"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

سورة “التين” رقم 26 في التنزيل من تفسير البينة

سورة التين بصيغة pdf :

سورة التين 26

ملفات وورد :

[ أخرج ابن مردويه عن عبدالله بن الزبير قال: أنزلت سورة {والتين } بمكة.

وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن البراء بن عازب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فصلى العشاء، فقرأ في إحدى الركعتين بـ { والتين والزيتون } ، فما سمعت أحداً أحسن صوتاً أو قراءة منه.

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد في مسنده والطبراني عن عبدالله بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بـ { والتين والزيتون }.

وأخرج الخطيب عن البراء بن عازب قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فقرأ { والتين والزيتون }.
وأخرج ابن قانع وابن السكن والشيرازي في الألقاب عن زرعة بن خليفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من اليمامة، فعرض علينا الإِسلام، فأسلمنا، فلما صلينا الغداة قرأ بـ { والتين والزيتون } و { إنا أنزلناه في ليلة القدر }.

أخرج الخطيب وابن عساكر بسند فيه مجهول عن الزهري عن أنس قال: لما نزلت سورة { والتين } على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح بها فرحاً شديداً حتى تبين لنا شدة فرحه، فسألنا ابن عباس عن تفسيرها فقال: التين بلاد الشام ، والزيتون بلاد فلسطين { وطور سينين } الذي كلم الله موسى عليه ، { وهذا البلد الأمين } مكة { لقد خلقنا الإِنسان في أحسن تقويم } محمد صلى الله عليه وسلم { ثم رددناه أسفل سافلين } عبدة اللات والعزى { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون } أبو بكر وعمر وعثمان وعلي { فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين } إذ بعثك فيهم نبياً وجمعك على التقوى يا محمد.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { والتين } قال : مسجد نوح الذي بني بأعلى الجودي { والزيتون } قال : بيت المقدس { وطور سينين } قال: مسجد الطور { وهذا البلد الأمين } قال: مكة { لقد خلقنا الإِنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين } يقول: يرد إلى أرذل العمر، كبر حتى ذهب عقله، هم نفر كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تسفهت عقولهم، فأنزل الله عذرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم { فما يكذبك بعد بالدين } يقول: بحكم الله.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { والتين والزيتون } قال: هما المسجدان مسجد الحرام ومسجد الأقصى، حيث أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم { وطور سينين } الجبل الذي صعده موسى { وهذا البلد الأمين } مكة { لقد خلقنا الإِنسان في أحسن تقويم } قال: في انتصاب لم يخلق منكبّاً على وجهه { ثم رددناه أسفل سافلين } قال : أرذل العمر. – الدر المنثور للسيوطي ] .

 

وفي تفسير البرهان :

 

[عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال : ” قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله تبارك و تعالى اختار من البلدان أربعة، فقال عز و جل: { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } التين: المدينة، و الزيتون: بيت المقدس، و طور سينين: الكوفة، و هذا البلد الأمين: مكة “….

– و عنه، قال: حدثنا الحسين بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن يحيى الحلبي، عن بدر بن الوليد، عن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قوله تعالى : { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ   وَطُورِ سِينِينَ } ، قال : ” التين و الزيتون : الحسن و الحسين ، و طور سينين : علي بن أبي طالب (عليهم السلام)  “.

قلت : قوله : { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } ؟  قال : ” الدين : ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)  “.

– و عنه : عن محمد بن القاسم، عن محمد بن زيد، عن إبراهيم بن محمد بن سعيد، عن محمد ابن الفضيل، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أخبرني عن قول الله عز و جل : { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } إلى آخر السورة، فقال : ” التين و الزيتون : الحسن و الحسين  “.

قلت: { وَ هَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ }؟ قال : ” هو رسول الله (صلى الله عليه و آله)، أمن الناس به من النار إذا أطاعوه “.

قلت : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }؟ قال : ” ذاك أبو فصيل حين أخذ الله الميثاق له بالربوبية، و لمحمد (صلى الله عليه و آله) بالنبوة، و لأوصيائه بالولاية، فأقر و قال: نعم، ألا ترى أنه قال: { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } يعني الدرك الأسفل حين نكص و فعل بآل محمد (صلى الله عليه و آله) ما فعل؟  “.

قال: قلت: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ }؟ قال: ” هو و الله أمير المؤمنين (عليه السلام) و شيعته { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }  “.

قال: قلت: { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ }؟ قال: ” مهلا مهلا، لا تقل هكذا، [هذا] هو الكفر بالله، لا و الله ما كذب رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالله طرفة عين ” قال: قلت: فكيف هي؟ قال: ” فمن يكذبك بعد بالدين، و الدين أمير المؤمنين (عليه السلام) { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ }  “.- تفسير البرهان ] .

 

مجمع البيان في تفسير القرآن :

 

[ {والتين والزيتون } أقسم الله سبحانه بالتين الذي يؤكل والزيتون الذي يعصر منه الزيت عن ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وهو الظاهر وإنما أقسم بالتين لأنه فاكهة مخلصة من شائب التنغيص وفيه أعظم عبرة لأنه عزَّ اسمه جعلها على مقدار اللقمة وهيَّأها على تلك الصفة إنعاماً على عباده بها وقد روى أبو ذر ” عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في التين: ” لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه هي لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النفوس ” ” وأما الزيتون فإنه يعتصر منه الزيت الذي يدور في أكثر الأطعمة وهو أدام والتين طعام فيه منافع كثيرة. وقيل: التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس عن قتادة. وقال عكرمة: هما جبلان وإنما سميا لأنهما ينبتان بهما. وقيل: التين مسجد دمشق والزيتون بيت المقدس عن كعب الأحبار وعبد الرحمن بن غنيم وابن زيد. وقيل: التين مسجد نوح الذي بني على الجودي والزيتون بيت المقدس عن ابن عباس. وقيل: التين المسجد الحرام والزيتون الأقصى عن الضحاك. { وطور سينين } يعني الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى عن الحسن وسينين وسيناء واحد. وقيل: إن سينين معناه المبارك الحسن وكأنه قيل جبل الخير الكثير لأنه إضافة تعريف عن مجاهد وقتادة. وقيل: معناه كثير النبات والشجر عن عكرمة. وقيل: إن كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين بلغة النبط عن مقاتل قال عمرو بن ميمون : سمعت عمر بن الخطاب يقرأ بمكة في المغرب والتين والزيتون وطور سيناء قال فظننت أنه إنما قرأها ليعلم حرمة البلد وروي ذلك عن موسى بن جعفر ع أيضاً. { وهذا البلد الأمين } يعني مكة البلد الحرام يأمن فيه الخائف في الجاهلية و الإِسلام فالأمين يعني المؤمن من يدخله . وقيل : بمعنى الأمن ويؤيده قوله { إنا جعلنا حرماً آمناً  – العنكبوت 67}  قال الشاعر:

أَلَمْ تَعْلَمي يا أَسْمَ وَيْحَكِ أَنَّنِي حَلَفْـتُ يَمِينـاً لا أَخُونُ أَمِيني

يريد آمني { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } هذا جواب القسم وأراد جنس الإِنسان وهو آدم وذريته خلقهم الله في أحسن صورة عن إبراهيم ومجاهد وقتادة. وقيل: في أحسن تقويم أي منتصب القامة وسائر الحيوان مكبّ على وجهه إلا الإِنسان عن ابن عباس. وقيل: أراد أنه خلقهم على كمال في أنفسهم واعتدال في جوارحهم وأبانهم عن غيرهم بالنطق والتمييز والتدبير إلى غير ذلك مما يختص به الإنسان وفي ذلك إشارة أيضاً إلى حال الشباب. { ثم رددناه أسفل سافلين } يريد إلى الخوف وأرذل العمر ونقصان العقل والسافلون هم الضعفاء والزمنى والأطفال والشيخ الكبير أسفل هؤلاء جميعاً عن ابن عباس وإبراهيم وقتادة – مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ] .

التفسير :

يقول تعالى :

  • والتين و الزيتون (1)

وهنا :

(والتين)

وهنا يقسم الله تبارك وتعالى بالتين والزيتون وهما الفاكهتان المعروفتان ولفظ التين لم يرد في كتاب الله تعالى إلا مرة واحدة بما يقطع المقصود أنه الفاكهة المعروفة فلا يوجد لفظ آخر لصرف المعنى لبيان محدد وبالتالي التين أمامنا هو الفاكهة المعروفة ولأن الله تعالى في كتاب الله لم يقسم بمأكول في كتاب الله فلم يقسم إلا بخلق عظيم كالسماء والأرض والشمس والقمر والجبال

قال تعالى { والسماء ذات البروج } وقال تعالى { والسماء والطارق} وقال تعالى { والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها } وقال تعالى { والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى } وقال تعالى { والضحى والليل إذا سجى } وقال تعالى { والفجر وليال عشر } وقال تعالى { والعصر إن الإنسان لفي خسر } وهنا يمكن أن يتبين لنا أن الله تبارك وتعالى لم يقسم بما هو مأكول بل أقسم بخلق عظيم في سماواته أو أرضة أو الإنسان نفسه وهذا يشير إلى أن القسم هنا بأماكن ذات قدسية وذلك لأنه عقب بأماكن مقدسة أيضاً وهى مكة البلد الأمين حرسها الله تعالى وطور سيناء  فقال عز وجل { والتين والزيتون وطور طينين وهذا البلد الأمين } كما أنه وفقاً للبيان اللغوي للفظ تين وزيتون وهما الفاكهتان المعروفتان يدخلان بعد ذلك في البيان أنه تعالى يقسم بهاتان الفاكهتان لعظم فائدتهما لبني آدم أي أن الأصل في البيان أماكن مقدسة أقسم الله تعالى بها والفرع هما الفاكهتان المعروفتان .

وأما :

(والزيتون)

وهنا الزيتون ورد في أماكن عديدة من كتاب الله تعالى ليبين عز وجل أنها آية من آيات الله تعالى  : كما في قوله عز وجل : { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ – عبس 24-32 } وقال تعالى : { وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون – الأنعام 99 } وقال تعالى أيضاً أن في ذلك لآية لقوم يتفكرون قال تعالى { ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون – النحل 11 } لذلك أقسم الله تعالى بالتين والزيتون هنا في قوله تعالى { والتين والزيتون } .

ولوصف شجرة الزيتون بالشجرة تنبت في البقعة المباركة وهى سيناء في قوله تعالى { فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين – القصص 30 }  فيكون على ذلك القسم بأماكن وبقاع مباركة و هى جبل التين و الزيتون .

ولورود الزيتون على النور الإلهي المنزل على رسله وأنبيائه وهم نور على نور قال تعالى فيه {   الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم – النور 35 } وهنا يصح كوجه من أوجه التفسير أن المقصود بالتين والزيتون الحسن والحسين عليهما السلام  كما هو وارد في تفاسير أهل البيت عليهم السلام :

[ .. عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ } ، قال : ” التين و الزيتون: الحسن و الحسين، و طور سينين : علي بن أبي طالب (عليهم السلام) “.
قلت: قوله: { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ }؟ قال : ” الدين : ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) “.
–  و عنه : عن محمد بن القاسم ، عن محمد بن زيد، عن إبراهيم بن محمد بن سعيد ، عن محمد ابن الفضيل، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أخبرني عن قول الله عز و جل : { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } إلى آخر السورة، فقال : ” التين و الزيتون: الحسن و الحسين “. –  تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

ثم يقول تعالى :

  • وطور سينين (2)

وهنا :

(وطور سينين)

قال تعالى: ﴿والطور وكتاب مسطور – الطور 1-2﴾ [ وقال تعالى أيضاً لنبي الله موسى عليه السلام  ﴿وما كنت بجانب الطور – القصص 46 ﴾  وقال تعالى ﴿وناديناه من جانب الطور الأيمن – مريم 52 ﴾ ﴿ورفعنا فوقهم الطور – النساء 154 ﴾  أي أن ﴿وطور سينين ﴾ هو جبل الطور بالبقعة المباركة سيناء والتي تجلى فيها عز وجل على نبي الله موسى عليه السلام .

وهنا ورود لفظ طور سيناء مقترناً بشجرة الزيتون وما تخرجه من دهن في قوله تعالى : { وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين – المؤمنون 20 } تبين أن القسم في الوجه الأول من وجوه التفسير بشجرة التين وشجرة الزيتون و كذلك أماكن تواجدهما في جبل التين و الزيتون الموجود بطور سيناء كما أخبرتنا الآية السابقة . أي أن طور سينين طور سيناي أو سيناء وفيه الشجرة المباركة التي تخرج من طور سيناء .

ولا عبرة لما أشيع من أن الطور بالكوفة حيث لا يوجد نص قرآني أو حديث نبوي في السنة النبوية يؤيده .

والطور أقسم الله تعالى به في سورة خاصة سميت بإسمه فقال تعالى { و الطور وكتاب مسطور – الطور 1-2 } والقسم بالطور هنا لأنه تعالى رفعه فوق بني إسرائيل في قوله تعالى { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون – البقرة 63 } وقال تعالى أيضاً { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين – البقرة 93 } وفيه نادى ربنا عز وجل نبي الله موسى فقال تعالى { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا – مريم 52 }

{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى – طه 80 } لذلك أقسم الله تعالى بالطور في الآية هنا { وطور سينين }

وأما :

(سينين)

[ سين السين حرف هجاء من حروف المعجم وهو حرف مهموس يذكر ويؤنث هذه سين وهذا سين فمن أَنث فعلى توهم الكلمة ومن ذكر فعلى توهم الحرف السين من حرف الزيادات وقد تُخَلِّص الفعلَ للاستقبال تقول سيفعل وزعم الخليل أَنها جواب لن أَبو زيد من العرب من يجعل السين تاء وأَنشد لعِلْباء بن أَرقم يا قَبَّحَ اللَّهُ بني السعْلاةِ عَمرو بن يَرْبُوعٍ شِرارَ الناتِ ليسوا أَأِعْفَّاء ولا أَكْياتِ يريد الناس والأَكياس قال ومن العرب من يجعل التاء كافاً وسنذكرها في الأَلف اللينة قال أَبو سعيد وقولهم فلان لا يحسن سينه يريدون شُعْبَةً من شُعَبه وهو ذو ثلاث شُعَب وقوله تعالى { يس } كقوله عز وجل { أَلم } { حم } وأَوائل السور وقال عكرمة معناه يا أَنسان لأَنه قال { إِنك لمن المرسَلين } وطُورُ سِينِينَ سَيْنَاءَ جبل بالشام قال الزجاج إِن سَيِناء حجارة وهو واللَّه أَعلم اسم المكان فمن قرأَ سَيْناء على وزن صحراء فإِنها لا تنصرف ومن قرأَ سِيْناءَ فهو على وزن عِلْباء إِلا أَنه اسم للبقعة فلا ينصرف وليس في كلام العرب فِعْلاء بالكسر ممدود السِّينينيَّة شجرة حكاه أَبو حنيفة عن الأَخفش وجمعها سِينِين قال وزعم الأَخفش أَنَّ طُورَ سينين مضاف إِليه قال ولم يبلغني هذا عن أَحد غيره الجوهري هو طُور أُضيف إِلى سِينَا وهي شجر قال الأَخفش السِّينِينُ واحدتها سِينِينِيّة قال وقرىء طور سَينَاء سِينَاءَ بالفتح والكسر والفتح أَجود في النحو لأَنه بني على فَعْلاء والكسر رديء في النحو لأَنه في أَبنية العرب فِعْلاء ممدود بكسر الأَول غير مصروف إِلا أَن تجعله أَعجميّاً قال أَبو علي إِنما لم يصرف لأَنه جعل اسماً للبقعة التهذيب سِينِينُ اسم جبل بالشأْم – لسان العرب لابن منظور ] .

و [ سينين : السنة : العام وعدتها معروفة ي التقويمين الشمسي والقمري وقد يعني بالسنة : الجدب والشدة يقال أصابتهم السنة : أي أصابهم الجدب والشدة وتجمع السنة على سنوات وسنهات وقد تجمع السنة كالمذكر السالم أيضاً فيقال سنون وسينين وتحذف النون للإضافة وفي لغة تثبت الياء في الأحوال كلها – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل النون والواو ] .

وسنين هنا مكان فيه شجرة مباركة تنبت بالدهن وصبغ للآكلين  لذلك أقسم  بها عز وجل  في قوله تعالى { والتين والزيتون وطور سينين – التين} وهى شجرة مباركة تنبت في بقعة مباركة قال تعالى فيها {فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين – القصص 30 } .

ثم يقول تعالى عن مكة المكرمة حرسها الله عز وجل :

  • وهذا البلد الأمين (3)

وهنا :

(و)

الواو للقسم أيضاً بالبلد الأمين قال تعالى { والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين }

وأما :

(هذا البلد)

وهنا هذا البلد هى مكة المكرمة لقوله تعالى { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام – إبراهيم 35 } وهذا البلد الأمين أقسم الله تعالى فيه في قوله تعالى عن القسم به وبنبي الله آدم ونوحاً وإبراهيم إلى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله حيث قال تعالى { لا أقسم بهذا البلد  وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد – البلد 1-3 }

وأما :

(الأمين)

وهنا يبين تعالى أن هذا البلد الأمين أمنه الله تعالى بالحرم المكي لقوله تعالى {  أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون – العنكبوت 67 } وقال تعالى أيضاً { وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون – القصص 57 } وبهذا الحرم جعل الله تعالى كل البد أمناً وأماناً كما في قوله تعالى هنا { والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين } وكما جعل الله تعالى هذا البلد آمنا بالحرم كذلك جعله آمنا بالوحي القرآني المحمدي لقوله تعالى في جبريل عليه السلام { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين – الشعراء 193-194}   وبالتالي مكة المكرمة كرمها الله تعالى وحرسها ببيته الحرام وبالوحي والنبي صلى الله عليه وآله لأنه تعالى وصف النبي صلى الله عليه وآله بالأمين فقال تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ – التكوير 19-21} .

وكما جعل الله تعالى الحرم آمنا بالوحي والحرم كذلك مصر جعل الله تعالى فيها الأمن بتجليه عز وجل على نبيالله موسى في البقعة المباركة سيناء لذلك قال تعالى { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين – يوسف } وإن لم يشأ لن تكون فيها آمنا للنهج الفرعوني المتوراث والممتد في أكثر حكام مصر حتى يأتي زمن رفعه مع الساعة وتحقيق قوله تعالى { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين – القصص 4-5} ولذلك الأمن في دخول مصر تحت مشيئة الله تعالى إن شاء أمنت فيها وإن لم يشأ لن يكون الأمر كذلك ولكنها تحي أي ظرف من أأمن بلاد الدنيا لدخولها في البقاع المباركة الثلاثة الحجاز و الشام و مصر و هذه بقاع مبارك قال تعالى فيها  { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير – الإسراء 1 } .

ثم يقول تعالى :

(4) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4)

وهنا :

(لقد خلقنا الإنسان)

وهنا يبين تعالى أنه عز وجل خلق الإنسان من سلالة خلقها الله عز وجل من طين قال تعالى { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين – المؤمنون 12 } وهذا الطين صلصال من حمأ مسنون قال تعالى فيه { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون – الحجر 26 } أي [ أنه تعالى خلق آدم عليه السلام مِن طين أسود متغير له صوت صلصلة  ]  ويبين تعالى أنه خلق الإنسان في جهد كبير ومكابدة في الدنيا حتى يرجع إلى الله تعالى كما في قوله عز وجل  : { لقد خلقنا الإنسان في كبد – البلد 4} . وهذا الخلق جاء في أحسن تقويم كما في قوله تعالى هنا { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم – التين 4 } ولذلك يقول تعالى { يا أيها الإنسان ماغرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في صورة ماشاء ركبك – الإنفطار }

ويبين تعالى أنه خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه كما في قوله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد – ق 16 } .

وأما :

(في أحسن)

أي أنه تعالى خلقه في أحسن صورة وأحسن خلقاً قال تعالى فيه { خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير – التغابن 3 }

وأما :

(تقويم)

[ وتقوبم : مصدر قوم الشيئ بمعنى عدله وأزال ما فيه من عوج والتواء ] ولا مخلوق قائم على رجلين سوى الإنسان ] قال تعالى { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب – آل عمران 39 } وهذا الإنسان الذي خلقه الله تعالى على أحسن صورة ويمشي قائما على رجلين لقوله تعالى { ومنهم من يمشي على رجلين – النور 15 } لذلك يقول تعالى { ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } أي أنه خلقه تعالى على أكمل وجه من حسن الصورة و إتقان الصنعة الإلهية فإذا كفر رده الله تعالى أسفل سافلين  .

ثم يقول تعالى :

  • ثم رددناه أسفل سافلين (5)

وهنا :

(ثم رددناه)

الرد يكون لله تعالى من بعد الموت لقوله تعالى { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين – الأنعام 62 } وهنا ينبئهم الله تعالى بما عملوا لقوله تعالى { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون – التوبة 105 }

فإن لم يعملوا بما أمر الله تعالى ولم يتولونه ورسوله وأهل بيته عليهم السلام و هنا لن يردوا إلى الله تعالى بل إلى أسفل سافلين كما في الآية هنا { ثم رددناه أسفل سافلين } وهؤلاء حصب جهنم هم لها واردون لقوله تعالى { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون – الأنبياء 98 } .

وأما :

(أسفل سافلين)

وأسفل سافلين هم المنافقين والمرتدين عن دين الإسلام لأنه تعالى جعل هؤلاء في الدرك الأسفل من النار كما في قوله تعالى { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا  – النساء 145 } و هنا أسفل السافلين الذين هم  تحت أقدام هؤلاء المنافقين في جهنم لقوله تعالى { وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين – فصلت 29 } . أي أن أسفل سافلين هنا  تحت أقدام أهلها من الكافرين والمنافقين والمجرمين .

ثم يقول تعالى مستثياً المؤمنين من ذلك العذاب قائلاً سبحانه وتعالى :

  • إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون (6)

وهنا :

(إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)

وهم الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام وأولهم الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية – البينة 7 }

[وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: ” قلت يا رسول الله: من أكرم الخلق على الله؟ قال: ” يا عائشة أما تقرئين { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } ” “.

وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: ” كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليّ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية }  ” فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل عليّ قالوا: جاء خير البرية.

وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً: عليّ خير البرية.

وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: ” لما نزلت { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ” هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ” “.

وأخرج ابن مردويه عن عليّ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ألم تسمع قول الله: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جئت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجلين “. – تفسير الدر المنثور ] .

وبالتالي هنا الذين استثناهم الله تعالى من العذاب في الدرك الأسفل من النار هم المؤمنون الذين تولوا الله تعالى ورسوله والإمام علي وأئمة أهل البيت عليهم السلام . وهؤلاء لهم أجر غير ممنون قال تعالى {   إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون – التين 6 } .

وأما :

(فلهم أجر)

وهنا يبين تعالى من خلال هذا اللفظ أن الذين استثناهم الله تعالى من عذابه هم أهل بيت النبي وشيعتهم وأنصارهم ومحبيهم ومن تولاهم لقوله تعالى في الأمر بمودتهم { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور – الشورة 23 } . وهؤلاء هم الذين استثناهم في قوله تعالى هنا {   إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون – التين 6 } .

و أما :

(غير ممنون)

[ ومن الشيئ يمنه مناً : قطعه تقول مننت الحبل ومن عليه أنعم عليه كأن المنعم يقطع بإحسانه حاجة المحتاج أو كأنه يقطع شيئاً من ماله وخيره ويقال من المحسن على من أحسن إليه بإحسانه وذكره له وعده عليه وقرعه كأنه يقوول ألم أحسن إليك – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل النون والنون ] . وبالتالي غير ممنون هنا أي أجر غير مقطوع لقوله تعالى { وإن لك لأجرا غير ممنون – القلم 3 } وكذلك المؤمنون لهم أجر غير ممنون أي غير مقطوع لقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ – فصلت 8 } والذين كفروا لهم عذاب أليم إلا الذين آمنوا فلهم أجر غير ممنون أي غير مقطوع قال تعالى { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ – الإنشقاق 22-25 }

وهذا الأجر لأنهم آمنوا بالله تعالى بعد أن من عليهم عز وجل ببعثة النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164 }  ومما سيمنه الله تعالى على العالمين بعثة إمام آخر الزمان ليمن الله تعالى به على المؤمنين المستضعفين فينصرهم ويكون سبباً في استخلاف المؤمنين في الرض بعد القضاء على النهج الفرعوني في إدارة مصر و العالم قال تعالى { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين – القصص 5} .

وهؤلاء هم الذين استثناهم الله تعالى من عذابه في أسفل سافلين ولهم أجر غير مقطوع ولا ممنوع أي { لهم أجر غير ممنون } .

ثم يقول تعالى :

 

  • فما يكذبك بالدين (7)

[ فما يكذبك بعد بالدين قيل : الخطاب للكافر توبيخا وإلزاما للحجة . أي إذا عرفت أيها الإنسان أن الله خلقك في أحسن تقويم ، وأنه يردك إلى أرذل العمر ، وينقلك من حال إلى حال فما يحملك على أن تكذب بالبعث والجزاء ، وقد أخبرك محمد – صلى الله عليه وسلم – به ؟ وقيل : الخطاب للنبي – صلى الله عليه وسلم – أي استيقن مع ما جاءك من الله – عز وجل – ، أنه أحكم الحاكمين –تفسير القرطبي  ] .

وهنا :

(فما)

أي أنه يقول تعالى بعد أن خلقكم فسواكم ,احسن هلقكم وبعث فيكم نبياً لهدايتكم كما في الآيات هنا { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ – التين 1-6 } وبالتالي أيها الكفار بالله تعالى والمنافقين ما ظنكم برب العالمين يقول تعالى { فما ظنكم برب العالمين – الصافات87 } .

وأما :

(يكذبك بالدين)

حيث أن الوصية بإمامة أهل البيت من الدين والشريعة كما في قوله تعالى { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب – الشورى 13 }

بالتالي التكذيب بالدين تكذيب بالقرآن وأحكامه التي أمر فيها بولاية أهل بيت النبي الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهر هم تطهيرا والويل لهؤلاء إن ماتوا على ذلك لقوله تعالى : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ – المطففين 10-17 } .

ثم يقول تعالى :

  • أليس الله بأحكم الحاكمين (8)

وهنا :

(أليس الله)

وهنا كأ،ه يقول تعالى أليس المحيي المميت في قوله تعالى { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى – القيامة 40 } الذي أعد جهنم للكافرين في قوله تعالى { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين – الزمر 32 } وهو العزيز ذو الإنتقام من الظالمين كما في قوله تعالى { أليس الله بعزيز ذي انتقام – الزمر 37 } وهو الأعلم بالشاكرين كما في قوله تعالى  {أليس الله بأعلم بالشاكرين – الأنعام 53 } ولذلك يقول تعالى بأن الخالق الذي خلق  الإنسان في أحسن صورة و أعد للثواب العقاب جهنم للكافرين والمنافقين و الجنة للمؤمنين أليس ذلك بأحكم الحاكمين قال تعالى { أليس الله بأحكم الحاكمين } .

وأما :

 

 (بأحكم الحاكمين)

أي أنه يقول تعالى أن حكمه تعالى أحكم الحاكمين قال تعالى { ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين – هود 45 } وهو عز وجل خير الحاكمين كما في قوله تعالى على لسان نبي الله شعيب عليه السلام : { وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين – الأعراف 87 } وكان حكم الله تعالى في قوم شعيب بالدنيا هلاكهم بظلمهم لقوله تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۚ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ – الأعراف 91-92 }

ولذلك يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين { واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين – يونس 109 } وحكمه تعالى لا معقب له كما في قوله تعالى { والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب – الرعد 41 } ويوم القيامة يحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون لقوله تعالى { الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون – الحج 69 } ولذلك حينما خلق الله الخلق ووعدهم بالثواب والعقاب فهو أحكم الحاكمين قال تعالى { أليس الله بأحكم الحاكمين }.

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة في 27 ذو الحجة سنة 1420 هـ

الموافق 2 أبريل سنة 2000 م