اذ ذكر الاشقى شقيان
هذا عصى صالحاً فى عقرناقته و ذالك فيك سيلقانى بعصيان
ليخضبن هذه من ذا ابا حسن فى حين يخضبها من احمر قانى
و كان عبد الرحمن بن ملجم التجوبى عداده من مراد، قال ابن عباس: كان من ولد قدار عاقر ناقة صالح، وقصتهما واحدة، لان قدار عشق امراة يقال لها رباب كما عشق ابن ملجم قطاماً. سمع ابن ملجم و هو يقول: لاضربن علياً بسيفى هذا، فذهبوا به اليهعليه السلام فقال: ما اسمك؟ قال، عبد الرحمن بن ملجم، قال: نشدتك بالله عن شىء تخبرنى؟ قال: نعم، قال: هل مر عليك شيخ يتوكأ على عصاه و انت فى الباب فشقك بعصاه ثم قال بؤساً لك اشقى من عاقر ناقة ثمود؟ قال: نعم، قال: هل كان الصبيان يسمونك ابن راعية الكلاب و انت تلعب معهم؟ قال: نعم، قال هل اخبرتك امك انها حملت بك و هى طامث؟ قال: نعم، قال: فبايع، فبايع، ثم قال: خلوا سبيله، و روى انه جاءه ليبايعه فرده مرتين او ثلاثا فبايعه و توثق منه الايغدر و لاينكث، فقال: والله ما رأيتك تفعل هذا بغيرى ،فقال: يا غزوان احمله على الاشقر فأركبه فتمثل امير المومنين عليه السلام: اريد حياته و يريد قتلى عذيرك من خليلك من مراد امض يا ابن ملجم فو الله ماارى تفى بما قلت. و فى رواية: و الذى نفسى بيده لتخضبن هذه من هذا. الحسن البصرى: انه عليه السلام سهر فى تلك الليلة و لم يخرج لصلاة اليل على عادته فقالت ام كلثوم: ما هذا الشهر؟ قال: انى مقتول لو قد اصبحت، فقال: مر جعدة فليصل بالناس، قال: نعم مروا جعدة ليصل، ثم مرو قال: لا مفر من الاجل، و خرج قائلا:
خلوا سبيل الجاهد المجاهد فى الله ذى الكتب و ذى المشاهد
فى الله لا يعبد غير الواحد و يوقظ الناس الى المساجد
روى انه عليه السلام سهر فى تلك الليلة فأكثر الخروج و النظر الى السماء و هو يقول: و الله ما كذبت و انها الليلة التى و عدت، ثم يعاود مضجعه، فلما طلع الفجر أتاه ابن التياح و نادى: الصلاة، فقام فاستقبله الاوز فصحن فى وجهه فقال: دعوهن فانهن صوايح تتبعها نوايح، و تعلقت حديدة فى ميزره فشد الى أزاره على الباب و هو يقول :
اشدد حيازيمك للموت فان الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت اذا حل بواديكا
فقد اعرف أقواما و ان كانوا صعاليكا
مساريع الى الخير و للشر متاريكا
ابو صالح الحنفى سمعت علياًعليه السلام يقول: رأيت النبىصلى الله عليه وآله فى منامى فشكوت اليه مالقيت من امته من الاود و اللدد و بكيت فقال: لاتبك يا على، و التفت فالتفت فاذا رجلان مصفدان و اذا جلاميد يرصخ بها رؤسهما.
و روى انه عليه السلام قال لام كلثوم: يا بنية انى أرانى قل ما أصحبكم قالت: و كيف ذالك يا أبتاه؟ قال: انى رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله فى منامى و هو يمسح الغبار عن وجهى و يقول: يا على لاعليك قد قضيت ما عليك، قالت: فما مكثنا حتى ضرب تلك اليلة الضربة. و فى رواية انه قال: يا بنية لا نفعلى فانى ارى رسول الله يشير الى بكفه يا على الينا فان ما عندنا هو خيرلك. ابو مخنف الاردى، و ابن راشد، و الرفاعى، و الثقفى جميعاً: انه اجتمع نفر من الخوارج بمكة فقالوا: انا شرينا انفسنا لله فلو أتينا أئمة الضلال و طلبنا غرتهم فأرحنا منهم البلاد و العباد، فقال عبد الرحمن بن ملجم: انا اكفيكم علياً، و قال الحجاج بن عبدالله السعدى الملقب بالبرك: انا اكفيكم معاوية فقال عمرو بن بكر التميمى: انا اكفيكم عمر و بن العاص، و اتعدو التاسع عشر من شهر رمضان. ثم تفرقوا فدخل ابن ملجم الكوفة فرأى رجلا من اهل التيم تيم الرباب عند قطام التميمية و كان امير المومنين عليه السلام قتل اباها الاخضر و اخاها الاصبغ بالنهروان فشغف بها ابن ملجم خطبها فأجابته بمهر ذكره العبدى فى كلمة له فقال:
فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة كمهر قطام من فصيح و اعجم
ثلاثة آلاف و عبد وقينة و ضرب على بالحسام المسمم
فلا مهر اغلى من على و ان غلا و لاقتل الا دون قتل ابن ملجم
فقبل ابن ملجم ذلك، قالت: ويحك من يقدر على قتل على و هو فارس الفرسان مغالب الاقران، و السابق الى الطعان، و اما المالية فلا بأس على منها. قال: اقبل فبعثت الى وردان بن مجالد التميمى و سألته معونة ابن ملجم، و استعان ابن ملجم بشبيب بن بجرة فأعانه، و اعانه رجل من وكلاء عمرو بن العاص بخط فيه مائة الف درهم فجعله مهرها، فأطعمت لها اللوزينج و الجوزينق و سقتهما الخمر العكبرى، فنام شبيب و تمتع ابن ملجم معها، ثم قامت فأيقظتهما و عصبت صدورهم بحرير و تقلدوا اسيافهم و كمنوا له مقابل السدة و حضر الاشعث بن قيس لمعونتهم فقال لابن ملجم: النجا النجا لحاجتك فقد ضحك الصبيح فأحس حجر بن عدى بما اراد الاشعث فقال له: قتلته يا اشعث! و خرج مبادراً ليمضي الى امير المؤمنين فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف. و قال محمد بن عبدالله الازدى: اقبل امير المؤمنين ينادى: الصلاة الصلاة فاذا هو مضروب، و سمعت يقول: الحكم لله يا على لا لك و لا لاصحابك، و سمعت علياً يقول: فزت و رب الكعبة، ثم يقول: لا يفوتنكم الرجل. و كان قد ضربه شبيب فأخطأه و وقعت ضربته فى الطاق و مضى هارباً حتى دخل منزله و دخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره فقال: ما هذا لعلك قتلت امير المومنين؟ فأراد ان يقول لا فقال نعم فقتله الازدى. و اما ابن ملجم فان رجلا من همدان لحقه و طرح عليه قطيفة و صرعه. و انسل الثالث بين الناس فاما رآه امير المومنين قال: النفس بالنفس ان انامت فاقتلوه كما قتلنى و ان سلمت رايت فيه رايى. و فى رواية: ان عشت رايت فيه رايى و ان هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبى. فسئل عن معناه فقال: اقتلوه ثم احرقوه بالنار فقال ابن ملجم: لقد ابتعته بألف و سممته بألف فان خاننى فأبعده الله و لقد ضربته ضربة لو قسمت بين اهل الارض لاهلكتهم. و فى محاسن الجوابات عن الدينورى انه قال: سألت الله ان يقتل به شر خلفه فقال على عليه السلام قدر اجاب الله دعوتك يا حسن اذا مت فاقتله بسيفه. وروى انه قال: اطعموه و اسقوه و احسنوا اساره فان اصح فأنا ولى دمى ان شئت عفوت و ان شئت استنفذت و ان هلكت فاقتلوه، ثم اوصى فقال: يا بنى عبد المطلب لا الفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل امير المومنين الا لايقتلن بى الا قاتلى و نهى عن المثلة و روى ابو عثمان المازنى انه قال عليه السلام:
تلكم قريش تمنانى لتقتلنى فلا و ربك مافازوا و ما ظفروا
فان بقيت فرهن ذمتى لهم بذات و دقين لايفعو لها أثر
و ان هلكت فانى سوف اوترهم ذل الممات فقد خانوا و قد غدروا
و امر الحسن عليه السلام ان يصلى الغداة بالناس. و روى انه دفع فى ظهره جعدة فصلى بالناس الغداة. الاصبغ فى خبر: ان علياً عليه السلام قال: لقد ضربت فى الليله التى صعد فيها بروح يحيى بن زكريا، فلما توفى امير المومنين و دفن جلس الحسن و أمر به فضرب عنقه. واستوهبت ام الهيثم بنت الاسود النخعية جيفته لتتولى احراقها فوهبها لها فاحدقتها بالنار، و اما الرجلان اللذان كانا مع ابن الملجم فى العقد على معاوية و عمرو، فان احدهما ضرب معاوية على اليتيه و هو راكع، و اما الآخر فانه قتل خارجة بن ابى حنيفة العمرى و هو يظن انه عمرو، و كان قد استخلفه لعلة وجدها.- نزهة الناظر وتنبيه الخاطر للشيخ الحلواني].
[- أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسين علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل القاري ، حدثني عمر بن سعيد الدارمي ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، أخبرني خالد ابن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن اسلم : ان أبا سنان الدؤلي حدثه انه عاد عليا ” عليه السلام في شكوى اشتكاها قال : فقلت له : لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه فقال : ولكني والله ما تخوفت على نفسي منه لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله الصادق المصدق يقول : انك ستضرب ضربة هاهنا ، وضربة هاهنا – وأشار إلى صدغيه – فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود – رواه الحاكم في مستدركه ج3 ص113 &ورواه البيهقي في سننه ج8 ص58 &وأورده ابن الأثير في أسد الغابة ج4ص33].
[ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحارث الأصفهاني الفقيه ، أخبرنا محمد بن حيان ( وهو أبو الشيخ الاصبهاني ) حدثني أبو الحسين محمد بن محمد الجرجاني ، عن موسى بن عبد الرحمان الكندي ، حدثنا : أحمد بن الحسين – وفيما أجاز لنا شيخنا أبو عبد الله الحافظ – حدثني أبو عبد الله محمد بن أحمد بن بطة الأصفهاني ، حدثنا أبو جعفر محمد بن العباس بن أيوب الاجرم وأبو حامد أحمد بن جعفر بن سعيد الأشعري قالا : حدثنا أبو عيسى محمد بن عبد الرحمان بن محمد بن مسروق ، حدثنا عثمان بن عبد الرحمان الحراني ، حدثنا إسماعيل بن راشد قال كان من حديث ابن ملجم وأصحابه لعنهم الله ان عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله والبرك بن عبد الله وعمرو بن بكر التميمي ، اجتمعوا بمكة فذكروا أمر الناس وعابوا على ولاتهم ، ثم ذكروا أهل النهروان فترحموا عليهم وقالوا ما نصنع بالحياة بعدهم وقالوا إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم الذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم فلو شرينا بأنفسنا أنفسهم فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد وثأرنا بهم إخواننا فقال ابن ملجم : أنا أكفيكم علي بن أبي طالب وكان من أهل مصر ، وقال البرك بن عبد الله : أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان ، وقال عمرو بن بكر التميمي : أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، فتعاهدوا وتواثقوا بالله لا ينكص الرجل منهم عن صاحبه الذي وجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه ، فأخذوا أسيافهم فسموها واتعدوا لتسع عشرة من شهر رمضان ، يثب كل واحد منهم إلى صاحبه الذي توجه إليه ، فاقبل كل رجل إلى المصر الذي كان فيه صاحبه الذي طلب ، فأما ابن ملجم المرادي لعنه الله فخرج فلقى أصحابه بالكوفة وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئا ” من أمره فرأى ذات يوم أصحابا له من تيم الرباب وكان علي عليه السلام قتل منهم يوم النهروان عددا ، فذكروا قتلاهم ولقى من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها قطام وقد كان علي قتل أباها وأخاها وكانت فائقة الجمال ، فلما رآها التست بعقله ونسى حاجته التي جاء لها فخطبها فقال : لا أتزوجك حتى تشفي قلبي قال : وما تشائين ؟ قالت : ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب ، فقال هو مهرك ، فأما قتل علي فلا أراك تدركينه ، قالت تريدني قال بلى قالت فالتمس غرته فان أصبته انتفعت بنفسك ونفسي وتحفد العيش معي ، وان هلكت فما عند الله خير وابقى من الدنيا وزبرج أهلها ، فقال : والله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي بن أبي طالب قالت فإذا أردت ذلك فاني اطلب لك من يشد ظهرك ويساعدك على أمرك ، فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له ” وردان ” فكلمته في ذلك فأجابها وجاء ابن ملجم رجلا ” من أشجع يقال له شبيب بن بحرة فقال له : هل لك في شرف الدنيا والآخرة ؟ قال وما ذاك قال قتل علي بن أبي طالب ، قال ثكلتك أمك ، لقد جئت شيئا ” ادا ” كيف تقدر على ذلك ؟ قال : اكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة ، شددنا عليه فقتلناه فان نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثارنا وان قتلنا فما عند الله خير من الدنيا ، قال له : ويحك لو كان غير علي كان أهون علي ، قد عرفت بلاءه في الإسلام وسابقته مع النبي وما أجدني أنشرح لقتله ، قال أما تعلم انه قتل أهل النهروان العباد المصلين قال بلى قال فاقتله بمن قتل من إخواننا ، فأجابه فجاؤا حتى دخلوا على قطام وهى في المسجد الأعظم معتكفة فيه ، فقالوا لها : لقد اجتمع رأينا على قتل علي قالت فإذا أردتم ذلك فأتوني ثم عادوا ليلة الجمعة التي قتل علي في صبيحتها سنة أربعين فقال هذه الليلة التي وعدت فيها صاحبي ان يقتل كل واحد منا صاحبه فدعت لهم بالحريرة فعصبتهم واخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي عليه السلام ، فلما خرج شد عليه شبيب لعنه الله بالسيف فضربه بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو بالطاق ، وضربه ابن ملجم لعنه الله فاقرنه بالسيف وهرب وردان حتى دخل منزله فدخل عليه رجل من بني أمية وهو ينزع الحريرة من صدره فقال ما هذه الحريرة والسيف ؟ فاخبره بما كان فانصرف فجاد بسيفه فعلى به وردان حتى قتله وخرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس ، فصاح الناس فلقيه رجل من حضر موت يقال له عويص وفي يد شبيب السيف فأخذه وجثم عليه الحضرمي ، فلما رأى الناس قد أقبلوا في طلبه وسيف شبيب في يده خشى على نفسه فتركه فنجا بسيفه ونجا شبيب في غمار الناس فشدوا على ابن ملجم لعنه الله فأخذوه إلا ان رجلا من همدان يكنى أبا اد أخذه فضرب رجله فصرعه ، وتأخر علي فدفع في ظهر جعدة بن هبيرة المخزومي فصلى بالناس الغداة ثم قال علي عليه السلام : علي بالرجل ، فادخل عليه فقال : أي عدو الله ، الم أحسن إليك ؟ قال بلى قال فما حملك على هذا قال : [ ان سيفي هذا ] شحذته أربعين صباحا فسألت الله ان يقتل به شر خلقه فقال علي عليه السلام : فلا أراك إلا مقتولا به ولا أراك إلا من شر خلق الله .
فذكروا : أن محمد بن حنفية قال : والله إني لا صلى تلك الليلة التي ضرب فيها علي بن أبي طالب في المسجد في رجال كثير من المصر ، يصلون قريبا من السدة ما هم إلا قياما ” وركوعا ” وسجودا ” فلا يسأمون من أول الليل إلى آخره إذ خرج علي عليه السلام لصلاة الغداة فجعل ينادي : أيها الناس ، الصلاة ، الصلاة ، فما ادري اخرج من السدة فتكلم إذ نظرت إلى بريق السيوف وسمعت : الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك ، فرأيت سيفا ثم رأيت ثانيا ” ، وسمعت عليا عليه السلام يقول : لا يفوتنكم الرجل وشد عليه الناس من كل جانب فلم ابرح حتى اخذ ابن ملجم قبحه الله وادخل على علي عليه السلام فدخلت فيمن دخل ، فسمعت عليا عليه السلام يقول : النفس بالنفس ، فان هلكت فأقتلوه كما قتلني ، وان بقيت رأيت فيه رأيي . وذكروا أن الناس دخلوا على الحسن بن علي فزعين لما حدث من أمر علي عليه السلام فبينما هم عنده وابن ملجم مكتوف بين يديه إذ ثارت ” أم كلثوم ” بنت علي عليه السلام فقالت : أي عدو الله انه لا بأس على أبي ، والله يخزيك ، فقال ابن ملجم : على ما تبكين ؟ لقد اشتريت سيفي بألف وسممته بألف ولو كانت هذه الضربة لجميع أهل الأرض ما بقى أحد – رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ج3 ص35 وفيه : عمرو بن بكير].
[وذكروا ان جندب بن عبد الله دخل على علي عليه السلام يسليه فقال : يا أمير المؤمنين ان فقدناك – فلا نفقدك – فنبايع الحسن ؟ قال لا آمركم ولا أنهاكم ، انتم أبصر قال فزد فدعا حسنا وحسينا فقال : أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وان بغتكما ، ولا تبكيا على شئ زوي عنكما ، وقولا الحق وارحما اليتيم واعينا الضائع واصنعا للآخرة وكونا للظالم خصما ” وللمظلوم ناصرا ” ، اعملا بما في الكتاب فلا تأخذكما في الله لومة لائم . ثم نظر إلى محمد ابن الحنفية فقال : هل حفظت ما أوصيت به أخويك ؟ قال : نعم ، قال فاني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك ، لعظيم حقهما عليك ولا تؤثر أمرا ” دونهما . ثم قال أوصيكما به فانه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما ان أباكما كان يحبه ، وقال للحسن : يا بني أوصيك بتقوى الله وإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة عند محلها فانه لا صلاة إلا بطهور ولا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة وأوصيك بعفو الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عن الجاهل والتفقه في الدين والتثبت في الأمر والتعاهد في القرآن وحسن الجوار والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجتناب الفواحش – انظر مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا ح / 33 ].
3) وصيته عليه السلام :
روى هذه الوصية أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه وأبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين :
[ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أوصى أن يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. أوصيكم بتقوى الله وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما وقولا الحق واعملا (للأجر) للآخرة وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً وأوصيكم وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي هذا من المؤمنين بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام وإن البغضة حالقة الدين ولا قوة إلا بالله انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب والله الله في الأيتام لا تغيروا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله له الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار، والله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم مازال يوصينا بهم حتى ظننا أنه سيورثهم والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم مابقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا وإن أدني ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف من ذنبه والله الله في الصلاة فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم والله الله في صيام شهر رمضان فإنه صيام جنة من النار وااله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان إمام هدى ومطيع له مقتد بهداه والله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم والله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثاً ولم يؤوا محدثاً فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم والله الله في النساء وماملكت أيمانكم فإن آخر ماتكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله أن قال أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم ثم قال الصلاة الصلاة ولا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله عز وجل ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليكم بالتواصل والتباذل والتبار وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم واستودعكم الله خير مستودع وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وقال ابن الأثير أنه دعا الحسن والحسين عليهما السلام فقال لهما أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ولا تبكيا على شيء زوي عنكما منها وقولا الحق وارحما اليتيم وكونا للظالم خصماً وللمظلوم ناصراً واعملا بما في كتاب الله ولا تأخذكما في الله لومة لائم ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال هل حفظت م أوصيت به أخويك قال نعم قال فإني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك العظيم حقهما عليك ولا تقطع دونهما أمراً ثم قال أوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما أن أباكما كان يحبه وقال للحسن أوصيك أي بني بتقوى الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغفر الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عن الجاهل والتفقه في الدين والتعاهد للقرآن وحسن الجوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش. ثم قال للحسن: أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي واسقوه من شرابي. ثم قال للحسن عليه السلام إذا أنا مت فلا تغالوا في كفني وصل علي وكبر سبعاً وفي رواية خمساً وغيب قبري. وفي ضربة ابن ملجم أمير المؤمنين عليه السلام يقول عمران بن حطان الرقاشي الخارجي: ياضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً إني لأذكره حيناً فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزاناً أكرم بقوم بطون الأرض أقبرهم لم يخلطوا دينهم بغياً وعدواناً لله در المرادي الذي سفكت مفاه مهجة شر الخلق إنساناً أمسى عشية غشاه بضربته مما جناه من الآثام عرياناً.]
[ وروى في كتب مناقب أمير المؤمنين للخوارزمي أيضاً لما حضرته الوفاة أوصى فكانت وصيته : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أوصى [ به ] علي بن أبي طالب ، أوصى انه يشهد : أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا ” عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ثم ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ثم أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي ومن يبلغه كتابي بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وانتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فاني سمعت أبا القاسم عليه السلام يقول : ان صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام . انظروا إلى ذوى أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب . الله الله في الأيتام فلا تغيروا أفواههم ولا يضيعن بحضرتكم . الله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصى بهم حتى ظننا انه سيورثهم .
الله الله في القرآن فلا يسبقنكم بالعمل به غيركم .
الله الله في الصلاة فإنها عماد دينكم .
الله الله في بيت ربكم فلا يخلون ما بقيتم فانه ان ترك لم تناظروا .
الله الله في شهر رمضان فان صيامه جنة من النار .
الله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم .
الله الله في الزكاة فإنها تطفي غضب الرب .
الله الله في ذمة أهل بيت نبيكم فلا يظلموا بين ظهرانيكم .
الله الله في أصحاب نبيكم فان رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم .
الله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم .
الله الله فيما ملكت إيمانكم فان آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله ان قال :
وصيكم بالضعيفين : نساؤكم وما ملكت إيمانكم ، الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم يكفيكم من أرادكم وبغى عليكم وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله . ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيتولى الأمر شراركم ثم تدعو فلا يستجاب لكم . علكيم بالتواصل والتباذل وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ، واتقوا الله ان الله شديد العقاب.حفظكم الله من أهل بيت ، وحفظ فيكم نبيكم ، استودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض في شهر رمضان سنة أربعين وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص وكبر عليه الحسن تسع تكبيرات ، وولى الحسن عمله ستة أشهر – أورد ابن أبي الدنيا هذه الوصية بعينه في مقتل أمير المؤمنين ح 30].
وقد كان علي عليه السلام نهى الحسن عن المثلة فقال : يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون في دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، الا لا يقتل بي إلا قاتلي ، انظر يا حسن ، ان أنا مت من ضربتي هذه ، فاضربه ضربة ولا تمثل بالرجل فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ، فلما قبض علي عليه السلام بعث الحسن عليه السلام إلى ابن ملجم لعنه الله ، فقال للحسن : هل لك في خصلة ، إني والله ما أعطيت عهدا إلا وفيت به إني أعطيت الله عهدا ” أن اقتل عليا ” ومعاوية أو أموت دونهما ، فان شئت خليت بيني وبينه ولك الله على ان اقتله وان قتلته ثم بقيت لآتينك حتى أضع يدي في يدك فقال : لا والله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله ثم أخذه الناس فأدرجوه في بواري ثم احرقوه بالنار وأخبرنا الشيخ الإمام أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي فيما كتب إلي من همدان – أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن ابن أحمد بن الحسن الحداد باصبهان – فيما أذن لي في الرواية عنه – أخبرنا الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني – سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة – أخبرنا الإمام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني ، قال أبو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني وأخبرنا بهذا الحديث عاليا ” الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الأصبهاني – في كتابه إلي من أصفهان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة – عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا محمد بن علي بن دحيم ، حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا أحمد بن صبيح القرشي ، حدثنا يحيى بن يعلى ، عن إسماعيل البزاز ، عن أم موسى سرية لعلي قالت : قال علي لام كلثوم : يا بنية ما أراني إلا وقل ما أصحبكم قالت ولم يا ابة ؟ قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله البارحة في المنام وهو يمسح الغبار عن وجهى وهو يقول : إلي يا علي ، لا عليك قضيت ما عليك – مناقب أمير المؤمنين للخوارزمي ص138].
د) فرح أعداء أمير المؤمنين والخوارج باستشهاده عليه السلام:
ذكر الأصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين ص 54 ـ 55
عن اسماعيل بن راشد وهو مروى بالإسناد فقال :
[ لما أتى عائشة نعي علي أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ تمثلت : فألقت عصاها و استقرت بها النوى * كما قــــر عـــيــــنا بالإياب المسافر – ثم قالت : فمن قتله ؟ فقيل : رجل من مراد ، فقالت : فإن يك نائيا فلقد نعاه غـــــلام ليس في فيه التراب.!!فقالت زينب بنت أبي سلمة :
أ لعلي تقولين هذا ؟!فقالت : فإذا نسيت فذكروني !! ثم روى أبو الفرج بإسناده عن أبي البختري قال : لما أن جاء عائشة قتل علي عليه السلام سجدت !! – نقل ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة – ج9 / 198 ، ط. دار إحياء التراث العربي عن الشيخ ابي يعقوب وقال فيه : أنه لم يكن يتشيع ] .
وقال الصحابي الجليل قيس بن يعد :
[ أن معاوية لما علم خبر استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام سجد لله شكراً – المقتطفت لبن رويش الأندلسي ص259] وروي أنه قال لما سمع الخبر : [ قال لاأجد إلا ما أقعص عنك – محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ج1ص531] .
وأنشأ عمران ابن حطان شاعر الخوارج لعنه الله قائلاً:
[ ياضربة من تقي ما أراد بها * إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنّى لأذكره يوماً فأحسبه * أوفى البريّة عندالله ميزانا – الأصابة ج3ص119]
وهذا الرجل يوثقه البخاري أصح الكتب ويروي عنه في وقتقال فيه الدارقطني: [ متروك لسوء إعتقاده وسوء مذهبه – الإصابة لبن حجر ج3 ص180].
[ ويروي له أبي داوود من حديث عمران بن حطان عن عائشة : وقال إن الخوارج أصح أهل الأهواء حديثاً – البداية والنهاية بن كثير ج7ص329].
وتتبع الأمويون أنصار وزير النبي وشيعته في كل مكان وكثرت الكذابة على رسول الله صلى الله عليه وآله خوفاً من البطش أو طمعاً في دنيا يؤثرونها وانشقت أمة محمد لشيعة وسنة إلى الآن دون رجوع أكثر الأمة للقرآن الذي نهى عن التفرق والتشعب والإقتتال ودعا إلى المودة والحب والتعاون على البر والتقوى ونهى عن الإثم والعدوان ولكن أكثر هذه الأمة رجع في دينه ليس للنص القرآني بل لاهواء العلماء بغير دليل صحيح على جواز اقتتال المسلمين إلى أن يفني بعضهم بعضاً وعظم الخطب بلعن أمير المؤمنين على المنابر لثمانين سنة ولم نسمع أو نقرأ عن صحابي تم سبه صراحة على المنابر إلا وزير النبي وحامل لواءه والمحارب بين يديه و أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام الغر المحجلين علي ابن أبي طالب أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وختنه وزوج ابنته , و نكون قد أثبتنا بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام هو وزير رسول الله ونفسه وأنهما خلقاً من شجرة واحدة قبل الخلق وفي الدنيا كان خير وصي لخير نبي فكان ربيبه وختنة وزوج ابنته وحامل لواءه ووزيره من بعده وأعلم أمة محمد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله .
فلما بغضه المبغضون وأحبه المحبون خرجت مناقبه من بين محبينه ومبغضينه ليهلك الله من هلك عن بينه ويحى من حي عن بينه فاللهم اجعلنا من حزبه فإن حربه هم الغالبون و ا حشرنا معه صلى الله عليه وآله واجعلنا من أمته و الواردين على حوضه الشريف : { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } .
هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
الشريف خالد محيي الدين الحليبي