Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

“مصادرة الأموال” فخ يعمل باتجاهين بين أوروبا وروسيا

اندبندنت :

دول القارة تريد استخدام الاحتياطات المجمدة لمساعدة أوكرانيا وبوتين يهدد بالسطو على ممتلكات الشركات الأوروبية والأميركية

حذر فلاديمير بوتين من أن نزعة الانفصالية الاقتصادية لن تزداد إلا شدة إذا سرق الغرب الأصول الروسية المجمدة (أ ف ب)

ملخص

وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الـ 30 من سبتمبر (أيلول) الماضي مرسوماً بعنوان “بشأن تفاصيل بيع الممتلكات الفيدرالية”، وينصّ المرسوم على إجراءات بيع سريعة للأصول والممتلكات العائدة لشركات أوروبية وأميركية، ولن يستغرق تقييم الأصول المصادرة أكثر من 10 أيام، وسيُكلّف بنك “بي أس بي” المملوك للدولة، والذي يخدم المجمع الصناعي العسكري الروسي، ببيعها، وينص المرسوم صراحةً على أن هذه الإجراءات تُتخذ رداً على “الإجراءات غير الودية التي اتخذتها الولايات المتحدة ودول أجنبية أخرى”.

هددت موسكو بمصادرة أصول الشركات الغربية العاملة في روسيا وبيعها بسرعة، إذا استولى الاتحاد الأوروبي على احتياطيات البنك المركزي الروسي المجمدة لديه، واستخدمها لدعم أوكرانيا وشراء الأسلحة لها.

وقالت موسكو في إنذارها “إذا استخدم الاتحاد الأوروبي الاحتياطيات المجمدة للبنك المركزي الروسي لمساعدة أوكرانيا، كما تقترح خطة المفوضية الأوروبية، فسيقوم الكرملين بتأميم الأصول الأجنبية المجمدة في روسيا وبيعها فوراً”، بحسب ما أوردت وكالة “بلومبيرغ” والعديد من وسائل الإعلام الأخرى المقربة من الحكومة الروسية.

بناءً على هذا الهدف، ووفقاً لـ”بلومبيرغ”، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الـ 30 من سبتمبر (أيلول) الماضي مرسوماً بعنوان “بشأن تفاصيل بيع الممتلكات الفيدرالية”، وينصّ المرسوم على إجراءات بيع سريعة للأصول والممتلكات العائدة لشركات أوروبية وأميركية، ولن يستغرق تقييم الأصول المصادرة أكثر من 10 أيام، وسيُكلّف بنك “بي أس بي” المملوك للدولة، والذي يخدم المجمع الصناعي العسكري الروسي، ببيعها، وينص المرسوم صراحةً على أن هذه الإجراءات تُتخذ رداً على “الإجراءات غير الودية التي اتخذتها الولايات المتحدة ودول أجنبية أخرى”.

وسبق صدور هذا المرسوم تصريحاتٌ لمسؤولين رفيعي المستوى بهذا الخصوص. وتوعد دميتري بيسكوف، السكرتير الصحافي للرئيس الروسي، قائلاً “إذا صودرت الممتلكات، فسيكون هناك رد”، ووصف خطة الاتحاد الأوروبي بأنها “سرقة”، ووعد دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، بملاحقة المتورطين في مصادرة الممتلكات الروسية “حتى نهاية العالم”.

هكذا تفاعل السياسيون الروس مع مناقشة الدول الأوروبية خطة لتقديم ما يُسمى “قرض التعويضات” لأوكرانيا بقيمة تصل إلى 140 مليار يورو (163.22 مليار دولار)، بضمان الأصول الروسية المجمدة في بنك “يوروكلير” البلجيكي.

كم عدد الشركات الغربية التي لا تزال تعمل في روسيا؟

ليس هناك تقديرات موثوقة لقيمة الأصول الأوروبية المهددة بالمصادرة، بل بيانات غير موثقة فقط، فوفقاً لدراسة قُدّمت في أوائل عام 2025 الجاري من قِبل كلية كييف للاقتصاد ومنظمتي “سكيزينك بوتين” و”بي 4 أوكرانيا”، كان هناك 827 شركة من أوروبا الغربية نشطة في روسيا عام 2023، وبلغ إجمالي إيراداتها 81.4 مليار دولار أميركي في عام 2023، مُقارنةً بـ 111.4 مليار دولار أميركي في العام الذي سبقه، وبلغت الإيرادات الضريبية في كلا العامين 3 مليارات دولار أميركي.

لا توجد دراسات مماثلة حتى الآن لعام 2024، ولكن تُحدَّث قوائم الشركات المتبقية في روسيا بانتظام، إحداهما تُديرها كلية كييف للاقتصاد، والأخرى تُديرها مجموعة من الاقتصاديين بقيادة جيفري سونينفيلد، الأستاذ في كلية ييل للإدارة، وتُظهر هاتان القائمتان أن مئات الشركات من أوروبا الغربية والولايات المتحدة لا تزال تعمل بنشاط في روسيا.

على وجه التحديد، ووفقاً لمبادرة “اتركوا روسيا”، كانت 459 شركة ألمانية تعمل في روسيا قبل الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 من بين هذه الشركات، لا تزال 251 شركة تعمل، وفقاً لمُعدي القائمة منها على سبيل المثال “مترو” و”غلوبس” و”ريتر سبورت”، بينما 134 شركة في طور إيقاف عملياتها، و74 شركة فقط غادرت السوق الروسية بالفعل.

ويظهر تحليل هذه القوائم أن عملية خروج الشركات الغربية توقفت تقريباً بعد عام 2023، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن السلطات بدأت في عرقلة عمليات الخروج ووضع عقبات كأداء أمام تنفيذها.

يُطلب من الشركات الأجنبية الراغبة في ترك السوق الروسية، تنسيق بيع أصولها مع هيئة مراقبة الاستثمار الأجنبي الحكومية، ويجب أن يكون سعر الصفقة أقل بنسبة 50 في المئة على الأقل من أحدث تقييم للشركة، وأُضيف لاحقاً شرطٌ آخر: يجب تحويل 10 في المئة من سعر الصفقة إلى الموازنة. ولكن حتى إذا أبدى المالكون استعدادهم لبيع الشركة بموجب هذه الشروط، يحق للهيئة الحكومية منع تنفيذ الصفقة.

هناك شرط آخر وهو ألا يكون لدى الجهة المعنية أي اعتراض، وقد اتضح أخيراً أن هذه الاعتراضات أحبطت محاولة أخرى لبيع أعمال مجموعة “رايفايزن بنك” الدولية المالية في روسيا، ووفقاً لـ”رويترز”، فإن موسكو مهتمة بالحفاظ على “رايفايزن بنك” النمساوي لاستمراره في ربط روسيا بالنظام المالي الأوروبي.

ممتلكات أوروبية أخرى تصادرها روسيا

إضافة إلى استمرار الشركات الأوروبية في العمل في روسيا، قد تمتد مطالبات الكرملين لتشمل الأصول المالية للأجانب المجمدة في البلاد، ووفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، قد تشمل هذه الأصول ما يُسمى بحسابات الفئة “سي”، وهي حسابات جمّدت فيها روسيا أموالاً وأوراقاً مالية للمستثمرين الأجانب، وقد اتُخذ هذا الإجراء رداً على تجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي في الغرب.

بإمكان روسيا أن تحذو حذو الاستراتيجية الأوروبية، ليس بمصادرة الأصول، بل على سبيل المثال، باستخدامها كضمانات لإصدار سندات دين، والتي من شأن بيعها تمويل عجز الموازنة العامة المتنامي، وأشار ألكسندر كولياندر، الزميل الزائر الأول في مركز تحليل السياسات الأوروبية، إلى ذلك في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”.

المبلغ الدقيق للأموال المودعة في حسابات الفئة “سي” غير معروف، وفي ربيع عام 2023، أفاد البنك المركزي بوجود نحو 500 مليار روبل فيها (نحو 6 مليارات دولار أميركي بحسب سعر الصرف)، لاحقاً، صرّحت أولغا شيشليانيكوفا، رئيسة إدارة الوسطاء الماليين الاستثماريين في البنك المركزي، بأن إجمالي الأصول المالية المجمدة، بما فيها الأوراق المالية، يتجاوز “بشكل كبير” أموال مستثمري القطاع الخاص الروس المحتجزة في أوروبا.

وفي المجمل، قد يتم تجميد عشرات المليارات من الدولارات في حسابات من النوع “سي”، بحسب ألكسندر كولياندر.

أوروبا تبحث آلية الاستيلاء على أموال روسيا

لم يتمكن القادة الأوروبيون من تحديد مصير الأصول الروسية المجمدة في الاتحاد الأوروبي حتى الآن، وما زال قادته منشغلين في البحث عن سند قانوني لمصادرة هذه الأموال وكيفية استخدامها في دعم أوكرانيا.

 ففي اجتماع غير رسمي للمجلس الأوروبي عُقد في كوبنهاغن في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، عرضت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، للمرة الأولى، العناصر الرئيسية لمقترحاتها بنقل الأصول الروسية المجمدة إلى أوكرانيا، ووفقاً لمسؤول في الاتحاد الأوروبي، كانت ردود الفعل من دول الاتحاد إيجابية، على رغم أن بلجيكا أثارت عدداً من المخاوف القانونية والفنية، وصرح المسؤول بعد القمة “التفاهم الذي تم التوصل إليه هو الاتفاق على مواصلة العمل على هذه المسألة”.

وقالت فون دير لاين في المؤتمر الصحافي الختامي “لا يزال أمامنا الكثير لنُحسّنه بشأن هذا المقترح، لكنني سررتُ باهتمام القادة بهذا المفهوم، سنُكثّف الآن النقاشات حول هذا الموضوع”، ورداً على سؤال حول مخاوف بلجيكا، التي تحتفظ بأصول روسية مجمدة في حسابات إيداع “يوروكلير”، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أنه من غير المقبول أن تتحمل تلك الدولة كامل الأخطار المرتبطة بنقل الأصول.

فشل البحث عن مخرج

لكن القمة الرسمية للاتحاد الأوروبي، التي عقدت يومي 23 و24 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري في بروكسل، فشلت في اتخاذ قرار محدد بشأن نقل الأصول الروسية المجمدة إلى أوكرانيا، وأفادت الصحيفة الأوروبية “بوليتيكو”، نقلاً عن مصادر في قمة الاتحاد الأوروبي، أنه تم تأجيل قرار مصادرة الأصول الروسية وفق مخطط ما يسمى بـ”قرض التعويضات” بسبب معارضة بلجيكا.

وأشارت الصحيفة “لم يتم تحقيق أي اختراق بشأن قرض التعويضات، صيغ البيان الختامي فقط بالقول: تكلَّف المفوضية الأوروبية بتقديم مقترحاتها الجديدة في قمة الاتحاد الأوروبي في ديسمبر (كانون الأول) المقبل”.

كما أكدت “بوليتيكو” أن البيان حول أوكرانيا تمت الموافقة عليه من قبل 26 من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، وغاب رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان عن هذه المناقشة في قمة الاتحاد الأوروبي إذ كان يشارك في مسيرة لأنصاره في بودابست تحت اسم “مسيرة السلام”، وكانت المجر تحتفل يومذاك بذكرى الانتفاضة المجرية عام 1956.

وكشفت مقتطفات من البيان الختامي للقمة الأوروبية حول أوكرانيا التي نشرتها وكالة “رويترز”، أن بلجيكا لم تدعم مصادرة الأصول الروسية المحظورة في نطاق ولايتها القضائية خلال القمة، وذكر البيان أن بلجيكا دعمت فقط التزام الاتحاد الأوروبي “بضمان تمويل أوكرانيا في عامي 2026-2027″، وكلفت القمة “المفوضية الأوروبية بإعداد خطة لتقديم هذا التمويل”، وفي ما يتعلق بالأصول الروسية، دعمت بلجيكا فقط الصياغة التي تقول إنه “يجب أن تظل مجمدة حتى انتهاء الصراع ودفع التعويضات لأوكرانيا”، وتسمح هذه الصياغة للمفوضية الأوروبية بمواصلة التحضير لخطة مصادرة الأصول تحت ستار ما يسمى بقرض التعويضات، لكنها لا تعني دعم بلجيكا التلقائي لها.

وبالتالي، ستحتاج بروكسل إلى قمة أوروبية واحدة على الأقل لمحاولة التوصل إلى اتفاق مرة أخرى حول الاستيلاء على الأصول السيادية الروسية.

وقبل القمة، طالب رئيس وزراء بلجيكا بارت دي فافر مرة أخرى جميع دول الاتحاد الأوروبي بتقاسم الأخطار المالية مع بلجيكا بالكامل، حيث تم تجميد 210 مليارات يورو (244.8 مليار دولار) من الأصول السيادية الروسية التي تخطط المفوضية الأوروبية للاستيلاء عليها.

وحذر أيضاً من أن روسيا، كإجراء مضاد، ستبدأ في مصادرة الأصول الغربية في أراضيها وفي الولايات القضائية الصديقة، ونتيجة لذلك، “قد تخرج موسكو رابحة”، بينما “سيأتي المستثمرون الغربيون المتضررون إلى حكومة بلجيكا لمطالبتها بالدفع”.

وكما أفادت وكالة “رويترز” وافق دي فافر في النهاية في القمة على إصدار بيان عام حول ضرورة تمويل كييف في عامي 2026 و2027، ولكن من دون ذكر الأصول الروسية، وكانت المفوضية الأوروبية قدرت سابقاً حاجات أوكرانيا للعامين المقبلين بـ 60 مليار يورو (70 مليار دولار).

كذلك أوضح مصدر لوكالة “تاس” سابقاً، لم تتبقَ لدى المفوضية الأوروبية أموال مجانية لتمويل كييف في عامي 2026-2027، لذلك فهي مضطرة إما إلى المضي قدماً في الاستيلاء على أصول روسيا أو إلى الحصول على قروض جديدة بمليارات اليورو، وفي رأي المصدر، ستواصل المفوضية الأوروبية محاولة فرض خطة لمصادرة الأصول تحت ستار “قروض التعويضات”.

وأعلن المفوض الأوروبي فالديس دومبروفسكيس، أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى استخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا لأن أوروبا لا تمتلك موارد كافية في الفترة 2026-2027، وقال المفوض أمام البرلمان الأوروبي “نعمل على حلول إضافية لتلبية الحاجات المالية لأوكرانيا خلال فترة السنتين 2026 و2027 والفترة اللاحقة، ونعول في ذلك على قرض التعويضات” من الأموال الروسية المجمدة.

وتابع “من شأن ذلك أن يضمن لأوكرانيا مصدراً ثابتاً وموثوقاً للتمويل، حيث سيتم استخدام الأصول الروسية المجمدة مع تنفيذ كافة التزاماتنا وفقاً للقانون الدولي”، وزعم أن المقترح لاستخدام الأصول الروسية لتقديم قروض لأوكرانيا لا يعني مصادرة تلك الأصول.

يذكر أن دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي قامت بتجميد نحو 300 مليار دولار من الأصول الروسية بعد انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عام 2022، ومنذ ذلك الحين يبحث الاتحاد الأوروبي مختلف الصيغ لاستخدام الأصول الروسية لدعم أوكرانيا.

ومعظم الأصول السيادية الروسية مجمدة في أوروبا، أي أكثر من 200 مليار يورو بقليل (233.17 مليار دولار)، يحتفظ بها في منصة “يوروكلير” في بلجيكا، وقد عارضت المؤسسة مراراً مصادرة هذه الأصول، محذرة من أن ذلك قد يؤدي إلى استيلاء روسيا على الأصول الأوروبية أو البلجيكية في أجزاء أخرى من العالم من خلال إجراءات قانونية.

وعلاوة على ذلك، أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي أن كندا وبريطانيا قد تنضمان إلى اقتراح المفوضية الأوروبية بمنح كييف قرضاً جديداً بضمان الأصول الروسية المجمدة في أوروبا.

وأشار دومبروفسكيس إلى أن “هذا الاقتراح لا يتضمن مصادرة الأصول الروسية”، وبحسب المفوض الأوروبي، أعربت كندا وبريطانيا بالفعل عن استعدادهما للانضمام إلى الاقتراح الجديد للمفوضية الأوروبية لاستخدام الأصول السيادية الروسية المجمدة في أراضيهما لتقديم قرض جديد لكييف، كذلك تجري مفاوضات مماثلة مع دول مجموعة السبع الأخرى التي توجد لديها أموال روسية.

وأفادت صحيفة “بوليتيكو” بأن الممثلين الدائمين لدول الاتحاد الأوروبي وافقوا على مسودة قرار استخدام الأصول الروسية المجمدة لمنح أوكرانيا “قروضاً تعويضية”، ووصف ممثل بلجيكيا الذي كان يشكك في الفكرة منذ فترة طويلة، مسودة النص بأنها “دعوة سياسية للتحرك” للمفوضية الأوروبية.

وكانت بلجيكا عارضت سابقاً مصادرة الأصول الروسية المجمدة، إذ إن الجزء الأكبر منها محفوظ لديها في موازنة شركة “يوروكلير”، وتمثل قلقها في احتمالية أن تضطر البلاد لدفع تعويضات لروسيا في حال نشوب نزاعات قضائية، فيما أشار ممثل دولة أوروبية أخرى لم يكشف عن هويته إلى أنه “غير قلق بشكل خاص” بشأن احتمال أن تصبح بلجيكا مصدراً للمشكلات في الاجتماع المقبل.

وتوضح الصحيفة أنه حتى في حال اعتماد قادة الاتحاد الأوروبي للقرار، سيتعين على المفوضية الأوروبية قضاء عدة أسابيع لتنسيق مقترحها مع الحكومات الوطنية، ولا توجد ضمانات لإنهاء هذه العملية بنجاح.

تحالف الراغبين بأموال روسيا

وفي الأثناء، دعا أعضاء “تحالف الراغبين” إلى تسريع عملية مصادرة الأصول الروسية المجمدة في أوروبا، والسعي إلى إزالة جميع العقبات التي تحول دون ذلك بحلول نهاية العام الحالي، وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في مؤتمر صحافي عُقد في لندن “كان واضحاً تماماً في اجتماع اليوم أنه يجب علينا تحقيق نهاية ناجحة لهذه العملية على المدى القصير، لأن هذا سيعني دعماً مالياً إضافياً يمكننا تقديمه لأوكرانيا”. وكشف ستارمر أن رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة ساناي تاكايتشي شاركت أيضاً في الاجتماع عبر اتصال فيديو.

ومن جهتها، قالت رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن “يجب أن نعمل لضمان التوصل إلى حل قبل عشية عيد الميلاد (25 ديسمبر)، حتى نكون على ثقة من قدرتنا على تمويل أوكرانيا في السنوات المقبلة”. وأضافت “أعلم أن بعض الزملاء يجدون هذا الأمر بالغ الصعوبة، ولكن ما هو البديل؟”.

وأفادت المفوضية الأوروبية بأن الاتحاد الأوروبي حوّل 14 مليار يورو (16.3 مليار دولار) إلى أوكرانيا من عائدات الأصول الروسية المجمدة من يناير إلى سبتمبر 2025، واقترحت فون دير لاين منح أوكرانيا قرضاً جديداً باستخدام الأصول المجمّدة، على أن تُلزم كييف بسداده فقط في حال دفعت موسكو ما أسمته بـ”تعويضات الحرب”، ومع ذلك، لا يزال المقترح يواجه خلافات داخل الاتحاد الأوروبي.

وعن سعي “تحالف الراغبين” إلى إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا عبر استخدام أصول البنك المركزي الروسي، كتب غينادي بيتروف، في “نيزافيسيمايا غازيتا” يقول “حلفاء الولايات المتحدة في ’الناتو‘ يسارعون إلى تقديم مقترحاتهم إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن ما ينبغي وما لا ينبغي التفاوض عليه مع موسكو، وقد وصل الأمين العام لحلف ’الناتو‘ مارك روته، إلى واشنطن لهذه الغاية”.

وتابع “مهمة روته في واشنطن مثيرة للاهتمام، ففي مفاوضاته مع ترمب، لا يمثل روته ’الناتو‘ فحسب، بل و’تحالف الراغبين ‘أيضاً”، وفي إطار “تحالف الراغبين”، وُضعتْ خطة من 12 نقطة لاقتراحها على ترمب. وبناءً على ما هو معروف عن هذه الخطة، فإنها تنص على “ضرورة إجراء مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا، بل ويجب إرساء وقف إطلاق النار قبل هذه المفاوضات، وليس بناء على نتائجها، كما يقترح مسؤولون حكوميون روس، ويُستبعد احتمال اعتراف الغرب قانونياً بضم روسيا الأراضي الجديدة”.

ووفقاً للنقاط الـ 12، يجب منح أوكرانيا “ضمانات أمنية”، وفرصة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عبر إجراءات مُعجّلة، وتعويضها عن الأضرار الناجمة عن القتال، وتنص الخطة على أن روسيا ستسهم في إعادة إعمار أوكرانيا، مقابل رفع العقوبات عنها واستعادة أصول البنك المركزي المجمّدة في الغرب.

ولم يكن من قبيل المصادفة أن يرسل حلفاء الولايات المتحدة روته بالذات لوضع ترمب في صورة هذه الخطة، فهو معروف بتوافقه مع الرئيس الأميركي، وقد شعر حلفاء الولايات المتحدة بالحاجة إلى توضيح موقفهم له بعد المكالمة الهاتفية بين ترمب وفلاديمير بوتين في الـ 16 من أكتوبر الجاري، والتي كُشف فيها عن احتمال عقد قمة روسية- أميركية في المجر، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي.

أميركا أيضاً تطمع في أموال روسيا

تدرس الولايات المتحدة استخدام الأموال الروسية المجمدة في بنوكها لدعم أوكرانيا، حيث تدعم واشنطن اقتراح الاتحاد الأوروبي باستخدام هذه الأصول في شراء أسلحة أميركية الصنع لأوكرانيا، كذلك أخبر مسؤولون أميركيون نظراءهم الأوروبيين أنهم يدعمون استخدام الاتحاد الأوروبي للأصول الروسية المجمدة لشراء أسلحة أميركية لكييف، وأجرت واشنطن محادثات داخلية أولية حول الاستفادة من الأصول الروسية المحتجزة في الولايات المتحدة لدعم جهود الحرب الأوكرانية، وفق ما قال مسؤولان أميركيان.

بينما ليس من الواضح ما إذا كانت واشنطن ستنفذ أياً من تلك الخطوات على المدى القريب، فإن ذلك يُظهر وجود مجموعة أدوات مطورة داخل الإدارة لرفع السقف بعد أن فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب عقوبات أميركية على روسيا في 22 أكتوبر للمرة الأولى منذ عودته إلى منصبه في يناير الماضي.

وقبل ذلك وصف ترمب نفسه كصانع سلام عالمي، لكنه اعترف بأن محاولة إنهاء الحرب الروسية التي تجاوزت ثلاث سنوات في أوكرانيا المجاورة ثبت أنها أصعب مما كان يتوقع، وقال مسؤول أميركي كبير لـ”رويترز” إنه يود أن يرى الحلفاء الأوروبيين يقومون بالخطوة الكبرى المقبلة ضد روسيا، والتي يمكن أن تكون عقوبات أو رسوماً جمركية إضافية”. وذكر مصدر منفصل على علم بالديناميكيات الداخلية للإدارة أن ترمب من المرجح أن يوقف الإجراء لبضعة أسابيع ويقيس رد فعل روسيا على إعلان العقوبات الأخير التي فرضها يوم 22 أكتوبر الجاري.

رئيس وزراء بلجيكا ينقذ أموال روسيا

“من المهم أن نؤذي روسيا” بهذه العبارة دافع رئيس وزراء هولندا ديك شوف عن فكرة مصادرة الأصول الروسية المجمدة لدى الاتحاد الأوروبي وتحويلها على شكل قرض تعويضي لأوكرانيا.

وكتبت وكالة “نوفوستي” الروسية في مقال نشرته “أما الواقع، فقد أظهر أن نحو 200 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي لا تزال مجمدة في حسابات أوروبية ولم تصادر بعد، وبفضل موقف شخص واحد تحديداً لم تنفذ خطوة المصادرة حتى الآن، وهذا هو الشخص الذي يحاول شوف إقناعه”. وأضافت الوكالة “ليس المقصود هنا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ولا رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، ولا حتى رئيس وزراء سلوفاكيا ألكسندر فيكو”.

وتابعت “رسمياً لم يؤيد البيت الأبيض علناً مبادرة المصادرة الأوروبية، لكن وسائل إعلام أميركية تشير إلى أن واشنطن تميل لإحداث ضغوط على بروكسل للدفع قدماً بهذه الفكرة”.

وبحسب الوكالة، قد تستخدم حصة كبيرة من الأموال لمصلحة الولايات المتحدة، فيما تقرر بروكسل أن نحو ربع المبالغ سيذهب لسداد قروض سابقة لأوكرانيا، بينما لا يقل عن 140 مليار دولار ستوجه لتمويل مشتريات عسكرية للقوات الأوكرانية، وغالبيتها من أصل أميركي.

هذا المخطط تصدى له رئيس وزراء بلجيكا بارت دي ويفر، الذي عرقل تنفيذ المصادرة وأجلها على الأقل حتى ديسمبر المقبل، التصريحات الرسمية الأوروبية عن “توافق على الأمر” تبينت أنها مبالغات، ففي اجتماع استدعت إليه رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، لم يتراجع دي ويفر ولم يساوم، بل دافع عن الأصول الروسية المجمدة كأنها أموال بلجيكية.

تعد بلجيكا ومخزونها لدى مؤسستها المصرفية “يوروكلير” من أكبر المحافظين على أصول روسيا، ولذلك كان نجاح أي عملية مصادرة رهن موقف دي ويفر، على أرضه الداخلية اشتهر بجسارة وعناد جعلاه صوتاً صلباً يصعب تجاوزه، فقد أدت مواقفه إلى إطالة أمد مفاوضات تشكيل الحكومة مرتين لأكثر من سنة ونصف، لذلك، اصطدم دعاة المصادرة في بروكسل وباريس بعقبة لا يستهان بها.

اتهام بلجيكا بالمصلحية

التبريرات التي ساقها مسؤولون أوروبيون لاحقاً بحق بلجيكا والبلجيكيين وصلت لحد اتهامهم بأنهم يريدون الاحتفاظ بنسبة من عوائد الأصول (نحو 30 في المئة) بينما تمنح البقية لكييف، واتهموهم كذلك بأنهم يرفضون تحميل بلجيكا وحدها الأخطار المالية الناتجة من مصادرة الأصول الروسية، ويطالبون بتوزيع الخسائر على دول الاتحاد.

لكن كثيراً من الدول الأعضاء تراهن على أن أوكرانيا لن تسد هذا “القرض” الممول من الأصول الروسية في المستقبل، بينما قد تنجح روسيا بدورها في التعويض عبر مصادرة ممتلكات شركات أوروبية على أراضيها، وهي ممتلكات قيمتها تقدر أيضاً بمئات المليارات، ما يجعل سيناريو “الانتقام الاقتصادي المتبادل” مدمراً للاستثمار والأمن القانوني.

ووفقاً للوكالة الروسية فإن المشهد الأوسع له علامة واضحة يمكن اختصارها في أنه عندما ترى أسواق العالم مصادرة ممتلكات لأسباب سياسية، يتراجع إقبال المستثمرين، كذلك فإن العجز الناتج من تجميد نحو 200 مليار دولار سيولد فراغاً يؤثر في استعادة العلاقات التجارية بين روسيا وأوروبا حتى لو رفعت العقوبات غداً.

وأوضح المقال أن هذا المسار يخدم، وفق المراقبين، مصالح استراتيجية طويلة الأمد للولايات المتحدة التي تستفيد من إبقاء أوروبا منقسمة اقتصادياً، بينما لا يخدم بالضرورة مصالح روسيا أو أوروبا.

من زاوية أخرى، فإن تمسك دي ويفر برفض المصادرة ليس بالضرورة تعاطفاً مع روسيا بقدر ما هو حفاظ على مصالح بلجيكا والاتفاقات القانونية والمؤسساتية القائمة.

بلجيكا ترفض تحمل العبء وحدها

وعلى رغم موقفها الرافض لمصادرة الأصول الروسية، طالبت بلجيكا جميع الدول التي لديها أصول سيادية روسية مجمدة بالمشاركة في المبادرة الجديدة للمفوضية الأوروبية لمنح قرض لأوكرانيا. وقال رئيس وزراء بلجيكا قبل انعقاد القمة الأوروبية الأخيرة “مطلبنا هو أن تتحرك جميع الدول التي لديها أصول مجمدة بشكل مشترك معنا، لأننا الوحيدون بـ’يوروكلير‘ المؤسسة المالية الوحيدة التي تقدم لأوكرانيا الأرباح من الأصول الروسية، نحن نعلم أن هناك دولاً أخرى لديها أموال روسية ضخمة لكنها تلتزم الصمت بشأنها، إذا كنا سنمضي في هذه الخطة، فيجب أن نمضي جميعاً معاً، هذا هو التضامن الأوروبي”. وأكد رئيس وزراء بلجيكا أنه إذا لم تقدم المفوضية الأوروبية اقتراحاً واضحاً وشفافاً لاستخدام الأموال الروسية، “فإن بلجيكا ستفعل كل ما في وسعها لوقف هذا الاقتراح”.

وسبق لبلجيكا أن عارضت بشدة منح كييف قرضاً بضمان الأصول الروسية، تلك التي تسمي روسيا تجميدها “سرقة”، وقد صرح رئيس وزراء بلجيكا على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن “هذا لن يحدث أبداً”، ووفقاً له، فإن مصادرة أصول البنك المركزي لدولة ثالثة سوف تخلق سابقة خطيرة ليس فقط لبلجيكا ولكن للاتحاد الأوروبي ككل.

وحذر رئيس الوزراء البلجيكي من تداعيات مصادرة الأصول الروسية المجمدة، مرجحاً أن يشعل ذلك ردوداً اقتصادية مضادة تستهدف الشركات الغربية في روسيا والدول الصديقة لها، وقال بارت دي ويفر، قبيل قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل “إذا استخدم الاتحاد الأوروبي الأصول الروسية، فعليه الاستعداد لإجراءات انتقامية ضد الأصول الغربية في روسيا وفي الدول الصديقة لها”.

وأضاف دي ويفر “يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تدرك أنها إذا استولت على أموال روسيا، فإنها ستستولي على أموالنا، ستصادر الشركات ذات المنشأ الأوروبي في روسيا، وقد تفعل دول أخرى صديقة لروسيا الشيء نفسه، لذلك، يجب أن نحرص على ألا تأتي هذه الخطوة بنتائج عكسية”.

ونبّه رئيس الوزراء البلجيكي الدول الأوروبية من أن أي قرار بمصادرة الأصول الروسية المجمدة يجب أن يرافقه ضمان إعادتها جماعياً لروسيا، وعدم اقتصار ذلك على بلجيكا. وقال بارت دي ويفير “إذا طالبت روسيا بلجيكا بهذه الأموال لأي سبب كان، فيجب تسليمها فوراً”.

يأتي هذا الموقف في وقت ينقسم الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع الأصول الروسية المجمدة، والتي تقدر في مجموعها بنحو 300 مليار يورو بينها 200 مليار مودعة في شركة “يوروكلير” البلجيكية.

كذلك حذر وزير الدفاع والتجارة الخارجية البلجيكي تيو فرانكن من أن الإجراءات المضادة لروسيا رداً على المصادرة المحتملة للأصول الروسية ستوجه “ضربة قوية” لاقتصاد المملكة البلجيكية، وكتب عبر منصة “إكس”، بأن مصادرة الأصول السيادية “لم يتم النظر فيها حتى خلال فترة الحرب العالمية الثانية.”

ووفقاً لتصريحاته، فإن روسيا “قد تعتبر هذه الخطوة عملاً حربياً وتوجه ضربة شديدة لبلجيكا، ستكون مؤلمة للغاية”. وأعرب عن اعتقاده بأن روسيا “قد تصادر رداً على ذلك 200 مليار يورو من الأصول الغربية” الموجودة على أراضيه، كذلك أشار الوزير إلى أن “الحديث لا يدور فقط عن أصول بلجيكا، بل أيضاً عن أصول الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا”.

وناقش فرانكن حجج المفوضية الأوروبية التي تبحث عن طريقة لاستخدام الأصول “موقتاً” ومنح كييف “قرض تعويضات”، معتبراً أن “المشكلة تكمن في أن هذه خطوة غير مسبوقة وتنذر بعواقب محتملة هائلة”. وتساءل “إذا كانت الدول ستعلم أن أموال بنوكها المركزية لا يمكن وضعها بأمان كامل، فمن سيجرؤ على الاستمرار في فعل ذلك؟”. وأضاف أن هذه الخطوة “ستكون سبباً تستفيد منه الكتلة المناهضة للغرب للتشكيك في المعاملات الدولية لرأس المال”. كذلك أعرب عن اقتناعه بأن هذه الأموال “لن تذهب على أي حال لإعادة إعمار أوكرانيا، بل ستذهب إلى الحرب، لأن الحرب تكلف ثروة طائلة”.

الدوافع المالية لبلجيكا

كشفت صحيفة “لو سوار” أن بلجيكا، إضافة إلى مخاوفها بشأن قانونية الصفقة الخاصة بالأصول الروسية المجمدة، لديها دافع مالي لرفض اقتراح “القرض التعويضي” لأوكرانيا، وأشارت الصحيفة إلى أن “بلجيكا خططت بالفعل لاستخدام هذه الإيرادات لتمويل النفقات العسكرية خلال الأعوام 2025-2029 بمبلغ 1.2 مليار يورو (1.4 مليار دولار) سنوياً”.

وتحصل بلجيكا حالياً على أرباح من الأصول الروسية، إذ تخضع هذه الأصول لضريبة الدخل المفروضة في البلاد، إضافة إلى ذلك، يتم التخطيط لإعادة استثمار الأموال.

كذلك أبرزت الصحيفة أن بلجيكا وروسيا وقعتا عام 1998 معاهدة استثمار ثنائية، وأشارت إلى أنه ما لم ينص اتفاق السلام على خلاف ذلك، سيكون لموسكو الحق في المطالبة بالإعادة الفورية للأموال المصادرة، وقد يُضاف إلى ذلك المطالبة بتعويضات.

وحذر رئيس وزراء بلجيكا، بارت دي فيفر، قائلاً “تخيلوا أننا سنضطر إلى سداد دين بقيمة 180 مليار يورو (209.85 مليار دولار) إضافة إلى التعويضات، سيكون هذا جنوناً ما بعده جنون”.

موقف روسيا

من جانبها، وصفت موسكو مراراً تجميد الأصول الروسية بأنه سرقة صريحة، واعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا فكرة مطالبة روسيا بدفع “تعويضات” بأنها منفصلة تماماً عن الواقع. وكانت موسكو وصفت تجميد أصولها السيادية في الغرب بأنه “سرقة”. وسبق أن حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن النظام المالي والاقتصادي العالمي سيتدمر، وأن نزعة الانفصالية الاقتصادية لن تزداد إلا شدة إذا سرق الغرب الأصول الروسية المجمدة.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن موسكو سترد على مصادرة الغرب للأصول الروسية المجمدة، مؤكداً أن لدى روسيا أيضاً إمكانية عدم إعادة الأموال التي كانت الدول الغربية تحتفظ بها في روسيا.

وأكدت رئيسة الوفد الروسي في مفاوضات فيينا، يوليا جدانوفا، أنه في حال تحويل الاتحاد الأوروبي لـ140 مليار يورو (163.22 مليار دولار) من الأصول الروسية المجمدة إلى أوكرانيا، فإنه يستوجب الرد. وقالت في الاجتماع العام لمنتدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا للتعاون الأمني “سمعنا أن الاتحاد الأوروبي يخطط لتقديم مساعدة عسكرية لأوكرانيا بقيمة 140 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة بزعم أنها “تعويضات مستقبلية يُفترض أن تدفعها روسيا لأوكرانيا”. وأضافت “هذه سرقة سافرة، ستضر بالثقة في أوروبا ومناخ الاستثمار في منطقة اليورو، وعلى خصومنا أيضاً أن يأخذوا في الاعتبار أن هذه السرقات لن تمر من دون رد، وفي النهاية، ستدفع التعويضات من جيوب دافعي الضرائب الأوروبيين”.

وأشارت جدانوفا إلى أن هذا سيكون عادلاً، وتابعت “يجب دفع ثمن الأضرار الناجمة عن الأسلحة والذخائر التي أرسلتها دول الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو” لأوكرانيا.

ولجأت دول الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة “السبع” بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إلى تجميد ما يقرب من نصف احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية، بقيمة نحو 300 مليار يورو (نحو 350 مليار دولار)، ومن بين هذه الأصول، يوجد أكثر من 200 مليار يورو (233.17 مليار دولار) في الاتحاد الأوروبي، بشكل أساسي في حسابات “يوروكلير” البلجيكية، إحدى أكبر أنظمة المقاصة والتسوية في العالم.

وكرد فعل على تجميد الأصول الروسية، فرضت موسكو قيوداً مقابلة تقضي بتجميد أصول المستثمرين من الدول غير الصديقة وتحويل عائداتها إلى حسابات خاصة من الفئة “سي” لا يمكن سحبها إلا بقرار من لجنة حكومية خاصة. يذكر أن سفير روسيا في بلجيكا دينيس غونتشار كان قد صرح سابقاً بأن أي شكل من أشكال مصادرة الأصول الروسية سيُعتبر سرقة، محذراً من أن الإجراءات المضادة من قبل موسكو “ستتبع فوراً” وستجبر الغرب “على حساب الخسائر.”

ويبلغ إجمالي الأصول السيادية الروسية المجمدة في أوروبا نحو 200 مليار يورو، معظمها محجوز لدى شركة “يورو كلير” في بلجيكا، وقد عارضت الشركة عدة مرات مصادرة هذه الأصول، محذرة من أن ذلك قد يؤدي إلى قيام روسيا بمصادرة أصول أوروبية أو بلجيكية.

اعتراف بصعوبة مصادرة الأصول الروسية

اعترفت المفوضة الأوروبية البلجيكية أجا لبيب في مقابلة مع صحيفة “بوليتيكو” أن الاتحاد الأوروبي غير مستعد لمصادرة أصول روسيا، وقالت “نحن لسنا مستعدين، هذا أمر غير مسبوق، إننا نقوم بهذا للمرة الأولى، ويجب أن نفكر ونتوقع كل شيء بدقة بالغة”. وبهذا، دحضت لبيب فعلياً فكرة رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين التي مفادها أن المفوضية الأوروبية تحاول فقط منح كييف نوعاً من “قرض التعويضات”، وليس الاستيلاء على الأموال الروسية المجمدة في منصة “يوروكلير” في بلجيكا.

وحذرت لبيب، التي كانت مقدمة برامج تلفزيونية سابقة ثم وزيرة للخارجية البلجيكية وتشغل الآن منصب مفوضة أوروبية، من أن هناك “حاجة إلى الكثير من العمل لتقليل الأخطار القانونية وتوزيعها بين بلجيكا والدول الـ26 الأخرى في الاتحاد الأوروبي، ودول مجموعة السبع، قبل أن يتم اعتماد خطة المفوضية الأوروبية”.

ويعد هذا الاعتراف الأول من نوعه من قبل عضو في المفوضية الأوروبية التي ترأسها أورسولا فون دير لاين، والتي تعد القوة الدافعة الرئيسية لعملية مصادرة الأصول السيادية الروسية.

ألمانيا تدعو لمزيد من النقاش

ومن جهته، أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس أن الأصول الروسية المجمدة ستظل محتجزة، وأن مسألة استخدامها المحتمل تتطلب مزيداً من النقاش، وقال في مؤتمر صحافي عقب اليوم الأول من قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل “سنواصل مناقشة الأصول الروسية المجمدة، أو الأصول المحتجزة كما يطلق عليها بشكل صحيح، هذه الأصول ستظل محتجزة. سيستمر استخدام العائدات النسبية كما كان من قبل. لن يتغير شيء في هذا الصدد”.

وذكر ميرتس أن المفوضية الأوروبية ستنظر في خيارات عمل مختلفة حيث توجد “مشكلات خطيرة” في هذا الصدد تحتاج إلى حل، وأضاف مستشار ألمانيا “اتفقنا على التحرك معاً، وإيجاد طريقة لحلها، نريد قبل كل شيء أن نضمن لأوكرانيا تمويلاً موثوقاً به بدءاً من العام المقبل بغض النظر عن الطريقة، سيتم اتخاذ القرارات في هذا الشأن بنهاية العام”. وأوضح أنه سيبقى على اتصال مع الحكومة البلجيكية بشأن الأصول الروسية المجمدة.

إيطاليا تدعو للحذر

دعت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى اتباع نهج حذر في مسألة استخدام الأصول الروسية المجمدة لمصلحة أوكرانيا، وقالت في كلمة أمام البرلمان الإيطالي قبيل انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي يومي 23-24 أكتوبر “في ما يتعلق بالأصول الروسية المجمدة، نرى ولسنا وحدنا في ذلك أنه من الضروري احترام القانون الدولي، وسيادة القانون، وحماية الاستقرار المالي، وضمان إمكانية تنفيذ أي خطوة يتم اتخاذها”.

نيويورك تايمز: فشل أوروبا بمصادرة الأصول الروسية ضربة لأوكرانيا

اعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن فشل الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى قرار واضح بشأن مصادرة الأصول الروسية المجمّدة خلال قمته التي حضرها فولوديمير زيلينسكي يشكّل ضربة موجعة لأوكرانيا. وجاء في تعليق الصحيفة، أن قادة الاتحاد الأوروبي أجّلوا عملياً اتخاذ قرار نهائي بشأن خطة تقديم ما يسمى بـ”قرض التعويضات” لكييف، مشيرة إلى أن “العملية قد تستغرق وقتاً أطول، وهو ما يُعدّ خبراً غير سار بالنسبة لأوكرانيا التي تحتاج إلى الأموال بشكل عاجل”. وأوضحت الصحيفة أن مصادرة الأصول الروسية المجمّدة تُعد خطوة محفوفة بالأخطار وقد تؤدي إلى عواقب غير متوقعة، لافتة إلى أن زيلينسكي نفسه أقرّ بأن المناقشات خلال القمة كانت صعبة. وأضافت “نيويورك تايمز”، “هذه الخطوة ستكون مغامرة سياسية ومالية، سواء بسبب احتمال الرد الروسي أو لما قد تسببه من ضرر لسمعة أوروبا كملاذ آمن للأصول الأجنبية”.

وأشار المقال إلى أن القادة الغربيين لا يمتلكون خطة واضحة لتنفيذ هذه المبادرة، سواء في ما يتعلق بضمانات الدول الأعضاء أو بالإطار القانوني المطلوب لدعم مثل هذا القرار.

أسلحة لأوكرانيا بأموال روسية

أعلن رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون عقب توقيع اتفاقية نوايا في المجال الدفاعي مع رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي أن بلاده تعتزم بيع أوكرانيا بين 100 و150 مقاتلة من طراز “غريبين ي”. وكانت قناة “أي في تي” التلفزيونية أفادت سابقاً بأن السويد تخطط لبيع أوكرانيا 120 مقاتلة من هذا الطراز، مشيرة إلى أن الحكومة السويدية ترى أن تمويل الصفقة يمكن أن يتم من خلال استخدام الأصول الروسية المجمدة.

وقال رئيس الوزراء السويدي خلال مؤتمر صحافي عُقد في مدينة لينشوبينغ” “هذا هو بداية طريق طويل، لكنه يقربنا خطوة من صفقة تصدير كبرى لشركة “أس أ أ ب” والسويد مع أوكرانيا، ونحن نتحدث هنا عن 100 إلى 150 مقاتلة من طراز “غريبين ي”.

يُذكر أن مقاتلة “غريبين ي” هي أحدث نسخة من المقاتلات السويدية التي طورتها شركة أس أ أ ب” وتتميز هذه النسخة بمحرك أكثر قوة مقارنة بالإصدارات السابقة، وتمتد مسافة طيرانها بشكل أكبر، كذلك هي مزودة برادار متطور ومعدات إلكترونية محسنة.

أوربان: بوتين أكد أن روسيا سترد بشدة على مصادرة أصولها

وفي السياق، قال رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغه في رسالة خطية بأن موسكو ستتخذ إجراءات جوابية شديدة ضد الدول الغربية، إذا أقدمت على مصادرة أصول روسيا المجمدة.

وأوضح أوربان، في مقابلة مع قناة “باتريوتا” على منصة “يوتيوب”، أن تبادلاً للرسائل جرى بينه وبين الرئيس بوتين الأسبوع الماضي، مبيّناً أنه استفسر من الرئيس الروسي عن موقف موسكو إذا ما قرر الاتحاد الأوروبي استخدام أو مصادرة الأصول الروسية، وأضاف “في رده، كتب الرئيس الروسي أن بلاده ستتخذ إجراءات مضادة، وأن تطبيقها سيعتمد على موقف كل دولة من القرار الأوروبي”.

وانتقد أوربان توجه بروكسل نحو مصادرة الأصول الروسية، محذراً من أن مثل هذه الخطوة ستقوّض الثقة في النظام المالي الأوروبي بالكامل. وأضاف “أوروبا تستفيد من قيام دول العالم الأخرى بحفظ جزء من أموالها باليورو وإيداعها في مؤسساتها المالية، لكن إذا صودرت أموال دولة واحدة فقط، فسينهار هذا النظام، ولن يثق أحد بعد الآن بالمؤسسات المالية الأوروبية”.

ووصف رئيس الوزراء المجري القضية بأنها “معقدة”، مضيفاً أن “نقل الأصول الروسية إلى أوكرانيا يشكل على الأقل سرقة مفترضة”. وشدد أوربان قائلاً “نحن لا ندعم هذا الأمر”.

في النهاية، المعركة على أصول مجمدة قيمتها مئات المليارات ليست فقط نزاعاً مالياً بين عواصم أوروبية وروسيا، بل اختبار لجوهر العلاقات الدولية بين القانون والسياسة، ولتوازن القوى داخل الاتحاد الأوروبي نفسه: هل تقدم القارة العجوز الحسابات السياسية القصيرة الأمد على القانون الدولي ومبادئ العدالة وشرعية المؤسسات؟ وهل ستؤدي رهانات المصادرة إلى أضرار متبادلة تمتد أبعد من حسابات الربح والخسارة؟

اندبندنت