سورة القلم رقم (2) في ترتيب النزول من تفسير البينة (النبأ العظيم)

السورة بصيغة PDF

سورة القلم :

سورة القلم

أعوذ بالله من الشيطان الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

  • ن والقلم ومايسطرون (1)

((ن))

وهذه الحروف المقطعة ترد  فى مواضع من كتاب الله عز وجل على انها كتاب  منزل من عند الله تبارك و تعالى ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم- غافر1 ) اى ان هذه الحروف المقطعة  كتاب مبين منزل  من عند الله تعالى فيه آيات قرآنية قال تعالى فيها  ( آلر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين – الحجر1) أى ان الحروف المقطعة آيات كتاب هذا الكتاب منزل من أم الكتاب  كما  قال تعالى : (وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم –  الزخرف 4 ) وفى أم الكتاب كل ماهو كائن إلى يوم القيامة وكل أوامره تبارك و  تعالى ,.

وبالتالى الحروف المقطعة لغة أهل السماء لأن أهل السماء ليس عندهم لغواً ولا كذاباً قال تعالى  (لايسمعون فيها لغواً ولا كذاباً – النبأ 35 ) وكما هي آيات فى أم الكتاب محكمة نزلت إلينا مفصلة  ترد فى مواضع آخرى أيضاً  أنها آيات قرآن كالذى نقرآه مفصلاً ولكن تفصيل ما فيها يفهمه أهل السماء وبعد الموت يفهمون مراد الله تعالى منها وذلك لأن فلسفة الموت هو موت الجسد وحياة النفس والروح كما يقطع أصبع الشخص فينظر إلى أصبعه ملقى على الأرض هكاذ الموت  تنفصل فيه النفس عن الجسد وهو يتحول الإنسان  لحياةأخرى لا لغوا فيها ولا كذابا حتى قيام القيامة ونفخة البعث  وهنا في هذه المرحلة يعرفون أحكام الله تعالى بهذه الحروف المقطعة التي تختصر كل مراد الله تبارك وتعالى فيها  .

و لأن الحروف المقطعة  تأت  فى القرآن المكى فقط وفيه قصص الأمم من قبل وهذه الأمم إذا مات العبد رآهم في الجنة أو في النار إذا الحروف المقطعة أسرارها ومراد الله تعالى منها تفصيلياً يعلمه العبد بعد  موته  ليتعبد الله تعالى بها  قال تعالى فى بيان أنها آيات قرآن (طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين- النمل1-2)   وهذا اولاً :

ثانياً :

إذا قال تعالى تنزيل فقط بلا حروف مقطعة أوائل السورة فهذا يعنى القرآن الذى بين أيدين او أم الكتاب كقوله تعالى فى أوائل سورة الزمر (  تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم – الزمر )

ثالثاً : هذا الكتاب السماوى به آيات لورود ألفاظ إشارة قبلها تشير إلى أنها آيات قال تعالى ( آلر تلك آيات الكتاب الحكيم – يونس1-2) . وقال تعالى   ( طسم تلك آيات الكتاب المبين – الشعراء1-2) وقال تعالى  ( آلر تلك آيات الكتاب المبين-  يوسف  ) وقوله تعالى ( آلمر تلك آيات الكتاب والذى أنزل إليك من ربك الحق –  الأعراف) أى ان  ههذه الحروف المقطعة فيها آيات  والآيات أوامر من  الله تعالى إلى خلقه وهي غير النوع الثانى من الآيات التى أنزلت إلى الرسول  صلي الله عليه وآله وهو القرآن الكريم الذي نقرأه بين أيدينا أو بالأدق هو أم الكتاب المنزل منه القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى الذي بين أيدينا وكتب الله السماوية من قبل

وقال تعالى (الَرتلك آيات الكتاب وقرآن مبين- الحجر ) أي أن ام الكتاب منه الر منزلة من أم الكتاب كآيات وقرآن مبين وهى آيات قرآن كريم نزل منها الكتاب السماوي الأخير وهو القرآن الكريم ومنه طسم أيات قرآن وكتاب مبين أي أنها منزلة من أم الكتاب وفيه آيات قرآن وكتاب مبين كما أم طسم في ذاتها  وبما أودعه الله تعالى فيها من أسرار سيعلمها كل من انتقل إلى عالم الأرواح لن يكون فيها أسرار هى أيات قرآن وكتاب مبين فيه احكام ومراد الله تعالى قال تعالى (طسم تلك آيات القرآن وكتاب مبين – النمل 1-2)  ويقول تعالى(طسم تلك آيات الكتاب المبين –القصص 1-2) وأيضاً ألم آيات قرآن وكتاب حكيم قال تعالى فيه : (آلم تلك آيات الكتاب الحكيم – لقمان1-2)  .

رابعاً :  أن هذه  الحروف المقطعة محكمة البيان لمن انتقل من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح  وما نزل إلينا هو التفصيل  لمراد الله تعالى وأحكامه كما قال تعالى (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير-هود   ) والتفصيل للقرآن الكريم وأحكامه قال تعالى فيه  ( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون – الأعراف 52)   والمحكم عند الله تعالى كما بينا ومنه الحروف المقطعة لقوله بالقطع (وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم – الزخرف4)  وبالتالى أشار القرآن الكريم صراحةً إلى أنها من المحكمات في قوله تعالى ( الَمَ تلك أيات الكتاب الحكيم – لقمان 1-2)  والمتشابه أكثر للقرآن ليبين بعضه بعضاً ويفسر بعضه بعضاً لنعلم مراد الله تعالى ببيانه لآياته من خلال تلك المتشابهات  قال تعالى( الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاًمثاني تقشعر منه جلود الذين يؤمنون ثم تلين قلوبهم وجلودهم إلى ذكر الله – الزمر) .

خامساً   :  بناءاً عل ما ذكرنا يكون معنى قوله تعالى (ن والقلم ) تتكامل في المعنى  مع قول الله تعالى (حم والكتاب المبين) أي ان ( حم ) و (ن) والحروف المقطعة كلها فيها كل ما أمر الله تعالى به وماهو كائن إلى يوم القيامة من أيات فيأم الكتاب ونزل منه حروف مقطعة فيها بيان لما بعد الموت وما في الكون من غيبيات يمنعنا جسدنا الطيني من رؤيتها فهى آيات مؤجل فهمها لمرحلة ما بعد الموت من لغة وهى آيات كما في الآية  هنا مسطرة  بالقلم قال تعالى هنا ( ن والقلم ومايسطرون ) .

وورد في مذهب أهل البيتأن نون اسم من أسماء رسول الله صلى الله عليه وىله مرفوعاً [ عن ابي جعفر عليه السلام قال : إن لرسول الله صلى الله عليه وىله عشرة أسماء خمسة في القرآن وخمسة ليست في القرآن فأما التي في القرآن محمد وأحمد وعبد الله ويس ون – تفسير نور الثقلين ج5 ص 387] .

[ وعن أبي عبد الله قال : سألته عن ( ن والقلم) قال : إن اله خلق القلم من شجرة في الجنة يقال لها الخلد ثم قال لنهر في الجنة : كن مداداً فجمد النهر وكان أشد بياضاً من الثلج وأحلى من الشهد ثم قال للقلم :أكتب قال : يارب ما أكتب ؟ قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فكتب القلم في رق أشد بياضاَ من الفضة وأصفر من الياقوت ثم طواه فجعله في ركن العرش ثم ختم على فم اللم فلم ينطق ولا ينطق أبداً فهو الكتاب المكنون الذي منه  النسخ كلها أوليتم عرباً ؟ فكيف لا تعرفون معنى الكلام وأحدكم يوقل لصاحبه : إنسخ ذلك الكتاب أوليس إنما ينسخ من كتاب آخر من الأصل وهو قوله تعالى 0 إنا كنا نستنسخ ماكنتم تعملون ) – نور الثقلين للحويزي ج5 ص 388-389 ] .

وهذا الحديث تقريبً يبين ما قصدناه من الحروف المقطعة من قبل .

سادساً  :  الواو بين نون والقلم (ن والقلم)

إذا جاء حرف  الواو بين الحرف المقطوع في بداية القرآن الكريم وما بعده من آيات كقوله تعالى (ق والقرآن المجيد) أو (ص و القرآن ذي الذكر) نجد أن هذه الواو وردت في قوله تعالى ( إقرأ و ربك الأكرم )  أي أن معنى قوله تعالى ( ن والقلم  ومايسطرون )  أي اقرأ ماسطره الله تعالى لك في الدنيا من كتاب الله المنزل وبعد الموت ستقرأ في كتاب أم الكتاب الذي أنزل منه هذا القرآن لأنك ستلتقي بكل الأمم الوارد ذكرها في كتاب الله  تعالى الكريم .

وعلى ذلك إذا جاء لفظ الجلالة بعد الحروف المقطعة فهذا يعنى أن الله تعالى أمر بأوامر أنزلها فى كتاب وبيان لما هو كائن إلى يوم القيامة وذلك كما قال تعالى ( اَلمَ  الله لا اله الا هو الحى  القيوم – آل عمران ) أى أنه من أطاع الله فليعمل بالكتاب وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يأمر بطاعة أولي الأمر فيما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وآله  يقول تعالى ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم – النساء 58)    وبالتالى من أراد أن يعبد الله فليعمل بالقرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه ثم يتولى أولي الآمر أهل بيت النبي عليهم السلام لعلهم يرحمون كما قال تعالى  { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون}  .    وما هوكائن إلى يوم القيامة علمته الملائكة لما قرأت في اللوح المحفوظ ما هوكان من أحداث وقتل وسفك دماء منأبناء قابل لأاولاد هابيل إلى أن يشاء الله رفع هذا البلاء عن المظلومين قريب من زماننا هذا إن شاء الله فلما قرأت الملائكة تلك الجرائم وتلك الأحداث قالت ( أتخلق فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) قال إني أعلم مالا تعلمون- البقرة) .

وأما :

(والقلم ومايسطرون )

والقسم هنا بما سطره الله تبارك و تعالى من كل كبيرة و صغيره في الكون كله ما نراه ومالا نراه علمناه أم لم نعلمه ولذلك قال تعالى : { وكل صغير وكبير مستطر  – القمر 53} .

وهذه الكتابه وهذا العلم سطره الله تبارك و تعالى بقلم من نور في أم الكتاب نزل منه كتاب مسطور في رق منشور وهو القرآن الكريم كما في قوله تعالى { والطور وكتاب مسطور في رق منشور – الطور }  . والرق الجلد الخفيف الذي يكتب عليه وهذا وصف للصحف التي كتب عليها القرآن أول مرة قبل الكتابه في الصحف المطهرة وهو كتاب منزل من أم الكتاب في اللوح المحفوظ كما بينا وقال فيه صلى الله عليه وآله [ القلم من نور وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون – نور الثقلين ج5 ص 378 ] .

يقسم الله تبارك وتعالى هنا بالقلم   أنه علم به الخلق وسيعلم الخلق بعضهم بعضاً به ولقداسته جاء بصيغة القسم في قوله تعالى { إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم }  ومالم يعلم علم كثير جدا لا تحصيه أقلام الأرض ولا بحارها إن تحولت إلى مداد كما في قوله تعالى { ولو أن مافي الأرض من شجر أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر مانفدت كلمات الله – لقمان  27}

ومالم يعلمه سيكون بعد الموت سيعلم الكثير منه على حقيقته   بدليل قوله تعالى بعد الموت { فبصرك اليوم حديد} اي حاداً يرى كل شيئ على حقيقته وما كان يغيبه جسده الطيني عن رويته ويقول الإمام علي عليه السلام وقوله في حكم المرفوع  : [ الناس نيام فإذا ما ماتوا انتبهوا – الدرر المنتثرة ص 133 للسيوطي ]  وذلك لأنهم يرون كل شيئ على حقيقته ويرون كل ماكان غائباً عنهم في عالم الغيب .

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : [ أول ما خلق الله القلم فقال له :  أكتب فكتب ماهو كائن إلى يوم القيامة – نور الثقلين للحويزي ج5 ص 389] .

وهو قلم من نور كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله [ …. وأما النون ف { ن  والقلم ومايسطرون }  القلم من نور وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون – تفسير نور الثقلين ج 5 ص 387] .

وإذا بحثنا عن لفظ قلم ووروده في قوله تعالى هنا  ( إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم) اي أن ماكتبه القلم كان في نون وفيها  كل شيئ  ذكره الله تعالى في اللوح المحفوظ .

وعن هذه الحروف المقطعة في اول السور المكية جمعها القرطبي في تفسيره  مع فصل المكرر منها فخرج معه جملة وهى [ نص حكيم قاطع له سر] وفي مذهب أهل البيت بعض العلماء استخدم نفس الطريقة التي سلكها القرطبي فخرجت ملة وهى [ صراط علي حق نمسكه ] سلام الله عليه .

وقد استخدمنا هنا نفس الطريقة في بياننا للقرآن الكريم بنفس الطريقة فخرج معنا جملة  مهمة وهى [ أحطك سقر لمن يعصه] وكل ذلك من إعجاز كتاب الله تعالى الذي لا تنقضي عجائبه كما ذكر رسول الله ذلك صلى الله عليه وآله  .

وأما :

( وما يسطرون)

والقسم هنا بما سطره الله تبارك و تعالى من كل كبيرة و صغيره في الكون كله ما نراه ومالا نراه علمناه أم لم نعلمه ولذلك قال تعالى : { وكل صغير وكبير مستطر  – القمر 53} .

وهذه الكتابه وهذا العلم سطره الله تبارك و تعالى بقلم من نور في أم الكتاب نزل منه كتاب مسطور في رق منشور وهو القرآن الكريم كما في قوله تعالى { والطور وكتاب مسطور في رق منشور – الطور }  . والرق الجلد الخفيف الذي يكتب عليه وهذا وصف للصحف التي كتب عليها القرآن أول مرة قبل الكتابه في الصحف المطهرة وهو كتاب منزل من أم الكتاب في اللوح المحفوظ كما بينا وقال فيه صلى الله عليه وآله [ القلم من نور وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون – نور الثقلين ج5 ص 378 ] .

ثم يقول تعالى عن هذا الكتاب و الإيمان به والعمل بما فيه نعمة ماهو بها بمجنون صلى الله عليه وآله كما قال تعالى :

 (2) ماأنت بنعمة ربك بمجنون (2)

وهنا :

 ( ما أنت)

أي ما أنت بهذا القرآن متكهن به ولا مجنون عاصى لله عز وجل لورود هذه الآيات في قوله تعالى { فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون – الطور29}

 ( بنعمة ربك)

والنعمة هى نعمة القرآن الذى نزل من عند الله عز وجل وفيه كلام الله  تعالى الذي قال فيه   { نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به – البقرة 231} والكفر بهذا الكتاب كفر بنعمة الله قال تعالى فيه  { أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون – العنكبوت 67 } وهذه النعمة لم يكفر بها صلي الله عليه وآله كما في قوله تعالى  هنا { ما أنت بنعمة ربك بمجنون – القلم  2 }  وعلى ذلك :

وأما :

 (بمجنون)

يقول صلى الله عليه وآله في  الحديث [ المجنون من أقام على معصية الله… الحديث ] .

وهذا الجنون برأ منه الله تعالى رسوله كما في قوله تعالى   { وما صاحبكم بمجنون – التكوير22} وتلك البراءة لأن  الأمم من قبل  اتهموا الرسل دائماً بهذه التهمة لعنهم الله  كما في قوله تعالى { كذلك ما أتى الذين من قبلك من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحرٌ أو مجنون – الذاريات 52 } ولذلك يثبته الله تعالى قائلاً ذكر الناس  بالله وردهم إلى طاعته فما أنت كما يفتري عليك المفترون بأنك كاهن أو مجنون قال تعالى { فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون – الطور 29}  وليس ذلك فحسب بل يبشره الله تعالى بأن له أجر غير ممنون وأن خلقه هو الخلق العظيم ومن أراد الآخرة فعليه التأسي به صلى الله عيه وآله عليهم السلام قال تعالى { ما أنت بنعمة ربك بمجنون  وإن لك لأجراً غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم – القلم 2-4} .

 (3) وإن لك لأجراً غير ممنون (3)

وهنا :

 (وإن لك )     

وردت هذه الآيات ونقول آيات لأن كل حرف أطلق الله تعالى عليه آيه في قوله تعالى { الم تلك آيات الكتاب المبين } فيكون كل حرف آ ية وردت هذه الايات في قوله تعالى كبيان أن أول هذاالاجر شرح صدره ورفع ذكره صلى الله عليه وآله في الدنيا والآخره كما في قوله تعالى { الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك  وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك – الشرح }  وهذا سيكون في الآخرة وفي آخر الزمان أيضاً لقوله تعالى ( وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى – الضحى)

وهنا سيكون له ولأمته التابعة له صلى الله عليه وآله أجراً غير ممنون قال تعالى فيه هنا { وإن لك لأجر ا غير ممنون }  .

 (لأجر)  

وهذا الأجر  ورود في كتاب الله هذا اللفظ كدلالة على أن هذا الأجر للمسلمين كما في قوله تعالى {  بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه – البقرة 112}   هذا الإسلام مرتبط بمودة أهل بيت النبي عليهم السلام وولايتهم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى   { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى- الشورى 23 }   وهؤلاء أعد الله تعالى لهم أجراً كريماً قال تعالى فيه {  تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريما – الأحزاب 44  وهذا الأجر غير ممنون له صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام  ولأمته كما في قوله تعالى هنا {  وإن لك لأجر غير ممنون } .

 (غير ممنون)      

[ ومن المحسن على من أحسن إليه أو منَ عليه إحسانه وذكره له وعده عليه وقرعه كأن يقول : ألم أحسن إليك ما إلى ذلك – معجم الفاظ القرآن باب الميم فصل النون والنون] .

قال تعالى في من بعض الصحابة على رسول الله  صلى الله عليه وآله                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          بإسلامهم { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنون على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان – الحجرات 17 }   وهذا المن يحبط الأعمال ويبطل الصدقات لقوله تعالى  { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى – البقرة 264} .

وهذا المن علينا من الله يكون في الدنيا بأن هدى هذه الأمة للإيمان به تعالى وبنبيها واليوم الآخر وما نزل من الله تعالى و في الآخرة لا من على رسول الله صلى الله عليه وآله و لأمته كما في قوله تعالى هنا { وإن لك لأجراً غير ممنون } أي غير مقطوع أو معدود عليهم ولا من فيه ولا أذى  وإذا كان لرسول الله ولأمته أجرُ  غير ممنون فلهم إذاً الشكر من الملائكة وخلق الله تعالى الذي شهد للمسلمين من  بني آدم ممن تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وعبده تعالى وآمن به  عز وجل و   بملائكته ورسله بالغيب قال تعالى لهم  هنا  لذلك { إن هذا  كان لكم جزاءاً وكان سعيكم مشكورا – الإنسان 22 }.

 (4) وإنك لعلى خلق عظيم (4)  

 (وانك)

ورد هذا اللفظ فى قوله تعالى { وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم صراط الله الذى له ملك السموات والأرض ألا إلى الله تصير الامور – الشورى52 } .

وعلى ذلك الصراط المستقيم الذى كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله من  عمل بالقرآن وولايةً له تعالى هو الخلق العظيم فلما استقام على أمر الله تعالى نزل فيه صلى الله عليه وآله { وإنك لعلى خلق عظيم – القلم4}  .

وأما :

( إنك لعلى )

وهذه الآية وردت  فى  قوله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وآله( وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم – الحج67)  وهذه الدعوة إلى الله والتخلق بخلق القرآن هو  الخلق العظيم الذى قال تعالى فيه هنا { وإنك لعلى خلق عظيم – القلم4} .

وأما :

(خلق)

الخلق :السجية والطبع وما يجرى عليه المرء من عادة لازمة.

قال تعالى { إن هذا إلا خلق الأولين – الشعراء137 }  وخلق رسول الله وسجيته قامت على القرآن كما سئلت السيدة عائشة عن خلقه فقالت كان خلقه القرآن ولذلك قال تعالى عن هذا الخلق أنه خلق عظيم قال تعالى { وإنك لعلى خلق عظيم – القلم4 }  وهنا يحكم الله تعالى بعدم خطأ رسول الله صلى الله عليه وآله أو سبابه لأحد كما زعم ذلك المنافقون وقالوا زاعمين من سببته أو آذيته …. ولا يجوز نسبة أى سلوك غير لائق بالرسول صلى الله عليه وآله لهذه الآية ولقوله تعالى { وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحى يوحى علمه شديد القوى – النجم } .

وأما:

 (عظيم)

ولفظ عظيم يأتى على القرآن كما فى قوله تعالى { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون – ص67}  ومن عمل بهذا النبأ العظيم فهو على خلق عظيم لأنه عمل بالنبأ العظيم فتولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته وآمن بالله العظيم الذى قال تعالى عن نفسه مبيناً عظمته عز وجل فى قوله تعالى { فسبح باسم ربك العظيم – الواقعة74 }

ثم يقول تعالى :

 (5) فستبصر ويبصرون (5)

وهنا:

 ( فستبصر ويبصرون)

وبصر به رآه والبصررؤية غوامض الأمور وخباياها قال تعالى { وقالت لاخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لايشعرون – القصص11}  وقال تعالى { قال بصرت بما لم يبصروا به – طه96}  ومن أراد أن يرى الغيب على حقيقته فينظر لكل الأمور بالبصائر وهو القرآن الذى قال تعالى فيه { قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها –الأنعام103 } وبالتالى البصر نظر لدقائق الأمور فإن كان بكتاب الله فهو بصيرة وإن كانت بهوى فهو عمى وعدم بصر قال تعالى { وتراهم ينظرون إليك وهم لايبصرون –الأعراف198}  وقال تعالى فى بيان أن عمى البصيرة من عمى القلب فيمكن أن ينظر العبد بعينيه وهو لايبصر وبالتالى القلوب هى التى تعمى كما قال تعالى { إنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور-             }  وعلى ذلك المعنى هنا فستبصر بكتاب الله وهم سيبصرون بأهوائهم بأيكم المفتون الذى سيدخله الله تعالى النار  قال تعالى هنا {  فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون – القلم5-6 }   .

وأما :

 (6) بأيكم المفتون (6)

وهنا :

  (بأيكم)

أى أنه يقول تعالى { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ – الملم 2 }  وبالتالي خلق الله تعالى الناس ليبلوهم أيهم أحسن عملا لقوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ – هود 7 } ولذلك قال تعالى في رسول الله صلى الله عليه وآله وحكمهم وولايتهم {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين سبأ24 } أى أنه يقول تعالى هنا فستبصر ويبصرون أيكم على هدى أو فى ضلال مبين فهو التارك لآيات ربه المعرض عنها لورود هذا اللفظ فى قوله تعالى { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون – التوبة124  }

وأما :

((المفتون))

وهنا يعرف المؤمنون المفتونون بإعراضهم عن ذكر الله .

والفتنة الأختبار قال تعالى { إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامرى – طه85}  أى أنه يقول تعالى فستبصرويبصرون أيكم على هدى وولاية لله تعالى ورسوله وأهل بيته وأيكم من أضله سامرى كل أمة الذى يكذب على الأمة بإسم الدين فيخرجهم عن ولاية أهل بيته عليهم السلام وهذا ما حذر تعالى منه قائلاً { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ماأنزل الله اليك – المائدة49}  وقال تعالى أيضاً فى فتنة تبديل الدين وإنحراف الناس عن ولاية أهل بيت نبيهم عليهم السلام { وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره إذن لاتخذوك خليلأ – الاسراء73} وما عجزوا عن تبديله فى زمان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فعلوه بعد موته وقتلهم لعترته صلى الله عليه وآله وانفلقت الأمو وتشققت لفرق وأحزاب بفعل هذه الفتنة ويوم القيامة سيبصرون من هو المفتون فى جهنم لإن أحد معانى الفتنة التغيير من أثر الناريقال رغيف فتين أى محروقة ويوم القيامة من خرج على ولاية الله الحق فهو من المفتونين فى جهنم قال تعالى { يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذى كنتم به تستعجلون – الذاريات13-14 }  وهنا يقول تعالى عن فتنتى الدنيا والآخرة { فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون – القلم 5-6 } أى فى الدنيا ستبصر بالقرآن أنه دعا لولاية أهل البيت ومودتهم وقيادتهم ولذلك أذهب الرجس عنهم وفى الآخرة ستبصر أعدائهم يفتنون على النار كما أنهم فى الدنيا كانوا خارجين على ولاية أهل بيت نبيهم عليهم السلام .

ثم يقول تعالى :

 (7) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (7)

وهذه الآية مكررة بتمامها فى سورة النحل 125 وسورة النجم 30

وهذه الآية يبينها قوله تعالى { قل إن ربى أعلم من جاء بالهدى ومن هو فى ضلال مبين– القصص85}

وأما :

(إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم )

أى أنه تعالى يعلم سرهم ونجواهم كما قال تعالى { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – القصص 68-70 } وقال تعالى أيضاً : { ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب – التوبة78} .

وبالتالى هو سبحانه  وتعالى يعلم من ضل ومن اهتدى كما قال تعالى هنا { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – القلم7 } .

وأما :

(بمن ضل عن سبيله)

ومن ضل عن سبيل الله هو الذى عصى وأشرك لقوله تعالى { ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً – الاحزاب36 }

وقال تعالى { ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً – النساء116 } وما دام عصى وأشرك فقد تحاكم للهوى وطواغيت الرجال كما قال تعالى { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً – النساء60 } وهنا يضلهم السادة والكبراء والحكام فيدخلون جهنم بضلالهم عن سبيل أهل بيت نبيهم عليهم السلام ويقولون فى النار { ربنا إننا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا – الاحزاب  67} والله أعلم بهؤلاء وعداوتهم لله تعاللىورسوله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنون وهو أعلم بالمهتدين .

وأما :

(بالمهتدين)

والمهتدين هم العاملين بالهدى وهو القرآن لقوله تعالى { هذا هدى – الجاثية11) وهم الذين أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وآله عاملين بسنته لقوله تعالى فيه (وإن تطيعوه تهتدوا – النور54} وهم الذين يتولون الهادى المهدى من أهل بيت النبى عليهم السلام فى كل زمن لقوله تعالى فيهم { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7} وهؤلاء هم الذين هداهم الله تعالى واجتباهم وقال تعالى فيهم { ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم – الأنعام 87} وعلامة الإمامة لهؤلاء جهل كل علماء الأمة بما يعلموه من كتاب الله عز وجل وقال فى إمام آخر الزمان من ذريتهم عليهم السلام { أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لايهدى إلا أن يهدى – يونس35} وهؤلاء الذين اهتدوا بالقرآن والرسول صلى الله عليه وآله والعترة الطاهرة الله تعالى أعلم بهم كما قال تعالى هنا { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – القلم7}

ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين

 (8)  فلا تطع المكذبين (8)

وهنا:

(فلا تطع)

أى لاتطع الكفار ولا المنافقين لقوله تعالى { يا أيها النبي لاتطع الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم –الأحزاب 1}  وهؤلاء هم المكذبين هنا المتربصون للإسلام وأهله كل سوء فى كل زمان ومكان قال تعالى هنا { فلا تطع المكذبين ودوالو تدهنم فيدهنون – القلم 8-9}

وأما:

(المكذبين)

والمكذبين فى كتاب الله نوعين :

الأول كفار مكذبين بآيات الله والرسل  وقال تعالى فيهم { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا حتى أتاهم نصرنا – الأنعام 34 }  وهؤلاء يدخلون النار وعند دخولهم لها يقول تعالى لهم { ألم تكن آياتى تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون – المؤمنون105}

والثانى : التاركون الذين زعموا الإسلام فلم يعملوا به وهؤلاء مثلهم كمثل بنى اسرائيل الذين قال تعالى فيهم { مثل الذين حملواالتوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لايهدى القوم الظالمين – الجمعة }

الثالث: منافقون دخلوا الإسلام لهدمه من الداخل بترويج الكذب ومدائح الرجال لصرف الناس عن ولاية الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليهم السلام . قال تعالى مبيناً أن هؤلاء لايوجد أظلم منهم فى قوله تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لايهدى القوم الظالمين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون – الصف }   وإطفاء نور الله بإستبعاد أهل بيته وترويج مدائح ومناقب لرجال جهلوا شرع الله تعالى كما فى قوله تعالى { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشاء ولايظلمون فتيلاً أنظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به اثماً مبيناً – النساء 49-50 }  وهؤلاء قالوا فى أسماء الله وصفاته ماكرهوه هم لإنفسهم وقال تعالى فيهم { ويجعلون لله مايكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى – النحل 62 }  وهذه الآية على عموم معناها ولاتخصص فقط على من نسب البنات لله فكل من ألحد فى صفات الله فقد نسب لله ما يكرهه ويأباه لنفسه وتارةً يقولون نحن الموحدون وتارةً آخرى يقولون نحن الفرقة الناجية ومن هؤلاء لما رأى مناقب أمير المؤمنين تسد الشمس فى رابعة النهار ولاينكر فضله إلا أعمى لجأوا لتمام فعل بنى إسرائيل فى الكتمان لجزء من الوحى ذكره صلى الله عليه وآله فى على بن أبى طالب .

قال تعالى { وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وماهو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون – آل عمران 78} ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تخطاه لقتل العترة الطاهرة ليموت حقهم معهم فى كل زمان ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون وهؤلاء حذر الله تعالى منهم قائلاً هنا : { ولا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون – القلم -8-9}  .

ثم يقول تعالى :

(9) ودوا لو تدهن فيدهنون (9)

(ودوا)

وهنا يبين تعالى حسد الكفار والمنافقين لرسول الله وأهل بيته على الخير المنزل عليهم من الله تعالى كما في قوله عز وجل { مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ – البقرة 105 }

ألم يحسد أبي سفيان رسول الله بسبب الآذان والهتاف بإسمه صلى الله عليه وآله خمس مرات في اليوم

[ وروى الزبير بن بكار في الموفقيات قال المطرف بن المغيرة بن شعبة:  دخلت مع أبي على معاوية فكان أبى يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتما فانتظرته ساعة وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ فقال: يا بني، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم! قلت: وما ذاك؟! قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا وبسطت خيرا، فإنك قد كبرت. ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه. فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه؟! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر! ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر. وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمدا رسول الله! فأي عمل لي يبقى، وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك! لا والله إلا دفنا دفنا) – شرح نهج البلاغة ج5 ص 129 –  جواهر التاريخ للشيخ علي الكوراني ج2 ص 263 ] .

وورد هذا اللفظ عن طائفة من أهل الكتاب ورغبتهم في إضلال المؤمنين { وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ – آل عمران 69 } .

وأما عن المنافقين فيقول تعالى : { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا– النساء 89} .

وهؤلاء يبين تعالى بغضهم هؤلاء المنافقين للمؤمنين والذي بدى في فلتات ألسنتهم كما في قوله تعالى  : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ – آل عمران 118 }

وفى سبيل تحقيق ذلك المأرب يلجأون مرة للبطش باليد والقتل والمذابح وتارة فى دار الندوة أو الأمم المتحدة الآن قال تعالى { ويبسطوا أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لوتكفرون – الممتحنة 2}  ولذلك نهى الله تعالى عن طاعتهم قائلاً { فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون – القلم 8-9} .

وأما :

( تدهن فيدهنون)

[ ودهن في الأمر يدهن وأدهن فيه لان فيه وتسمح ولم يتشدد وأدهن بالحديث :لميجزم فيه وتهاون به فشك فيه أو كذبه فهو مدهن وهم مدهنون – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الهاء والنون ] .

[ ودهن كما فى المعجم الوسيط باب الدال فصل الهاء والنون نافق وأظهر خلاف ما يبطن وفى مجمع البحرين باب النون وما أوله دال نفس المعنى السابق ويضيف أو ترك المناصحة قال تعالى : { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون –الواقعة 81-82 } .

أى أن المداهنة هنا لين القول مع رسول الله صلى الله عليه وآله مع التظاهر نفاقاً با الإسلام وهذا ماقالته قريش صراحة فى السيرة تعبد إلاهنا عاماً ونعبد إلاهك عاماً فنزل قوله تعالى : { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد – الكافرون } وهذه المداهنة الآن تدخل كجزء من علم السياسة وتقريب وجهات النظر بين الأطراف على حساب الحق و العدل مع استخدام الضغوط الخفية لإجبار الأضعف على الإستسلام وهم يودوا من المؤمنين لو يكفرون وا فيكونون سواءا والبداية مداهنة الجميع للجميع لعلهم أي طرف ينجح في استمالة واستضعاف وقهر الآخر مداهنة وقديما كانوا يلجئون بالحلف الكاذب .

لذلك يقول تعالى هنا :

 (10) ولا تطع كل حلاف مهين (10)

وهنا:

(ولا تطع)

النهى عن الطاعة لكل حلاف مهين وهذه شيمة المنافقين الذين يزعمون الإسلام والإيمان فإن واجهوا المواقف واجهوها بالحلف الكاذب كما فى الآية هنا وهؤلاء قال تعالى فيهم { ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله – الأحزاب 48}  وهؤلاء هم الذين أبطنوا فى قلوبهم الهوى وغفلوا عن ذكر الله تعالى كما قال عز وجل { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً – الكهف 28}  وهؤلاء دائماُ يلجئون للحلف الكاذب تغطيةً على مافى قلوبهم

قال تعالى هنا: (ولا تطع كل حلاف مهين – القلم10)

وأما:

(حلاف)

وحلف بمعنى أقسم والحلاف :الكثير الحلف

قال تعالى { ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناًوتوفيقاً –النساء 62 } وهذا الحلف دائماًيستخدمه المنافقون لإرضاء المؤمنين فقط. قال تعالى { يحلفون بالله ليرضوكم والله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين – التوبة  62 }  ويحلفونعلى أنهم من المسلمين وماهم منهم فى شىئ .

قال تعالى { ويحلفون بالله إنهم لمنكم وماهم منكم ولكنهم قومُ يفرقون – التوبة56} وهؤلاء الحلافين المنافقين نهى الله تعالى المؤمنين عن طاعتهم فى عصيان الله تعالى والخروج على ولايته عز وجل وولاية رسوله وأهل بيته عليهم السلام قائلاً { ولا تطع كل حلاف مهين – القلم 10}

وأما:

(مهين)

ومهين من مهن بمعنى قل وضعف قال تعالى (ثم جعل نسله من سلالةَ من ماء مهين – السجدة 8 )  ولاقتران هذا اللفظ بضعف البيان فى قوله تعالى (أم أنا خيرُ من هذا الذى هو مهين ولايكاد يبين – الزخرف 52) أى أن ماء الرجل الذى قال تعالى فيه (ألم نخلقكم من ماءٍ مهين – المرسلات 20) أى ماء غير بَين الملامح أو الخلق وكذلك المعنى هنا المهين هو الضعيف ولورود لفظ المهانة مقترن بعدم القدرة على البيان لِلكنة فى لسان سيدنا موسى  هنا القرآن يشير إلى قوله تعالى(ولا تطع كل حلاف مهين – القلم10) وهو رجل فقير حقير منافق مشهور بلكنة فى لسانه كثير الحلف نهى الله تعالى عن طاعته أو ومن سار على طريقته  ونحلته .

ثم يقول تعالى فى نوع آخر نهى الله تعالى عن طاعته قائلاً:

 (11) همازٍ مشاءٍ بنميم (11)

وهنا الهماز المشاء بالنميمة صفة أيضاً أخرى للحلاف المهين وكل من إتتصفبهذه الصفة فقد نهى الله تعالى عن طاعته فى معصية الله تعالى أو فيمت يخالف الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام . وهنا :

وعن سبب نزول الآية (عن امير المؤمنين عليه السلام أنه كان يمر بالنفر من قريش فيقولون أنظروا إلى هذا الذى اصطفاه محمد واختاره من بين أهله ويتغامزون – تفسير البرهان للسيد هاشم البحرانى ج 4/ص44) وهذا من المؤكد بعد أن أنذر عشيرته فقال لهم صلى الله عليه وآله من يؤازرنى على أن يكون خليفتى ووصيي من بعدى فلم يقم أحد إلا أمير المؤمنين فقال لهم صلى الله عليه وآله هذا خليفتى ووصيي من بعدى اسمعوا له وأطيعوا فقام أبو لهب قائلاً مستهزءاً لأبى طالب اسمع وأطع لإبنك يا أبا طالب… الحديث وهو معروف بالسيرة النبوية  والظاهر أن هذا الأمر أخرجه الملعون أبو لهب من الإطار الأسرى لدار الندوة مستهزءاً فتناقلته الألسن ولاكته العامة والسوقة والجوقة من الجهلاء فنزلت الآية هنا كما فى تفسير البرهان للسيد هاشم البحرانى قدس سره .

وهنا :

(هماز)

وهمز هنا بمعنى عابه ويخصه بعضهم بأن يعيبه فى غيبته وكأنه يضغط على المعيب وينال منه ويقال للمكثر من ذلك والمعتاد له هماز وهؤلاء الويل لهم كما قال تعالى { ويلُ لكل همزة لمزة الذى جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده – الهمزة}  وهنا يبين القرآن أن هذا الهماز مستكبر بماله متفاخراً به يعيب فى رسول الله صلى الله عليه وأل بيته والمؤمنين عليهم السلام قال تعالى فيما فعله هؤلاء المجرمون

{إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون – المطففين 29-32}

وأما :

(مشاء)

ولفظ مشاء من الامشىوهو يأت على من تنكبو الطريق المستقيم وقال تعالىفيهم { أفمن يمشى مكباً على وجهه أهدى أمن يمشى شوياً على صراط مستقيم – الملك22} وكل منافق يبطن الكفر من الذين يمشون مكبين على وجوههم وكذلك الكافرون أيضاً الذين قال تعالى فيهم {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيءيراد –ص6} وهؤلاء يمشون بالنميمة فى حق رسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنون ونهى الله تعالى عن طاعتهم قائلاً {ولاتطع كل حلاف مهين همازٍ مشاءٍ بنميم – القلم11}  وهؤلاء الويل لهم كما قال تعالى صلى الله عليه وسلم [ ويلُ للمشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة – الحديث ] .

وأما :

(بنميم)

ونم بفلان وعلى فلان وينم نماً ونميمة ونميماً :نقل عنه إلى غيره مايسوءه ويوغر صدره عليه ويفسد الود بينهما ويوقع الوحشة بينهما وعلى ذلك فهو نقل الحديث على وجه الإفساد – معجم الفاظ القرآن باب النون فصل الميم والميم ) قال تعالى { ولاتطع كل حلاف مهين همازٍ مشاءٍ بنميم – 10-11}

[ و يختلف تعريف الغيبة عن النميمة، حيث تُطلق الغيبة في اللّغة على الاغتياب، أمّا النمّ فهو السّعي لإيقاعِ المشاكل والفتنة بين النّاس، – الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت : وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 159، جزء 42 ] [ وأمَّا اصطلاحاً  الغيبة : ذكر الإنسان بما لا يُحبّ أن يُذكر فيه، أمّا النّميمة: فهيَ نقل الكلام من شخصٍ إلى آخر والذي يؤدّي إلى إيجاد المشاكل والكراهيّة بين النّاس، – موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 401، جزء 2. بتصرّف [  .

قال تعالى {  وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ  – الحجرات 12  { .

[  عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذِكرُك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه .صحيح أبي داود |   أخرجه مسلم (2589) باختلاف يسير، وأبو داود (4874) ] [ عن ابن عباس قال : مرَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم على قبرين فقال : أما إنَّهما ليُعذَّبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ، قال : فدعا بعسيبٍ رطْبٍ فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا .
وعن عائشة رضي اللّه عنها قالتْ:قلتُ للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم: حسبُك من صفيّة كذا وكذا ـ قال بعضُ الرواة: تعني قصيرة ـ فقال: “لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ” قالت: وحكيتُ له إنساناً فقال: “ما أُحِبُّ أني حَكَيْتُ إنساناً وأنَّ لي كَذَا وكَذَا” قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وفي كتاب الترمذي، عن معاذ رضي اللّه عنه قال فى حديث طويل وفيه : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ألا أُخْبِرُكَ برأسِ الأمْرِ وَعمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنامِهِ ؟ قلت: بلى يا رسول اللّه! قال: رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ ، ثم قال : ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّهُ؟ قلت : بلى يا رسول اللّه! فأخذ بلسانه ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، قلت : يا رسول اللّه! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟” ] [ وروى أبو داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته .]

وهذه المجالس وهؤلاء نهى الله تبارك و تعالى عن مجالستهم لقوله صلى الله عليه وآله النميمة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب …. الحديث .

ثم يقول تعالى :

 

(16) مناع للخير معتد أثيم (16)

 

وهنا :

 

(مناع للخير)

 

[ ومنع الشيئ حجبه عن ذلك الشيئ وحال بينه وبينه ويكون ذلك في الاعيان والمعاني تقول منعته الكتاب ومنعته الدخول – معجم الفاظ القرآن باب الميم فصل النون والعين ]

قال تعالى { قال مامنعك ألا تسجد إذ أمرتك – الاعراف 12 } وقال تعالى { فلما رجعوا لإلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل – يوسف 63  } ومنعهم هنا للخير كان منعاً لحق الله تعالى في المال من زكاة وخمس وصدقات قال تعالى { إذا مسه الخير منوعا – المعارج 21 } وقال تعالى  آيضاً : { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب – ق 25 }

وهذا الكفار العنيد الذي قال تعالى  فيه هنا { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب – القلم 11-12}  .

حتى لو أنفق فقد حبط عمله وبكفره لن يقبل الله تعالى عمله لقوله عز وجل { وما منعهم أن تقبل نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون – التوبة 54}

 

وأما :

 

(للخير)

 

[ الخير : كل مافيه نفع وصلاح وهو ضد الشر بوجه عام ويلحق بهذا استعماله فيما هو أداة للنفع والصلاح كالمال والخيل – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الياء والراء ] .

 

ومنع الخير هنا منعاً لحق الله تعالى في المال والنفقة المستحقة على العباد لقوله تعالى { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ – البقرة 215 }

 

والخير منه كل أداة للنفع والصلاح كالمال في قوله تعالى { إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف – البقرة 180 } و يأت على الخيل في قصة نبي الله داوود عليه السلام   في قوله تعالى { قال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب – ص 32 } وبالتالي كل مانع لما فيه الخير والصلاح للناس في أمور دينهم ودنياهم فقد بشره الله تبارك وتعالى بالإلقاء في جهنم هنا في قوله تعالى { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب – القلم 11-12} .

 

وأما :

 

(معتيدٍ أثيم )  

 

وهنا :

 

(معتدٍ)

 

[ والمعتدِ : الذي تجاوز الحق أو تجاوز الأمر بمعنى تعداه قال تعالى { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين – الأعراف 55 } والمعنوي منه كقوله تعالى { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه – البقرة 229 } والمادي كقوله تعالى { ولا تعد عيناك عنهم تريد الحياة الدنيا – الكهف 28 } والعدوان يأت بمعنى تجاوز الحق إلى الظلم لقوله تعالى { تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان  – البقر 85} و المعتدي الذي تعدى حدود الله تعالى كما في قوله تعالى { تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون– البقرة 229 }

ومن هؤلاء المعتدين الذين اعتدوا وظلموا المؤمنين لقوله تعالى { لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ التوبة 10 –  } وهذا المعتدي هو الأثيم  المناع للخير  هنا  قوله تعالى {  وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ  هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ  مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ  – القلم  10 -12} .

 

وأما :

 

(أثيم)

 

[ الإثم : فعل مانهى الله تعالى عنه وأثم يأثم من باب علم يعلم وأثاماً ومأثماً فعل ما نهى الله عنه فهو آثم وأثيم والإثم ةالآثام فعل ما نهى الله تعالى عنه – معجم الفاظ القرآن باب الهمزة فصل الثاءوالميم ] قال تعالى { فمن اضطر فلا باغ ولا عاد فلا إثم عليه – البقرة 731 }

والأثيم سواء كان كافراً أو منافقا الذي يسمع آيات الله فلا يعمل بها ولا يعير لها بالاً قال تعالى { ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين – الجاثية 7-8 } وهؤلاء هم المعتدون الذين قال تعالى فيهم هنا { وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ  هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ  مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ  – القلم  10 -12} .

 

ثم يقول تعالى :

 

(13) عتل بعد ذلك زنيم (13)

 

وهنا :

 

(عًتًل)

 

[ من الحسي : العتلة  حديدة يحفر بها والهراوة الغليظة من الخشب و جمعها عَتل والعتَل : الأخذ بقوة وشدة وجفاء وعتل كضرب ونصر والعتل : القوي الجافي الغليظ – معجم الفاظ القرآن بالب العين فصل التاء واللام ] قال تعالى هنا { عتل بعد ذلك زنيم } وورد هذا اللفظ من العتل والصفة غير الحسنة في قوله تعالى { خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم – الدخان 47} واعتلوه كأنه سيعتل بالعتل حتى يرفع ثم يلقى في الهاوية باسفل سافلين وذلك لأنه كان  في الدنيا عتل زنيم كما في الآية الكريمة  .

 

وأما :

 

(بعد ذلك)

 

وردت هذه الايات في مواضع من كتاب الله تعالى تبين أن هؤلااء هم الكافرون الذين فسقوا عن أمر ربهم قال تعالى {  وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ – المائدة 55 } .

ومن هؤلاء المجرمين هنا الذين كفروا بالله تعالى ورسوله  العتل الزنيم كما في قوله تعالى { عتل بعد ذلك زنيم } .

 

وأما :

 

(زنيم)

[ الزنيم : الدعي اللصيق والدعي الذي ينسب إلى غير أبيه ويلتصق به  ] والزنيم : الدعي الملصق بقوم ليس منهم مأخوذ من زنمى وهما اللهاتان المعلقتان في حلقها – معجم ألفاظ القرآن باب الزاي فصل النون والميم ] قال تعالى { عتل بعد ذلك زنيم – القلم } وهذا من الألفاظ المنفردة في القرآن الكريم .

وعلى ذلك المحارب للنبي وأهل بيته عليهم السلام حتى الآن لا يمكن إلاأن يكون ابن زنا أو دعي :

 

قال صلى الله عليه وآله  ” لا يبغضنا أهل البيت إلا ولد الزنا ” وهذا الحديث لم ينفرد الشيعة الامامية فقط  بل ان هنالك العديد من الروايات في كتب مذهب اهل السنة والجماعة ما يؤكد ذلك :

[  قال ابن الجزري الشافعي (833 هـ) : ( أخبرنا الإمام العلامة شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن الحسن الحنبلي القاضي في جماعة من آخرين مشافهة عن الإمام القاضي سليمان بن حمزة الدمشقي أن محمد بن فتيان البغدادي في كتابه أنا الإمام أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ أنا أبو سعد محمد بن الهيثم أنا أبو علي الطهراني ثنا أحمد بن موسى ثنا علي بن الحسين بن محمد الكاتب ثنا أحمد بن الحسن الخزاز ثنا أبي ثنا حصين بن مخارق عن زيد بن عطاء بن السائب عن أبيه عن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : ( كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب فإذا رأينا أحدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منّا وأنه لغير رشده ) .

قوله لِغَيْرِ رِشْدِهِ هو بكسر الراء وإسكان الشين المعجمة أي ولد زنا وهذا مشهور من قبل وإلى اليوم معروف أنه ما يبغض عليا رضي الله عنه إلا ولد زنا ، و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ولفظه : ( كنا معشر الأنصار نبور أولادنا بحبهم عليا رضي الله عنه فإذا ولد فينا مولود فلم يحبه عرفنا أنه ليس منا . قوله : نبور بالنون والباء الموحدة وبالراء أي نختبر ونمتحن ) .

– 1 – [  أبي بكر بن مردويه الأصفهاني (410 هـ) ، روى بسنده : عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أحمد ، قال : سمعت الشافعي يقول : سمعت مالك بن أنس يقول : قال أنس بن مالك : ( ما كنّا نعرف الرجل لغير أبيه إلّا ببغض علي بن أبي طالب ) – ابن الجزري الشافعي شمس الدين محمد بن محمد ، مناقب الأسد الغالب مُمزّق الكتائب ومُظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب ، تحقيق طارق الطنطاوي ، القاهرة ، مكتبة القرآن ، ص 8 ، حديث رقم  11.]

– 2 [  وروى ابن مردويه أيضا : عن أنس – في حديث- قال : ( كان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ، ثمّ يقف علي طريق علي عليه السلام فإذا نظر إليه أومأ بإصبعه : يا بنيّ ، تحب ذلك الرجل ؟ فإن قال : نعم ، قبله . وإن قال : لا ، طرق به الأرض ، وقال له : الحق بأمّك ) . – أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني ، مناقب علي بن أبي طالب وما نزل من القرآن في علي ، تحقيق عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين ، الطبعة الثانية ، إيران ، دار الحديث ، سنة الطبع 1424هـ ، ص76 ، رواية رقم 56   .

3 –  قال ابن حجر الهيتمي المكّي (974هـ) : ( أخرج أبو الشيخ والديلمي : قال النبي (ص) : ( من لم يعرف حق عترتي والأنصار والعرب – ص77 ، رواية رقم 58) ]  .

4 – [ فهو لإحدى ثلاث : إمّا منـافق ، وإمّا ولد زانية ، وإمّا امرؤ حملت به أمّه في غير طُهْر ) – أحمد بن حجر الهيتمي المكّي ، الصواعق المحرقة في الرّد على أهل البدع والزندقة ، تركيا ، مطبعة الحقيقة ، سنة الطبع 1424 هـ / 2003 م ، ص 242 ] .

بنو أمية قتلة محاربي النبي وقتلة أهل بيته عليهم السلام إلا ما رحم الله  ليسوا من قريش :

[  كان اميه عبدا لعبد شمس تبناه وجعل له ما لابنائه واليك بعضا من الادله التي تثبت ان اميه ليس من صلب عبد شمس .

 الدليل الاول
يقول ابو القاسم الكوفي في كتابه الاستغاثه ج1ص 76
كان عبد شمس بن عبد مناف أخا هاشم بن عبد مناف قد تبنى عبدا له روميا يقال له أمية فنسبه عبد شمس إلى نفسه
فنسب أمية بن عبد شمس فدرج نسبه كذلك إلى هذه الغاية. فأصل بني أمية من الروم ونسبهم في قريش
  الدليل الثاني
يصرح ابو طالب بان بنو عبد شمس ليسوا من قريش
قال أبو طالب حین تظاھر علیه وعلى رسول االله صلى االله علیه وآله بنو عبد شمس ونوفل
توالى علینا مولیانا كلاھما
إذا سئلا قالا إلى غیرنا الأمر
بلى لھما أمر ولكن تراجماً
كما ارتجمت من رأس ذي القلع الصخر
أخص خصوصاً عبد شمس ونوفلاً
ھما نبذانا مثل ما نبذ الخمر
قدیماً أبوھم كان عبداً لجدنا
بني أمیة شھلاء جاش بھا البحر

فھنا صرّح أبو طالب بان أمیة عبد وامه جاريه قذف بهما البحر إلى الحجاز بواسطة التجارة أو غیرھا ضمن تجارة الرقیق والإماء
وكلمة شھلاء تخص الروم فالشھل زرقة یشاب بھا سواد العین، وھي صفة عرفت بھا العین الرومیة ويقول المقريزي في كتابه النزاع والتخاصم ان اميه ابن جاريه روميه وصلت الى الحجازمع ركب سفينه جنحت الى الشاطئ وقد تبناه عبد شمس

 الدليل الثالث

الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يعط بني عبد شمس وبني نوفل من الخمس لانهم ليسوا من ذوي القربى قال الله تعالى  (وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ) سوره الانفال ايه41
حرم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بني عبد شمس وبني نوفل من الخمس لانهم ليسوا من ابناء بني عبد شمس بل من ادعيائهم الذين تبنوهم وتسموا باسماءهم
وفي فتح الباري شرح صحيح البخاري( حديث رقم 2971 ) يقول
(حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال :

مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد قال الليث حدثني يونس وزاد قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل) علما بان ابناء عبد مناف اربعه هم عبد شمس والمطلب وهاشم ونوفل
وحاشا رسول الله ان يخالف امر الله ويفرق بين الاخوه من ابناء عبد مناف فيعطي اثنين ويحرم اثنين من دون سبب شرعي
ودخل بنو هاشم وبنو المطلب شعب ابي طالب مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين حاصرتهم قريش، مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن دينا والكافر حمية،
من هذا يتبين ان من دخل مع بني هاشم في الشعب هم من تربطهم صله دم كبني المطلب لا من تربطهم صله تبني واستلحاق

 الدليل الرابع

يعلن علي بن ابي طالب (ع) صراحه بانهم ليسوا من بني عبد مناف
لم یكن عثمان ومعاویة ویزید ومروان وعبد الملك بن مروان أبناء عمومة النبي صلى االله علیه وآله واثناء خلاف معاويه مع علي (ع) قال معاويه لعلي في احد كتبه
(انا ابناء عبد مناف واحد)وكان جواب علي (ع) لمعاويه
وَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ فَكَذَلِكَ نَحْنُ وَ لَكِنْ لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمٍ وَ لاَ حَرْبٌ كَعَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ وَ لاَ أَبُو سُفْيَانَ كَأَبِي طَالِبٍ وَ لاَ اَلْمُهَاجِرُ كَالطَّلِيقِ وَ لاَ اَلصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ وَ لاَ اَلْمُحِقُّ كَالْمُبْطِلِ وَ لاَ اَلْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِلِ وَ لَبِئْسَ اَلْخَلْفُ خَلْفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً هَوَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَ فِي أَيْدِينَا بَعْدُ فَضْلُ اَلنُّبُوَّةِ اَلَّتِي أَذْلَلْنَا بِهَا اَلْعَزِيزَ وَ نَعَشْنَا بِهَا اَلذَّلِيلَ وَ لَمَّا أَدْخَلَ اَللَّهُ اَلْعَرَبَ فِي دِينِهِ أَفْوَاجاً وَ أَسْلَمَتْ لَهُ هَذِهِ اَلْأُمَّةُ طَوْعاً وَ كَرْهاً كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي اَلدِّينِ إِمَّا رَغْبَةً وَ إِمَّا رَهْبَةً عَلَى حِينَ فَازَ أَهْلُ اَلسَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ وَ ذَهَبَ اَلْمُهَاجِرُونَ اَلْأَوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ فَلاَ تَجْعَلَنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيكَ نَصِيباً وَ لاَ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً وَ اَلسَّلاَمُ ( نھج البلاغة، الرساله رقم 17)

ويقول ابن ابي الحديد في شرح المهاجر والطليق والصريح واللصيق
المهاجر : الذي ترك وطنه و لحق برسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و الطليق : الأسير اذا أطلق سبيله بعد فتح مكه و الإمام عليه السلام يشير الى فتح مكة ، فقد كان المنتظر ان يقتص الرسول صلى اللَّه عليه و آله منهم ، و لكنه عفى عنهم تكرّما ،و قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، و ابو سفيان و معاوية منهم وفي شرح معنى اللصيق والطليق يقول
الصريح.. الصحيح النسب و اللصيق .. الدعي الملصق بغير أبيه ،(كما ورد في كل معاجم اللغه ومنها معجم المعاني الجامع)

ويذهب المقريزي في كتابه النزاع والتخاصم الى نفس هذا المذهب

وفي شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد ج6 ص 146 يقول :

ومن كلام لعلي عليه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة أخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل فاستشفع له الحسن والحسين عليهم السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فكلماه فيه فخلى سبيله، فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين؟

قال عليه السلام :

أولم يبايعني بعد قتل عثمان! لا حاجة لي في بيعته. إنها كف يهودية، لو بايعني بيده لغدر بسبته

 الدليل الخامس

و روى الواقدي أن يزيد بن معاويه فاخر عبد الله بن جعفربن ابي طالب بأبائه بين يدي معاويه بن ابي سفيان

فقال له عبد الله بن جعفربن ابي طالب  :

بأي آبائك تفاخرني أبحرب الذي أجرناه.. أم بأمية الذي ملكناه ..أم بعبد شمس الذي كفلناه
فقال معاوية :

ألحرب بن أمية يقال هذا ! ما كنت أحسب أن أحدا في عصر حرب يزعم أنه أشرف من حرب
فقال عبد الله بن جعفربن ابي طالب بلى أشرف منه من كفأ عليه إناءه و جلله بردائه
وفي شرح تلك الكلمات نقول

(أ بحرب الذي أجرناه) أما معنى قوله

فان قريشا كانت إذا سافرت فصارت على العقبة لم يتجاوزها أحد حتى تجوز
وحدث ان خرج حرب ليلة فلما صار على العقبة لقيه رجل من بني حاجب بن زرارة التميمي فتنحنح حرب بن أمية و قال أنا حرب بن أمية فتنحنح التميمي و قال أنا ابن حاجب بن زرارة ثم جاز العقبة فقال حرب لا والله لا تدخل بعدها مكة و أنا حي
فمكث التميمي حينا لا يدخل و كان متجره بمكة فاستشار بها بمن يستجير من حرب فأشير عليه بعبد المطلب أو بابنه الزبير بن عبد المطلب فركب ناقته و صار إلى مكة ليلا فدخلها و أناخ ناقته بباب الزبير بن عبد المطلب فرغت الناقة فخرج إليه الزبير فقال أمستجير فتجار أم طالب قرى فتقرى فقال:لاقيت حربا بالثنية مقبلا
و الليل أبلج نوره للساري

فعلا بصوت و اكتنى ليروعني
و دعا بدعوة معلن و شعار
فتركته خلفي و جزت أمامه
و كذاك كنت أكون في الأسفار
فمضى يهددني و يمنع مكة
فقال الزبير اذهب إلى المنزل فقد أجرتك فلما أصبح نادى الزبير أخاه الغيداق فخرجا متقلدين سيفيهما و خرج التميمي معهما فقالا له إنا إذا أجرنا رجلا لم نمش أمامه فامش أمامنا ترمقك أبصارنا كي لا تختلس من خلفنا فجعل التميمي يشق مكة حتى دخل المسجد
فلما بصر به حرب قال و إنك لهاهنا و سبق إليه فلطمه و صاح الزبير ثكلتك أمك أتلطمه و قد أجرته فثنى عليه حرب فلطمه ثانية فانتضى الزبير سيفه فحمل على حرب و سعى الزبير خلفه فلم يرجع عنه حتى دخل حرب دار عبد المطلب
فقال له عبد المطلب:ماشأنك ؟
قال : الزبير
قال عبد المطلب : اجلس و كفأ عليه إناء كبير كان هاشم يهشم فيه الثريد و اجتمع الناس و انضم بنو عبد المطلب إلى الزبير و وقفوا على باب أبيهم وسيوفهم بأيديهم فأزر عبد المطلب حربا بإزار كان له و رداه برداء له طرفان و أخرجه إليهم فعلموا أن أباهم قد أجاره فتركوه  ( أم بأمية الذي ملكناه) – والنسائي –  النزاع والتخاصم للمقريزي و شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد 15/234]

و أما معنى قوله كانت لاميه فرسا سريعه لا يلحق بها احد فاراد ان ينتقم من عبد المطلب فالح عليه في السباق وجعل الرهن لمن سبقت فرسه مائة من الإبل و عشرة أعبد و عشر إماء و استعباد سنة و جز الناصية
فسبق فرس عبد المطلب فأخذ الرهان وقسمه في قريش و أراد جز ناصيته فقال أو أفتدي منك باستعباد عشر سنين ففعل فكان أمية في حشم عبد المطلب و عضاريطه عشر سنين
وعليه فان اميه عبدا في اصله واستعبد ثانيه لعبد المطلب عندما خسر الرهان   ( أم بعبد شمس الذي كفلناه ) و أما قوله فإن عبد شمس كان مملقا لا مال له فكان أخوه هاشم يكفله و يمونه إلى أن مات هاشم – شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد ج15, المحسن السبط ص 62 للسيد محمد مهدي الخرسان ]

  الدليل السادس

[ وروى ابن أبي الحدید في شرح النھج ٣/٤٦٦
أن معاویة قال لدغفل النسابة: أرأیت عبد المطلب؟ قال: نعم، قال: كیف رأیته ؟قال: رأیته رجلاً نبیلاً وضیئ كأن على وجهه نور النبوه
قال معاویة: أفرأیت أمیة ؟

قال: نعم،
قال: كیف رأیته؟
قال: رأیته رجلاً ضئیلاً منحنیاً أعمى یقوده عبده ذكوان
فقال معاویة: ذلك ابنه أبو عمرو(ذكوان)
قال دغفل: أنتم تقولون ذلك أما قریش فلم تكن تعرف إلا أنه عبده وأن أمية كان عقيماً وان اولاده من عبده الرومي ذكوان-  جواهر التاريخ ج2 ص82]

وهذا دليل اضافي على ان ذكوان عبد اميه ايضا فاميه عبد وذكوان عبد

الدليل السابع

[ الرسول (ص) يصرح بان ذكوان يهودي من اهل صفوريه
ولما كان أبو عمرو ( ذكوان ) لیس بابن اميه فقد تنازل أمیة عن زوجته له وزوّجه إیاھا في حیاته – النزاع والتخاصم ٢٢ ،شرح النھج ٣ / ٤٥٦ ] .

وقال النبي صلى االله علیه وآله لعقبة بن أبي معیط ( إنما أنت یھودي من أھل صفوریة)  – السیرة الحلبیة ، الحلبيه الشافعي ٢ /١٨٦ ،وكان ذكوان ( أبو عمرو) یھودیاً من الشام. إذ قال عقیل بن أبي طالب للولید بن عقبة بن أبي معیط بن ذكوان : كأنك لا تدري من أنت، وأنت علج من أھل صفوریة – وھي قریة من أعمال الأردن من بلاد طبریة، كان أبوه ذكوان یھودیاً منھا  –    مروج الذھب، المسعودي 1/ 336
وقال النبي صلى االله علیه وآله لعقبة بن أبي معیط : إنما أنت یھودي من أھل صفوریة
– السیرة الحلبیة ، الحلبي الشافعي ٢ /١٨٦ ]

 الدليل الثامن

[ إن أشرف خصال قريش في الجاهلية اللواء و الندوة و السقاية و الرفادة و زمزم و الحجابة و هذه الخصال مقسومة في الجاهلية لبني هاشم و عبد الدار و عبد العزى من دون بني عبد شمس اما في الإسلام فصارت إلى بني هاشم لأن النبي ( ص ) لما ملك مكة صار مفتاح الكعبة بيده فدفعه إلى عثمان بن طلحة فالشرف راجع إلى من ملك المفتاح لا إلى من دفع إليه و كذلك اللواء ولم يكن لبني عبد شمس شرف لا في الجاهليه ولا في الاسلام لان بني اميه من سلاله عبد وليسوا من قريش فقد حجب عنهم بنو هاشم شرف الاشتراك باداره الكعبه وشؤون مكه

الدليل التاسع

حين نزلت الايه الكريمه (وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ) لم يدع النبي( ص) أحدا من بني عبد شمس وبني اميه و كانت عشيرته الأقربون بني هاشم و بني المطلب
وورد في تفسير الجلالين للايه الكريمه { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } هم بنو هاشم وبنو المطلب (وقد أنذرهم جهاراً) رواه البخاري ومسلم .

وكما مر بنا فان ابناء عبد مناف اربعه هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس ولما حوصر الرسول (ص) في شعب ابي طالب لم يدخل معه الا بنو هاشم وبنو المطلب اما بنو عبد شمس وبنو نوفل فكانوا من جمله من حاصر محمد (ص) في الشعب
وهذا دليل اخر على ان بنو عبد شمس ( بنو اميه) لم يشعروا بقربهم من محمد (ص) لعدم وجود رابطه دم بينهم وان جدهم اميه كان عبدا لعبد شمس تبناه والحقه به  – شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد المعتزلي ج15] .

جذور بغض آل أمية لأهل بيت النبي عليهم السلام : [ وصنع أمية في الجاهلية شيئاً لم يصنعه أحد من العرب ، زوج ابنه أبا عمرو امرأته في حياته منه ، فأولدها أبا معيط بن أبي عمرو بن أمية. والمقيتون في الاسلام هم الّذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم ، فأمّا أن يتزوجها في حياة الابّ ويبني عليها وهو يراه ، فإنّه شي‌ء لم يكن قط  – شرح نهج البلاغة تحقيق محمد أبو الفضل ط. مصر 15 /  207  ] .

ولذلك رفض الإمام الحسين بيعة يزيد حينما قال عليه السلام : ” لا يحكم فينا الدعي ابن الدعي”

[روي أنّه لم يبقَ مع الإمام الحسين (عليه السلام)  يوم عاشوراء إلاَّ أهل بيته وخاصَّته.
فتقدّم علي الأكبر (عليه السلام)، وكان على فرس له يدعى الجناح، فاستأذن أبَاه (عليه السلام) في القتال فأذن له، ثُمَّ نظر إليه نظرة آيِسٍ مِنه، وأرخَى عينيه، فَبَكى ثمّ قال: (اللَّهُمَّ كُنْ أنتَ الشهيد عَليهم، فَقد بَرَز إليهم غُلامٌ أشبهُ النَّاس خَلقاً وخُلقاً ومَنطِقاً برسولك).

فشَدَّ علي الأكبر (عليه السلام) عليهم وهو يقول :

أنَا عَليّ بن الحسين بن علي* نحن وبيت الله أولَى بِالنَّبي

تالله لا يَحكُمُ فينا ابنُ الدَّعي* أضرِبُ بالسَّيفِ أحامِي عَن أبي

*ضَربَ غُلام هَاشِميٍّ عَلوي  ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول: (يا أباه العطش)!!. … – مقاتل الطالبيين ص 76 ] .

[ حضر أبو مريم السلولي فقال له معاوية: بم تشهد يا أبا مريم؟ فقال: أنا أشهد أن أبا سفيان حضر عندي وطلب مني بغيا فقلت له: ليس عندي إلا سمية. فقال: ائتني بها على قذرها ووضرها. فأتيته بها فخلا معها ثم خرجت من عنده وإن اسكتيها ليقطران منيا. فقال له زياد: مهلا أبا مريم إنما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما. فاستلحقه معاوية  – تاريخ اليعقوبي ٢: ١٩٤، مروج الذهب 2: 56، تاريخ ابن عساكر 5: 409، كامل ابن الأثير 3: 192، شرح ابن أبي الحديد 4: 70، الإتحاف للشبراوي ص 22 ] .

وفي العقد الفريد 3: 3: [  يقال : إن أبا سفيان خرج يوما وهو ثمل إلى تلك الرايات فقال لصاحبة الراية : هل عندك من بغي؟ فقالت ما عندي إلا سمية قال: هاتها على نتن إبطيها. فوقع بها فولدت له زيادا على فراش عبيد.

فوجد زياد نفسه بعد حسبه الواطئ ونسبه الوضيع ، بعد أن كان لا يعزى إلى أب معلوم عمرا طويلا يقرب من خمسين عاما فيقال له: زياد بن أبيه. أخا ملك الوقت وابن من يزعم أنه من شرفاء بيئته، وقد تسنى له الحصول على مكانة رابية فأعرق نزعا في جلب مرضاة معاوية المحابي له بتلك المرتبة التي بمثلها حابت هند ابنها المردد بين خمسة رجال أو ستة من بغايا الجاهلية، لكن آكلة الأكباد ألحقت معاوية بأبي سفيان لدلالة السحنة والشبه، فطفق زياد يلغ في دماء الشيعة ولمعاوية من ورائه تصدية ومكاء، وإن غلواء الرجل المحابي أعمته عن استقباح نسبة الزنا لأبيه يوم استحسن أن يكون له أخ مثل زياد شديد في بأسه، يأتمر أوامره، وينتهي إلى ما يوده من بوائق وموبقات، و لم يكترث لحكم الشريعة بحرمة مثل ذلك الالحاق واستعظامها إياه، ولا يصيخ إلى قول النبي الصادق صلى الله عليه وآله، ] [قال يونس بن أبي عبيد الثقفي لمعاوية: يا معاوية! قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الولد للفراش وللعاهر الحجر. فعكست ذلك وخالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعد. فأعاد يونس مقاله هذا، فقال معاوية: يا يونس! والله لتنتهين أو لأطيرن بك طيرا بطيأ وقوعها –  الإتحاف للشبراوي ص ٢٢. ]

أنظر إلى إيمان الرجل بنبيه صلى الله عليه وآله، وإخباته إلى حديثه بعد استعادته، وعنايته بقبوله ورعايته حرمته، والحكم في هذه الشنيعة كل ذي مسكة من علماء الأمة وذوي حنكتها ومؤلفيها وكتابها.
قال سعيد بن المسيب: أول  قضية ردت من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية قضاء فلان، يعني: معاوية في زياد.
وقال ابن يحيي: أول حكم رد من أحكام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحكم في زياد.
وقال ابن بعجة: أول داء دخل على العرب قتل الحسن ” سبط النبي صلى الله وعليه وآله وسلم ” و ادعاء زياد. – (٣) تاريخ ابن عساكر ٥: ٤١٢، تاريخ الخلفاء، للسيوطي ص ١٣١، أوائل السيوطي ص ٥١ ]   وقال الحسن: أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة. واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير. وادعائه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر. – الغدير – الشيخ الأميني – ج ١٠ – الصفحة 224- ٢٢٥ ] .

أنواع نكاح الجاهلية وأثره العداوة للنبي ثم أهل بيته عليهم السلام من بعده :

 

كان في الجاهلية سبعة أنواع من النكاح متعارف فقد روى البخاري أربعة منها عن عائشة أنّها قالت : انّ النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء فنكاح منها :

 

1 ـ نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها.

 

2 ـ ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته ، اذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان ، فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً ، حتى يتبيّن حملها من ذلك الرجل الّذي تستبضع منه ، فاذا تبيّن حملها ، أصابها زوجها إذا أحب.

 

وانّما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد. فكان هذا النكاح : نكاح الاستبضاع .

3 ـ ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة ، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها ، فاذا حملت ووضعت ومر عليها ليالي بعد أن تضع حملها ارسلت اليهم ، فلم يستطع رجل منهم ان يمتنع ، حتى يجتمعوا عندها تقول لهم : قد عرفتم الّذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان! تسمي من أحبت باسمه ، فيلحق به ولدها لا يستطيع ان يمتنع منه الرجل.

4 ـ والنكاح الرابع يجتمع الناس الكثير ، فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهنّ البغايا كنّ ينصبن على أبوابهنّ رايات تكون علماً فمن أرادهن دخل عليهن ، فاذا حملت احداهن ووضعت جمعوا لها ودعوا لهم القافة ، ثم الحقوا ولدها بالذي يرون ، فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلاّ نكاح الناس اليوم  – البخاري 3 / 165 كتاب النكاح باب من قال لا نكاح إلاّ بوليّ ] .

ومن أمثلة النكاح الثالث :

[ نكاح النابغة أم عمرو بن العاص كما رواه الزمخشري وغيره واللفظ للزمخشري في كتاب ((ربيع الابرار)) قال  :كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمَة لرجل من عنزة ، فَسُبيت ، فاشتراها عبد اللّه بن جُدعان التيمي بمكّة ، فكانت بغياً ثم اعتقها فوقع عليها أبو لهب بن عبد المطلب وأمية بن خلف الجمحي ، وهشام بن المغيرة المخزومي وأبو سفيان ابن حرب ، والعاص بن وائل السهمي ، في طهر واحد ، فولدت عمراً ، فادعاه كلهم ، فحكمت امّه فيه ، فقالت : هو من العاص بن وائل ، وذاك لانّ العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيراً.

قالوا : وكان أشبه بأبي سفيان وفي ذلك يقول : أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب في عمرو بن العاص.

أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت                      لنا فيك منه بينات الشمائل  – ابن أبي الحديد 6 / 283 ، 291 وراجع ج 2 / 125 منه وأوردها الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات كما روى عنه ابن أبي الحديد في شرح الخطبة 82 ومن كلام له في ذكر عمرو ابن العاص ط. مصر الاولى 1 / 99]  .

ومن امثلة النكاح الرابع ما رواه ابن حجر في فتح الباري وقال : (هنّ بغايا كنّ في الجاهلية معلومات لهنّ رايات يعرفن بها(

وقال :

وقد ساق ابن الكلبي في كتاب المثالب اسامي صواحب الرايات في الجاهلية فسمّى منهن أكثر من عشر نسوة مشهورات تركت ذكرهن اختياراً.

وذكر قبله اسم واحدة منهنّ  – فتح الباري 11 / 90 في باب لا نكاح إلا بولي من كتاب النكاح ] .

وفي العقد الفريد ما موجزه.

[ كانت سمية أمّ زياد أمة للحارث بن كلدة وزوجها عبيداً عبداً لابنته ، فولدت على فراشه زياداً. وكانت البغايا في الجاهلية لهن رايات يعرفن بها ، وينتحيها الفتيان وكان أكثر الناس ، يُكرِهون اماءهم على البغاء والخروج إلى تلك الرايات يبتغون عرض الحياة الدنيا وان أبا سفيان خرج يوما وهو ثمل إلى تلك الرايات ، فوقع بسمية فولدت له زياداً على فراش عبيد  – العقد الفريد 5 / 4 ـ 5 في ذكر أخبار زياد ] .

5 ـ نكاح الشغار :

من انكحتهم نكاح الشغار : قال ابن الاثير في نهاية اللغة :

[ وهو نكاح معروف في الجاهلية كان يقول الرجل للرجل شاغرني أي زوجني أختك أو ابنتك أو من تلي أمرها ، حتى أُزوجك اختي أو بنتي أو من إليَّ أمرها ولا يكون بينهما مهر ، ويكون بضع كل واحدة منهما في مقابلة بضع الاخرى وقيل له شغار لارتفاع المهر بينهما من شغر الكلب إذا رفع احدى رجليه ليبول  – مادة (شغر) من نهاية اللغة لابن الاثير 2 / 226 وقد لخص ما اورده هنا من الروايات في باب الشغار من كتاب النكاح في صحيح البخاري (3 / 163) وصحيح مسلم ص 1034 ـ 1035 الاحاديث 57 ـ 62 وسنن ابي داود (2 / 227) الحديث 2074 و 2075 وسنن ابن ماجة 1 / 606 الحديث (1883 ـ 1885) وسنن النسائي 6 / 110 ـ 112 وسنن الدارمي 2 / 136 ومسند أحمد (2 / 7 ، 19 ، 25 ، 62 ، 91 ، 215 ، 216 ، 286 ، 439 ، 496) ، (3 / 321 ، 339 ، 4 / 429 ، 439 ، 441 ، 443) ، ومن مادة شغر في معاجم اللغة ] .

6 ـ نكاح المقت :

نكاح المقت قال ابن الاثير في مادة (مقت) من نهاية اللغة والمقت ان يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا طلقها أو مات عنها ، وكان يفعل ذلك في الجاهلية وحرّمه الاسلام ، ومثاله ما رواه ابن اسحاق في سيرته وقال :

[ وكان عمرو بن نفيل قد خلف على أم الخطاب بعد ـ أبيه ـ فولدت له زيد ابن عمرو وكان الخطاب عمّه وأخاه لامّه)  – سيرة ابن اسحاق ط. المغرب ص 97 سنة 1396 هـ ]

ومثال آخر منه ما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج وقال :[  وصنع أمية في الجاهلية شيئاً لم يصنعه أحد من العرب ، زوج ابنه أبا عمرو امرأته في حياته منه ، فأولدها أبا معيط بن أبي عمرو بن أمية. والمقيتون في الاسلام هم الّذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم ، فأمّا أن يتزوجها في حياة الابّ ويبني عليها وهو يراه ، فإنّه شي‌ء لم يكن قط)  – شرح نهج البلاغة تحقيق محمد أبو الفضل ط. مصر 15 / 207 [ .

ولم يقتصر النكاح بالإرث على نكاح الولد زوجة أبيه بعد موته بل يعمّ وارثي المتوفي كما رواه الطبري وغيره في تفسير قوله تعالى {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ} [النساء : 19] وقالوا :

كان الرجل في الجاهلية يموت أبوه أو أخوه أو ابنه ، فاذا مات وترك امرأته ألقى الرجل عليها ثوبه ، فورث نكاحها ، وكان أحقّ بها ، وكان ذلك عندهم نكاحاً فان شاء أمسكها ، حتى تفتدي منه.

وقال : كان إذا توفى الرجل كان ابنه الاكبر هو أحقّ بامرأته ينكحها إذا شاء إذا لم يكن ابنها أو ينكحها من شاء أخاه أو ابن أخيه.

وقال : وإن كان صغيراً حُبِسَت عليه حتى يكبر فان شاء أصابها ، وإن شاء فارقها.

وقال : كان الرجل إذا مات أبوه أو حميمه ، فهو أحقّ بامرأته إن شاء أمسكها أو يجلسها ، حتى تفتدي منه بصداقها أو تموت فيذهب بمالها    – تفسير الطبري 4 / 208 ـ 209].

 

7 ـ نكاح البدل :

[ وهو أن يقول الرجل للرجل : إنزل عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي ، وكان من هذا القبيل خبر عيينة بن حصن شيخ قبيلة بني فزارة عندما دخل على رسول اللّه (صلى الله عليه واله و سلم) بغير إذن ، فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) وأين الاذن.

فقال ما استأذنت على أحد من مضر وكانت عنده عائشة(رض) قبل ان ينزل الحجاب فقال : من هذه؟

قال : هذه عائشة.

قال : أفلا انزل لك عن أم البنين ـ زوجة عيينة ـ فتنكحها.

فغضبت عائشة وقالت : من هذا؟

ففال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) : هذا أحمق مطاع يعني في قومه – راجع عمدة القارئ 20 / 122 كتاب النكاح الحديث (60) وترجمة عيينة في الاستيعاب واسد الغابة والاصابة ] .

 ومن هؤلاء هنا من قال تعالى فيهم { عتل بعد ذلك زنيم }

 

ثم يقول تعالى في صفة أخرى لهم تبين كثرتهم :

(14) أن كان ذا مال وبنين (14)

وهنا :

(أن )

وهنا ورد لفظ أن في قوله تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت – النحل 36 } وفي قوله تعالى { إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه – يوسف 12 } وهنا كفرهؤلاء بهذا الدين استهزاءاً برسول الله كما في قوله تعالى {  وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جائهم الهدى إلا أن قالوا  أبعث الله بشراً رسولا – الإسراء 94} ولذلك قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله هنا لا تطع هؤلاء الذين قالوا أساطير الأولين قال تعالى :  { فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ – القلم 8- 15 } .

 وأما :

( أن كان) :

أي أنه يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله لا تطع هؤلاء لأنهم كانوا يكفرون بآيات الله في قوله تعالى { ذلك بأنهم  كانوا يكفرون بآيات الله – آل عمران 112 } .

والآية هنا تبين صفة لهم وهى كثرة المال والأولاد وهذا جعلهم مسرورين في الدنيا مغترين بها لورود هذا اللفظ في قوله تعالى {إنه كان في أهله مسرورا– الإنشقاق 13} .

والمال والبنون نعمتان جعلتهم مسرورين وفي نفس الوقت ورثت فيهم الشح والبخل فلا ينفقونها إلا على شهواتهم وفيما يغضب الله تعالى لقوله تعالى { مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين – القلم 12 -14 } . وأما :

(ذا)

وهذا اللفظ يبين الله تعالى من خلاله أن من ينفق في سبيل الله ويخرج حق الله تعالى في المال لأصحاب النصاب لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا – الاسراء 26} وهذا الإنفاق من الأعمال الصالحة التي اعتبرها الله تبارك وتعالى  كأنها قرضاً  سيضاعفه الله تعالى لفاعله أضعافاً كثيرة كما في قوله تعالى : { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – البقرة245} ولكن هنا يبين تعالى حال الكافرين بكتابه الكريم أنهم سيمنعون هذا الخير لعموم المسلمين والناس كما في قوله تعالى { مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين – القلم 12 -14 } .

ولذلك قال تعالى لرسوله بأن يصبر على أفعال هؤلاء المجرمين المكذبين بآيات الله تعالى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا – المزمل 10-13 } . وذلك لأنهم أصحاب مال وبنين ولكنهم يمنعون الماعون عن الفقراء كفراً بآيات الله تعالى .

وأما  :

(مال وبنين)

وهنا يبين تعالى أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا قال تعالى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا – الكهف 46} . وهؤلاء لما تولوا أمور المسلمين وقتلوا أهل بيت النبي عليهم السلام بعدما قال تعالى {  وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ- آل عمران 144 } .

هنا استضعفوا أهل بيت النبي بكثرتهم وأموالهم حتى قال قائل منهم دعوا محمدا فهو أبتر لا عقب له فأنزل الله تبارك وتعالى { إنا أعطيناك الكوثر فصلي لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر – الكوثر } وبالفعل محى الله ذكرهم وقلل من نسلهم وذريتهم وأصبحت ذرية السيدة فاطمة الزهراء والإمام على عليهما السلام  تملئ الآفاق بحول الله وقوته ووعده ووعيده الذي توعد به هؤلاء المجرمين : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ – المؤمنون 55-56 } .

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء المجرمين من ذرية سلفهم الذين أسلفناهم في بيان قوله تعالى { عتل بعد ذلك زنيم} وأنهم من ذرية أصحاب الأنكحة الجاهلية الفاسدة قال تعالى لذلك هنا في آبائهم { عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين – القلم } .

ثم يقول تعالى :

(15) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين (15)

وهنا :

(إذا تتلى عليه آياتنا قال)

وهنا يبين الله تبارك وتعالى أنواع الكفار وحججهم التي قالوها رداً على رسول الله صلى الله عليه وآله فمنهم من قال هنا

أولاً :

(أساطير الأولين )

ثانياً : 

ومنهم من قال أنه سحر يريد به رسول الله صلى الله عيه وآله أن يصدهم عن تقليد آبائهم في قوله تعالى { وإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى ۚ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ – سبأ 43 } .

ثالثاً :

منهم من طلب إحياء ىبائهم ليكي يؤمنوا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله كما في قوله عز وجل { وإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ – الجاثية 25 } .

رابعاً :

منهم من قال ائت بقرىن غير هذا أو بدله { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ – يونس 15 } .

خامساً :

كل هؤلاء المجرمين من كفار ومنافقين يسمع آيات الله وكأنه لم يسمعها فلا يعير لها بالاً قال تعالى : { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ۖ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  – الجاثية 7-10} . وهؤلاء سيدخلون جهنم لاعتقادهم بأنه أساطير الأولين ويلحق بهم من سمع آيات الله تعالى فلم يؤمن ويعمل بها  كما أخبرنا الله تعالى الويل لهم .

وأما :

( أساطير الأولين )

[ وأساطير باب سطر والأساطير : جمع إسطار وإسطارة وإسطير وأسطورة وهى الأحاديث التي لا نظام لها أو الأباطيل أو هى جمع أسطر فهى جمع الجمع وهى ماسطرة الأولون ] لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة واصيلا – الفرقان 5 } والأساطير قد تكون خرافات وكذب وأباطيل لذلك قالوا : { لَقَدْ وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُالأولين  – النمل 68 } .

ثم يقول تعالى :

(16) سنسمه على الخرطوم (16)

وهنا :

(سنسمه)

و [ سنسمه : وسمه يسمه وسماً وسمة جعل له علامة يعرف بها وكان العرب يسمون مواشيهم بالكي أو قطع جزء من الجسم – معجم الفاظ القرآن باب الواو فصل السين والميم ]  قال تعالى { سنسمه على الخرطوم – القلم 16 } . وعن هذه الوسمة أو السمة [  قيل قد أصاب الوليد ابن المغيرة جراحة يوم بدر في أنفه فبقى أثرها –  أنوار التنزيل للبيضاوي ج2 ص 495 وكنز الدقائق للقمي المشهدي ج 13 ص 384 ] .

و [ توسمه توسما : تعرفه وتوسمه : تعرفه وتفرس فيه وتطلب سمته وعلامته والمتوسمين في الدين : المتعرفون حقائقة المتبصرون الذين يتثبتون في نظرهم حتى يصلوا إلى الحق – معجم الفاظ القرآن باب الواو فصل السين والميم ] . قال تعالى { إن في ذلك لآيات للمتوسمين – الحجر 75 } .

وفي الآخرة يعرف المجرمون بسماتهم كما في قوله تعالى { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام  –  } [ وسوم الشيئ تسويماً جعل عليه علامة والسيمي : العلامة يعرف بها حال الإنسان في الخير والشرصلها السومي و قلبت الواو ياء – معجم الفاط القرآن باب السين فصل الواو والميم ]  قال تعالى { تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا- البقرة 273} .

وبالتالي هذا المجرم في الدنيا سيكون له علامة في انفه أوخرطومه أو وجهه يعرف بها في الدنيا كما في الآية هنا { سنسمه على الخرطوم } .

وهكذا كل من كفر بالله سيعرف بسمته في الدنيا والآخرة كما أن المتقين لهم علامات يعرفون بها في الدنيا والآخرة .

 وأما :

(على)

ورد لفظ على في قوله تعالى

{إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – الحاقة:33-34}

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ على طَعَامِ الْمِسْكِينِ –    وقوله تعالى   {وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – الفجر 18}   أي أن هذا الذي سيسمه الله تعالى على خرطومه من المكذبين بالدين الذين لايؤمنون بالله العظيم قال تعالى هنا { سنسمه على الخرطوم }  .

وأما :

(الخرطوم) 

وهذا اللفظ مما لم يأت له مرادف يبينه في كتاب الله تعالى و[ الخرطوم : الأنف – أي سنجعل له علامة على أنفه الذي هو أظهر مافي وجهه وذلك كناية عنعاريلزمه – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الراء والطاء والميم ] قال تعالى هنا { سنسمه على الخرطوم }

ثم يقول تعالى :

(17) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)

وهنا :

(إنا بلوناهم كما بلونا)

[ وبلوت فلاناً وأبليته وابتليته : امتحنته واختبرته  – معجم الفاظ القرآن باب الباء فصل اللام والواو] قال تعالى { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ – الأعراف 168} والإبتلاء كإمتحان واضح معناه في قوله تعالى { ابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا – النساء 6 } وابتلاء هؤلاء هنا كان بازدهار زراعاتهم وازدياد نتاج جنتهم فأهلكها الله تعالى لما منعوا حق الله في هذه الزراعات قال تعالى { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ  فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ  قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ – القلم 17-31 }. وهنا يبين تعالى أن هلاك مزروعاتهم كان بمنع حق الله تعالى فيها .

وأما :

(كما)

{وحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ  – سبأ 54 }

أي كما فعل الله تبارك وتعالى بالأمم الظالمة من قبل سيفعل بهؤلاء وكما نجى الرسل والمؤمنين من قبل سينجي رسوله صلى الله عليه وآله وينصره والمؤمنين على هؤلاء الظالمين وما نزل انتقامه تعالى عليهم إلا بعد ان ابتلاهم  كما قال تعالى في هؤلاء  هنا .{ إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين – القلم } .

وأما :

(أصحاب الجنة)

وهنا أصحاب الجنة ليسوا أصحاب الجنة في الآخرة بل يذكر الله تعالى مثالاً عن أناس يمتلكون حدائق وزراعات منتجة للثماروالفاكهة والمرزوعات يطلق عليها القرآن الكريم جنة  في هذه القصة المذكورة بسورة الكهف قال تعالى :

{ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا  وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا  وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا  وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا  قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا  لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا  وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا  فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا  أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا  – الكهف 32 -43 }

وكما ضرب الله تعالى هؤلاء مثلاً كذلك ابتلى هذا العتل الزنيم بالأموال والأولاد  والجنان قال تعالى { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين القلم 17} .

وأما :

(إذ أقسموا)

واقسم بمعنى حلف – معجم الفاظ القرآن باب القاف فصل السين والميم ] قال تعالى فيما قالوه وأقسم عليه هؤلاء المجرمين { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ – النحل 38 } ومن ذرية هؤلاء من أسلم كرها بعد فتح مكة وقال لهم النبي صلىالله عليه وآله “اذهبوا فأنتم الطلقاء” ومن هؤلاء من كان يلجأ للقسم بأنه مؤمن قال تعالى { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ – المائدة 109}

ولورود لفظ القسم على أول من كفر بالله تعالى وهو إبليس في قوله تعالى { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين – الاعراف 53} تبين أن هذا العتل الزنيم كان قائداً مطاعاً في قومه يأمرهم وينصحهم بما وافق هواه ويقتدون به كمستشاراً أو زعيما وورثه ذرية من الطلقاء كانوا يقدمون الحلف الكاذب للتغطية على كفرهم بالله تعالى وحقدهم على أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ ۖ قُل لَّا تُقْسِمُوا ۖ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ – النور 53 } وأما :

(ليصرمنها)

[ وصرم : جذ أو قطع النخل وغيره – معجم الفاظ القرآن باب الصاد فصل الراء والميم ] .  قال تعالى { أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين – القلم 22} أي أنهم عقدوا العزم وأقسموا على الحصاد والجذ في الصباح لقوله تعالى هنا { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين } .

وأما :

(مصبحين)

أي في بكرة الصباح الباكر قال تعالى { ولقد صبحهم عذاب مستقر – القمر38 } وقال تعالى أيضاً { وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ – الحجر 66 } اي أن المعنى انهم عقدوا العزم على الحصاد في الصباح الباكر قال تعالى هنا { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين – القلم 17 }

ثم يقول تعالى :

(18) ولا يستثنون (18)

وهنا :

(ولا)

ترد اللا النافية في قوله تعالى { كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ  – الفجر 17-18 } أي أن هؤلاء لا يستثنون هؤلاء الفقراء واليتامى والمساكين كما في قوله تعالى هنا { ولا يستثنون – القلم 18}

وأما :

(يستثنون)

[ واسثنيت الشيئ من الشيئ حاشيته كأنك صرفت الكلام عن تناوله ورددته عنه – معجم ألفاظ القرآن باب الثاء فصل النون والياء ] . قال تعالى { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون – القلم } أي لا يستثنون حق المساكين مما اعتزموه من صرمها وقطعها ] وهو حق لله تعالى افترضه عز وجل لأصحاب النصاب لذلك قال تعالى هنا { ولا يستثنون } أي لا يستثنون حق الله في مزروعاتهم وجناتهم للفقراء والمساكين .

ثم يقول تعالى :

(19) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)

وهنا :

 ( فطاف عليها طائف )

[ وطاف حول الشيئ يطوف طوفاً بالسكون وطوفانا بالتحريك كما يقا لطاف بالبيت طوافاً .. وطاف  دار حوله فالثور الذي يدور حوله البقر في الدياسة أي درس الحصيد – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الواو والفاء ] قال تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق – الحج 29 }  أي يدوروا حوله [ والطائف : ما ألم بالإنسان ] قال تعالى { إن الذين آمنوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون – الأعراف 201 } والطوفان كل ما كان كثيراً محيطاً مطيفاً بالجماعة كلها من ماء وغيره كالقتل الذريع والموت الجارف فهو طوفان قال تعالى { فأرسلنا عليهم الطوفان  والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات } والطائفة كأنها تطيف بالواحد فكل جماعة يمكن أن تحف بشيئ فهى طائفة– معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الواو والفاء ] .

وبالتالي طاف بهم طائف نزل بزراعاتهم هلاكاً لعدم إيمانهم بالله تبارك وتعالى وإخراج حقه تعالى في المال والذي حدده لأصحاب النصاب من فقراء ومساكين ويتامى ومعوزين قال تعالى { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم –  القلم 17 } .

ولوجود بلد بالحجاز تحت هذا الإسم وهو “الطائف” قد تكون تسمية مميزة لهم وذلك لضمها جنان ومزارع لمستكبرين قرشيين فيها خاصة بعد ضربهم  لرسول الله صلى الله عليه وآله بالحجارة حتى أدموا قدماه الشريفة في بداية الدعوة المكية .

وأما  :

 

(عليها)  

ورد لفظ عليها في قوله تعالى {  وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ  تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ  أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ  – عبس 40 -42 } وهنا يتبين لنا أن هؤلاء منهم الذين منعوا حق الل تعالى في المال فدمر جنانهم وزراعاتهم كما في الآية هنا { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم –  القلم 17 } .

 

وأما  :

 

(وهم نائمون)

 

وهنا يبين تعالى أن هذا العذاب نزل بهم وهم نائمون لقوله تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ – الروم 23 } وهنا النوم كان ليلاً فإصبحوا ليجدوا جنانهم قد دمرها الله تعالى لهم  وهم نائمون قال تعالى { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم –  القلم 17 } .

ويقول تعالى للظالمين أنهم لو آمنوا بالله تعالى لبارك لهم في معايشهم وممتلكاتهم وذرياتهم وينذرهم في نفس الوقت هل سيأمنون نزول عذابه تعالى  بالليل أوالنار إن كفروا به قال تعالى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ  أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ  أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ – الأعراف 96-98  } .

وأما :

(فأصبحت)

 

ولفظ أصبح ورد في قوله تعالى { فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا   وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا  وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا  – الكهف 40-43  } [ والحسبان جمع حسبانة وهى الصواعق ] وكما حدث هنا مع اصحاب الجنة في سورة الكهف حدث مع الذين منعوا حق الله تعالى في زراعاتهم فطاف عليها طائف بالليل وهم نائمون فدمرها كما في قوله تعالى هنا   { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم –  القلم 17 } .

 

وأما :

(كالصريم )

 

[ والصريم : الصرم : القطع مادياً كجذ  ومن معناه الأرض السوداء لا تنبت شيئاً والصارم العازم على الفعل وبالمعنيين يمكن تفسيرها في استعمال القرآن والصريم فعيل منه بمعنى مصروم ومجذوذ والصريم الليل المسود وبكل هذه المعاني يمكن تفسير الصريم في استعمال القرآن في قوله تعالى { إذ اقسموا ليصرمنها مصبحين – القلمم 17} أي يجذونها  مصبحين وقوله تعالى { إن كنتم صارمين – القلم 22 } اي عازمين

وهنا فأصبحت كالصريم } أي سوداء وكأن المعنى أنهم بمنعهم حق الله في المال قد جعلوا العذاب ينزل عليهم عزماً من الله تعالى وملائكته  . وذلك العوم للتشدد في بيان حق الله تعالى الذي جعله لأصحاب النصاب من فقراء ويتامى و مساكين .. إلخ .

 

ثم يقول تعالى :

 

(21) فتنادوا مصبحين (21)

وهنا :

( فتنادوا)

 

[ ونادى به صاح به وزجره والحيوان حينما يسمع الصوت و لا يفهم معاني القرآن  وناداه وجه إليه الخطاب ودعاه وأغلب مايكون علانية مع رفع الصوت … وتنادى القوم تناديا نادى بعضهم بعضا قال تعالى { وياقوم إني أخاف عليكم يوم التناد – غافر 32 } والتناد أصلها التنادي فحذفت الياء ويوم التنادي يوم ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار وأصحاب النار أصحاب الجنة – معجم الفاظ  القرآن باب النون فصل الدال والياء ] .

وكما نادى بعضهم بعضاً لصرم ثمارهم وزروعهم في الدنيا يقال لهم في الآخرة { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا البقرة 52 } وندائهم هنا بعضهم على بعض كان في الصباح كما في الآية هنا { فتنادوا مصبحين } .

 

وأما :

 

(مصبحين)

 

اي انهم هنا نفذوا ما تعاهدوا عليه بليل إذ أقسموا ليحصدون ويصرمون في الصباح الباكر قبل ان يدركهم الفقراء والمساكين كما في قوله تعالى { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين – القلم 17 } فلما أن جاء الصباح الباكر نادى بعضهم بعضاً لتنفيذ ما تعاهدوا عليه من منع الفقراء والمساكين واليتامى حقوقهم كما في الاية هنا : { فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ   أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ  فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ  أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ  – القلم 21-25} .

 

ثم يقول تعالى :

 

(22) أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين (22)

 

وهنا :

 

( أن اغدوا)

 

[ وغدا تدور المادة على زمان وما ينشأ أو يفعل فيه ثمتوسع في ذلك فالغدوة وجمعها غدى والغداة وجمعها غدوات من أول النهار وقد يقابل هذا الوقت بالأصيل من النهار او العشي كما قوبل بالرواح وفي استعمال القرآن ذهب في ذلك الوقت – معجم الفاظالقرآن باب الغين فصل الدال والواو او الياء  ] .

قال تعالى في مقابلة الغدو بالآصال { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ  – الاعراف 205 } وفي مقابلة اللفظ بالعشي قال تعالى { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ  – غافر 46 } واقترن بالرواح اي ذهاباً وإياباً في قوله تعالى { ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر – سبأ12 } .

ويكون المعنى هنا أي اذهبوا في الصباح الباكر في قوله تعالى { أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين – القلم 22 } .

 

وأما :

(على حرثكم)

 

[ وحرث الأرض أثارها وهيئها للزرع والغرس وحرثها قذف فيها الحب للأزدراع..  والحرث الزرع سواء كان قائماً أو حصيداً – معجم الفاظ القرآن باب الحار فصل الراء والثاء  ]  قال تعالى { أفرأيتم ما تحرثون أئنتم تزرعونه أم نحن الزارعون – الواقعة 63}

[ وقد يستعمل الحرث مراداً منه  نوع من التشبيه والمجاز في الزوجة كما في قوله تعالى { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم – البقرة 223} والدنيا حرث للآخرة كما في قوله تعالى { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه – الشورى 20 } .

أي ن المعنى هنا اذهبوا لحصاد مزروعاتكم .

 

وأما :

( إن كنتم)

 

وهنا وردت هذه الآيات في قوله تعالى { إن كنتم فاعلين – يوسف 10 }

 

وأما :

 

 (صارمين )

 

أي إن كنتم اعقدي العزم على حصدها وجزها كما بينا في قوله تعالى من قبل { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين – القلم 17 } فلما جاء الصباح الباكر تنادوا مصبحين كما في قوله تعالى { فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين – القلم 21-24 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(23) فانطلقوا وهم يتخافتون (23)

وهنا :

(فانطلقوا)

 

وأطلق الناقة : حل عقالها  وانطلق وذهب هنا مسرعاً قال تعالى { وانطلق الملاء منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيئ يراد – ص6 } . والملاء هنا تدل على انهم صناديد الكفر القرشي قال تعالى { فانطلقوا وهم يتخافتون } .

وأما :

( وهم يتخافتون)

 

[ والتخافت الحديث الهامس بالمسارة حتى لا يسمعهم أحد – ] قال تعالى { يَتَخَٰافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا – طه ١٠٣-١٠٤ } .

وهنا استخفائهم دلالة على شعورهم بالإثم وخوفهم من نظرة المجتمع والمساكين لهم ولذلك تخافتوا بينهم كما في الآية هنا { فانطلقوا مهم يتخافتون } .

 

ثم يقول تعالى : 

 

(24) أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين (24)

 

وهنا  :

 

( أن لا يدخلنها)

أي أنهم أمروا بعدم دخول الفقراء والمساكين عليهم حال حصادهم زروعهم حتى لا يطعموهم منها وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ- الأحزاب 53 } وهذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله مع الفقراء والمساكين حيث كان يدعوهم للطعام في بيته وهؤلاء فعلوا عكس ذلك بما يخالف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله هنا كما في الآية {أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين- القلم 24 }  .

 

وأما :

 

(اليوم)

 

وهذا اليوم هنا هو يوم الحصاد الذي أمر فيه الله تبارك وتعالى بإخراج حق الله تعالى فيه من زكاة وصدقات قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ – الأنعام 141 } .

 

وأما :

(مسكين)

 

والمسكين هو الفقير الذي أسكنته الحاجة وهم أحد أصحاب النصاب الذي حدده الله تعالى في المال عند قوله تعالى  { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ – التوبة 60 } . أي أنهم أمروا باستبعاد الفقراء والمساكين عن مزارعهم وجنانهم يوم الحصاد . وهم الوارد ذكرهم في قوله تعالى { فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – الروم 38 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(25) وغدو على حرد قادرين (25)

وهنا :

 

(غدوا على حرد)

 

وهنا :

 

( أن اغدوا)

أي ذهبوا [ وغدا تدور المادة على زمان وما ينشأ أو يفعل فيه ثم توسع في ذلك فالغدوة وجمعها غدى والغداة وجمعها غدوات من أول النهار وقد يقابل هذا الوقت بالأصيل من النهار او العشي كما قوبل بالرواح وفي استعمال القرآن ذهب في ذلك الوقت – معجم الفاظ القرآن باب الغين فصل الدال والواو أو الياء  ] .

 

قال تعالى في مقابلة الغدو بالآصال { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ  – الاعراف 205 }  وهنا يكون المعنى { اغدوا على حرد } أي المنع بحدة  إن عزموا الحصاد لقوله تعالى { أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين – القلم 22 } فإن كنتم صارمين فاغدوا على حرد أي امنعوهم بشدة .

 

وأما :

 

(على حرد)

وهذا اللفظ من الغير متكرر في القرآن الكريم [ والحرد : من معانيه المنع عن حدة حرد يحرد حرداً – معجم ألفاظ القرآن باب الحاءفصل الراء والدال ٍ] قال تعالى { وغدو على حرد قادرين  – القلم 25 }  . 

 

وأما :

 

( قادرين)

 

 [ وقدر على الشيئ : قدر عليه ] قال تعالى على أهل آخر الزمن وظنهم أنهم قادرون ومسيطرون على كل شيئ { حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – يونس 24 } . وذلك في آخر الزمان ومع أول الدعوة في ظنوا أيضاً أنهم قادرون على المنع والعطاء لمن يشائون لعنهم الله كما في الآية هنا { وغدو على حرد قادرين } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(26) فلما رأوها قالوا إنا لضالون (26)

 

وهنا :

 

(فلما)

 

وهنا ورود هذا اللفظ أو هذه الآيات لأن كل حرف آية في قوله تعالى { فلما أحس عيسى منهم الكفر – ال عمران 36 } وقوله تعالى { فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون – الانبياء 12} تفيد بأنهم قد بدأوا يروا بعينهم نزول عذاب من الله تعالى في مالهم بسبب مكرهم وكيدهم للفقراء قال تعالى هنا { فلما رأوها قالوا إنا لضالون –  القلم 26} أي فلما رأوا مدمرة قد أهلكها الله تبارك و تعالى بسبب بخلهم وشحهم لورد هذا اللفظ في قوله تعالى عن منافقين زعموا الإيمان ثم بخلوا فأصبحوا منافقين لن يخرج النفاق من قلوبهم إن ماتوا على ذلك قال تعالى : { فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ – التوبة 76-77} .

وبعد إسلامهم نفاقاً مالوا بالسيف على المؤمنين وأهل بيت النبي عليهم السلام لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوٓاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ ٱلْكَٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍۢ – غافر 25 } وذرية هؤلاء المجرمين آخر الزمان من قريش وطوائف من أهل الكتاب سيظنون أنهم قادرون على كل الأرض بما عليها وهنا سيكون تدميرهم في تدبيرهم لورود هذا اللفظ في قوله تعاىل كما قلنا من قبل :{ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – يونس 24 } وذلك بعدما فرحوا بما عندهم من العلم كما فرحت الأمم من قبل قال تعالى { فلما جائتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون – غافر 83 } .

 

وأما :

 

(رأوها)

 

والرؤية هنا لعذاب الله تعالى النازل عليهم وعلى ممتلكاتهم ومزروعاتهم وجنانهم قال تعالى في قوم عاد من قبل : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ – الأحقاف 24 } وهنا أيضا رأوا بأعينهم  بأس الله تعالى النازل عليهم بعدما فرحوا بما عندهم من علم و مال كالأمم من قبل الوارد ذكرهم في قوله تعالى :  { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ  فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ  فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ  فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖسُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ –  غافر 82-85 }

وهنا سيندمون لورد هذا اللفظ في قوله تعالى { وأسروا الندامة لما رأوا العذاب  يونس 54} .  وهذه الندامة هنا كانت في قولهم  { فلما رأوها قالوا إنا لضالون } .

 

وأما :

 

(قالوا)

 

ورود لفظ قالوا في قوله تعالى { قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين – القلم 31 } تؤكد اعترافهم بالضلال والخطأ والذنب مع الله تعالى لذلك قالوا هنا {قالوا إنا لضالون} .

 

وأما :

 

( إنا لضالون)

 

[ وضل أصل الضلال الغيبوبة وضل الطافر إذا غاب عن الحجة وبعد عن الطريق المستقيم والضلال النسيان والضياع – معجم الفاظ القرآن باب الضاد فصل اللام واللام ] .

قال تعالى { ألم يجعل كيدهم في تضليل } والضلال بالخروج على أوامر الله تعالى لقوله عز وجل { فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ – يونس 32 } . وولاية هؤلاء للشيطان هنا أضلهم لقوله تعالى { كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير – الحج 4 } فلما وقع بهم العذاب هنا قالوا إنا لضالون أي أخطأوا الطريق قال تعالى { فلما رأوها قالوا إنا لضالون – القلم 26 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(27)  بل نحن محرومون (27)

 

وهنا :

 

(بل)

 

وهنا ورود (بل) في قوله تعالى { أولائك كالأنعام بل هم أضل أولائك هم الغافلون – الأعراف 179} تبين أن هؤلاؤ بغفلتهم عن أوامر رربهم وطاعة نبيهم اصبحوا كالأنعام بل هم أضل .

 

وأما :

 

(بل نحن )

 

أي كما في قوله تعالى لما نزل بهم العذاب : { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ  بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ – الواقعة 66-67 } وفي آخرالزمان بعدما يصعدون السماء سيقولون بل نحن مسحورون وذلك قبل نزول  عذاب ما قبل يوم القيامة قال تعالى : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ – الحجر 14-15} .

 

وأما :

 

(مَحْرُومُونَ)

 

والمحروم : [ حرمه الشيئ يحرمه حرماً وحرماناً : منعه إياه وإسم المفعول منه محروم والمحروم : الممنوع عن الخير وهو  التعس الشقي – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الراء والميم ] .

 

وهنا حق الفقراء والمساكين قال تعالى فيه  { وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم المعارج 24 } .

وهؤلاء المجرمون  لما منعوا حق هؤلاء  حرمهم الله تعالى من كل خير وبركة في الدنيا والآخرة قال تعالى لذلك مبيناً أن الله تعالى هو الخالق لهذه الأنفس وهذه الزروع ولم يفعلوا غير بذر الحبه وسقياها فقط والله تعالى يتولى إنباتها وزرعها لذلك قال تعالى لهؤلاء المجرمين { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ  إِنَّا لَمُغْرَمُونَ  بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ – الواقعة 63-67 } .

والحرمان المنع من ثواب الدنيا والآجر في الآخرة قال تعالى {  فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ  فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ  فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ  قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ  فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ  قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ  عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ   – القلم 19-33 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(28) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)

 

وهنا :

 

ورد في تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني  :

[علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن إسحاق بن الهيثم، عن علي بن الحسين العبدي، عن سليمان الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه قيل [له]: إن قوما من هذه الأمة يزعمون أن العبد يذنب فيحرم به الرزق؟ فقال ابن عباس: فو الذي لا إله إلا هو، لهذا أنور في كتاب الله من الشمس الضاحية، ذكره الله في سورة (ن و القلم)، أنه كان شيخ و كانت له جنة، و كان لا يدخل بيته ثمرة منها و لا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه، فلما قبض الشيخ ورثه بنوه، و كان له خمسة من البنين، فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملته قبل ذلك، فراحوا الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر، فأشرفوا على ثمرة و رزق فاضل، لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم، فلما نظروا إلى الفضل طغوا و بغوا، و قال بعضهم لبعض: إن أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله و خرف، فهلموا نتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في عامنا [هذا] شيئا حتى نستغني و تكثر أموالنا ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة فرضي بذلك منهم أربعة، و سخط الخامس، و هو الذي قال الله تعالى: { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ }.

فقال الرجل: يا بن عباس، كان أوسطهم في السن؟ فقال: بل كان أصغرهم سنا، و أكبرهم عقلا، و أوسط القوم خير القوم، و الدليل عليه في القرآن أنكم يا أمة محمد أصغر الأمم و خير الأمم، قوله عز و جل:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [البقرة: 143].

فقال لهم أوسطهم: اتقوا الله، و كونوا على منهاج أبيكم تسلموا و تغنموا فبطشوا به و ضربوه ضربا مبرحا، فلما أيقن الأخ منهم أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم غير طائع، فراحوا إلى منازلهم، ثم حلفوا بالله ليصرموه إذا أصبحوا، و لم يقولوا: إن شاء الله، فابتلاهم الله بذلك الذنب، و حال بينهم و بين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه، فأخبر عنهم في الكتاب، و قال: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَ يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } قال: كالمحترق فقال الرجل: يا ابن عباس، ما الصريم؟ قال: الليل المظلم، ثم قال: لا ضوء له و لا نورتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ج5 ] .

 

(قال)

 

ورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن – القصص 80 } تبين أن فيهم من كان مؤمناً أو آمن بعدما رأىى آيات الله تعالى فيهم لما منعوا حق الله تعالى عن الفقراء والمساكين لقوله تعالى هنا { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ – القلم 28 } .

 

وأما :

 

(أوسطهم)

 

أي أعدلهم والأوسط ماهو بين طرفين ووسط الشيئ يسطه وسِطًة [كان بين طرفيه – قال تعالى ( فأثرن به نقعاً فوسطن به جمعا – العاديات 5 ) – معجم ألفاظ القرآن باب الواوفصل السين والطاء ] و[ الأوسط إسم تفضيل من وَسَط وأنثاه الوسطى  يأتي بمعنى الأقرب إلى الإعتدال والقصد والأبعد عن الغلو في الجودة والرداءة ونحوهما – معجم ألفاظ القرآن باب الواوفصل السين والطاء ] قال تعالى هنا {  قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ – القلم 28 } أي أفضلهم رأياً وأعدلهم

 

 وأما :

 

(ألم أقل لكم )

 

وهذه الآيات تبين أن فيهم مؤمن يعلم حق الفقراء ومانزل فيهم في كل كتب الله المنزلة لورود هذه الآيات في قوله تعالى { قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون – يوسف 96 } ولذلك قال لهم هذا المؤمن الذي رافقهم هنا { ألم أقل لكم لولا تسبحون – القلم 28} .

 

وأما :

 

(لولا)

 

وردت هذه الكلمة في قوله تعالى { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت – المائدة 63} تثبت أن هؤلاء كان بينهم مؤمناً رافضاً هذه المكيدة التي نفذوها بليل في حق الفقراء والمساكين لذلك قال لهم هنا { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ – القلم 28 } .

 

وأما :

 

( لولا تسبحون)

 

والتسبيح تنزيه لله تعالى لقوله تعالى { سبحانه وتعالى عما يشركون –النحل 1 } وقوله تعالى { سبحانه وتعالى عما يصفون – الأنعام 100 } وقوله تعالى { سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا – الإسراء  } والتسبيح لله تعالى سبباً في نزول البركة والنماء والنجاة من المهالك بدليل قوله تعالى عن نبي الله تعالى وهو في بطن الحوت لما قال { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين – الأنبياء } لذلك قال تعالى { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون – الصافات 143 } ولذلك قال لهم هذاالمؤمن هنا { ألم أقل لكم لولا تسبحون – القلم  } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(29) قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين (29)

 

وهنا :

 

(قالوا سبحان ربنا)

 

وهذا التنزيه لله تعالى هنا إذعاناً منهم  وتسليم بأن الله كانقادراً عليهم وهذا قول اللذن أوتوا العلم لورود هذه الآيات في قوله تعالى { قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا – الإسراء  107-109} وهنا بعد إعلان توبتهم أقروا توبة منهم بأنهم كانوا ظالمين قال تعالى هنا { قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين – القلم 29 } .

 

وأما :

 

(إنا كنا ظالمين)

 

وهنا يبين تعالى إقرارهم على أنفسهم بأنهم كانوا ظالمين وهذا هو قولهم هنا في الدنيا لما رأوا ما نزل بهم من عذاب في أموالهم وما حل بجنانهم من دمار وإن لم يتوبوا فسينسيهم الشيطان ذكر الله في الدنيا حتى يموتوا على ظلمهم ثم يقولون يوم القيامة أيضا إنا كنا ظالمبن وكأنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب قبلا قال تعالى  : {  وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ – الأنبياء 46 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(30) وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون (30)

 

وهنا :

 

(أقبل يعضهم على بعض)

 

أي أقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن الأمر لورود هذه الآيات في قوله تعالى { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ  قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ  فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ  إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ  بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ  وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ  إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ  – الصافات } وهنا الذين استكبروا  هم الذين حاولوا أغواء المؤمنين منهم ممن رفضوا خطة صرم الزروع فب الصباح بعيدا عن الفقراء وهم الذين كانوا مشفقين على الفقراء والمساكين لقوله تعالى عنهم : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ  قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ  إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ  – الطور 25- 28 } .

وهذا التساؤل عن ما حدث وأسبابه ونتائجة ومن المخطئ هو التلاوم الذي دار بين الفريقين هنا وقال تعالى عنه { وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون – القلم 30 } .

 

وأما :

 

(يتلاومون)

 

[ ولام الرجل يليم : ارتكب ما يلام عليه من قول أو فعل فهو مليم – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الواو والمين ] قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  – المائدة 54 } .

وقال تعالى أيضاً في بيان الملامة في قصة سيدنا يوسف عليه السلام بصورة أكثر وضوحاً حيث قالت امرأة العزيز { قالت فذلكن الذي لمتنني فيه – يوسف 32 } وبالتالي الملامة توبيخ وتقريع على فعل أو قول ارتكبه الشخص كقوله تعالى { ولاتبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا –  الإسراء 29} .

وعلى ذلك المعنى هنا أقبل بعضهم على بعض تابعهم ومتبوعهم يقرعونهم ويوبخونهم على جرم فعالهم سوء تقديرهم وماتسببه في هلاك أموالهم قال تعالى  { وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون – القلم 30 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(31) قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين (31)

 

وهنا :

 

(قالوا ياويلنا إنا كنا )

 

وهذا الويل هنا في الدنيا إذا نزل بهم عذاب الله تعالى بكفرهم وخروجهم على أوامر الله تعالى كما فيقوله عز وجل { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ – الأنبياء 11-15 } .

وقال تعالى أيضاً { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ  فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ  فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ ۖ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ  – الأعراف 4-9 } .

 

وهذا أول دعوى لهم بالويل والثبور في الدنيا وفي الآخر تبدأ مع نفخة البعث حيث يقولون { قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ – يس 52} أي أنهم كانوا طغاه كما في الآية هنا {  قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين }

 

وأما :

 

(طاغين)

 

وطاغين : [ كل من جاوز القدر وعلا فقد طغى ومنه تجاوز الحد في العصيان – معجم الفاظ القرآن باب الطاء فصل الغين والياء ] قال تعالى { وأما ثمود فأهلكوا بالطاغية – الحاقة 5 } وقال تعالى في الماء لما زاد عن حده في طوفان نبي الله نوح عليه السلام قال تعالى فيه { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية – الحاقة 11 } . وهكذا المعنى هنا لكل من جاوز الحد في العصيان فهو طاغية قال تعالى { وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب – الفجر } .

وهؤلاء كانوا من كبراء قريش ممن آثروا الحياة الدنيا وعملوا لها كما في قوله تعالى { فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هى المأوى – النازعات 37-39} وهنا لما فعلوا هذه الفعلة ومنعوا حق الله في المال عاقبهم الله تعالى لعلهم يتوبوا ثم يقول تعالى فيما قالوه ويثبت أنهم لم يكونوا وثنيين قرشيين بل منافقين من المسلمين وهو قوله تعالى على ألسنتهم :

 

(32) عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون (32) 

 

وهنا :

 

( عسى ربنا)

 

وعسى للإنسان للترجي [ دالة على الترجي في المحبوب والإشفاق من المكروه وقد جرى الحديث عن الله كما جرى الحديث عن البشرفيكون معنى الترجي والإشفاق عن الله هو أن يكون الإنسان فيه راجيا لا أن يكون الله يرجو – معجم الفاظ القرآن باب العين فصل السين والياء ]

قال تعالى { وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا  فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا َأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا  – الكهف 39-42 }

وعسى للخالق الترجي والإشفاق مادام العبد في الحياة الدنيا ولا يدرى خاتمة عمله قال تعالى { وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ – القصص 9 }

وقال تعالى أيضاً : { أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – التحريم 8 } وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا – الإسراء 79 } .

 

وأما :

 

(أن يبدلنا خيراً منها)

 

التبديل هنا يكون لنعم الله تعالى إن منع الناس حق الله تعالى فيدمر بلادهم لقوله تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ  وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ –  ابراهيم 28- 30 }

{ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ  علَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ –  المعارج 40-42 }

وورو لفظ التبديل بمن هم أخير على بعض زوجات النبي صلى الله عليه وآله في قوله تعالى {عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا –  التحريم 5} تثبت أن من هؤلاء  أبو سفيان  والد السيدة أم حبيبة أم المؤمنين  رضى الله عنها وأرضاها .
وأما :

 

(خيراً منها)

 

الخيرية دائماً فيما اختاره الله تعالى لقوله عزوجل { إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون- النحل 95 } وذلك لان الله تعالى قال { من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون – النمل 89 } وقال تعالى في جزاء المؤمنين الذين أحسنوا { وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ – النحل 30 }

ويبين تعالى أن هناك منافقون يطلبون الدنيا ومن يعطي لهم أكثر قال تعالى  { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا – مريم 73 } وهؤلاء طائفة ممن منعوا حق الله تعالى قبل إسلامهم نفاقاً . ومن هؤلاء الذين قالوا هنا { إنا إلى الله راغبون } .

 

وأما :

 

(إنا إلى الله راغبون)

 

وهنا ورود هذه الآيات في المنافقون الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين لتدل على أنهم أسلموا ظاهراً ومن قبل منعوا حق الله في المال الذي افترضه الله عز وجل لأصحاب النصاب  لقوله تعالى { وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ  وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ – التوبة 58-60 }

أي أن من هؤلاء من حسن إسلامه ورغبوا فيما عند الله لقوله تعالى  { عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها  إنا إلى الله راغبون}  .

ثم يقول تعالى :

 

(33) كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لوكانوا  يعلمون (33)

 

وهنا :

 

(كذلك)

 

وهنا ورود هذا اللفظ في قوله تعالى  { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ – يونس 13 } يبين أنه تعالى كما أهلك الأولين كذلك سيفعل بمن تقلد بهم في جرمهم ومنعهم حق الله في المال فالله تعالى سيعذبهم في الدنيا العذاب الأصغر قبل الآخرة ومافيها من عذاب أكبر قال تعالى فيه هنا { كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لوكانوا  يعلمون – القلم 33 }

 

وأما :

 

( العذاب ولعذاب الآخرة ) أكبر )

 

أي أشد لمن أعرض عن ذكر الله تعالى

 

{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ   قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا  قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ   وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ  أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ –  طه 124- 128 } .

 

وأما :

 

(ولعذاب الآخرة أكبر)

 

هنا يبين تعالى أنه سيعذبهم في الدنيا وعذابها الأصغر لعلهم يرجعون إلى الله تعالى ويتوبون من قريب وذلك لقوله تعالى { وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ  – السجدة 21-22 } .

 

وأما :

 

( لو كانوا يعلمون)

 

أي أنهم لو علموا علم اليقين لتيقنوا بأن عذاب الآخرة أكبر { كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ  فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ  وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ  – الزمر 25- 28 } وكذلك أجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون كما في قوله تعالى { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ – النحل 41 }  وهؤلاء المتقين قال تعالى فيهم هنا :

 

(34) إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم (34)

وهنا :

(إن للمتقين)

والتقوى لها كلمة قال تعالى فيها { وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها – الفتح 26  } وهذه الكلمة هى كلمة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”  صلى الله عليه وآله والمؤمنين بهذه الكلمة لهم صفات  بينها الله تعالى ك الأيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة لقوله تعالى :  { الم  ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ  وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – البقرة 1-5 }

وأول من صدق بهذه الكلمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله هو الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { والذي جاء بالصدق وصدق به أولائك هم المتقون – الزمر 33}

[ هذه الآية نزلت في شأن امير المؤمنين عليه السلام :

توجد روايات عديدة في كتب الحديث ان هذه الآية من القرآن الكريم نزلت في حق امير المؤمنين عليه السلام .فبما ان في هذا المجال روايات عديدة، فنحن علي سبيل الاختصار نكتفي بعدة من الروايات :

أورد الآلوسي ،في تفسيره روح المعاني  يقول وقال أبو الأسود . ومجاهد في رواية . وجماعة من أهل البيت . وغيرهم : الذي صدق به هو علي كرم الله تعالي وجهه .

تفسير الآلوسي – الآلوسي – ج 24 – ص 3 .

و السيوطي في الدر المنثور يقول : وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة والذي جاء بالصدق قال رسول الله صلي الله عليه وسلم وصدق به قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

الدر المنثور – جلال الدين السيوطي – ج 5 – ص 328 .

و الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ينقل ستة من الروايات في هذا المجال فلنكتفي بنقل ثلاثة منها:

810 – حدثنا السيد أبو منصور ظفر بن محمد الحسيني رحمه الله حدثنا أبو الحسين علي بن عبد الرحمان بن عيسي بن مأتي بالكوفة ، حدثنا الحبري حدثنا الحسن بن الحسين العرني حدثنا علي بن القاسم ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه في قول الله تعالي : ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) قال : ( الذي ) جاء بالصدق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، و ( الذي ) صدق به علي .

شواهد التنزيل – الحاكم الحسكاني – ج 2 – ص 178 .

813 – في ( التفسير ) العتيق : وسعيد بن أبي سعيد التغلبي عن أبيه ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك : عن ابن عباس ( في تفسير قوله تعالي : ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) ) قال : هو النبي جاء بالصدق ، و ( الذي ) صدق به علي بن أبي طالب .

شواهد التنزيل – الحاكم الحسكاني – ج 2 – ص 180 .

812 – أخبرناه أبو عبد الرحمان محمد بن أحمد القاضي ب الريوند ) أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن أحمد بن أيوب الزوري بالري أخبرنا أبو بكر الجعابي حدثنا الحسين بن علي السلولي بالكوفة ( أخبرنا ) محمد بن الحسن السلولي حدثنا عمر بن سعد ( الأسدي ) البصري عن ليث : عن مجاهد ( في قوله تعالي ) ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) قال : ( جاء بالصدق ) رسول الله . و ( صدق به ) علي بن أبي طالب . ( رواه أيضا ) أبو بكر السبيعي عن الحسين به .

شواهد التنزيل – الحاكم الحسكاني – ج 2 – ص 179 – 180 .

و ابن مردويه الاصفهاني في مناقبه ينقل الروايات الثلاث هكذا : عن أبي هريرة : ( والذي جآء بالصدق ) قال : رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، ( وصدق به ) قال : علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) .

عن مجاهد في الآية قال : ( وصدق به ) علي بن أبي طالب .

عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : ( الذي جآء بالصدق ) محمد ( صلي الله عليه وآله ) . والذي ( وصدق به ) علي بن أبي طالب .

مناقب علي بن أبي طالب (ع) وما نزل من القرآن في علي (ع) – أبي بكر أحمد بن موسي ابن مردويه الأصفهاني – ص 314 – 315 .

و ابن عساكر ايضا ينقل روايات عديدة فلنكتفي بذكر واحدة منها:

عن ابن مجاهد عن أبيه في قوله عز وجل ” والذي جاء بالصدق وصدق به ” قال الذي جاء بالصدق رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) وصدق به علي بن أبي طالب .

تاريخ مدينة دمشق – ابن عساكر – ج 42 – ص 360 ]

 

وأما الذين قالوا أنها نزلت في أبي بكر فهو قول ضعيف :

[عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لما توفي أبو بكر سجي بثوب فارتجت المدينة بالبكاء ودهش كيوم قبض رسول الله صلي الله عليه وسلم وجاء علي بن أبي طالب مسترجعا مسرعا وهو يقول اليوم انقطعت خلافة النبوة … فسماك الله في كتابه صديقا فقال والذي جاء بالصدق محمد صلي الله عليه وسلم وصدق به أبو بكر

…. رواه البزار وفيه عمر ابن إبراهيم وهو كذاب –  مجمع الزوائد – الهيثمي – ج 9 – ص 47 – 48 .

و ابن حجر العسقلاني یقول هنا هکذا : ومن طريق لين إلي علي بن أبي طالب الذي جاء بالصدق محمد صلي الله عليه وسلم والذي صدق به أبو بكر .- فتح الباري – ابن حجر – ج 13 – ص 413 .

نقلت عن طريق علي بن أبي طالب (عليه السلام) بسند لا يمكن الاحتجاج به، انه المراد من « الذي جاء بالصدق» رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) و المراد من «الذي صدق به» هو ابوبكر ] .

وبالتالي هؤلاء المتقين هم الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله وتولوا الله تعالى ورسوله ثم الأئمة من أهل بيته عليهم السلام وأولهم أول المصدقين به وهو الإمام علي عليه السلام وهؤلاء لهم جنات النعيم كما في الآية هنا { إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم – القلم 34 } .

وأما :

(عند ربهم)

هنا يبين تعالى أيضاً أن هؤلاء المتقين لهم جنات تجري من تحتها الأنهار  قال تعالى فيها {  قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ  – آل عمران 15 }  .وهذه الجنات هنا هى جنات النعيم  التي جعلها الله تعالى كما بينا لمن تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام لقوله عز وجل  { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ  لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ  لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ  – الزمر 33-35 } .

وأما :

(جنات النعيم)

وهنا يبين تعالى أن هذه الجنات أعدها الله تعالى للذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ  دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  – يونس 9-10 } . وهؤلاء هم المتقين في قوله تعالى { إن المتقين في جنات و نعيم – الطور 17 } .

 

ثم  يقول تعالى :

 

(35) أفنجعل المسلمين كالمجرمين(35)

 

وهنا :

 

(أ)

والهمزة هنا وردت في قوله تعالى لبيان المعنى { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا  لايستوون – السجدة 18}

وحيث أن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي عليه السلام كما في أسباب النزول للواحدي ص263 [روى ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال الوليد بن عقبة لعلي : أنا أحد منك سنانا ، وأبسط لسانا وأملأ للكتيبة . فقال علي : اسكت ، فإنما أنت فاسق . فنزلت أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا  .
قلت : إسناده قوي ،  قال ابن عباس وعطاء بن يسار : نزلت الآية في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط ; وذلك أنهما تلاحيا ، فقال له الوليد : أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا وأرد للكتيبة – وروي : وأملأ في الكتيبة – جسدا . فقال له علي : اسكت ! فإنك فاسق ; فنزلت الآية . وذكر الزجاج والنحاس أنها نزلت في علي وعقبة بن أبي معيط . قال ابن عطية : وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية ; لأن عقبة لم يكن بالمدينة ، وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر . ويعترض القول الآخر بإطلاق اسم الفسق على ..سير اعلام النبلاء ]

وعلى ذلك الهمزة تشير إلى أن الذي نهاهم عن هذا الفعل هو أوسطهم وهو رجل مؤمناً موالي لرسول الله صلى الله عليه ولآل بيته عليهم السلام وهذا وكل من تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام لا يستوون بمن خرجوا على هذه الولاية من المجرمين كما في قوله تعالى هنا { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } .

 

وأما :

 

(أفنجعل)

 

وهنا يفرق الله تعالى بين المؤمنين والمجرمين أنهم لا يستوون كما في قوله تعالى { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ – ص 28 } وعلى ذلك المؤمنين العاملين للصالحات هنا هم المسلمين ولن يساويهم الله تعالى بالمجرمين سواءا محياهم ومماتهم  لقوله تعالى { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ – الجاثية 21 } .

 

وأما :

 

(المسلمين)

 

والمسلم هو من أستسلم لأوامر الله تعالى ورسوله لقوله تعالى فيما قاله نبي الله سليمان في كتابه لملكة سبأ { ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين – النمل  } وأول هذه الأمة إسلاماً في الدنيا سيدنا محمد صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين – الأنعام 163 } وهؤلاء المسلمين منذ بدأ الخليقة حتى آخر مسلم في الدنيا لا يساويه الله تعالى في الدنيا ووالآخرة بالمجرمين لقوله تعالى هنا { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } .

 

وأما :

(كالمجرمين )

 

والمجرمين من اجرم فقد أذنب والمجرم والمجرمون في استعمال القرآن الكريم: الذين  أجرموا بالكفر والعناد – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الراء والميم ] . قال تعالى { أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوماً مجرمين – الجاثية 31 } . وترك العمل بالقرآن الكريم وفيه الهدى شيمة من شيم المجرمين لقوله تعالى فيما سيدور من حديث بين المستكبرين والمستضعفين يوم الحساب { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ – سبأ 32 } . وهؤلاء المجرمين هم أعداء كل نبي ووصي من أهل بيت النبي إلى يوم القيامة لقوله تعالى { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين – الفرقان 31 } وهؤلاء المجرمين منهم الكثير من الأمويين لما نزل في الإمام علي والوليد بن عقبة { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقاً لا يستوون – السجدة 18 } وهؤلاء الفاسقون مجموعة من صناديد الكفر القرشي ممن أترفوا في الحياة الدنيا وقال تعالى فيهم  { واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين – هود 116 }  .  وهؤلاء لا يستوون بمن آمنوا بالله تعالى ورسوله وتولوه تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام كما في الآية هنا { أفنجعل المسلمين كالمجرمين – القلم 35 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(36) مالكم كيف تحكمون(36)

 

وهنا :

 

(مالكم)

 

 وردت هذه الايات في قوله تعالى { ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير –  التوبة 116 } وبالتالي من الناس من يرضون بالحياة الدنيا ولا يرجون ما عند الله ولذلك قال تعالى لهؤلاء : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ التوبة 38 } وهذه الايات تبين أنهم كانوا منافقين لا يعظمون ولا يوقرون الله تعالى كما في قوله تعالى { مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا – نوح 13 } ولو كانوا يعظمون الله تعالى ورسوله لتولوه عز وجل ورسوله والأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام الذين يهدون الأمة لما جهلوه من شرع الله تعالى لقوله عز وجل { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – يونس 35 } .

وأما :

 

(مالكم كيف تحكمون)

 

وردت هذه الآيات في قوم من قريش اصطفوا البنات على البنين ونسبوا البنات لله تعالى عما يشركون في قوله تعالى { فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ  أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ  وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ  مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ – الصافات 149-157 } والآيات تثبت أنهم كانوا قوما من قريش وهم أيضاً الذين لا يقدمون أهل البيت عليهم السلام  في الإمامة لورود هذه الآيات في قوله تعالى { مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا – نوح 13 } .

 

ولو كانوا يعظمون الله تعالى ورسوله لتولوه عز وجل ورسوله والأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام الذين يهدون الأمة لما جهلوه من شرع الله تعالى لقوله عز وجل { ومالكم لا تؤمنون بالله  والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين – الحديد 8 }.

وهذا الميثاق يبين تعالى أنهم نقضوه وقد رفضوا ولاية أهل بيتالنبي وإمامتهم على الرغم من أنهم يهدونهم للحق كما في قوله تعالى :  { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – يونس 35 } . ومن تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فهم المسلمون ولن يساويهم الله تعالى بالمجرمين كما بينا سواءاً في الدنيا أو الاخرة لقوله تعالى هنا { أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(37) أم لكم كتاب فيه تدرسون(37)

 

وهنا :

 

(أم لكم)

 

والكتاب فيه حكم الله وفيه السلطان المبين لذلك يقول تعالى { أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ  مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ  أَفَلَا تَذَكَّرُونَ  أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ  فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  الصافات 153- 157 } ووردت هذه الآيات في قوله تعالى : { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ – القلم 39 }

 

أي [ هل لكم أيمان علينا تنتهي بكم إلى يوم القيامة ، بأن لكم ما تحكمون أي : بأن لكم حكمكم ، ولكن الألف كسرت من ” إن ” لما دخل في الخبر اللام : أي هل لكم أيمان علينا بأن لكم حكمكم.- تفسير الطبري] .

ثم يبين تعالى أنه قد أهلك عزوجل أمة فرعون من قبل لحكمهم بالهوى ومحاداة الله تعالى ورسوله ولذلك يقول تعالى : { وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ  كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ  أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ  بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ  – القمر 41- 46 } .

 

وأما :

 

(كتاب فيه تدرسون)

 

أي أنه يقول تعالى هنا : { وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا ۖ وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ   قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ  قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ  – سبأ 44-47 } .

وهنا قوله تعالى { قل ما أسألكم عليه من أجر} أي أنه لا يسألهم أجراً إلا ولاية الله تعالى ورسوله ثم مودة أهل بيته عليهم السلام إن كانوا يريدون الله تعالى ورسوله والدار الآخرة قال تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى }

 

ثم يقول تعالى عن حكم الله المنزل في كتابه الكريم والإختيار منه وفق ما أراد الله تعالى :

 

(38) إن لكم فيه لما تخيرون (38)

 

وهنا :

 

(إن لكم)

 

أي أنه يقول تعالى { إن لكم لما تحكمون –القلم 39}   وهذا توبيخ  قال تعالى فيه  : [ (أم لكم) أيمان أي عهود ومواثيق  . ” علينا بالغة ” مؤكدة . والبالغة المؤكدة بالله تعالى . أي أم لكم عهود على الله تعالى استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة … ثم قال : إن لكم لما تحكمون إذا ; أي ليس الأمر كذلك . – تفسير القرطبي ] .

فهل لكم كتاب منزل عليكم من الله تختارون منه حكمه عز وجل  الله { إن لكم فيه لما تخيرون – القلم 38 }

أي أن  [ (إن لكم فيه لما تخيرون) تختارون وتشتهون …أي إن لكم في هذا الكتاب إذا ما تخيرون ; أي ليس لكم ذلك . والكناية في ” فيه ” الأولى ، والثانية راجعة إلى الكتاب .- تفسير القرطبي ] .

 

وأما :

 

(فيه)

 

وهنا فيه أي أنه كتاب منزل من عند الله لا ريب فيه هدى للمتقين كما في قوله تعالى { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين – البقرة } فهل لكم في هذا الكتاب تختارون أولا لاتختارون منه ماتشاءون ؟!

وهذا الكتاب منزل من عند الله ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه قال تعالى {  كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ – البقرة 213 } .

 

وأما :

 

(لما)

 

وهنا يبين تعالى أنه قد أخذ ميثاق النبيين بطاعة رسول الله واٌيمان به وتصديقه في قوله تعالى {   وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ – آل عمران 81 } وبالتالي طاعة الله تعالى ورسوله لا خيار لهم في ذلك كما في قوله تعالى هنا { أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون – القلم 37-38 } .

 

وأما :

 

( تخيرون)

وهنا يبين تعالى أن مسألة الرسالة والنبوة والإمامة لا خيار للخلق في ذلك الإصطفاء الإلهي لهذه المهمه الموكول بها هؤلاء من الله تعالى لهداية البشر قال تعالى لذلك { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ – القصص 68 } . ولذلك يقول تعالى أن المؤمن لا خيار له أمام حكم الله المنزل في كتابه عز وجل غذا قضى الله تعالى حكماً وأمر أمراً قال تعالى { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا  – الأحزاب 36 } .

ولذلك يبوبخهم الله عز وجل هنا في قوله تعالى  { أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون – القلم 37-38 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(39) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39)

 

وهنا :

 

(أم لكم)

 

أي أنه يقول تعالى { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا – القلم 37-38 } فهل لكم في كتاب الله تعالى أيمان بالغة في عملكم بالهوى ومخالفتكم أوامره عز وجل كما في الآية هنا { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ – القلم 39 } ..

 

وأما :

 

(أيمان)

 

والأيمان : جمع يمين وهو بمعنى القسم {لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ – البقرة 225 }

وقال تعالى أيضاً { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ – المائدة 89 }

ويأتي بمعنى العهد في قوله تعالى { وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ – التوبة 12 } .

وبالتالي المعنى هنا هل عندكم عهد وميثاق من الله تبارك وتعالى { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ – القلم 39 } .

وقد استخدم القرآن الكريم هنا أسلوب الأيمان والعهد والميثاق وذلك لأنهم كانوا يقسمون بأنه لا بعث ولا نشور في قوله تعالى { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ – النحل 38 } وكذلك المنافقون  دائما يلجئون لاستخدام  الحلف الكاذب والقسم ليكون ذلك دنة لهم يغطون بها نفاقهم  كما في قوله تعالى { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – المنافقون 2 } ولذلك خاطب الله تعالى الكفار والمنافقين الخارجين على حكم الله تعالى بقوله تعالى هنا { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ  إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ – القلم 37-39 } .

 

 

وأما :

 

(علينا)

 

هنا يبين تعالى أن هؤلاء لا عهد ولا إيمان لهم كما في قوله تعالى { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ – القلم 39 } ومن هؤلاء الذين قالوا { ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون – آل عمران 75 }  وهنا يقول تعالى لرسوله عن عقاب هؤلاء في الدنيا بنزل بعض العذاب عليهم  { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ – الرعد 40  } .

 

وهؤلاء جميعاً  يوم القيامة رجوعهم إليه عز وجل وعليه حسابهم سبحانه وتعالى بما يستحقون من عقاب في الآخرة وهو العذاب الأكبر قال تعالى :  { إنا إلينا إيابهم ثم إناعلينا حسابهم – الغاشية 26 } .

 

 

(بالغة)

 

[ وحجة بالغة وحكمة بالغة ويمين بالغة : أي واصلة إلى نهايتها من القوة- معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل اللام والغين ]

 

وبالغة هنا تأت على الأيمان وحجة الله تعالى البالغة في كتابه الكريم كما في قوله تعالى { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَٰذَا ۖ فَإِن شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ۚ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ – الأنعام 149 -150 } .

وهؤلاء قال تعالى فيهم لرسوله صلى لله عليه وآله بأن يعظهم في قوله تعالى { فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا– النساء 63} .

وهذا البلاغ والحجة البالغة منها ولاية الإمام علي وإمامة أهل بيته عليهم السلام من بعده لقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ – المائدة 67 } .

ومن العلماء والمفسرين ورواة الأحاديث الذين ذكروا ان الآية نزلت في الإمام عليه عليه السلام :

[1- الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى 310 (المترجم ص 100) أخرج بإسناده في – كتاب الولاية في طرق حديث الغدير – عن زيد بن أرقم قال لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع وكان في وقت الضحى وحر شديد أمر بالدوحات فقمت ونادى الصلاة جامعة فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ثم قال: إن الله تعالى أنزل إلي: بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، وقد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد وأعلم كل أبيض وأسود: إن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام بعدي، فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربي لعلمي بقلة المتقين وكثرة المؤذين لي واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي وشدة إقبالي عليه حتى سموني أذنا، فقال تعالى: ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم. ولو شئت أن أسميهم وأدل عليهم لفعلت ولكني بسترهم قد تكرمت، فلم يرض الله إلا بتبليغي فيه فاعلموا. معاشر الناس؟ ذلك: فإن الله قد نصبه لكم وليا وإماما، وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه، جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدقه، اسمعوا وأطيعوا، فإن الله مولاكم وعلي إمامكم، ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى القيامة لا حلال إلا ما أحله الله ورسوله، ولا حرام إلا ما حرم الله ورسوله وهم، فما من علم إلا وقد أحصاه الله في ونقلته إليه فلا تضلوا عنه ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، لن يتوب الله على أحد أنكره ولن يغفر له، حتما على الله أن يفعل ذلك أن يعذبه عذابا نكرا أبد الآبدين، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق، ملعون من خالفه، قولي عن جبرئيل عن الله، فلتنظر نفس ما قدمت لغد. إفهموا محكم القرآن ولا تتبعوا متشابهه، ولن يفسر ذلك لكم إلا من أنا آخذ بيده وشائل بعضده ومعلمكم: إن من كنت مولاه فهذا فعلي مولاه، وموالاته من الله عز وجل أنزلها علي. ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا و وقد أوضحت، لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره. ثم رفعه إلى السماء حتى صارت رجله مع ركبة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: معاشر الناس؟ هذا أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي على من آمن بي وعلى: تفسير كتاب ربي. وفي رواية. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والعن من أنكره، وأغضب على من جحد حقه، اللهم إنك أنزلت عند تبيين ذلك في علي اليوم أكملت لكم دينكم. بإمامته فمن لم يأتم به وبمن كان من ولدي من صلبه إلى القيامة فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون، إن إبليس أخرج آدم ” عليه السلام ”  من الجنة مع كونه صفوة الله بالحسد فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم، في علي نزلت سورة والعصر إن الانسان لفي خسر. معاشر الناس آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارهم أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت. النور من الله في ثم في علي ثم في النسل منه إلى القائم المهدي. معاشر الناس سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وإن الله وأنا بريئان منهم إنهم وأنصارهم و أتباعهم في الدرك الأسفل من النار، وسيجعلونها ملكا اغتصابا فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان ويرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران. الحديث. ” ضياء العالمين “.

2- الحافظ ابن أبي حاتم أبو محمد الحنظلي الرازي المتوفى 327 ” المترجم ص 101 ” أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

3- الحافظ أبو عبد الله المحاملي المتوفى 330 ” المترجم ص 102 ” أخرج في أماليه بإسناده عن ابن عباس حديثا مر ص 51 وفيه: حتى إذا كان (رسول الله) بغدير خم أنزل الله عز وجل: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. الآية. فقام مناد فنادى الصلاة جامعة. الحديث.

4- الحافظ أبو بكر الفارسي الشيرازي المتوفى 407 / 11 ” المترجم ص 108 ” روى في كتابه ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين بالإسناد عن ابن عباس: أن الآية نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

5- الحافظ ابن مردويه المولود 323 والمتوفى 416 ” المترجم ص 108 ” أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب. وبإسناد آخر عن ابن مسعود أنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك – إن عليا مولى المؤمنين – وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس. وروى بإسناده عن ابن عباس قال: لما أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله أن يقوم بعلي فيقول له ما قال فقال: يا رب إن قومي حديث عهد بجاهلية ثم مضى بحجه فلما أقبل راجعا نزل بغدير خم أنزل الله عليه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. الآية. فأخذ بعضد على ثم خرج إلى الناس فقال: أيها الناس؟ ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله؟ قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأعن من أعانه، واخذل من خذله، وانصر من نصره، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه. قال ابن عباس: فوجبت والله في رقاب القوم. وقال حسان بن ثابت: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالرسول مناديا يقول: فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا: إلهك مولانا وأنت ولينا * ولم تر منا في الولاية عاصيا فقال له: قم يا علي؟ فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا وروى عن زيد بن علي أنه قال: لما جاء جبرئيل بأمر الولاية ضاق النبي صلى الله عليه وآله بذلك ذرعا وقال: قومي حديثو عهد بالجاهلية فنزلت الآية. (كشف الغمة 94).

6- أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري المتوفى 427 / 37 (المترجم 109) روى في تفسيره ” الكشف والبيان ” عن أبي جعفر محمد بن علي (الإمام الباقر) إن معناها: بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي. فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. وقال: أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد القايني، نا أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي، نا أبو بكر محمد بن الحسن السبيعي، نا علي بن محمد الدهان والحسين بن إبراهيم الجصاص، نا حسين بن حكم، نا حسن بن حسين، عن حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. الآية. قال: نزلت في علي، أمر النبي صلى الله عليه وآله أن يبلغ فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي فقال، من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

7- الحافظ أبو نعيم الأصبهاني المتوفى 430 (المترجم ص 109) روى في تأليفه ما نزل من القرآن في علي: عن أبي بكر بن خلاد عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن إبراهيم بن محمد بن ميمون عن علي بن عابس عن أبي الحجاف والأعمش عن عطية قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي يوم غدير خم (الخصايص 29).

8- أبو الحسن الواحدي النيسابوري المتوفى 468 (المترجم 111) روى في ” أسباب النزول ” ص 150 عن أبي سعيد محمد بن علي الصفار عن الحسن بن أحمد المخلدي عن محمد بن حمدون بن خالد عن محمد بن إبراهيم الحلواني عن الحسن بن حماد سجادة عن علي بن عابس عن الأعمش وأبي الحجاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

9- الحافظ أبو سعيد السجستاني المتوفى 477 (المترجم 112) في كتاب الولاية بإسناده من عدة طرق عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ بولاية علي فأنزل الله عز وجل: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. الآية. فلما كان يوم غدير خم قام فحمد الله وأثنى عليه وقال صلى الله عليه وسلم: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، وأعز من أعزه، وأعن عن أعانه (الطرائف).

10- الحافظ الحاكم الحسكاني أبو القاسم (المترجم 112) روى في ” شواهد  التنزيل لقواعد التفصيل والتأويل ” بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر الأنصاري قالا: أمر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم أن ينصب عليا للناس فيخبرهم بولاية فتخوف النبي أن يقولوا: حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه فأوحى الله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. الآية. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بولايته يوم غدير خم (مجمع البيان 2 ص 223).

11- الحافظ أبو القاسم ابن عساكر الشافعي المتوفى 571 (المترجم 116) أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

12- أبو الفتح النطنزي (المترجم ص 115) أخرج في الخصايص العلوية بإسناده عن الإمامين محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق ” صلوات الله عليهم ” قالا: نزلت هذه الآية يوم غدير خم (ضياء العالمين).

13- أبو عبد الله فخر الدين الرازي الشافعي المتوفى 606 (المترجم 118) قال في تفسيره الكبير 3 ص 636: العاشر: نزلت الآية في فضل علي ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي الله عنه فقال. هنيئا لك يا بن أبي طالب؟ أصحبت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس، والبراء بن عازب، ومحمد ابن علي.

14- أبو سالم النصيبي الشافعي المتوفى 652، تأتي ترجمته في شعراء القرن السابع قال في مطالب السئول ص 16: نقل الإمام أبو الحسن علي الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

15- الحافظ عز الدين الرسعني  الموصلي الحنبلي المولود 589 والمتوفى 661 ” المترجم 121 ” روى في تفسيره (مر الثناء عليه عن الذهبي) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية أخذ النبي بيد على فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

16- شيخ الاسلام أبو إسحاق الحمويني المتوفى 722 ” المترجم ص 123 ” أخرج في فرايد السمطين عن مشايخه الثلاث: السيد برهان الدين إبراهيم بن عمر الحسيني المدني، والشيخ الإمام مجد الدين عبد الله بن محمود الموصلي، وبدر الدين محمد بن محمد ابن أسعد البخاري بإسنادهم عن أبي هريرة: أن الآية نزلت في علي.

17- السيد علي الهمداني المتوفى 786 ” المترجم ص 127 ” قال في مودة القربى: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فلما كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة و أخذ بيد على وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، يا رسول الله؟ فقال: ألا؟ من أنا مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: هنيئا لك يا علي بن أبي طالب؟ أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وفيه نزلت: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. الآية.

18- بدر الدين ابن العيني الحنفي المولود 762 والمتوفى 855 ” المترجم ص 131 ” ذكر في عمدة القاري في شرح صحيح البخاري 8 ص 584 في قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل. عن الحافظ الواحدي ما مر عنه من حديث حسن بن حماد سجادة سندا ومتنا، ثم حكى عن مقاتل والزمخشري بعض الوجوه الأخرى المذكورة في سبب نزول الآية فقال: قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين: معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فلما نزلت هذه الآية أخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

19- نور الدين ابن الصباغ المالكي المكي المتوفى 855 ” المترجم ص 131 ” ذكر في ” الفصول المهمة ” ص 27 ما رواه الواحدي في أسباب النزول من حديث أبي سعيد.

20- نظام الدين القمي النيسابوري قال في تفسيره الساير الداير ج 6 ص 170 عن أبي سعيد الخدري: أنها نزلت في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. فلقيه عمر وقال: هنيئا لك يا بن أبي طالب؟ أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي. ثم ذكر أقوالا آخر في سبب نزولها.

21- كمال الدين الميبذي المتوفى بعد 908 ” المذكور ص 133 ” قال في شرح ديوان أمير المؤمنين عليه السلام ص 415: روى الثعلبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قال في غدير خم بعد ما نزل عليه قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. ولا يخفى على أهل التوفيق أن قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم يلائم حديث الغدير. والله أعلم.

22- جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفى 911 ” المترجم ص 133 ” قال في الدر المنثور 2 ص 298: أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فأنزل: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. وأخرج عبد بن حميد و ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت: بلغ ما أنزل إليك من ربك قال: يا رب؟ إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس؟ فنزلت و إن لم تفعل فما بلغت رسالته. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك – إن عليا مولى المؤمنين – وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس.

23- السيد عبد الوهاب البخاري المولود 869 والمتوفى 932 (المترجم 134) في تفسيره عند قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى. قال: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال في قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. أي بلغ من فضايل علي. نزلت في غدير خم فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. فقال عمر رضي الله عنه: بخ بخ يا علي؟ أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة: رواه أبو نعيم وذكره أيضا الثعالبي في كتابه.

24- السيد جمال الدين الشيرازي المتوفى 1000 كما مر ص 137، روى في أربعينه نزول الآية في غدير خم عن ابن عباس بلفظ مر في ص 52.

25- محمد محبوب العالم (المذكور ص 140) حكى في تفسيره الشهير به (تفسير شاهي): ما مر عن تفسير نظام الدين النيسابوري.

26- ميرزا محمد البدخشاني (المذكور ص 143) قال في ” مفتاح النجا “: الآيات النازلة في شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كثيرة جدا لا أستطيع استيعابها فأوردت في هذا الكتاب لبها ولبابها – إلى أن قال -: وأخرج ” ابن مردويه ” عن زر عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله. وذكر إلى آخر ما مر عن ابن مردويه ص 216 ثم روى من طريقه عن أبي سعيد الخدري وفي آخره فنزلت: اليوم أكملت لكم دينكم، وروى ما أخرجه الحافظ الرسعني بلفظه المذكور ص 221.

27- القاضي الشوكاني المتوفى 1250 ” المترجم ص 146 ” في تفسيره ” فتح القدير ” ج 3 ص 57 قال: أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك. على رسول الله يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك – إن عليا مولى المؤمنين – وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس.

28- السيد شهاب الدين الآلوسي الشافعي البغدادي المتوفى 1270 (المترجم ص 147) قال في روح المعاني 2 ص 348: زعمت الشيعة إن المراد من الآية بما أنزل الله إليك خلافة علي كرم الله وجهه، فقد رووا بأسانيدهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله عنهما: إن الله تعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستخلف عليا كرم الله تعالى وجهه فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعا له عليه السلام بما أمره بأدائه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية في علي كرم الله وجهه حيث أمر سبحانه أن يخبر الناس بولايته فتخوف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا: حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه فأوحى الله تعالى إليه هذه الآية فقام بولايته يوم غدير خم وأخذ بيده فقال عليه الصلاة والسلام: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. وأخرج الجلال السيوطي في الدر المنثور عن ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر راوين عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك – إن عليا ولي المؤمنين – وإن لم تفعل فما بلغت رسالته.

29- الشيخ سليمان القندوزي الحنفي المتوفى 1293 (المترجم ص 147) قال في ينابيع المودة ص 120: أخرج الثعلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن محمد الباقر رضي الله عنهما قالا: نزلت هذه الآية في علي أيضا الحمويني في فرايد السمطين أخرجه عن أبي هريرة، أيضا المالكي أخرج في ” الفصول المهمة ” عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية في علي في غدير خم. هكذا ذكره الشيخ محيي الدين النووي.

30- الشيخ محمد عبدة المصري المتوفى 1323 (المترجم ص 148) قال في تفسير المنار 6 ص 463: روى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري: أنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب .  [

 

وبالتالي لا عهد ولا ميثاق ولا أيمان لمن تولى غير أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى هنا { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ – القلم 39} .

 

وأما :

 

(إلى يوم القيامة)

 

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء سيسئلون يوم القيامة عما افتروه على الله تعالى من كذب ومناقب في رجال وقبائل وبلدان ارادا بها صرف الناس عن ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون – العنكبوت 13 } ويكون الله تعالى هو الحكم في ذلك اليوم لقوله تعالى { فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون – البقرة 113 } .

ثم يبين تعالى أن هؤلاء سيدخلون النار لسيرهم وفق سنن فرعون لعنه الله تعالى في حربه لأنبياء الله تعالى كما في قوله عز وجل { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ  وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ – القصص 40-42 }  وبالتالي كل من خرج على ولاية الله تعالى  ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام فهو مع فرعون وهامان وقارون وأبو لهب وابو جهل ومن سار على نهجهم وشاقق الله تعالى وحاربه عز وجل في أوليائه .

 

وأما :

 

(إن لكم)

 

أي أنه يقول تعالى هل أنزل عليكم قرآناً غير هذا لتدرسوه وتحكمون به قال تعالى { أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون – القلم 37-38 } .

 

وأما :

 

(إن لكم لما تحكمون)

 

وهنا ورد هذا اللفظ في قوله تعالى عن اليهود { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ – المائدة 43 } وأما عن قريش وما كانوا يعتقدونه من عقائد وثنية يقول تعالى { فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ  ) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ   أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ  وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ  مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ  أَفَلَا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ  فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ – الصافات 149- 157 } ثم يبين تعالى في آخر الزمان عندما يبعث الله تعالى إمام آخر الزمان لذرية هؤلاء ويبين لهم بإذن الله تعالى ملا يعلموه من الحق والهدى يسألهم الله تعالى موبخاً إياهم  { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – يونس 35 } .

وهنا يقول تعالى لهؤلاء مبيناً أن الذين اسلموا وتولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام لا يستوون بغيرهم ممن كفروا بالله تعالى وكانوا مجرمين قال تعالى  { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ  مَا لَكُمْ كَيْفَ تحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ  أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ  – الصافات 35 – 39 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

 

(40) سلهم أيهم بذلك زعيم (40)

 

وهنا :

 

(سلهم)

 

والسؤال هنا عن زعيمهم في أقول الكفر كقولهم { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } وهنا : [عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) قال : هو النضر بن الحارث بن كلدة ، قال : فأنزل الله : ( سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع  – المعارج 1 – 2 )  وكذا قال مجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والسدي : إنه النضر بن الحارث – زاد عطاء : فقال الله تعالى : ( وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) وقال ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة –  الأنعام : 94 ) وقال ( سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع – المعارج  1 ، 2)   ، قال عطاء : ولقد أنزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله ، عز وجل. – تفسير القرآن العظيم لابن كثير ] .

وفي ذلك اليوم لا يسأل حميم حميما كما قوله تعالى : {    وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا  – المعارج 1-10 }  ثم يبين تعالى أنهم سوف يسئلون عن ذكر الله تعالى كما في قوله  عز وجل  { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ – الزخرف 48 4 } وسوف يسئلون عن مودة أهل بيت النبي عليهم السلام كما في قوله تعالى : { ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ – الشورة 23 } .

وسيسئلون عن النعيم وهو كل ما تنعم به الناس ولم يخرجوا حق الله تعالى فيه لقوله تعالى  : { كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ  ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ  لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ – التكاثر3 } .

وسيسئلون يوم القيامة عما افتروه من كذب على الله تعالى ورسوله قال تعالى فيه {   وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ – العنكبوت 12-13 }.  وكل تلك المفتريات والكفريات لها زعماء قال تعالى هنا لرسوله صلى الله عليه وآله { سلهم أيهم بذلك زعيم – القلم 40 } .

 

وأما :

 

(أيهم)

 

أيهم أحسن عملاً وفق ما أمر الله تعالى كما في قوله تعالى  { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا – الكهف 7 }  ثم يبين تعالى أن من الناس من يبتغي إليه الوسيلة بالأعمال الصالحة وولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه  ثم أهل بيته  عليهم السلام قال تعالى { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا- الاسراء 57 }

وأما الذين كفروا بآيات الله تعالى كانوا يقولون أيكم زادته هذه إيمانا قال تعالى :  { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ – التوبة 24 } وكل هؤلاء سينتزع الله تعالى منهم أولا للعذاب أيهم أشد على الرحمن عتيا قال تعالى  {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا – مريم 69 }  .

 

وأما :

 

(بذلك)

 

يقول تعالى { فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ – آل عمران 94 }  أي أنه تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وآله هنا هل عندهم عهد من الله تعالى بما فتروه على الله من كذب قال تعالى  فيه { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ  سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ  – القلم 37-40 }  وهؤلاء هم الذين كرهوا ما أنزل الله تعالى كما في قوله عز وجل { وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ  – محمد 809 } .وهؤلاء الكارهون لما أنزل الله تعالى الذين افتروا على الله الكذب قال تعالى لرسوله هنا { سلهم أيهم بذلك زعيم – القلم } .

 

وأما :

 

(زعيم)

 

[ وزعم يزعم زعماً وزعامة : ضمن وكفل فهو زعيم – معجم ألفاظ القرآن باب الزاي فصل العين والميم ] قال تعالى { قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ  – يوسف 72 }

ولقد زعم هؤلاء كفراَ قبل إسلامهم  أنهم لن يبعثوا في قوله تعالى { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ – التغابن 7 }

 

وبعد إسلامهم رووا كذبا مفتريات في رجالهم لإيهام الناس أنهم مقدسون ولهم شفاعة  عند الله تعالى يوم القيامة ولذلك يقول تعالى  { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ – الأنعام 94 }

 

والآية تبين أن هؤلاء الزعماء بعد إسلامهم تصدوا  رواية المكذوبات والمدائح والمناقب في  رجالهم و قبائلهم و بلدانهم  ما أنزل الله تعالى بها من سلطان وغير ذلك من حلال  وحرام وارد في سنة النبي صلى الله عليه وآله فهو محفوظ كحفظ القرآن الكريم قال تعالى  { وما ينطق عن الهوى لإن هو إلا وحى يوحى – النجم} وبالتالي المكذوبات جاءت في مناقب الرجال والبلدان كما بينا  وليس في الشرع الكريم .

 

وهؤلاء المجرمين ينادون يوم القيامة ليستنصر بعضهم ببعض أو يشفع بعضهم لبعض كما زعموا فلم يستجيبوا لهم كما في قوله تعالى { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِىَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا – الكهف – 52} . وهؤلاء يقول تعالى هنا لرسوله في الدنيا بأن يسألهم { سلهم أيهم بذلك زعيم } أي ايهم ضامن وكفيل على صدق ما يدعون من مفتريات عدم بعث وافضلية رجالهم والحط من شأن أهل بيت النبي ونسبة الأخطاء للنبي خاشا لله تعالى ورسوله بان ينزل شرع الله مخالفاً لراي رسول الله مصوباً لراي غيره من البشر .

 

ثم يقول تعالى :

 

(41) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (41)

وهنا :

 

(أم لهم)

وردت هذه الآيات في قيوله تعالى :

{ فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ  قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ  أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَٰذَا ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ  أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ۚ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ  أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ  أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ۖ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ  أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ  أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ  أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ  أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ  أَمْ لَهُمْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ – الطور 29-43 }

أم لهم نصيب في ملكوت الله تعالى كما في قوله عز وجل { أم لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيرا – النساء 53 }

أم لهم آلهة تمنعهم من عذاب الله تعالى أو تدفع عنهم الموت قال تعالى { أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون – الانبياء 43 }

 

وأما :

 

(أم لم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم )

 

أي أن الله تبارك وتعالى يستنكر عليهم ويسئل عن الذين أطاعوهم وتولوهم من دون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام ماذا خلقوا من الأرض قال تعالى { قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ – الأحقاف 4 } .ثم يقول تعالى هل خلقوا خلقاً كخلق الله تعالى فتشابه الخلق عليهم قال تعالى :  { قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ – الرعد 16 }

وبالتالي عبد هؤلاء رجالاً لم ينزل بطاعتهم ولا ولايتهم سلطاناً كما في قوله تعالى { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ – الحج 71 }  وهنا يكونوا قد شرعوا للناس في الدين بالهوى والقياس والرأي مالم يأذن به الله تعالى كما في قوله تعالى  : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  – الشورى 21 }

 

 

وبالتالي الآية هنا كأنه يقول تعالى لهؤلاء المجرمين إن كانوا آلهة أومعهم شركاء في الخلق فيأتوا بهؤلاء الشركاء كما في الآية هنا { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ – القلم 41 } .

 

 وأما :

 

(فليأتوا)

 

أي أنه سيقول تعالى يوم القيامة في المحكمة الإلهية العيا بهذا اليوم { إيتوني بكتابكم إن كنتم صادقين – الأحقاف 4} وقال تعالى ايضاً { فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين – الصافات 157 } ثم يبين تعالى أنهم سيعرضون عن ذكر ربهم للعمل بالهوى والرأي في الدين لقوله تعالى { بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ – المؤمنون 71 }

 

وعن  ولاية لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون- المائدة } وتأويل آخر الزمان مع الإمام سيكذبون به أيضاَ  لقوله تعالى : { بل كذبوا بمالم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله – يونس } .

 

وأما :

 

(بشركائهم)

 

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء الذين كذبوا على الله تعالى ورسوله ودعوا إلى فكرة (حسبنا ماوجدنا عليه آبائنا) أو فكرة السلف الصالح لضرب خط الولائة لأهل بيت النبي عليهم السلام وهذا مما لم يأذن به الله تعالى كما في قوله عز وجل  : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  – الشورى 21 }

وهؤلاء بالهوى شاقوا الله تعالى ورسوله حتى أصبحوا في شق وحكم القرآن الكريم وولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام في شق آخر قال تعالى عن محاكمتهم  يوم القيامة  : { أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم – النحل 27 } وذلك لأنهم رووا في مناقب ومدائح رجالهم ماملئوا به الآفاق حتى أوهموا الناس بأن رجالهم سيكونون شفعاء لهم يوم القيامة لذلك قال تعالى  فيهم فيما بثوه من مكذوبات بين الناس وتبروء بعضهم من بعض يوم القيامة حتى لا يجدون لهم شفيعاَ بخروجهم على ولاية الله الحق  قال تعالى : { وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ – الروم 13 }

وهنا عندما يفقدون الشفيع بين التابع والمتبوع أو الشافع والمشفع فيه بعدما قدموا الرأي والهوى شركاً مع كتاب الله تعالى وأوامره التي قدموها على نصوص القرآن الكريم لذلك يقول تعالى :   { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ   قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ  ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ  – غافر 10-12 }

وهنا يوم القيامة يفرق الله تعالى بين التابعين والمتبوعين كما في قوله تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ – يونس 28 }

وما كان ذلك كما بينا من قبل إلا لتقديمهم الرأي على النص القرآني لقوله تعالى { ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ – غافر12 } .

وأما :

 

( إن كانوا صادقين)

 

أولا : الصدق في كتاب الله تعالى :

 

لقوله تعالى { ومن أصدق من الله حديثا- النساء 87 } وفي كتاب الله الصدق لقوله تعالى { فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين – الصافات 157 } .

 

و ثانياً  الصادقين:

 

هم العاملين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وتولوا أهل بيته عليهم السلام وفق أوامر الله تعالى ورسوله لقوله تعالى { فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين – الصافات 157 } . وهؤلاء هم المؤمنين بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين – الحجرات 17 } .

 

ثالثاً :

 

الصادقين هم أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين – التوبة 119 } وهنا [ عن ابن عباس في قوله تعالى ( كونوا مع الصادقين) قال مع علي بن أبي طالب – الدر المنثور ج 3 ص 290  والثعلبي في تفسيره ] .

 

رابعاً :

هم المهاجرين والأنصار الذين تولوا الإمام علي عليه السلام وكانوا معه في موقعة الجمل وصفين وحاربوا مع الناكثين والقاسطين والمارقين كما في الحديث المعروف

[روى الحاكم باسناده عن عتاب بن ثعلبة: «حدثني أبو أيّوب الانصاري في خلافة عمر بن خطاب قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علي بن أبي طالب عليه السّلام بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين» –  المستدرك على الصحيحين ج3 ص139[

[ وباسناده عنه قال: «سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي بن أبي طالب عليه السّلام تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات   – (نهروان ـ كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدها الاعلى متصل ببغداد ـ معجم البلدان ج5 ص324 )

.وبالسعفات، قال أبو ايوب: قلت يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مع من تقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال: مع علي بن أبي طالب عليه السّلام»   المستدرك ج3  ص139] [ وروى الحمويني بأسناده عن أبي سعيد الخدري قال: «أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا يا رسول الله، أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من نقاتلهم؟ قال: مع علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر». وبإسناده عن عبدالله، قال: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من بيت زينب، فأتى منزل ام سلمة فجاء علي، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أم سلمة، هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين». وباسناده عن عمرو بن مرة قال: «سمعت عمرو بن سلمة يقول: سمعت عمّار ابن ياسر يوم صفين شيخاً آدم طويلا أخذ الحربة بيده ويده ترعد، قال: والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر لعرفنا أنّنا على الحق وهم على الضلال». وبأسناده عن الذيّال بن حرملة قال: «سمعت صعصعة بن صوحان يقول: لما عقد علي بن أبي طالب عليه السّلام الألوية أخرج لواء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم ير ذلك اللواء منذ قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. فعقده ودعا قيس بن سعد بن عبادة فدفعه اليه، واجتمعت الأنصار وأهل بدر فلما نظروا إلى لواء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بكوا فأنشأ قيس بن سعد بن عبادة يقول:
هذا اللواء الذي كنّآ نحفّ به *** دون النبي وجبريل لنا مدد
ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته *** ان لا يكون له من غيرهم عضد» وباسناده عن سعد بن عبادة عن علي عليه السّلام قال: «أمرت بقتال ثلاثة: القاسطين والناكثين والمارقين، فأما القاسطون فأهل الشام، وامّا الناكثون فذكرهم، وامّا المارقون فأهل النهروان يعني الحرورية». وباسناده عن أم سلمة، قالت: «ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: تقتل عماراً الفئة الباغية، قال الإمام أبو بكر: فنشهد ان كل من نازع أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب في خلافته فهو باغ. على هذا عهدت مشايخنا»   –  فرائد المسطين ج1 ص281ـ287، وروى الخوارزمي خبري سعد بن عبادة وامّ سلمة في المناقب ص123 و ص 125] [ وروى ابن المغازلي باسناده عن علي عليه السّلام قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله، فقال أبو بكر: أنا؟ قال: لا، قال عمر: فأنا؟ قال: لا ولكن خاصف النعل. يعني عليّاً»  – المناقب ص54 الحديث 78، ورواه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد ج ص33 والحاكم في المستدرك على الصحيحين ج3 ص123. بسندهما عن أبي سعيد مع فرق  ] .

[ وروى البلاذري باسناده عن حكيم بن جبير، قال: «سمعت إبراهيم يقول: سمعت علقمة قال: سمعت عليّاً يقول: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وحدثت ان أبا نعيم قال لنا: الناكثون أهل الجمل، والقاسطون اصحاب صفين، والمارقون اصحاب النهر»  – أنساب الأشراف ج2 ص138 الحديث 129 ] [ وروى الكنجي باسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأم سلمة: «هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنه لا نبي بعدي، يا ام سلمة، هذا علي أميرالمؤمنين وسيد المسلمين، ووعاء علمي، ووصيي، وبأبي الذي أوتى منه، أخي في الدنيا والآخرة، ومعي في المقام الأعلى، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين». وفي هذا الحديث دلالة على أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعد علياً عليه السّلام بقتل هؤلاء الطوائف الثلاث، وقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم حق ووعده صدق، وقد أمر صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً بقتالهم.

روى ذلك أبو ايوب عنه وأخبر أنه قاتل المشركين والناكثين والقاسطين، وانه عليه السّلام سيقاتل المارقين» – كفاية الطالب ص168[  .

[ وروى باسناده عن مخنف بن سليم قال: «أتينا أبا أتراب الأنصاري وهو يعلف خيلا له، قال: فقلنا عنده، فقلت له: يا أبا أيوب، قاتلت المشركين مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم جئت تقاتل المسلمين. قال: ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمرني بقتال ثلاثة، الناكثين والقاسطين والمارقين، فقد قاتلت الناكثين والقاسطين وأنا مقاتل ان شاء الله المارقين بالسعفات بالطرقات بالنهروانات وما أدري أين هو؟»
المصدر السابق ص 169 [

 

ولذلك نزل في هؤلاء المهاجرين والأنصار رضى الله تعالى عنهم وأرضاهم {  لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ  وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – الحشر 7-9 }   وهؤلاء لولا ولايتهم لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام وأولهم الإمام علي عليه السلام لما أطلق عليهم صادقون .

وذلك لأن القرآن هو الصدق وأول من صدق به بعد رسول الله صلى الله عليه وآله هو الإمام علي عليه السلام .

خامساً :

 الصادق هو الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى :

 

{ والذي جاء بالصدق وصدق به أولائك هم المتقون – الزمر 33 }

 

[عن أبي هريرة: (والذي جآء بالصدق) قال: رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله (وصدق به) قال : علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) – الدر المنثور، ج 5، ص 328.
ورواه ابن مردويه كما في روح المعاني (ج 24، ص 3) وأرجح المطالب (ص 60).
ورواه ابن المغازلي في مناقب علي بن أبي طالب (ص 269، ح 317)، قال: أخبرنا علي بن الحسين – إذنا -، قال: حدثنا علي بن محمد بن أحمد، حدثنا عبد الله بن محمد الحافظ، حدثنا الحسين بن علي، حدثنا محمد ابن الحسن، حدثنا عمر بن سعيد، عن ليث، عن مجاهد في قوله تعالى: (والذي جآء بالصدق وصدق به) قال: جاء به محمد (صلى الله عليه وآله)، وصدق به علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
ورواه القرطبي في تفسيره (ج 15، ص 256)، قال: عن مجاهد أن المراد بالذي جاء بالصدق: النبي، وأن المراد بمن صدق به: علي (عليه السلام) ورواه أبو حيان الأندلسي في تفسيره المسمى بالبحر المحيط (ج 7، ص 428)، قال: وقال أبو الأسود ومجاهد وجماعة: الذي صدق به علي بن أبي طالب ] .

 

سادسا  : الصادق إمام آخرالزمان لقوله تعالى :

 

{ واجعل لي لسان صدق في الآخرين –الشعراء }  وهذه دعوة دعاها سيدنا إبراهيم لإمام آخر الزمان وذلك لأن آخرين ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين – الواقعة } وبالتالي لسان الصدق في الآخرين أي في آخر الزمان .

وهذا الإمام سيدعوا للعمل بكتاب الله وفيه الصدق ولولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وهو طريق الصدق الذي قال تعالى فيه عمن تولى غير هؤلاء من الشركاء { أم لهم شركاء فيأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين – الشعراء 41 } .

وكل هؤلاء الصادقين من أنبياء ومرسلين وصحابة وأئمة سيئلون يوم القيامةلقوله تعالى { ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذاباً أليما – الأحزاب 8 } .

 

ثم يقول تعالى:

 

(42) يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون (42)

 

ورد في كتب التفسير :

 

ورد في تفسير نور الثقلين للحويزي :

 

[ قال يكشف عن الأمور التي خفيت وما غصبوا آل محمد حقهم ويدعون إلى السجود قال يكشف لأمير المؤمنين (عليه السلام) فتصير أعناقهم مثل صياصي البقر يعني قرونها فلا يستطيعوا أن يسجدوا وهى عقوبة لأنهم في الدنيا لم يطيعوا الله تعالى في أمره وهو قوله (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) قال : إلى ولايته في الدنيا وهم يستطيعون- نورالثقلين ج 5 ص 396 ] .

 

وفي تفسير القمي :

 

[ قوله : { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود } قال : يوم يكشف عن الأمور التي خفيت وما غصبوا آل محمد حقهم ويدعون إلى السجود قال يكشف لأمير المؤمنين عليه السلام فتصير أعناقهم مثل صياصي البقر يعني: قرونه { فلا يستطيعون } أن يسجدوا وهي عقوبة لأنهم لم يطيعوا الله في الدنيا في أمره وهو قوله: وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون قال إلى ولايته في الدنيا وهم يستطيعون –  تفسير القمي ]

.

[و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسين بن موسى، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ، قال: كشف إزاره عن ساق، و يده الأخرى على رأسه فقال: “سبحان ربي الأعلى!”.

قال ابن بابويه: قوله: “سبحان ربي الأعلى!” تنزيه لله عز و جل أن يكون له ساق.

10985/ [5]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله)، قال: حدثنا الحسين بن الحسن ابن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن حمزة بن محمد الطيار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ } ، قال: “مستطيعون، يستطيعون الأخذ بما أمروا به و الترك لما نهوا عنه، و بذلك ابتلوا” ثم قال: “ليس شيء مما أمروا به و نهوا عنه إلا و من الله عز و جل فيه ابتلاء و قضاء”.

10986/ [6]- و عنه، قال: حدثني أبي و محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله)، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن عبد الله، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي الحسن الحذاء، عن المعلى بن خنيس، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يعني بقوله عز و جل { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ }؟ قال: “و هم مستطيعون”.

10987/ [7]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن ابن فضال، عن مفضل بن صالح، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ } ، قال: “و هم يستطيعون الأخذ لما أمروا به و الترك لما نهوا عنه، و لذلك ابتلوا” و قال: “ليس في العبد قبض و لا بسط مما أمر الله به ونهى عنه إلا [ و] من الله فيه ابتلاء و قضاء ”. – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

 

وفي تفسير مفاتيح الغيب للرازي :

 

[ فقال: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } وفيه مسائل: المسألة الأولى : يوم منصوب بماذا؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منصوب، بقوله: { فَلْيَأْتُواْ } في قوله ( فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ القلم: 41)  ] وذلك أن ذلك اليوم يوم شديد، فكأنه تعالى قال: إن كانوا صادقين في أنها شركاء فليأتوا بها يوم القيامة، لتنفعهم ونشفع لهم وثانيها: أنه منصوب بإضمار اذكر وثالثها: أن يكون التقدير يوم يكشف عن ساق، كان كيت وكيت فحذف للتهويل البليغ، وأن ثم من الكوائن مالا يوصف لعظمته. المسألة الثانية: هذا اليوم الذي يكشف فيه عن ساق، أهو يوم القيامة أو في الدنيا؟ فيه قولان: الأول: وهو الذي عليه الجمهور، أنه يوم القيامة، ثم في تفسير الساق وجوه: الأول: أنه الشدة، وروي أنه سئل ابن عباس عن هذه الآية، فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر:

 

سن لنا قومك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق

ثم قال: وهو كرب وشدة وروى مجاهد عنه قال: هو أشد ساعة في القيامة، وأنشد أهل اللغة أبياتاً كثيرة منها:

فإن شمرت لك عن ساقها فدنها ربيع ولا تسأم

ومنها:

كشفت لكم عن ساقها وبدا من الشر الصراح

وقال جرير:

ألا رب سام الطرف من آل مازن إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا

وقال آخر:

في سنة قد شمرت عن ساقها حمراء تبرى اللحم عن عراقها

وقال آخر:

قد شمرت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا

ثم قال ابن قتيبة أصل هذا أن الرجل إذاوقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه، يشمر عن ساقه، فلا جرم يقال في موضع الشدة: كشف عن ساقه، واعلم أن هذا اعتراف من أهل اللغة بأن استعمال الساق في الشدة مجاز، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز صرف الكلام إلى المجاز إلا بعد تعذر حمله على الحقيقة، فإذا أقمنا الدلائل القاطعة على أنه تعالى، يستحيل أن يكون جسماً، فحينئذ يجب صرف اللفظ إلى المجاز، واعلم أن صاحب «الكشاف» أورد هذا التأويل في معرض آخر، فقال: الكشف عن الساق مثل في شدة الأمر، فمعنى قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يوم يشتد الأمر ويتفاقم، ولا كشف ثم، ولا ساق، كما تقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يد ثم ولا غل وإنما هو مثل في البخل، ثم أخذ يعظم علم البيان ويقول لولاه: لما وقفنا على هذه الأسرار وأقول: إما أن يدعى أنه صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل، أو يقول: إنه لا يجوز ذلك إلا بعد امتناع حمله على الحقيقة، والأول باطل بإجماع المسلمين، ولأنا إن جوزنا ذلك انفتحت أبواب تأويلات الفلاسفة في أمر المعاد فإنهم يقولون في قوله: ( جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ   -البقرة: 25)  ليس هناك لا أنهار ولا أشجار، وإنما هو مثل للذة والسعادة، ويقولون في قوله) ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ  –   الحج: 77(  ليس هناك لا سجود ولا ركوع. وإنما هو مثل للتعظيم، ومعلوم أن ذلك يفضي إلى رفع الشرائع وفساد الدين، وأما إن قال: بأنه لا يصار إلى هذا التأويل إلا بعد قيام الدلالة على أنه لا يجوز حمله على ظاهره، فهذا هو الذي لم يزل كل أحد من المتكلمين إلا قال به وعول عليه، فأين هذه الدقائق، التي استبد هو بمعرفتها والاطلاع عليها بواسطة علم البيان، فرحم الله أمراً عرف قدره، وما تجاوز طوره القول الثاني: وهو قول أبي سعيد الضرير: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ، أي عن أصل الأمر، وساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر، وساق الإنسان، أي يظهر يوم القيامة حقائق الأشياء وأصولها القول الثالث: يوم يكشف عن ساق جهنم، أو عن ساق العرش، أو عن ساق ملك مهيب عظيم، واللفظ لا يدل إلا على ساق، فأما أن ذلك الساق ساق أي شيء هو فليس في اللفظ ما يدل عليه والقول الرابع: وهو اختيار المشبهة، أنه ساق الله، تعالى الله عنه روى عن ابن مسعود عنه عليه الصلاة والسلام: ”  أنه تعالى يتمثل للخلق يوم القيامة حين يمر المسلمون، فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله فيشهدهم مرتين أو ثلاثاً ثم يقول: هل تعرفون ربكم، فيقولون: سبحانه إذا عرفنا نفسه عرفناه، فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن إلا خر ساجداً، ويبقى المنافقون ظهورهم كالطبق الواحد كأنما فيها السفافيد ” واعلم أن هذا القول باطل لوجوه أحدها: أن الدلائل دلت على أن كل جسم محدث، لأن كل جسم متناه، وكل متناه محدث ولأن كل جسم فإنه لا ينفك عن الحركة والسكون، وكل ما كان كذلك فهو محدث، ولأن كل جسم ممكن، وكل ممكن محدث وثانيها: أنه لو كان المراد ذلك لكان من حق الساق أن يعرف، لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمن، أما لو حملناه على الشدة، ففائدة التنكير الدلالة على التعظيم، كأنه قيل: يوم يكشف عن شدة، وأي شدة، أي شدة لا يمكن وصفها وثالثها: أن التعريف لا يحصل بالكشف عن الساق، وإنما يحصل بكشف الوجه القول الثاني: أن قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ليس المراد منه يوم القيامة، بل هو في الدنيا، وهذا قول أبي مسلم قال: أنه لا يمكن حمله على يوم القيامة لأنه تعالى قال في وصف هذا اليوم: { وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ } ويوم القيامة ليس فيه تعبد ولا تكليف، بل المراد منه، إما آخر أيام الرجل في دنياه كقوله تعالى ( يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَـئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ) … – من تفسير مفاتيح الغيب للرازي ] .

 

التفسير :

 

 الآية :

 

(42) يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون (42)

 

وهنا :

 

(يوم)

 

هو يوم القيامة لقوله تعالى { يوم القيامة يفصل بينكم – الممتحنة 3 } . وفي هذا اليوم يأمر الله تعالى الخلق بالسجود فلا يسطيع الكفار والمنافقون السجود في ذلك اليوم بكفرهم في الحياة الدنيا وهم سالمون فيها لقوله تعالى هنا : { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون  – القلم  43-42 } .

 

وأما :

 

(يكشف)

 

والكشف في اللغة  : [ وكشف الشيئ يكشفه كشفاً أظهره أو رفع عنه مايواريه ويقال كشف الهم أزاله وكشف عن الشيئ أظهره ويستعمل الكشف في المعنويات كما يسعمل في الحسيات – معجم ألفاظ القرآنباب الكاف فصل الشين والفاء ] .

قال تعالى في المعنويات : { فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها –  النمل 44 } أي أظهرتهما برفع ما كان يواريهما .

وقال تعالى عن الحسيات : { إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون – الدخان 15 } فإذا عادوا اليه تبارك وتعالى والتفت الساق بالساق هنا يدعون للسجود فلا يستطيعون بكفرهم في الدنيا السجود لله تعالى في زمن رفعت فيه الأعمال عندما كانوا في الحياة الدنيا وقد رجعوا إلى الله تعالى للحساب قال تعالى هنا : {  يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون  – القلم 42-43}  .

 

وأما :

 

(عن ساق)

 

وهنا قبل بيان هذه الكلمة لابد وأن تعلم بأن :

 

أولاً :

 

الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيئ قال تعالى { فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ – فاطر 11 } . وبالتالي لفظ ساق لا يمكن أن يكون المقصود بها ساق الله تبارك وتعالى كما يقول المجسمة لأنه تعالى (ليس كمثله شيء) كما قال تعالى .

 

ثانياً :

 

الساق ورد كلفظ حسي بالتنكير بدون ألف ولام كما في الآية هنا {يوم يكشف عن ساق} وليس الساق .

 

ثالثاً :

 

كشف الساق ورد حسي في قوله تعالى عن ملكة سبأ { فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها – النمل 44 }  أي أن الساق حسية آدمية بصيغة المفرد ساق واحدة وليست ساقين كما قال تعالى عن ملكة سبأ وذلك لأن هؤلاء عند موتهم ألتفت الساق بالساق حتى أصبحت ساق واحدة وليست ساقين قال تعالى : { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ  وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ  وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ  إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ  فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ  ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ  أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ  ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ  أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى  أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ  ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ  فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ  أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ  – القيامة 26-40 }  .

فإذا أحيا الله تبارك وتعالى الإنسان من بعد الموت للحساب وكان مجرماً فلا يمشي على ساقين بل على ساق واحدة مسحوباً على وجهه إلى الحساب ثم سقر والعياذ بالله قال تعالى { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ  –القمر 47- 48 } .

 

وأما :

 

(يدعون إلى السجود)

 

والدعوة هنا للبعث من بعد الموت لقوله تعالى { ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون – الروم 25 } فإذا خرجوا من الأرض بعثوا للحساب ثم يدعون إلى السجود وهنا تكون قد كبلتهم أعمالهم وفي السلاسل يسحبون على وجوههم بما جنتهأيديهم في الحياة الدنيا لذلك يقول تعالى هنا {  يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم  ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون  – القلم 42-43}  .

 

وما كان حق الله في الدنيا إلا الطاعة و العبادة والخلق الحسن مع الناس جميعاً وإخراج حق الله في المال من زكاة و خمس لأهل بيت النبي والصدقات للفقراء والمساكين ودعوة الولاية لأهل بيت النبي وحقهم وهذا هو سبيل الله تعالى الذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وآله في الدنيا وقال تعالى في ذلك { قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ – الأنعام 108 }

وهذه الدعوة أمر الله تعالى بالاستجابة لها لأن فيها الحياة الخالدة الأبدية من بعد الموت قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ – الانفال 24 } .

وهذه الدعوة فيها الهدى ولكنهم أبو اتباعها لقوله تعالى { وإن تدعهم إلى الهدى لا يتبعوكم- الاعراف 193 }  وهنا يكونوا قد عملوا بالهوى مع النص القرآني وهو إله آخر مع الله تعالى قال فيه { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا – الفرقان 43-44 }  وما كان هذا  الهوى ألا الظن لقوله تعالى { أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ۗ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ – يونس 66 } . وهؤلاء يدعون إلى النار كما في قوله تعالى { أولائك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه – البقرة 221 }

والله تعالى يدعوا إلى دار السلام كما في قوله تعالى عن جنته عز وجل { والله يدعوا إلى دار السلام – يونس 25 } وهذه الدعوة قام بها رسل الله تعالى وأنبيائه وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه ثم الأئمة من أهل بيته عليهم السلام لذلك يقول تعالى { يوم ندعوا كل أناس بإمامهم – الإسراء 71 }

ويوم القيامة لما كفروا ونافقوا أصبحت دعوة المنادي يوم البعث منكرة لهم قال تعالى فيها : { فتول عنهم يوم يدعوا الداعي إلى شيئ نكر خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر – القمر 6-7 } .

ويتولى أمر هؤلاء المجرمين زبانية الله تعالى الذين قال تعالى { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ  كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ  سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ  – العلق 13-18}

 

وهنا سيقولون { يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ – يس 52 } :

 

هنا يدعون على أنفسهم بالويل والثبور لكفرهم برسول الله صلى الله عليه وآله ودعوته إلى الله تعالى { وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ۚ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا  تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا  بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا  إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا  لَّا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا  قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۚ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا  لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْئُولًا وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَٰؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا ۚ وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا –  الفرقان 7-19} .

 

ثم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون بكفرهم في الحياة الدنيا لقوله عز وجل {  يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون  – القلم 42-43}  .

 

وأما :

 

( فلا يستطيعون)

 

وأول العجز الاستطاعة هو العجز عن الطاعة لخبث طينتهم التي خلقوا منها قال تعالى

{ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ  أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ۘ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ۚ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ  أُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ   هود 19-21 }

ثم تبدأ مرحلة سلب القوة وعدم الإستطاعة على فعل أي شيئ بهلاكهم كما في قوله تعالى { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ  وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّىٰ حِينٍ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ – الذاريات 41-45 }ت

وقال تعالى أيضاً { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ – الانبياء 40 } . وقال تعالى عن الصيحة وقيام الساعة : { مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ  قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ  إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – يس 49- 54 } .

ثم يوم القيامة لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا لغيرهم ينتصرون لقوله تعالى { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ – الاعراف 197 }

وهؤلاء يوم القيامة بكفرهم لا يستطيعون السجود قال تعالى {  يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون  – القلم 42-43}  .

 

ثم يقول تعالى :

 

 (43) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون  (43)

 

وهنا :

 

(خاشعةأبصارهم)

 

[ وخاشعة أبصارهم : ساكنة أبصارهم ذليلة منكسرة و خشع يخشع خشوعا فهو خاشع وهى خاشعة  وخٌشًع وههن خاشعات  – معجم الفاظ القرآن باب الخاء فصل الشين والعين ] .قال تعالى { خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر – القمر 7 } .

وفي هذا اليوم يقول تعالى { وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا – طه 108 }

وفي هذا اليوم سيفلح المؤمنين العاملين بىيات الله ولم يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا قال تعالى { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ – آل عمران 199 } وهم الذين قال تعالى في صلاتهم  وعملهم بآيات الله تعالى { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ  الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ  وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – المؤمنون 1-11 } .

وهؤلاء هم الأنبياء وتابعيهم ولهم البركة والخير في الدنيا لقوله تعالى في نبي الله زكريا عليه السلام  { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ – الانبياء 90 } . وفي الآخرة يقول تعالى { لا يحزنهم الفزع الأكبر } .

وهؤلاء هم المسلمين الذين تولوا الله ورسوله ثم الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ – البينة 7-8 }

 

[عن محمد بن عليّ( أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” أنْتَ يا عَلي وَشِيعَتُكَ”.- تفسير الطبري ] .

و [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: (هم أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوّك غضاباً مقمحين).  رواه ابن عساكر الدمشقيُّ الشافعيُّ في (تاريخ دمشق)، والطبرانيّ في معجَمَيهِ: الأوسط والكبير  وفيهما قول النّبيّ لعلي صلى الله عليهما وآلهما: (أنت وشيعتك تردون عليّ الحوض رواءً مرويّين، مُبيضّةً وجوهكم، وإن عدوّك يردون عليّ ظماءً مقمحين) .وفي رواية (شواهد التنزيل) عن ابن عباس كما يروي الحسكانيُّ الحنفيّ أنّ علياً عليه السلام سأل: يا رسول الله، وممّن عدوّي؟ فأجابه النّبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من تبرّأ منك ولعنك. ثم قال: رحم الله علياً ويرحمه الله). فيما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام نفسه قوله: (حدّثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا مسنده الى صدري، فقال: يا علي، أما تسمع قول الله عزّ وجلّ: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ” هم انت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض اذا اجتمعت الأُمَمُ للحساب، تُدعون غرّاً محَجَّلين. ومثل هذه الرواية أو قريباً منها يروي السّيوطيُّ الشافعيُ في كتابه (جمع الجوامع) وابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث)، والخوارزميّ الحنفيُّ في مؤلفه (المناقب) والعبارة عنده قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب) ] .

 

أما أهل النار فقد قال تعالى فيهم هنا { خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون  – القلم 43 } .

 

وأما :

 

(خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة)

 

وهذه الذلة في ذلك اليوم الموعود وهو يوم القيامة الذي قال تعالى فيه { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۚ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ – المعارج 44 } .

 

وأما :

 

(أبصارهم)

 

وخشوع الابصار هنا يبدأ عند الموت فيصبح بصرهم حاداً يرون كل شيئ من وعد الله تعالى ووعيده قال تعالى { فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد – ق 22 }

وهنا تخشع أبصارهم وهى ذليلة لقوله تعالى هنا {خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة } .

 

وأما :

 

(ترهقهم ذلة)

 

[ وهنا رهق يرهق رهقا : مشقة قال تعالى { سأرهقه صعودا – المدثر 17 } والمشقة

ضربت عليهم في ذلك اليوم بذلة قال تعالى فيها (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة)

والذين أحسنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بالله تعالى ورسوله وتولوه تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فهؤلاء لهم الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة لقوله تعالى { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  – يونس 26 } .

 

وأما :

 

(ذلة)

 

الذلة هنا إهانة عن قهر ويبين تعالى هنا انها لمن كسبوا السيئات في قوله تعالى { وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۖ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – يونس 27 } .

وهم هم الذين خسروا أنفسهم واهليهم يوم القيامة وتراهم يعرضون على النارأبصارهم خاشعة من الذل لقوله تعالى { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ۗ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ – الشورى 45 } .

وأماالذين آمنوا فقد ذللت لهم ثمارالجنة كما في قوله تعالى { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا – الإنسان 14 } .

 

وأما :

 

(وقد)

 

هنا يبين تعالى أن هؤلاء هم الذين عملوا بالهوى وتحاكموا إلى الطاغوت لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا – النساء 60 } .وهؤلاء عند موتهم بكفرهم التفت ساقهم بالساق ويوم القيامة لا يستطيعون السجود كما في قوله تعالى هنا : { خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون  – القلم 43 } .

 

 وأما :

 

(كانوا)

 

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء لما كذبوا توعدهم الله تعالى بالعذاب كما في قوله تعالى { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ  إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ  وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ  فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ- الشعراء 3-5 } وما هذا العذاب الذي سينزل بهم إلا لأنهم  كانوا في الدنيا مترفين ويصرون على الشرك قال تعالى {  إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم – الواقعة } . ولذلك يبين تعالى أن هؤلاء يوم القيامة سينزل بهم العذاب لأنهم تركوا العمل بكتاب الله والإيمان به وولايته الحق في الحياة الدنيا وهم سالمون قال تعالى { خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون  – القلم 43 } .

وأما :

 

(يدعون)

 

هنا يأمر الله تعالى بطاعة رسول الله تعالى ورسوله إذا دعاهم النبي لما يحييهم في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ – الأنفال 24 } .

ويبين تعالى أن الحكم سيكون بينهم يوم القيامة هو الله تعالى وكتابه الكريم وكل أمة ستدعى إلى كتابها قال تعالى { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ۚ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – الجاثية 28-29 } .

ولكن الله تعالى يبين أن قوم رسول الله صلى الله عليه وآله لما دعاهم كادوا يهجمون عليه كالأسد اللابد قال تعالى { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا – الجن 19 } .

ثم يبين تعالى أن الإسلام يقوم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله على الوصية كما فعل نبي الله إبراهيم من قبل قال تعالى { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ  وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ  فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ – الشورى 13-15 } . ويبين تعالى هنا امره تعالى لرسوله بأن لا يتبع أهواء قومه في رفض ىالوصية لأهل بيته عليهم السلام من بعده لأنهم بذلك ينازعون أهل البيت أمرهم الذي أمر به تعالى لذلك يقول عز وجل { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ۚ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ  – الحج 67 } .

ثم يبين تعالى أن من هؤلاء من قبل الإسلام كما هو مع رفض ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام فآمنوا ببعض وعملوا بالرأي والهوى في جزء أمر من أوامر الله تعالى لذلك قال تعالى في إشراكهم الرأي والهوى بحكم الله تعالى { ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ – غافر 12 } .

وهؤلاء قال تعالى في تفصيل قبول بعض أحكام الله ورفض بعضها في قوله تعالى :

 

 

 

{ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ  وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ  أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ  – النور 47-52 }  .

وهؤلاء يوم القيامة سيمقتون أنفسهم ندماً وحسرة على مافرطوا في جنب الله تبارك وتعالى في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ –  غافر 10 } . وهؤلاء لن يستطيعوا السجود يوم القيامة كما في الآية هنا التي نحن بصدد بيانها .

 

وأما :

 

( إلى السجود)

 

والسجود هنا يبين تعالى أنه جعل في الأرض خليفة وأمر بالسجود له وهو آدم عليه السلام والأمر بالسجود يدخل فيه الطاعة والولاية قال تعالى :

 

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ  قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ  وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ – البقرة 30-34 } .

فلما هبط آدم وزوجه أمرهم الله تعالى بالسجود وهم سالمون فلما كفر البعض بالله تعالى ورسله  لم تستطيعوا السجود كما في قوله تعالى هنا  { خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون  – القلم 43 } .

 

وأما :

 

( وهم سالمون)

 

 

[ وهنا سلم يسلم سلاماً وسلامة : خلص ونجا وخلا من العوارض والموانع فهو سالم وهم سالمون والسلم : الأمان والنجاة من الشرور والسلن الإستسلام – معجم الفاظ القرآن باب السين فصل اللام والميم ] قال تعالى في منع الشرور{ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ  -الأنفال 43 } .

وفي الإستسلام  يقول تعالى { فلما أسلما وتله للجبين – الصافات 103 } والسلم الأمان والإستسلام لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة- البقرة 208 } والسلم عدم الحرب لقوله تعالى { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله – الأنفال 61 }  وقال تعالى أيضاً { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ – الزمر 29 }

وهذا السلم بمعانيه من أمان واستسلام جعله الله تعالى لمن اسلم له عز وجل وعمل بكتاب الله تعالى لقوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة- البقرة 208 }  ولذلك جعل التحية بين المؤمنين في الدنيا السلام كما في قوله تعالى { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  – الأنعام 54 }  وفي الآخرة بين تعالى أن الجنة اسمها دار السلام أيضاً في قوله تعالى { لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  – الأنعام 127 } .

 

وهذه الدار جعلها الله تعالى لمن أسلم وجهه له عز وجل .ومن لم يسلم لله تعالى ويتولاه ويتولى رسوله وأهل بيته عليهم السلام فلن يستطيع السجود في الآخرة لأنه لم يستسلم في الدنيا لله تعالى ويطيعه عز وجل ويطع رسوله صلى الله عليه وآله وهو سالم آمن فيها قال تعالى هنا {  يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون  – القلم 42-43}  .

 

ثم يقول تعالى :

 

(44) فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (44)

 

وهنا :

 

(فذرني ومن يكذب)

 

[ وذرت الريح الشيئ تذروه ذرواً :أطارته وبددته وأذهبته – معجم ألفاظ القرآن باب الذال فصل الراء والواو ] قال تعالى { فأصبح هشيماً تذروه الرياح- الكهف 45 } وقال تعالى{ والذاريات ذروا– الذاريات 1} .

والمعنى هنا أي : [  دعني وإياه مني ومنه وهذا تهديد شديد والبداية ستكون استدراجاً من الله تعالى لهؤلاء الظالمين كما في الآية هنا { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين – القلم 44-45 } .

وورد بأن ذلك هو الوليد بن المغيرة الوارد ذكره في قوله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ”. – المدثر ] .

 

ورد في تاريخ ابن كثير الجزء الثالث مايلي :

 

[ قال إسحاق بن راهويه : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رق له ، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه ، فقال : يا عم ، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا . قال : لم ؟ قال : ليعطوكه ، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله . قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالا . قال : فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له . قال : وماذا أقول ؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجزه ، ولا بقصيده مني ، ولا [ ص: 153 ] بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، ووالله إن لقوله الذي يقوله حلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله ، وإنه ليعلو ولا يعلى ، وإنه ليحطم ما تحته . قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه . قال : فدعني حتى أفكر فيه . فلما فكر قال : هذا سحر يؤثر ; يأثره عن غيره فنزلت : ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا الآيات . [ المدثر : 11 – 13 ] هكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن أبي عبد الله محمد بن علي الصنعاني بمكة ، عن إسحاق به . وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا .

وفيه أنه قرأ عليه إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون [ النحل : 90 ] وقال البيهقي : عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش ، وكان ذا سن فيهم ، وقد حضر الموسم ، فقال : إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا [ ص: 154 ] تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قول بعضكم بعضا . فقيل : يا أبا عبد شمس فقل : وأقم لنا رأيا نقوم به . فقال : بل أنتم ، فقولوا وأنا أسمع . فقالوا : نقول : كاهن . فقال : ما هو بكاهن ; فقد رأيت الكهان ، فما هو بزمزمة الكهان . فقالوا : نقول : مجنون . فقال : ما هو بمجنون ، ولقد رأينا الجنون ، وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته . فقال نقول : شاعر . فقال : ما هو بشاعر ، قد عرفنا الشعر برجزه ، وهزجه ، وقريضه ، ومقبوضه ، ومبسوطه ، فما هو بالشعر قالوا فنقول : هو ساحر . قال : ما هو بساحر ، قد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ، ولا بعقده . قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لمغدق ، وإن فرعه لجنى ، فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول لأن تقولوا : ساحر . فتقولوا : هو ساحر يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وعشيرته . فتفرقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون للناس حتى قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره ، وأنزل الله في الوليد قوله : ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا الآيات . وفي أولئك النفر [ ص: 155 ] قوله : الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [ الحجر : 91 – 93 ] قلت : وفي ذلك قال الله تعالى إخبارا عن جهلهم وقلة عقلهم : بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون [ الأنبياء : 5 ] . فحاروا ماذا يقولون فيه ، فكل شيء يقولونه باطل ; لأن من خرج عن الحق مهما قاله أخطأ ، قال الله تعالى : انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا [ الفرقان : 9 ] وقال الإمام عبد بن حميد في ” مسنده ” : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح ، هو ابن عبد الله الكندي عن الذيال بن حرملة الأسدي عن جابر بن عبد الله قال : اجتمع قريش يوما ، فقالوا : انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر ، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وعاب ديننا ، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه ، فقالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة . فقالوا : أنت يا أبا الوليد . فأتاه عتبة فقال : يا محمد أنت خير أم عبد الله ؟ فسكت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – . فقال : أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – . فقال : إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك ، فقد عبدوا الآلهة التي عبت ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى [ ص: 156 ] نسمع قولك ، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك ; فرقت جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وعبت ديننا ، وفضحتنا في العرب ، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا ، وأن في قريش كاهنا ، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى ، أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى ، أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة ، جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا ، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت ، فلنزوجك عشرا . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” فرغت ؟ ” . قال : نعم . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون إلى أن بلغ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فقال عتبة : حسبك حسبك ، ما عندك غير هذا ؟ قال : ” لا ” . فرجع إلى قريش ، فقالوا : ما وراءك ؟ قال ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه إلا كلمته . قالوا : فهل أجابك ؟ فقال : نعم . ثم قال : لا والذي نصبها بنية ، ما فهمت شيئا مما قال ، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود . قالوا : ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال ؟ ! قال : لا والله ، ما فهمت شيئا مما قال ، غير ذكر الصاعقة . [ ص: 157 ] وقد رواه البيهقي وغيره عن الحاكم عن الأصم عن عباس الدوري عن يحيى بن معين عن محمد بن فضيل عن الأجلح به . وفيه كلام ، وزاد : وإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك ، فكنت رأسنا ما بقيت . وعنده : أنه لما قال له : فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود أمسك عتبة على فيه ، وناشده الرحم أن يكف عنه ، ولم يخرج إلى أهله ، واحتبس عنهم . فقال أبو جهل : يا معشر قريش ، والله ما نرى عتبة إلا صبأ إلى محمد ، وأعجبه طعامه ، وما ذاك إلا من حاجة أصابته ، انطلقوا بنا إليه . فأتوه ، فقال أبو جهل : والله يا عتبة ما جئنا إلا أنك صبوت إلى محمد ، وأعجبك أمره ، فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد . فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمدا أبدا ، وقال : لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ، ولكني أتيته وقص عليهم القصة فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا بشعر ولا كهانة ، قرأ بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم حتى بلغ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود [ فصلت : 113 ] فأمسكت بفيه ، وناشدته الرحم أن يكف ، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ، فخفت أن ينزل عليكم العذاب . [ ص: 158 ] ثم قال البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي زياد مولى بني هاشم عن محمد بن كعب قال : حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا حليما قال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش ، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – جالس وحده في المسجد : يا معشر قريش ، ألا أقوم إلى هذا فأكلمه فأعرض عليه أمورا ، لعله يقبل بعضها ويكف عنا ؟ قالوا : بلى يا أبا الوليد . فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – . فذكر الحديث فيما قال له عتبة وفيما عرض على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من المال ، والملك ، وغير ذلك . وقال زياد عن ابن إسحاق : فقال عتبة : يا معشر قريش ، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه ، وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها ، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يزيدون ويكثرون فقالوا : بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه . فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ، وسفهت [ ص: 159 ] به أحلامهم ، وعبت به آلهتهم ودينهم ، وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني حتى أعرض عليك أمورا تنظر فيها ، لعلك تقبل منها بعضها . قال : فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” يا أبا الوليد أسمع ” . قال : يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا ، سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه ، لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا ، حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل ، حتى يداوى منه . أو كما قال له . حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يستمع منه ، قال له النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” أفرغت يا أبا الوليد ؟ ” . قال : نعم . قال : ” فاسمع مني ” . قال : أفعل . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون فمضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقرؤها ، فلما سمع بها عتبة أنصت لها ، وألقى بيديه خلفه أو خلف ظهره معتمدا عليهما ; ليسمع منه ، حتى انتهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى السجدة فسجدها ، ثم قال : ” سمعت يا أبا الوليد ؟ ” . قال : سمعت . قال : ” فأنت وذاك ” . ثم قام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله ، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلسوا إليه ، قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني والله قد سمعت قولا [ ص: 160 ] ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا الكهانة ، يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها بي ، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب ، فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب ، فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به ، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه . قال : هذا رأيي لكم ، فاصنعوا ما بدا لكم . ثم ذكر يونس عن ابن إسحاق شعرا قاله أبو طالب يمدح فيه عتبة . وقال البيهقي : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو قتيبة سلمة بن الفضل الآدمي بمكة ، حدثنا أبو أيوب أحمد بن بشر الطيالسي حدثنا داود بن عمرو الضبي حدثنا المثنى بن زرعة عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال : لما قرأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على عتبة بن ربيعة حم تنزيل من الرحمن الرحيم أتى أصحابه ، فقال لهم : يا قوم ، أطيعوني في هذا الأمر اليوم ، واعصوني فيما بعده ، فوالله لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت أذناي كلاما مثله ، وما دريت ما أرد عليه . وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه . ثم روى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار [ ص: 161 ]

عن يونس عن ابن إسحاق حدثني الزهري قال : حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يصلي بالليل في بيته ، فأخذ كل رجل منهم مجلسا ليستمع منه ، وكل لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فتلاوموا ، وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا . ثم انصرفوا ، حتى إذا كانت الليلة الثانية ، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة . ثم انصرفوا ، فلما كانت الليلة الثالثة ، أخذ كل رجل منهم مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فقالوا : لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود فتعاهدوا على ذلك ، ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته ، فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد . فقال : يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها . فقال الأخنس : وأنا والذي حلفت به . ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته ، فقال : يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال : ماذا سمعت ! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ; أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نسمع به أبدا ، ولا نصدقه . فقام عنه الأخنس بن شريق  –  البداية والنهاية لابن كثير ج 3 ص 152 ] .

 

وأما :

 

(ومن يكذب)

 

والتكذيب ليس اتهاماً للقرآن الكريم حاشا لله تعالى بل هم يقرون في كل زمن بمعجزة القرآن فقال الوليد ابن المغيرة : [ والله إنه ليس بكلام إنس ولا جن و إن في لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه يعلوا ولا يعلى عليه ] كما بينا من قبل  ولذلك يبين تعالى أن التكذيب في القرآن الكريم لفظ منقول عن معناه بمعنى الترك للعمل بكتاب الله تعالى تكذيب ولذلك ضرب الله تعالى مثلاً لأمة محمد أمة بني إسرائيل والكثير منهم شبههم الله تعالى بالحمار يحمل اسفار ثم قال { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله} قال تعالى { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ – الجمعة 5} .

وبالتالي كل من ترك العمل بكتاب الله تعالى والتخلق بأخلاقه وولايته الحق فالله تعالى سيستدرجه من حيث لا يعلم إن لم يتب من قريب قبل الغرغرة قال تعالى هنا { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ – القلم 44 } .

 

 وأما :

 

( يكذب بهذا الحديث )

 

وهذا الحديث هو القرآن الكريم لقوله تعالى { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ – الزمر 23 } .

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء كانوا مكذبين غير مصدقين بآيات الله تعالى كما في قوله تعالى : { أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ  وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ  فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ  تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ  فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ  وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ  إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ  – الواقعة 81-96 }

 

وهؤلاء سيستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون كما في قوله تعالى هنا :  { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ – القلم 44 } .

 

وأما :

 

(ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون)

 

[ واستدرجه يستدرجه استدراجاً : استفعال بمعنى الإستصعاد أو الإستنزال ويستعمل في المكر والخديعة والإملاء قليلاً إلى مايهلك ومن حيث لا يعلمون واستدراج الله لعبده : أن يوليه من النعم أو يملي له في المؤاخذه فتلهيه النعمة أو يتمادى في غيه ويأخذه الله بالهلاك وهو في غفلة – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الراء والجيم ] .

قال تعالى :  { والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين –  الأعراف 182 } .

 

وأما :

 

(من حيث) لا يعلمون)

 

أي أن الله تعالى سيأتيهم من حيث لم يحتسبوا بعد استدراجه تعالى لهم وإمهالهم في الحياة الدنيا ليستوفوا حقهم فيها مما ارادوه من متاعها دون أداء حق الله تعالى فيها قال تعالى { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ – الحشر 2 } وهنا على الرغم من قوتهم الظاهرة وظنهم أنهم من المستحيل أن يغلبوا أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وغلبوا كما في الآية ولذلك يقول تعالى فيمن تركوا العمل بكتاب الله تعالى سيستدرجهم ليتسلط عليهم أمماً غيرهم للإنتقام منهم قال تعالى هنا { والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين –  الأعراف 182 } .

وما ذلك إلا بتركهم كتاب ربهم فاستدرجهم الله تعالى ليكونوا تحت أقدام الأمم الأخرى من أهل الكتاب والوثنيين من أصحاب الديانات الأرضية كما في الحديث : [ عن عبد الله بن عمر (ر)  قال: أقبل علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: (يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه ] .

 

وأما :

 

(لا يعلمون)

 

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء لا يعلمون إلا الظاهر ولا يدركون بواطن الأمور فيعلمون أن الأقوى هو الغالب وهذا علم ظاهر والأمر ليس كذلك على الحقيقة لذلك يقول تعالى

{ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف 21 }

وقال تعالى { الم غُلِبَتِ الرُّومُ  فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ  بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ  يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ  أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم ۗ مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ  أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ  ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ  اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ  وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ  وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ  وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ  فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ – الروم 1- 15 }

ثم يبين تعالى أن التكذيب لفظ منقول يعني الترك للعمل بكتاب الله في أوضح وأجلى صوره بقوله تعالى في سورة غافر { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون – غافر 57 }  .

 

وهنا السؤال هل ينكر أحداً أن السماوات والأرض أكبر من أي صناعة صنعها الإنسان ؟ ولكن الله تعالى قال هنا أن الذين تولوا غيره تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام لا يعلمون أن الله أكبر مما خلقوا وصنعوا بايديهم ولذلك يقول البغوي رحمه الله في تفسيره : [ الدجال مذكور في هذه الآية – تفسير البغوي ] .

وهذا المعتقد يعتقده المنافقون لقوله تعالى : { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ – المنافقون 8} . وهؤلاء سيستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون ليعذبهم في الحياة الدنيا حتى يتوبوا قال تعالى { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ – القلم 44 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(45) وأملي لهم إن كيدي متين(45)

 

وهنا :

 

(وأملي لهم)

 

[ وأملى له : أطال ووسع له فيما هو فيه ولم يعجل بعقوبته – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل اللام والواو ] .

قال تعالى { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ – آل عمران 178} .

فإذا أملى الله تعالى لهم أخذهم إن لم يتوبوا أخذ عزيز مقتدر قال تعالى { لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ – الرعد 32 } .

 

وأما :

 

(إن كيدي متين)

 

[ وكاد يكيد كيداً :احتال في إلحاق الضرر به – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الواو والدال ] . والله تعالى لا يكيد ولكنه سيسلط أمماً أخرى تقوم بهذا الإنتقام وفق مراد الله تعالى قال عز وجل { قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ – يوسف 5} .

وكما قلنا أن الكيد تيسير تسلط أمم أخرى على المسلمين إن تركوا العمل بكتاب ربهم لذلك يقول تعالى لما مكن يوسف عليه السلام وهيأ له اسباب الحكم والتسلط وأخذ أخيه معه قال تعالى هنا { كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ – يوسف 76 } . وكيد الله تعالى متين كما في الآية  { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ  وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ – الأعراف 182-183 }

 

وأما :

 

(متين)  

 

[ ومتن يمتن متانة فهو متين :صلب وقوي واشتد ويقال رجل متين : شديد القوة وهو القوي الشديد الذي لا يلحقه في أفعاله مشقة ولاتعب ويقال كيد متين  قوي لطيف لا يغلب – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل التاء والنون ] قال تعالى : { إن  الله هو الرزاق ذو القوة المتين – لذاريات 58 } .

 

وكيد الله تبارك وتعالى متين لأنه منسوب لمقدراته في الخلق إن كفر الخلق سلط عليهم أمماً آخرين لينتقموا منهم في الحياة الدنيا فيتسلطون عليهم منتقمين منهم محققين مراد الله تعالى ليعذبهم العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر بعد موتهم لعلهم يرجعون .

 

ثم يقول تعالى :

 

(46) أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون (46)

 

والآية مكررة في قوله تعالى بسورة الطور رقم 40 { أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون }

 

وهنا :

 

(أم)

 

وردت هذه الايات في قوله تعالى { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ  فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ  قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ  أم تأمرهم أحلامهم بهذا بل هم قوم طاغون – الطور 25-31  } .

 

وهنا [ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أتسأل يا محمد هؤلاء المشركين بالله على ما أتيتهم به من النصيحة ، ودعوتهم إليه من الحقّ، ثوابا وجزاء ( أم تسألهم فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ) يعني: من غرم ذلك الأجر مثقلون، قد أثقلهم القيام بأدائه ، فتحاموا لذلك قبول نصيحتك، وتجنبوا لعظم ما أصابهن من ثقل الغرم الذي سألتهم على ذلك الدخول في الذي دعوتهم إليه من الدين. – تفسير الطبري ] .

 

وأما :

( أم تسألهم أجراً)

 

وهنا يبين تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يسألهم أجراً ولا خرجاً قال تعالى { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ – المؤمنون 72 } وبالتالي هو لا يسألهم عليه أجراً لقوله تعالى { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ – يوسف 104 } . ثم يبين تعالى أنه لا يسألهم عليه من أجر إلا مودة أهل بيت النبي عليهم السلام في الدنيا ليفوزو برضا الله تعالى وجنته وهذه بشارة للمؤمنين  قال تعالى فيها :  { ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ – الشورى 23 }  . وهنا يسأل الله تعالى هل هذه المودة ثقيلة عليهم وفيها غرامة لهم كما في قوله تعالى { أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون – القلم 46 } وهذا المغرم مالاً لقوله تعالى عن قوم نوح  عليه السلام {  وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ – هود 29 } .

 

 

وأما :

 

(فهم)

 

وهذا اللفظ ورد في قوله تعالى مبيناً أن هؤلاء هم شر الدواب على الأرض بكفرهم قال تعالى { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون – الأنفال 55 } وبتكذيبهم للحق لما جائهم اصبحوا شرالدواب كما قلنا لقوله تعالى { بل كذبوا بالحق لما جائهم فهم في أمر مريج – ق5 } بل يقول تعالى مستنكراً هل عندهم علم الغيب فهم كتبوا كل أعمال الخلائق وما هو كائن إلى يوم القيامة قال تعالى { أم عندهم الغيب فهم يكتبون – القلم 47 } .

 

وأما :

 

(من مغرم)

 

[ والغرامة مالا يستطيع من النفقة كالدين ومايلزم من مال – معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل الراء والميم ] . قال تعالى في المنافقين من الأعراب : { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ – التوبة 98 } . أي أنه يقول تعالى هل سألهم عليه رسول الله مالاً  فهو غرامة عليهم قال تعالى فيها هنا  { أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون – القلم 46 } .

 

وأما  :

 

(مثقلون)

 

[ وثقل الشيئ يثقل ثقلاًمن باب عظم : رجح , ضد خف فهو ثقيل وهى ثقيلة وجمعها ثقال وأصل الثقل يكون في الأجسام فكل ما يرجح ما يوزن به فهو ثقيل – معجم ألفاظ القرآن باب الثاء فصل القاف واللام ] قال تعالى { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ – الأعراف 8-9 }  والثقل هنا يببين تعالى أنه في القرآن الكريم يوم القيامة فهو المثاقيل التي توزن بها الأعمال لذلك قال تعالى {  إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا  –  المزمل 5} .

وهنا السؤال هل العمل بالقرآن الكريم ثقيل أم سألهم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله مالاً فهم منه مغرمون كما في قوله تعالى : { أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون – الطور40 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(47) أم عندهم الغيب فهم يكتبون (47)

 

وهنا هذه الآية أيضا مكررة بسورة الطور رقم 41

 

وهنا :

 

(أم عندهم)

 

أي أنه يقول تعالى  هل عندهم خزائن الله تعالى ثم يأمر رسوله بأن يذكرهم بآيات الله قال تعالى : { فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَٰذَا ۚ أمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ  أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ۚ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ  أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ۖ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ – الطور29- 38 } .

وبالتالي ماداموا يملكون خزائن الله تعالى فهل عندهم الغيب وقد كانوا  له كاتبون كما في الآية هنا { أم عندهم الغيب فهم يكتبون – القلم 47 } .

 

وأما :

 

(الغيب)

 

وهنا يقول تعالى ناهياً عن تزكية أي شخص أوقبيلة أو دولة لم يزكها الله تعالى في كتابه لأنه أعلم بما خلق قال تعالى { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّىٰ وَأَعْطَىٰ قَلِيلًا وَأَكْدَىٰ  أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ  أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ  وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ  أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ  وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ  وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ  ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ  وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ – النجم 32-42 } . والقرآن لم يزكي غير أهل بيت النبي الذين قال تعالى فيهم { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى } فهل في ذلك غرامة أو ثقل عليهم قال تعالى لذلك هنا { أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون – القلم 46-47 } .

 

وأما :

 

(فهم يكتبون)

 

وهنا يبين تعالى من خلال هذا اللفظ الذي يشير إلى مكذوبات كذبها المنافقون وأوهموا بها عوام الناس أنها من عند الله تعالى كما فعلت بنو غسرائيل من قبل وقال تعالى في ذلك {  وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ – آل عمران 78 }  والويل لهؤلاء مما كتبوه كذباً في مناقب ومحاسن رجالهم من دون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ – البقرة 79 } .

وبالتالي اللفظ فيه غشارة صريحة لولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله لما نزل فيه من قوله تعالى { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ – الرعد 43 }

[ الثعلبي یذکر فی ان المقصود فی آیة « من عنده علم الكتاب » من هو؛ رواية عن ابي جعفر عليه السلام ان المقصود من هذه الآية هو اميرالمؤمنين عليه السلام، فیقول هکذا: ابن عطاء قال : كنت جالسا مع أبي جعفر في المسجد فرأيت ابن عبد الله بن سلام جالسا في ناحية فقلت لأبي جعفر : زعموا أن الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام . فقال : إنما ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتاب.

تفسير الثعلبي ، ج 5 ، ص 303 .] [ الحاكم الحسكاني فی شواهد التنزيل ینقل کم رواية مذکور فیها ان المراد ممن عنده علم الکتاب، هو الإمام علي عليه السلام. الحال فلنشیر الی بعض هذه الروايات.

الحاكم ینقل عن طريق ابن عباس و محمد الحنفية رواية ان الآیة المذکورة « من عنده علم الكتاب » نزلت فی اميرالمؤمنين عليه السلام و یقول هکذا: عن ابن عباس في قوله تعالي : « ومن عنده علم الكتاب » قال هو علي بن علي طالب . عن ابن الحنفية في قوله تعالي : « ومن عنده علم الكتاب » قال : هو علي بن أبي طالب .

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّ المراد بمن عنده علم الكتاب علي بن أبي طالب و أئمّة الهدي عليهم السّلام »

روي بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال : « إيّانا عني ، و علي أولنا ، و أفضلنا ، و خيرنا بعد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم »

و فی الاستمرار یقول:  و يؤيّد ذلك ما روي عن الشعبي أنّه قال : ما أحد أعلم بكتاب اللّه بعد النبيّ من عليّ بن أبي طالب عليه السّلام .  شواهد التنزيل ، ّالحاكم الحسكاني ، ج 1 ، ص 402 . ] [ سليمان القندوزي ینقل روایة عن أبی سعيد الخدري فی تفسير آية « من عنده علم الكتاب » ان المراد من هذه الآية هو علي عليه السلام فیقول هکذا: عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية « الذين عنده علم من الكتاب » قال : ذاك أخي سليمان بن داود عليهما السلام . وسألته عن قوله الله عز وجل « قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب » قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب صاحب المناقب .و ینقل فی رواية وردت عن طرق عدیدة هکذا: روي عن محمد بن مسلم وأبي حمزة الثمالي وجابر بن يزيد عن الباقر عليه السلام . وروي علي بن فضال والفضيل عن الرضا عليه السلام ، وقد روي عن موسي بن جعفر ، وعن زيد بن علي عليه السلام ، وعن محمد بن الحنفية ، وعن سلمان الفارسي ، وعن أبي سعيد الخدري وإسماعيل السدي أنهم قالوا في قوله تعالي : « قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب » هو علي بن أبي طالب عليه السلام . ينابيع المودة ، القندوزي ، ج 1 ، ص307  ]

وأما الذين قالوا أنها نزلت في عبد الله بن سلام  هنا  :  [  قال الحسن البصري كيف يكون ذلك والآية مكية وعبد الله بن سلام أسلمم في المدينة – شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ]

وهؤلاء الكذبة الذين كتبوا هذه المكذوبات من كفار ومنافقين قال تعالى فيهم هنا فيما افتئتوه وافتروه على الله تعالى من رفع رجال وخفض آخرين ونشر مكذوبات في رجالهم ملئت الخافقين يقول تعالى هنا في هؤلاء { أم عندهم الغيب فهم  يكتبون– القلم 47 } .

 

ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله :

 

(48) فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم (48)

 

وهنا :

 

(فاصبر لحكم ربك )

 

وهذا الأمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وكل دعاة الإسلام ومن سار على طريق ذات الشوكة قال تعالى { فَاصْبِر كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ – الأحقاف 35 } وهنا أولي العزم يستثني الله تعالى منهم سيدنا يونس عليه السلام لذلك قال تعالى لنبيه هنا { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم – القلم 48 } والصبر لحكم الله ويبشره تعالى بأن الله تعالى يرعاه ويحفظه ثم يوصيه تعالى بالتسبيح وذكر الله تعالى في الصباح والمساء  قال تعالى  : { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ  وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ  -الطور 48- 49 } .

والأمر بالصبر هنا وقوله تعالى ولا تكن كصاحب الحوت فيها دلالة على أنه لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وآله غير الإمام علي عليه السلام وذلك لأن سيدنا يونس أبق إلى الفلك المشحون لما رفض قومه دعوته وهنا حتى نزول سورة القلم لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وىله غير السيدة خديجة والإمام علي عليهما السلام .

والصبر يقول فيه تعالى لرسوله مبيناً أنه صبر على ابتلاءات ووقائع إجرامية انتهجتها قريشاً معه صلى الله عليه وآله واكثرها محاولات اغتيال للنبي صلى الله عليه وآله ولذلك يقول تعالى  عن أمره تتعالى بالصبر في بداية الدعوة  وأمر الله تعالى بهجرهم هجراً جميلا ماداموا لم يصلوا لمرحلة الإعتداء قال تعالى هنا :  { فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا  يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ  وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا – المعارج 5-10 }

ولما بدأوا في الجدال والرد على رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى له صلى اله عليه وآله  {  فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ الروم 60 }

 

ولما جادلوا بالباطل وتقولوا عليه الكذب في قوله تعالى { فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول  – النساء} هنا قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله  : { اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ – ص 17 } .

 

وقال تعالى أيضاً هنا { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا  وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا  إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا  وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا – الإنسان 24-31 } .

 

ولما استعجل رسول الله صلى الله عليه وآله نزول العذاب عليهم ودعا على قريش قائلاً [ اللهم كما اذقت أول قريش نكالاً فأذق آخرها نوالا- أمالي الشجري ] هنا قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله : { فَاصْبِر إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ – غافر 55 }  .

ولما اشتد البلاء عليه صلى الله عليه وآله من قومه بالأذى قال تعالى له صلى الله عليه وآله : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَر أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ – الاحقاف 35 } .

وهذا هو حكم الله تعالى الذي قال تعالى فيه هنا : { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم } وذلك لأن صبر رسول الله صلى الله عليه وآله على قومه كان متدرجاً بين الدعوة السرية لبني هاشم وبني عبد المطلب فقط لقوله تعالى { وانذر عشيرتك الأقربين – الشعراء } ثم الإنتقال بالدعوة في سرية تامة ودعوة نقباء الأنصار ثم الجهر بالدعوة ثم اضطراب قريش وهلعهم من دعوته خوفاً على مناصبهم ومكانتهم ومصالحهم وبداية حربهم معه بالإغراء والإغواء ليترك دين الله تعالى ثم الإنتقال إلى التهديد والوعيد ثم محاولات اغتيال متتالية له صلى الله عليه وآله ثم الإنتقال إلى المدينة المنورة وبداية تكوين الدولة وفي هذه المراحل كلها يأمره تعالى بالصبر على ما تقتضيه المرحلة فمرة يضرب الله تعالى له مثال على نبي الله داوود ومرة سيدنا يونس عليه السلام وهذا هو حكم الله تعالى المذكور في الآية {واصبر لحكم ربك } .

 

وأما :

 

(لحكم ربك)

 

أي أنه يقول تعالى لرسوبه صلى الله عليه وآله { فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفورا – الإنسان 24  } ولكفر الكثير من قريش برسول الله صلى الله عليه وآله وعدم إيمانهم به صلى الله عليه وآله في بداية دعوته كسيدنا يونس عليه السلام قال تعالى له هنا { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت غذ نادى وهو مكظوم – القلم 48 } .

 

وأما :

 

(ولا تكن)

 

أي أنه يقول تعالى لرسول صلى الله عليه وآله لا تكن من القانطين لورود هذه الآيات في قوله تعالى {  قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ – الحجر 55 } . والقنوط هنا كان يأساً من إيمان قومه لذلك قال تعالى له هنا { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم – القلم 48 } ولما اشتد البلاء قال تعالى له صلى الله عليه وآله { ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون – النمل 70 }  .

 

وأما :

(كصاحب)

 

ورد لفظ صاحب في قوله تعالى  فيما رمت به قريش رسول الله صلى الله عليه وآله لما قالوا فيه شاعر وكاهن ومجنون لعنهم الله وهنا قال تعالى  { وما صاحبكم بمجنون – التكوير 22 } وقال تعالى أيضاَ لهم لعنهم الله :  { ماضل صاحبكم وما غوى – النجم } ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله ليسري عنه همه وغمه  الذي أصيب به لما كفرت قريش وحاربته صلى الله عليه وآله في دعوته { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت غذ نادى وهو مكظوم – القلم 48 } .

 

وأما :

 

(الحوت)

 

وهنا ورد لفظ حوت في كتاب الله عن قصة نبي الله يونس عليه السلام والتي قال تعالى فيها ا اعتقدته قريش من عقائد وثنية وما نسبته للخالق عز وجل من بنات في قوله تعالى { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ  فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ  فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ  فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ  وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ  وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ  مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ  أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ  فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ۚ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ   سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ  إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ  – الصافات 139-160} . والآيات هنا تشير إلى عدم إيمان القوم برسول الله صلى الله عليه وآله في بداية دعوته ولذلك ضرب الله تعالى مثلاً هنا بنبي الله يونس عليه السلام وورود عدد الذين أرسل إليهم وهم مائة ألف أو يزيدون فيها إشارة قوية لعدد صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله الذين آمنوا به و صدقوه ونصروه و عددهم على عدة قوم يونس عليه السلام وهو بالفعل ما أورده ابن الأثير في كتابه  ” أسد الغابة في معرفة الصحابة ”  وكتاب “الإصابة” لابن حجر العسقلاني وبالفعل كان عددهم قريباً من هذا الرقم المعجز في كتاب الله تعالى .

 

وأما :

(إذ نادى)

 

ونداء سيدنا يونس هنا كان قوله ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )  قال تعالى { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ – الأنبياء 87-88 } .

 

وأما :

(وهو مكظوم)

 

[ وكظيم مبالغة في كاظم ومعناه شدة الشعور بالمعاناة و الغم والكرب ] [ وكظم غيظه يكظمه فهو كاظم أمسكه وكتمه في نفسه وصبر عليه فهوو كاظم وهم كاظمون ويقال كظم يكظم فهو كاظم : اغتم أو انطوت نفسه على غم وكرب – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الظاء والميم ] قال تعالى { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس – آل عمران 134 } . وقال تعالى { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ – غافر 18 } ويمكن الغيظ أن يذهب بالبصر كقوله تعالى في نبي الله يعقوب عليه السلام { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ – يوسف 84-85}  وبالتالي سيدنا يونس دعا وهو مكظوم أي في شدة الغم والهم والكرب كما في الآية هنا { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم – القلم 48} .

 

ثم يقول تعالى :

 

(49) لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)

 

وهنا :

(لولا)

 

أي أنه يقول تعالى { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ – الصافات 143-144 } .وكانت هذه رحمة من الله تعالى أدركه بها في الآية هنا { لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ – القلم 49 } .

 

وأما :

(تداركه)

 

[ وأدركه : لحقه ] قال تعالى { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة – النساء 78  } وهنا تدارك رحمة الله تعال به نجاته بإذن الله من المهالك قال تعالى هنا { لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ – القلم 49 } .

 

وأما :

(لولا نعمة من ربه)

أي أنه لولا نعمة من الله تعالى أنعمها عليه لكان من الهالكين وذلك لورود هذه الآيات على أهل الجنة لما نجاهم الله تعالى من النار وقالوا لقرنائهم { قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ  – الصافات 56-57 } .

 

وأما :

(لنبذ بالعراء)

 

[ ونبذ الشيئ ألقاه وطرحه ورماه ويقال نبذ الشيئ : أهمله ولم بما يجب له وهذا علىالتمثيل بالطرح والرمي تظ القرقول نبذ الدين ونبذالوصية – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الباء والذال ] .

{ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ – الذاريات 40 } وقال تعالى أيضاً : { فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ الصافات 145-147 } .

 

وأما :

(وهو مذموم)

 

[ وذمه : عابه وإسم المفعول مذموم قال تعالى { لَّا تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا – الإسراء 22 }  وهنا يبين تعالى أنه لولا نعمة الله ورحمته به لنبذ بالعراء وهو معاب بسقم قال تعالى { لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ – القلم 49 } ولذلك انبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين لتداوي سقمه و تعالج ألامه قال تعالى { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ  وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ – الصافات 143-145 } . ولذلك قال تعالى هنا { لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ – القلم 49 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(50) فاجتباه ربه فجعله من الصالحين (50)

وهنا :

(فاجتباه ربه)

[ واجتبى الشخص : استخلصه واصطفاه ] قال تعالى { هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين – الحج 78 }  والمعنى هنا أن الله تعالى اصطفاه واستخلصه لقوله تعالى { فاجتباه ربه فجعله من الصالحين – القلم 50 } .

ويبين تعالى أنه قد اجتبى أنبياء الله تعالى وآبائهم وكذلك ذريتهم حتى آخر إمام منهم قبل يوم القيامة فقد أمر الله تعالى بمودتهم وأن يتخذهم الناس قادة قال تعالى بعد ذكر أنبياء الله تعالى من ذرية نوح وإبراهيم عليهما السلام في سورة الأنعام { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ – اللأنعام 87-90 } .

وعن سيدنا يونس هنا يقول تعالى  { فاجتباه ربه فجعله من الصالحين – القلم 50 } أي قربه الله تعالى وقبل توبته لورود هذااللفظ في قوله تعالى { ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى – طه 122 }  .

وأما :

 

(فجعله من الصالحين)

 

أي أدخله الله تعالى في رحمته وجعله من أنبياء الله الصالحين لقوله تعالى في دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ – الأنبياء 72} وبالتالي لما جعلهم الله تعالى صالحين أدخلهم عز وجل في رحمته لقوله تعالى في دعاء نبي الله سليمان عليه السلام {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين – النمل 19 }  وقال تعالى في أنبياء الله تعالى  { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ – الأنبياء 86 }  وبالتالي { فجعله من الصالحين }  أي أدخله الله تعالى في رحمته بالدنيا والآخرة . والصالحين يدخلون في كل أدعية أنبياء الله تعالى بالقرآن الكريم كفرع على أصل يقولون ( واجعلني من الصالحين) أو (وجعلهم من الصالحين)  كفرع على أصل وهو سيدنا محمد صاحب الميثاق ثم الإمام علي عليه السلام صالح المؤمنين في كتاب الله  لقوله تعالى : { إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ – التحريم 4 } .

[جاء في شواهد التنزيل للحسكاني عن أسماء بنت عميس قالت: ((سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : (وصالح المؤمنين) (هو) علي بن أبي طالب –  شواهد التنزيل ، ج2، ص344، كنز العمال، المتقي الهندي، ج2، ص539. بسند عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ]

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: ((لمّا نزلت: (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): يا عليّ، أنت صالح المؤمنين –  تفسير فرات الكوفي، ص 489 ] .

وبالتالي أدخله في رحمته أي في ولاية نبي الله محمد صلى الله عليه وآله لأن الله تعالى قد أخذ الميثاق من كل أنبياء الله تعالى للإيمان به و نصرته صلى الله عليه وآله  قبل خلق السماوات والأرض كما في قوله تعالى : { ذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ – أل عمران 81 } ولذلك نقول بأن دعوة كل أنبياء الله من لدن آدم حتى نبي الله عيسى عليه السلام كانت دعوة الناس لكلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) .

وهنا يبين تعالى أنه برحمته أدخل نبي الله يونس عليه السلام في ولاية الله الحق وهى ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وهذا برحمة منه تعالى .

ثم يقول تعالى :

(51) وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)

وهنا :

(إن يكاد)

وهنا تشير هذه الآيات إلى مدى غيظ قريش من رسول الله صلى الله عليه وآله ودعوته إلى الله وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا  – الجن 19 } ثم يبين تعالى أنهم أرادوا تبديل كلام الله ليفتري رسول الله على الله الكذب كما في قوله تعالى { وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا –الإسراء 73 } فلما أبى رسول الله صلى الله عليه ذلك

ازداد غيظهم وحنقهم على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أصبحوا ينظرون إليه بغيظ  وحنق شديد عليه كما في قوله تعالى هنا  {  وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ – القلم 51 } فلما عجزوا عن إيقاف دعوته صلى الله عليه وآله بغضوا القرآن الكريم وكل من يتلوا عليهم ىياته تعالى كما في قوله تعالى { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ ۖ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۗ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكُمُ ۗ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ – الحج 72 } وهنا أرادوا إخراجه من دياره وطرداً من بلاده لقوله تعالى { وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا – الاسراء 76 } .

 وأما :

(الذين كفروا)

والذين كفروا هنا خاصة هم قوم رسولالله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا  قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا  أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ۚ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا  تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا  بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا – الفرقان 4- 11 }

وعلى العموم كلمن لم يحكم بما أنزل الله تعالى فأولائك هم الكافرون قال تعالى { ومن لم يحكم بماأنزل الله فأولائك هم الكافرون – المائدة }

ويبين تعالى أن قريشاً لجأت لخطة الإسلام نفاقاً لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  – آل عمران 176 } .

ومع هؤلاء القرشيون  طائفة من أهل الكتاب قال تعالى فيها { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  -المائدة 41 } .

وهؤلاء بين تعالى أنهم يتسمون بصفة عامة وهى تقديم اراء وأهواء رجالهم على نصوص القرآن لذلك يقول تعالى { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ ۖ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۗ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكُمُ ۗ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ – الحج 72 } .

وهنا بين تعالى أنهم كانوا ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بغيظ شديد قال تعالى فيه هنا { وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ – القلم 51 } ولذلك قال تعالى انهم دبروا مكراً  له صلى الله عليه وآله ليسجنوه أو يقتلوه أو يخرجوه وهكذا فعل هؤلاء المجرمين وخلفهم في كل زمان ومكان يفكرون بهذا المنطق الذي قال تعالى فيه { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ – الأنفال 30 } .

وأما :

(ليزلقونك)

[  وزلق يزلق زلقاً : زلت رجله فلم تستقر  والزلق المكان الأملس  تزل فيه القدم – معجم الفاظ القرآن باب الزاي فصل اللام والقاف ] قال تعالى { فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا – الكهف 40 } وبالتالي (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقزونك بابصارهم)    أي :

[  يا محمد يَنْفُذونك بأبصارهم من شدة عداوتهم لك ويزيلونك فيرموا بك عند نظرهم إليك غيظا عليك. وقد قيل: إنه عُنِيَ بذلك: وإن يكان الذين كفروا مما عانوك بأبصارهم ليرمون بك يا محمد، ويصرعونك، كما تقول العرب: كاد فلان يصرعني بشدة نظره إليّ، قالوا: وإنما كانت قريش عانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوه بالعين، فنظروا إليه ليعينوه، وقالوا: ما رأينا رجلا مثله، أو إنه لمجنون، فقال الله لنبيه عند ذلك: وإن يكاد الذين كفروا ليرمونك بأبصارهم (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ)– تفسير الطبري] .
 وأما :

(بأبصارهم)

وهنا يبين تعالى أنه لولا عمى ابصار هؤلاء عن إبصار الحق والقرآن الكريم وفيه البصائر لما فعلوا ذلك قال تعالى عن قرآنه الكريم { قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ  – الأنعام 104 } فلما عميت  قلوبهم  قال تعالى { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور – الحج 46 }  فلما عميت قلوبهم تحولت حواسهم للكفر فلا ترضى بالإيمان ولا ولاية الله الحق قال تعالى عن أبصارهم لما عميت  لعنهم الله تعالى كما في قوله تعالى { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا  إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ  -محمد 23-25 } وبعمى بصيرتهم بغضوا كل حق وكل فضيلة وكل مؤمن يؤمن بالله تعالى ويتولى اله تعالى ورسوله واهل بيته عليهم السلام لذلك يقول تعالى هنا في إماالمؤمنين وسيد المرسلين ومافعلوه معه غيظاً من كتاب الله تعالى المنزل عليه { وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ  – القلم 51 } .

وأما :

(لما سمعوا)

هنا يبين تعالى أنهم لو سمعوا لأطاعوا قال تعالى { وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير – البقرة } وقال تعالى { واسمعوا وأطيعوا – التغابن 16 } ولو قالوا سمعنا وأطعنا لكان خيرا لهم كما في قوله تعالى { ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم – النساء 46 } ولكن الله تعالى يبين هنا أنهم عملوا بالهوى واتخذوه إلهاً من دون الله تعالى في قوله عز وجل { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا  – الفرقان 43-44 }

وبالتالي عصوا الله تعالى كما في قول تعالى { وقالوا سمعنا وعصينا – النساء 46 } وقد نهاهم الله تعالى عن ذلك في قوله تعالى { وأطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون – الانفال 20 }

وهنا يقول تعالى (وأنتم تسمعون ) لأنه تعالى لم يخلق الإنسان إلا لعبادته وما خلق الحواس إلا لمعرفته عز وجل قال تعالى { إن السمع والبصر والفؤاد كل ذلك كان عنه مسؤولا – الإسراء } وبالتالي الويل لمن يسمع آيات الله تعالى ولم يعمل بها قال تعالى { ويل لكل افاك اثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها – الجاثية 7-8 } .

ويبين تعالى أن هؤلاء المجرمين لم يكتفوا بالكفر بآيات الله بل تقدموا في الكفر أكثر بنشر مكذوبات على الله تعالى ورسوله لقوله تعالى { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون – فصلت 26 } وهنا يقول تعالى { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون – الزخرف 80 }

 

 

ويبين تعالى أن المؤمنين هم الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها و إذا سمعوا آيات الله اتبعوها وعملوا بما أمر الله عز وجل في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ  الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ – الزمر 17- 18 } .

وهنا يبين تعالى أن هؤلا لما سمعوا آيات الله المنزلة على سوله صلى الله عليه وآله قالوا بالهوى إنه لمجنون لعنهم الله قال تعالى { وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ – القلم 51 }

وأما :

 

(الذكر)

 

وهنا والذكر يأت على القرآن الكريم في قوله تعالى { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ – الزخرف 44 }

وهنا  يبين تعالى أن القرآن والرسول وأهل بيت النبي عليهم السلام  أهم أسباب غيظ هؤلاء منذ نزلت أول آيات القرآن الكريم وحتى الآن وهم في حرب معهم إلى أن يشاء الله تعالى كما في الآية هنا { وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ – القلم 51 } .

 

وأما :

 

(ويقولون إنه لمجنون)

 

وهنا يبين تعالى اتهامهم لرسول الله صلى الله عليه وآله بالجنون لعنهم الله وهذا حال كل أمة بعث فيها رسولاً او نبياً يقولون فيه إنه لمجنون كما في قوله تعالى  { كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ – النحل 52 }

وينفي الله تبارك وتعالى هذه التهمة عن رسوله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ  ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ –  التكوير 19-22 } وقال تعالى أيضاً  :{ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ – القلم 2 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

(52) وما هو إلا ذكر للعالمين (52)

 

وهنا يبين تعالى أن القرآن هو الذكر كما في قوله تعالى { إن هو إلا ذكر وقرآن مبين – يس 69 }

 

وفي قوله تعالى { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ – الزخرف 44 }

ويأت الذكر على  رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى :

 

{  فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا – الطلاق 9-11 }

 

والذكر يأت على أهل بيت النبي عليهم السلام كما في قوله تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ   بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ  –  النحل 43-44 }

[ روى الطبري من أهل السُنّة في تفسيره: حدّثه ابن أبي وكيع، قال: ثنا ابن يمان، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر: (فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لاَ تَعلَمُونَ) ؟ قال: (نحن أهل الذكر) –   جامع البيان في تأويل آي القرآن 14: 145 ]

 

وهذا هو ذكر الله تعالى للعالمين القائم على ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام ولا يسألهم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله أجراً ولا مالاً لقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين – يوسف 104 }  وقال تعالى أيضاً لذلك للعالمين   قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ – ص86 -87 }  وقال تعالى أيضاً { قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين – الانعام 90 }

وهو ذكر لمن شاء أن يستقيم على أمر الله تعالى كما في قوله تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ  ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ  مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ  وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ  وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ  فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ  لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – التكوير 19-29 }

 

والمؤمنين الذين تولوا الله حق ولايته قال تعالى فيهم { رجال لا تلهيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ – النور 37 } وهؤلاء وعدهم الله تعالى ميراث الأرض من بعد هلاك هؤلاء الظالمين وخلفهم ومن تولاهم إلى يوم القيامة لقوله تعالى

 

{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ – الانبياء 105 }  وقد توعد الله تعالى المجرمين بهذا الوعد بعد حين كما في قوله تعالى { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ  إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ  – ص 86-88 } .

وأما عن هؤلاء المجرمين ومن تولاهم وسار على نهجهم في الكفر والنفاق وهم الذين أعرضوا عن ذكر الله للهوى والرأي  قال فيهم  إن لهم  في الحياة الدنيا معيشة ضنكا ويحشر إلى جهنم يوم القيامة أعمى قال تعالى { ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ  وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ – طه 124-127} .

 

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

انتهى العمل من هذه السورة الشريفة

في التسع عشر من شهر شعبان  سنة عشرون وربعمائة وألف (1420 هـ ) االموافق 7 ديسمبر 1999م من ميلاد السيد المسيح (ع)

 

بقلم

خالد محيي الدين الحليبي

About مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمستقبل العالم الإسلامي و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم على الكلمة وتفاصيل مواردها ومراد الله تعالى منها في كل موضع بكتاب الله في أول عمل فريد لن يتكرر مرة أخرى .

Check Also

بيان قوله تعالى : (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال) من تفسير البينة

بقلم : خالد محيي الدين الحليبي  مركز القلم للأبحاث والدراسات : ملف بصيغى  بي دي …