لندن-”القدس العربي” ـ إبراهيم درويش:
كتب بورزو دراغاهي في موقع “ديلي بيست” عن التأثير الروسي في الشرق الأوسط الذي بدأ في السنوات الأخيرة. فقد حاول الرئيس فلاديمير بوتين تقديم نفسه كعراب في المنطقة مع تراجع اهتمام الولايات المتحدة بها. وأشار في البداية إلى مؤتمر عقد فندق انتركونتننتال في موسكو بشباط (فبراير) فقد جمع ما يعرف بـ “نادي فالداي للحوار” وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والمبعوث الإسرائيلي السابق للأمم المتحدة دوري غولد وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني سحرالقواسمة ووزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي. وكانت ثيمة المؤتمر الرئيسية “روسيا في الشرق الأوسط: دور في كل المجالات” حيث حاول أن يقدم صورة عن علاقة موسكو بكل الأطراف وتجاوزها الخلافات والنزاعات التي تدور بينها. لكن المؤتمر بعد خروج كل من وزير الخارجية الإيراني والروسي سيرغي لافروف تحول لساحة مماحكة. فقد بدأ الباحثون والممثلون للحكومات المتعددة والمسؤولون السابقون بالجدال فيما بينهم وهاجم الأكراد الأتراك والإسرائيليون الفلسطينيين. وكالعادة تجاهل الإسرائيليون والإيرانيون بعضهم البعض. فيما هاجم المدافعون عن النظام تركيا ودعمها قتال الأسد. وينقل الكاتب عن مارك كاتز، المتخصص في شؤون روسيا وعلاقاتها بالشرق الأوسط بجامعة جورج ميسون “تحول للعبة صراخ” و “كان واضحاً أن الروس قد جلبوا هؤلاء اللاعبين لحل كل هذه النزاعات. وكان من المفترض أن تأتي المبادرة من اللاعبين الإقليميين الذي يمكن لروسيا التعاون معهم، إلا أن الروس لم يكن لديهم أية اقتراحات. وكانوا يريدون من الجميع الحديث إلا ان أحداً لم يتنازل عن موقفه”. ويرى الكاتب في هذا مثالاً على شكوك الكثيرين بقدرة الكرملين على حل أي من النزاعات خاصة سوريا التي تخوض فيها إيران وإسرائيل حرباً مفتوحة بسبب وجود القوات الإيرانية هناك.
“قوة متداعية”
ففي أعقاب المواجهة بين إسرائيل والقوات الموالية لإيران في سوريا يحضر الدبلوماسيون والباحثون لإمكانية تحول روسيا إلى قوة متداعية أخرى بدلاً من كونها العقل المدبر الشرير في الشرق الأوسط، قوة خدعتها أوهام العظمة بدون أن يكون لها التجربة أو المهارة. وينقل الكاتب عن روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا “يظهر لي الروس كانتهازيين” و ” لا أعتقد أن بوتين لديه استراتيجية كبرى، فهم يتحدثون بطريقة اعتباطية ويناقشون قرارات قصيرة الأمد على أمل نجاحها”. ويقول دراغاهي إن بوتين من النادر أن يقود من الخلف. ففي 9 أيار (مايو) التقى مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو. وفي اليوم التالي كان يقوي الأسد بشأن الغارات الإسرائيلية في 10 أيار (مايو) والتي استهدفت منشآت يزعم أنها تعود للإيرانيين. وبعد ذلك اجتمع مع الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. والتقى يوم الخميس الماضي الأسد في منتجع سوتشي على البحر الأسود مخبراً إياه إن روسيا تتوقع “خروج القوات الأجنبية” من سوريا في إشارة غامضة إما للقوات الإيرانية التي تدعم النظام أو القوات التركية والأمريكية التي تزعجه. وتجاهل الإعلام الرسمي السوري التعليق فيما أكدت إيران أنها في سوريا بناء على دعوة من دمشق. وكان مطلب خروج الإيرانيين واحداً من 12 طلباً حددتها يوم الإثنين إدارة دونالد ترامب. وإن لم تستجب فستواجه طهران بحسب وزير الخارجية مايك بومبيو أقسى عقوبات في التاريخ وستقوم الولايات المتحدة بـ “سحق” القوات الإيرانية في الخارج بما فيها الموجودة في سوريا.
ويعلق الكاتب أن لهجة قوية كهذه تضع روسيا في وضع غير مريح للتوسط بين أعداء إيران وواشنطن والتعامل مع الولايات المتحدة على أنها لاعب آخر في الشرق الأوسط الواجب على روسيا التعامل مع مصالحها وإدارتها. وفي الوقت الذي يحاول بوتين اللعب مع كل طرف ويخبر كل زعيم ماذا يريده ويحب سماعه، فربما كانت بقية الأطراف تحاول اللعب به. ويعلق أليكسي خيلبنكوف، الخبير في الشرق الأوسط المجلس الروسي للشؤون الخارجية: “يخبر الإيرانيون والسوريون: نعم، نعم، كل شيء على ما يرام وفي النهاية يقومون بتخريب كل خططه” مضيفاً ” كم مرة قام الروس بتوقيع اتفاقيات مع الولايات المتحدة وتركيا ومن ثم يقوم النظام وإيران بفعل استفزازي يدمر الخطط الروسية؟”.
ويضيف إن بوتين لديه نفوذ فهو الرجل الذي يمكنه رفع الهاتف والتحدث مع القدس أو طهران، ولديه نوابه الذين يتحدثون مع الأسد والمعارضة المسلحة له في تركيا. ويلتقي المبعوث الروسي في بيروت مع نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله ورئيس الوزراء الذي يدعمه الغرب، سعد الحريري. وفي المنطقة يمكنه إيصال الرسائل للحوثيين في صنعاء والجنرالات السعوديين والإماراتيين الذين يخوضون الحرب ضدهم. وفي ليبيا يعتبر الجنرال خليفة حفتر بوتين حليفا له فيما يشترك معارضوه في طرابلس ومصراتة معه بعلاقة مع الكرملين. إلا أن المراقبين يقولون إن التواصل مع الجميع ليس مثل النفوذ. فالحل الروسي هو نفسه: إجلسوا وتحدثوا معا. وهو ما اقترحه لافروف بعد زيادة التوتر بين إسرائيل وإيران في 10 أيار (مايو) “حوار” بين البلدين، مقترح يعتقد الكثيرون أنه ليس عملياً. وتقول نيكول جراكوفسكي الباحثة المتخصصة في العلاقات الروسية- الإيرانية بجامعة أوكسفورد “يخبر الروس كل طرف بالضبط ما يريدون سماعه”، “فهم يقولون شيئاً لبلد ويقولون لبلد آخر ما يناقضه.
روسيا والصين
ويقومون بالتوسط بين إسرائيل وإيران في سوريا وهو أمر لا يمكن لأمريكا عمله ولكنهم يلعبون كل طرف ضد الآخر. ولا أعتقد أنهم يخططون لما يقومون به”. وحذر الباحثون والدبلوماسيون من أن خطط الولايات المتحدة للخروج من المنطقة سيخلف فراغاً للقوى الأخرى، روسيا والصين لكي تملأه. وعلى ما يبدو فقد قبلت إدارتا باراك أوباما وترامب هذه الإمكانية. ولكن التصعيد المتزايد بين إسرائيل وإيران يؤكد مخاطر هذه المقامرة. ويشير الكاتب إلى العملية الإسرائيلية بداية هذا الشهر رداً على صواريخ إيرانية أطلقت ضد الجولان. وقالت إسرائيل إن غاراتها على المواقع الإيرانية كبدت طهران خسائر بقيمة 750 مليون دولار. وبعد الهجمات دعت موسكو للتهدئة ولكنها لم تدعم أي طرف في النزاع. وفي غياب أي حل تقوم روسيا باستخدام النزاعات الشرق أوسطية لبناء سمعة لها وتأثير بدون أن تقوم بتحسين أي شيء.
ويقول كاتز: “ينظرون لهذه النزاعات كفرصة للحصول على شيء من الأطراف المتنازعة” و “يكره الطرفان بعضهما البعض وينظرون لروسيا التي تتحدث مع الجميع ولهذا يتحدثان معها. والسؤال ألا يساهمون بنزاع أكبر وهم يسلحون ويشجعون كل الأطراف في النزاع نفسه؟”. ففي المواجهة بين إسرائيل وإيران تبدو روسيا وكأنها تستخدم علاقاتها القوية معهما كورقة مساومة. فقد تراجعت عن وعدها بتزويد النظام السوري بمنظومة الدفاعات الصاروحية إس-300 كوسيلة لإرضاء إسرائيل. وفي المقابل طلبت منها إخبارها بالغارات المقبلة وأماكنها وهي معلومات يمكن أن تمررها لكل من الإيرانيين والسوريين. ويعلق خيلبنكوف أن ترتيباً كهذا: “يعطي روسيا اليد العليا من ناحية أنها تستطيع إخبار السوريين والإيرانيين بأي غارات” و “تقوي موقع صانع الملوك”. ويمكن لروسيا لعب دور بناء في سوريا من خلال نقل الرسائل المتبادلة بين الأطراف ومنعهم من تجاوز الضوابط الأمنية لكل طرف إلا أن سياسة روسيا الحالية تفاقم الأزمة. ومع أنه لا إسرائيل أو إيران تسعيان للمواجهة لكنهما تتعاملان مع مصالحهما الخاصة بطريقة لا محيد عنها. فلن تتسامح إسرائيل مع وجود إيراني في سوريا وبالمقابل لن تتخلى إيران عن مكاسبها التي أنفقت عليها الدم والمال.
ويقول كاتب التقرير إن الولايات المتحدة في معاهدات كامب ديفيد أغرقت إسرائيل ومصر بالمال والتطمينات الأمنية وهو ما لا تملكه روسيا في سوريا. ويقول يوري بارمين، الخبير في شؤون الشرق الأوسط: “لا نزال نعتقد أن بوتين لديه خطة كبرى لسوريا ويعرف كيف يحقق التسوية”. و”ربما لم يكن مهتماً في تحقيق التسوية وهو راضٍ عن النتائج فقد عزز من بصماته في سوريا ووجوده في الشرق الأوسط، وما يحدث الآن لا يهمه كثيراً، وقد يقبل بمواجهة خافتة بين إسرائيل وإيران في سوريا”.