القدس العربي :
تصعيد كبير في مستوى القطيعة بين البلدين لم تعلن السلطات الجزائرية عن أسباب صريحة لهذا القرار، مما يخالف بروتوكولات التعامل المعتادة بين الدول.
قرار الجزائر رد على تغيّر الموقف الأسباني من قضية الصحراء الغربية، بإعلان مدريد دعم خطة المغرب منح الحكم الذاتي للمستعمرة الأسبانية السابقة.
اتجاه الجزائر نحو القطيعة مع أسبانيا يبدو كبيرا بمقاييس العلاقات بين الدول، وواضح أنها ستستخدم أسلحة النقل والهجرة، لكن ستكتفي غالبا بمحاولة رفع أسعار الغاز لا قطعه.
القطيعة الجزائرية الأسبانية فصل مكمّل لمسلسل القطيعة الجزائرية المغربية، وواضح أن الجزائر والرباط تعتبران الصحراء الغربية قضية كبرى تتجاوز القضايا الأخرى.
تندفع سلطات البلدين باتجاهين متعاكسين تماما: فيتقارب المغرب أكثر مع إسرائيل، فيما تتجه الجزائر لاستقطابات عابرة للقارات مع دول تعاني الحصار والعقوبات.
* * *
بعد يوم من تعليقها «معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون» التي أبرمتها الجزائر مع أسبانيا عام 2002 أصدرت السلطات الجزائرية أمرا لمديري المصارف بمنع عمليات التصدير والاستيراد من وإلى أسبانيا، وردت مدريد على هذا القرار بتصريح لوزير خارجيتها، خوسيه مانويل ألباريس، أمس الخميس، يقول فيه إن بلاده سترد «بحزم في الدفاع عن مصالح الشركات والمواطنين الأسبان».
تتناول الاتفاقية الآنفة قضايا كبيرة تهم البلدين، من مسائل الهجرة وتسلم المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون أسبانيا من الجزائر، وقضية الغاز، حيث أعلنت الجزائر أنها ستراجع تسعيره لأسبانيا، وقضية النقل حيث استثنت الجزائر أسبانيا من بين الدول الأوروبية التي أعادت إليها رحلاتها الجوية، كما منعت وصول الرحلات الأسبانية إليها.
كان لافتا للنظر أن هذا التصعيد الكبير في مستوى القطيعة بين البلدين أن السلطات الجزائرية لم تعلن عن أسباب صريحة لهذا القرار، وهو ما يخالف بروتوكولات التعامل المعتادة بين الدول، ويمكن أن يترجم بالنسبة للمواطنين الجزائريين الذين لديهم مصالح مع أسبانيا على أنه عدم اهتمام مديري الملف الأسباني في الجزائر بشؤونهم.
معلوم طبعا أن القرار الجزائري هو رد على تغيّر الموقف الأسباني، الذي ظهر في آذار/مارس الماضي، من قضية الصحراء الغربية، عبر إعلان مدريد عن دعمها خطة المغرب في منح الحكم الذاتي للمستعمرة الأسبانية السابقة، وهو ما يضعف الموقف الجزائري الداعم لجبهة البوليساريو التي تسعى للاستقلال الكامل للإقليم الذي يعتبره المغرب جزءا من أراضيه.
كان الرد متوقعا، وخصوصا بعد سحب الجزائر سفيرها من مدريد، وتوعدها «برد قاس» لكن اتجاه الجزائر نحو هذه القطيعة مع الجار الأوروبي يبدو كبيرا بمقاييس العلاقات بين الدول، وواضح أن الجزائر ستستخدم أسلحة النقل والهجرة، ولكنها، على الأغلب، ستكتفي بمحاولة رفع أسعار الغاز وليس قطعه، فهذه الخطوة لا تبدو في صالحها من الجانب التجاري والقانوني.
في حال تطبيق الجزائر لسيناريو قطع كامل لإمدادات الغاز فإن اسبانيا ستلجأ للتحكيم الدولي، وهو ما سيضر بسمعة الجزائر الدولية في مجال التعاقد والالتزامات وسيحملها دفع شرط جزائي ضخم كتعويض لمدريد، وهو ما أشار إليه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بقوله إن بلاده ستفي بالتزاماتها في مجال الطاقة مع اسبانيا «حبا واحتراما للشعب الأسباني وليس لحكومة بيدرو سانشيز».
تأتي القطيعة الجزائرية الأسبانية الحالية كفصل مكمّل لمسلسل القطيعة الجزائرية المغربية، وواضح أن الجزائر والرباط تعتبران مسألة الصحراء الغربية قضية كبرى تتضاءل أمامها القضايا الأخرى، ويهون لأجلها استمرار تقطّع الوشائج والأواصر والأرحام وإغلاق الحدود كافة بين الشعبين الشقيقين، بحيث تندفع سلطات البلدين باتجاهين متعاكسين تماما، فتتقارب الرباط أكثر وأكثر مع إسرائيل، فيما تتجه الجزائر إلى استقطابات عابرة للقارات مع دول تعاني الحصار والعقوبات، مثل روسيا وفنزويلا وإيران.
من نافل القول، إن الشعبين الجزائري والمغربي هما الخاسران الأكبران من هذا العداء الهائل بين الجارين، وأن أحوال هذين الشعبين، وحراكاتهما الديمقراطية والمدنية ستتأثر سلبا بهذه الاستقطابات، وباستئثار قضايا السياسة الخارجية على قضايا الداخل.