"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

رابع تعويم للجنيه المصري في عام.. هل بات مصيرا محتوما؟

الخليج الجديد :

تظهر مؤشرات عديدة أن مصر تتجه على ما يبدو نحو خفض جديد (تعويم) لقيمة عملتها المحلية “الجنيه” إلى حدود 34 جنيها للدولار الواحد، لتحقيق حزمة أهداف، أبرزها طمأنة المستثمرين ولاسيما الخليجيين، لضخ استثمارات بمليارات الدولارات في اقتصادها الذي يعاني من مشاكل عديدة، بحسب خبراء ووكالات اقتصادية.

ومنذ مارس/ آذار 2022، نفذ المصرف المركزي المصري ثلاث عمليات خفض لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار من 15.7 جنيها وصولا إلى المستوى الحالي البالغ نحو  30.50 جنيها.

وتعاني مصر، منذ الربع الأول من 2022، من إحدى أكبر أزمات العملة الأجنبية في تاريخ البلاد، في أعقاب خروج استثمارات أجنبية من سوق الدين بالعملة المحلية (أموال ساخنة)، بما قُدر آنذاك بأكثر من 20 مليار دولار، وبالتزامن مع بدء ارتفاع معدلات الفائدة الأمربكية.

وفي ظل تضخم حجم الدين الخارجي، تواجه مصر أسوأ أزمة سيولة أجنبية، وجرى خفض تصنيفها الائتماني إلى ما دون الدرجة الاستثمارية، وسط ارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية في أعقاب وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

ومصر هي ثاني أكبر بلد مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، وتعمل على تنفيذ خطة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار من الصندوق مع وصول فجوتها التمويلية إلى 17 مليار دولار، في ظل ضغوط على الجنيه، وهو خامس أسوأ العملات أداءً العام الماضي.

 

 

التصنيف الائتماني

ومشيرةً إلى تراجع احتياطاتها من النقد الأجنبي وانخفاض قدرتها على امتصاص الصدمات الخارجية، خفضت وكالة “موديز” الأمريكية للتصنيف الائتماني، في 7 فبراير/ شباط الماضي، تصنيف مصر السيادي درجة واحدة إلى “بي3 ” من “بي2”.

كما خفضت سقوف الجنيه إلى “بي إيه 3” من “بي إيه 2″، وقالت إنها لا تتوقع انتعاش السيولة في مصر وتحسن وضعها الخارجي سريعا.

ورجحت الوكالة أن استراتيجية بيع أصول مملوكة للدولة، التي أعلنت عنها الحكومة، ستدعم توليد تدفقات رأسمالية مستدامة غير متعلقة بالديون لمواجهة مدفوعات خدمة الدين الخارجية المتزايدة، لكن هذا سيستغرق بعض الوقت.

 

 

معدل النمو

وخلال الأيام الماضية، خفضت عدد من المؤسسات الدولية الكبرى توقعاتها لنمو الاقتصاد المصري في العام المالي الحالي الذي ينتهي في يونيو/ حزيران المقبل.

وتوقع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار تراجع معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 4.6% مقارنة بـ5.6% في تقريره السابق في سبتمبر/ أيلول الماضي، كما خفض صندوق النقد الدولي توقعه من 5% إلى 4%.

لكن رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري فخري الفقي، اعتبر في حديث لشبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية، أن هذه التخفيضات تتماشى مع توقعات الحكومة.

الفقي أضاف أن الحكومة خفضت مستهدف معدل النمو، خلال العام المالي الحالي من 5.5% إلى 5%؛ بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، معتبرا أن مستهدف النمو لا يزال إيجابيا ويعادل مرتين ونصف النمو السكاني.

وخلال الربع الأول من العام المالي الجاري، نما الاقتصاد المصري بنسبة 4.4%، بحسب بيانات من وزارة التخطيط.

 

 

أول صكوك إسلامية

ومع شح الدولار ودوامة الديون وبطء الاستثمارات الخارجية، حاولت القاهرة الحصول على سيولة مالية عبر الصكوك الإسلامية لدعم الاقتصاد البالغ حجمه 400 مليار دولار.

وأعلنت وزارة المالية المصرية، في 22 فبراير/ شباط الماضي، أنها طرحت أول إصدار من الصكوك الإسلامية السيادية في تاريخ البلاد بقيمة 1.5 مليار دولار. وبلغت قيمة الاكتتاب على الصكوك 6.1 مليارات دولار، بما يعني تغطيته بأكثر من أربع مرات.

وجاء هذا الإصدار في وقت يستحق فيه على مصر سداد سندات خلال العام الجاري بأكثر من 1.7 مليار دولار.

وتعتبر الصكوك الإسلامية، أحد الأساليب الجديدة لتوفير مصادر تساعد مصر على الوفاء بديونها، بحسب الخبير الاقتصادي علاء عبدالحليم، الذي حذر، في حديث لموقع “الحرة”، من أن تلك الصكوك تزيد من تكلفة الديون بنسبة كبيرة ربما تصل إلى ترليون جنيه، لاسيما أنها بفائدة مرتفعة تصل إلى 10% و11%.

 

 

خصوصية مارس

ومع العجز عن معالجة مشكلة شح الدولار، تتزايد توقعات بأن مصر مقبلة على خفض جديد لقيمة عملتها المحلية.

ورجح المحللون الاستراتيجيون في بنك “سوسيتيه جنرال” الفرنسي، في 26 فبراير/ شباط الماضي، حدوث تراجع جديد في سعر صرف الجنيه خلال الربع الأول من العام الجاري إلى متوسط 34 جنيها لكل دولار واحد.

واعتبروا أن سعر الصرف الحالي للجنيه أعلى من قيمته الحقيقية بنسبة 10%، مرجحين أن سعر 34 جنيها قد يكون واقعا بحلول نهاية مارس/آذار الجاري.

وبرر المحللون التعويم الجديد المحتمل بحاجة مصر لعملة أرخص من الحالية، وارتفاع العجز في الحساب الجاري وميزان المدفوعات للعام الحالي.

واعتبروا أنه “على الرغم من فقدان الجنيه 50% خلال العام الماضي، بعد خفض قيمته ثلاث مرات، فإن العملة لم تصل بعد إلى سعر صرف متوازن قصير الأجل”.

وسبق وأن أفادت وكالة “بلومبرج” الأمريكية، في تقرير نقلا عن خبراء في 13 فبراير/ شباط الماضي، بوجود توقعات بهبوط جديد في سعر صرف الجنيه تتلوه عادة فترات استقرار طويلة.

وثمة أسباب ترجح حدوث الخفض الجديد لقيمة الجنيه في مارس/ آذار الجاري، وأبرزها وفق خبراء أن الشهر الجاري سيشهد المراجعة الأولى من صندوق النقد الدولي للسياسة النقدية المصرية، وسيشهد أيضا حلول شهر رمضان، الذي يرتفع فيه الإقبال على المنتجات الغذائية التي تتضاعف أسعارها في ظل التضخم الراهن.

 

 

طمأنة المستثمرين

وأبرز أهداف التخفيض الجديد المحتمل لقيمة الجنيه، وفق محللين، هو طمأنة وجذب رؤس الأموال للاستثمار في اقتصاد مصر، أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان.

فقبل ضخ استثمارات بمليارات الدولارات، وفق المحللين، تترقب دول الخليج وضوح الرؤية على نحو أكبر بشأن الجنيه وإثبات أن مصر تجري إصلاحات اقتصادية عميقة بهدف الحفاظ على قيمة الاستثمارات المحتملة.

ورجحت “بلومبرج”، في تقريرها، أن الاستئناف المطرد لبعض الواردات، بعد تسوية التأخير في دخولها عبر الموانئ المصرية، من شأنه أن يظهر تحسنا في تدفقات النقد الأجنبي؛ ما يخفف الضغط على الجنيه.

وإنهاء حالة عدم اليقين الراهنة، بحسب الوكالة، يمثل مفتاحا لحل الأزمة الاقتصادية، عبر إظهار التخلي عن استخدام الاحتياطيات الأجنبية للبنوك لحماية الجنيه، فالمستثمرون لن يضخوا المزيد من الأموال في السندات أو حصص الشركات إذا لم يضمنوا استبعاد انخفاض آخر في قيمة الجنيه.

وأعلنت الحكومة المصرية، في 8 فبراير/ شباط الجاري، عزمها طرح 32 شركة مملوكة للدولة في البورصة أو بيع حصص منها لمستثمرين، وذلك على مدار عام يبدأ من الربع الأول من 2023 وحتى الربع الأول من العام 2024.

لكن مصر لم تتلق سوى جزء ضئيل من التمويل حتى الآن، إذ يراقب المسؤولون الخليجيون عن كثب تحركات الجنيه، بحسب “بلومبرج” التي حذرت من أن تأخير الحصول على التمويل لفترة طويلة سيؤدي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية وزيادة الضغط على الجنيه.

وأكد صندوق النقد الدولي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن تأمين الحصول على التمويل الخليجي أمر “ضروري” بالنسبة لمصر لسد الفجوة التمويلية.

 

 

 

المصدر | الخليج الجديد