شفقنا- يظلّ الشيخ «محمد فركوس» أحد الشخصيات الدينيّة الجزائرية المثيرة للجدل في السنوات الماضية؛ فهو الشيخ الذي اشتهر بفتاواه المثيرة للجدل، مثل: المظاهرات والإضرابات حرام، وثورات الربيع العربي غزو فكري، وزواج المسيار جائز، والمجالس المنتخبة مخالفة للدين؛ لأنها اشتراك في الحاكمية مع الله، هكذا تعددت فتاوى الشيخ السلفي الجزائري؛ ليعاود هذه الأيام الظهور من جديد بعد أفولٍ.
فتوى هذه المرة هي تكفير غالبية الشعب الجزائري؛ باعتباره الإخوان والصوفية والأشاعرة خارجين عن أهل السنة والجماعة.
الشيخ «محمد فركوس».. عرّاب التيار السلفي المدخلي في الجزائر
قد تبحث طويلًا عن صوره، ولا تجدها إلّا نادرًا؛ ربما لتحريمه الصور والتصوير؛ هكذا تبدأ رحلتك في البحث عن شخصية محمد فركوس شيخ السلفيين في الجزائر. ولد الشيخ «محمد علي فركوس» بحي القبة بالجزائر (العاصمة) يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1954 في العام الذي شهد ثورة الجزائريين ضد المستعمر الفرنسي، والتحق بالمدرسة الجزائرية، وتدرّج بها إلى المرحلة الثانوية، ثم درس بكلية الحقوق والعلوم الإدارية؛ ليسافر بعدها إلى المملكة العربية السعودية للدراسة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة. هناك التقى بعدّة مشايخ سلفية؛ كان أبرزهم: محمَّد المختار الشنقيطي، وأبو بكر الجزائري، والشيخ عطيَّة محمَّد سالم؛ ليتشرّب بالفكر السلفي، ويعود إلى الجزائر سنة 1982 حاملًا معه هذا الفكر، ويشرع في التدريس بمعهد العلوم الإسلامية – الخروبة بالجزائر، ويرقى بعدها مديرًا للدراسات والبرمجة بالمعهد.
وفي الوقت الذي شهد فيه الفكر السلفي خلافًا نتيجة حرب الخليج الثانية التي أنتجت تحالفًا دوليًا ضد نظام صدام حسين، بعد أن سطعت معضلة الاستعانة بـ«الكفار» في المشهد، بحسب الوصف السلفي؛ ما أدى بالتيار السلفي إلى الانقسام؛ إذ رأى تيارٌ عدم الاستعانة بالكفار، ومثّله فتوى الألباني، وتيارٌ رأى عكس ذلك مسايرًا رأي الشيخ ابن باز، الذي يرى الاستعانة بالكفار باعتباره أخفّ الضررين، بحسب توصيفه.
هذا الاختلاف ولّد – فيما بعد – جماعة ترى بوجوب طاعة ولي الأمر طاعةً مطلقةً، وتحرم في المقابل الانتخابات والديمقراطيّة عمومًا، وتنأى عن الدخول في أي عمل سياسي، متمثلةً في أتباع الشيخ «ربيع المدخلي»، والشيخ رسلان في مصر، وظهر تيار سلفي آخر يرى العمل السياسي، وجواز دخول الانتخابات دفعًا للمفاسد، وكان على رأسه الشيخ الألباني، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين؛ وما بين هذين التيارين اختار الشيخ فركوس أن يمشي تحت ظلال الشيخ ربيعٍ المدخلي؛ الذي أثنى مرارًا في رسائله على الشيخ الجزائري، كان آخرها الرسالة التي زكى بها الشيخ فركوس معتبرًا إيّاه «رأس وشيخ الدعوة السلفية في الجزائر»، مطالبًا أنصار التيار المدخلي باتّباعه.
وكان الشيخ فركوس قد إستقال العام الماضي من مجمع «دار الفضيلة»، التي يؤطرها التيار المدخلي في الجزائر، وأرجع فركوس استقالته إلى الظروف الصحية التي باتت تواجهه، وهذا على خلفية نشر وسائل إعلام جزائرية عن وجود خلافات بين أعضاء التيار المدخلي؛ أجبرت الشيخ فركوس على الاستقالة.
شيخه ربيع المدخلي.. ومعاد للربيع العربي
في تعريفه المنشور على موقعه الشخصي؛ يتباهى الشيخ فركوس بعلاقاته مع مشايخ التيار المدخلي؛ والثناء الذي يقدمه ربيع المدخلي على فتواه، خصوصًا فتوى تحريم المظاهرات التي أفتاها الشيخ فركوس مع انطلاق شرارة الربيع العربي؛ محرّمًا بذلك كل مظاهر الاحتجاجات والاعتصامات، مقيدًا جواز ذلك بشرط خروج الحاكم عن الإسلام خروجًا ظاهرًا يشهد به أهل العلم، مع القدرة على إزاحته عن منصبه، دون الحاجة لاستعمال السلاح أو الفوضى والصراعات الداخلية التي تؤدي إلى إراقة الدماء؛ ويعدّ الشيخ فركوس من بين المناهضين للربيع العربي، معتبرًا أنّ الثورات التي قامت في كلٍ من تونس ومصر واليمن وسوريا هي ثورات باطلة نهى عنها الرسول – صلى الله عليه وسلّم – مطالبًا أنصاره بطاعة ولاة الأمور مهما ظهر منهم من جور وظلم للرعية.
وشهدت الجزائر في الأيام الماضية سلسلة احتجاجات وإضرابات مسّت مختلف القطاعات؛ ليخرج الشيخ فركوس ويدلي بدلوه معتبرًا الإضراب الذي قامت به نقابة الأساتذة حرامًا شرعًا، مطالبًا الأساتذة المضربين بالعدول عن قرار إضرابهم، والصبر حتى تحلّ مشاكلهم.
من حرمة أكل مادة «الكاشير» إلى تكفير الإخوان والصوفية
تنوعت الفتاوى المثيرة للجدل للشيخ الجزائري فركوس؛ بعد أن أفتى بإباحة زواج المسيار؛ وهو الزواج الذي يتضمّن تنازل الزّوجة عن بعض حقوقها الشّرعية باختيارها ورضاها، مثل النّفقة والسّكن والعدل مع الزّوجات الأخريات؛ وهي الفتوى التي أثارت جدلًا في الأوساط الجزائريّة، خصوصًا بعد تحريمها من طرف الشّيخ الألباني وعلماء آخرين. كما نالت فتوى حرمة أكل وجبة الكاشير بسبب استبدال المواد الملونة بالملوّن الغذائي الأحمر (E 120) الذي يستخرج من حشراتٍ قشريةٍ موجودةٍ في الصبَّار، ويرجع سبب التحريم حسب فركوس أن هذا الملوّن يسبب أضرارًا للإنسان.
جدل فتاوى الشيخ فركوس امتد إلى الانتخابات البرلمانية؛ بدايةً بتحريمه مشاركة المرأة في البرلمان بسبب اختلاطها مع الرجال، وخروجها لغير حاجةٍ، وبدونِ ضوابطَ شرعيةٍ؛ وصولًا إلى تحريمه للانتخابات جملةً وتفصيلًا؛ بسبب الوقوع في شرك الحاكمية.
احدى تجمعات السلفيين في الجزائر
مسلسل الفتاوى تواصل ليحط الرحال إلى باب التكفير والخروج من منهج السنة والجماعة، وهذه كانت آخر خرجات فتاوى الشيخ فركوس ضمن كلمته التي ينشرها شهريًا على موقعه الرسمي، قدّم فيها ما يعتبرها شروطًا للانتساب إلى أهل السنة والجماعة.
وحسب ما ورد في كلمة فركوس، فإن «الإسلامَ الذي يُمثِّله أهلُ السُّنَّة والجماعة – أتباعُ السلف الصالح – إنَّما هو الإسلام المصفَّى مِنْ رواسب العقائد الجاهلية القديمة، والمبرَّأُ مِنَ الآراء الخاطئة المُخالِفةِ للكتاب والسنة».
وتابع موضحًا بأن إسلام أهل السنة «مجرَّدٌ مِنْ مَوروثاتِ مَناهجِ الفِرَق الضَّالَّة، كالشيعة الروافض، والمُرجِئةِ، والخوارجِ، والصُّوفيةِ، والجهميةِ، والمعتزلةِ، والأشاعرة، والخالي مِنَ المناهج الدَّعْوية المُنحرِفة، كـ«التبليغ والإخوان»، وغيرِهما مِنَ الحركات التنظيمية الدَّعْوية، أو الحركات الثورية الجهادية ـ بحد زعم ـ كـ«الدواعش والقاعدة»، أو مناهجِ الاتِّجاهات العقلانية والفكرية الحديثة للمُنتسِبين إلى الإسلام. مخرجًا بذلك كلًا من الإخوان والصوفية والإباضية المتواجدين بقوّة في الساحة الجزائرية من منهج السنة والجماعة.
علماء الجزائر والأزهر يردون على فركوس
أثارت فتوى الشيخ فركوس الأخيرة – باعتبار الإخوان والصوفية والإباضية خارجين عن السنة والجماعة – جدلًا كبيرًا، خاصة وأن الشيخ فركوس يعتبر من أكثر رموز السلفية استقطابًا للمتابعين والمريدين، وما صدر عنه يعتبر بالنسبة للكثير من القيادات الدينية دعوى إلى الفتنة والتفرقة في المجتمع الجزائري.
وفي أوّل ردّ فعلٍ على فتوى فركوس أصدرت «جمعية معالي للعلوم والتربية» ميثاق الحفاظ على السنة ووحدة الوطن، بينت فيه موقفها من مصطلح السنة والجماعة، ومعتبرةً تصريح فركوس يدخل في باب تفريق المسلمين، واستلاب مفهوم أهل السنة والجماعة، واستبعاد المخالفين، والتمكين للشقاق بين مكونات الأمة والمجتمع الجزائري الواحد، وإثارة النزاعات المذهبية القديمة في ظل وجود تحديات داخلية وخارجية ينبغي أن تتكاتف الجهود لمواجهتها، كما طالب الميثاق الذي صادق عليه 55 عالمًا جزائريًا الشعب الجزائري بالالتفاف حول المرجعية الوسطية الوطنية، ونبذ الفرقة والتطرف.
النهایة