رأي اليوم :
د. كمال الهلباوى
يسرنى أن أهنئ جميع المصريين والأمة العربية والاسلامية، بحلول شهر رمضان المبارك، لعل الله تعالى يتقبل صيامنا وقيامنا وصلاتنا، والأعمال الصالحة منا ومنكم جميعاً، يقول الله تعالى (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ). ويقول الله تعالى ( وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).
تتجدد الأمنيات وتتعدد فى شهر رمضان المبارك عن غيره من الشهور والأيام نظرا لخصوصية هذا الشهر الكريم، وتفضيله بنزول القرآن، وليلة القدر ونزول الملائكة فى تلك الليلة والروح فيها.
من الناس من يتمنى لنفسه الخير فقط أو لاسرته، وربما لجيرانه أو بلده، ومنهم من تكون أمنياته أوسع بإتساع نفسه، فيتمنى الخير لأمته العربية أو للأمة الاسلامية ويقف عند ذلك ، ومنهم من استوعب معنى الرسالة الاسلامية كاملا فيتمنى الخير والهداية للبشرية، لتحقيق معنى قوله تعالى” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ “.
تتجه معظم الأنظار فى هذا الشهر الكريم إلى الخالق سبحانه وتعالى تدعوه بالمغفرة والرحمة والعفو، وهى معان شاملة لكل خير وهى عامة. وهى تتسع أو تضيق بقدر سعة عقل الداعى واتساع أفقه وإدراكه لهذا الدين العظيم، الذى ضيقه بعضهم جهلاً حتى كفَّر الناس جميعا إلا هو ومجموعته، ثم عاد وكفَّر مجموعته عندما إختلف معهم، ثم عاد فكفَّر نفسه بمعصية إرتكبها، ثم عاد إلى رشده فدخل فى الاسلام من جديد، وقد رأيت شابا فعل كل ذلك فى أيام الجهاد الآفغانى الذى لم تتعلم الأمة من دروسه شيئا للأسف الشديد. يفعلون ذلك جهلاً وتعالياً وإستعلاء بالعبادة والطاعة. ما أجمل القول المنسوب إلى الماوردى ” فضل الله على الناس واسع، فمن زعم أنه مقصور في أضيق العصور فقد حجر واسعا ورمى بالتكذيب، والليالي حبالى يلدن كل عجيب “.
عندما أتامل فى حال الأمة اليوم (سنة 1439 هجرية – 2018 ميلادياً) تكون أمنياتى فى هذا الشهر الكريم عديدة، ومن أهمها فضلا عن العفو والمغفرة :
الأمنية الأولى : أن ينتقم الله تعالى لأهل فلسطين من العدو الحقيقى للأمة بل والانسانية ( الصهيونية ومشروعها الدموى اسرائيل) ، ومن يقف وراء الصهيونية وفى مقدمة هؤلاء ترامب وأعوانه وأن يخلصنا من جنونه ودمويته وعدوانه وعقوباته ونقضه للمواثيق (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ). وأن ينصر المقاومة نصراً مبيناً. وقد كان واضحاً أن ترامب منذ ترشحه للرئاسة الأمريكية أنه سيكون أَسْوَأُ من الفراعنة ومن هتلر ونيرون ومن على شاكلتهم.
وأدعو الله سبحانه وتعالى ببركة هذا الشهر الكريم، وببركة دماء الشهداء الابرار الذين يتساقطون على درب العودة الى فلسطين، أن يشدّ أزر المجاهدين بالصبر والنصر على اسرائيل وصهاينة الداخل والخارج على أرض العزة والكرامة.
الأمنية الثانية :أن تتوقف حروب الشائعات والشاشات فى العالم العربى والاسلامى بل فى العالم كله، وأن يسود السلام، وألا تكون هناك حدود بين الأمة الاسلامية. وأن تتوقف الحرب الدامية فى اليمن وسوريا وليبيا والصومال وغيرها.
الأمنية الثالثة : أن يتوقف حصارنا لأنفسنا، لأن الحصار المفروض على بعضها مخالف لمفهوم الأمة الواحدة ، ومخالف لمفهوم الآية القرآنية (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ)، والعاقل لا يفرض على نفسه حصاراً ولا يشتت جهوده ، ولا يضيع إمكاناته وطاقاته سُدًى، بل يسخرها فى الخير وفى مُواجَهة العدو الحقيقى. وأن نوجه كل طاقتنا البشرية والمادية الى العدو الحقيقى وليس المتوهم.
الأمنية الرابعة: أن تقضى الأمة على الفتن كلها وفى مقدمتها الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية. لعل الله تعالى يرضى عنا وينصرنا. وأن نتجه إلى بناء مستقبل يليق بالأمة. وأن تعلم الأمة أن الفقه جاء بعد صدر الاسلام وليس شرطا من شروط الاسلام ولا الدخول فى الاسلام ( فقط لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
الأمنية الخامسة: أن تتخلص الأمة من الاحتلال الصهيونى وآثاره المدمرة ، وأن تحمى مقدساتها لأن الذى يُفرط فى القدس الشريف لن يدافع عن مكة أو المدينة إذا تعرضت للارهاب مستقبلاً.
الأمنية السادسة:أن تتخلص الأمة من الصراع فيها وبينها، واتخاذ الحوار سبيلا لحل المشكلات. فالصراع لا يأتى أبداً بخير، إلا إذا كان ضد المحتل أو العدو الحقيقى الذى إعتدى علينا لأن الله تعالى لا يحب المعتدين.
الأمنية السابعة: أن يسود فى الأمة كلها السلم المجتمعى، الذى أنادى به فى مبادرتى، التى حرفوها وحاربوها جهلاً. فمنهم من زعم أنها بين الاخوان المسلمين والسلطة فى مصر، ومنهم من زعم أننى مبعوث السلطة ، ومنهم من زعم أننى مبعوث الاخوان . والمبادرة للأمة كلها لا تستثنى أحدا إلا أهل الارهاب والعنف فهؤلاء لهم وضع آخر خاص بهم وقد نجح الحوار سابقا مع بعضهم مثل الدكتور ناجح ابراهيم والشيخ كرم زهدى ومنهم لا يقبل بالحوار. وهذا له علاجه الخاص الذى لا يجب أن يتعداه إلى غيره من الناس حتى أقرب الاقارب. (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
الأمنية الثامنة :أن تكون الأمة قد تعلمت من الدروس السابقة العديدة. ونزعت بلادى العزيزة الى بناء مستقبل يليق بها وبحضاراتها المتعددة وفى مقدمتها الحضارة الفرعونية والقبطية والإسلامية السابقة، بعد القضاء على الارهاب والفساد والتخلف والاستبداد والتشدد والتطرف والتكفير فى الأمة كلها.
الأمنية التاسعة: لقد فرضت سايكس بيكو نفسها على الأمة كلها منذ وقوعها حتى اليوم وأستكانت لها الأمة وكذلك وعد بلفور المشؤوم، فمتى نتخلص منها ومن نتائجها السلبية؟، كل منا يتمنى تحرير فلسطين والمقدسات جميعا من الاحتلال والاستيطان الصهيونى الغاصب ، وكل منا يتمنى أن ينتهى الحصار الظالم على بلادنا وخصوصا إيران وقطر مؤخرا، وأن نعود إلى الحوار كأمة واحدة بدلا من الصراع والحصار، وكل منا يتمنى أن تستقل سياساتنا عن أمريكا والغرب وعن أيام ترامب خصوصا . أتمنى أن يقوم تفاهم وتكامل بين الأمة كلها وخصوصا بين مصر وتركيا وايران، حينئذ نهزم العدو الحقيقى.
الأمنية العاشرة: كل منا يتمنى أن تتجه بلادنا من الاستهلاك إلى الانتاج ، وأن تخرج من عنق الزجاجة الذى طال عمره. وكل منا يتمنى أن يسود العدل والسلام فى بلادنا وأن تتحسن أحوال حقوق الانسان وأن تختفى الانتهاكات فى هذا الميدان . وكل منا – إلا من أبى – يتمنى أن تهزم الأمة الغوائل العديدة وأن تخرج منها منتصرة وأهمها وأكثرها الارهاب والتخلف والفساد، وكذا الاعتماد على الأعداء حتى فى السلاح والغذاء.وكلنا نتمنى أن تعود مصر والأمة إلى مكانتها بين الأمم فى الريادة والقيادة .
أن هذه الأمنيات صعبة التحقيق، لأن الأمراض فى الأمة كثرت وتعمقت ولكن كما قال الشاعر:
ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ.
وعلينا أن نختار بين بناء مستقبل مشرق يليق بالأمة والرسالة الخاتمة، أو أن نعيش كما نرى فى ذيل الأمم. حتى الأمم التى مزقتها الحروب وتسببت فى موت ودمار هائل مثل الحروب العالمية، نهضت وتقدمت ونسيت الماضى السيئ أو وضعته فى المتاحف، وقامت وساهمت فى بناء الحضارة العالمية ومن تلك الدول اليابان وألمانيا. ويسرنى أن أقول أن التحديات لن تقعدنا رغم كثرتها. وفى المقال القادم بإذن الله تعالى أعدد تلك التحديات كما أراها والحلول المناسبة وكل عام وأنتم بخير . وبالله التوفيق