"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

مصر : أهالي “رأس الحكمة” يرفضون إخلاء منازلهم.. ما جديد “أكبر صفقة استثمار” في مصر؟

MCD :

حالة من الهرج سادت في بعض أنحاء منطقة رأس الحكمة، الكائنة في محافظة مطروح والمطلة على البحر المتوسط، عقب قدوم جرافات وقوات من الأمن المصري للإشراف على تسليم عدد من المنازل لشركة تطوير عقارية، للمباشرة بهدمها في إطار مشروع “مدينة رأس الحكمة” العقاري الضخم.الحادث أعاد تسليط الأضواء على صفقة رأس الحكمة، التي أبرمتها مصر العام الماضي مع الإمارات، والتي قالت عنها الحكومة المصرية بأنها أكبر مشروع استثماري في البلاد، ووصفها الرئيس عبد الفتاح السيسي بـ”الهبرة”.

انتشرت على وسائل التواصل مقاطع فيديو تظهر ما يبدو أنه مناوشات بين عدد من أهالي منطقة رأس الحكمة مع قوات أمنية مصرية، حضرت ضمن وفد ترأسه نائب رئيس الوزراء المصري ووزير الصناعة والنقل كامل الوزير للإشراف على إزالة عدد من البيوت في المنطقة.

الأهالي تصدوا لمحاولات هدم المنازل، حيث أورد عدد من رواد مواقع التواصل أن اشتباكات وقعت بين الأهالي والوفد، نجم عنها تضرر سيارة الوزير وملاحقة إحدى الجرافات إلى خارج الموقع.

وظهر في بعض الفيديوهات محاولة جرافة هدم أحد المنازل، وظهر في الخلفية عدد من مدرعات الشرطة المشرفة على العملية. وسرعان ما تطور الأمر إلى مواجهات، قام خلالها الأهالي بإلقاء الحجارة على الجرافة وطردها من المكان.

وتستند حملة إزالة المنازل إلى قرار جمهوري صدر العام الماضي، قضى بتخصيص قطعة أرض من أملاك الدولة الخاصة بمساحة 170.8 مليون متر مربع في ناحية محافظة مطروح، لصالح هيئة المجتمعات العمرانية لاستخدامها في إقامة مدينة رأس الحكمة الجديدة.

وكان نائب رئيس مجلس الوزراء كامل الوزير قد اجتمع بعدد من أهالي مدينة رأس الحكمة قبل أسبوعين، وأبلغهم بأن “حملة موسعة ستنفذ اعتباراً من ثاني أيام شهر رمضان لإزالة جميع المنازل في المنطقة”، في إطار تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع مدينة رأس الحكمة الجديدة.

لكن في المقابل، أصر الأهالي على رفض تلك الخطوة، معتمدين على القانون وعلى حقهم بملكيتهم لتلك المنازل والأراضي بموجب عقود مسجلة

وتقع منطقة رأس الحكمة على بعد 200 كلم غرب الإسكندرية، بالقرب من منطقة منتجعات صيفية تعتبر مقصدا للأثرياء المصريين والعرب.

وكانت الحكومة قد عرضت بالفعل تعويضات على الأهالي مقابل استملاك أملاكهم، لكنها كانت تعويضات هزيلة بلغت 300 ألف جنيه (نحو ستة آلاف دولار) عن كل فدان وما بين ألفين وخمسة آلاف جنيها (بين 40 و100 دولار) للمتر السكني في المباني والمنازل.

ما هي خلفية مشروع رأس الحكمة ولماذا يعد أساسيا بالنسبة للحكومة المصرية؟

قبل نحو عام، وقعت مصر مع الإمارات صفقة “رأس الحكمة” الواقعة على السواحل الشمالية للبلاد، لتحويلها إلى منطقة منتجعات سياحية وفنادق عالمية وحي مركزي للمال والأعمال ومرافئ دولية لليخوت والسفن السياحية، على مساحة بلغت حوالي 170 مليون مترا مربعا. قيمة الصفقة في حينه بلغت 35 مليار دولار، وجاءت في وقت كان يعاني فيه الاقتصاد المصري من أزمة اقتصادية خانقة، ما عزز الآمال بأن تتيح تلك الأموال للحكومة فرصة لموازنة العجز الاقتصادي.

قال رئيس الوزراء المصري في حينه مصطفى مدبولي، إنها “أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ البلاد”، وإنها “ستدر على مصر 150 مليار دولار استثمارات وستستقطب 8 ملايين سائح إضافي”.

الكلام العام حتى الآن سليم ولا غبار عليه، لكن الصفقة، كغيرها من شبيهاتها، شابها بعض الغموض حول الجدوى الاقتصادية ما أعاد لأذهان المصريين “صفقة” جزيرتي تيران وصنافير.

لكن عددا من النواب والوزراء سوقوا لصفقة رأس الحكمة على أنها تاريخية وستجلب نسب غير مسبوقة من الاستثمار الأجنبي للبلاد.، وستسمح للبلاد بفتح قنوات تسمح بتدفق العملات الأجنبية بشكل مستمر، ما سيعزز في النهاية قيمة الجنيه المحلي ويسهم بكبح جماح التضخم الاقتصادي المستمر.

لكن منذ توقيعها حتى الآن، ارتفعت معدلات الفقر في البلاد، وزادت نسب التضخم، وتعاظم الدين الخارجي، ونحت الحكومة باتجاه بيع المزيد من الأصول السيادية والشركات الحكومية والأراضي. كما شهدت مصر أزمة الكهرباء، ورفعت الحكومة أسعار الفائدة وحررت سعر صرف الجنيه “مجددا”.

كما قامت الحكومة، منذ التوقيع على الصفقة، برفع أسعار أغلب السلع الأساسية كالوقود والكهرباء والمياه والنقل والاتصالات والأدوية والخبز. وبات سعر الرغيف المدعم 20 قرشا (بدلا من 5)، وبلغت نسب الزيادة على أسعار البنزين بين 33 و38% والسولار بنسبة 63%.

وفي كانون الثاني/يناير الماضي، أقر وزير المالية المصري أحمد كوجك باستخدام جزء من أموال صفقة “رأس الحكمة” لسداد الدين الخارجي، الذي تراجع قيمته بالفعل 3 مليارات دولار إلى 155.3 مليار دولار بنهاية أيلول/ سبتمبر الماضي.

بالإجمال، يمكن القول إن الواقع الاقتصادي المصري استمر بالتدهور حتى بعد التوقيع على الصفقة، على الرغم من أن ملياراتها دعمت استقرار سعر صرف الدولار مقابل الجنيه وحدت من اضطرابات سوق العملة. الواقع يظهر أن تدهور الجنيه مازال مستمرا، وارتفعت أسعار الفائدة، كما تفاقمت أزمة الدين العام (المحلي والخارجي والخدمات)