«الشروق» تنفرد بحقوق النشر الحصرى لكتاب يحكى قصة أكبر «لا» فى تاريخ العلاقات المصرية ــ الأمريكية (1)
برج القاهرة أول مهمة قومية للمخابرات العامة المصرية
نشر فى : السبت 28 سبتمبر 2013 – 12:18 م | آخر تحديث : الأحد 29 سبتمبر 2013 – 2:29 م
• أبرز عملاء السى آى إيه يرسل حقيبة دولارات لعبدالناصر «لينفقها كما يشاء»
• دور مصر أفريقيا وعربيا يثير قلق واشنطن على مصالحها بالمغرب العربى
• مستشار عبدالناصر يحمل المال الأمريكى لرئيسه وهو يخشى من «المحاكمة»
«برج القاهرة».. أول مهمة كبرى للمخابرات العامة المصرية، وأكبر «لا» في تاريخ العلاقات «المصرية ــ الأمريكية»، يحكيها اللواء دكتور عادل شاهين، وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق، أن جمال عبدالناصر، حوَّل مليون دولار أمريكي عرضتها عليه المخابرات الأمريكية كرشوة إلى رمز لعزة وكرامة، واستغلها لبناء برج القاهرة.
بعد أكثر من اثنين وخمسين عاما من افتتاحه فى الحادى عشر من أبريل عام 1961م، تخرج إلى النور قصة بنائه التى كانت أول مهمة قومية لجهاز المخابرات العامة المصرية.. «برج القاهرة»، أطول وأكبر «لا» فى تاريخ العلاقات المصرية الأمريكية، قيلت من القاهرة بجرأة فرعونية أصيلة، فنالت حقها فى «الخلود».
القصة التى يتناولها اللواء دكتور عادل شاهين، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، فى كتابه الذى سيصدر قريبا بعنوان «برج القاهرة أول مهمة قومية للمخابرات العامة المصرية» تحوى تفاصيل بناء البرج كما يرويها ضباط المخابرات أنفسهم.
وما بين محاولة جهاز المخابرات الأمريكية C.I.A رشوة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ورد فعل الرئاسة المصرية حينذاك، وقرارها بقول «لا» بارتفاع ستة عشر طابقا، هى عدد طوابق البرج الذى بناه عبد الناصر بأموال الأمريكان تدور أحداث الكتاب.
جمال عبد الناصر
الرائع فى كتاب اللواء شاهين أنه يحكى لك قصة تكوين جهاز المخابرات العامة من أول السطر.. من أول مهمة توكل إليه.. وهى بناء البرج، والمصاعب التى واجهت الرجال الذين تم تكليفهم بهذه المهمة.. وكيف تم اختيار موقعه.. ومعجزة العثور على مهندس مصرى يقوم بالتصميم فى الموقع المختار.. وكيف تم تجاوزها.. فضلا عن صمود أعمال البناء خلال حرب العدوان الثلاثى عام 1956.. كل ذلك يحكيه الكتاب موثقا من الجهاز الذى كان بناء البرج أولى مهامه الشامخة فى سماء القاهرة.. وأحد أبرز معالمها التاريخية والحضارية.
يبدأ الكتاب بمقدمة لمؤلفه يحكى فيها قصة تكوين جهاز المخابرات العامة، إذ بدأ السيد زكريا محيى الدين، بتكليف من الرئيس جمال عبدالناصر، فى تفعيل التكوين المبدئى للمخابرات العامة فى سنة 1953 حيث ضم إلى هذا التكوين المبدئى عددا من ضباط جهاز المباحث العامة، خاصة ممن عملوا فى «القسم المخصوص» (القلم السياسى) وكان معروفا عنهم خبرتهم المتميزة فى مجال متابعة الأنشطة والتيارات السياسية المختلفة وكانوا فى البداية عشرة ضباط من بينهم أحمد يسرى مصطفى الجزار (الشهير بيسرى الجزار)، ومحمد كوثر عبدالقادر، وعلى حسن برعى، ومحمد تقى الدين الشربينى، وحسن شاش وآخرون.
وانضم إلى هذا التأسيس المبدئى للمخابرات العامة عدد من ضباط الجيش المصرى المتميزين ومن بينهم على إسماعيل صبرى، وحسن التهامى، وكريم الليقى، وحسن بلبل، ومصطفى عبدالعزيز وغيرهم، وهكذا كانت هذه الكوكبة من الضباط برئاسة زكريا محيى الدين هى النواة الأولى للتكوين المبدئى للمخابرات العامة، كما انضم إليهم فى مرحلة لاحقة عدد آخر من الضباط على رأسهم صلاح نصر، وسامى شرف، وعبد الفتاح أبوالفضل، وعبدالخالق شوقى، وحامد محمود، ومحمود عبدالناصر، وحسن عيسى، ومحمد نسيم.. وغيرهم.
وتم وضع تنظيم مثالى بمعرفة رجال المخابرات العامة المصرية أنفسهم على نحو يتفق ويتلاءم مع وضع مصر وظروفها السياسية والاجتماعية فى هذه الفترة، وصدر هذا التنظيم فى مارس 1954 بقرار جمهورى على شكل قانون باسم المخابرات العامة.
زكريا محيى الدين
مصر وحركات التحرر
مقدمة الكتاب، تطرقت أيضا لدور مصر فى هذه الفترة فى أوج تألقها الثورى فى كلتا المنطقتين العربية والأفريقية، المناهض للاستعمار والداعم للحركات الثورية التى نشأت فى بعض الدول التى رأت فى ثورة مصر ونجاحها أملا وبعثا جديدا للشعوب التى تتوق إلى الحرية ونيل استقلالها وبالطبع كان ثوار الجزائر، بن بيلا ورفاقه، يحظون بدعم ومساندة من مصر الأمر الذى كان يقلق الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا بالطبع.
وقال المؤلف إن الدول الاستعمارية سلكت فى هذا الوقت السبل كافة لإيقاف هذا المد الثورى الذى كان ينطلق من ثورة مصر، فقد كان المد الثورى خطرا داهما يهدد مصالحها الاستعمارية فى المنطقة العربية والقارة الأفريقية ومن ثم تلاقت إرادة هذه الدول مع الكيان الصهيونى فى ضرورة العمل على ايقاف هذا الدور القومى لمصر، وقد استخدمت فى سبيل ذلك الأساليب كافة بدءا من الترغيب فى تدعيم الاقتصاد المصرى بهدف استئناس هذا النظام ومرورا بتدبير محاولات الانقلاب الواحدة تلو الأخرى للخلاص من هذا النظام بل لم تتورع عن التخطيط لاغتيال الزعامة المصرية بالقتل أحيانا وباغتيال هذه الزعامة معنويا على نحو ما سنرى عند التعرض لقصة بناء برج القاهرة.
برج القاهرة
يلخص اللواء دكتور عادل شاهين، قصة تشييد برج القاهرة فى مقدمة كتابه فيصفها بأنها «تجسيد حى لحب مصر، ودرس لكل من تسول له نفسه أن يفكر يوما فى شراء ذمم ابنائها أو يكسر إرادتها أو يحاول استئناسها لتحيد عن دورها القومى فى محيط أمتها العربية ودورها الأفريقى والإقليمى والدولى.
إنه برج القاهرة الذى كان وسيظل درسا ماثلا للرد على الغطرسة الأمريكية سواء على المستوى السياسى أو على المستوى المخابراتى.
قصة بناء البرج بدأت بعد محاولة من المخابرات الأمريكية لاختراق الذمة المالية للرئيس جمال عبد الناصر، ففى عام 1955 تلقى الرئيس عبد الناصر من مستشاره السيد حسن التهامى، تقريراً عن زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، بناء على دعوة من السفير الأمريكى بالقاهرة لمقابلة بعض الشخصيات السياسية المهمة بواشنطن.
التقى التهامى بالرئيس عبد الناصر بمنزله فى منشية البكرى، وناقشا معا مضمون التقرير، والذى خلص فيه حسن التهامى إلى أن ما سمعه من مستشار الرئيس الأمريكى فى البيت الأبيض وعدد آخر من السياسيين ينطوى على أن الولايات المتحدة الأمريكية تأمل فى أن يكون لها علاقات طيبة ومتواصلة مع مصر، وأنها تقدر الرئيس جمال عبدالناصر وترى فيه الزعيم الذى يعمل بكل طاقته من أجل تقدم مصر.
وأورد التقرير عن مستشار الرئيس الأمريكى قوله إن بلاده ترى فى نفس الوقت أن مواقف التدعيم والمساندة السياسية وغير السياسية التى تتبناها مصر تجاه حركات التحرر فى بعض دول الشرق الأوسط وعلى الأخص فى شمال أفريقيا كالجزائر وعدد آخر من الدول الأفريقية، يمكن توجيهها لصالح مصر وبما يعود على مصر بالفائدة وذلك من خلال علاقات أفضل مع الدول الغربية وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية التى لن تتأخر فى دعم مصر ومساندتها.
يتدخل مؤلف الكتاب بالقول: «فى تصورى الشخصى والخاص، بوصفى أحد ضباط المخابرات العامة السابقين أنه وبعد أن انتهى الرئيس جمال عبدالناصر من قراءة التقرير جرى حوار بينه وبين حسن التهامى، تطرق فيه الرئيس إلى أن أمريكا تريد أن تفرض سيطرتها على سياسة مصر الخارجية فى مقابل وعود بالمساعدة التى غالبا ستكون دعما اقتصاديا.. وواضح أن دعم مصر ومساندتها لثوار الجزائر يشكلان لهم قلقا بالغا ولا يروق لهم استمرار مصر فى هذا المسلك الذى يخشى الأمريكان من أن ينتقل إلى تأييد حركات ثورية أخرى قد تنشأ فى دول المغرب العربى وتطلب مساندة مصر ودعمها، كما أنه كان الواضح أن الساسة الأمريكان قد فاتهم أن مصر وقتها كانت تعيش حالة ثورية ولن يكون بإمكان أى دولة فى العالم أن تحدد لها ما تفعله وما لا تفعله فى علاقاتها بالدول الأخرى».
بنهاية عرض تقرير التهامى، أصدر الرئيس عبد الناصر توجيها وصف فيه زيارة التهامى لواشنطن بأنها جاءت مفيدة فهى قد «حددت لنا من خلال هذا الاتصال كيف يفكر الأمريكان تجاه مصر.. وأنا أرى أن تستمر يا حسن فى التواصل فى علاقاتك مع الأمريكان فهذا يمكننا من الوقوف أولا بأول على ما يدور فى عقولهم تجاهنا».
وانصرف حسن التهامى بعد لقاء الرئيس، وقد استقر داخله أن ينتهز أى فرصة قادمة لأى لقاء مع أى من الساسة الأمريكان سواء فى محيط السفارة الأمريكية بالقاهرة أو فى الخارج لعله قد يصل إلى تحديد ملامح خطوط السياسة الأمريكية تجاه مصر أولا بأول كما أوصى الرئيس.
فى منزل السفير الأمريكى
وتمضى الأيام ويتلقى حسن التهامى اتصالا تليفونيا من مستشار السفارة الأمريكية بالقاهرة يدعوه إلى حضور حفل استقبال فى منزل السفير الأمريكى بالمعادى ويخطره بأن الدعوة فى طريقها الآن إلى منزله. ويعرب التهامى لمحدثه عن ترحيبه وقبوله للدعوة.
وفى التاريخ والوقت المحددين كان التهامى يشارك فى حضور حفل الاستقبال والذى حضره عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكى بمجلسيه الذين كانوا فى زيارة لمصر. وقد لوحظ أيضا أن عددا من كبار الصحفيين والإعلاميين المصريين والكتاب والشخصيات العامة المصرية كانوا أيضا حضورا فى هذا الحفل.
وخلال الحفل أقبل مستر مايلز كوبلن كبير ضباط المخابرات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، محييا حسن التهامى واصطحبه إلى (البار) الواقع فى أحد أركان الصالون ودعاه إلى تناول كأس من المشروب المفضل له، فالتقط التهامى كأسا من عصير البرتقال، وبدأ تبادل حديث ودى للغاية بين الطرفين، قد كان هناك سابق معرفة للتهامى بمستر مايلز كوبلن فقد تقابلا من قبل فى احدى حفلات الاستقبال فى السفارة الأمريكية على شرف الاحتفال بيوم استقلال الولايات المتحدة الأمريكية.
وهنا يورد المؤلف حواراً دار بين فهمى وكوبلن جاء فى نصه:
مايلز كوبلن: أعلم أنك عائد للتو من الولايات المتحدة كيف كانت الزيارة؟
التهامى: حسنا.. كانت إيجابية للغاية، فقد لمست خلال الزيارة تفهما عميقا من الساسة الأمريكان لدور مصر فى محيط إقليمها العربى والأفريقى.
مايلز كوبلن: بالطبع هذا الدور نلمسه جميعا فمصر نشطة فى تقوية علاقاتها بالعديد من الدول الأفريقية خاصة تلك التى تسعى إلى التحرر والحصول على الاستقلال.. وهذا الدور لا يقلق الولايات المتحدة.
التهامى: نعم.. ولكن يبدو أنكم تفضلون لمصر أن تنغلق على كيانها.. وهذا أمر يتعارض مع كون مصر دولة لها حضور قوى فى محيطها العربى والأفريقى.. وهذا جزء أصيل من رسم سياستها الخارجية.
مايلز كوبلن: نعم.. نعم.. ولكن الولايات المتحدة ترى أن مصر كلما كانت قوية فى ذاتها كلما كان هذا يعكس قدرتها على فاعليتها فى منطقة الشرق الأوسط.. والكثيرون من صناع السياسة فى أمريكا يرون أن علاقة مصر القوية مع الولايات المتحدة سيدعم دورها الإقليمى والدولى.
وأضاف: وعلى فكرة.. لقد اتخذ الكونجرس الأمريكى عدة قرارات لدعم الدول المؤثرة فى محيطها الإقليمى والدولى وبالطبع مصر ستكون فى مقدمة هذه الدول.
التهامى: أعتقد أن مصر توافق تماما على أن تكون علاقاتها بالدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية فى أفضل حالاتها وترحب بأى مسعى فى هذا الاتجاه طالما يحفظ لمصر سيادتها وأمنها القومى.
مايلز كوبلن: وقد بدا عليه أن يتوقف الحوار عند هذا الحد.
فيستطرد : مستر حسن أتوقع أن يكون فى الأفق القريب لقاء آخر بيننا فى القاهرة، وأنا سعيد بلقائك الليلة ثم ينصرف الاثنان إلى مخالطة بقية المدعوين.
وهكذا انتهى لقاء على غير موعد بين حسن التهامى ومايلز كوبلن ضابط المخابرات الأمريكى الذى كان فى هذا الوقت معروفا لدى الجميع بأنه أكبر ضباط المخابرات الأمريكية فى الشرق الأوسط وبعد يوم كان التهامى يقدم تقريرا وافيا عن اللقاء للرئيس جمال عبدالناصر.. وكان توجيه الرئيس هو نفس التوجيه السابق بعدم تفويت أى فرصة للقاء أى من السياسيين الأمريكان أو كبار المسئولين فى المخابرات الأمريكية للوقوف على نوايا أمريكا تجاه مصر وسلوكها.
مع كوبلن مرة أخرى
خلال قيام حسن التهامى فى منزله بتناول فنجان شاى وتصفحه للجرائد الصادرة فى هذا الصباح دق جرس تليفون منزله، وكان المتحدث مايلز كوبلن، وبعد الترحيب بالاتصال وتبادل التحية بادر مايلز كوبلن بطلب أن يحضر حسن التهامى لزيارته فى فندق سميراميس لمناقشة موضوع على قدر كبير من الأهمية.
وخلال الاتصال حدد مايلز كوبلن للتهامى رقم الجناح الذى يقيم فيه فى فندق سميراميس كما حدد له توقيت اللقاء وطلب منه أن يكون اللقاء سريا ولا يحضره أحد غيره لأهميته.
وما إن انتهى الاتصال التليفونى ووضع التهامى السماعة بدأ يفكر بعمق وسرح بخاطره وتساءل فى نفسه ماذا سيكون هذا الأمر المهم؟ وما هى ضرورة أن يكون اللقاء مقصورا عليهما دون أحد غيرهما؟ هل سيفضى إليه بطلب خطير من الحكومة الأمريكية، إذا كان الأمر كذلك لماذا لا يتم عن طريق الدبلوماسيين الأمريكيين بالسفارة الأمريكية بالقاهرة. ترى ماذا سيقول فى هذا اللقاء؟ هل سيخطرنى بمحاولة انقلاب تدبر فى الخفاء ضد جمال عبدالناصر.
ظل التهامى يصول ويجول بخاطره، يطرق كل الاحتمالات ولم يرد بذهنه أبدا ما ستؤول إليه الأمور على نحو ما سيتم فى اللقاء المنتظر.
وفجأة تراءى للتهامى أن يخطر أحد زملائه من قادة الثورة بأمر هذا اللقاء من باب التحوط من أن يكون هناك مكروه ينتظره. وعلى الفور اتصل بزكريا محيى الدين المشرف العام على المخابرات وأحاطه بأمر اللقاء المنتظر دون أن يطلب منه اتخاذ أى إجراء.. وكرر أن الأمر يقتصر فقط على مجرد الإحاطة بموعد اللقاء ومكانه.
الأمريكان والدول الصديقة
فى تمام الموعد المحدد كان التهامى يخطو بقدميه إلى داخل بهو فندق سميراميس وواصل مسيرته حتى صعد إلى الدور الذى يقع به الجناح الذى حدد له رقمه وما إن استوى أمام باب الجناح بدأ يدق على الباب، وما هى إلا ثوان حتى كان مايلز كوبلن يقوم بفتح الباب مرحبا بضيفه حيث اصطحبه إلى صالون الجلوس وبدأ حديث ودى بين الاثنين صاحبه تحركهما إلى البار الموجود فى أحد أركان الجناح حيث التقط التهامى كأسا من عصير البرتقال، وتابعه مايلز كوبلن باختيار مشروبه المفضل ثم اتجه الاثنان إلى حيث جلسا ودار حوار بينهما جاء فيه:
مايلز كوبلن: فى لقائنا السابق خلال حفل الاستقبال فى منزل السفير الأمريكى ذكرت لك أن الولايات المتحدة يهمها أن تظل العلاقات مع مصر فى النواحى كافة على أفضل ما يكون.. وأن أمريكا تتطلع إلى أن يكون المجهود المصرى بكل طاقته موجها للتنمية فى مصر.
التهامى: نعم.. نعم استمعت إلى هذا خلال اللقاء، ومصر تعمل من جانبها على حسب ما أعلم على الحفاظ على علاقات طيبة ومتواصلة مع الولايات المتحدة الأمريكية وفى نفس الوقت هناك أهداف قومية لمصر تصوغها طبقا لما يحقق مصالحها فى المنطقة دون إضرار بأحد.
مايلز كوبلن: الواقع أن الكونجرس الأمريكى بمجلسيه قد توافق مع الاتجاه الذى تتبناه الحكومة الأمريكية الحالية ومن أجل تدعيم علاقة الولايات المتحدة مع الدول الصديقة فى المنطقة وعلى رأسها مصر قرر الكونجرس الأمريكى تقديم دعم مادى لرؤساء هذه الدول للتصرف فيه وفق ما يتراءى لهم، ولم تستحسن الحكومة الأمريكية أن يتم هذا من خلال القنوات الدبلوماسية. وقد كلفت بتولى تقديم هذا الدعم عن طريقكم للرئيس عبدالناصر رمزا للتعاون والصداقة بين مصر والولايات المتحدة. وأود أن أشير إلى أن الولايات المتحدة ستكون على أتم الاستعداد للاستجابة إلى أى طلبات أو مساعدات يطلبها الرئيس من عبدالناصر.
وإلى هنا استأذن مايلز كوبلن من ضيفه ودلف إلى حجرة داخلية وعاد مرة أخرى وفى يده حقيبة متوسطة الحجم مما هو معتاد أن يُرى أن شخصاً يحمل مثلها وسلمها لحسن التهامى بعد فتحها أمامه ليطلع على ما بداخلها وتسلمها التهامى وشكره وكرر أنه سيسلمها للرئيس عبدالناصر شخصيا فى صباح اليوم التالى ودون أن يعلم أحد بذلك.
وهكذا انتهى هذا اللقاء بين مايلز كوبلن ضابط المخابرات الأمريكية وبين حسن التهامى مستشار رئيس الجمهورية وخرج التهامى من اللقاء مذهولا وهو يحمل فى إحدى يديه (العطية المالية المقدمة من الرئيس الأمريكى) لجمال عبدالناصر.
على هامش القصة التى يرويها المؤلف اللواء دكتور عادل شاهين، نقلا عن رواية مسجلة للتهامى، يتدخل شاهين قائلا: «فى تقديرى الشخصى، أنه إذا سلمنا بادعاء مايلز كوبلن أنها هدية من الولايات المتحدة لمصر فلماذا لم تأت هذه الهدية لجمال عبدالناصر وهى مبلغ مالى كبير عن الطريق الذى ينظم قبول الهدايا والمساعدات المالية بين الدول وهو من خلال القنوات الدبلوماسية حتى يتم درء شبهة العطية المالية. وانما جاءت على نحو مستتر، وفى أضيق نطاق من العارفين بها ومن خلال أحد كبار عملاء المخابرات الأمريكية بل وفى الحقيقة على نحو سرى مستتر يفتح باب الأقاويل والتساؤلات حولها».
ثم يشير شاهين إلى ما يقوله المؤرخ العسكرى جمال حماد فى تعليق منشور له بجريدة الأهرام (الناطقة والمعبرة عن الدولة بصورة رسمية) بتاريخ 27/4/2011 (إن البرج كان له اسمان، فالأمريكان أطلقوا عليه «شوكة عبدالناصر» أما المصريون فأطلقوا عليه (وقف روزفلت).
يواصل الكتاب سرد قصة الحقيبة التى تسلمها التهامى، فما إن وضع الأخير الحقيبة بجانبه وهو يقود سيارته عائدا إلى منزله.. أخذ التوتر ينتابه وبدأ يساءل نفسه لماذا تسلمت منه هذه الحقيبة؟ ماذا سيكون رد فعل جمال عبدالناصر؟ إننى سأفقد الثقة الكبيرة التى يولينى إياها جمال عبدالناصر، وظل كذلك فى حيرة من أمره واضطراب إلى أن وصل إلى منزله وصعد إلى شقته ثم دخل حجرته ووضع الحقيبة بجانب سريره ونبه على من بالمنزل، بعدم المساس بها حيث إن بها وثائق ومستندات سيسلمها للرئيس غدا. وبات عقله شارد الفكر متوتر الأعصاب يعد الثوانى قبل الدقائق حتى بدت بوادر بزوغ فجر يوم جديد.
ولا يعلم أحد ما سيكون عليه الحال هل سيلومه عبدالناصر؟ هل سيقدمه للمحاكمة العلنية فى هذا الشأن؟ هل سيكلفه بإعادة الحقيبة لصاحبها مرة أخرى؟
اللواء عادل شاهين
المؤلف
• وكيل المخابرات العامة الأسبق.
• كاتب ومتخصص
فى «أدب الجاسوسية».
• باحث متخصص
فى شئون الأمن القومى المصرى.
• محاضر بمعهد العلوم الاستراتيجية بالقاهرة.
• عضو بالمجلس المصرى للشئون الخارجية.
• حاصل على درجة الدكتوراه فى القانون من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1985.
• حاصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية.