وأضافت الصحيفة لطالما مارست إسرائيل رقابة على المواد المكتوبة أو المرئية المنشورة تحت بند «الأمن القومي»، وهو مصطلح فضفاض وفق القانون. وتعود جذور الرقابة إلى ما قبل قيام إسرائيل في عام 1948 عندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني.
إسرائيل فرضت رقابة صارمة على خسائرها من الضربات الإيرانية
لكن الهجمات الصاروخية الأخيرة من إيران، والتي لم تنجح منظومة الدفاعات الجوية في اعتراضها، ما تسبب بمقتل 28 شخصاً، دفعت إلى تشديد القيود أكثر.
وبحسب مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي المسؤول عن شؤون الإعلام، فإن أي بث من «منطقة قتال أو موقع سقوط صاروخ» يتطلب إذناً مكتوباً من الرقابة العسكرية.
وتزداد صرامة هذه القيود خاصة عندما تسقط الصواريخ، قرب قواعد عسكرية، أو مصافي نفط أو منشآت تعتبر استراتيجية.
ويقول أستاذ علم الاجتماع المتخصص في قضايا الإعلام في جامعة تل أبيب جيروم بوردون: «هناك بالطبع بعد حقيقي للأمن القومي، فلا تريد إسرائيل أن تُطلع العدو على المواقع الدقيقة التي سقطت فيها صواريخه أو تساعده على تحسين دقته في الاستهداف».
ويضيف: «لكن هذا أيضاً يبقي الغموض قائماً حول مدى ضعف الدولة أمام التهديدات الخارجية. من المحتمل أننا لن نعرف أبداً حجم الضرر الحقيقي».
«فرض رواية مضادة»
خلال الحرب، ركزت الحكومة على ما وصفته بالنجاحات العسكرية، وأشاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الثلاثاء بـ «نصر تاريخي» على إيران.
لكن بالنسبة لبوردون، فإن تشديد الرقابة الإعلامية يظهر أيضاً رغبة في «فرض رواية مضادة»، في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل انتقادات دولية شديدة بسبب حربها في غزة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 56 ألف شخص، وتسببت في أوضاع إنسانية كارثية.
وفي 19 يونيو/ حزيران، اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إيران بـ«استهداف المستشفيات والمباني السكنية بشكل متعمد»، بعد إصابة مستشفى في مدينة بئر السبع في جنوب إسرائيل، ما أدى إلى إصابة نحو 40 شخصاً. واتهم كاتس إيران بارتكاب «أخطر جرائم الحرب»، في حين نفت طهران استهداف المستشفى عمداً.
من ناحية ثانية، تواجه إسرائيل انتقادات من المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يتهمونها بتدمير البنية التحتية للمرافق الصحية في غزة بواسطة استهداف المستشفيات، بحجة استخدامها من المقاتلين الفلسطينيين.
خلال حربها مع إيران، أعاقت الرقابة العسكرية أحياناً تغطية المواقع المدنية التي سقطت فيها صواريخ، فمنع الصحفيون الأجانب من تصوير لقطات واسعة، أو تحديد مواقع سقوط الصواريخ بدقة.
وفي مدينة رامات غان وسط إسرائيل، أوقفت الشرطة الإسرائيلية بثاً مباشراً لوكالتين أجنبيتين كانتا تصوران مبنى مدمراً.
واتهم الجيش الإسرائيلي العديد من الصحفيين في غزة بأنهم «إرهابيون» مرتبطون بحركة حماس، وضالعين في هجوم السابع من أكتوبر 2023.
مكاسب سياسية
قالت الشرطة الإسرائيلية في بيان، إنها عملت على منع بث «محتوى غير قانوني» وفقاً لـ«سياسة» وزير الأمن اليميني المتطرف إيتمار بن غفير.
ويعرف عن بن غفير خطابه الناري ضد المنتقدين، وتعهد في 16 يونيو/حزيران اتخاذ إجراءات صارمة ضد من «يقوّض أمن الدولة».
أما وزير الاتصالات شلومو كرعي، فتبنى اللهجة نفسها قائلاً: «لا تسامح مع من يساعد العدو».
وبالنسبة للباحثة في المعهد الإسرائيلي للديموقراطية تيهيلا شوارتز ألتشولر، فإن «الوزيرين يرددان مزاعم تتجاوز الصلاحيات القانونية الممنوحة لهما، وهي أيضاً تصريحات متطرفة للغاية».
كما أضافت:«عادة ما يُحدثان ضجة كبيرة بهدف تحقيق مكاسب سياسية من وراء هذه الدعاية».
وتعتقد شوارتز ألتشولر، أن الأمر لا يقتصر على الحسابات السياسية فقط، بل يتعداها إلى كون «هؤلاء المسؤولين يظهرون انعدام ثقة عميقة، وعداءً حقيقياً تجاه وسائل الإعلام الإسرائيلية الليبرالية وخصوصاً الإعلام الأجنبي».
ويبدو أن «طلبات التوضيح» التي تلقاها مكتب الصحافة الإسرائيلي كثيرة، إذ رد الخميس ببيان أكد فيه التزامه بـ «حرية الصحافة… كحق أساسي». وأكد المكتب أنه لا يميز «بين الصحفيين الإسرائيليين وغير الإسرائيليين».