الخليج الجديد :
سلط الكاتب المخضرم سيمون واتكينز المتخصص في شؤون المال والطاقة، في تحليل نشره بموقع أويل برايس، الضوء على السبب الرئيس الذي يدفع روسيا لزيادة إنتاج النفط العراقي.
وذكر أن روسيا تسعي لتحقيق ميزة جيوسياسية من خلال استثماراتها في الطاقة وزيادة انتاج النفط في العراق، مشيرا إلى تلك الميزة أرادها الأمريكيون أيضًا قبل أن تنهار خطتهم.
سيطرة على كردستان
ولفت واتكينز إلى أن سيطرت روسيا على قطاع النفط في منطقة كردستان العراق (شمال) شبه المستقلة في عام 2017 كان مدفوعا بـ4 أسباب رئيسية.
الأول هو امتلاك المنطقة احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، ثانيا لعب دور الوسيط بين حكومة كردستان والحكومة في بغداد مما يمنحها نفوذًا على كلا الجانبين.
والسبب الثالث هو إمكانية استخدام هذا النفوذ بعد ذلك لتوسيع قبضة روسيا على جنوب العراق أيضًا، الذي يحتوي على المزيد من احتياطيات النفط والغاز.
وأخيرا فإن السيطرة على قطاع النفط في كردستان سيمكن روسيا من إحباط أي جهود من جانب الولايات المتحدة وحلفائها للبدء في إعادة بناء نفوذهم المنهار في البلاد.
وأوضح أن النقطة الأخيرة، حظيت بصدى واسع بعد اتفاق استئناف العلاقات بين إيران (الراعي الإقليمي الرئيسي للعراق) والسعودية الذي تم إعلانه في مارس/آذار الماضي بوساطة صينية.
واستشهد بما نقلته مصادر أوروبية مطلعة لموقع أويل برايس أن مسؤولا رفيعا المستوى من الكرملين أخبر إيران: “من خلال إبقاء الغرب بعيدًا عن صفقا الطاقة التي يبرمها العراق- وجعله أقرب إلى المحور الإيراني السعودي الجديد – سوف تقرب الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط إلى نهايتها.
حقل غرب القرنة 2
لكن في ظل المخاطر التي تواجه مستقبل الامدادات النفطية من إقليم كردستان العراق، لجأت روسيا إلى التحرك بثبات في المراحل الأخيرة من خطتها للعراق، وتركزت جهودها على حقل غرب القرنة 2
ومؤخرا، استشهدت وزارة النفط العراقية بحقل غرب القرنة 2، باعتباره حيويًا لخطة البلاد لزيادة طاقتها الإنتاجية من النفط إلى حوالي 7 ملايين برميل يوميًا في عام 2027.
يبلغ إجمالي احتياطي النفط في حقل غرب القرنة، الواقع على بعد 65 كيلومترًا شمال غرب مدينة البصرة الساحلية الجنوبية، 43 مليار برميل – مما يجعله أحد أكبر حقول النفط في العالم.
قدرت منطقة غرب القرنة 2 احتياطيات النفط القابلة للاستخراج بحوالي 13 مليار برميل، ومثل معظم الحقول الكبيرة في العراق (وإيران والسعودية)، فإنها تستفيد من أقل تكاليف استخراج في العالم – بمعدل 1-2 دولار أمريكي فقط لكل برميل.
كان من المقرر أن تنتج خطة التطوير الأصلية لحقل غرب القرنة2، 1.8 مليون برميل في اليوم، لكن تم تعديل ذلك في عام 2013 إلى خطة من ثلاث مراحل تبلغ ذروة الإنتاج فيها 1.2 مليون برميل في اليوم.
ستضيف المرحلة الأولى حوالي 120 ألف برميل يوميًا، والثانية 400 ألف برميل أخرى، والثالثة 650 ألف برميل أخرى.
لكن خلال الانتقال من المرحلة 2 إلى 3 والتي كانت مقررا أن تبدأ في منتصف 2017، ظهرت مشكلة لروسيا تسبب في أن بطء تحرك الإنتاج لسنوات، وهذه المشكلة كانت تكمن في الخلاف بين روسيا ووكيلها النفطي الرئيسي في العراق شركة لوك أويل التي كانت تعتقد أن مستوى أربحاها لكل برميل تقوم بحفرة منخفضة للغاية.
فقد كانت تحصل على 1.15 دولارًا أمريكيًا للبرميل – وهو أدنى سعر يُدفع لأي شركة نفط دولية في العراق في ذلك الوقت ويتضاءل أمام 5.50 دولارات أمريكية للبرميل الذي يتم دفعه لشركة جازبروم GazpromNeft لتطوير حقل بدرة النفطي.
ومما زاد الطين بلة بالنسبة لشركة لوك أويل أنها في تلك المرحلة أنفقت بالفعل ما لا يقل عن 8 مليارات دولار أمريكي في تطوير غرب القرنة 2، وفاقم حدة هذه الشكوى أن وزارة النفط العراقية كانت لا تزال مدينة للشركة بحوالي 6 مليارات دولار أمريكي كتعويض عن البراميل المستردة.. وغيرها.
في أغسطس/آب 2017، قال نقل موقع أويل برايس عن مصدر كبير يعمل عن كثب مع وزارة البترول الإيرانية قوله إن شركة لوك أويل أكدت أن وزارة النفط العراقية ستدفع بسرعة 6 مليارات دولار أمريكي للشركة وأن سيتم النظر في معدل تعويض أعلى لكل برميل بمجرد أن يكون ذلك ممكنًا.
بالإضافة إلى ذلك، وافقت وزارة النفط على تمديد فترة عقد لوك أويل من 20 إلى 25 عامًا، وبالتالي خفض متوسط التكلفة السنوية للشركة الروسية.
كما تم الاتفاق على أن تستثمر لوك أويل ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار أمريكي في غرب القرنة 2 في الأشهر الـ 12 التالية بهدف زيادة الإنتاج من مستوى 400 ألف برميل يوميًا بالقرب من ذروة الإنتاج المستهدفة البالغة 1.2 مليون برميل يوميًا.
ومع ذلك، بعد شهر واحد فقط، صوت 93٪ من سكان إقليم كردستان شبه المستقل في العراق لصالح الاستقلال التام عن العراق، واندلعت الفوضى، حيث شهدت دخول القوات الإيرانية إلى إقليم كردستان العراق، بدعم روسي.
بعد شهر واحد فقط من ذلك، سيطرت روسيا فعليًا على قطاع النفط في المنطقة، وتطلعت إلى ممارسة الضغط على الحكومة الفيدرالية العراقية خارج بغداد.
وبعد ذلك سعت روسيا إلى الحصول على شروط أكثر ملاءمة لعملياتها الحالية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الفيدرالية، وامتيازات تطوير حقول نفط جديدة من خلال التدخل بين كردستان وبغداد في نزاعهم المستمر حول صفقة “مدفوعات الميزانية مقابل النفط” لعام 2014.
لكن جزء من مناورة روسيا في هذه المرحلة لم يكن يفعل شيئًا لزيادة الإنتاج من غرب القرنة 2، لكن شركة لوك أويل أدركت في غضون ذلك أنها قادرة تمامًا على إنتاج ما لا يقل عن 635 ألف برميل يوميا على أساس مستدام .
وبحسب مصادر إيرانية، فقد بلغ إنتاج شركة النفط الروسية 650 ألف برميل يوميًا على فترات ممتدة في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2017، فيما أكدت مصادر فنية أخري أن إنتاج 635 ألف برميل يوميًا يمكن تحقيقه على أساس مستمر دون أي مشاكل.
وخلال الأسابيع الأخيرة الماضية، زادت شركة لوك أويل إنتاجها من 400 ألف برميل يوميًا إلى حوالي 480 ألف برميل يوميًا، ويمكن انطلاقا من تلك النقطة زيادتها مرة أخرى إلى ما يزيد عن 600 ألف برميل يوميا في غضون أسابيع قليلة.
مع الاتفاق الإيراني السعودي، فإن الجزء الأخير من تحرك روسيا مع الصين لتأمين المنطقة بأكملها (الشرق الأوسط) يؤتي ثماره.. فالعراق الموحد هو عنصر أساسي في ذلك، فالدول الثلاث مجتمعة (العراق وإيران والمملكة العربية السعودية) هي قلب الشرق الأوسط وقلب احتياطياته من النفط والغاز، لذا فإن السيطرة على تلك المنطقة هي ميزة جيوسياسية هائلة، أرادها الأمريكيون أيضًا قبل أن تنهار خطتهم “.