"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

آية الولاية في ميزان القرآن بالقرآن من تفسير البينة

بقلم : خالد محيي الدين الحليبي

مركز القلم للأبحاث والدراسات

 

{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ – المائدة 55 }

 

من تفسير البينة ( النبآ العظيم)

 

متى نزلت آية الولاية

 

[نزلت سورة المائدة  على النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع بعرفات كما روى ذلك الحاكم في المستدرك  ] .

 

و في روايات أهل البيت (عليهم السلام) :

 

[ نزلت الآية في الرابع والعشرين من ذي الحجة ، باهل رسول الله صلى الله عليه وآله ، بأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام ، نصارى نجران ، وفيه تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه –    ابن إدريس الحلي في كتابه ( السرائر ) ( 1 / 418 ) &  الطوسي في كتابه ( مصباح المتهجد ) ص 758 & المطهر الحلي في كتابه ( منتهى المطلب ) ( 6 / 155 ) &  الشهيد الأول في كتابه ( البيان ) ص 217 ]

وفي كتاب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : [  وهو اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجة الحرام ، أراد الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) أن يباهل ( نصارى نجران ) ، فخرج مع أهل بيته : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام . وفي ذلك اليوم أيضا تصدق علي عليه السلام بخاتمه في حالة الركوع فنزلت الآية الكريمة : ” إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ”  .الشهيد الثاني في كتابه ( الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ) ( 2 / 135 ) ]

 

  • تفاسير أهل البيت عليهم السلام للآية :
  • الطبرسي :

[  اللغة : الولي هو الذي يلي النصرة والمعونة والولي هو الذي يلي تدبير الأمر يقال فلان ولي المرأة إذا كان يملك تدبير نكاحها وولي الدم من كان إليه المطالبة بالقود والسلطان ولي أمر الرعية. ويقال لمن يرشّحه لخلافته عليهم بعده وليّ عهد المسلمين قال الكميت يمدح عليّاً:

وَنِعْمَ وَلِيُّ الأَمْرِ بَعْـــدَ وَلِيِّــهِ   وَمُنْتَجَعُ التَّقْوى وَنِعْمَ المُؤَدِّبُ

ويروى الفتوى وإنما أراد ولي الأمر والقائم بتدبيره قال المبرد في كتاب العبارة عن صفات الله: أصل الولي الذي هو أولى أي أحق ومثله المولى والركوع هو التطأطؤ المخصوص. قال الخليل: كل شيء ينكب لوجهه فتمس ركبته الأرض أو لا يمس بعد أن يطأطئ رأسه فهو راكع وأنشد لبيد:

أُخَبِّرُ أخْبارَ القُرُونِ الَّتِي مَضَتْ   أَدُبُّ كَأَنِّي كُلَّما قُمْـــتُ راكِعُ

وقال ابن دريد الراكع الذي يكبو على وجهه ومنه الركوع في الصلاة قال الشاعر:

وَأُفْلِتَ حاجِبٌ فَوتَ العَوالي   عَلى شَقّاً تَركَعُ فِي الظِرابِ

وقد يوصف الخاضع بأنه راكع على سبيل التشبيه والمجاز لما يستعمله من التطامن والتطأطؤ وعلى ذلك قول الشاعر:

ولا تُهيـــنَ الفَقِيرَ عَلَّــــكَ أنْ   تَرْكَعَ يَوْمَاً والدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ

والحزب الطائفة والجماعة وأصله من قولـهم: حزبه الأمر يحزبه إذا نابه وكل قوم تشابهت قلوبهم وأعمالهم فهم أحزاب وتحزب القوم إذا اجتمعوا وحمار حزابية مجتمع الخلق غليظ. الإعراب: لفظة إنما مخصصة لَما أثبت بعده نافية لما لم يثبت يقول القائل لغيره إنما لك عندي درهم فيكون مثل أن يقول أنه ليس لك عندي إلا درهم وقالوا: إنما السخاء حاتم يريدون نفي السخاء عن غيره والتقدير إنما السخاء سخاء حاتم فحذف المضاف والمفهوم من قول القائل إنما أكلت رغيفاً وإنما لقيت اليوم زيداً نفي أكل أكثر من رغيف ونفي لقاء غير زيد وقال الأعشى:

وَلَسْتُ بالأَكْثَرِ مِنْهُم حِصًى   وَإِنَّمــــا العِــــزَّةُ لِلْكاثِـــــرِ

أراد نفي العزة عمن ليس بكاثر وقولـه: { وهم راكعون } جملة في موضع النصب على الحال من يؤتون أي يؤتون الزكاة راكعين كما يقال: الجواد من يجود بماله وهو ضاحك وموضع مَنْ رفع بالابتداء وفي يتولَّ ضمير يعود إلى مَنْ وهو مجزوم بالشرط وموضع الفاء مع ما بعده جزم لما في ذلك من معنى الجزاء لأن تقديره فهو غالب وفي مَنْ معنى إنْ فلهذا جزَم الفعل المضارع ومعنى هذا الحرف الذي في من مع الشرط والجزاء في موضع رفع بكونه خبر المبتدأ. النزول:

[ حدثنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني القايني قال: حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني ره …. عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن عباية بن ربعي قال: بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) : ” إذ أقبل رجل متعمم بعمامة ” فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله إلا قال الرجل قال رسول الله فقال ابن عباس سألتك بالله من أنت فكشف العمامة عن وجهه وقال: يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا بنفسي أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله  (صلى الله عليه و آله)  بهاتين وإلا فصمتا ورأيته بهاتين وإلا فعميتا يقول عليَّ قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله أما أني صليت مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوماً من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً فرفع السائل يده إلى السماء وقال اللهم أشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً وكان عليُّ راكعاً فأومأ بخنصره اليمنى إليه وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين رسول الله  (صلى الله عليه و آله)  فلما فرغ النبي (صلى الله عليه و آله) من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال:

 اللهم إن أخي موسى سألك فقال: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً { سنشدّ عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما – القصص 35}  اللهم وأنا محمد نبيك وصفيُّك اللهم فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أشدد به ظهري قال أبو ذر: فو الله ما استتم رسول الله الكلمة حتى نزل عليه جبرائيل من عند الله فقال: يا محمد اقرأ قال وما أقرأ قال: اقرأ { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } ” الآية. وروى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الإسناد بعينه وروى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن على ما حكاه المغربي عنه والرماني والطبري أنها نزلت في عليّ حين تصدق بخاتمه وهو راكع وهو قول مجاهد والسدي والمروي عن أبي جعفر ع وأبي عبد الله ع وجميع علماء أهل البيت. وقال الكلبي نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه لما أسلموا فقطعت اليهود موالاتهم فنزلت الآية وفي رواية عطاء قال عبد الله بن سلام: يا رسول الله أنا رأيت علياً تصدّق بخاتمه وهو راكع فنحن نتولاه وقد رواه لنا السيد أبو الحمد عن أبي القاسم الحسكاني بالإسناد المتصل المرفوع إلى أبي صالح عن ابن عباس.

قال: أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه ممن قد آمنوا بالنبي (صلى الله عليه و آله) فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس وإن قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشقّ ذلك علينا فقال لهم النبي صلى (صلى الله عليه و آله) عليه وسلم: ” { إنما وليكم الله ورسوله } ” الآية ثم إن النبي  خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل فقال النبي: ” ” هل أعطاك أحد شيئاً ” فقال: نعم خاتم من فضة. فقال النبي (صلى الله عليه و آله)  : ” من أعطاكه ” قال: ذلك القائم وأومى بيده إلى عليّ فقال النبي (صلى الله عليه و آله) لم: ” على أيّ حال أعطاك ” قال: أعطاني وهو راكع فكبَّرَ النبي ثم قرأ: { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإنَّ حزب الله هم الغالبون } ” فأنشأ حسان بن ثابت يقول في ذلك :

أبا حَسَنٍ تَفْدِيكَ نَفْسِـي وَمُهْجَتــي   وَكُلَّ بَطِيءٍ في الهُدى وَمُســارع
أَيَذْهَبُ مَدْحيكَ المُحَـبَّرُ ضائِعـــاً   وَمَا المَدْحُ فِي جَنْبِ الإلهِ بِضائِع
فَأَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ إذْ كُنْتَ راكِعاً   زَكاةً فَدَتْكَ النَّفْـــسُ يا خَيْرَ راكِعِ
فَأَنْزَلَ فِــيكَ اللهُ خَيْـــرَ وِلايـــةٍ   وَثَبَّتها مَثْنى كِتــابِ الشَّرائِـــعِ

وفي حديث إبراهيم بن الحكم بن ظهير ” أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله مع رهط من قومه يشكون إلى رسول الله ما لقوا من قومهم فبيناهم يشكون إذ نزلت هذه الآية وَأذَّن بلال فخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله)   إلى المسجد وإذا مسكين يسأل فقال ع: ” ماذا أعطيت ” قال: خاتم من فضة. قال: ” مَنْ أعطاكه ” قال: ذلك القائم فإذا هو عَليُّ. قال: ” على أي حال أعطاكه ” قال: أعطاني وهو راكع فكَبَّر رسول الله وقال: { ومن يتول الله ورسوله } ” الآية. المعنى: ثم بيَّن تعالى من له الولاية على الخلق والقيام بأمورهم وتجب طاعته عليهم فقال { إنما وليكم الله ورسوله } أي الذي يتولى مصالحكم ويتحقق تدبيركم هو الله تعالى ورسوله يفعله بأمر الله { والذين آمنوا } ثم وصف الذين آمنوا فقال { الذين يقيمون الصلاة } بشرائطها { ويؤتون } أي ويعطون { الزكاة وهم راكعون } أي في حال الركوع وهذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة عليّ بعد النبي بلا فصل والوجه فيه أنه إذا ثبت أن لفظة وليكم تفيد من هو أولى بتدبير أموركم ويجب طاعته عليكم وثبت أن المراد بالذين آمنوا عَليٌّ ثبت النص عليه بالإِمامة ووضح والذي يدل على الأَول هو الرجوع إلى اللغة فمن تأملها علم أن القوم نصّوا على ذلك وقد ذكرنا قول أهل اللغة فيه قبل فلا وجه لإِعادته.

ثم الذي يدلّ على أنها في الآية تفيد ذلك دون غيره أن لفظة إنَّما على ما تقدم ذكره تقتضي التخصيص ونفي الحكم عمّن عدا المذكور كما يقولون إنما الفصاحة للجاهلية يعنون نفي الفصاحة عن غيرهم وإذا تقرر هذا لم يجز حمل لفظة الولي على الموالاة في الدين والمحبة لأَنه لا تخصيص في هذا المعنى لمؤمن دون مؤمن آخر والمؤمنون كلهم مشتركون في هذا المعنى كما قال سبحانه { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض التوبة –  71 }  . وإذا لم يجز حمله على ذلك لم يبق إلا الوجه الآخر وهو التحقق بالأُمور وما يقتضي فرض الطاعة على الجمهور لأَنه لا محتمل للفظه إلا الوجهان فإذا بطل أحدهما ثبت الآخر. والذي يدل على أن المعنيّ بالذين آمنوا هو عليٌّ الرواية الواردة من طريق العامة والخاصة بنزول الآية فيه لَمَّا تصدق بخاتمه في حال الركوع وقد تقدم ذكرها وأيضاً فإن كل من قال إن المراد بلفظة ولي ما يرجع إلى فرض الطاعة والإِمامة ذهب إلى أنه هو المقصود بالآية والمتفرد بمعناها ولا أحد من الأَمة يذهب إلى أن هذه اللفظة تقتضي ما ذكرناه ويذهب إلى أن المعني بها سواه وليس لأَحد أن يقول أن لفظ الذين آمنوا لفظ جمع فلا يجوز أن يتوجه إليه على الانفراد وذلك أن أهل اللغة قد يعبّرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التفخيم والتعظيم وذلك أشهر في كلامهم من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه وليس لهم أن يقولوا إن المراد بقولـه { وهم راكعون } أن هذه شيمتهم وعادتهم ولا يكون حالاً لإِيتاء الزكاة وذلك لأَن قولـه: { يقيمون الصلاة } قد دخل فيه الركوع فلو لم يحمل قولـه: { وهم راكعون } على أنه حال من يؤتون الزكاة وحملناه على من صفتهم الركوع كان ذلك كالتكرار غير المفيد والتأويل المفيد أولى من البعيد الذي لا يفيد ووجه آخر في الدلالة على أن الولاية في الآية مختصة أنه سبحانه قال { إنما وليكم الله } فخاطب جميع المؤمنين ودخل في الخطاب النبي (صلى الله عليه و آله)   وغيره ثم قال ورسوله فأخرج النبي (صلى الله عليه و آله) من جملتهم لكونهم مُضافين إلى ولايته. ثم قال: { والذين آمنوا } فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية وإلا أدّى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه وإلى أن يكون كل واحد من المؤمنين ولي نفسه وذلك محال واستيفاء الكلام في هذا الباب يطول به الكتاب فمن أراده فليطلبه من مظانه قال الواحدي واستدلّ أهل العلم بهذه الآية على أن العمل القليل لا يقطع الصلاة وأن دفع الزكاة إلى السائل في الصلاة جائز مع نية الزكاة { ومن يتول الله } بالقيام بطاعته { ورسوله } باتباع أمره { والذين آمنوا } بالموالاة والنصرة { فإن حزب الله } أي جند الله عن الحسن وقيل أنصار الله { هم الغالبون } الظاهرون على أعدائهم الظافرون بهم.تفسير الطبرسي ]

  • تفسيرالبرهان :

[ عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محمد الهاشمي، قال: حدثني أبي، عن أحمد بن عيسى، قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليه السلام)، في قوله عز و جل:{ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا – النحل 83 }

قال: ” لما نزلت { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } اجتمع نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مسجد المدينة فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في هذه الآية؟ فقال بعضهم: إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها، و إن آمنا فهذا ذل، حين يسلط علينا ابن أبي طالب.

فقالوا: قد علمنا أن محمدا صادق فيما يقول، و لكن نتولاه، و لن نطيع عليا فيما أمرنا- قال- فنزلت هذه الآية}: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا – النحل83 {  يعني يعرفون ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و أكثرهم الكافرون ب الولاية “.

– و عنه: عن بعض أصحابنا، عن محمد بن عبد الله، عن عبد الوهاب بن بشير، عن موسى بن قادم، عن سليمان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل }: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ-   البقرة57  {

قال: ” إن الله تعالى أعظم و أجل و أعز و أمنع من أن يظلم، و لكنه خلطنا بنفسه، فجعل ظلمنا ظلمه، و ولايتنا ولايته، حيث يقول: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يعني الأئمة منا. وفي موضع آخر}: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ – البقرة 57 { ثم ذكر مثله.

– و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، قال: ذكرت لأبي عبد الله (عليه السلام) قولنا في الأوصياء أن طاعتهم مفروضة، قال: فقال: ” نعم، هم الذين قال الله تعالى} أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ – النساء 59} و هم الذين قال الله عز و جل: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ” }

–  و عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محمد الهاشمي، عن أبيه، عن أحمد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ  {قال: ” إنما يعني أولى بكم، أي أحق بكم و بأموركم و أنفسكم و أموالكم { ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يعني عليا و أولاده الأئمة (عليهم السلام) إلى يوم القيامة. ثم وصفهم الله عز و جل فقال: { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ، و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) في صلاة الظهر، و قد صلى ركعتين، و هو راكع، و عليه حلة قيمتها ألف دينار، و كان النبي (صلى الله عليه و آله) كساه إياها، و كان النجاشي أهداها له، فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولي الله، و أولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدق على مسكين. فطرح الحلة إليه و أومأ بيده إليه أن احملها.

فأنزل الله عز و جل فيه هذه الآية، و صير نعمة أولاده بنعمته، فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله، فيتصدقون و هم راكعون، و السائل الذي سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) من الملائكة، و الذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة “.

– و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، و الفضيل ابن يسار، و بكير بن أعين، و محمد بن مسلم، و يزيد بن معاوية، و أبي الجارود، جميعا، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «أمر الله عز و جل رسوله بولاية علي (عليه السلام) و أنزل عليه: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } و فرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله محمدا (صلى الله عليه و آله) أن يفسر لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج، فلما أتاه ذلك من الله، ضاق بذلك صدر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و تخوف أن يرتدوا عن دينهم، و أن يكذبوه، فضاق صدره، و راجع ربه عز و جل، فأوحى الله عز و جل إليه }: يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ  – المائدة  67{  فصدع بأمر الله تعالى ذكره، فقام بولاية علي (عليه السلام) يوم غدير خم، فنادى:الصلاة جامعة. و أمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب “.قال عمر بن أذينة: قالوا جميعا غير أبي الجارود، و قال أبو جعفر (عليه السلام): ” و كانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الاخرى، و كانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز و جل} :  ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي –  المائدة: 3 ” {. قال أبو جعفر (عليه السلام): ” يقول الله عز و جل: لا انزل عليكم بعد هذه الفريضة، قد أكملت لكم الفرائض “.
– ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن حاتم (رحمه الله)، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حدثنا كثير بن عياش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الآية.

قال: ” إن رهطا من اليهود أسلموا، منهم: عبد الله بن سلام، و أسد، و ثعلبة، و ابن يامين، و ابن صوريا، فأتوا النبي (صلى الله عليه و آله) فقالوا: يا نبي الله، إن موسى (عليه السلام) أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله؟ و من ولينا من بعدك؟ فنزلت هذه الآية: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): قوموا فقاموا و أتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل، أما أعطاك أحد شيئا؟ قال: نعم، هذا الخاتم. قال: من أعطاكه؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي. قال: على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعا. فكبر النبي (صلى الله عليه و آله) و كبر أهل المسجد، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): علي بن أبي طالب وليكم بعدي. قالوا: رضينا بالله ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد نبيا، و بعلي بن أبي طالب وليا. فأنزل الله عز و جل: { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ –  المائدة: 56  “.}

و روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: و الله لقد تصدقت بأربعين خاتما، و أنا راكع، لينزل في ما نزل في علي ابن أبي طالب فما نزل.

– علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن صفوان، عن أبان بن عثمان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ” بينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالس و عنده قوم من اليهود، فيهم عبد الله بن سلام، إذ نزلت عليه هذه الآية، فخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى المسجد، فاستقبله سائل، فقال: هل أعطاك أحد شيئا؟

قال: نعم، ذلك المصلي. فجاء رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فإذا هو علي (عليه السلام (الشيخ المفيد في (الاختصاص): عن أحمد بن محمد بن عيسى، [عن محمد بن خالد البرقي]، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الأوصياء طاعتهم مفترضة؟

فقال: ” هم الذين قال الله:{ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ- النساء  59 } و هم الذين قال الله  :{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ {”

– الشيخ في (أماليه)، قال: حدثنا محمد بن محمد، قال: حدثني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال: حدثني الحسن بن علي الزعفراني، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثنا محمد بن علي، قال: حدثنا العباس بن عبد الله العنبري، عن عبد الرحمن بن الأسود الكندي اليشكري، عن عون ابن عبيد الله، عن أبيه، عن جده أبي رافع، قال: ” دخلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوما و هو نائم، و حية في جانب البيت، فكرهت أن أقتلها فأوقظ النبي (صلى الله عليه و آله)، و ظننت أنه يوحى إليه، فاضطجعت بينه و بين الحية، فقلت: إن كان منها سوء كان إلي دونه. فمكثت هنيئة، فاستيقظ النبي (صلى الله عليه و آله) و هو يقول: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } حتى أتى على آخر الآية. ثم قال: ” الحمد لله الذي أتم لعلي نعمته، و هنيئا له بفضل الله الذي آتاه “. ثم قال لي: ” ما لك ها هنا؟ ” فأخبرته بخبر الحية، فقال لي: ” اقتلها ” ففعلت. ثم قال: ” يا أبا رافع، كيف أنت و قوم يقاتلون عليا و هو على الحق و هم على الباطل، جهادهم حق لله عز اسمه، فمن لم يستطع فبقلبه، ليس ورائه شيء “. فقلت: يا رسول الله، أدع الله لي إن أدركتهم أن يقويني على قتالهم. قال: فدعا النبي (صلى الله عليه و آله) و قال: ” إن لكل نبي أمينا، و إن أميني أبو رافع   “.

قال: فلما بايع الناس عليا بعد عثمان، و سار طلحة و الزبير، ذكرت قول النبي (صلى الله عليه و آله)، فبعت داري بالمدينة، و أرضا لي بخيبر، و خرجت بنفسي و ولدي مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، لأستشهد بين يديه، فلم أزل معه حتى عاد من البصرة، و خرجت معه إلى صفين، فقاتلت بين يديه بها، و بالنهروان أيضا، و لم أزل معه حتى استشهد (عليه السلام)، فرجعت إلى المدينة و ليس لي بها دار، و لا أرض، فأعطاني الحسن بن علي (عليهما السلام) أرضا بينبع، و قسم لي شطر دار أمير المؤمنين (عليه السلام)، فنزلتها و عيالي.

– أبو علي الطبرسي، قال: حدثنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني القايني، قال: حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني (رحمه الله)، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن القاسم الفقيه الصيدلاني، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الشعراني، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن علي بن رزين الباشاني ” ، قال: حدثنا المظفر ابن الحسين الأنصاري، قال: حدثنا السندي بن علي الوراق، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن قيس ابن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، قال: بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم، يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)، إذ أقبل رجل متعمم بعمامة، فجعل ابن عباس لا يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)، إلا قال الرجل: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله )

فقال ابن عباس: سألتك بالله، من أنت؟ فكشف العمامة عن وجهه، و قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي: أن جندب بن جنادة البدري، أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) بهاتين و إلا صمتا، و رأيته بهاتين و إلا عميتا يقول: ” علي قائد البررة، و قاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله “. أما إني صليت مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوما من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا، فرفع السائل يده إلى السماء، و قال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله، فلم يعطني أحد شيئا. و كان علي (عليه السلام) راكعا فأومأ بخنصره اليمنى إليه، و كان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، و ذلك بعين رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فلما فرغ النبي (صلى الله عليه و آله) من صلاته رفع رأسه إلى السماء و قال: اللهم إن أخي موسى سألك فقال: { رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي   وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي  وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي  يَفْقَهُواْ قَوْلِي  وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي  ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي  – طه: 25-32} فأنزلت عليه قرآنا ناطقا { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا – القصص: 35 } اللهم، و أنا محمد نبيك، و صفيك، اللهم فاشرح لي صدري، و يسر لي أمري، و اجعل لي وزيرا من أهلي، عليا، اشدد به ظهري “.

قال أبو ذر: فو الله ما استتم رسول الله (صلى الله عليه و آله) الكلمة حتى نزل عليه جبرئيل من عند الله فقال: يا محمد، اقرأ. قال: «و ما أقرأ؟» قال: اقرأ { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الآية.

ثم قال الطبرسي: روى هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في (تفسيره) بهذا الإسناد بعينه.

  • وعنه قال: و روى أبو بكر الرازي في كتاب (أحكام القرآن) على ما حكاه المغربي عنه، و الطبري، و الرماني أنها نزلت في علي (عليه السلام) حين تصدق بخاتمه و هو راكع . و هو قول مجاهد و السدي، و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) و جميع علماء أهل البيت – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

تفاسير أهل السنة واختلافهم تم خلط سبب نزولها في الإمام علي (عليه السلام)  بأسباب أخرى من وضع الوضاعون فلما احتارفيها المفسرون اضطروا لخلطها بتفاسير الآية  حيث تصدق وهو راكع ومن هنا جاء الخلاف في فهم الاية الكريمة .

والسؤال هل الزكاة تؤدى والعبد راكع أم هى  علامة وميزة  وأمارة خاصة للإمام علي عليه السلام صاحب أسباب النزول الحقيقي للآية لذلك دارت محاور تفاسير أهل السنة حول الآتي :

  • الآية نزلت في أبي بكر وليس علي عليه السلام :

 

وهذا إن دل فلا يدل إلا على سخافة بعيدة كل البعد عن العقل وصحة النقل ولإحكام المكيدة ينسبونها لسيدنا ابن عباس كما في تفسير القرطبي . [ قال ٱبن عباس: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه – القرطبي في تفسيره ]

  • قولهم أن الآية عامة لكل مؤمن ولا تخص الإمام علي عليه السلام :

قال الطبري في تفسيره [… فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنـيّ به، فقال بعضهم: عُنِـي به علـيّ بن أبـي طالب . وقال بعضهم : عُنـي به جميع الـمؤمنـين. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: ثم أخبرهم بـمن يتولاهم، فقال: { إنَّـمَا وَلِـيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } هؤلاء جميع الـمؤمنـين، ولكن علـيّ بن أبـي طالب مرّ به سائل وهو راكع فـي الـمسجد، فأعطاه خاتـمه. حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا عبدة، عن عبد الـملك، عن أبـي جعفر، قال: سألته عن هذه الآية: { إنَّـمَا وَلِـيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ } قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا قلنا: بلغنا أنها نزلت فـي علـيّ بن أبـي طالب، قال علـيّ من الذين آمنوا. عتبة بن أبـي حكيـم فـي هذه الآية : { إنَّـمَا وَلِـيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } قال: علـي بن أبـي طالب. حدثنـي الـحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا غالب بن عبـيد الله، قال: سمعت مـجاهداً يقول فـي قوله : { إنَّـمَا وَلِـيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ }… الآية، قال: نزلت فـي علـيّ بن أبـي طالب، تصدّق وهو راكع ]

 3 – روى أنها نزلت في قريظة كما في تفسير القرطبي :

[  قال جابر بن عبد الله قال عبد الله بن سَلاَم للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قومنا من قُرَيظة والنَّضِير قد هجرونا وأقسموا ألا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء. «وَالَّذِينَ» عام في جميع المؤمنين .

ثم أورد أنها نزلت في الإمام علي (عليه السلام) [  وقد سئِل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن معنى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } هل هو عليّ بن أبي طالب؟ فقال: عليّ من المؤمنين يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين. قال النحاس: وهذا قول بيّن لأن «الذين» لجماعة ….

وقال في رواية أُخرى: نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام عنه وقاله مجاهد والسدّيّ، وحملهم على ذلك قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }   – تفسير القرطبي ]

  • وفي بعض التفاسير الولاية لله تعالى ولرسوله ثم للمؤمنين على التبيع كما في تفسير البيضاوي :

[{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } لما نهى عن موالاة الكفرة ذكر عقيبه من هو حقيق بها، وإنما قال { وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ } وَلم يقل أولياؤكم للتنبيه على أن الولاية لله سبحانه وتعالى على الأصالة ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على التبع. { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } صفة للذين آمنوا فإنه جرى مجرى الاسم، أو بدل منه ويجوز نصبه ورفعه على المدح. { وَهُمْ رَاكِعُونَ } متخشعون في صلاتهم وزكاتهم، وقيل هو حال مخصوصة بيؤتون، أو يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصاً على الإحسان ومسارعه إليه، وإنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه. واستدل بها الشيعة على إمامته زاعمين أن المراد بالولي المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها، والظاهر ما ذكرناه مع أن حمل الجمع على الواحد أيضاً خلاف الظاهر وإن صح أنه نزل فيه فلعله جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس في مثل فعله فيندرجوا فيه ، وعلى هذا يكون دليل على أن الفعل القليل في الصلاة لا يبطلها وأن صدقة التطوع تسمى زكاة.- أنوار التنزيل للبيضاوي ] .

وفي تفسير كشاف للزمخشري قال في تفسير الآية الكريمة :

[ الزمخشري في تفسيره الكشاف :   قال في تفسير هذه الآية : و إنها نزلت في علي ( كرّم الله و جهه ) حين سأله سائل و هو راكع في صلاته ، فطرح له خاتمه كأنه كان مَرِجا (الواسع) في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته

– قال الزمخشري : فان قلت : كيف يصح أن يكون لعلي (عليه السلام) و اللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع و إن كان السبب به رجلاً و احداً ، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، و لينبّه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر و الإحسان و تفقّد الفقراء ، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير و هم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منها   –  الكشاف : 1 / 347 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت ] .

وفي تفسير مفاتيح الغيب للرازي المتوفى سنة  :

[ قال : روي عن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال : صليت مع رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) يوما صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء و قال : اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) فما أعطاني أحد شيئا ، و علي ( عليه السَّلام ) كان راكعا ، فأومأ إليه بخِنْصَره اليمنى و كان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) فقال ـ أي النبي ـ اللهم إن أخي موسى سألك فقال : ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي – طه 20﴾  إلى قوله: ﴿ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي  طه 20﴾  فأنزلت قرآنا ناطقا ﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا  القصص 28… ﴾ اللهم و أنا محمد نبيك و صفيك فأشرح صدري و يسّر لي

أمري و أجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري ” .قال أبو ذر : فو الله ما أتم رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد اقرأ : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ – المائدة 55﴾   …

… رَوى عن أنس بن مالك أن سائلا أتى المسجد و هو يقول : من يقرض الملي الوفي ، و علي ( عليه السَّلام ) راكع ، يقول بيده خلفه للسائل ، أي إخلع الخاتم من يدي ، قال رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) : ” يا عمر و جبت ” ، قال : بابي أنت و أمي يا رسول الله ما و جبت ؟ قال : ” و جبت له الجنة والله ما خلعه من يده حتى خلعه الله من كل ذنب و من كل خطيئة ” ، قال : فما خرج أحد من المسجد حتى نزل جبرائيل ( عليه السَّلام ) بقوله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ – المائدة 55 ﴾

فأنشأ حسان بن ثابت يقول  :

أبا حسن تفديك نفسي و مهجتي * و كل بطيء في الهدى و مسارع

أيذهب مديحك المُحير ضايعا * و ما المدح في ذات الإله بضايع

فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع * فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيّد * و يا خير شار ثم يا خير بايع

فأنزل فيك الله و لاية * فأثبتها في محكمات الشرايع – التفسير الكبير : 2 / 26]

وفي تفسير الدر المنثور للسيوطي :

[ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطية بن سعد قال: نزلت في عبادة بن الصامت { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا  }

وأخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: ” تصدَّق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل ” من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع، فأنزل الله { إنما وليكم الله ورسوله } ” “.


وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { إنما وليكم الله ورسوله… } الآية. قال: نزلت في علي بن أبي طالب.

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال ” وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلمه ذلك، فنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه “.

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال ” نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته { إنما وليكم الله ورسوله والذين } إلى آخر الآية. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد، جاء والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم يصلي، فإذا سائل فقال: يا سائل، هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: لا، إلا ذاك الراكع – لعلي بن أبي طالب – أعطاني خاتمه”.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت { إنما وليكم الله } الآية.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { إنما وليكم الله ورسوله… } الآية. نزلت في علي بن أبي طالب، تصدق وهو راكع. وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله.

وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: ” أتى عبد الله بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبي الله صلى الله عليه وسلم عند الظهر، فقالوا: يا رسول الله، إن بيوتنا قاصية لا نجد من يجالسنا ويخالطنا دون هذا المسجد، وإن قومنا لما رأونا قد صدقنا الله ورسوله وتركنا دينهم أظهروا العداوة وأقسموا ان لا يخالطونا ولا يؤاكلونا، فشق ذلك علينا، فبيناهم يشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } ونودي بالصلاة صلاة الظهر، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم. قال: من؟ قال: ذاك الرجل القائم. قال: على أي حال أعطاكه؟ قال: وهو راكع. قال: وذلك علي بن أبي طالب، فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وهو يقول { ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } المائدة: 56 “. – الدر المنثور للسيوطي ] .

 

مصادر أخرى بينت أن الآية نزلت في الإمام على حيث تصدق بخاتمه وهو راكع

 

1 – الشبلنجي في نور الأبصار.   الصفحة : ۸٦ ـ ۸۷ /   دار الفكر.

2-  الواحد في أسباب النزول ، بسنده عن أبي صالح عن ابن عبّاس وعن جابر بن عبد الله. – راجع : أسباب النزول « للنيسابوري » / الصفحة : ۱۱۳ ـ ۱۱٤ /   دار الكتب العلميّة ـ بيروت / الطبعة : ٥ ]

3 –  كنز العمّال  عن ابن عبّاس  وكنز العمّال عن أبي رافع  – كنز العمال « للحسام الدين الهندي » / ج ۱۳ / ص  ۱۰۸ /   دار الكتاب العربي ـ بيروت / الطبعة : ۳ ]

4 – الهيثمي في مجمع الزوائد عن عمّار بن ياسر   –  راجع : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد « للهيثمي » / ج  ۷ / ص  ۱٦ – ۱۷ /   دار الكتب العربي ـ بيروت / الطبعة : 3 ]

5  –  ذخائر العقبى  عن عبد الله بن سلام –  راجع : ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى « للمحب الدين الطبري » / ص ۱۰۲  – مؤسسة الوفاء ـ بيروت ]

6 ـ الرياض النضرة – راجع  –  الرياض النضرة « للمحب الطبري » / ج ۳ / ص ۱۷۸ /   دار الكتب العلمية ـ بيروت ]

 

 تفسير البينة ( النبأ العظيم)

 

(إنما)

  • بحث ماذا قال النحاه والمفسرون في لفظ (إنما)

[﴿إِنَّمَا﴾ :  هي لفظة مركبة في الأصل من حرفين “إنّ” التي تفيد معنى الإثبات، و”ما” التي تفيد معنى النفي، ومع الجمع بين الحرفين تصير ” إِنَّمَا ” التي هي أداة تفيد معنى الحصر

– [ ذكر شيخ البلاغيين الإمام عبد القاهر الجرجاني ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (دلائل الإعجاز) ثلاثة من هذه الأدلة، وهو ناقل ما قاله أبو علي الفارسي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (الشِيرازيَّات)، وهذه الأدلة الثلاثة هي –  دلائل الإعجاز لعبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني المتوفى سنة 471ﻫ: ص328. تحقيـق : محمـود محمد شاكر، دار المدنـي بجـدة، الطبعة الثالثة 1413ﻫ ـ 1992م.]

1 ـ [ أن الأصل فى ذلك أنها متضمنة معنى (ما…إلا) بدليل قول المفسرين العالمين باللغة فى نحو قوله ـ تعالى ـ ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ…﴾[البقرة: 173] معناه : ما حرم عليكـم إلا الميتة، ويؤيد إصابتهم فى ذلك قراءة رفع (الميتة) ، وفى هذه القـراءة لا تكون (إنما) هى (إنّ) و(ما) الكافة، وإنما تكون (إن) و(ما) الموصولة، والمعنى أن الذى حرمه الله عليكم الميتةُ، والجملة حينئذ معرَّفة الطرفين، مثل قولك: الذى فعل كذا محمد، وهذا يفيد القصر.

ـ بدليـل قول النحا ة: [ أن (إنما) لإثبات ما يذكـر بعدها ونفى ما سواه. فهى لا تثبت مـا بعدها فقط، وإلا لما كان هنـاك فـرق بين قولك: محمد كاتب، وقولك: إنما محمد كاتب، لأن الجملة بدون (إنما) فيهـا إثبات أنـه كاتب، ولكن (إنما) تزيد على هذا أنها تنفى ماسواه، وهذا هو القصر.

3 ـ لصحـة انفصـال الضمير معهـا، تقـول : إنما يضـرب أنـا ، كـما تقول : ما يضرب إلا أنـا. والقاعدة أن «كل موضع أمكـن أن يؤتى فيه بالضمير المتصل لا يجوز العدول عنه إلى المنفصل إلا في مواضع محددة» – شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: ج1 ص99. تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار التراث ـ القاهرة، الطبعة العشرون رمضان 1400ﻫ ـ يوليو 1980م. ]

وقد ذكر محمد محي الديـن عبد الحميد ـ رحمه الله تعالى ـ مواضـع انفصـال الضمير بالتفصيل على هوامش كتابـي (أوضح المسالـك) و(شـرح ابن عقيل) –  أوضـح المسالك إلى ألفية ابن مالك : ج1 ص94 وما بعدها، تحقيق : محمد محي الديـن عبد الحميد، المكتبـة العصريـة صيدا ـ بيروت؛ شـرح ابن عقيل: ج1 ص100 وما بعدها.]

ولا يصلح من تلك المواضع لانفصـال الضمـير هنـا إلا كونـه محصورا. فالأصل أن تقول : [ أضرب، ولا يجوز القول: يضرب أنـا، فإذا أردت الحصر تقـول: ما يضرب إلا أنا. فتعين كون (إنما) للحصر. ومن ذلك  قول الفرزدق:

أَنَا الذّائدُ الحَامِي الذِّمَارَ وإنَّما   يُدافِعُ عَنْ أحْسابِهِمْ أَنا أَوْ مِثْلي – البيت في ديوانـه، وروايته: أنا الضامن الراعي عليهم. ينظر: ديوانه: ص488. تحقيق: الأستاذ علـي فاعـور، دار الكتب العلميـة بيروت ـ لبنـان، الطبعة الأولى 1407ﻫ ـ 1987م.  ] .

ثم أضاف غيره على هذه الأدلة الثلاثة أدلة أخرى، منها:

4 – [ ذكر السكاكي رحمه الله تعالى ـ أن من أدلتها ما قاله بعض النحاة من أن في كلمـة (إنما) اجتماع تأكيدين: (إنّ) المؤكـدة و(ما) المؤكدة، وما القصر إلا عبارة عن تأكيد على تأكيد، حيث قال: «ويذكرون لذلـك وجهـا لطيفا يسند إلى علي بن عيسى الربعي، وإنه كان من أكابر أئمة النحو ببغداد، وهو: أن كلمة (إنّ) لما كانت لتأكيـد إثبات المسند للمسند إليه، ثم اتصلت بها (ما) المؤكدة لا النافية على مـا يظنـه من لا وقوف له بعلم النحو، ضاعف تأكيدها، فناسب أن يضمن معنى القصر، لأن قصر الصفة على الموصوف، وبالعكس، ليس إلا تأكيدا للحكم على تأكيـد، ألا تراهم، متى قلت لمخاطب يردد المجيء الواقع بين زيد وعمرو: زيد جـاء لا عمرو، وكيف يكـون قولك: زيد جاء، إثباتا للمجيء لزيد صريحا، وقولك: لا عمرو، إثباتا ثانيا للمجيء لزيد ضمنا».- مفتاح العلوم: ص291 ]

5 –  استدل الإمام فخـر الدين الرازي  رحمه الله تعالى ـ لدلالة (إنما) على القصر بوجوه، منها : [ «أن كلمة (إِنَّمَا) مركبة من (إنّ) و(ما)، وكلمة (إنّ) للإثبات،وكلمـة (ما) للنفي، فعند اجتماعهما وجب بقاؤهما على هذا المفهوم، فوجب أن يفيدا ثبوت المذكور، وعدم ما يغايره» – مفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازي (544 ـ 606ﻫـ): ج16 ص107. دار الفكر، الطبعة الأولى 1401ﻫ ـ 1981م ]

[  وهذا الوجه قد رد عليه العلماء بأن (ما) في (إنما) كافة أو مؤكدة لا نافية – ينظر في تفصيل ذلك: الجنى الداني في حروف المعاني: ص397 ـ 398؛ شروح التلخيص: ج2 ص192؛ الكليات لأبي البقاء: ص189. ]

[ وجعل من ضمن الأدلة على إفادتها القصر الحديث (إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ)  – صحيـح مسلم: كتاب المساقاة باب بيع الطعام مِثلا بمثل، حديث رقم: 1596؛ سنن ابن ماجه: كتاب التجارات باب من قال لا ربا إلا في النسيئة، حديث رقم: 2257 ]

الذي تمسك به من لا يرى دلالة (إنما) على القصر، حيث ذكـر: [  «أن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ تمسك في نفي ربا الفضل بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ (إنما الربا في النسيئة)، ولولا أن هذا اللفظ يفيد الحصر، وإلا لمـا كـان الأمـر كذلـك» – مفاتيح الغيب: ج16 ص107. ]

ومما يؤيد كلامه هذا ورود الحديث في صحيح البخاري بلفظ : [«لا الرِّبَا إِلا فِي النَّسِيئَةِ» – صحيح البخاري: كتاب البيوع باب بيـع الدينار بالدينـار نساء، حديث رقم: 2178 ـ 2179     ]

6 – [  أضـاف بهـاء الدين السبكى ـ رحمه الله تعالى ـ أن من أدلة إفادة (إنما) القصـر مثـل قولـه ـ تعالى ـ: ﴿ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّـهُ ﴾[هود: 33]، «فإنه إنما يحصل مطابقة الجواب إذا كانت (إنما) للحصر، ليكـون معناه: لا آتيكم به، إنما يأتى به الله»  -عروس الأفراح ضمن شروح التلخيص: ج2 ص193    ]

[ « هذه أدلة قوية على إفادتها الاختصاص لأنها لا تعتمد على كلام المحققين من المفسرين والنحاة واللغويين، وإنما تعتمد على مجراها فى الأسلوب، وأن ذلك يقتضى أن تكون أفادت الإثبات والنفى معـا، وهـذا من أقوى الأدلة وأحكمها، بل هو أصـل ما قاله اللغويـون والمفسرون لأن مقالتهـم مستنبطـة من دلالات التراكيب» –  دلالات التراكيب: ص152   ]

[ هذا، وقد أشار الإمام الزمخشري ـ رحمه الله تعالى ـ إلى أن (أَنَّمَا) المفتوحة الهمزة ك(إِنَّمَا) المكسورة الهمزة في الدلالة على القصر، وهو يقول عند تفسيره قول الله ـ تعالى ـ ﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ  فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[الأنبياء: 108] : «(إنما) لقصـر الحكم على شـيء  (يعني قصر الصفة على الموصوف) .

[ أو لقصر الشيء على حكـم (يعني قصر الموصوف على الصفة)  كقولـك: إنما زيد قائـم، وإنما يقـوم زيد. وقد اجتمع المثالان في هـذه الآيـة، لأن (إِنَّمَا يُوحَى إِلَىَّ) مع فاعله بمنزلـة: إنما يقوم زيد، و(أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) بمنزلـة: إنما زيـد قائم، وفائدة اجتماعهما: الدلالـة على أن الوحـي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقصور على استئثار الله بالوحدانية»  – الكشاف للإمام الزمخشري (467 ـ 538ﻫ): ج4 ص170. تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجـود والشيخ علي محمـد معوض والأستاذ الدكتور فتحـي عبـد الرحمـن أحمد حجازي، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 1418ﻫ ـ 1998م ] .

وقد ذكرنا سابقا موقف الشيخ أبي حيان ـ رحمه الله تعالى ـ [  من دلالة (إِنَّمَا) المكسورة الهمزة على القصر، وهـو هنا ينكـر صراحة دلالة (أَنَّمَا) المفتوحة الهمزة على القصر، ويرد على الإمـام الزمخشري قائلا: «وأما ما ذكره في (إِنَّمَا) أنها لقصر ما ذكر فهو مبني على أن (إنما) للحصر، وقد قررنا أنها لا تكون للحصر، وإنما مع (إنّ) كهي مع (كان) ومع (لعل)، فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه ولا الحصر في الترجي، فكذلـك لا تفيـده مع (إنّ)، وأمـا جعلـه (أَنَّمَا) المفتوحـة الهمـزة مثل مكسورتها يـدل على القصر، فلا نعلـم الخلاف إلاّ في (إِنَّمَا) بالكسر، وأما بالفتح فحرف مصدري ينسبـك منـه مـع ما بعدهـا مصدر، فالجملة بعدها ليست جملة مستقلـة، ولـو كانت (إنما) دالـة على الحصر لزم أن يقال إنه لم يوح إليه شيء إلاّ التوحيد، وذلك لا يصح الحصر فيه إذ قد أوحى له أشياء غير التوحيد» –   تفسير البحر المحيط: ج6 ص318 ]

[ وذكـر المرادي ـ رحمـه الله تعالى ـ أنه «انتصر بعـض الناس للزمخشري بأن قال: إن المفتوحـة هي فرع المكسورة، بدليل أن سيبويه عدها خمسة –  ذكر سيبويه ـ رحمه الله تعالى ـ (إِنَّ) وأخواتها تحت عنوان «هذا باب الحروف الخمسة التي تعمل فيما بعدها كعمل الفعل فيما بعده». وهذه الخمسة هي: إِنَّ، ولَكِنَّ، ولَيْتَ، ولَعَلَّ، وكَأَنَّ. ينظر: كتاب سيبويه: ج2 ص131 ]  .

[ واستغنى بـ (إِنّ) المكسورة عن المفتوحـة، فلا فرق بينهما في الحصـر، وعدمـه» – الجنى الداني في حروف المعاني: ص417 ] .

[ ويجيب على إبطال أبي حيان الحصر في الآية المذكورة قائلا: «جوابه أن الحصر عند القائلين بـه باعتبار المقام، وهـو هنـا خطاب للمشركين، والموحَى إليه في حقهم أولا هو التوحيد. والله أعلم»  –   الجنى الداني في حروف المعاني: ص417]   يعني أن القصر في الآية قصـر إضافي، لا قصـر حقيقي كما فهمه أبو حيان ـ رحمه الله تعالى ـ .

[ ووضح ذلك ابن هشام ـ رحمه الله تعالى ـ قائلا: «والأصح أنها(أي: (أَنَّ (المفتوحة الهمزة )

فرع عن (إِنَّ) المكسورة، ومن هنا صح للزمخشري أن يَدَّعي أن (أَنَّمَا) بالفتح تفيد الحصر كـ (إِنَّمَا)، وقد اجتمعا في قوله ـ تعالى ـ: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ – الأنبياء: 108  ﴾ فالأولى لقصر الصفة على الموصوف، والثانية بالعكس.

[وقول أبي حيان (هذا شيء انفرد به، ولا يعرف القول بذلك إلا في إنما بالكسر) مردود بما ذكـرت. وقولـه (إن دعوى الحصر هنا باطلة لاقتضائها أنه لم يوحَ إليه غير التوحيد) مردود أيضـا بأنـه حصر مقيـد، إذ الخطاب مع المشركين، فالمعنى: مـا أوحِيَ إلـى فـي أمـر الربوبية إلا التوحيد، لا الإشراك، ويسمـى ذلك قصر قلب لقلب اعتقاد المخاطب، وإلا فما الذي يقول هـو في نحـو:﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾[آل عمران: 144]، فإن (ما) للنفي و(إلا) للحصـر قطعـا، وليست صفتـه ـ عليه الصلاة والسلام ـ منحصرة في الرسالـة، ولكن لما استعظموا موته جُعِلوا كأنهم أثبتوا له البقاء الدائم، فجاء الحصر باعتبار ذلك ويسمى قصر إفراد» – مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: ج1 ص253 وما بعدها  ]

وقال أبو البقـاء ـ رحمه الله تعالى ـ: [  «كل مـا أوجب (إِنَّمَا) بالكسر للحصر أوجب (أَنَّمَا) بالفتـح للحصر أيضـا، لأنهـا فـرع عنهـا، ومـا ثبت للأصـل ثبت للفرع، ما لم يثبت مانع منـه والأصل عدمه، وموجب الحصر موجود فيهما، وهو تضمن معنى (ما) و(إلا) أو اجتماع حرفي التأكيـد. وقد اجتمع الحصران في قوله ـ تعالى ـ: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ﴾[الأنبيـاء: 108]، وفائدة الاجتماع الدلالة على أن الوحي مقصور على استئثار الله بالوحدانية، والحصر مقيد لأن الخطاب مع المشركين، لا مطلق، لاقتضائه أنه لم يوح إليه سوى التوحيد، وليس كذلك. هذا ما ذهب إليه الزمخشري والبيضاوي» –  الكليات: ص189  ]

وقال : [«والجمهور على أن (أَنَّمَا) بالفتح لا يفيد الحصر، والفرع لا يجب أن يجري على وتيرة الأصل في جميع أحكامه. وقيل: المفتوحة أصل المكسورة؛ وقيل: كل منهما أصل برأسه»   – الكليات ص 190 ]

[ وقـال الدسوقي ـ رحمـه الله تعالى ـ: «واعلم أن الموجب للحصر في (إِنَّمَا) بالكسر موجود في (أَنَّمَا) بالفتح، فمن قال سبب إفادة (إِنَّمَا) الحصر تضمنها معنى (ما) و(إلا)، قال بذلك في (أَنَّمَا) المفتوحة، لوجود هذا السبب فيها؛ ومن قال إن السبب اجتماع حرفي توكيد، قال به في (أَنَّمَا) أيضا لذلك». –    حاشية الدسوقي على شرح السعد، ضمن شروح التلخيص: ج2 ص194.    – من موسوعة المقتبس ] ٍ

 تفسير البينة :

 

لفظ إنما المكون من ثلاث حروف في كتاب الله تمثل ثلاث آيات لقوله تعالى في (ألم ) تلك آيات الكتاب فكل حرف في كتاب الله آية متلوة وهنا سنبين معجزة القرآن الكريم في بيان لفظ إنما لنعلم مراد الله تبارك و تعالى من الآية الكريمة :

إن ورود هذا اللفظ في آية إذهاب الرجس ليؤكد بمالا يدع من شك أن المقصود رجل من أصحاب الكساء وهو الإمام علي عليه السلام لذلك ورد كما يلي في آية إذهاب الرجس عن أهل بيته عليهم السلام وتطهيرهم تطهيرا قال تعالى :

{ إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا – الاحزاب 33 } وهنا أسباب النزول تؤكد أنها نزلت في أصحاب الكساء الخمسة عليهم السلام وهم [سيدنا محمد صلى الله عليه وآله والإمام علي والسيدة فاطمة والإمام الحسن والحسين عليهم السلام]

وكذلك ورود نفس اللفظ في قوله تعالى { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ – الرعد 7 }

 والآية نزلت في الإمام علي عليه السلام كما يلي :

[عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : لما نزلت : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) قال : وضع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده على صدره ، وقال : ” أنا المنذر ، ولكل قوم هاد ” . وأومأ بيده إلى منكب علي ، فقال : ” أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي ”  – تفسير الطبري و شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ] أي أن قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } الكلمة الأولى من الاية تؤكد أنه الإمام علي وهو من الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا

وورد هذا اللفظ في مواضع عديدة أخرى لتؤكد أن المقصود من الآية رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله أكثر الأمة علماً وأكثرهم خشية لله تعالى ولذلك ورد هذا اللفظ في قوله تعالى والذي يؤكد نفس المعنى السابق : { إنما يخشى الله من عباده العلماء  – فاطر 28 }

وأشد الناس خشية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أهل بيته وأولهم الإمام علي باب مدينة العلم كما ذكر النبي ذلك والقرآن يقول أن العلماء أكثر الخلق خشية لله وكلما ازداد العلم ازدادا خشية من الله والآية لذلك هنا أيضاً تؤكد أن المقصود منها الإمام علي عليه السلام لأنه أكثر أمة محمد علماً بل كان مرجعاً لصحابة رسول الله إذا أحتاروا في حكم حتى قال الخليفة الثاني عمر [1- لو لا علي لهلك عمر – أخرجه أحمد والعقيلي وابن السمان , ويوجد في الاستيعاب 3 / 39 , الرياض 2 / 194 , تفسير النيسابوري 26 / 10  – مناقب الخوارزمي 48 , شرح الجامع الصغير للشيخ محمد الحفني : 47 , تذكرة السبط : 87 , مطالب السؤول : 13 , فيض القدير 4 / 357 .

2- اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب – تذكرة السبط : 87 , مناقب الخوارزمي : 58 , مقتل الخوارزمي 1 / 45 .

3-لا أبقاني الله بأرض لستَ فيها أبا الحسن-  إرشاد الساري 3 / 195  .

)  4- أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها (  تاريخ ابن كثير 7 / 359 , الفتوحات الاسلامية 2 / 306  .
) 5- أن عمر كان يسأل علياً عن شيء فأجابه , فقال عمر : ((أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن))-  فيض القدير 4 / 357  .

6- قال سعيد بن المسيب : كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن. –  أحمد في المناقب : 155 ح 222 , الاستيعاب ـ هامش الاصابة ـ : 3 / 39 , صفة الصفوة 1 / 121 , الرياض النضرة 2 / 194 , تذكرة السبط : 85 , طبقات الشافعية للشيرازي : 10 , طبقات الفقهاء : 42 , الاصابة 2 / 509 , الصواعق: 76 , فيض القدير 4 / 357 ] .

 وورود نفس اللفظ في آية البيعة أيضاَ يشير إلى أن المقصود بإنما هو رسول الله بالطاعة والبيعة ثم خليفته الذي يبايعه الناس على ما بايع رسول الله صلى الله عليه وآله

لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فإنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا – الفتح 10 } .

والمؤمنون هم الذين أطاعوه تعالى متوكلين عليه تعالى تعالى و هم الذين يقولون سمعنا وأطعنا كما في قوله تعالى ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ – النور 51﴾ وهم الذين توجل قلوبهم إذا سمعوا آيات الله تعالى  متوكلين عليه تعالى كما في قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ – الانفال 2 } .

ومن اهتدى فقد اهتدى لنفسه لقوله تعالى : { مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا- يونس 108 } والهداية كما بينا من قبل لإمام من أئمة الهدى من العترة النبوية الطاهرة لقوله تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد } و { مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ- يونس 108 }

وما على الرسول إلا البلاغ  قال تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَأَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ – التغابن 12 } وهؤلاء هم الذين أطاعوا الله ورسوله تيقنهم بولاية الله الحق وبالتالي ما على الرسول إلا البلاغ  وعليه ماحمل وعلى الأمة ما يتحملونه من طاعة لأوامر  الله تعالى ورسوله وولايته الحق قال تعالى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ – النور 54 }

وهؤلاء المؤمنين بالله تعالى المتوكلون عليه تعالى الذين تولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام هم الذين حاهدوا في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى ثم لم يرتابوا قال تعالى { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ – الحجرات 15 }

وهؤلاء الذين أقاموا الليل خوفاً من الله تعالى وحذراً من عقابه عز وجل  فهل يستوون بغيرهم ممن كفر بالله تعالى وولايته الحق قال تعالى :{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ – الزمر 9 }

ثم يبين تعالى اعتراض كفار قريش على أحكام القرآن نفسه فقالوا للنبي صلى الله عليه وآله  { وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ العنكبوت 50 } وهؤلاء  بين تعالى أنهم نجس والمفترض من الله تعالى أن لا يقربوا المسجد الحرام لقوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ – التوبة 28 } ثم يقول لهم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله :

{ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ– النمل 92-93 }

ثم بين تعالى لجوء المنافقين من ذرية هؤلاء وأشياعهم إلى الكذب على الله تعالى ورسوله لصرف الناس عن ولاية أهل بيته عليهم السلام وما هؤلاء بالمؤمنين فقال تعالى  ﴿ إنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ – النحل 40﴾

ثم بين تعالى أنه سينزل بهم عقاباً وعذاباً منه عز وجل قريباً من موته فقال تعالى  { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ – الرعد 40 }

وهذا يكون قريباً من موته صلى الله عليه وآله لقوله عز وجل { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ – النمل 71-72 }

وبعد انتقال الأمة إلى درك آخر من تووارث هذه المكذوبات بين تعالى أنهم ستفترقون على كتاب الله تعالى ورسوله وأئمتهم عقابا لهم فيفرقهم الله تعالى شيعا وويذيق بعضهم بأس بعض قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ – الانعام 159 } وقال تعالى أيضاً في عقابهم على اختلافهم في الولاية لله الحق واختلافهم حول القرآن الكريم وسنة نبيهم مابين مصحح ومكذب و حول الآئمة من أهل بيت نبيهم قال تعالى في العقاب هنا { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ – الأنعام 65 }

ثم بين تعالى أنه قد أخذ الميثاق على الخلق قبل الهبوط إلى الأرض بربوبيته تعالى وطاعته وعبادته وولايته الحق على الخلق فغفل أكثر الناس عن ذلك وكثيراً منهم وقع في جريمة تقليد الآباء غافلين عن ذكر الله كما في قوله تعالى :

{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ – الاعراف 172-173 }

فلما اختلفوا تقاتلوا وسفكوا دماء أهل بيت النبي وشيعتهم ومحبيهم طبعاً بعد أكثر من اثنتي عشرة محاولة لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله منها مجموعة من المنافقين في عقبة أفيق حيث حاولوا قتله بالدباب وهذه حرباً مع الله تعالى ورسوله وأهل بيته والمؤمنين استمرت منذ ظظهور الإسلام مع رسول الله صم مع الإمام علي ثأراً لما فعله فيهم في غزوة بدر ثم قتلوا أهل بيت  عليهم السلام بعد ان فرقهم الله تعالى شيعاً وذلك بحربهم مع الله تعالى بقتلهم المؤمنين كما في قوله تعالى  { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض  – المائدة 33} وهنا نزل العذاب بالأمة بحربهم مع الله تعالى ورسوله في أهل بيته والصالحين من أمته

بعد أن أحب الكثير منهم ووردوا غير أهل بيته عليهم السلام وفي ذلك وثنية قال تعالى فيها :

{ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ -العنكبوت 25 }

ولأن المودة للنبي وأهل بيته في قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى } ولخروجهم على هذه المودة بين تعالى أنها خروجاً إلى الوثنية باسم الدين

 وهنا نكون قد اثبتنا بأن مودة وتقليد وتقديم غيرهم عليهم (عليهم السلام) وثنية أثبتها الله تعالى في كتابه لذلك يقول تعالى : { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – العنكبوت 17 }

ثم يحذر الله تعالى من طاعة الشيطان الذي يدعوا حزبه ليكونوا من الخارجين على ولايته تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام ليكونوا من أصحاب السعير في قزله تعالى { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ – فاطر6 }

والله تعالى ورسوله بريئ من إشراك هؤلاء بالله تعالى لأنه عزز وجل لم يأمر بالشيئ وضده ممن قال تعالى فيهم { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم ياذن به الله – الشورى } و هؤلاء الله تعالى روسوله صلى الله عليه وآله بريئ منهم في الدنيا والآخرة لقوله تعالى عنهم  { قل إنما هوإله واحد وإنني بريئ مما تشركون – الانعام 19}

وهذا حكم الله تعالى في لفظ إنما وتفصيله باختصار وقد بين تعالى أن مساجد هؤلاء الذين تولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام هم المهتدون الذين عمروا بيوت الله تعالى بذكره عز وجل لقوله تعالى ﴿ إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ18 المائدة – ﴾

وبالتالي هنا قوله تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ – المائدة 55 }

لفظ (إنما) وحده  هنا في كتاب الله حكى قصة الإسلام وحرب المنافقين مع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته وإمامة الإمام علي ولجوئهم إلى التكذين وذريتهم إلى الكذب على الله تعالى وورسوله ثم يبين تعالى وثنية هؤلاء وشركهم وتبروء الله تعالى ورسوله منهم وإحباط أعمالهم بخروجهم على ولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وأولهم الإمام علي ثم الأئمة من ذريته إلى يوم القيامة والتي قال تعالى فيهم { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد } والخروج على هؤلاء الهداة المهديين خروجاً إلى الوثنية باسم الدين .

 

وأما :

 ( وليكم )

يؤدي إلى نفس المعاني السابقة أيضاً فالقرآن لا يختلف بعضه مع بعض فأول كلمه فيه تؤدي إلى ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام حتى آخر كلمة فيه وهذا ما أثبتناه في تفسير البينة إن شاء الله

[ وليه يليه ولياً : قرب منه في المكان أو النسب أو غيرهما ووليه يليه ولاية وولاية : نصره ويقال ولى أمر فلان :قامم بأمره وكان فيه صلاحه فالولاية : النصرة .. وتولاه : أحبه ومال إليه ويقال تولى أمره ويقال تولى عنه : أعرض عنه وقد يقال في ذلك تولى : أدبر وذهب ويقال تولاه قام بشأنه وكان أميراً ويقال تولى إليه : قصد إليه

وأقبل عليه .وتولوا : أحبوا ونصروا .. والولي يجمع على أولياء ويجيئ لما يأتي .. الولي للمرء : هو المحب والصديق والولي لامرئ من يلي أمره ويقوم مقامه كولي للصبي والمجنون كالوكيل ومن ذلك ولي المسجد : القائم بشؤونه والولي للمرء : من يقوم بأمره بعد وفاته من ذوي قرابته وهذه الولاية من أسباب التوارث والمولى يجمع على موالي والمولى يأتي لمن يقوم بأمره ويعينه ويظاهره والله مولى المؤمنين يسددهم ويهيئ لهم سبل الخير والمولى للمرء من يتصل به من قرابة أو صداقة – معجم الفاظ القرآن باب الواو فصل اللام والياء ] .

 

 والولاية هى الحب والنصرة والاتباع والحب والمودة والقربى :

 

  • الولاية هى الاتباع :

 

الولاية هنا هي الاتباع قال تعالى {اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ – الاعراف 3 } وقال تعالى { إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون – النحل 100 } أي الذين اتبعوه  لقوله تعالى { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – البقرة 257 } والله وليهم هنا أي يسددهم ويهيئ لهم سبل الخير ولا يضلهم وقال تعالى { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا – آل عمران 68 } { ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسراناً مبينا الجاثية 119 } الولاية تستلزم الإيمان والإتباع لذلك قال تعالى{ ولو كانوا يؤمنون بالله وما أنزل إليهم ما اتخذوهم أولياء – المائدة 81 } أي ما اتبعوهم  ولا ودوهم ولا أحبوهم ولا اقتربوا منهم .

وقال تعالى أيضاً في بيان اقتران الولاية إيماناً وعملاً كما في قوله تعالى  { والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيئ حتى يهاجروا – الانفال 72 }

ومن تولى الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح والولاية لرسوله وأهل بيته عليهم السلام تولاه الله تعالى ومن تولاه أصلح أمره وسدده ولم يضله قال تعالى  { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ – الأعراف 169} ولذلك هو سبحانة وتعالى يتولى الصالحين أي يسددهم ويصدق وعده لهم فلا يضلهم ومن أضله الله صرفه عن طاعته وولايته إلى ولاية إبليس وذريته كما في قوله تعالى  { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا – الكهف 50 } وقال تعالى مبيناً أن هذه الولاية الشيطانية دائما تدعوا لنظرية تقليد الآباء لصرف الناس عن ولاية أهل بيت نبيهم بعد الطعن فيهم وصرف المناقب والفضائل عنهم إلى غيرهم فأضلوا الكثير من الناس بعد أن جعلوهم يتولون غير أهل بيت النبي ويحسبون أنهم مهتدون قال تعالى :

{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ – الاعراف 28-30 }

  • النصرة :

والنصرة من الولاية قال تعالى : { وما كان لهم من دون الله من أولياء – هود 20 } وقال تعالى { وما كان لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون – هود 112 } وقال تعالى في بيان واضح على أن الإستنصار بغير الله ورسوله وأهل بيته ولاية لغير الله تعالى الحق قال تعالى  {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا – النساء 139 } وقال تعالى مبيناً استنصار المؤمنين بعضهم ببعض على ولاية الله الحق فهؤلاء بعضهم أولياء بعض كما في قوله تعالى :{ والذين آووا ونصروا أولائك بعضهم أولياء بعض – الانفال 72 }

  • الحب والمودة :

الحب والمودة من الولاية لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ – المودة 1 } .

  • القربى :

القربى والقريب والتقرب من الولاية قال تعالى { فهب لي من لدنك وليا – مريم } وبالتالي أصحاب النار وقربهم منها ولاية قال تعالى فيها  { مأواكم النار هى مولاكم وبئس المصير – الحديد 15 } أي القريبة منهم والتي ستتولى أمرهم و أما قوله تعالى  { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم – الانعام 121 } أي تابعيهم ومن اقترب منهم وهذا لا يكون إلا للذين لا يؤمنون بالله ولا يعملون الصالحات كما في قوله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ – الاعراف 27 } والمؤمنون بالله تعالى الله عز وجل مولاهم أي ناصرهم ومسددهم ومحبهم والقريبين منه تعالى لقوله عز وجل { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين – البقرة 286 } أي متولي أمرنا وناصرنا ومسددنا وهادينا لولايته الحق التي هى ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه  ثم أهل بيته عليهم السلام التي قال تعالى فيها { هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا – الكهف 43-44 } والعقبى هنا العاقبة وهى هى الرد والرجوع إلى الله تعالى وجنته ونعيمه الذي أعده لهم في جنان الخلد  كما في قوله تعالى { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق – الانعام 62 } أي إلى الجنة بولايتهم لله الحق .

 

  • المولى قربي نبي وهو الامام علي بالتحديد :

قال تعالى عن نبي الله زكريا في دعائه { فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا – مريم } ولذلك نقول بأن وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية } صحيحة النزوول في الإمام علي الذيسيرث من رسول الله مهمه الدعوة إلى الله وولاية الدولة ولذلك نزلت آية (صالح المؤمنين) فيه لتؤكد أنه المقصود من آية الولاية في قوله تعالى { إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ – التحريم }

[ قال الطبري في تفسيره صالح المؤمنين أبي بكر وعمر ]

وطبعا لا يفوت قريشاً و المنافقين هنا هذه الآية لصرفها عن الإمام علي وأهل البيت عليهم السلام فرووا أنه أبي بكر وعمر وكلاهما ظل يعبد الأصنام أكثر من أربعين سنة بالإضافة إلى إسلام عمر المتأخر يخرجه من الآية لإسلامه سنة خمس من بدأ نزول الوحي  فكيف يكونا صالحان للمؤمنين فلو كانا هما المقصودان لقال تعالى وصالحا المؤمنين بألف الإثنين إنما وردت بالمفرد  وهو (صالح المؤمنين) .

 

وعن أسباب النزول :

 

[ رسول الله (صلى الله عليه وآله): صالح المؤمنين علي بن أبي طالب – تاريخ دمشق: ٤٢ / ٣٦٢ عن حذيفة، شواهد التنزيل: ٢ / ٣٤٣ / ٩٨٤ عن حصين بن مخارق عن الإمام الكاظم عن آبائه (عليهم السلام) عن أسماء بنت عميس وص ٣٤٦ / ٩٨٧ عن ابن عباس، تفسير القرطبي :١٨ / ١٩٢؛ تفسير الحبري: ٣٢٤ / ٦٧، مجمع البيان: ١٠ / ٤٧٥، تفسير فرات: ٤٩١ / ٦٤١ والأربعة الأخيرة عن أسماء بنت عميس، تفسير القمي: ٢ / ٣٧٧ عن أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) ]

[  الإمام الباقر (عليه السلام): لما نزلت : (وصلح المؤمنين) قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي، أنت صالح المؤمنين –   تفسير فرات: ٤٨٩ / ٦٣٤ و ح ٦٣٥ عن خيثمة. ]

[  عنه (عليه السلام): لقد عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) أصحابه مرتين؛ أما مرة فحيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وأما الثانية فحيث نزلت هذه الآية: (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين) الآية، أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله ( بيد علي (عليه السلام ( فقال: أيها الناس، هذا صالح المؤمنين – مجمع البيان: ١٠ / ٤٧٥، تفسير فرات: ٤٩٠ /  كلها عن سدير الصيرفي. ]

[    تفسير فرات عن رشيد الهجري: كنت أسير مع مولاي علي بن أبي طالب (عليه السلام  (في هذا الظهر (ظهر الكوفة)، فالتفت إلي فقال: أنا – والله يا رشيد – صالح المؤمنين  –  تفسير فرات: ٤٩١ / ٦٤٢. ]

[ تاريخ دمشق عن ابن عباس – في قوله عز وجل) :   وصالح المؤمنين( هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) راجع : كتاب ” شواهد التنزيل “: ٢ / ٣٤١ – ٣٥٢. ]

وبناءاً على ما أوردناه سالفاً وليكم الله تعالى أي المفروض اتباعه ونصرته ومودته وحبه والخروج عليه خروجاً إلى عبادة الأوثان باستخدام الدين كما في قوله تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى }

وأما :

(الله)

وهنا يبين تعالى أنه خالق كل شي ولذلك أمر بعبادته قال تعالى { ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ  – الأنعام 102 }  وهو الذي يحي ويميت  ولابد من رجوع إلى الله تعالى للحسب من بعد الموت قال تعالى { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ – البقرة 281 }

ولذلك أنزل الله تعالى الكتب وآخرها وخاتمها والمهيمن عليها القرآن الكريم الذي قال تعالى فيه  { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ – الزمر 23 } والحجة في كتاب الله تعالى كما في قوله تعالى { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ – الأنعام 149 } . ولذلك يقال يوم القيامة توبيخاً وتقريعاَ لكل من تليت عليه آيات الله أو سمعها فوعاها ثم أعرض عنها أو استكبر و جادل بالباطل { وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰط مُّسۡتَقِيم – آل عمران 101} وقال تعالى أيضاً : { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ – الجاثية 31 } وهؤلاء الويل لهم كما في قوله تعالى {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ – الجاثية 7-8 }

 

ثم يبين عز وجل من خلال ورود لفظ الجلالة في أية إذهاب الرجس أنه عز وجل  قد اذهب الرجس عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وطهرهم تطهيرا قال تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا – الاحزاب } .

وقد أمر الله تعالى بمودتهم وبشر الذين عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات لورود لفظ الجلالة في قوله تعالى { ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ – الشورة 23 } .

وقد أمر الله تعالى في كتابه الكريم بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر ثم رد الأمر والحكم إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله حال الإختلاف كما في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا – النساء 59 }

قال الطبري في تفسير هذه الآية :

[ .. حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: ” وأولي الأمر منكم “، قال: هم أهل العلم، ألا ترى أنه يقول: ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ – النساء: 83) وقال آخرون: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:  … و عن مجاهد في قوله: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم “، قال: كان مجاهد يقول: أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله)  قال: وربما قال: أولي العقل والفقه ودين الله.  وقال آخرون: هم أبو بكر وعمر رحمهما الله. – تفسير الطبري ]

وما دام ثبت أنهم أولي العلم والفقه والدين فالجميع يرجع إلى الإمام علي الذي قال فيه صلى الله عليه وآله أنا مدينة العلم وعلي وبابها … الحديث ]

لذلك ورد في بعص النصوص أن أولي الأمر هو الإمام علي عليه السلام

[ عن مجاهد في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا) يعني صدقوا بالتوحيد ( أطيعوا الله ) يعني في فرائضه (وأطيعوا الرسول) يعني في سنته ( وأولي الأمر منكم) قال : نزلت في أمير المؤمنين حين خلفه رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة فقال : أتخلفني على النساء والصبيان ؟ فقال له : اخلفني في قومي وأصلح فقال الله ( وأولي الأمرمنكم) قال هو علي ابن أبيطالب  ولاهالله الأمر بعد محمد في حياته حين خلفه رسول الله على المدينة فأمر الله العباد بطاعته وترك خلافه – شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 1 ص 190 ] .

وهذه المرجعية لهم من ولاية الله تعالى لرسوله وأهل بيته (عليهم السلام) التي قال تعالى فيها هنا : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ – المائدة 55 }

ثم يبين تعالى أنه من أحب الله تعالى فعليه وهو من الولاية أيضاً فمن أرادها فعليه بطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله كدليل على الحب لله تعالى ورسوله إن كان صادقاً في تلك الولاية و ذلك الحب قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ – آل عمران 31 }

ثم يحذر الله تعالى من اتباع الهوى أو  اللي و الإعراض عن كتاب الله تعالى و أوامره قائلاَ { فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا – النساء 135 } وهؤلاء العصاه بين تعالى أن مأواهم جهنم خالدين فيها  كما في قوله تعالى { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا – الجن 23 } .

كما أنه وعد الله تعالى المؤمنين الذين تولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته بالنصر في الدنيا لأنهم أصبحوا حزبه الغالبون قال تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ – المائدة 55-56 }

وفي الآخرة وعدهم الله تعالى بالجنة كما في قوله تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ – التوبة 72}

ملحوظة :

هناك أسرار للفظ الجلالة تعمدنا عدم نشرها الآن .

وأما :

( ورسوله)

والرسول هنا هو أحمد صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد – الصف 6 }

هنا يقول تعالى { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ – آل عمران 32 }

و يبين تعالى أن طاعة الرسول طاعة لله تعالى كما في قوله تعالى { ومن يطع الرسول فقد أطاع الله – النساء 80 } ثم يبين تعالى أن الأمة ستنقلب على رسول الله وأهل بيته عليهم السلام من بعده لقوله تعالى { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ – آل عمران 144}

ثم يبين تعالى أنه لا يعذب أمة إلا ببعثة رسول منهم يتلوا عليهم آياته تعالى ويقيم الحجة عليهم قال تعالى { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا – الإسراء 15 } وقال تعالى { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ – القصص 59 }

وذلك لأن  الختم في القرآن يأت على النبوة وليست الرسالة وذلك لأنهم كلهم مرسلون  من رسول الله  وليسوا مرسلين من الله تعالى  يقول تعالى تأكيداً لذلك في سورة يوسف { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ – يوسف 50 } وفي السيرة النبوية المطهرة : [ أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله الصحابي معاذ ابن جبل إلى اليمن فلما علموا بقدومه قالوا مرحباً برسول الله وبرسول رسول الله – السيرة النبوية ]

وبالتالي الرسالة  كوحي منزل من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله ختم بالنبي محمد صلى الله عليه وآله ولذلك الآية تقول هنا أنه صلى الله عليه وآله خاتم النبيين وليس المرسلين قال تعالى { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا – الأحزاب 40 } وذلك لأن هناك مرسلين من رسول الله وهم الأئمة ثم علماء مرسلين يتعلمون من أئمة أهل البيت عليهم السلام ولذلك قال تعالى مبيناً أنه بختم النبوة والرسالة فلا يوجد أمام العالم إلا الأئمة ثم العلماء أنهم سيقيمون الحجة على العالم ومن هنا قال تعالى على العموم { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء } وقال تعالى { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ – يونس 47 }

وهؤلاء كما بينا أولهم أئمة أهل البيت عليهم السلام  ومن هنا جائت بعض الأحاديث  مكانة كنبي من الأنبياء  و التي أنكرها البعض [ علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ]  وقال فيه السيوطي وابن حجر لا أصل له .

ثم هناك علماء مرسلين من أئمة أهل البيت يتعلمون علمهم فهم مرسلون منهم على ولايتهم ثم ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وولاية الله عز وجل وذلك لأن علمهم ممتد من الأئمة ثم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم الكتاب المنزل على رسوله صلى الله عليه وآله

وهؤلاء بأمر من الله تعالى مرسلون مبلغون عن الأئمة وهم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء كما في الحديث [ العلماء ورثة الأنبياء … الحديث ] وذلك بتبعيتهم أئمة أهل البيت ثم رسول الله وكتاب الله تعالى وهؤلاء هم الغالبون لأي عدو قاتلهم بهذه الولاية  لله الحق قال تعالى لذلك  { كتب الله لأغلبن انا ورسلي إن الله لقوي عزيز لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – المجادلة 21-22 }

ثم يقول تعالى في آية تعبر عن مستقبل المسلمين آخر الزمان أنها أمة منصورة مهما كاد لها الكائدون ومكر بها الماكرون قال تعالى { وماجعلنا لبشر من قبلك الخلد أفائن مت فهم الخالدون – الانبياء 34 } أي سيرثون الأرض بعد هلاك عدوهم ومن هنا يبين تعالى أن لكل أمة أجل وهذا الأجل مرهون ببعثة رسول أي إمام من أهل بيت النبي عليهم السلام لأنه لا رسول بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ولا نبي فلما بين لهم ما سيلاقوه من عذابين قريب وثاني آخر الزمان بزماننا هذا فكذبوه  و قالوا  (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين)  فأنزل الله تعالى قوله الكريم : { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ – يونس 46-49 }. و هذا وعد مستقبلي ببعثة إمام يقيم الحجة عليهم فإذا بعثه الله تعالى فيكون قد حل زمان هلاكهم و الظالمين في كل مكان  .

وبالتالي من تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فهم الغالبون المنتصرون حتى يظهر الله تعالى لهم إمامهم الذي [ يملئ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً … الحديث ]  قال تعالى لذلك  :{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله – الفتح 28 }

وأما :

(والذين آمنوا)

وهنا يقول ابن عباس ما من آية فيها الذين آمنوا إلا عليا أميرها وشريفها [عن عبد الله بن عباس قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول : ما انزل الله عز وجل اية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) الا وعلي رأسها واميرها –  كنز العمال رقم الحديث 32920 وكذا رقم 36353& معرفة الصحابة لابي نعيم رقم 334 & وذخائر العقبى للطبري ص89 واحمد بن حنبل في المناقب ]

و الإيمان في القرآن الكريم هو التصديق المقترن بالعمل لقوله تعالى { وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين – يوسف }  فإن صدق ولم يتحاكم إلى القرآن والسنة و فهو زعم باطل قال تعالى فيه { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا – النساء 60 } فإن عملوا في ظاهر الأمر وأبطنوا الكفر فهم منافقون حكم الله تعالى بكفرهم في قوله تعالى { أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ – المائدة 41}

وأقسم الله تعالى في كتابه الكريم ونفى الإيمان عن كل من لم يتحاكم إلى كتاب الله تعالى كما في قوله تعالى {  فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا – النساء 65 }

وبالتالي المؤمنين هم الذين آمنوا وأطاعوا الله تبارك وتعالى ورسوله وتولوه عز وجل ورسوله والأئمة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأولهم الإمام علي عليه السلام وهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية بنص قوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ  جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ  – البينة }

وهنا قال صلى الله عليه وآله في تفسر هذه الآية هو أنت ياعلي وشيعتك الفائزون :

أورد السيوطي في تفسيره [عن ابن عباس قال : “لما نزلت { إن الذين آمنوا وعملواالصالحات أولئك هم خير البرية } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ” هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين   “.

وأخرج ابن مردويه عن عليّ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ألم تسمع قول الله: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جئت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجلين   – ” الدر المنثور للسيوطي ] .

وعلى ما أوردناه من قبل من نصوص وأحكام يتبين لنا أن كل من خرج على ولاية الله تعالى الحق و الإيمان به تعالى فقد أدخله الله تعالى في ولاية  تقليد الآباء والزعم بصلاحهم واهم وحسن سيرتهم والتغزل بفكرة السلف وهم سلف وهذا حق ولكن لا يجزم القرآن بصلاحهم لقوله تعالى { والله يعلم المفسد من المصلح } وقال تعالى { ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى – النجم } ولذلك بخروجهم على ولاية أهل بيت النبي بحجج ومعاذير شتى أوهموا بها الناس وفي الحقيقة هم يقولون بصلاح آبائهم ليحلوا بهم محل ولاية النبي وأهل بيته عليهم السلام لذلك بين تعالى أنها ولاية للشيطان وليست لله تعالى الذي نهى عن تقديم آراء وأهواء الرجال على نص القرآن في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله – الحجرات } ومن خرج على ذلك فقد خرج إلى ولاية الشيطان قال تعالى محذراً من ذلك  عز وجل :

{ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ – الأعراف 27-28 } وهؤلاء هم شر الدواب عند الله تعالى لقوله تعالى { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون – الأنفال 55 }

ومن هؤلاء أصحاب مدرسة الرأي الذين إذا تتلى عليهم آيات الله يقولون ما أدراك معناها فإذا قلت لهم قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال هل رواه البخاري ومسلم فإن قلت له قال زيد وعمر من الناس استبشر دون البحث عن سند وصحة رأي العالم وهؤلاء يقدمون أراء وأهواء رجالهم على نصوص القرآن الكريم  فكل ماعلموه من دين الله اتفقوا واختلفوا وقال زيد وعمر من الناس  دون تقديم نصوص القرآن الكريم  أولا ثم حديث النبي صلى الله عليه وآله وهذا هو الذي نص عليه القرآن الكريم في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله – الحجرات } وهؤلاء قال تعالى فيهم { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ – الزمر 45 }

وهؤلاء يقول تعالى فيهم بعد نبذهم كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون قال تعالى { فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون – الجاثية 6 }

وقد أمر الله تعالى بمودة أهل بيت النبي في قوله تعالى { ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ – الشورى 23 } ومن خرج على هذه المودة فقد نفى الله تعالى عنهم الإيمان في قوله تعالى { لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – المجادلة 22 } ويقول تعالى لذلك  {  وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ  – آلمائدة 78- 81 }

وهذه هى الولاية التي قال تعالى فيها { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا }

و الغير مؤمنين أعد الله تعالى لهم عذاباَ أليما كما في قوله تعالى { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباَ أليما – الإسراء 10 }

 وأما :

(الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)

أي أنه يقول تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ – البقرة 43 } أي اخشعوا مع الخاشعين وأطيعوا الله مع المطيعين كما في قوله تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وأطيعوا الله ورسوله – المجادلة 3 } وهؤلاء هم الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته  عليهم السلام كما في الآية هنا { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ – المائدة 55 }

 

وأما :

( وهم راكعون)

 

[ وركع يركع ركوعاً : طأطأ رأسه وانحنى فهو راكع وهم راكعون وركع وفي الصلاة : أن ينحني حتى تنال راحتاه ركبتيه ويطلق الركوع على الخشوع والتواضع كما يطلق على السجود والركعة : كل قومة يتلوها الركوع والسجدتان في الصلاة يقال الصبح ركعتان  والظهر أربع ركعات – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الكاف والعين ] قال تعالى { واركعوا مع الراكعين – البقرة 43}

وهنا يأمر الله تعالى المسلمين بإقامة الصلاة بأركانها من ركوع وسجود في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ – الحج 77 }

هى صفة للذين آمنوا مع رسول الله من أهل بيته عليهم السلام وصحابته الكرام الذين لم يخرجوا على ولايته تعالى ورسوله وكانوا مع الإمام علي في ولايته ومعاركه وهم كل الصحابة البدريون والعقباويون أصحاب بيعة العقبة وهذا ثابت ولا يحتاج بحث قال تعالى في هؤلاء الكرام رضى الله تعالى عنهم { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا – الفتح 29 }

والخارج على هذه الولاية له عذاب أليم آخر الزمان ويوم القيامة ( إذاقيل لهم اركعوا لا يركعون ) قال تعالى { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ – المرسلات 45- 50 }

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

 

خالد محيي الدين الحليبي