مذبحة القلعة.. الرواية الحقيقية لخدعة محمد علي القاتلة للقضاء على بقايا المماليك بمصر

شفقنا :

من أكبر وأشهر المجازر البشرية على مر التاريخ…حدثت بسبب الطمع في الاستحواز على حكم مصر، من طرفين كل منهم حاك المكائد للآخر.. هما المماليك والعثمانيون متمثلين في حليفهم محمد علي بك.

فالتناحر على الحكم والسلطة بين محمد علي والمماليك، جعل محمد على باشا أن يتخلص من خصومه وأطاح بهم في مذبحة مروعة ودموية استأصل فيها كل مراكز القوى التي كانت تهدد عرشه.

بداية التخطيط لمذبحة القلعة

عندما عاد محمد على باشا من الصعيد وفى أوائل ١٨١١، بدء يعد الجيش لمحاربة الوهابيين، تنفيذاً لأوامر العثمانيين وقرر تنصيب ابنه أحمد طوسون باشا على رأس الجيش، وفي ذلك الوقت وصل لمحمد علي أنباء عن تخطيط المماليك لاغتياله للوصول إلى الحكم،  فقرر أن يكيد لهم مكيدة يقضي خلالها عليهم جميعًا حتى لا يفكر أي من اقربائهم بالثأر.

الحفل الأخير في حياة المماليك

أعد محمد علي مهرجانًا فخمًا بالقلعة، بمناسبة تنصيب ولده على الجيش وكان معتاد في ذلك الوقت الاحتفال بمثل ذلك الخبر خصوصاً والجيش خارجاً للحرب، وحدد له أول مارس ١٨١١، ودعا الأمراء والبكوات المماليك وأتباعهم للحضور فاعتبروها علامة رضا من الباشا ولبوا الدعوة

الخدعة القاتلة

نسج محمد علي خيوط خدعته القاتلة، من أول لحظة استقبال البكوات المماليك في قاعة الاستقبال الكبرى، حيث استقبلهم بحفاوة كبيرة، وقدم لهم القهوة وشكرهم لحضورهم ولما سيناله ابنه من تكريم إذا ما ساروا في موكبه وتحرك الموكب وفى نهايته المماليك مجتازًا الممر الوعر المؤدي لباب العزب وما إن مر آخر واحد في موكب طوسون حتى أغلق الباب، وظل المماليك بداخل الممر ومن ورائهم جنود محمد علي الذين تحولوا عن الطريق وتسللوا الصخور على جانبى الممر، ولم ينتبه المماليك أن الباب أغلق واستمروا يتقدمون وتلاصقت صفوفهم المتلاحقة حتى دخلوا في بعضهم البعض، وفوجئوا بالرصاص ينهال عليهم من كل جانب وهم محصورون في الممر الضيق الغائر، واستمر القتل من الضحى حتى الليل، وامتلأ فناء القلعة بالجثث والدماء.

راويان لمذبحة القلعة

ولم يعرف المصريون كيف كانت خطة محمد علي وكيف تمت مذبحة القلعة، إلا بعد أن رواها شاهدان أساسيان، وهما الإيطالى ماندريتشي طبيب محمد على باشا، والآخر هو أمين بك المملوك الناجي الوحيد.

طبيب محمد علي شاهد على مذبحته

كان الطبيب الإيطالي ماندريتشي، بصحبة محمد علي الباشا في قاعة الحكم، أثناء مذبحة القلعة، ووصفها قائلاً : «كان الباشا جالسًا في قاعة الاستقبال، وقد ظل هادئًا إلى أن تحرك الموكب فساوره القلق والاضطراب، وساد صمت عميق، إلى أن سمع صوت أول رصاصة، فوقف وامتقع لونه، وظل صامتًا، إلى أن حصد الموت معظم المماليك» فدخل ماندريتشى على الباشا وقال له: «لقد قضى الأمر واليوم يوم سعد لسموكم» فلم يجب الباشا وطلب كوب ماء فشربه جرعة واحدة.

آخر مملوك يروي تفاصيل مذبحة قومة

أما الراوي الثاني هو أمين بك، الذي كان في آخر صفوف المماليك، فما أن سمع طلقات النار تنهال من كل جانب حتى صعد بجواده إلى المكان المشرف على الطريق، وبلغ سور القلعة، فلما رأى الموت محيطًا به من كل جانب لم يجد مفرًا من أن يقفز بجواده من أعلى السور، فلما شارف الجواد على الوصول إلى الأرض قفز من فوقه وهرب باتجاه الصحراء، إلى أن وصل لسوريا.

وتظل قصة أمين باي الألفى الناجى الوحيد من مذبحة القلعة ، من القصص التاريخية التى تعرضت لها الكثير من الروايات الأدبية ، وكذلك المسلسلات الدرامية الإذاعية، كما تظل قصة نجاته موضع خلاف بين المؤرخين الذين يتناولون قصته فى أوائل شهر مارس من كل عام ، تزامنا مع ذكرى مذبحة القلعة.

لا أحد يعرف سبب نجاة أمين باي الألفي، الذي حكت عنه الرواية الشهيرة “المملوك الشارد” للصحفي جورجى زيدان، هل كان الغرام والحب مع زوجته التى طالبته بأن يقبع معها ليتناسي المائدة التى صنعها الوالى للمماليك هي التي أنقذته، أم كانت هناك أسباب أخرى؟.

جيلبرت سينويه فى كتابه الفرعون الأخير محمد على، أخذ برواية فيتشر التي حكي فيها عن أمين باي الألفى وقصة نجاته، يؤكد فيتشر أن الألفي غادر قاعة الاستقبال فى القلعة بعد أن انقلب فنجان قهوة على ملابسه، ولما رأى أمين الألفى انقلاب فنجان القهوة على ملابسه، أعتبر ذلك فألا سيئا، وقرر الرحيل من القلعة لينجو بحياته، ويؤكد سينويه أن جريدة المرشد المصري حكت رواية أخري ترتبط بهروبه، وذلك من خلال قفزة الحصان التى تعرف فى الأدبيات التاريخية بقفزة المملوك.

ويقول الدكتور ناصر الكلاوي الباحث فى الآثار في تصريحات لــ”بوابة الأهرام ” إن محمد على باشا الذي تولى حكم مصر 1805 م واجه العديد من المشاكل الداخلية والخارجية التي تعوق تنفيذ مشروعه الطموح لبناء مصر الحديثه ،ومن أهم المعوقات المماليك، لذا قام محمد علي بوضع خطة محكمة للتخلص من المماليك، وتضمنت الخطة دعوة كبار الشخصيات لحضور حفلة خروج الجيش المصري من قلعة صلاح الدين الأيوبي إلي شبه الجزيرة العربية، مرورا بشوارع القاهرة وسط الشعب المصري.

تضمنت الدعوة كبار الأمراء المماليك، وكان على علم بالخطة وموعد تنفيذها كل من :صالح قوش قائد قوات الألبان، وحسن باشا الأرناءوط، والكتخدابك محمد لاظ أوغلي، وإبراهيم أغا حارس البابحكاية.

يضيف الكلاوي أنه تم إعداد الحفل بعنايه فائقة، وتم تصميم مقاعد خصيصاً لهذه الحفلة ذات تجويف سري ( سحَّارة) ، فإذا ما بدأ الحفل لم يساور المماليك الشك في أن يضعوا أسلحتهم في هذه التجاويف وينصرفوا لأكل ما لذ وطاب.، وحين انحصر الأمراء المماليك فى باب العزب، والباب الأعلى في الممر الضيق بعد انتهاء الاستعراضات ، تم إغلاق باب العزب وكان ذلك إشاره لبدء إطلاق النار من أعلى السور لقتل جميع المماليك

ويقدر عدد من قتل من المماليك في تلك المذبحة بـ 475 مملوكا ، ويوضح ناصر الكلاوي أنه قتل في الأيام التالية ألف مملوك في مدينه القاهرة وباقي الأقاليم بالصعيد ، بعد أن أمر محمد علي بقتل جميع المماليك في بيوتهم والاستيلاء على جميع ممتلكاتهم، وتزويج نسائهم بآخرين.

في روايتها عما حدث للناجي الوحيد، قالت جريدة المرشد إن أمين باى الألفي كان يتواجد فى آخر الموكب عند سماعه إشارة المذبحة، فاندفع على ظهر حصانه إلى داخل القلعة وأخذ يدور فى مكانه تائها باحثا عن مخرج، ولما لم يجد أمامه إلا الأسوار العالية والتى ترتفع لحوالى 60 قدما وخز حصانه وقفز فى الهوة مضحيا بحصانه ،ولكن بقى سليما، ليتجه إلى قرية البساتين ومنها يشد رحاله نحو سوريا.

جيلبرت سينويه قال إن أمين باى الألفى لم يكن المملوك الأخير الذي نجا ، فقد نجا سليمان أغا بأعجوبة بسبب ذكائه وحيلته فقد تظاهر بأنه مات فاقتيد نحو جثث رفاقه حتى إذا ما أخرجوه من القلعة فر هاربا، وقد استطاع فيما بعد أخذ العفو من محمد على باشا ليصير كاتبه.

وكشفت نادية عبدالفتاح، الباحثة الأثرية بمشروع القاهرة التاريخية، عن الأسرار التاريخية حول مذبحة القلعة، والتي وقعت في شهر مارس عام 1811 وتمكن من خلالها محمد علي الانفراد بالحكم، بعد أن قتل أكثر من 500 من المماليك وأتباعهم.

وقالت «عبدالفتاح» في حوار مع وكالة أنباء الشرق الأوسط، بمناسبة مرور أكثر من 200 عام على وقوع مذبحة القلعة، إن المصادر التاريخية تصف تلك المذبحة بـ«الأبشع إنسانيًا والأروع سياسيًا»، وفكر في تخطيطها لاظوغلي باشا صاحب ميدان لاظوغلي الشهير بالقاهرة، حيث كان محمد علي يريد الانفراد بحكم مصر.

 

وأضافت الباحثة الأثرية أن المماليك كانوا في ذلك الوقت يرون أنهم الأحق بحكم مصر وكانوا دائمي التمرد ولم تنفع معهم محاولات الصلح والإرضاء التي قام بها محمد علي باشا حتى إنه أراد استرضاء «مراد بك» زعيم المماليك وأعطاه حُكم الوجه القبلي مقابل مبلغ من المال، واشترط عليه عدم مساعدة المماليك للإنجليز، ولكن لم يجد هذا معهم نفعًا.

وأكدت أن محمد علي كان على دراية تامة بكره المماليك له وعزمهم على التخلص منه متى أتيحت لهم الفرصة، ولكنه كان أكثر ذكاء منهم، وكان يغير خططه وتنقلاته تبعًا للأخبار والمعلومات الواردة عن مؤمرات المماليك التي يحاكونها ضده.

وأوضحت الباحثة الأثرية أنه في هذا الوقت كان الجيش المصري في انتظار الإشارة للتحرك صوب الحجاز للقضاء على الحركة الوهابية بتكليف من السلطان العثماني، وأثناء قيام محمد علي بالتجهيزات اللازمة للجيش المصري وصلته أخبار مؤكدة بأن المماليك بقيادة شاهين بك ينوون استغلال الظروف الصعبة التي يمر بها محمد علي لاستعادة الحكم.

وقالت «عبدالفتاح» إنه لما عاد محمد على من الوجه القبلي أخذ يجهز جيشًا ليتجه إلى الحجاز لمحاربة الوهابية تلبية لنداء السلطان العثماني، وبدأ يهيئ للحملة إلى بداية عام 1811، وجعل قيادة الجيش لأبنه أحمد طوسون باشا، ونظم مهرجانًا فخمًا بالقلعة كان يوم الجمعة الموافق 1 مارس 1811 للاحتفال بإلباس ابنه خلعة القيادة. موضحة أن هذا النوع من الاحتفالات يعد من المواكب المشهودة التي تحشد لها الجماهير ولذلك لم يشك المماليك في تلك الاحتفالية.

وتابعت أن محمد علي دعا جميع الأمراء والبكوات المماليك وأتباعهم، وكان عددهم أكثر من 500 لحضور الحفلة، فاعتبر المماليك هذه الدعوة علامة رضا منه، وارتدوا أجمل وأثمن ثيابهم وامتطوا خير ما لديهم من الجياد وذهبوا في صبيحة ذلك اليوم.

وعن تفاصيل يوم المذبحة، أوضحت «عبدالفتاح» أن البكوات المماليك دخلوا على محمد علي باشا في قاعة الاستقبال الكبرى، واستقبلهم بحفاوة وقدم لهم القهوة وتجاذب هو وضيوفه الحديث، ثم ما لبث أن أذن مؤذن الرحيل فقرعت الطبول فكان ذلك إعلان بالتأهب لتحرك الموكب.

وأضافت أنه لما تقلد الأمير طوسون باشا اللواء، بدأ الركب يسير منحدرًا من القلعة، وسار الموكب في نظام إلى باب العزب (باب القلعة من الجهة الغربية)، ثم جاءت وقت التصفية الجسدية واختلط صراخ الرجال بصهيل الجياد.

وأكدت الباحثة الأثرية أنه تم قتل جميع المماليك وأتباعهم، ولم ينج منهم إلا واحد يدعى «أمين بك»، والذي كان في مؤخرة الصفوف، فلما رأى الرصاص ينهال عليهم، صعد بجواده إلى المكان المشرف على الطريق، ووصل إلى سور القلعة، وقفز به وترك الجواد يتلقى الصدمة، فتهشم الجواد، ونجا هو من الموت، ومضى في طريقه نحو الصحراء متنكرًا حتى وصل جنوب سوريا.

وحول أسباب اختيار باب «العزب» ليكون موقعًا للمذبحة، أشارت إلى أنه عبارة عن ممر صخري منحدر تحيط به الصخور على الجانبين، وبالتالي فلا مهرب ولا مخرج من المذبحة التي نفذتها جنود محمد علي بإحكام.

وعن رد فعل المصريين عن هذه المذبحة، قالت الباحثة الأثرية نادية عبدالفتاح إنه في بداية الأمر لم يكن أحد من سكان المحروسة يتنبأ بوقوع مذبحة، فكانت الجماهير يعلوها الابتهاج، لكن سرعان ما انقلب الفرح إلى ذعر ساد بينهم وتفرق الناس وأُقفلت الدكاكين والأسواق وهرع الجميع إلى بيوتهم وخلت الشوارع من المارة.

وأضافت أنه سرعان ما انتشرت جماعات من الجنود الأرناؤوط في أنحاء القاهرة يفتكون بكل من يلقونه من المماليك وأتباعهم ويقتحمون بيوتهم وينهبون ما تصل إليه أيديهم بل تجاوزوا بالقتل والنهب إلى البيوت المجاورة.

وأكدت أن تلك الفوضى استمرت 3 أيام قتل خلالها نحو ألف من أُسر وعائلات المماليك ونهب خمسمائة بيت، ولم يتوقف الأمر إلا بعد نزول محمد علي بنفسه إلى شوارع المدينة ليتمكن من السيطرة على جنوده وأعاد بنفسه الانضباط، وهكذا استطاع محمد علي الانفراد بالحكم.

المنابع :صحف ومواقع

الكاتب:ليلا حسن

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمستقبل العالم الإسلامي و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم على الكلمة وتفاصيل مواردها ومراد الله تعالى منها في كل موضع بكتاب الله في أول عمل فريد لن يتكرر مرة أخرى .

شاهد أيضاً

تاريخ العلاقات اليهودية الاوروبية في الالف سنة الاخيره باختصار

صفحة د علي القرة داغي منصة اكس : المؤرخ الدكتور عصام خليفة:* *رحلة تاريخية لألف …