شفقنا :
يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد ريتشارد روسكرانس وفي مقال حمل عنوان ثنائية القطب وتعدد الأقطاب والمستقبل، عند حديثه عن النظام الدولي بان توزيع السلطة يتم في إطار بنية ثنائية القطبية-تعدد الأقطاب، ويرى روسكرانس بان للصين دور كبير في مثل هذه الهيكلة أكثر من القوى الأخرى، كما يرى ان قضية امن الطاقة يشكل كعب أخيل نظام الثنائي القطب-متعدد الأقطاب بالنسبة للقوى الكبرى وكذلك الاستقرار النظامي.
بعد سنوات كتب أستاذ جامعة بيل وعضو المجلس الاستشاري للعلاقات الخارجية الأمريكية فريد زكريا كتابا بعنوان العالم ما بعد أمريكا، سلط الضوء فيه على نظام حديث العهد، يتم فيه إعادة توزيع مكونات تقسيم سلطة الدول التقليدية وتخرج قوة أمريكا من حالة التفوق وتدخل قوة جديدة في الساحة، ويرى زكريا بان للصين دور كبير في العالم ما بعد أمريكا مقارنة بالدول الأخرى.
ان الصين قد عاشت بعد الحرب الكونية الثانية وفي عهد ماو، وضع العزلة الإستراتيجية والجيوسياسية والسياسية والاقتصادية، وبعد رحيل ماو بعام 1976 وبالتزامن مع ظهور قادة جدد واستيعاب الظروف الجديدة لتوزيع السلطة على المستوى العالمي، حاولت وفي إطار النظام ما بعد الحرب ان تطور نفسها بمحورية الاقتصاد. ان قادة الصين بعد ماو استطاعوا تحويل الصين إلى دولة تمتلك اقتصادا قويا وقوة على المستوى الإقليمي والدولي.
من خلال فهم وضع توزيع الطاقة العالمي، حاول قادة الصين أولا تعديل دورهم كدولة ذات قيود أيديولوجية داخل النظام الاقتصادي الليبرالي، ثم من خلال تجاوز المكونات الاقتصادية للصين الشيوعية، سعوا إلى تأسيس اقتصادهم في إطار الاعتماد الاقتصادي المتبادل وعملية التكلفة والفائدة في إطار التجارة الخارجية؛ سمح هذا التحول الاستراتيجي للصين بإعادة تنظيم هياكل قوتها الاقتصادية في إطار الوضع العالمي الجديد. على هذا يمكن عد الزيارة التاريخية التي قام بها هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت، إلى بكين عام 1972 أهم تطور في تلك الفترة وما تبعها من إعادة تعريف العلاقات الأمريكية الصينية في شكل المرونة الإستراتيجية.
بعد بروز الصين اقتصاديا على المسرح العالمي في السنوات التي تلت التسعينيات وانهيار الاتحاد السوفيتي كقوة سياسية اقتصادية عظمى وكذلك المنافس الأيديولوجي للصين، حاول قادة الصين اللاحقون تقديم بلدهم كقوة عظمى في إطار إستراتيجية الظهور السلمي. قوة عظمى لا تسعى فقط إلى تحقيق مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية الخاصة، بل تعترف بمصالح القوى الكبرى والإقليمية الأخرى في نفس الوقت.
ان المقاربة الاقتصادية والناعمة للصين أدت وبالإضافة إلى الدول المحيطة بهذا البلد في شرق آسيا، إلى إظهار دول آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا مقاربة ايجابية تجاه النموذج السلوكي للصين، كما حاولت الصين وفي إطار أنموذج التوسع المتمحور حول الاقتصاد والنهوض السلمي ان تزيد من نفوذها ووجودها في تلك المناطق. غني عن القول، بانه كان أمن الطاقة أحد أولويات الصين للاستثمار والتواجد السياسي والاقتصادي في تلك المناطق. تعد الصين واحدة من القوى العظمى القليلة التي لا تتمتع بإمكانية الوصول إلى موارد الطاقة إلا قليلا ويجب عليها استيراد أكبر قدر من موارد التنمية من البلدان الأخرى. إذ تستورد الصين ما معدله 10 ملايين برميل من النفط شهريا، وجل هذه الكمية تأتي من دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
كان تنظيم وضع السياسات في الصين في التسعينيات مركزا على هذا النهج الاستراتيجي الذي يفيد بأنه إذا أرادت الصين تحقيق قوة متنامية ذات خصائص مثارة للمنافسة في مواجهة أمريكا، فعليها تعزيز أسس قوتها الاقتصادية من خلال ضمان أمن الطاقة، وفي هذا الإطار، بدأت الصين بالبحث عن خيارات لاستيراد النفط الرخيص عبر طرق مختلفة. وعلى هذا الأساس، حاولت الصين خلال هذه السنوات زيادة حضورها وتأثيرها في مناطق الطاقة المهمة في العالم، وتعزيز علاقاتها الإستراتيجية مع الدول التي تضمن أمن الطاقة.
كانت الأولوية الإستراتيجية الأولى للصين في فترة أمن الطاقة خلال العقود القليلة الماضية هي جمهورية إيران الإسلامية، لأنه بعد الثورة الإسلامية ظهرت إيران في أطار التحدي الاستراتيجي والمواجهة مع الولايات المتحدة، وعارضت عمليا الغرب، هذا وكان يمكن للصين الحصول على الطاقة الرخيصة من إيران وذلك في إطار مختلف العمليات المرنة والمتنوعة. لكن وبسبب التطورات الإقليمية والدولية، وطبيعة العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد إيران، وتقليل المكانة الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، بدأت الصين جهودها لتوسيع نفوذها الاستراتيجي في الشرق الأوسط. يمكن تحليل زيارة شي جين بينغ، والاجتماع مع قادة المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى في إطار مثل هذا النهج.
أخيرا يجب القول بأنه من خلال تغيير مقاربة قادة الصين إلى الشرق الأوسط ومنطقة الخليج وبالتزامن مع توسيع رقعة حرب العقوبات بين القوى العظمى، زادت أهمية هذه المنطقة استراتيجيا للصين أكثر من ذي قبل، إذ يبدو ان قادة الصين قد وضعوا النظرة المتوازنة إلى الشرق الأوسط جانبا ويريدون أداء دور لاعب وفاعل نشط في هذه المنطقة، ونتيجة مثل هذا النموذج يمكن ان يجعل البنية الهشة للشرق الأوسط اقل استقرارا وبالتالي يتم تسريع العودة إلى التوازن في إطار القوى التقليدية.
المصدر: ديبلماسي إيراني