Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

كتاب “سيرة أميرالمؤمنين عليه السلام من الولادة إلى دوره في الفتوحات” – الجزء (1)

بقلم : سماحة الشيخ علي الكوراني العاملي :

————————— الغلاف 1 —————————

سلسلة جواهر التاريخ
سيرة أمير المؤمنين عليه السلام
من الولادة إلى دوره في الفتوحات
علي الكوراني العاملي
المجلد الأول
طبعة مزيدة ومنقحة
————————— 1 —————————
بسم الله الرحمن الرحيم
————————— 2 —————————
.
————————— 3 —————————
سيرة أمير المؤمنين عليه السلام
من الولادة إلى دوره في الفتوحات
علي الكوراني العاملي
المجلد الأول
الطبعة الأولى
1439 – 2018
————————— 4 —————————
سرشناسه ، كورانى ، على ، 1944 – م . / Kurani . Ali
عنوان ونام پديدآور : سيره أمير المؤمنين ( ع ) / على الكوراني العاملي .
مشخصات نشر : قم : دار النشر المعروف ، 1438 ق = 2017 م . = 1396 –
مشخصات ظاهري : ج .
شابك : 4 – 02 – 8916 – 600 – 978 ج . 1
وضعيت فهرست نويسى : فيپا
يادداشت : عربى .
مندرجات : ج . 1 . من الولادة إلى دوره في الفتوحات
موضوع : علي بن أبى طالب ( ع ) ، امام أول ، 23 قبل از هجرت – 40 ق .
موضوع : 600 – 661 Ali ibn abi – Talib , Imam I
رده بندى كنگره : 1396 9 س 85 ك / 37 BP
رده بندى ديويى : 951 / 297
شماره كتابشناسى ملى : 4992656
سيرة أمير المؤمنين عليه السلام
من الولادة إلى دوره في الفتوحات
المؤلف : علي الكوراني
الناشر : دار المعروف ، قم المقدسة .
الطبعة : الأولى .
تاريخ النشر : ربيع الثاني 1439 – 2018 Jan
المطبعة : باقرى – قم المقدسة .
عدد المطبوع : 3000 نسخة .
شابك : 4 – 02 – 8916 – 600 – 978
دار المعروف
للطباعة والنشر
مركز النشر والتوزيع :
إيران – قم المقدسة – شارع مصلى القدس – رقم الدار : 682 . ص – ب : 158 – 37156 تلفون : 2532926175 ( 0 ) 0098
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة للمؤلف
www . maroof . org
Email : nashremaroof @ gmail . com
————————— 5 —————————

مقدمة

( مقدمة لسيرة مختصرة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه ،
نشرتها في سنة 1425 . وأنشرها الآن لأنها تأريخ للإعتداءات الوهابية
على زوار الحسين ( عليه السلام ) ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا ونبينا
محمد وآله الطيبين الطاهرين .

فجائع . . على هامش عاشوراء

هزت وجدان العالم مشاهد مفجعة بثتها الفضائيات يوم عاشوراء ، من مدينتي كربلاء والكاظمية في العراق ، ومدينة كويته في باكستان ، وأثارت في النفوس ألواناً من مشاعرالغيظ والحزن ! فقد قام مجرمون بإلقاء متفجرات وسط ملايين المؤمنين الذين جاؤوا إلى كربلاء لزيارة قبرحفيد نبيهم ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وهم ما بين دموع الحزن وأناشيد الولاء ! لقد سمع الناس خبر شخص يلقي متفجرة في أماكن العبادة ، فيقتل العشرات عشوائياً ! لكن الجديد عليهم هذا المسكين الذي عبأه مشايخه ( الأتقياء ) بالعدوان ،
————————— 6 —————————
ودفعوه لأن يلف نفسه بمتفجرات ويفجر نفسه في وسط المحتشدين في مراسم دينية ، فيقتل معه عشرين أو خمسين منهم ، كباراً وصغاراً ، نساءً وأطفالاً ، لاذنب لهم إلا أنهم جاؤوا للمشاركة في هذه المناسبة الدينية !
ومن جهة ثانية ، أثارت هذه المشاهد مشاعر الإكبار لنُبْل الشيعة وتصرفهم تجاهها ، فقد سجل مراسلوا الفضائيات دهشتهم من أمرين : الأول ، السرعة التي انتهى فيها ذعرالناس في مكان تفجيرات كربلاء ومناظرها المرعبة ، فقد بادرمتطوعون منهم في مكان الحادث إلى نقل الجرحى وجمع الجثامين والأشلاء ، بينما واصل ملايينهم حتى الذين كانوا قرب المكان عملهم المقدس الأهم ، وهو أداء مراسمهم في عزاء الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، في مواكبهم الذاهبة إلى حرمه المقدس أوالعائدة منه بدموعها الحرَّى على سيد الشهداء ( عليه السلام ) ، وأناشيدها ولطمها الحزين !
قال لي شخص كان على بُعد أمتار من تفجيرات كربلاء : لقد أدهشني زوار الإمام الحسين ( عليه السلام ) ! فما هي إلادقائق حتى واصلوا مواكبهم بهتافهم المشهور : أبدْ والله ما ننسى حسينا ، وأضاف بعضهم إلى هتافهم : أبدْ والله بالتفجير ما ننسى حسينا . . واستمروا في المراسم ، وكأن شيئاً لم يحدث !
والثاني ، قرار الصبر والعض على الجراح ، الذي اتضح بسرعة ، وظهر منه أن الشيعة قد تبانوا عليه فيما بينهم ، واتخذوا موقفاً مسبقاً حازماً بعدم الإنجرار إلى الفتنة الطائفية ، بإجماع مراجعهم وجمهورهم .

جذور الظلامة

والأمر الأهم الذي أثارته هذه الفواجع لدى المراقب : التأمل في جذورها الفكرية والتاريخية ، التي جعلت قتل الشيعي ( ديناً ) يربي المتطرفون عوامهم عليه ، ويقنعونهم بأن الشيعي مشركٌ مهدورالدم ، وأن عليهم أن يتقربوا إلى الله بإراقة دمه ، ونهب ماله ، وهتك عرضه !
فمتى بدأت هذه الحالة في تاريخنا الإسلامي ، وكيف تطورت ؟
————————— 7 —————————
إن موجة التكفيرالمعاصرة أو موجة استحلال الدماء وسفكها ، تعود جذورها القريبة إلى المتوكل العباسي ! فهذا ( الخليفة ) تبنى مذهب مجسمة الحنابلة المتعصبين ، وشكل ( ميليشيا ) في بغداد لمهاجمة مجالس عاشوراء ومنع الشيعة من إقامتها ! وسمى حزبه : أهل الحديث ، والمحدثين ، وأهل السنة ، بينما سماهم المسلمون : مجسمة الحنابلة ، والنواصب .
وقد روى الذهبي سخرية البغوي الإمام المعروف ، من هذه التسمية التي خص المتوكل بها حزبه ، فقال في سير أعلام النبلاء ( 14 / 449 ) : ( اجتاز أبو القاسم البغوي بنهرطابق على باب مسجد ، فسمع صوت مُسْتَمْلٍ فقال : من هذا ؟ فقالوا : ابن صاعد . قال : ذاك الصبي ! قالوا : نعم . قال : والله لا أبرح حتى أملي هاهنا ، فصعد دكةً وجلس ورآه أصحاب الحديث فقاموا وتركوا ابن صاعد . ثم قال : حدثنا أحمد بن حنبل قبل أن يولد المحدثون ! وحدثنا طالوت قبل أن يولد المحدثون ! وحدثنا أبو نصر التمار . فأملى ستة عشرحديثاً ، عن ستة عشر شيخاً ، ما بقي من يروي عنهم سواه ) !
ومعنى قوله : ( ذاك الصبي . . قبل أن يولد المحدثون ! ) أن هؤلاء الصبيان ، أحداثٌ جمعهم المتوكل حول ابن حنبل ، وجعله إماماً لهم !
فالبغوي يقول : إن المتوكل هو الذي حَنْبَلهم ، أي اتخذ لهم ابن حنبل المروي مولى شيبان ، إماماً ، فصار اسمه : الإمام أحمد ، ودعاه إلى سامراء وأقام له مراسم احترام وتجليل ، وأشاع بين العوام كراماته !
وذات مرة مرضت جارية المتوكل المفضلة عنده من بين أربعة آلاف جارية ، فأرسلها إلى بغداد ليعالجها الإمام ! فلما رآها أحمد قال : لقد دخل فيها جني ، وأمره أن يخرج منها وهدده بالقبقاب ، فأطاعه الجني وخرج من الجارية ، وشفيت ! وانتشر الخبر بكرامة الإمام أحمد !
والمتوكل هو الذي أمر بنشرأحاديث التجسيم والنصب ، وبالغ في احترام ( المحدثين ) الذين يروونها ويتحمسون لها ، وأغدق عليهم ، وحَشَدَ الناس حولهم ، وحضر مجالسهم بنفسه ! »
————————— 8 —————————
والمتوكل هو الذي بَخَّرَهُم ، أي جعل لهم ابن إسماعيل بن بَرد زبه الفارسي أوالسلجوقي ، إماماً ، فصار اسمه الإمام البخاري ، وجعل كتابه إمام مصادر السنة النبوية ، صحيحاً من الجلد إلى الجلد !
والمتوكل هو الذي شجع التجسيم ، فجمع المجسمين وسلطهم على الناس ، وجاهر بالنصب ، وجاهر في بغض علي وأهل‌البيت النبوي صلوات الله عليهم ، وكان يعقد مجالس في دار الخلافة بسامراء للسخرية من علي ( عليه السلام ) ! فيأمرعُبادة المخنث أن يشد على بطنه مخدة ويمثِّل شخصية علي ( عليه السلام ) ويسخر منه ويضحك ، ويأمر المغنين والمغنيات أن يغنوا بسبه ويشرب الخمر على غنائهم !
والمتوكل هو الذي اضطهد شيعة علي ( عليه السلام ) وتتبعهم أينما كانوا ، واضطهد الأئمة المعصومين من العترة النبوية الطاهرة ، ففرض الإقامة الجبرية في سامراء على الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) ، ثم حبسه ، حتى قتلوه بعده بالسم ، ثم حبس ولده الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، وعمل بكل جهده لقتله !
والمتوكل هو صاحب العُقدة من قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) واحتشاد المسلمين لزيارته في كربلاء ، فمنعهم ، واضطهد من يزوره !
ولمَّا عجز عن منعهم ، أرسل فرقة جيش بقيادة يهودي اسمه ( زيرج ) ومعه ( ميليشيا السلفيين ) فهدموا قبرالحسين ( عليه السلام ) وحرثوا أرضه ! وأجروْا عليه الماء ، فحار الماء ودار حوله ، فسميت دائرته : الحائر الحسيني !
لقد هلك المتوكل وهو سكران ، ولقي جزاء عمله ، على يد بعض قادة جيشه الأتراك ، وقد يكون فيهم محبون لأهل‌البيت ( عليهم السلام ) فقتلوه ، ومعهم ابنه المنتصر ، الذي اعترض عليه يوماً لإهانته علياً ( عليه السلام ) فأمرالمتوكل المغنيات أن يغنين بسبِّ ولده وأمه !
قال ابن الأثير في تاريخه ( 6 / 108 ) : ( في هذه السنة ( 236 ) أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يبذر ويسقى موضع قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فنادى بالناس في تلك الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق ، فهرب الناس وتركوا زيارته ، وخُرب وزُرع ! وكان المتوكل شديد
————————— 9 —————————
البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم ! وكان من جملة ندمائه عُبادة المخنث ، وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ، ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون قد أقبل الأصلع البدين ، خليفة المسلمين ! يحكي بذلك علياً ، والمتوكل يشرب ويضحك ! ففعل ذلك يوماً والمنتصرحاضرفأومأ إلى عبادة يتهدده فسكت خوفاً منه فقال المتوكل ما حالك ؟ فقام وأخبره فقال المنتصر : يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك ، وشيخ أهل بيتك وبه فخرك ! فكل أنت لحمه إذا شئت ، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله ! فقال المتوكل للمغنين : غنوا جميعاً :
غار الفتى لابن عمهْ * رأس الفتى في حرِ أمهْ
فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل ) .
وقال العصامي في سمط النجوم ( 3 / 469 ) : ( كان المتوكل يبغض علياً فذكر يوماً عليٌّ عنده فغض منه ، فتمعَّر وجه ابنه المنتصر لذلك ، فشتمه أبوه المتوكل وأنشد مواجهاً له . . ) .
وفي مآثر الإنافة ( 1 / 228 ) : ( كان شديد البغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولأهل بيته ، على خلاف ما كان عليه المأمون ) . وذكر القصة .
ومع أن المتوكل صاحب الخطة مات ، إلا أن حزبه بقي بلاءً على الأمة ، وامتحاناً للمسلمين عامة وللشيعة خاصة ! وعُرفوا باسم مجسمة الحنابلة .
ومع أن الخلفاء بعد المتوكل لم يتبنَّوهم رسمياً ، لكنهم كانوا يستفيدون منهم كحزب عنيف في بغداد ، فيدفعونهم للحد من نفوذ الشيعة ، الذين كان لهم جمهورهم وثقلهم ، في بغداد وخارجها .
كانت حكومة بغداد تدفع مجسمة الحنابلة لضرب الشيعة وتساندهم ، فإذا زاد طغيان المجسمة خلوا بينهم وبين الشيعة ، وربما ساعدوا الشيعة عليهم ! لذلك كان للطرفين أنصارٌ في وزراء الخليفة ، وأمراء جيشه !
* *
————————— 10 —————————
ثم جاء البويهيون في مطلع القرن الرابع فكانت دولتهم متنفساً للشيعة فتوقف نزفهم المتواصل من زمن المتوكل ، وضمَّدوا جراحهم .
والبويهيون آل بُويَهْ ، وهم فُرْس من شمال إيران وشيعة ، احتلوا بغداد وفرضوا أنفسهم على الخليفة بدل الأتراك ، وأجبروه أن يَرْسِم كبيرهم سلطاناً ، ويأمر الخطباء بالدعاء له بعد الخليفة ، فورثوا الأتراك في التسلط على مقدرات الدولة ، وكانوا ينصبون الخليفة ويجرون له مرتباً شهرياً ، وقد يعزلونه ! وفي عهدهم الذي استمر أكثر من قرن ( 334 – 447 هجرية ) ضعف مجسمة الحنابلة لكنهم لم ينتهوا ، فالبويهيون كانوا سياسيين ، وقلدوا الأتراك في لعبة الخلاف بين الشيعة والحنابلة ، فربما اختاروا الحياد ، وربما رجحوا كفة الشيعة ، أوكفة الحنابلة ! .
* *
واستمر الأمر على هذه الحال حتى جاءت ثورة السلاجقة الأتراك ، وهم بدوٌ من برِّ بخارى من جهة الصين ، فاحتلوا إيران والعراق ، وقضوا على بني بُويَه ، وسيطروا على الخلافة العباسية ( 447 – 581 هجرية ) وتبنوا مجسمة الحنابلة حزب المتوكل ، وشنوا على الشيعة موجة اضطهاد قاسية ، استباحوا فيها أحياءهم في بغداد قتلاً ونهباً وحرقاً ، خاصة منطقة الكرخ مركز ثقل الشيعة التاريخي ، وبدؤوأ هجومهم بإحراق خزانة كتب الكرخ العالمية التي أسسها البويهيون ! وقتلوا الألوف المؤلفة من الشيعة ، فاضطر أكثرهم إلى الاختفاء أو الهجرة ، وكان ممن نجا منهم مرجع الشيعة الشيخ الطوسي ( قدس سره ) الذي فرَّ إلى النجف الأشرف سنة 448 ، في السنة الثانية لاستيلاء السلاجقة ، وأسس الحوزة العلمية ونماها ، حتى توفي سنة 460 هجرية ( رحمه الله ) .
* *
وقد نشط مجسمة الحنابلة في عصر السلاجقة ، وساعدهم السلاجقة في كثير من الأحيان ، لكنهم ظلوا حزباً متطرفاً يراوح مكانه ولم يمتد في العالم الإسلامي ، بسبب نفوذ الشيعة وقوة التيار السني المخالف لهم .
————————— 11 —————————
ثم انحسر دعم السلاجقة لهم لسوء تصرفهم ، وكانت الحكومة تضطر أحياناً إلى تأديبهم لإرضاء عامة البغداديين الشاكين من عنفهم !
وبسقوط السطان بهلوان رئيس قبيلة قُزَل وآخرسلاطين السلاجقة ، سنة 582 هجرية ( سير أعلام النبلاء : 21 / 45 ) سقط معهم مجسمة الحنابلة ، وغلب على بغداد الإعتدال السني والميل إلى التشيع ، ولم نعد نسمع بالحنابلة المتطرفين لقرون !
ولم يظهر لهم طوال هذه القرون أي وجود لهم في بلاد المسلمين ، حتى جاء القرن الثامن فظهروا حزباً صغيراً في الشام بزعامة شخص متوتر هو الشيخ أحمد عبد الحليم بن تيمية ، الذي تبناه بعض الأمراء الشراكسة ، وعينه لمدة قصيرة في منصب شيخ الإسلام في الشام ، ثم عزلوه وسجنوه وحاكموه ، بحكم علماء المذاهب الأربعة ، وأبقوه في السجن حتى مات . وبموته تلاشى حزبه ، وغابت أفكاره لخمسة قرون ، حتى ظهرت على يد الشيخ محمد عبد الوهاب النجدي في حركة ضد الخلافة العثمانية يمولها ويديرها الإنكليز ! .
* *
————————— 12 —————————

كلمة في أسلوب هذه السيرة

تتسع الكتابة في سيرة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) والأئمة ( عليهم السلام ) لأساليب من التأليف :
منها : أن يجمع المؤلف ما ورد في سيرة المعصوم ( عليه السلام ) من نصوص ، ويبوبها ويضع لها عناوين ، ويسلسلها من الولادة إلى الوفاة ويسرها سرداً ويشرح بعضها .
وهذا هو أسلوب المصنفين القدماء ، وأولهم ابن إسحاق .
ومنها : أن يقرأ المؤلف نصوص سيرة المعصوم ( عليه السلام ) من مصادرها ، ويقرأ مكتوبات أخرى حوله ، فيكوِّن صورة عن شخصيته وأحداثها ، ثم يبدأ بكتابة تصوره ، ويؤيد آراءه بنصوص من مصادرها . وهذا أسلوب الكتاب المنشئين ، مثل الجاحظ والمفيد والإربلي ، ومن المتأخرين : العقاد ، وعبدالمقصود ، والدكتور الصغير ، وجرداق .
ومنها : أن يرصد المؤلف ما كتبه الآخرون في سيرة المعصوم ( عليه السلام ) ، خاصة ما كتبه الخصوم ، فيؤيد المقولة ، أو ينقدها ويفندها . فيكون طابع الكتاب كلامياً نقدياً للسيرة الرسمية ، ومثاله من المعاصرين كتاب الصحيح من السيرة للسيد جعفر مرتضى .
ومنها : أن يهتم كاتب السيرة بجانب معين من سيرة المعصوم ( عليه السلام ) ، فيركز عليه ، كالجانب السياسي أو الروحاني أو التربوي ، فتأتي السيرة مطبوعة بذلك البُعد ، بمستوى ثقافة كاتبها ، لأن الكتاب مرآة مؤلفه في عقليته ، وذهنه ، وثقافته .
أما هذه السيرة فإن أسلوبها قد جمع إيجابيات ، وأهم ميزاتها :
1 . أن منهجها تاريخي عقلاني . فهي تعتمد النص الصحيح ، وقد تمحصه إن لزم ، وقد تطل على الرأي المخالف فتحاكمه .
2 . أنها تضيئ على عصرأميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ومحيطه دائماً ، من حياته في عهد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى عهود أبي‌بكر وعمر وعثمان ، وحركة الفتوحات ، وخلافته ( عليه السلام ) .
فهي معنية بالمحيط لتبرز شخصية الإمام الربانية العظيمة سامقةً في أهل عصرها ، في تفكيرها ونبلها وأهدافها .
3 . تجد فيها فيها الكثير الجديد ، من سيرة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وحياته ، في زمن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وبعده ، في أعماله ، وكلماته ، وصفاته .
————————— 13 —————————
4 . كما تجد فيها مواضيع استوفيناها في بحث موضوعي ، مثل مالية الإمام ( عليه السلام ) مقارنة بمالية غيره ، وجهاز الحكم عنده مقارناً بجهاز الحكم عند غيره ، وأصول سياسته مع الحكام خاصة عثمان ، ودوره في الفتوحات ، وعمله لإعادة العهد النبوي .
د . وجدنا موضوعات مجملة عند الرواة والمؤلفين ، يكثر فيها الإبهام والخلط ، فتتبعنا مفرداتها وفككناها ، وأعطيناها التسلسل المنطقي ، مثل حرب الجمل ، فجاءت دراسة موضوعية مفصلة وجديدة .
أسأل الله تعالى أن يصليَ على نبيه ووصيه أمير المؤمنين ، وآلهما الأطهار ، وأن يتقبل هذا الجهد في أعمال نشر فضائلهم والدفاع عنهم . فهو ولي القبول .
حرره بقم المشرفة في السابع عشر من شهر رمضان 1438
علي الكوراني العاملي
* *
————————— 14 —————————
.
————————— 15 —————————

الفصل الأول: كنت وعلياً نورا قبل الخلقً

1 . روت أحاديث عالم النور مصادر الشيعة والسنة

عقدنا في أول السيرة النبوية فصلاً بعنوان : أول ما خلق الله تعالى نور نبينا ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وأوردنا فيه أحاديث من مصادر الطرفين في الموضوع ، وملاحظات حولها .
ونورد هنا عدداً من الأحاديث والملاحظات ، ونضيف إليها بحثاً حول الميثاق الذي أخذه الله على البشر في عالم الذر ، وعلى الأنبياء ( عليهم السلام ) بولاية نبينا وعترته صلوات الله عليهم .
إن عقيدتنا نحن أتباع أهل‌البيت ( عليهم السلام ) أن الله تعالى خلق النبي وعترته ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قبل خلق البشر ، فكانوا أنواراً مؤيدة بروح القدس ، يسبحون الله عز وجل ويطوفون حول العرش ، ثم أودعهم في صلب آدم ( عليه السلام ) . وقد روت ذلك مصادر السنة أيضاً وصححته .
ففي مناقب علي لأبي‌بكر بن مردويه / 285 ، أن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزئين ، فجزءٌ أنا وجزء علي » .
وفي الكافي ( 1 / 530 ) : ( عن أبي حمزة قال : سمعت علي بن الحسين ( عليه السلام ) يقول : إن الله خلق محمداً وعلياً وأحد عشر من ولده ( عليهم السلام ) من نور عظمته ، فأقامهم أشباحاً في ضياء نوره ، يعبدونه قبل خلق الخلق ، يسبحون الله ويقدسونه ) .
وقال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « سلك ذلك النور في صلبه [ آدم ( عليه السلام ) ] فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب ، حتى أقره في صلب عبد المطلب ، فقسمه قسمين : قسماً في صلب عبد الله ،
————————— 16 —————————
وقسماً في صلب أبي طالب ، فعلي مني وأنا منه ، لحمه لحمي ، ودمه دمي ، فمن أحبه فبحبي أحبه ، ومن أبغضه فببغضي أبغضه » . ( الخصال للصدوق / 640 ) .
ورواه العلامة في كشف اليقين / 11 ، ونهج الحق / 212 ، عن ابن مردويه وابن حنبل ، وابن المغازلي ، وفيه : « حتى قسمه جزءين ، فجعل جزءً في صلب عبد الله ، وجزءً في صلب أبي طالب ، فأخرجني نبياً ، وأخرج علياً ولياً » .
وفي علل الشرائع ( 1 / 208 ) عن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : ( ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ، لا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر ، يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون ، فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب ، أخرج ذلك النور فشقه نصفين ، فجعل نصفه في عبد الله ونصفه في أبي طالب ، ثم أخرج النصف الذي لي إلى آمنة ، والنصف إلى فاطمة بنت أسد ، فأخرجتني آمنة وأخرجت فاطمة علياً .
ثم أعاد عز وجل العمود إليَّ فخرجت مني فاطمة ( عليها السلام ) .
ثم أعاد عز وجل العمود إلى عليٍّ ( عليه السلام ) فخرج منه الحسن والحسين ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، يعني من النصفين جميعاً ، فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن ( عليه السلام ) ، وما كان من نوري صار في ولد الحسين ( عليه السلام ) ، فهو ينتقل في الأئمة من ولده ( عليهم السلام ) إلى يوم القيامة ) .
وفي علل الشرائع ( 1 / 5 ) والعيون ( 1 / 237 ) : ( قال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني ، قال : علي ( عليه السلام ) فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل ( عليه السلام ) ؟ فقال :
يا علي ، إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين ، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك ، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا ! يا علي ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا ، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ، ولا الجنة ولا النار ، ولا السماء ولا الأرض ، فكيف لا تكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه ، لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فانطقنا بتوحيده وتحميده ، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً
————————— 17 —————————
واحداً ، استعظموا أمرنا ، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون ، وأنه منزه عن صفاتنا ، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا ، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا ، لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وأنا عبيد ولسنا بآلهة ، يجب أن نعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إله إلا الله .
فلما شاهدوا كبرمحلنا كبرنا ، لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به ، فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة ، قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله ، لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله .
فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة ، قلنا : الحمد لله ، لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته ، فقالت الملائكة : الحمد لله . فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله ، وتسبيحه ، وتهليله ، وتحميده ، وتمجيده .
ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبهُ ، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً ، وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون .
وإنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى ، وأقام مثنى مثنى ، ثم قال لي تقدم يا محمد ، فقلت له : يا جبرئيل أتقدم عليك ؟ فقال : نعم ، لأن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين ، وفضلك خاصة ، فتقدمت فصليت بهم ولا فخر ، فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل : تقدم يا محمد ، وتخلفَ عني ، فقلت : يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني ؟ فقال : يا محمد إن انتهاء حدي الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان ، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعديَّ حدود ربي جل جلاله . فزج بي في النور زجةً حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكه ، فنوديت : يا محمد ، فقلت : لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت ، فنوديت : يا محمد أنت عبدي وأنا ربك ، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل ، فإنك نوري في عبادي ، ورسولي إلى خلقي ، وحجتي على بريتي ، لك ولمن أتبعك خلقت جنتي ، ولمن خالفك خلفت ناري ، ولأوصيائك أوجبت
————————— 18 —————————
كرامتي ، ولشيعتهم أوجبت ثوابي .
فقلت : يا رب ومن أوصيائي ، فنوديت يا محمد : أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي ، فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش ، فرأيت اثني عشر نوراً في كل نور سطر أخضر ، عليه اسم وصي من أوصيائي ، أولهم : علي بن أبي طالب ، وآخرهم مهدي أمتي ، فقلت : يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي ؟ فنوديت : يا محمد هؤلاء أوليائي وأوصيائي وحججي بعدك على بريتي ، وهم أوصياؤك وخلفاؤك ، وخير خلقي بعدك . وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني ، ولأعلين بهم كلمتي ، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولأمكننه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرن له الرياح ، ولأذللن له السحاب الصعاب ، ولأرقينه في الأسباب ، ولأنصرنه بجندي ، ولأمدنه بملائكتي ، حتى تعلو دعوتي ، ويجتمع الخلق على توحيدي ، ثم لأديمن ملكه ، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة ) .
وروى أحمد في فضائل الصحابة ( 2 / 262 ) عن سلمان قال : « سمعت حبيبي رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) )
يقول : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزءين ، فجزء أنا وجزء علي » .
وقد اجتزأه أحمد ، فهو كما في تاريخ دمشق : 42 / 67 : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاً ، يسبح الله ذلك النور ويقدسه ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم رَكَزَ ذلك النور في صلبه ، فلم نَزل في شئ واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ، فجزءٌ أنا وجزءٌ علي » .
ورواه في شرح النهج « 9 / 171 » عن الفردوس ، وقال : « رواه أحمد في المسند ، وفي كتاب فضائل علي ، وذكره صاحب كتاب الفردوس ، وزاد فيه : ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب ، فكان لي النبوة ولعلي الوصية » .
وقد حذفوه من مسند أحمد ، وبقي في مناقب الصحابة ، أما في الفردوس فنصه الموجود » 3 / 283 « كرواية أحمد ، وكذا في الرياض النضرة للطبري / 392 ، فأَعجب
لهذا التحريف !
————————— 19 —————————

2 . نقاط من أحاديث عالم الأنوار

1 . عالم الأنوار خاص بأصحاب الكساء ( عليهم السلام ) لا يشركهم فيه غيرهم : ( عن أبي سعيد الخدري قال : كنا جلوساً مع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إذ أقبل إليه رجل فقال : يا رسول الله أخبرني عن قوله عز وجل لإبليس : قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ . فمن هو يا رسول الله الذي هو أعلى من الملائكة ؟ فقال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : أنا وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين ، كنا في سرادق العرش نسبح الله وتسبح الملائكة بتسبيحنا ، قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بألفي عام ، فلما خلق الله عز وجل آدم أمرالملائكة أن يسجدوا له ، ولم يأمرنا بالسجود : فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ أَبَى ، ولم يسجد ، فقال الله تبارك وتعالى : أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ، عنَى من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش . فنحن باب الله الذي يؤتى منه ، بنا يهتدي المهتدي . فمن أحبنا أحبه الله وأسكنه جنته ، ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره . ولا يحبنا إلا من طاب مولده ) !
( فقد شمل الأمر بالسجود كل الملائكة ، وشمل إبليس الذي كان في مجتمعهم وهو من الجن . ولم يشمل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) الذين كانوا أنواراً تامة العقل والحياة ، يعيشون في منطقة عُلْيَا حول العرش ) . ( فضائل الشيعة للصدوق / 8 )
2 . اتفق الجميع على صحة عدد من أحاديث عالم الأنوار ، وفيها أن الله تعالى أظهر عالم الأنوار وأهله لأبينا آدم ، فرآهم ( عليهم السلام ) وعرفه مقامهم .
3 . تدل الأحاديث على أن أهل عالم الأنوار ( عليهم السلام ) أعلى أنواع المخلوقات كلها ، فلا يصح أن يقدم عليهم غيرهم ، ولا أن يقاس بهم الصحابة ، وحتى بقية الأنبياء ( عليهم السلام ) .
ولولاهمُ لم يخلق الله آدماً * ولا كان زيدٌ في الوجود ولا عمرو
وهم مؤيدون بروح القدس ، وهي فوق الأرواح التي في أبداننا : ( أشباح نور بين يدي الله ، قلت : وما الأشباح ؟ قال : ظل النور ، أبدان نورانية بلا أرواح ،
————————— 20 —————————
وكان مؤيداً بروح واحدة وهي روح القدس ، فبه كان يعبد الله وعترته كذلك ، خلقهم حلماء علماء ، بررة أصفياء ، يعبدون الله بالصلاة والصوم ، والسجود والتسبيح والتهليل ) . ( الكافي : 1 / 442 ) .
4 . وكانوا موجودين قبل الملائكة ، وقد تعلم منهم الملائكة خمسة أمور : ( ومنا تعلمت الملائكة التسبيح والتقديس والتوحيد والتهليل والتكبير ، ونحن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ، فتاب عليه ) . ( المحتضر / 136 ) إشارة إلى قوله تعالى : فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَابُ الرَّحِيمُ .
وفي رواية : ( كنا أشباح نور ندور حول عرش الرحمان ، فتعلم الملائكة منا التسبيح والتهليل والتحميد ) . ( علل الشرائع : 1 / 23 ) .
5 . كثرت الرواية وتفاوتت في ترتيب خلق الله تعالى لنبيه وآله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ولبقية الخلق ، ففي بعضها أن الله خلق نور محمد وعلي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من نوره ، وفي بعضها خلقه من نور عظمته . وفي بعضها خلق أربعة عشر معصوماً من نور عظمته . وفي بعضها أنه خلق علياً والأئمة ( عليهم السلام ) من نور محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) . وفي بعضها فتق نورمحمد فخلق منه العرش . وفي بعضها خلق منه السماوات والأرض وفي بعضها ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة ، ثم فتق نور فاطمة ، والحسن ، والحسين . . الخ .
وفي بعضها : « إن الله كان إذ لا كان ، فخلق الكان والمكان ، وخلق الأنوار ، وخلق نور الأنوار الذي نورت منه الأنوار ، وأجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار ، وهو النور الذي خلق منه محمداً وعلياً فلم يزالا نورين أولين ، إذ لا شئ كون قبلهما ، فلم يزالا يجريان طاهرين مطهرين في الأصلاب الطاهرة ، حتى افترقا في أطهر طاهرين في عبد الله وأبي طالب » .
وفي بعضها خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره ، وفي بعضها خُلِقْتُ من نور الله عز وجل وخُلق أهل بيتي من نوري ، وخُلق محبوهم من نورهم .
وفيها أحاديث صحيحة وأحاديث مرسلة ، وبحوثها مهمة لكنها خارجةعن هدف الكتاب .
————————— 21 —————————
6 . كما كثرت الرواية وتفاوتت في المدة التي أمضاها النبي وآله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في عالم النور ، ففي بعضها ألفا عام ، وفي بعضها أربعة آلاف عام ، وفي بعضها سبعة آلاف عام ، وفي بعضها ألف دهر ، وفي بعضها أربعين ألف عام ، وفي بعضها خمسين ألف سنة . وقد يكون ذلك لتفاوت معني السنة .
7 . كما تنوعت الرواية في الطينة التي خلق منها النبي وآله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وبقية الخلق ، ففي بعض الروايات أنها طينة مخلوقة من نور عظمة الله تعالى ، وفي بعضها طينة مخزونة مكنونة تحت العرش ، فأسكن ذلك النور فيها ، وفي بعضها طينة عليين ، وفي بعضها طينة من أعلى عليين .

أخذ الله ميثاق الخلق بولاية محمد وعترته ( ( صلى الله عليه وآله ) )

1 . دلت آية : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ . . على أن الله تعالى أخذ الميثاق على توحيده من جميع الخلق . وهناك أنواع من المواثيق ذكرتها آيات القرآن ، وأحاديث السنة ، قد تبلغ ثلاثين نوعاً .
منها : ميثاق الله تعالى على الأنبياء ( عليهم السلام ) ، قال تعالى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا .
ومنها : ميثاقه على الأنبياء بأن يطيعوا من يرسله ، قال تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ اقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِى قَالُوا أَقْرَرْنَا . قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ .
ومنها : المواثيق التي أخذها على بني إسرائيل كقوله تعالى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا للَّنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ .
وقوله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَوةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ . فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا
قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً .
————————— 22 —————————
وقوله تعالى : وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا . فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا .
وقال تعالى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ .
وقال تعالى : أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ .
ومنها ميثاق الله على النصارى ، قال تعالى : وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ .
ومنها ميثاقه على اليهود والنصارى ، قال تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ للَّنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ .
ومنها : ميثاقه على المسلمين بمقتضى إسلامهم ، قال تعالى : وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
وقال تعالى : وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ .
ومنها مدح الذين يفون بميثاقهم ، وذم الذين ينقضونه ، قال تعالى : الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ . . وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ .
ومنها التحذير من نقض الميثاق الذي تضمنه عقد الزوجية : وَكَيْفَ تَأخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا .
2 . وقد نصت الأحاديث على أن الله تعالى أخذ ميثاق الأنبياء ( عليهم السلام ) بالولاية لنبينا وآله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) . وأخذ ميثاق كل الخلق بالولاية لنبينا وعترته ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
روى الكليني في الصحيح ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) ( الكافي : 3 / 415 ) : ( قال له رجل كيف سميت الجمعة ؟ قال : إن الله عز وجل جمع فيها خلفه لولاية محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ووصيه ( عليه السلام ) في الميثاق ، فسماه يوم الجمعة ، لجمعه فيه خلقه ) .
————————— 23 —————————
3 . وقال الصدوق في الهداية / 23 : ( ويجب أن يعتقد أن الله تعالى لم يخلق خلقاً أفضل من محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ومن بعده الأئمة صلوات الله عليهم وأنهم أحب الخلق إلى الله عز وجل وأكرمهم عليه ، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله ميثاق النبيين في الذر ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى . وبعدهم الأنبياء ( عليهم السلام ) ، وأن الله بعث نبيه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى الأنبياء ( عليهم السلام ) في الذر ، وأن الله أعطى ما أعطى كل نبي على قدر معرفته نبينا ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وسبقه إلى الإقرار به . ويعتقد أن الله تبارك وتعالى خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وأنه لولاهم ما خلق الله السماء والأرض ، ولا الجنة ولا النار ، ولا آدم ولا حواء ، ولا الملائكة ، ولا شيئاً مما خلق ، صلوات الله عليهم أجمعين ) .
4 . وأخيراً نشير إلى المواثيق التي أخذت على المؤمن ، قال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ( الكافي : 2 / 2 ) :
( إن الله أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع ، أيسرها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده ، أو منافق يقفو أثره ، أو شيطان يغويه ، أو كافر يرى جهاده ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أخذ الله ميثاق المؤمن على أن لا تصدق مقالته ، ولا ينتصف من عدوه ، وما من مؤمن يشفي نفسه إلا بفضيحتها ، لأن كل مؤمن مُلجم ! ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث ، ولربما اجتمعت الثلاث عليه ، إما بغض من يكون معه في الدار ، يغلق عليه بابه يؤذيه ، أو جار يؤذيه ، أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه ، ولو أن مؤمناً على قلة جبل لبعث الله عز وجل إليه شيطاناً يؤذيه ، ويجعل الله له من إيمانه أنساً لا يستوحش معه إلى أحد .
وفي رواية : ( مؤمن يحسده وهو أشدهن عليه ، ومنافق يقفو أثره ، أو عدو يجاهده ، أو شيطان يغويه .
وفي رواية : ما كان ولا يكون وليس بكائن مؤمن إلا وله جار يؤذيه ، ولو أن مؤمناً في جزيرة من جزائر البحر لابتعث الله له من يؤذيه ) .
————————— 24 —————————

عوالم وجودنا قبل هذا العالم !

من أعجب ما تقرأ في القرآن والسنة ، أنا كنا موجودين في عوالم أخرى قبل أن نولد من آبائنا وأمهاتنا في هذا العالم !
تقرأ مثلاً قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ . وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ .
( الأعراف : 172 – 174 )
فالآيات تقول لك : إن الله تعالى استخرج أبناء آدم ( عليه السلام ) من ظهره ، ثم من ظهور أبنائه إلى آخر أب ، ثم كوَّنَهم بشكل معين فكانوا مخلوقات تامة ، وأشهدهم فأقروا ، وكلمهم وأخذ عليهم المواثيق ، ثم أعادهم إلى حالتهم الأولى في ظهر آدم ( عليه السلام ) !
تقول لك : إنك كنت معهم وأديت امتحانك الكامل هناك ، وأخذت عليك عهود ومواثيق ، وقد نسيتها فعلاً وسوف تذكرها ، وهي مسجلة عليك حرفياً !
وتقول لك الأحاديث : إن الله بدأ الخلق بنور خلقه من نور عظمته ، ثم خلق من هذا النورمحمداً وعترته ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فكانوا أجساماً نورانية ، وكائنات في قمة الشعور والعقل والوعي ، يعيشون حول عرش الله تعالى ، وأرواحهم تختلف عن أرواحهم التي فيهم في هذه النشأة : ( يا جابر ، إن الله أول ما خلق خلق محمداً ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وعترته الهداة المهتدين ، فكانوا أشباح نور بين يدي الله . قلت : وما الأشباح ؟ قال : ظل النور ، أبدان نورانية بلا أرواح . وكان مؤيداً بروح واحدة هي روح القدس فبه كان يعبد الله . وعترته ، ولذلك خلقهم حلماء علماء بررة أصفياء ، يعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل ، ويصلون الصلوات ويحجون ويصومون ) . ( الكافي : 1 / 442 ، بسند صحيح ) .
هنا يقف ذهنك ، وتكل قدرته عن التصور ، خاصة أنك نسيت مواثيق الله عليك ، لكن العقل يقول لك : إقبل الأمر ، لأن الذي يخبرك به هو الله تعالى ، الذي يعلم ولا تعلم ، ولا يمكنك أن تحيط بعلمه .
وقد ضغطت هذه الحقائق لثقلها على أذهان بعض المفسرين فقالوا إن الأخذ في
————————— 25 —————————
الآية مجازي ! والمعنى خلقهم وأشهدهم على ربوبيته بتكوينهم ، فهذا هو الأخذ ، ومنهم صاحب تفسير الميزان ، قال ( 8 / 305 ) : ( ومعنى الآية أنا خلقنا بني آدم في الأرض وفرقناهم وميزنا بعضهم من بعض بالتناسل والتوالد ، وأوقفناهم على احتياجهم ومربوبيتهم لنا ، فاعترفوا بذلك قائلين : بلى شهدنا أنك ربنا . وعلى هذا يكون قولهم : بلى شهدنا ، من قبيل القول بلسان الحال ، أو إسناداً للازم القول إلى القائل بالملزوم ، حيث اعترفوا بحاجاتهم ، ولزمهم الاعتراف بمن يحتاجون إليه ) . لكن رأيه لا يصح ، لأن ظهور الألفاظ يأباه ، وتأباه الروايات المتواترة المفسرة للآية ، عن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) والأئمة ( عليهم السلام ) .
ثم قال صاحب الميزان عن عالم الذر : ( هو عالم الملكوت والخزائن ) وأطال الكلام حوله ، واختصرالإستدلال عليه . وهو تفسير لا يصح لأنه استحساني ولا دليل عليه ، ولو صح لما حل المشكلة لأن عالم الملكوت يشمل كل عوالم ملكه تعالى ، ففي أي عالم من ملكوت الله تعالى كان خلق الناس ، وأخذ الميثاق منهم ؟
إن أحاديث عوالم وجود النبي وآله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، ووجود والناس قبل هذا العالم ، صريحة متواترة فلا يمكن ردها ، ولا إغفالها في البحث ، ولا دمجها في عالم واحد ، كعالم الملكوت أو الخزائن !

3 . فاطمة بنت أسد ( عليها السلام ) أول هاشمية ولدت لهاشمي

« كانت جليلة القدر ، كان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يدعوها أمي ، ولما توفيت صلى عليها ودخل قبرها وترحم عليها » . ( عمدة الطالب / 30 ، ومقاتل الطالبيين / 4 ) .
« فاطمة بنت أسد أول هاشمية ولدت من هاشمي ، وكانت بمحل عظيم من الأعيان في عهد رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ) ( الحاكم : 3 / 108 ) .
وكانت : ( أول امرأة هاجرت إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من مكة إلى المدينة ، على قدميها ) . « الكافي : 1 / 453 » .
————————— 26 —————————

4 . ولد ( عليه السلام ) في الكعبة في الثلاثين من عمر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

في مناقب آل أبي طالب ( 3 / 59 ) : ( أول هاشمي ولد من هاشميين ، وأول من ولد في الكعبة ، وأول من آمن ، وأول من صلى ، وأول من بايع ، وأول من جاهد وأول من تعلم من النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وأول من صنف ، وأول من ركب البغلة في الإسلام بعد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) . وعلي ( عليه السلام ) آخر الأوصياء ، وآخر من آخى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وآخر من فارقه عند موته ، وآخر من وسده في قبره وخرج » .
أي أول من ولد مع إخوته وأخواته من هاشمييْن ، فهو الأول مع أشقائه .
وفي كشف الغمة ( 1 / 62 ) وأمالي الصدوق / 194 ، عن سعيد بن جبير ، عن الإمام الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) عن يزيد بن قعنب ، وفي أمالي الطوسي / 706 : ( عن الزهري ، عن عائشة . . عن أنس بن مالك والعباس بن عبد المطلب . . وعن الصادق ( عليه السلام ) قال : كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام ، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكانت حاملاً به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق ، فقالت : يا رب إني مؤمنة بك ، وبما جاء من عندك من رسل وكتب وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وإنه بنى البيت العتيق فبحق الذي بنى هذا البيت والمولود الذي في بطني إلا ما يسرت عليَّ ولادتي .
قال يزيد بن قعنب : فرأيت البيت قد انشق عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أن ذلك من أمر الله تعالى ، ثم خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ثم قالت : إني فضلت على من تقدمني من النساء ، لأن آسية بنت مزاحم عبدت الله سراً في موضع لا يحب الله أن يعبد فيه إلا اضطراراً ، وإن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطباً جنياً ، وإني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها ، فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف وقال : يا فاطمة سمه علياً فهو علي والله العلى الأعلى يقول : اشتققت اسمه من اسمي وأدبته بأدبي ، وأوقفته على غامض علمي . وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي ، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني
————————— 27 —————————
ويمجدني ، فطوبى لمن أحبه وأطاعه وويل لمن أبغضه وعصاه .
قال : فولدت علياً ولرسول الله ثلاثون سنة فأحبه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حباً شديداً ، وقال لها : إجعلي مهده بقرب فراشي وكان ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يلي أكثر تربيته وكان يطهرعلياً في وقت غسله ، ويوجره اللبن عند شربه ، ويحرك مهده عند نومه ، ويناغيه في يقظته ، ويحمله على صدره ورقبته ، ويقول هذا أخي ووليي وناصري وصفيي وذخري وكهفي وصهري ووصيي وزوج كريمتي وأميني على وصيتي وخليفتي ، وكان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يحمله دائماً ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها وفجاجها ) .
أقول : ترد إشكالات على رواية ابن قعنب ، منها أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) لا يحتاج أن يرويها عنه ، ومنها معارضة روايات أخرى لها ، والمرجح عندنا أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) جاء بها إلى الكعبة وأدخلها إليها ، كما روى ابن المغازلي ، ونحوه في المناقب / 25 : ( فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منُظفاً لم أر كَحُسنِ وجهه ، فسماه أبو طالب علياً ، وحَمله النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حتى أداه إلى منزلها » .

5 . اسمه ونسبه ( عليه السلام )

سماه أبوه علياً ، وسمته أمه حيدرة ، وفي الإنجيل إيليا وحيدار ، وهو معرب اسم قيدار بن إسماعيل ( عليهم السلام ) .
روى الصدوق في التوحيد / 398 ، عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) قال : ( كان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) )
ذات يوم جالساً في مسجده ، إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال : يا محمد إلى ما تدعو ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله . قال : يا محمد أخبرني عن هذا الرب الذي تدعو إلى وحدانيته ، وتزعم أنك رسوله . كيف هو ؟ قال : يا يهودي إن ربي لا يوصف بالكيف ، لأن الكيف مخلوق وهو مُكيفه . قال : فأين هو ؟ قال : إن ربي لا يوصف بالأين ، لأن الأين مخلوق وهو أيَّنَه . قال : فهل رأيته يا محمد ؟ قال : إنه لا يُرى بالأبصار ولا يُدرك بالأوهام .
قال : فبأي شئ نعلم أنه موجود ؟ قال : بآياته وأعلامه . قال : فهل يحمل العرش أم العرش يحمله ؟ فقال : يا يهودي إن ربي ليس بحال ، ولا محل . . قال اليهودي :
————————— 28 —————————
يا محمد إني أجد في التوراة أنه لم يكن لله عز وجل نبي إلا كان له وصي من أمته ، فمن وصيك ؟ قال : يا يهودي وصيي علي بن أبي طالب ، واسمه في التوراة إليا وفي الإنجيل حيدار ، وهو أفضل أمتي ، وأعلمهم بربي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وإنه لسيد الأوصياء كما أني سيد الأنبياء .
فقال اليهودي : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وأن علي بن أبي طالب وصيك حقاً ، والله إني لأجد في التوراة كل ما ذكرت في جواب مسائلي ، وإني لأجد فيها صفتك وصفة وصيك ، وأنه المظلوم ومحتوم له بالشهادة ، وأنه أبو سبطيك وولديك شبر وشبير ، سيدي شباب أهل الجنة ) .
وفي معاني الأخبار / 58 : ( عن أبي جعفر محمد بن علي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال : خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة ، بعد منصرفه من النهروان ، وبلغه أن معاوية يسبه ويلعنه ويقتل أصحابه ، فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وذكر ما أنعم الله على نبيه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وعليه ، ثم قال . . أنا اسمي في الإنجيل إليا ، وفي التوراة برء ، وفي الزبور أري ، وعند الهند كبكر ، وعند الروم بطريسا ، وعند الفرس جبتر ، وعند الترك بثير ، وعند الزنج حيتر ، وعند الكهنة بويئ ، وعند الحبشة بثريك ، وعند أمي حيدرة ، وعند ظئري ميمون ، وعند العرب علي ، وعند الأرمن فريقو . . ألا وقد جُعِلْتُ محنتكم . ببغضي يعرف المنافقون ، وبمحبتي امتحن الله المؤمنين ، هذا عهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ، وأنا صاحب لواء رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الدنيا والآخرة ، ورسول الله فَرَطي وأنا فَرَط شيعتي ، والله لا عطشَ محبي ، ولا خاف وليي ، وأنا ولي المؤمنين ، والله وليي ) .
وفي مناقب آل أبي طالب ( 2 / 318 ) : ( فخرج إليه مرحب في عامة اليهود ، وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على أم رأسه ، وهو يرتجز ويقول :
قد علمت خيبر اني مرحبُ * شاكِ سلاحي بطلٌ مجرب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب * إذا الليوث أقبلت تلتهب
————————— 29 —————————
فقال علي ( عليه السلام ) :
أنا الذي سمتني أمي حيدرَهْ * ضرغام آجام وليثٌ قسورهْ
على الأعادي مثل ريحٍ صرصرهْ * أكيلكم بالسيف كيل السندره
أضرب بالسيف رقاب الكفرة
قال مكحول : فأحجم عنه مرحب لقول ظئر له : غالب كل غالب الحيدر بن أبي طالب ، فأتاه إبليس في صورة شيخ فحلف أنه ليس بذلك الحيدر ، والحيدر في العالم كثير ، فرجع ) .

6 . اسم أبي طالب ( عليه السلام )

قال السيد الأمين في أعيان الشيعة ( 8 / 114 ) : ( قيل اسمه عبد مناف ، وهوالأصح لقول أبيه عبد المطلب في وصيته له بالنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : أوصيك يا عبد مناف بعدي ) .
ثم ضعَّف رواية أن اسمه عمران ، ثم نقل قول الحاكم : أكثر المتقدمين على أن اسمه كنيته . وذكر أنه يوجد بآخر مصحف بخطه ( عليه السلام ) : كتبه علي بن أبو طالب .
وقال الحاكم أيضاً ( 3 / 108 ) : ( وقد تواترت الأخبار بأن أبا طالب كنيته اسمه ) .
واستدل المسعودي ( مروج الذهب : 2 / 109 ) بأن علياً ( عليه السلام ) كتب في كتاب ليهود خيبر : وكتب علي بن أبي طالب ، بإسقاط الألف ) . أي أسقطها من ابن لأنه وقع بين علمين .
أقول : لا يمكن الاعتماد على رواية أن اسمه عمران ، لأنها لم ترد في أمهات المصادر ، بل نسبها في المناقب ( 3 / 43 ) إلى قول ، وفي فتح الباري ( 7 / 147 ) إلى بعض الروافض ! ولا عبرة بسقوط الألف من ابن فقد يكون من اجتهاد الناسخ ، ولا برواية أنه كتب أبو بالواو لأن الياء والواو يتشابهان . أما التواتر الذي قاله الحاكم فيعارضه أن أكثر المصادر روت أبيات عبد المطلب ( عليه السلام ) وسمته عبد مناف ، كما قال ابن إسحاق ( 1 / 47 ) ونهاية الأرب ( 16 / 31 ) وابن البطريق / 21 . وقال اليعقوبي ( 2 / 13 ) : ( قال لأبي طالب :
أوصيك يا عبد منافٍ بعدي * بمفردٍ بعد أبيه فردِ
فارقَه وهو ضجيعُ المهد * فكنتُ كالأم له في الوجد
————————— 30 —————————
تدنيه من أحشائها والكبْد * فأنت من أرجى بنيَّ عندي
لدفع ضيمٍ أو لشد عقد ) .
ويتصور بعضهم أن منافاً صنم ، لكن ابن بشرالكلبي قال في الأصنام ( 1 / 32 ) إنه جد قريش ولم يثبت أنه صنم ، قال : ( كانت تسمى قريش : عبد مناف ، ولا أدري أين كان [ مناف ] ولا من نصبه ) ! فهو جد قريش ، وإن صح أنه صنم فقد يكون بعضهم سمى صنماً باسم جدهم .
قال ابن منظور ( 9 / 342 ) : ( وأَناف الشئُ على غيره : ارتفع وأَشرف . ويقال لكل مُشرف عل غيره : إنه لمُنيف ) . والمناف اسم مفعول بمعنى اسم الفاعل : المُنيف .
ويؤيد أن عبد مناف لقب لجدهم وليس إسماً ، ما رواه الصدوق في أماليه / 700 : ( اسم عبد مناف المغيرة ، فغلب اللقب على الاسم ) .
والظاهرأن يكون عبد مناف لقب تعظيم يطلق للرجل المحترم ، أي غلام جده .

7 . أخذه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من أبي طالب ( عليه السلام ) وهو طفل صغير

1 . ولد علي ( عليه السلام ) قبل زواج النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بنحو سنتين . وقالت أمه ( عليها السلام ) كما في « كشف اليقين / 23 » : « فأحبه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حباً شديداً وقال لي : إجعلي مهده بقرب فراشي . وكان يلي أكثر تربيته ، وكان يطهرعلياً في وقت غسله ، ويوجره اللبن عند شربه ، ويحرك مهده عند نومه ، ويناغيه في يقظته ، ويحمله على صدره . . . » .
2 . وفي شرح النهج ( 13 / 200 ) : ( كان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يمضغ اللحمة والتمرة حتى تلين ، ويجعلهما في فم علي ( عليه السلام ) وهو صغير في حجره ) .
وفي الصراط المستقيم ( 1 / 253 ) : ( أسند أبو العلاء القطان أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أتاه قِنْوُ مَوْزٍ ، فجعل يقشره ويضعه في فم علي ( عليه السلام ) فقيل : إنك تحبه ، فقال ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : أو ما علمت أنه مني وأنا منه ) .
3 . لما تزوج النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) طلب من عمه أبي طالب ( عليه السلام ) أحد أولاده ليكون له عضداً فخيره بينهم ، فاختار علياً ( عليه السلام ) وكان عمره نحو ثلاث سنوات .
————————— 31 —————————
ففي رواية أبي رافع الصحيحة « المناقب : 2 / 29 » : « ذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حين تزوج خديجة قال لعمه أبي طالب : إني أحب أن تدفع إليَّ بعض ولدك يعينني على أمري ويكفيني ، وأشكر لك بلاك عندي . فقال أبو طالب : خذ أيهم شئت ، فأخذ علياً ( عليه السلام ) » .
قال علي ( عليه السلام ) ( النهج : 2 / 357 ) : « وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني إلى فراشه ، ويمسني جسده ويشمني عرفه ، وكان يمضغ الشئ
ثم يلقمنيه » .
وقلنا إنه كان في نحو الثالثة لأن عمره ( عليه السلام ) عند البعثة عشر سنين ، وعاش مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ثلاثاً وثلاثين سنة وبعده ثلاثين ، منها أيام أبي‌بكر سنتان وأربعة أشهر ، وأيام عمر تسع سنين وأشهر ، وأيام عثمان اثنتا عشرة سنة ، ومدة خلافته خمس سنين وأشهر . واستشهد في الثالثة والستين ، بعمر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وأمر بإخفاء قبره لئلا ينبشه بنو أمية ، حتى أظهره الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
4 . زعم رواة السيرة الرسمية أن قريشاً أصابتها أزمة شديدة ، فقال النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لعمه العباس انطلق بنا إليه لنخفف عن أبي طالب ( عليه السلام ) من عياله ، فأخذ رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) علياً ( عليه السلام ) فضمه إليه ، وأخذ العباس جعفراً ( عليه السلام ) فضمه إليه . ولا نقبل هذه الرواية لأن أصلها مجاهد بن جبر « ابن هشام : 1 / 162 » وهو مولى بني مخزوم ، وظاهرها مدح علي ( عليه السلام ) بأن فقر أبيه كان سبب أخذ تربية النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) له ! مع أن أبا طالب كان ينفق على سقاية الحجاج أكثر من ثلاثين ألف درهم .
وقد روج لهذه المقولة محمد بن سلام الجمحي توفي 231 ، وهو من أتباع المتوكل المشهور بنصبه وبغضه لعلي ( عليه السلام ) ، وغرضهم منها القول إن أبا طالب ( عليه السلام ) كان فقيراً ، وأن العباس أنفق على أولاده ثم زعموا أنه اشترى منه حق السقاية والرفادة ، فصارت للعباسيين . وكله لا يصح .
————————— 32 —————————

8 . نسبه وشمائله ( عليه السلام )

هو : علي بن أبي طالب ، بن عبد المطلب ، بن هاشم بن عبد مناف ، بن قصي ، بن كلاب ، بن مرة ، بن كعب ، بن لؤي ، بن غالب ، بن فهر ، بن مالك ، بن النضر ، بن كنانة ، بن خزيمة ، بن مدركة ، بن إلياس ، بن مضر ، بن نزار ، بن معد ، بن عدنان . . أمه : فاطمة بنت أسد ، بن هاشم ، بن عبد مناف ، بن قصي . . إلى آخر النسب الشريف . . وهو نسب رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من عبد المطلب فما بعده . وقد روي أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال : إذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا .

9 . حاولوا تشويه صفة علي ( عليه السلام ) !

1 . قال ابن عبد البر في الإستيعاب ( 3 / 1123 ) : ( أحسن ما رأيت في صفة علي رضي الله
عنه أنه كان ربعة من الرجال ، إلى القصر ما هو ، أدعج العينين ، حسن الوجه كأنه القمر ليلة البدر حسناً ، ضخم البطن ، عريض المنكبين ، شئن الكفّين ، عتداً ( تام الخلق ) أغيد ، كأن عنقه إبريق فضة ، أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه ، كبير اللحية ، لمنكبه مشاش كمشاش السبع الضاري ، لا يتبين عضده من ساعده قد أدمجت إدماجاً ، إذا مشى تكفَّأ ، وإذا أمسك بذراع رجل أمسك بنفَسه فلم يستطع أن يتنفس ، وهو إلى السمن ما هو ، شديد الساعد واليد ، وإذا مشى للحرب هرول ، ثبت الجنان ، قويٌّ شجاع ، منصور على من لاقاه ) .
2 . صح عندنا مدح النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لصفة الأنزع البطين ، فقد روى الطوسي في أماليه / 293 : ( قال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : يا علي ، إن الله قد غفر لك ولشيعتك ، ومحبي شيعتك ، فأبشر فإنك الأنزع البطين ، منزوع من الشرك ، بطين من العلم ) .
وصح عندنا قوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : ( خذوا بحجزة هذا الأنزع فإنه الصديق الأكبر ، والهادي لمن اتبعه ، ومن سبقه مرق من دين الله ، ومن خذله محقه الله ، ومن اعتصم به فقد اعتصم بالله ، ومن أخذ بولايته هداه الله ، ومن ترك ولايته أضله الله ، ومنه سبطا أمتي الحسن والحسين وهما ابناي ، ومن ولد الحسين الأئمة الهداة والقائم المهدي ، فأحبوهم وتوالوهم ، ولا تتخذوا عدوهم وليجة من دونهم ، فيحل عليكم غضب
————————— 33 —————————
من ربكم وذلة في الحياة الدنيا ، وقد خاب من افترى ) . ( كامل الزيارات / 115 ) .
لكن تعالَ انظر كيف شوهوا شكله ( عليه السلام ) وأخذوا بكذبة عمرو بن العاص !
3 . قال ابن شهرآشوب في المناقب ( 3 / 91 ) : ( ابن إسحاق ، وابن شهاب : أنه كتب حلية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن ثبيت الخادم عن عمره ( أي ثبيت الضبي ، عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ) فأخذها عمرو بن العاص فزمَّ بأنفه ( أي امتعض مستكبراً ) فقطعها وكتب : إن أبا تراب كان شديد الأدمة ، عظيم البطن ، حمش الساقين ، ونحو ذلك ! فلذلك وقع الخلاف في حليته ) .
فجعله عمرو شديد السمرة يميل إلى السواد ، ولا يوجد هاشمي بهذا اللون ، بل هو لون عمر بن الخطاب ، قال إنه جاءه من أخواله الأحباش إخوة صهَّاك . أما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقد وصفوه بأنه أحمر ، أي أبيض .
وزعموا : أن علياً كان أعمش العينين ، بينما كانت عيناه عظيمتين جميلتين .
وزعموا : أن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) شكت من شكله فقالت للنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : زوجتنيه أُعيمش عظيم البطن ! فقال لها ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : لقد زوجتكه وإنه لأول أصحابي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً .
وزعموا : أنه قصير القامة وهومعتدل القامة . وقالوا : له سنامٌ كسنام الثور . وقالوا : أحمش الساقين . والحمش صفة لسيقان السود .
وقالوا أنزع الشعر كبير الصلعة ، وهي صفة عمر ، حتى أن امرأة خافت من صلعته فقالت له : ما هذا يا أبا غفر ، حفص الله لك .
وقالوا كان يسيل المذي منه كثيراً ، وإنه وضع في آلته فتيلة ! ( سنن البيهقي : 1 / 356 ) !
وقالوا ، وقالوا . . وتسربت بعض مقولاتهم إلى كتبنا مع الأسف !
4 . قال نصر في كتاب صفين / 233 : ( كان على رجلاً دحداحاً ، أدعج العينين ، كأن وجهه القمر ليلة البدر حُسناً ، ضخم البطن ، عريض المسربة ، شثن الكفين ، ضخم الكسور ، كأن عنقه إبريق فضة ، أصلع ليس في رأسه شعر إلا خفاف
————————— 34 —————————
من خلفه ، لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري ، إذا مشى تكفأ به ومارَ به جسده ، لا تبين عضده من ساعده ، قد أدمجت إدماجاً ، لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس ، وهو إلى السمرة ، أذلف الأنف ، إذا مشى إلى الحرب هرول ، وقد أيده الله بالعز والنصر ) .
5 . وفي حلية الأبرار ( 2 / 394 ) : ( ومما ورد في صفته ( عليه السلام ) ما أورده صديقنا العز المحدث ( الحنبلي الموصلي ) وذلك حين طلب منه السعيد بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ، أن يخرج أحاديث صحاحاً وشيئاً مما ورد في فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وصفاته ، وكتب على أتوار الشمع الاثني عشرالتي حملت إلى مشهده ( عليه السلام ) وأنا رأيتها ، قال : كان ربعة من الرجال ، أدعج العينين ، حسن الوجه ، كأنه القمر ليلة البدر حسناً ، ضخم البطن ، عريض المنكبين ، شئن الكفين ، أغيد كأن عنقه إبريق فضة ، أصلع ، كث اللحية ، لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري ، لا يبين عضده من ساعده قد أدمجت إدماجاً ، إن أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه ، فلم يستطع أن ينفس ، شديد الساعد واليد ، إذا مشى إلى الحرب هرول ، ثبت الجنان ، قوى ، شجاع ، منصور على من لاقاه ) .
6 . وفي الخصال / 440 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : ( بينما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الرحبة والناس عليه متراكمون فمن بين مستفت ومن بين مستعدٍ إذ قام إليه رجل فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته . فنظر إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعينيه هاتيك العظيمتين ثم قال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، من أنت ؟ فقال : أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك قال : ما أنت من رعيتي وأهل بلادي ، ولو سلمت علي يوماً واحداً ما خفيتَ عليَّ ، فقال : الأمان يا أمير المؤمنين ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : هل أحدثت في مصري هذا حدثاً منذ دخلته قال : لا ، قال : فلعلك من رجال الحرب ؟ قال : نعم ، قال : إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس . قال : أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلاً لك أسألك عن شئ بعث فيه ابن الأصفر وقال له : إن كنت أنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد ، فأجبني عما أسألك ، فإنك إذا فعلت ذلك اتبعتك وأبعث إليك بالجائزة ، فلم يكن عنده جواب ، وقد أقلقه ذلك فبعثني إليك لأسألك عنها .
————————— 35 —————————
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : قاتل الله ابن آكلة الأكباد ما أضله وأعماه ومن معه ! والله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوج بها ! حكم الله بيني وبين هذه الأمة ، قطعوا رحمي ، وأضاعوا أيامي ، ودفعوا حقي ، وصغروا عظيم منزلتي . . الخ ) .
7 . وفي كامل ابن الأثير ( 3 / 397 ) : كان من أحسن الناس وجهاً ، لا يغير شيبه ، كثيرالتبسم . قال في جامع الأصول في كتاب النون عند ذكره صفة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : رجل ربعة معتدل القامة بين الطول والقصر . صفاته ( عليه السلام ) مواطئة
لصفات النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ) .
* *
————————— 36 —————————

الفصل الثاني: علي ( عليه السلام ) من طفولته إلى بعثة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

« تميزه ( عليه السلام ) في نشأته وصباه »

روت عامة المصادر تميز أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في ولادته ونشأته . مثل كلامه وهو في المهد ، وقوته البدنية ، وقوة شخصيته . ومهما شكك البعض فإن مجموعها يدل على أن الله تعالى أعطاه كرامات ومعجزات . ( راجع : مناقب آل أبي طالب ( 2 / 120 ) ) .

1 . شاء الله أن يولد في الكعبة :

في أمالي الطوسي / 706 : ( عن الزهري ، عن عائشة . . عن أنس بن مالك والعباس بن عبد المطلب . . وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين . . . وقد تقدم .

2 . كان وهو طفل يفك قماطه :

قال : ثم شدته وقمطته بقماط فبتر القماط ، قال : فأخذت فاطمة قماطاً جيداً فشدته به فبتر القماط ، ثم جعلته في قماطين فبترهما ، فجعلته ثلاثة فبترها ، فجعلته ستة من ديباج وواحداً من الأدم فتمطى فيها فقطعها كلها . . فقال أبو طالب عند ذلك : إنه سيكون له شأن ونبأ ) .

3 . كان محبوب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وخديجة ( عليها السلام ) :

ولما أخذه إلى بيته وهو صغير كانت خديجة ( عليها السلام ) أماً له ، فقد ربته مع أمه ، وأحبته كما أحبه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .

4 . كان ( عليه السلام ) طفلاً فقتل حية قصدته :

في مناقب آل أبي طالب ( 2 / 120 ) : أنه ( عليه السلام ) رأى حية تقصده وهو في المهد شدت يداه في حال
————————— 37 —————————
صغره فحول نفسه فأخرج يده وأخذ بيمينه عنقها وغمزها غمزة حتى أدخل أصابعه فيها وأمسكها حتى ماتت ، فلما رأت ذلك أمه نادت واستغاثت فاجتمع الحشم ، ثم قالت كأنك حيدرة ( لبوة ) . قال الحميري :
ويا من اسمه في الكتب * معروف به حيدر
وسمته به أم * له صادقة المخبر
وقال دعبل :
أبو تراب حيدرة * ذاك الامام القسورة
مبيد كل الكفرة * ليس له مناضل
مبارز ما يهب * وضيغم ما يغلب
وصادق لا يكذب * وفارس محاول
سيف النبي الصادق * مبيد كل فاسق
بمرهف ذي بارق * أخلصه الصياقل

5 . أمسك طفلاً أكبر منه ومنعه من السقوط في البئر :

جابر الجعفي قال : كانت ظئرة علي ( عليه السلام ) التي أرضعته امرأة من بني هلال خلفته في خبائها مع أخ له من الرضاعة وكان أكبر منه سناً بسنة ، وكان عند الخباء قليب فمرالصبي نحوالقليب ونكس رأسه فيه فتعلق ( علي ) بفرد قدميه وفرد يديه ، أما اليد ففي فمه وأما الرجل ففي يديه ، فجاءت أمه فأدركته فنادت في الحي : يا للحي من غلام ميمون أمسك عليَّ ولدي ، فأمسكوا الطفل من رأس القليب وهم يعجبون من قوته وفطنته فسمته أمه : مباركاً . وكان الغلام في بني هلال يعرف بمعلق الميمون ، وولده إلى اليوم ، قال العوني :
واسم أخيه في بني هلال * فاسأل به إن كنت ذا سؤال
معلق الميمون ذا المعالي * بذكره القوم على الليالي

موهبة خُص بها صبيا

————————— 38 —————————

6 . كان يصارع من هم أكبر منه ويصرعهم :

في المناقب : ( كان أبو طالب يجمع ولده وولد إخوته ثم يأمرهم بالصراع ، وذلك خُلُقٌ في العرب ، فكان يحسر عن ذراعيه وهو طفل ويصرع كبار إخوته وصغارهم وبني عمه ، فيقول أبوه : ظهر عليٌّ ، فسماه ظهيراً ، قال العوني :
هذا وقد لقبه ظهيرا * أبوه إذ عاينه صغيرا
يصرع من إخوته الكبيرا * مشمراً عن ساعد تشميرا
تراه عبلاً فتلاً قوياً
فلما ترعرع ( عليه السلام ) كان يصارع الرجل الشديد فيصرعه . ويعلق بالجُبَار بيده ( فسيل النخلة ) ويجذبه فيقلعه . وربما قبض على مراق بطنه ورفعه إلى الهواء .

7 . وكان يعترض الحصان المندفع فيرده :

قال في المناقب ( 2 / 121 ) : ( وربما يلحق الحصان الجاري فيصدمه ، فيرده على عقبيه ) . وهو يدل على قوته البدنية الخارقة ، وسرعته في الجري .

8 . كان يحمل الصخر الثقيل الذي يعجز عنه رجال :

وكان ( عليه السلام ) يأخذ من رأس الجبل حجراً ويحمله بفرد يديه ، ثم يضعه بين يدي الناس ، فلا يقدر الرجل والرجلان والثلاثة على تحريكه . وإنه ( عليه السلام ) لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنَفَسه ، فلم يستطع أن يتنفس !

9 . ثم كان يقطع الأسطوانة من الجبل ويحملها :

قال في المناقب ( 2 / 121 ) : ( ومنه ما ظهر بعد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قطع الأميال وحملها إلى الطريق ، سبعة عشر ميلاً تحتاج إلى أقوياء حتى تحرك ميلاً منها . قطعها وحده ونقلها ونصبها ، وكتب عليها هذا ميل علي . ويقال إنه كان يتأبط باثنين ويدير واحداً برجله ) .
وفي كتاب المراتب للبستي ( 1 / 140 ) : ( ما ظهر عليه بعد الرسول ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : فمنه قطع الأميال من الجبل ، وحملها إلى الطريق سبعة عشر ميلاً ، يحتاج إلى أقوياء حتى تحرك ميلاً ميلاً ، فقلعها ، ونقلها ، ونصبها ، وكتب عليها : هذا ميل علي ( عليه السلام ) ) .
أقول : الأميال : الأسطوانات الحجرية التي هي علامات الطريق بين المدينة ومكة ، وبين
————————— 39 —————————
مكة وعرفات ، وهذا يدل على أنه ( عليه السلام ) جددها أو أبدلها بأميال أوضح . فكان يقطع الصخر من الجبل على شكل أسطوانة بطول ثلاثة أذرع ، وينقله إلى مكانه ، فيحمل ميلين منها تحت إبطه ، أو على كتفيه ، ويدفع الثالث برجله !
قال الأزرقي في تاريخ مكة ( 2 / 190 ) : ( عدد الأميال من المسجد الحرام إلى موقف الإمام بعرفة وذكر مواضعها . . والميل حجر طوله ثلاثة أذرع ) .
وفي قاموس الكتاب المقدس / 292 ) : ( وفي العصور الرومانية كانت تقام معالم الأميال الحجرية على الطرق العامة الرئيسية ، كما على الطريق مثلاً بين صور وصيداء ، وبين بيلا وجيراسا ، حيث لا تزال هذه ترى هناك ) .
ويطلق الميل على المسافة ، قال العلامة في النهاية ( 2 / 169 ) : ( الفرسخ : ثلاثة أميال إجماعاً ، والميل الهاشمي منسوب إلى هاشم جد رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أربعة آلاف خطوة واثني عشر ألف قدم ، لأن كل خطوة ثلاثة أقدام ، وهو أيضا أربعة آلاف ذراع ، لأن المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السيرالعام ) .

10 . وكان يضرب الصخر بيده فتؤثر فيه :

قال في المناقب ( 2 / 121 ) : ( وكان منه في ضرب يده في الأسطوانة حتى دخل إبهامه في الحجر وهو باق في الكوفة . وكذلك مشهد الكف في تكريت والموصل وقطيعة الدقيق ، وغير ذلك ) . ولا بد أن بني أمية أزالوه .

11 . ويضرب الصخر بسيفه فيشق فيه :

( ومنه أثر سيفه في صخرة جبل ثور ، عند غار النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وأثر رمحه في جبل من جبال البادية ، وفي صخرة عند قلعة خيبر ) .

12 . ويختم الحصى بخاتمه :

ومنه ختم الحصى قال ابن عباس : صاحب الحصاة ثلاثة : أم سُليم وارثة الكتب طبع في حصاتها النبي والوصي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، ثم أم الندى حبابة بنت جعفر الوالبية الأسدية ، ثم أم غانم الأعرابية اليمانية ، وختم في حصاتها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) . وذلك مثل ما رويتم أن سليمان كان يختم على النحاس للشياطين ، وعلى الحديد
————————— 40 —————————
للجن ، فكان كل من رأى برقه أطاعه ) .

13 . جاءكم قُضَم ، جاءكم قُضَم :

كان النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بعد هلاك المستهزئين ربما ذهب إلى المسجد وحده بدون حراسة ، فحركوا عليه أولادهم ليؤذوه في طريق ذهابه أو عودته !
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « أغروا به الصبيان ، وكانوا إذا خرج يرمونه بالحجارة والتراب ، فشكى ذلك إلى علي فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله إذا خرجت فأخرجني معك ، فخرج رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ومعه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فتعرض الصبيان لرسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كعادتهم فحمل عليهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم ( يفركها بقوة ) ! فكانوا يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون : قضمنا عليٌّ ، قضمنا علي ! فسمي لذلك : القضيم » . ( تفسير القمي ( 1 / 114 ) .
« كانت قريش إذا رأته قالت : إحذروا الحطم ، إحذروا القضم ! أي الذي يقضم الناس فيهلكهم » . ( نهاية ابن الأثير : 1 / 402 ، و : 4 / 78 ) . وفي أدب الكاتب لابن قتيبة / 171 : « الخضم بالفم كله ، والقَضْمُ بأطراف الأسنان . قال أبوذَرّ ( رحمه الله ) :
تَخْضِمُونَ وَنَقْضَمُ ، والمَوْعِدُ الله » .
وفي أحُد لما دعا طلحة حامل لواء المشركين إلى المبارزة ، فبرز اليه علي ( عليه السلام ) ، قال له : ( قد علمتُ يا قُضَيْم أنه لايَجسر عليَّ أحد غيرك ) !

14 . كان قبل البعثة يذهب مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى الشعاب ويصليان :

في الهداية الكبرى / 65 : ( كان يخرج وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما في كل ليلة إلى الشعاب فيصليان فيها سراً من قريش ومن الناس ، وكانت خديجة تخاف عليهما أن تقتلهما قريش ، فجاءت إلى أبي طالب فقالت له : إني لست آمن على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وعلى علي من قريش أن يقتلوهما ، فاني أراهما يذهبان في بعض تلك الشعاب يصليان . فأتاهما أبو طالب وقال لهما : إني أعلم أن هذا الأمر سيكون له آخر ، وأن هذا الذي أنتما عليه لدين الله ، وإني أعلم أنكما على بينة من ربكما فاتقيا قريشاً ، فوالله ما أخاف عليكما إلا من قريش خاصة ، وما أنتما بكاذبين ولكن القوم يحسدونكما ، والذي دعوتما إليه عظيم
————————— 41 —————————
عندهم ، وإنما تريدان أن تقلباهم عن دينهم ودين آبائهم إلى دين لا يعرفونه ، ويستعظمون ما تدعوانهم إليه . فقال النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : لأملكن رقابهم ، ولأطأن بلادهم بالخيل ، ولتُسلمن قريش والعرب طوعاً أو كرهاً ، ولأقطعن أكابرهم جهراً ، ولآخذنهم بالسيف عُنْوةً ، وهكذا أخبرني جبريل ( عليه السلام ) عن الله عز وجل !
فرجع أبو طالب من تلك الشعاب من عندهما وهو من أسرِّالناس بما أخبره النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) . وأتى خديجة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأخبرها بذلك ففرحت فرحاً شديداً وسُرَّت ، وعلمت أنهما في حفظ الله عز وجل ، فكان هذا من دلائله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ) .

15 . صلى مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أربع سنوات قبل البعثة وثلاثاً بعدها :

روى الحاكم ( 3 / 112 ) بسند صحيح على شرط الشيخين عن علي ( عليه السلام ) أنه قال :
« أنا عبد الله وأخو رسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر ، لقد صليت قبل الناس بسبع سنين » . والخصال / 401 ، ومناقب ابن سليمان : 1 / 260 و 275 .
وروى عن أنس قال : « نُبَّئ النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يوم الاثنين ، وأسلم علي يوم الثلاثاء » . ونص حديث أهل‌البيت ( عليهم السلام ) على أن جبرئيل ( عليه السلام ) جاء إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في سن السابعة والثلاثين وأخبره بأنه سيكون رسولاً ، وعلمه الوضوء والصلاة ، فأخبرخديجة وعلياً ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فصدقاه ، وكانا يصليان معه .
وفي إعلام الورى ( 1 / 102 ) : « ذكر علي بن إبراهيم بن هاشم ، وهو من أجلِّ رواة أصحابنا في كتابه : أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لما أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأن آتياً أتاه فيقول : يا رسول الله ، فينكر ذلك ، فلما طال عليه الأمر وكان بين الجبال يرعى غنماً لأبي طالب فنظر إلى شخص يقول له : يا رسول الله ، فقال له : من أنت ؟ قال : جبرئيل ، أرسلني الله إليك ليتخذك رسولاً فأخبر رسول الله خديجة بذلك ، وكانت خديجة قد انتهى إليها خبر اليهودي وخبر بحيراء ، وما حدثت به آمنة أمه ، فقالت : يا محمد إني لأرجو أن تكون كذلك . وكان رسول الله يكتم ذلك ، فنزل عليه جبرئيل وأنزل عليه ماء من السماء فقال : يا محمد قم توضأ للصلاة ، فعلمه جبرئيل الوضوء على الوجه واليدين من المرفق ومسح
————————— 42 —————————
الرأس والرجلين إلى الكعبين ، وعلمه السجود والركوع .
فلما تم له أربعون سنه أمره بالصلاة وعلمه حدودها ، ولم ينزل عليه أوقاتها ، فكان رسول الله يصلي ركعتين ركعتين في كل وقت ، وكان علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يألفه ويكون معه في مجيئه وذهابه لا يفارقه ، فدخل على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وهو يصلي فلما نظر إليه يصلي قال : يا أبا القاسم ما هذا ؟ قال : هذه الصلاة التي أمرني الله بها ، فدعاه إلى الإسلام فأسلم وصلى معه وأسلمت خديجة ، فكان لا يصلي إلا رسول الله وعلي وخديجة خلفه . فلما أتى لذلك أيام دخل أبو طالب إلى منزل رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ومعه جعفر ، فنظر إلى رسول الله وعلي بجنبه يصليان ، فقال لجعفر : يا جعفر صِلْ جناح ابن عمك ، فوقف جعفر بن أبي طالب من الجانب الآخر ، فلما وقف جعفر على يساره بدر رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من بينهما وتقدم » . وقصص الأنبياء ( عليهم السلام ) / 315 ، والمناقب ( 1 / 41 ) وكشف الغمة ( 1 / 86 ) وفيه : « أنشأ أبو طالب في ذلك يقول :
إن علياً وجعفراً ثقتي * عند ملم الزمان والكربِ
والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بنيَّ ذو حسبِ
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي »
وفي الفوائد لأبي الفتح الكراجكي / 116 : « كان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في ابتداء طروق الوحي إليه كلما هتف به هاتف ، أو سمع من حوله رجفة راجف ، أو رأى رؤياً أو سمع كلاماً ، يخبر بذلك خديجة وعلياً ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ويستسرهما هذه الحال ، فكانت خديجة تثبته وتصبره ، وكان علي يهنيه ويبشره ويقول له : والله يا ابن العم ما كذب عبد المطلب فيك ، ولقد صدقت الكهان فيما نسبته إليك ، ولم يزل كذلك إلى أن أُمر ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بالتبليغ فكان أول من آمن به من النساء خديجة ، ومن الذكور أمير المؤمنين علي » .
وفي الاستغاثة ( 2 / 31 ) : ( أجمعوا في الرواية أن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال في غير موضع : والله لقد صليت قبل كل أحد مع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، سبع سنين ) .
ولعله يقصد أربع سنين قبل البعثة وثلاثاً بعدها ، حتى أمر الله نبيه بالدعوة العامة . وطرق هذا الحديث في مصادر الطرفين تصل إلى التواتر ، ومن مصادره ابن ماجة ( 1 / 44 ) وصححه .
————————— 43 —————————
ومجمع الزوائد ( 9 / 102 ) بعدة روايات ، وابن أبي شيبة ( 7 / 498 ) والضحاك في الآحاد والمثاني ( 1 / 148 ) وابن أبي عاصم في السنة / 584 ، وتفسير الثعلبي ( 5 / 85 ) والطبري في الرياض النضرة ( 2 / 209 ) والنسائي في السنن ( 5 / 106 و 107 ) . والخطيب في المتفق ( 3 / 141 ) . وتاريخ دمشق ( 42 / 39 ) . ورد ابن حجر في القول المسدد / 102 ، كلام َ الذهبي !
ورواه في شرح النهج ( 13 / 200 و 228 ) عن الطبري وقال : وفي غير رواية الطبري : أنا الصديق الأكبر ، وأنا الفاروق الأول ، أسلمت قبل إسلام أبي‌بكر ، وصليت قبل صلاته بسبع سنين . كأنه ( عليه السلام ) لم يرتض أن يذكر عمر ولا رآه أهلاً للمقايسة بينه وبينه ، وذلك لأن إسلام عمر كان متأخراً » !
ولم يتركوا هذه المنقبة لعلي حتى دسوا فيها الطعن بأبيه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) !
ففي مسند أحمد : 1 / 99 ، عن حبة العرني قال : « رأيت علياً رضي الله عنه ضحك على المنبر ، لم أره ضحك ضحكاً أكثر منه حتى بدت نواجذه ! ثم قال : ذكرت قول أبي طالب ! ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ونحن نصلي ببطن نخلة فقال : ماذا تصنعان يا ابن أخي ؟ فدعاه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى الإسلام فقال : ما بالذي تصنعان بأس أو بالذي تقولان بأس ، ولكن والله لا تعلوني إستي أبداً ! وضحك تعجباً لقول أبيه » .
والطيالسي / 26 ، ومسند زيد / 405 ، وتاريخ دمشق : 42 / 32 . و : 66 / 313 .
أقول : إن مقولة ( لا تعلوني إستي ) قالها مشركوا قريش وثقيف ، وهي تدل على عامية وتكبرٍ بدوي ! ثم ألصقوها بأبي طالب بغضاً بعلي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
أقول : كأن الله تعالى أمر رسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أن يذهب إلى الشعاب ليصلي فيها تحت السماء ، وقد يكون لغرض آخر مع الصلاة ، مثل تنزل الملائكة ، أو الالتقاء بالمؤمنين .

16 . افتقد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) علياً أيام الهجرة ، فخرجت خديجة ( عليها السلام ) تبحث عنه :

في شرح الأخبار ( 2 / 205 ) ( عن معاذ بن جبل ، قال : لما فشى أمر رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بمكة وأسلم من أسلم من المسلمين ، ووثب عليهم قومهم يعذبونهم ليفتنوهم عن دينهم ، وأذن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لهم في الهجرة ، فهاجر من خاف
————————— 44 —————————
من قومه على نفسه وتفرقوا في البلدان ، وأقام مع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من حماه قومه ،
افتقد علياً ( عليه السلام ) ذات يوم فلم يعلم مكانه حتى أمسى فاشتد غمه به ، فرأت أثر الغم عليه خديجة رضوان الله عليها فقالت : يا رسول الله ما هذا الغم الذي أراه عليك ؟ قال ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : غاب علي منذ اليوم فما أدري ما صنع به ، وقد أعطاني الله عز وجل فيه ثلاثاً في الدنيا ، وثلاثاً في الآخرة : لا أخاف معها عليه أن يموت ولا يقتل حتى يعطيني الله موعده إياي ، إلا أني أخاف عليه واحدة . قالت : يا رسول الله ، وما الثلاث الذي أعطاكها الله في الدنيا ؟ وما الثلاث الذي أعطاكها الله في الآخرة ، وما الواحدة التي تخشاها عليه ؟ قال : يا خديجة ، إن الله عز وجل أعطاني في علي لدنياي أنه يَقتل أربعة وثمانين مبارزاً قبل أن يموت أو يقتل ، وأنه يواري عورتي عند موتي ، وأنه يقضي ديني وعداتي من بعدي . وأعطاني في علي لآخرتي أنه صاحب مفتاحي يوم أفتح أبواب الجنة ، وأنه صاحب لوائي يوم القيامة ، وأنه صاحب حوضي . والتي أخافها عليه : ضغائن له في قلوب قوم ! فخرجت خديجة في الليل تلتمس خبر علي فوافقته ، فأعلمته باغتمام رسول الله بغيبته وألفته مقبلاً إليه فسبقته تبشره ، فقام قائماً فحمد الله تعالى رافعاً يديه » .
وفي مناقب محمد بن سليمان ( 1 / 304 ) : أنها أعطته بعيرها ليأتي إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فلم يقبل وقال : بل إمضي فأخبري رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأنا قادم على أثرك . قالت خديجة : فمضيت فأخبرت رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فإذا هو قائم يقول : اللهم فرج غمي بأخي علي ، فإذا بعلي قد جاء فتعانقا . قالت خديجة : ولم أكن أجلس إذا كان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قائماً ، فما افترقا متعانقين حتى ضربتا عليَّ قدماي » .
أي تعبت قدماي من الوقوف وأنا أنتظر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وهو واقف معانقٌ علياً ( عليه السلام ) يتحدث معه .

17 . كان مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في حراء لما بعثه الله تعالى :

قال علي ( عليه السلام ) في الخطبة التي تسمى القاصعة : « ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة . ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنة ؟ فقال : هذا الشيطان أيس من
————————— 45 —————————
عبادته ، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ، ولكنك وزير ، وإنك لعلى خير » . « نهج البلاغة : 2 / 157 » .
أقول : يشير ذلك إلى أن علياً ( عليه السلام ) كان مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) عند بعثته . وقد رووا أن أهله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كانوا معه في غار حراء لما بعث . قال الجاحظ في العثمانية / 305 : « فجاور في حراء في شهر رمضان ، ومعه أهله خديجة ، وعلي بن أبي طالب ، وخادم » .
وفي السيرة الحلبية : 1 / 383 : « كان يخرج لجواره ومعه أهله ، أي عياله التي هي خديجة ، إما مع أولادها ، أو بدونهم » .
وفي دلائل البيهقي : 2 / 14 ، وإمتاع الأسماع : 3 / 24 : « وخرج معه بأهله » .
لكن رواية البخاري « 8 / 67 » غيبت علياً وخديجة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ! قال : « عن عائشة . . فكان يأتي حراء فيتحنث فيه ، وهو التعبدالليالي ذوات العدد ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة ، فتزوده لمثلها » .

18 . كان عقيل يظلم علياً ( عليه السلام ) في طفولته فيشترط أن يداووه قبله :

روى الصدوق الإعتقادات / 105 ، أن علياً ( عليه السلام ) قال : ( ما زلت مظلوماً منذ ولدتني أمي ، حتى أن عقيلاً كان يصيبه الرمد فيقول : لا تذرُّوني حتى تذرُّوا علياً ، فيذرُّوني وما بي رمد ) !
وفي الغارات للثقفي ( 2 / 768 ) : ( ما زلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حتى يوم الناس هذا . وقوله ( عليه السلام ) : اللهم اجز قريشاً فإنها منعتني حقي وغصبتني أمري .
وقوله ( عليه السلام ) : فجزى قريشاً عني الجوازي فإنهم ظلموني حقي واغتصبوني سلطان ابن أمي . وقوله ( عليه السلام ) : وقد سمع صارخاً ينادي : أنا مظلوم فقال : هلم فلنصرخ معاً فإني ما زلت مظلوماً . وقوله ( عليه السلام ) : وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى . وقوله ( عليه السلام ) : أرى تراثي نهباً . وقوله : أصغَيَا بإنائنا وحملا الناس على رقابنا . وقوله ( عليه السلام ) : إن لنا حقاً إن نعطه نأخذه ، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى .
وقوله ( عليه السلام ) : ما زلت مستأثَراً عليَّ مذعوفاً عما أستحقه وأستوجبه .
————————— 46 —————————

الفصل الثالث: علي ( عليه السلام ) من البعثة إلى الهجرة

1 . علي ( عليه السلام ) أول من أسلم وآمن بالنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

1 . علي ( عليه السلام ) أول من أسلم وآمن بالنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )
تقدم قول علي ( عليه السلام ) متواتراً : « صليت قبل الناس بسبع سنين » « الحاكم : 3 / 111 » .
وقال ابن عبد البر « الإستيعاب : 3 / 1095 » : « عن أنس بن مالك قال : استنبئ النبي يوم الاثنين وصلى عليٌّ يوم الثلاثاء . وقال زيد بن أرقم : أول من آمن بالله بعد رسول الله علي بن أبي طالب » . وحسَّنَه في الزوائد : 9 / 274 : « أسلم زيد بن حارثة بعد علي ، فكان أول من أسلم بعده » . والطبراني الكبير : 5 / 84 ، والطبري : 2 / 60 ، وتهذيب الكمال : 5 / 52 ، وسير الذهبي : 1 / 216 .
وقال ابن هشام ( 1 / 163 ) : « وكان أول ذكر أسلم وصلى علي بن أبي طالب رضي الله عنهما » . وسير الذهبي : 1 / 13 ، وتاريخ دمشق : 19 / 353 .
وفي الترمذي ( 5 / 304 ) : « بُعث النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يوم الاثنين ، وصلى وعليٌّ ( عليه السلام ) يوم الثلاثاء » !
وفي الأحوذي « 10 / 160 » : « أول من أسلم من الذكور هو علي » .
لكن علماء السلطة بعد القرن الخامس أنكروا أن علياً ( عليه السلام ) أول من أسلم !
قال ابن الصلاح في مقدمته / 178 : « قال الحاكم : لا أعلم خلافاً بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب أولهم إسلاماً . واستُنكر هذا من الحاكم » !
قال في الصحيح من السيرة « 2 / 315 » : « إن أول من أسلم واتبع وصدق وآزر وناصر ، هو أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى أبنائه الأئمة الطاهرين . وأورد العلامة الأميني ( 3 / 95 ) أقوالاً لعشرات الصحابة والتابعين وغيرهم من الأعلام ، وعشرات من المصادر غير الشيعية ، تؤكد أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هو أول الأمة إسلاماً » .
————————— 47 —————————
وقال المناوي في فيض القدير ( 4 / 468 ) : « علي أخي في الدنيا والآخرة : كيف وقد بُعث رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يوم الاثنين فأسلم وصلى يوم الثلاثاء ، فمكث يصلي مستخفياً سبع سنين ، كما رواه الطبراني عن أبي رافع . وفي أوسط الطبراني عن جابر مرفوعاً : مكتوب على باب الجنة : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي أخو رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي سنة ! عن أبي أمامة أن النبي آخى بين الناس ، وآخى بينه وبين علي . قال الإمام أحمد : ما جاء في أحد من الفضائل ما جاء في علي !
والعجب كل العجب من ابن حجر الذي يعرف حديث الدار وإنذار العشيرة الأقربين في أول البعثة ، وأن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أعلن علياً ( عليه السلام ) أخاه ووزيره ووصيه ، ويعرف الأحاديث الصحيحة المتقدمة في خلق نورالنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ونور علي ( عليه السلام ) قبل الخلق ، ويعرف حديث النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) الصحيح أن الملائكة صلت عليه وعلى علي سبعاً ! وقول علي ( عليه السلام ) : « أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذاب ! صليت قبل الناس لسبع سنين » . وأنه صحيح بشرط الشيخين !
ويعرف أنه لا يوجد حديث في أن أبا بكر أول من أسلم إلا ما نسبوه إلى عمار ! وقد صرح هو في « فتح الباري : 7 / 130 » بأن البخاري لم يجد حديثاً في أن أبا بكر أسلم أولاً إلا ما نسبه إلى عمار فقال : « اكتفى بهذا الحديث لأنه لم يجد شيئاً على شرطه غيره ، وفيه دلالة على قدم إسلام أبي‌بكر ، إذ لم يذكر عمار أنه رأى مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من الرجال غيره » !
ومع كل ذلك أفتى ابن حجر بأولية إسلام أبي‌بكر بحديث مبهم ، وردَّ الأحاديث القوية ، فقال : « قد اتفق الجمهور على أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال » . يقصد بالجمهور أتباع السلطة فقط ، مع أن اتفاقهم تم في القرن الخامس ، وكان الاتفاق قبلها على أولية علي ( عليه السلام ) !
أما روايات أهل‌البيت ( عليهم السلام ) فأجمعت على أن علياً وخديجة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أول من أسلم ، ومنها رواية اليعقوبي « 2 / 22 » : « أتاه جبريل ( عليه السلام ) وأعلمه أنه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وبلغه
————————— 48 —————————
عن الله وعلمه : إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . فأراه الوضوء فتوضأ رسول الله كما توضأ جبريل ثم صلى ليريه كيف يصلي فصلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) . ثم أتى خديجة ابنة خويلد ( عليها السلام ) فأخبرها فتوضأت وصلت ، ثم رآه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ففعل كما رآه يفعل ، ثم زيد بن حارثة ، ثم أبو ذر » .
وفي روضة الواعظين / 85 : « قال أبو رافع : صلى النبي غداة الاثنين ، وصلت خديجة آخر نهار يوم الاثنين ، وصلى علي يوم الثلاثاء » .
وروى ابن طاووس في كتاب الطرف / 5 ، والبحار « 65 / 392 » عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : إنهما أسلما لما دعاهما رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : يا علي ويا خديجة أسلمتما لله وسلَّمتما له ؟ وقال : إن جبرئيل عندي يدعوكما إلى بيعة الإسلام ، فأسلما تسلما وأطيعا تُهديا ، فقالا : فعلنا وأطعنا يا رسول الله ، فقال : إن جبرئيل عندي يقول لكما : إن للإسلام شروطاً ومواثيق ، فابتداؤه بما شرط الله عليكما لنفسه ولرسوله أن تقولا : نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، أرسله إلى الناس كافة بين يدي الساعة ، ونشهد أن الله يحيي ويميت ويرفع ويضع ويغني ويفقر ويفعل ما يشاء ، ويبعث من في القبور . قالا : شهدنا . قال : وإسباغ الوضوء على المكاره واليدين والوجه والذراعين ، ومسح الرأس ومسح الرجلين إلى الكعبين ، وغسل الجنابة في الحر والبرد ، وإقام الصلوات ، وأخذ الزكوات من حلها ووضعها في أهلها ، وحج البيت ، وصوم شهر رمضان ، والجهاد في سبيل الله ، وبر الوالدين ، وصلة الرحم ، والعدل في الرعية ، والقسم في السوية ، والوقوف عند الشبهة إلى الإمام ، فإنه لا شبهة عنده ، وطاعة ولي الأمر بعدي ومعرفته في حياتي وبعد موتي ، والأئمة من بعده واحداً فواحداً ، وموالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله ، والبراءة من الشيطان الرجيم وحزبه وأشياعه . والحياة على ديني وسنتي ودين وصيي وسنته ، إلى يوم القيامة ، والموت على مثل ذلك ، غير شاقة لأمانته ولامتعدية ولامتأخرة عنه ، وترك شرب الخمر ، وملاحاة الناس .
يا خديجة فهمت ما شرط عليك ربك ؟ قالت : نعم وآمنت وصدقت ورضيت وسلمت . قال علي : وأنا على ذلك . فقال : يا علي تبايع على ما شرطت عليك ؟ قال : نعم » .
————————— 49 —————————

2 . المأمون يشهد أن علياً وأولاده ( عليهم السلام ) خلوٌ من الناس :

جمع المأمون الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والفلاسفة ، وناظرهم في أن علياً هو خليفة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وليس أبا بكر . ومما احتج به أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) دعاه إلى الإسلام قبل بلوغه ولم يدع صبياً غيره لأنه لا تصح دعوة الصبيان ، وكانت دعوته له بأمر الله تعالى ولم يتَكلَّف ذلك من نفسه ، فإن الله يقول : وَمَا أنَا مِنَ المُتَكَلفِّين ! وهذا يعني أن علياً وهو صغير السن كبير ، تمييزاً له عن الخلق ليُعرف مكانه وفضله ، ثم كان المأمون يقول : ( ويحكم إن أهل هذا البيت خِلْوٌ ( غير ) من هذا الخلق ! أوَمَا علمتم أن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بايع الحسن والحسين وهما صبيان غير بالغين ولم يبايع طفلاً غيرهما ! أَوَمَا علمتم أن علياً آمن بالنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وهو ابن عشر سنين ، فقبل الله ورسوله منه إيمانه ولم يقبل من طفل غيره ، ولا دعا النبي طفلاً غيره إلى الإيمان ! أوَمَا علمتم أنها ذرية بعضها من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم ) ! ( الإختصاص / 98 ) .
وقد روى مناظرات المأمون للعلماء ابن عبد البر في العقد الفريد ( 2 / 240 ) والصدوق في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ( 2 / 199 ) وروى أن الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان يقول لأصحابه الذين يثق بهم : لا تغتروا منه بقوله ، فما يقتلني والله غيره ! ومعناه أن المأمون متناقض ، فهو يناظرالعلماء في فضل علي وأولاده الأئمة ( عليهم السلام ) ، ثم يقتل الإمام الرضا لخوفه من تفاقم شعبيته !
وقد تضمنت مناظرات المأمون إبطال خلافة غيرعلي ( عليه السلام ) ، وعدم جواز تلقي الدين من غيره . قال محمد بن يحيى بن عمران الأشعري : فسكت القوم فقال لهم : لم سكتم ؟ قالوا : لا ندري ما تقول ؟ قال : تكفيني هذه الحجة عليكم . قال : فخرجنا متحيرين خجلين . ثم نظرالمأمون إلى الفضل بن سهل فقال : هذا أقصى ما عند القوم ، فلايظن ظان أن جلالتي منعتهم من النقض عليَّ ) !

3 . علي ( عليه السلام ) الحارس الخاص للنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وعمره إحدى عشرة سنة :

أوردنا في سيرة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في قصة إسلام أبي ذر ( رحمه الله ) أنه جاء إلى مكة وطلب
————————— 50 —————————
من أبي طالب أن يوصله إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فحقق معه وأخره يوماً ويومين حتى اطمأن بصدقه ، ثم أخذه إلى بيت فيه حمزة فحقق معه ، ثم أخذه إلى بيت فيه جعفر فحقق معه ، قال أبو ذر : ( فدفعني إلى بيت فيه علي سلمت وجلست فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم ؟ قال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ، ولا يأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ قال فشهدت فدفعني إلى بيت فيه رسول الله فسلمت وجلست فقال لي رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : ما حاجتك ؟ قلت : النبي المبعوث فيكم ؟ قال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه ولايأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فقال لي رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : يا أبا ذر انطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات وليس له وارث غيرك ، فخذ ماله وأقم عند أهلك حتى يظهر أمرنا » !
أما البخاري « 4 / 241 » فروى القصة عن ابن عباس ، وفيها : « حتى أمسى فعاد إلى مضجعه فمر به عليٌّ فقال : أما آن للرجل أن يعلم منزله ! فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ ! حتى إذا كان يوم الثالث فعاد على عليٍّ مثل ذلك فأقام معه ، ثم قال : ألا تحدثني ما الذي أقدمك ؟ قال : إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدنني فعلت ، ففعل فأخبره ، قال : فإنه حق وهو رسول الله ، فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك ، فقمت كأني أريق الماء ، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي ففعل ، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ودخل معه ، فسمع من قوله وأسلم مكانه ، فقال له النبي : إرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري ) .
ومعنى روايتنا : أن علياً كان وهو ابن إحدى عشرة سنة أو نحوها ، الحلقة الأمنية الرابعة في حراسة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) . ومعنى رواية البخاري : أنه ( عليه السلام ) استضاف أبا ذر في بيته ، ولما اطمأن إلى صدقه ، أخذه إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فأسلم . وكلاهما كرامة لعلي ( عليه السلام ) .

4 . اتخذه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) علياً ( عليه السلام ) وزيراً وهو صبي فوجبت طاعته على الصحابة :

فقد أمره الله أن يدعو بني هاشم ، وأنزل عليه : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ . فجمعهم وكانوا
————————— 51 —————————
أربعين رجلاً ، ودعاهم إلى الإسلام ، واختار منهم وزيره ووصيه وخليفته ، كما أمره ربه .
قال المفيد ( رحمه الله ) في الإرشاد « 1 / 49 » : « أجمع على صحته نُقاد الآثار ، حين جمع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بني عبد المطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلاً يومئذ ، يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً فيما ذكره الرواة ، وأمر أن يُصنع لهم فخذ شاة مع مُد من البُر ، ويُعَدَّ لهم صاعٌ من اللبن ، وقد كان الرجل منهم معروفاً بأكل الجذعة « الذبيحة » في مقام واحد ، ويشرب الفَرْق « السطل » من الشراب في ذلك المقام . وأراد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بإعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم ، إظهارالآية لهم في شبعهم وريهم مما كان لا يشبع الواحد منهم ولا يرويه . ثم أمر بتقديمه لهم ، فأكلت الجماعة كلها من ذلك اليسير حتى تملَّوْا منه ، فلم يبن ما أكلوه منه وشربوه فيه فبهرهم بذلك ، وبين لهم آية نبوته وعلامة صدقه ببرهان الله تعالى فيه . ثم قال لهم بعد أن شبعوا من الطعام ورووا من الشراب : يا بني عبد المطلب ، إن الله بعثني إلى الخلق كافة ، وبعثني إليكم خاصة ، فقال عز وجل : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان ، تملكون بهما العرب والعجم ، وتنقاد لكم بهما الأمم ، وتدخلون بهما الجنة ، وتنجون بهما من النار ، شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه وعلى القيام به ، يكن أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي . فلم يجب أحد منهم ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : فقمت بين يديه من بينهم وأنا إذ ذاك أصغرهم سناً وأحمشهم ساقاً وأرمصهم عيناً ، فقلت : أنا يا رسول الله أؤازرك على هذا الأمر . فقال : أجلس ، ثم أعاد القول على القوم ثانية فأُصمتوا ، وقمت فقلت مثل مقالتي الأولى ، فقال : أجلس . ثم أعاد على القوم مقالته ثالثةً فلم ينطق أحد منهم بحرف ، فقلت : أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر ، فقال : أجلس ، فأنت أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي . فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب : يا أبا طالب ليهنك اليوم إن دخلت في دين ابن أخيك ، فقد جعل ابنك أميراً عليك ! وهذه منقبة جليلة
————————— 52 —————————
اختص بها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولم يشركه فيها أحد من المهاجرين الأولين ولا الأنصار ، ولا أحد من أهل الإسلام ، وليس لغيره عِدْلٌ لها من الفضل ، ولامقاربٌ على حال » .
أقول : روت حديث الدار عامة المصادر ، وصححه علماء الجرح والتعديل ، وألفوا فيه كتباً وفصولاً ، لكن أتباع الحكومات أفتوا بأنه يجب إنكاره ، لأنه يكشف بطلان خلافة غير علي ( عليه السلام ) !
فقد طلب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من بني هاشم أن يؤمنوا به ، وأن يبايعه رجل منهم على نصرته والتفرغ معه للدعوة ، فيتخذه وزيراً وأخاً ووصياً وخليفةً ، فأعلن عليٌّ ( عليه السلام ) قبوله فأعلنه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وزيراً وخليفة ، وأخبربذلك أنه يعيش بعده !
وقد رواه الطبري ( 2 / 62 ) بصيغته الصحيحة ، قال : ( لما نزلت هذه الآية على رسول الله : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين ، دعاني رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال لي يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين . . فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رِجل شاة واملأ لنا عِسَّاً من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به ، فلما وضعته تناول رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حذية من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصفحة ، ثم قال : خذوا بسم الله ، فأكل القوم حتى مالهم
————————— 53 —————————
بشئ حاجة ، وما أرى إلا موضع أيديهم ، وأيم الله الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم ، ثم قال : إسق القوم ، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا منه جميعاً ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله . فلما أراد رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لقد سحركم صاحبكم ، فتفرق القوم ، ولم يكلمهم رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
فقال الغد : يا علي إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ، ثم اجمعهم إليَّ . قال ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى ما لهم بشئ حاجة ، ثم قال إسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعاً ، ثم تكلم رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيكم يوازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثم قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا . قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ) ! ورواه برواية أخرى وفيها : فأيكم يبايعني على أن يكون كذا وكذا !
وفي الإرشاد : 1 / 49 ، ومسند الشاميين : 2 / 66 : « فمن يجيبني إلى هذا الأمرويؤازرني عليه وعلى القيام به ، يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » .
وهو يدل على أنه طلب منهم من يتفرغ معه للدعوة ، فأجابه علي ( عليه السلام ) فأوجب طاعته وهو صغيرالسن على جميع المسلمين ! لكنهم أخفوا منه خلافة علي ( عليه السلام ) ، فرواه ابن كثير في النهاية ( 3 / 53 ) : ( فقال : إن هذا أخي وكذا وكذا . . فاسمعوا له وأطيعوا ) . ورواه بعضهم كاملاً سليماً ، راجع : ابن إسحاق ، والنسائي ، والبزار ، وسعيد بن منصور ، والطبراني في الأوسط ، والحاكم في المستدرك ، وابن حنبل في مسنده ، وابن مردويه ، وأبي حاتم ، والطحاوي ، وأبي نعيم ، والبغوي ، والمقدسي ، وابن عساكر ، والبيهقي في الدلائل . الخ .
ومن أعمال الوهابيين لإخفاء هذا الحديث أن محمد حسنين هيكل أورده سليماً في كتابه : حياة محمد ، في الطبعة الأولى / 104 ، ثم حرفه في الطبعة الثانية / 139 ، إجابةً لطلب الوهابية ، لقاء شرائهم ألف نسخة من كتابه بخمس مائة جنيه ! « راجع : فلسفة التوحيد والولاية / 179 للشيخ محمد جواد مغنية » .
————————— 54 —————————

5 . اتخذه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وصياً فكان نبأ عظيماً أغضب قريشاً :

كان خبر بعثة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يدوي في أندية قريش ، فجاءهم خبر اجتماع بني هاشم وأن محمداً ( ( صلى الله عليه وآله ) ) طلب منهم وزيراً يبايعه على نصرته ، فاستجاب له ابن عمه علي فاتخذه وزيراً ووصياً وخليفة ! فرأوا ذلك نبأً عظيماً يؤكد أن نبوة بني هاشم مشروع لحكم العرب ، ولذا يجب قتل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) !
ففي المناقب « 2 / 276 » عن تفسيرالقطان ، بسند صحيح عندهم ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي قال :
« أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : يا محمد هذا الأمر بعدك لنا أم لِمَنْ ؟ قال : يا صخر ، الأمر بعدي لمن هو بمنزلة هارون من موسى ! قال : فأنزل الله تعالى : عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ العَظِيمِ . الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ . منهم المصدق بولايته وخلافته ومنهم المكذب بهما » !
وفي الكافي « 1 / 207 » عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال له الثمالي : « جعلت فداك إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية : عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ العَظِيمِ . قال فقال : هي في أمير المؤمنين صلوات الله عليه » .
وقدورد عن أهل‌البيت ( عليهم السلام ) أن النبأ العظيم ولاية علي ( عليه السلام ) ، ومعنى : كَلا سَيَعْلَمُونَ : يعلمون عند ظهور المهدي ( عليه السلام ) ، ثم يوم القيامة أن إمامة العترة ( عليهم السلام ) حق . راجع : معجم الإمام المهدي ( عليه السلام ) : 5 / 377 ، وتفسير القمي : 2 / 401 .
إن القرشيين لا يفهمون من النبوة إلا أنها انشقاق بني هاشم عنهم ! فهم يسألون عمن يستخلفه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بعده هل هو من بني هاشم أو من غيرهم ؟ وكلفوا أبا سفيان أن يستطلع الأمر !
وقد فسرأتباع الخلافة النبأ العظيم بالقيامة أو القرآن ، بدون سند إلا أقوال مفسري الدولة الأموية ! فقال مجاهد هو القيامة وروي عن قتادة ، وقال قتادة هو القرآن .
« عبد الرزاق : 3 / 342 والطبري : 30 / 4 » .
لكن المشركين لا يرون ضرراً عليهم أن يقول محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إنه يوجد خمسون آخرة ،
————————— 55 —————————
ولا أن ينزل عليه خمسون قرآناً ! كما أنهم مستعدون للتنازل عن أصنامهم وبيعها بثمن جيد ! لكن النبأ العظيم الذي يشغلهم أن تكون القيادة بعد محمد لبني هاشم دونهم ، فهي الكفر العظيم ، والنبأ العظيم !
وقد تحير صاحب تفسير الميزان « 17 / 223 » ففسر النبأ العظيم في سورة صاد بالقرآن ، قال : « وهو أوفق بسياق الآيات السابقة المرتبطة بأمر القرآن » .
ثم فسره في سورة النبأ « 20 / 163 » بالقيامة وقال : « في بعض الأخبار أن النبأ العظيم علي ( عليه السلام ) وهو من البطن » .
وتبعه تفسيرالأمثل « 14 / 555 ، و : 19 / 317 » وعقد عنواناً : « الولاية والنبأ العظيم » وأورد بعض رواياته ، وحاول أن يجمع بينها وبين تفسير النبأ العظيم بالمعاد !
لكن الذي كان يؤرق زعماء قريش ويتساءلون عنه كما أسلفنا هو نبأ اتخاذ النبي وصياً من بني هاشم دونهم ، فهذا هو الظاهر الأنسب بالسياق !
والقرآن والقيامة أقل وقعاً عليهم من النبوة وخلافتها ، فكيف تصير القيامة ظاهراً ، والإمامة باطناً . ولذا تواترت فيه أحاديث أهل‌البيت ( عليهم السلام ) !

6 . كانت خلافة علي ( عليه السلام ) محسومة من أول البعثة :

وقد اتضح ذلك من آية : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وحديث الدار . وكان النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يعرض نفسه على القبائل ويطلب أن يأخذوه معهم ويحموه ليبلغ رسالة ربه ، فيطلبون منه أن تكون لهم خلافته ، فيجيبهم بأن الأمر لله وقد اختار له أهلاً ، وعليهم أن لاينازعوا الأمر أهله ! قال ابن هشام « 2 / 289 » : « أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم نفسه ، فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس : والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ، ثم قال له : أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال : الأمر إلى الله ، يضعه حيث يشاء .
قال فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ! لا حاجة لنا بأمرك ! فأبوا عليه » .
————————— 56 —————————
إلى عشرات الأحاديث النبوية ، التي دلت على أن الخلافة كانت محسومة ، وأن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) صرح بعلي ( عليه السلام ) وأوصى الأمة ، ثم رفع بيد علي ( عليه السلام ) في حجة الوداع وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ! لكن قريشاً لا تريد أن تَقنع لأنها تريد الخلافة ، ثم جاء الأتباع فأحسنوا الظن بالصحابة الماضين ، وأنكروا الوصية لعلي ( عليه السلام ) .

7 . زادت مسؤولية علي ( عليه السلام ) في حصار الشعب :

ولم يسجل رواة السلطة جهاده في سنوات الحصار ، إلا لمُاماً من حراسته للنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، ولا عجب فهو منكور الفضل كأبيه أبي طالب ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ! وقد وصلنا شئ برواية أبي جعفر الإسكافي أحد كبار علماء المعتزلة ، فنقل في شرح النهج : 13 / 254 ، رده على الجاحظ بقوله : « وهو المخصوص دون أبي‌بكر بالحصار في الشعب ، وصاحب الخلوات برسول الله في تلك الظلمات ، المتجرع لغصص المرار من أبي لهب وأبي جهل وغيرهما ، والمصطلي لكل مكروه ، والشريك لنبيه في كل أذى ، قد نهض بالحمل الثقيل وناء بالأمر الجليل . ومَن الذي كان يخرج ليلاً من الشعب على هيئة السارق ، يخفي نفسه ويضائل شخصه ، حتى يأتي إلى من يبعثه إليه أبو طالب من كبراء قريش ، كمطعم بن عدي وغيره ، فيحمل لبني هاشم على ظهره أعدال الدقيق والقمح ، وهو على أشد خوف من أعدائهم كأبي جهل وغيره ، ولو ظفروا به لأراقوا دمه ! أعليٌّ كان يفعل ذلك أيام الحصار في الشعب أم أبو بكر ؟
ولقد كان يجيع نفسه ويطعم رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ويظمئ نفسه ويسقيه ! وهو كان المعلل له إذا مرض ، والمؤنس له إذا استوحش ، وأبو بكر بنجوة عن ذلك لا يمسه مما يمسهم ألم ، ولم يلحقه مما يلحقهم مشقة ، ولا يعلم بشئ من أخبارهم وأحوالهم إلا على سبيل الإجمال دون التفصيل ، ثلاثَ سنين محرمة معاملتهم ومناكحتهم ومجالستهم ، محبوسين محصورين ممنوعين من الخروج والتصرف في أنفسهم ! فكيف أهمل الجاحظ هذه الفضيلة ونسي هذه الخصيصة ولا نظير لها » !
وفي مناقب آل أبي طالب ( 1 / 57 ) : « كان النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إذا أخذ مضجعه ونامت العيون جاءه أبو طالب ( عليه السلام ) فأنهضه عن مضجعه وأضجع علياً ( عليه السلام ) مكانه ، ووكل عليه
————————— 57 —————————
وُلْدَهُ وَوُلد أخيه ، فقال علي ( عليه السلام ) : يا أبتاه إني مقتول ذات ليلة ، فقال أبو طالب :
إصبرن يا بنيَّ فالصبر أحجى * كل حيٍّ مصيرُه لشَعوب
قد بلوناك والبلاء شديد * لفداء النجيب وابن النجيب
لفداء الأعز ذي الحسب الثاقب * والباع والفناء الرحيب
إن تصبك المنون بالنبل تبرى * فمصيب منها وغير مصيب
كل حي وإن تطاول عمراً * آخذٌ من سهامها بنصيب
فأجابه علي ( عليه السلام ) :
أتأمرني بالصبر في نصر أحمدٍ * ووالله ما قلتُ الذي قلتُ جازعا
ولكنني أحببت أن ترَ نُصرتي * وتعلمَ أني لم أزلْ لك طائعا
وسعيي لوجه الله في نصر أحمد * نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعا
أقول : معنى قوله ( عليه السلام ) : يا أبتاه إني مقتول ذات ليلة ، أن قريشاً مصرة على قتل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وهي تترصده من أعلى الشعب وجوانبه لتعرف مكان نومه ، فيتسلل ذئابها ويقتلوه في جوف الليل ! فهو يخبر عن تقديره للوضع الأمني إخباراً ، وكأنه يطلب منه تغيير مكان نوم النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أو تحسين مراقبة الشعب ، وحاشاه أن يكون ذلك منه خوفاً ، لأنه لا يخاف من الموت ، ويأنس بفدائه لرسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .

8 . أرسله رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في مهمة إلى الحبشة فنال شرف الهجرتين :

فقد روي أنه سافر مرة إلى الحبشة مع جعفر ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقد كان النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يرسله في مهمات خاصة غير معلنة . وفي المناقب : 1 / 289 ، عن ابن عباس : وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأنصار : نزلت في أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سبق الناس كلهم بالإيمان ، وصلى إلى القبلتين ، وبايع البيعتين بيعة بدر وبيعة الرضوان ، وهاجر الهجرتين مع جعفر من مكة إلى الحبشة ، ومن الحبشة إلى المدينة » .
أقول : كان جعفر ( عليه السلام ) يرجع إلى مكة ويأتي بأحبار وأساقفة وقساوسة ، ليروا النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وذكر المفسرون وفوداً منهم في تفسير قوله تعالى : وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ . ولعل هجرة علي ( عليها السلام ) كانت
————————— 58 —————————
في مهمة مع جعفر في إحدى رجعاته من الحبشة .

9 . حزن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وعلي ( عليه السلام ) على أبي طالب ( ( صلى الله عليه وآله ) ) :

قال اليعقوبي « 2 / 35 » : « توفي أبو طالب بعد خديجة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بثلاثة أيام وله ست وثمانون سنة ، وقيل تسعون سنة . ولما قيل لرسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : إن أبا طالب قد مات ، عظم ذلك في قلبه واشتد له جزعه ، ثم دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرات وجبينه الأيسرثلاث مرات ، ثم قال : يا عم ، ربيت صغيراً ، وكفلت يتيماً ، ونصرت كبيراً ، فجزاك الله عني خيراً . ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول : وصلتك رحم ، وجزيت خيراً . وقال : اجتمعت على هذه الأمة في هذه الأيام مصيبتان ، لا أدري بأيهما أنا أشد جزعاً . يعني مصيبة خديجة وأبي طالب » .
وروى ابن حاتم في الدر النظيم / 221 ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « أخبرت رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بموت أبي طالب فبكى ثم قال : إذهب فغسله وكفنه وواره ، غفرالله له ورحمه ، ففعلت ثم أمرني فاغتسلت ونزلت في قبره ، وجعل يستغفر له ، وبقي أياماً لا يخرج من بيته » .
أقول : اعتكف النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في بيته بعد وفاة عمه ( عليه السلام ) لأن قريشاً لما علمت بوفاة أبي طالب استنفرت لقتله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ! ومع ذلك شارك في مراسم تشييعه في بيته القريب ، وحمله معهم على سريره . وروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه شيع جنازته إلى قبره في الحجون رغم الخطر على حياته . ثم اعتكف في بيته أياماً وهو يواجه عمل قريش لقتله . ولعله لم يذهب مع جنازته إلى الحجون ، وأوكل دفنه إلى علي ( عليه السلام ) بسبب ظرفه الأمني ، ثم ذهب إلى قبره بعد ذلك .
وفي الجواهر السنية / 219 ، عن عبد الرحمن بن كثير : « قلت للصادق ( عليه السلام ) : إن الناس يقولون إن أبا طالب في ضحضاح من النار ! فقال : كذبوا ما بهذا نزل جبرئيل ! قلت : وبماذا نزل جبرئيل ؟ فقال أتى جبرئيل في بعض ما كان ينزل على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول : إن أهل الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرتين . ثم قال ( عليه السلام ) : كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال : يا محمد أخرج من مكة فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب » .
————————— 59 —————————
وفي الكافي ( 1 / 439 و 449 و : 8 / 341 » قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « لما توفي أبو طالب
أوحى الله إلى رسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : أخرج من القرية الظالم أهلها ، فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب . . قيل له : إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافراً ؟ فقال : كذبوا كيف يكون كافراً وهو يقول :
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً * نبياً كموسى خُطَّ في أول الكتب ) .
وقال الإمام العسكري ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال : « إن الله أوحى إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إني قد أيدتك بشيعتين : شيعة تنصرك سراً ، فسيدهم وأفضلهم أبو طالب ، وشيعة تنصرك علانية ، فسيدهم وأفضلهم علي بن أبي طالب » .
وفي كمال الدين / 174 ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « والله ما عَبَدَ أبي ولاجدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف ، صنماً قط . قيل له : فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم متمسكين به » .
وعن الباقر ( عليه السلام ) : « مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناً » . ( البحار : 35 / 116 ) .
10 . اختباؤه ( عليه السلام ) مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الحجون :
في مجمع الزوائد « 6 / 15 » : « عن أبي هريرة قال : لما مات أبو طالب تحينوا النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : ما أسرع ما وجدتُ فقدك يا عم » .
وقال اليعقوبي في تاريخه ( 2 / 36 ) : « اجترأت قريش على رسول الله بعد موت أبي طالب وطمعت فيه ، وهموا به مرة بعد أخرى » .
وفي تفسير القمي « 2 / 431 » : « لما مات أبو طالب ( عليه السلام ) فنادى أبو جهل والوليد عليهما لعائن الله : هلموا فاقتلوا محمداً فقد مات الذي كان ناصره ! فقال الله تعالى : فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُو الزَّبَانية . قال : كما دعا إلى قتل محمد رسول الله نحن أيضاً ندع الزبانية » .
وهو يدل على نزول هذه الآيات مرتين ، وهو كثير في القرآن .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) « الكافي : 1 / 449 » : « لما توفي أبو طالب نزل جبرئيل على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : يا محمد أخرج من مكة فليس لك فيها ناصر ، وثارت
————————— 60 —————————
قريش بالنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فخرج هارباً حتى جاء إلى جبل بمكة يقال له الحجون ، فصار إليه » .
ومعنى ثاروا به : أنهم هاجموا بيته يريدون قتله ! ولابد أن يكون اختباؤه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الحجون بعد وفاة أبي طالب ( عليه السلام ) مباشرة ، وفي شهر شوال قبل ذهابه إلى الطائف ، أو بعد رجوعه وقبل حلول ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم ، وكان يأمن فيها بنو هاشم .
وقد استفاد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من الأشهر الحرم في إكمال بيعة الأنصار ، وإرسال من بقي من المسلمين إلى المدينة ، وبعد انتهاء الأشهر الحرم ، استنفرت قريش في مراقبته ومحاولة قتله ، إلى هجرته في ربيع الأول . وكان علي ( عليه السلام ) في كل ذلك مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) . لكن لم يذكر لنا رواة السلطة أين كان الصحابة الذين ادعوا البطولة في تلك الفترة ، ولماذا ذابوا كما يذوب الملح !

11 . رافق علي ( عليه السلام ) النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في سفره إلى الطائف :

ذكرت أكثر مصادرهم أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كان وحده في سفره إلى الطائف ، أو كان معه زيد بن حارثة فقط !
قال في الطبقات : 1 / 211 : « فخرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة ، وذلك في ليال بقين من شوال . فأقام بالطائف عشرة أيام » . لكن ابن أبي الحديد المعتزلي روى عن المدائني وهو إمام عندهم ، أن علياً ( عليه السلام ) كان مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في سفرته تلك ، قال في شرح النهج ( 4 / 127 ) : « فكان معه علي وزيد بن حارثة في رواية أبي الحسن المدائني ، ولم يكن معهم أبو بكر . وقال ابن إسحاق كان معه زيد بن حارثة وحده ) .

12 . كان علي ( عليه السلام ) يرافق النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لدعوة القبائل في موسم الحج :

وكان النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يدعوهم إلى الإسلام ويطلب منهم حمايته ، وكان يذهب معه زيد بن حارثة ، أو علي ( عليه السلام ) ، وروت المصادر أن أبا بكر ذهب معه ذات مرة ، كما في ثقات ابن حبان « 1 / 80 » عن علي قال : « لما أمر الله رسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أن يعرض نفسه على قبائل العرب ، خرج وأنا معه وأبو بكر ، حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب ، فتقدم أبو بكر فسلم وقال : ممن القوم ؟ قالوا : من ربيعة . قال : وأي ربيعة أنتم أمن هامتها أم من لهازمها ؟ فقالوا : لا ، بل من هامتها العظمى . قال أبو بكر : وأي هامتها العظمى أنتم ؟ قالوا : من ذهل الأكبر . قال أبو بكر : فمنكم عوف الذي يقال له لا حُرَّ بوادي عوف ؟ قالوا :
————————— 61 —————————
لا . قال : فمنكم بسطام بن قيس صاحب اللواء ومنتهى الأحياء ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم أصهار الملوك من لخم ؟ قالوا : لا . قال أبو بكر : فلستم إذا ذهلاً الأكبر ، أنتم ذهل الأصغر .
فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له دغفل حين بَقَل وجهه ، فقال : على سائلنا أن نسأله ! يا هذا إنك سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئاً ، فممن الرجل ؟ فقال أبو بكر : أنا من قريش . فقال الفتى : بخٍ بخٍ أهل الشرف والرئاسة ، فمن أي القرشيين أنت ؟ قال : من ولد تيم بن مرة . قال : أمكنت والله الرامي من صفاء الثغرة ، فمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر ، فكان يدعى في قريش مجمعاً ؟ قال : لا . قال : فمنكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجافُ ؟ قال : لا . قال : فمن أهل الحجابة أنت ؟ قال : لا . قال : فمن أهل الندوة أنت ؟ قال : لا . قال : فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء ، الذي كأن وجهه القمر يضئ في الليلة الظلماء الداجية ؟ قال : لا . قال : فمن أهل السقاية ؟ قال : لا . واجتذب أبو بكر زمام الناقة فرجع إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال الغلام :
صادف درأ السيل درأً يدفعه * يُهيضه حيناً وحيناً يصدعه !
أما والله لو ثبت ! قال فتبسم رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال عليٌّ : فقلت يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة « داهية » ! فقال لي : أجل يا أبا الحسن ، ما من طامة إلا وفوقها طامة ، والبلاء موكل بالمنطق ! قال علي : ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار . ووصف لقاء النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ببني شيبان ورئيسهم المثنى بن حارثة الشيباني . . الخ .
وفيه أنهم اعتذروا عن حمايته خوفاً من كسرى ، ووعدهم النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أن يرثوا ملكه . ويظهر أن هذا اللقاء شجعهم على معركة ذي قار ، وقد اتخذوا اسم محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) شعارهم ، ثم جاؤوا بعدها وفداً للنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأسلموا .
————————— 62 —————————

13 . أخذ علي ( عليه السلام ) البيعة لرسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من الأنصار :

روى في المناقب : 1 / 305 ، وأوسط الطبراني : 2 / 207 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « أشهد لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي ، قال : لما جاءت الأنصار تبايع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) على العقبة قال : قم يا علي . فقال علي : على ما أبايعهم يا رسول الله ؟ قال : على أن يطاع الله فلايعصى ، وعلى أن يمنعوا رسول الله وأهل بيته وذريته ممايمنعون منه أنفسهم وذراريهم . ثم كان الذي كتب الكتاب بينهم » .
وفي الكافي ( 8 / 261 ) عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « وأخذ عليهم عليٌّ أن يمنعوا محمداً وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم . . نجا من نجا ، وهلك من هلك » . وفي مناقب ابن سليمان : 2 / 165 : « فالتزمتها رقاب القوم ، ووفى بها من وفى » .
* *

مبيته ( عليه السلام ) على فراش رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وفداؤه بنفسه

1 . أحست قريش أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قد يهاجر في أي لحظة :

فأخذت تراقب بيته وحركته ، واتخذت قراراً محكماً لاغتياله قبل أن يهاجر ويفلت منها ، وانتدبت من كل بطن رجلاً ليهاجموا بيته ليلاً ويضربوه ضربة رجل واحد ، فلا يعرف من قتله ويضيع دمه بين القبائل . قال الله تعالى : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُاللَّه وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ . ويظهرمن حديث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مع الحبر اليهودي أنهم اتفقوا على ساعة معينة للدخول إلى بيت النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وقتله .
ففي الخصال / 365 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أن حاخام اليهود الأكبر أتى علياً ( عليه السلام ) فقال : « يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي ! قال : سل عما بدا لك يا أخا اليهود ؟ قال : إنا نجد في الكتاب أن الله عز وجل إذا بعث نبياً أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده ، وأن يعهد إليهم فيه عهداً يحتذي عليه ويعمل به في أمته من بعده ، وأن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في
————————— 63 —————————
حياة الأنبياء ، ويمتحنهم بعد وفاتهم . فأخبرني كم يمتحن الله الأوصياء في حياة الأنبياء ، وكم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة ؟
فقال ( عليه السلام ) : يا أخا اليهود إن الله عز وجل امتحنني في حياء نبينا محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بنعمة الله له مطيعاً . قال : فيمَ وفيم يا أمير المؤمنين ؟ قال : أما أولاهن . . . وأما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشاً لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار دار الندوة وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف ، فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لبطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل ، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ، ثم يأتي النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وهونائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه ، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضي دمه هدراً !
فهبط جبرئيل ( عليه السلام ) على النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فأنبأه بذلك ، وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها ، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار ، فأخبرني رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بالخبر وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي ، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً بأن أقتل دونه ، فمضى ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لوجهه واضطجعت في مضجعه ، وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ، ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي ، بما قد علمه الله » .
أقول : معناه أنه ( عليه السلام ) كان نائماً في غرفة وليس في الدار ، كما هي الرواية المشهورة . وقد يكون في الغرفة نافذة يراقبونه منها أو يرمونه بالحصى ، كما روي .

2 . وفي أمالي الطوسي / 466 ، عن عمار وأبي رافع :

« فخرج القوم عِزِين « متفرقين » وسبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيل ( عليه السلام ) فتلا هذه الآية على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ . فلما أخبره جبرئيل
————————— 64 —————————
بأمر الله في ذلك ووحيه وما عزم له من الهجرة ، دعا رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) علياً ( عليه السلام ) وقال له : يا علي إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفاً ، يخبرني أن قريشاً اجتمعوا على المكر بي وقتلي ، وأنه أوحى إليَّ ربي عز وجل أن أهجر دار قومي ، وأن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي ، وأمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي ، ليخفى بمبيتك عليهم أثري ، فما أنت قائل وصانع ؟ فقال علي ( عليه السلام ) : أوَتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله ؟ قال : نعم ، فتبسم علي ( عليه السلام ) ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً بما أنبأه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من سلامته ، وكان علي ( عليه السلام ) أول من سجد لله شكراً ، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فلما رفع رأسه قال له : إمض لما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي ، ومرني بما شئت أكن فيه بمسرتك ، واقعاً منه بحيث مرادك ، وإن توفيقي إلا بالله . قال ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : وإنه ألقي عليك شبهٌ مني ، فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي .
ثم إني أخبرك يا علي أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه ، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ( عليهم السلام ) ثم الأمثل فالأمثل ، وقد امتحنك يا ابن عم وامتحنني فيك ، بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم ، والذبيح إسماعيل ( عليهم السلام ) ، فصبراً صبراً ، فإن رحمة الله قريب من المحسنين . ثم ضمه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى صدره وبكى إليه وَجْداً به ، وبكى علي ( عليه السلام ) لفراق رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) . ولبث رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بمكانه مع علي يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشاءين ، ثم خرج في فحمة العشاء الآخرة والرصد من قريش قد أطافوا بداره ، ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين ، فخرج وهو يقرأ هذه الآية : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لايُبْصِرُونَ . وأخذ بيده قبضة من تراب فرمى بها على رؤوسهم ، فما شعر القوم به حتى تجاوزهم !
فلما غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع الأثر ، أقبل القوم على علي ( عليه السلام ) يقذفونه بالحجارة والحِلَم « الأعواد » ولايشكُّون أنه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، حتى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح ، هجموا على علي ( عليه السلام ) وكانت دور مكة يومئذ سوائب
————————— 65 —————————
لا أبواب لها ، فلما بصر بهم علي ( عليه السلام ) قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها ، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة ، وثب له علي ( عليه السلام ) فختله وهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر « يرفس كالفصيل » ويرغو رغاء الجمل ويذعر ويصيح ، وهم في عرج الدار « منعطفها » من خلفه ، وشد عليهم علي ( عليه السلام ) بسيفه يعني سيف خالد ، فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار ، فتبصروه فإذا هو علي ( عليه السلام ) فقالوا : إنك لعلي ؟ قال : أنا علي . قالوا : فإنا لم نردك فما فعل صاحبك ؟ قال : لا علم لي به . وقد كان علم يعني علياً ( عليه السلام ) أن الله تعالى قد أنجى نبيه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه ، فأذكت قريش عليه العيون ، وركبت في طلبه الصعب والذلول . وأمهل علي ( عليه السلام ) حتى إذا أعتم من الليلة القابلة ، انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الغار ، فأمر رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) هنداً أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين ، فقال أبو بكر : قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب . فقال : إني لاآخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن . قال : فهي لك بذلك ، فأمر ( ( صلى الله عليه وآله ) ) علياً ( عليه السلام ) فأقبضه الثمن . ثم أوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته ، وكانت قريش تدعومحمداً ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الجاهلية الأمين ، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم ، وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك ، فأمر علياً ( عليه السلام ) أن يقيم صارخاً يهتف بالأبطح غدوةً وعشياً : ألا من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة ، فليأت فلتؤد إليه أمانته .
وقال النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تَقْدِمَ عليَّ ، فأدِّ أمانتي على أعين الناس ظاهراً . ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ، ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما ، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ، ومن أزمع للهجرة معه من بني هاشم .
قال أبو عبيدة : فقلت لعبيد الله يعني ابن أبي رافع : أوَ كان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يجد ما ينفقه هكذا ؟ فقال : إني سألت أبي عما سألتني وكان يحدث بهذا الحديث فقال :
————————— 66 —————————
فأين يذهب بك عن مال خديجة ( عليها السلام ) ؟ وقال : إن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال : ما نفعني مالٌ قط مثل ما نفعني مال خديجة . وكان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يفك من مالها الغارم والعاني ، ويحمل الكَل ، ويعطي في النائبة ، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة ، ويحمل من أراد منهم الهجرة ، وكانت قريش إذا رحلت عيرها في الرحلتين ، يعني رحلة الشتاء والصيف ، كانت طائفة من العير لخديجة ، وكانت أكثر قريش مالاً ، وكان ينفق منه ما شاء في حياتها ، ثم ورثها هو وولدها بعد مماتها .
وقال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لعلي وهو يوصيه : وإذا أبرمت ما أمرتك ، فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله ، وسر إليَّ لقدوم كتابي إليك ولا تلبث بعده . وانطلق رسول الله لوجهه يؤم المدينة ، وكان مقامه في الغار ثلاثاً ، ومبيت علي على الفراش أول ليلة . قال عبيد الله بن أبي رافع : قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) شعراً يذكر فيه مبيته على الفراش ، ومقام رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الغار ثلاثاً :
وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحِجْرِ
محمدُ لما خاف أن يمكروا به * فوقَّاه ربي ذو الجلال من المكر
وبتُّ أراعيهم متى ينشرونني * ووطنت نفسي على القتل والأسر
ويأت رسول الله في الغار آمناً * هناك وفي حفظ الإله وفي ستر
أقام ثلاثاً ثم زَمَّت قلائصٌ * قلائص يفرين الحصا أينما تفري »

3 . كان المهاجمون يطوقون البيت ويراقبون :

إلى ساعة معينة قرب الفجر ، وفي تلك الساعة تسلقوا سور البيت ودخلوا ، فرأوه نائماً في غرفة قد تغطي في برد حضرمي ، فرموه بالحصى ليستيقظ وكان النائم علياً ( عليه السلام ) ، فلم يكشف الكساء حتى وصلوا اليه فنهض في وجوههم وهم شاهرون سيوفهم يتقدمهم خالد بن الوليد ، فأساء الكلام فأمسكه علي ( عليه السلام ) وجذبه وعصرعضده ونزع منه سيفه ، فصاح خالد كالبَكر أي البعيرالصغير ، فتدخل البقية وقالوا له إنهم لا يريدون به شراً ولايقصدونه هو !
وفي إعلام الورى : 1 / 146 : « فنام ( عليه السلام ) على فراش رسول الله والتحف ببردته ، وجاء
————————— 67 —————————
جبرئيل ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال له : أخرج والقوم يشرفون على الحجرة فيرون فراشه ، وعلي ( عليه السلام ) نائم عليه ، فيتوهمون أنه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) » !
وفي تفسير القمي ( 1 / 275 ) : « فوثب عليٌّ في وجوههم فقال : ما شأنكم ، قالوا له أين محمد ؟ قال أجعلتموني عليه رقيباً ، ألستم قلتم نخرجه من بلادنا ، فقد خرج » .

4 . وفي المناقب ( 1 / 339 ) : « الثعلبي في تفسيره :

وابن عقبة في ملحمته ، وأبو السعادات في فضايل العشرة ، والغزالي في الإحياء ، وفي كيمياء السعادة أيضاً ، برواياتهم عن أبي اليقظان . وجماعة من أصحابنا ومن ينتمي الينا ، نحو ابن بابويه ، وابن شاذان ، والكليني ، والطوسي ، وابن عقدة ، والبرقي ، وابن فياض ، والعبدلي ، والصفواني ، والثقفي ، بأسانيدهم عن ابن عباس ، وأبي رافع ، وهند بن أبي هالة ، أنه قال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه ، فأيكما يؤثر أخاه ؟ فكلاهما كره الموت ! فأوحى الله إليهما : ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمد نبيي ، فآثره بالحياة على نفسه ، ثم ظل بائتاً على فراشه يقيه بمهجته ! إهبطا إلى الأرض جميعاً فاحفظاه من عدوه . فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجعل جبرئيل يقول : بخٍ بخٍ ، من مثلك يا ابن أبي طالب والله يباهي بك الملائكة ! فأنزل الله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ » . وشواهد التنزيل : 1 / 123 ، والثعلبي في تفسيره : 2 / 125 ، والمسترشد للطبري / 360 والصراط المستقيم : 1 / 173 ، وأسد الغابة : 4 / 25 ، والفضائل لابن عقدة / 179 ، وكشف اليقين / 89 ، والصراط المستقيم : 1 / 173 ، والصحيح من السيرة : 4 / 32 ، وأمالي الطوسي / 468 ، والعمدة / 239 ، والطرائف / 37 ، وسعد السعود / 216 ، وخصائص الوحي المبين / 120 ، والجواهر السنية / 307 . والمراجعات / 216 .
وروى العياشي « 1 / 101 » عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « فإنها أنزلت في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) حين بذل نفسه لله ولرسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ليلة اضطجع على فراش رسول الله » . وأمالي الطوسي / 446 و 469 ، عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، وشواهد التنزيل : 1 / 123 ، و 129 ،
————————— 68 —————————
و 130 ، عن أبي سعيد الخدري . والإرشاد : 1 / 53 ، والمسترشد / 360 ، والصراط المستقيم : 1 / 173 ، ومناقب الخوارزمي / 127 ، ومنهاج الكرامة / 122 ، والخصال : 2 / 364 ، وأمالي الطوسي / 446 ، والتعجب للكراجكي / 122 ، وشرح الأخبار : 2 / 345 .
ومن مصادر غيرنا ، صحح الحاكم « 3 / 4 » حديثنزولها في علي ( عليه السلام ) فقال : « عن ابن عباس قال : شرى عليٌّ نفسه ولبس ثوب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ثم نام مكانه وكان المشركون يرمون رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وقد كان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ألبسه بُردهُ ، وكانت قريش تريد أن تقتل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فجعلوا يرمون علياً ( عليه السلام ) ويرونه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وقد لبس بردته » .
ونحوه الصالحي في سبل الهدى « 3 / 233 » . وقد فصَّل ذلك المقريزي فقال في الإمتاع « 1 / 57 » : « فلما كان العتمة اجتمعوا على باب رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه . فلما رآهم ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أمر علياً بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينام على فراشه ويتشح ببرده الحضرمي الأخضر ، وأن يؤدي ما عنده من الودائع والأمانات ونحو ذلك . فقام علي مقامه وتغطى ببرد أخضر فكان أول من شرى نفسه وفيه نزلت : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله .
وخرج ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأخذ حفنة من تراب وجعله على رؤوسهم وهو يتلو الآيات من : يس وَالْقٌرْآنِ الحَكِيم . إلى قوله : فهم لايُبْصِرُون ، فطمس الله تعالى أبصارهم فلم يروه وانصرف . وهم ينظرون علياً فيقولون إن محمداً لنائم » .
وبذلك يتضح أن نوم علي ( عليه السلام ) مكان النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كان ضرورياً ، لطمأنة الذين يطوقون البيت إلى أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ما زال لم يخرج من مكة .

5 . لكن السلطة لا تريد الإقرار :

بأن الآية نزلت في علي ( عليه السلام ) ، فجعلتها في صهيب الرومي ، وقالت إن المشركين منعوه من الهجرة ، فبذل لهم ماله فنزلت فيه الآية ! مع أنهم رووا أنه هاجر مع علي ( عليه السلام ) واحتمى به ! وصهيب من قبيلة نمر بن قاسط من ربيعة ، وعرف بالرومي لأن الروم أسروه وباعوه عبداً ، وكان محباً لعمر . « أسباب النزول للواحدي / 39 ، ومجمع الزوائد : 6 / 318 » .
————————— 69 —————————

6 . ثم قالوا : إن الآية لاتخص علياً ( عليه السلام ) ، بل تعم المهاجرين والأنصار ! « عبد الرزاق : 1 / 81 » .

7 . ثم قالوا : اختلف أهل التأويل فيمن نزلت ، فقال بعضهم في المهاجرين والأنصار ، وقال بعضهم في من باع نفسه في الجهاد واستقتل ، وقال بعضهم في رجال من المهاجرين بأعيانهم منهم علي ، ثم رجح الطبري أنها نزلت في كل من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، كما قال عمر بن الخطاب ! « تفسير الطبري : 2 / 437 » .
وذكر الفخر الرازي : 5 / 233 ، في سبب نزولها أقوالاً ، في صهيب وعمار وبلال وغيرهم ، والثاني : في من أمر بمعروف ونهى عن منكر . والثالث : « نزلت في علي بن أبي طالب بات على فراش رسول الله ليلة خروجه إلى الغار ، ويروى أنه لما نام على فراشه قام جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبريل ينادي : بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب ، يباهي الله بك الملائكة . ونزلت الآية » .
8 . أما معاوية فبذل مالاً لصحابي ( ! ) ليشهد زوراً أن الآية نزلت في
ابن ملجم قاتل علي ( عليه السلام ) ، ويشهد أن آيةً أخرى نزلت في ذم علي ( عليه السلام ) ! « قال أبو جعفر الإسكافي : وروي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَأَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعىَ فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ . وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ . فلم يقبل ، فبذل له مأتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له ثلاث مائة ألف فلم يقبل ، فبذل أربع مائة فقبل ! وقال : إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي فاختلقوا ما أرضاه ! منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير » « شرح النهج : 4 / 73 ، والغارات : 2 / 840 » .
وسمرة هذا الذي كان في آخر عمره يقول : ( لعن الله معاوية ، لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذّبني أبداً ) ! ( تاريخ الطبري : 4 / 217 ) .
————————— 70 —————————
9 . أنكر النواصب نزول الآية في علي ( عليه السلام ) :
ومنهم ابن تيمية ، بل أنكر أن يكون مبيته فضيلة ، لأنه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أخبره أن المشركين لايقتلونه ، وهذا من بغضه لعلي ( عليه السلام ) ، فإن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لم يخبره أنهم لايجرحونه جراحاً بليغة مثلاً . ثم إن إخباره ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كان لما أتاه في الغار ، بعد مبيته وفدائه ، فقال له : لن يصلوا إليك من الآن بمكروه » . « أمالي الطوسي / 469 » .

10 . من الشبهات على مبيت علي ( عليه السلام ) :

في فراش النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : أنه لم يكن للمبيت حاجة ، ما دام النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) انسحب من بين المحاصرين بمعجزة . فكان يمكنه أن يضع على فراشه أي شئ ويغطيه ليموه على المراقبين أنه ما زال موجوداً ، ثم يخرج .
لكن أمر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) علياً ( عليه السلام ) بالمبيت ، بل أمر الله تعالى ، يدل على ضرورته ، ونزول الآية في مدح علي ( عليه السلام ) يصدق ذلك .
ويدل رمي المحاصرين النائم بالحصى وتضور علي ( عليه السلام ) أي تحركه وإظهاره التألم ، على أنهم كانوا يريدون التأكد من وجود النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فلو وضع مكانه شيئاً جامداً مثلاً ، لاكتشفوا أنه قد غادر منزله وأفلت من أيديهم ! فكان من الضروري تطمين المحاصرين إلى وجود هدفهم ، لينتظروا الوقت المحدد لقتله قبيل الفجر .
ومما يدل على ما ذكرناه قوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لعلي ( عليه السلام ) : ( وإنه ألقي عليك شبه مني ، فارقد على فراشي ، واشتمل ببردي الحضرمي ) . فكانت مراقبتهم دقيقة ليتأكدوا أنه موجود ولم يهاجر ، فإلقاء شبهه على علي ( عليه السلام ) في الجسم والشكل ، لأجل أن يدخل بيت النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ويطمئن من يراقبونه ويتلصصون عليه بأنه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) . وسيأتي ذكر رواية صحيحة عندهم بأن أبا بكر جاء إلى بيت النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فوجد علياً نائماً في فراشه ، فأخبره بهجرته فلحق به . وردُّنا عليها .
وهنا يقال : هل كان بيت النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) خالياً ، وأين فاطمة ( عليها السلام ) ، وأم أيمن رضي الله عنها ؟ والجواب : أن أم أيمن كانت مع زوجها زيد ، وأن فاطمة بنت النبي ( عليها السلام ) كانت في دار عمه أبي طالب عند فاطمة بنت أسد ( عليهم السلام ) .
————————— 71 —————————

11 . جهز علي ( عليه السلام ) رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في هجرته :

تقدم من أمالي الطوسي / 466 : أن علياً ( عليه السلام ) انتظر إلى اليوم الثاني للهجرة حتى هَوَّد الليل ، فذهب إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في غار الهجرة : ( وأمهل علي ( عليه السلام ) حتى إذا أعتم من الليلة القابلة ، انطلق هو وهند بن أبي هالة . . وقد تقدم ) .
قال ابن هشام « 2 / 336 » : « فلما قرَّب أبو بكر الراحلتين إلى رسول الله قدم له أفضلهما ، ثم قال : إركب فداك أبي وأمي ، فقال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : إني لا أركب بعيراً ليس لي ، قال : فهي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي . قال : لا ، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به ؟ قال : كذا وكذا ، قال : قد أخذتها به . قال : هي لك يا رسول الله ، فركبا وانطلقا ، وأردف أبوبكرالصديق عامر بن فهيرة مولاه خلفه ، ليخدمهما في الطريق » .
وفي صحيح بخاري « 7 / 39 » : « قال : النبي : بالثمن » . وفي مقدمة فتح الباري / 300 : « في سيرة عبد الغني وغيره أن الثمن كان أربع مائة درهم ، وعند الواقدي أنه ثمان مائة » .
ونلاحظ أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أمر علياً ( عليه السلام ) أن يفديه بنفسه ، بينما لم يقبل من أبي‌بكر بعيراً إلا بثمنه ، فكيف قالوا : كان ينفق عليه !
وقد حاول السهيلي ( فتح الباري : 7 / 183 ) أن يوفق بين رفض النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) راحلة أبي‌بكر ، وبين قولهم إنه أنفق عليه الملايين ، بأن اعتذار النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) خاص بالهجرة ، أما في غيرها فكان يقبل منه ! وهو كلامٌ واهٍ ، لأن الذي يرفض ناقة للركوب ، يرفض الملبوس والمأكول والمشروب ، بطريق أولى .
على أن البعير الذي اشتراه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من أبي‌بكر مات في الطريق ! فقد كان النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) راكباً ناقته القصواء ، وأبو بكر على بعيره ويردف غلامه ابن فهيرة ، والبعير الثالث للدليل ابن أريقط ، وهو الذي اشتراه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من أبي‌بكر ، وقالت الرواية : « وقف عليهم بعض ظهرهم ، وفي بعضها : أعيا » .
« جوامع السير / 93 ، وأسد الغابة : 1 / 147 و : 3 / 10 » .
————————— 72 —————————
والبعير الذي مات ليس ناقة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) القصواء ، ولا بعير أبي‌بكر ، لأن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )
استأجر بدله وليس أبا بكر ، فيكون البعير الذي اشتراه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من أبي‌بكر للدليل ابن أريقط .
قال ابن هشام ( 2 / 340 ) : « فحمل رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) رجل من أسلم يقال له أوس بن حجر على جمل له إلى المدينة ، وبعث معه غلاماً له يقال له مسعود بن هنيدة
« ليرد الجمل » . ( مناقب ابن سليمان : 1 / 364 ، والدرر / 37 ) .
وفي أمالي الطوسي / 467 : ( قال النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) « لعلي ( عليه السلام ) في الغار » : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم عليَّ ، فأدِّ أمانتي على أعين الناس ظاهراً . ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ، ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما ، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ، ومن أزمع للهجرة معه من بني هاشم .
وكانت قريش تدعو محمداً ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الجاهلية الأمين ، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها . . . فأمر علياً ( عليه السلام ) أن يقيم صارخاً يهتف بالأبطح غدوةً وعشياً : ألا من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة ، فليأت فلتؤد إليه أمانته . قال : وقال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لعلي ( عليه السلام ) وهو يوصيه : وإذا أبرمت ما أمرتك فكن على أهبة الهجرة . . وانطلق رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لوجهه يؤم المدينة ، وكان مقامه في الغار ثلاثاً ، ومبيت علي صلوات الله عليه على الفراش أول ليلة ) .
12 – أدى أمانات النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في مكة جهاراً نهاراً :
قال المفيد ( رحمه الله ) في الإرشاد : 1 / 53 : « ومن ذلك أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كان أمين قريش على ودائعهم ، فلما فَجَأَهُ من الكفار ما أحوجه إلى الهرب من مكة بغتةً ، لم يجد في قومه وأهله في يأتمنه على ما كان مؤتمناً عليه ، سوى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فاستخلفه في رد الودائع إلى أربابها ، وقضاء ما عليه من دين لمستحقيه ، وجمع بناته ونساء أهله وأزواجه والهجرة بهم إليه ، ولم ير أن أحداً يقوم مقامه في ذلك من كافة الناس ، فوثق بأمانته وعول على نجدته وشجاعته ، واعتمد في الدفاع عن أهله وحامته على بأسه وقدرته ، واطمأن إلى ثقته على أهله وحرمه ، وعرف من ورعه وعصمته ما تسكن النفس معه إلى إئتمانه على ذلك .
————————— 73 —————————
فقام ( عليه السلام ) به أحسن القيام ورد كل وديعة إلى أهلها ، وأعطى كل ذي حق حقه ، وحفظ بنات نبيه ( عليه السلام ) وآله وحرمه ، وهاجر بهم ماشياً على قدمه ، يحوطهم من الأعداء ، ويكلؤهم من الخصماء ، ويرفق بهم في المسير ، حتى أوردهم عليه المدينة ، على أتم صيانة وحراسة ورفق ورأفة وحسن تدبير .
فأنزله النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) عند وروده المدينة داره ، وأحله قراره ، وخلطه بحرمه وأولاده ، ولم يميزه من خاصة نفسه ، ولا احتشمه في باطن أمره وسره » .
وقال في السيرة الحلبية ( 2 / 232 ) : « فلما توجه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى المدينة قام عليٌّ بالأبطح ينادي : من كان له عند رسول الله وديعة فليأت تُؤَدَّى إليه أمانته . فلما نفد ذلك وردَ عليه كتاب رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بالشخوص إليه ، فابتاع ركائب ، وقدم ومعه الفواطم ، ومعه أم أيمن وولدها أيمن ، وجماعة من ضعفاء المؤمنين » . ونحوه الصالحي : 3 / 267 .
13 . تحدى علي ( عليه السلام ) قريشاً وأعلن عزمه على الهجرة ! قال المناقب : 1 / 335 :
« ذكر الواقدي وغيره أن علياً لما عزم على الهجرة قال له العباس : إن محمداً ما خرج إلا خِفْياً ، وذكر حديثاً ثم قال له : ما أرى أن تمضي إلا في خفارة خزاعة ، فقال علي ( عليه السلام ) :
إن المنية شَرْبَةٌ مورودةٌ * لا تجزعنَّ وشُدَّ للترحيل
إن ابن آمنة النبي محمداً * رجل صدوقٌ قال عن جبريل
أرْخ الزمام ولاتخفْ من عائقٍ * فالله يرديهم إلى التنكيل
إني بربي واثقٌ وبأحمد * وسبيله متلاحقٌ بسبيلي »
أقول : فإعلان هجرته ( عليه السلام ) كان بأمرالنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ! بعد هجرة أصحاب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أولاً ، ثم هجرة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) . فأراد الله تعالى أن تكون هجرة علي ( عليه السلام ) رسالة نبوية قوية إلى قريش ، لأنها لا تفهم غيرالقوة !
14 . أول قتال خاضه علي ( عليه السلام ) وهو في الثالثة والعشرين :
فقد دبرت قريش اغتياله ، رواها في المناقب « 1 / 335 » عن الواقدي ، وأبي الفرج النجدي ، وأبي الحسن البكري ، وإسحاق الطبراني ، قال : « فكمن له مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل ، فلما رآه سل سيفه ونهض إليه ، فصاح
————————— 74 —————————
عليٌّ به صيحة خرَّ على وجهه وجلله بسيفه ! فلما أصبح توجه نحو المدينة ، فلما شارف ضجنان أدركه الطلب بثمانية فوارس » .
أقول : هذه أول صيحة وأول ضربة سيف من علي ( عليه السلام ) صلوات الله عليه . أما قول الراوي إنه توجه في اليوم التالي إلى المدينة فلا يصح ، لما ستعرف من مؤامرتهم الثانية المالية ، التي كانت بعد محاولة اغتياله .
15 . رد علي ( عليه السلام ) مكيدة مالية لأبي سفيان وهند :
فقد دبرت قريش له مكيدة مالية ، رواها في المناقب : 2 / 175 ، عن الواقدي وإسحاق الطبري : « أن عمير بن وابل الثقفي أمره حنظلة بن أبي سفيان أن يدعي على علي ( عليه السلام ) ثمانين مثقالاً من الذهب وديعةً عند محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأنه هرب من مكة وأنت وكيله ، فإن طلب بينةَ الشهود فنحن معشر قريش نشهد عليه ، وأعطوه على ذلك مائة مثقال من الذهب ، منها قلادة عشر مثاقيل لهند ، فجاء وادعى على علي ( عليه السلام ) فاعتبر الودايع كلها ورأى عليها أسامي أصحابها ، ولم يكن لما ذكره عمير خبرٌ ، فنصح له نصحاً كثيراً فقال : إن لي من يشهد بذلك وهو أبو جهل ، وعكرمة ، وعقبة بن أبي معيط ، وأبو سفيان ، وحنظلة ! فقال ( عليه السلام ) : مكيدة تعود إلى من دبرها ، ثم أمر الشهود أن يقعدوا في الكعبة ، ثم قال لعمير : يا أخا ثقيف أخبرني الآن حين دفعت وديعتك هذه إلى رسول الله ، أي الأوقات كان ؟ قال : ضحوة نهار ، فأخذها بيده ودفعها إلى عبده . ثم استدعى بأبي جهل وسأله عن ذلك قال : ما يلزمني ذلك ! ثم استدعى بأبي سفيان وسأله فقال : دفعها عند غروب الشمس ، وأخذها من يده وتركها في كمه ! ثم استدعى حنظلة وسأله عن ذلك فقال : كان عند وقت وقوف الشمس في كبد السماء ، وتركها بين يديه إلى وقت انصرافه ! ثم استدعى بعقبة وسأله عن ذلك فقال : تسلمها بيده ، وأنفذها في الحال إلى داره وكان وقت العصر ! ثم استدعى بعكرمة ، وسأله عن ذلك فقال : كان بزوغ الشمس ، أخذها فأنفذها من ساعته إلى بيت فاطمة ! ثم أقبل على عمير وقال له : أراك قد اصفر لونك وتغيرت أحوالك ! قال : أقول الحق ولا يفلح غادر ، وبيت الله ما كان لي عند محمد وديعة ، وإنهما حملاني على ذلك ، وهذه دنانيرهم وعقد هند ، عليه اسمها مكتوب ! ثم
————————— 75 —————————
قال علي : إيتوني بالسيف الذي في زاوية الدار ! فأخذه وقال : أتعرفون هذا السيف ؟ فقالوا : هذا لحنظلة . فقال أبو سفيان : هذا مسروق . فقال ( عليه السلام ) : إن كنت صادقاً في قولك فما فعل عبدك مهلع الأسود ؟ قال : مضى إلى الطائف في حاجة لنا ! فقال : هيهات أن يعود تراه ، ابعث إليه أحضره إن كنت صادقاً ! فسكت أبو سفيان .
ثم قام ( عليه السلام ) في عشرة عبيد لسادات قريش فنبشوا بقعة عرفها ، فإذا فيها العبد مهلع قتيل ، فأمرهم بإخراجه فأخرجوه وحملوه إلى الكعبة ، فسأله الناس عن سبب قتله فقال : إن أبا سفيان وولده ضمنوا له رشوة عتقه وحثَّاه على قتلي ، فكمن لي في الطريق ووثب عليَّ ليقتلني ، فضربت رأسه وأخذت سيفه ! فلما بطلت حيلتهم أرادوا الحيلة الثانية بعمير ! فقال عمير : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) » !
16 – انتظر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) علياً ( عليه السلام ) في قباء وكتب اليه : في أمالي الطوسي / 469 :
« قال أبيٌّ ، وابن أبي رافع : ثم كتب رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كتاباً يأمره فيه بالمسير إليه وقلة التَّلوُّم « التأخر » وكان الرسول إليه أبا واقد الليثي ، فلما أتاه كتاب رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) تهيأ للخروج والهجرة ، فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين ، فأمرهم أن يتسللوا ويتخفوا إذا ملأ الليل بطن كل واد إلى ذي طوى . وخرج علي ( عليه السلام ) بفاطمة بنت رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب ، وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله ، وأبو واقد مولى رسول رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم ، فقال علي : إرفق بالنسوة يا أبا واقد ، إنهن من الضعائف . قال : إني أخاف أن يدركنا الطلب ! فقال علي ( عليه السلام ) : إربع عليك فإن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال لي : يا علي إنهم لن يصلوا من الآن إليك بما تكرهه ، ثم جعل يعني علياً ( عليه السلام ) يسوق بهن سوقاً رفيقاً ، وهو يرتجز :
ليس إلا الله فارفع ظَنَّكا * يكفيك ربُّ الناس ما أهمَّكا » .
————————— 76 —————————

17 – علي ( عليه السلام ) يهزم فرسان قريش ويقتل قائدهم : في أمالي الطوسي / 470 :

« وسار فلما شارف ضجنان أدركه الطلب ، وعددهم سبعة فوارس من قريش مستلئمين ، وثامنهم مولى لحرب بن أمية يدعى جناحاً ، فأقبل علي ( عليه السلام ) على أيمن وأبي واقد ، وقد تراءى القوم فقال لهما : أنيخا الإبل واعقلاها ، وتقدم حتى أنزل النسوة ، ودنا القوم فاستقبلهم ( عليه السلام ) منتضياً سيفه ، فأقبلوا عليه فقالوا : أظننت أنك يا غُدَر ناجٍ بالنسوة ، إرجع لا أباً لك ! قال : فإن لم أفعل ؟ قالوا : لترجعن راغماً ، أو لنرجعن بأكثرك شعراً ، وأهون بك من هالك ! ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها ، فحال علي ( عليه السلام ) بينهم وبينها ، فأهوى له جناح بسيفه فراغ علي ( عليه السلام ) عن ضربته ، وتختله علي فضربه على عاتقه ، فأسرع السيف مضيَاً فيه حتى مسَّ كاثبة فرسه ، فكان ( عليه السلام ) يشد على قدمه شد الفارس على فرسه ، فشد عليهم بسيفه وهو يقول :
خلوا سبيل الجاهد المجاهدِ * آليت لا أعبدُ غير الواحدِ
فتصدع عنه القوم وقالوا له : أغنِ عنا نفسك يا ابن أبي طالب . قال : فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله بيثرب ، فمن سره أن أفري لحمه وأريق دمه فليتعقبني ، أو فليدن مني ! ثم أقبل على صاحبيه أيمن وأبي واقد فقال لهما : أطلقا مطاياكما » .
والكاثبة : مجتمع الكتف . وهذه ثاني ضربة سيف من علي صلوات الله عليه . ونلاحظ أنه ( عليه السلام ) راغ عن ضربة جناح لأنه كان راجلاً ولم يكن عنده ترس يدفع به الضربة ، وأنهما تصاولا وتراكضا ، فكان علي ( عليه السلام ) راجلاً وجناح فارساً ، وكان كل منهما يشد على الآخر فينهزم الآخر ، أو يروغ عن ضربته ، وأن علياً ( عليه السلام ) تختله حتى ضربه على كتفه فشقه حتى وصل إلى سرج فرسه !
18 – هاجر علي ووالدته ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مشياً على أقدامهما :
اختارت فاطمة بنت أسد ( عليها السلام ) أن تهاجر إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ماشية على قدميها ، تحتسب ذلك عند الله تعالى ، ففي الكافي « 1 / 453 » عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إن فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من مكة إلى المدينة على قدميها ، وكانت من أبر الناس برسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ) .
————————— 77 —————————
وكذلك اختار علي ( عليه السلام ) أن يهاجر ماشياً ولا يركب ، وإن دميت قدماه ، فكان هو وأمه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أول من أسس زيارة النبي وآله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) راجلين !
وقد نص الأئمة ( عليهم السلام ) على أن فاطمة بنت أسد ، وكذا عبد المطلب وأبا طالب وأبوي النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من كبار الأولياء المقربين إلى الله تعالى ، سلام الله عليهم ، وأنهم لم يعبدوا الأصنام كما زعم رواة السلطة .
قال داود الرقي : ( دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) ولي على رجل مالٌ قد خفتُ تَوَاهُ « ذهابه » فشكوت إليه ذلك فقال لي : إذا صرت بمكة فطف عن عبد المطلب طوافاً وصل ركعتين عنه ، وطف عن أبي طالب طوافاً وصل عنه ركعتين ، وطف عن عبد الله طوافاً وصل عنه ركعتين ، وطف عن آمنة طوافاً وصل عنها ركعتين ، وطف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصل عنها ركعتين ، ثم ادع أن يرد عليك مالك . قال : ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفا ، وإذا غريمي واقف يقول : يا داود حبستني ، تعال إقبض مالك » .
19 – نزلت آيات في مدح علي ( عليه السلام ) والفواطم في طريق الهجرة :
في أمالي الطوسي / 471 : « ثم سار ظاهراً قاهراً حتى نزل ضجنان ، فتلوَّمَ بها قدر يومه وليلته ، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين ، وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فظل ليلته تلك هو والفواطم ، أمه فاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وفاطمة بنت الزبير ، طوراً يصلون ، وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ، فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر ، فصلى ( عليه السلام ) بهم صلاة الفجر ، ثم سار لوجهه يجوب منزلاً بعد منزل ، لا يفتر عن ذكر الله ، والفواطم كذلك وغيرهم ممن صحبه ، حتى قدموا المدينة ، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالى : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأرض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرض رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ . رَبَّنأَ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلإِيمَانِ أَنْ
————————— 78 —————————
آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ .
رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاتُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاتُخْلِفُ الْمِيعَادَ . فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لاكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلادْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ .
الذَّكَر علي ( عليه السلام ) ، والأنثى الفواطم المتقدم ذكرهن وهن فاطمة بنت رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وفاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت الزبير . بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ : يقول : علي من فاطمة أو قال : الفواطم ، وهن من علي ( عليه السلام ) ، وتلا ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ، وقال ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : يا علي ، أنت أول هذه الأمة إيماناً بالله ورسوله ، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله ، وآخرهم عهداً برسوله ، لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان ، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر » . أي أولهم في الهجرة الكبرى إلى الله ورسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، حيث وهب نفسه من صغره .
20 – بخلت السلطة برواية هجرة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
أخفت السلطة مناقب علي ( عليه السلام ) في هجرته ، وما جرى له في مكة ، ومكائد قريش ضده ، ولحاق فرسانها به ، وقتله فارسهم جناح ، ولم يذكر رواتها نزول الآيات فيه وفي والدته ورفقائهما ( عليهم السلام ) في طريق الهجرة ، ولا أحاديث النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في مدحه !
فذاك يرفع من قدره ، وهم يريدون انتقاص قدره !
قال ابن هشام ( 2 / 335 ) : « قال ابن إسحاق : ولم يعلم فيما بلغني بخروج رسول الله أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق وآل أبي‌بكر . أما علي فإن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فيما بلغني أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) الودائع التي كانت عنده للناس ، وكان رسول الله ليس بمكة أحد عنده شئ يخشى عليه إلا وضعه عنده ، لما يعلم من صدقه وأمانته » .
وقال ابن هشام في : 2 / 342 : « وأقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها ، حتى أدى عن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) الودائع التي كانت عنده الناس ، حتى إذا فرغ منها لحق
————————— 79 —————————
برسول الله ، فنزل معه على كلثوم بن هَدم » .
وقال في السيرة الحلبية ( 2 / 233 ) : « كان يسير الليل ويكمن النهار ، حتى تفطرت قدماه ، فاعتنقه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وبكى رحمة لما بقدميه من الورم ، وتفل في يديه وأمرَّهما على قدميه ، فلم يشكُهُما بعد ذلك ! ولا مانع من وقوع ذلك من علي مع وجود ما يركبه ، لأنه يجوز أن يكون هاجر ماشياً ، رغبة في عظيم الأجر » .
أقول : وكان يسير في الليل بسبب الحر ، وليس بسبب الخوف .
وروى ابن سعد : 3 / 22 : « قدم علي للنصف من شهر ربيع الأول ، ورسول الله بقباء لم يُرِمْ بعدُ » . أي لم يتحرك .
وكثرت مكذوباتهم في هجرة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأسرته ، وزعموا أن علياً ( عليه السلام ) لم يؤد الأمانات ولم يهاجر بالأسرة ! وأن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بعث شخصين أتيا بهن ! قال في الطبقات : 1 / 237 : « بعث رسول الله من منزل أبي أيوب زيد بن حارثة وأبا رافع ، وأعطاهما بعيرين وخمس مائة درهم إلى مكة ، فقدما عليه بفاطمة وأم‌كلثوم ابنتي رسول الله ، وسودة بنت زمعة » !
والصحيح أن زينب كانت مع زوجها الربيع ، وأن سودة لم تكن زوجة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في مكة ! .
21 – سرقوا مناقب علي ( عليه السلام ) وأعطوها لعمر !
فقد هاجر عمر قبل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بشهور أو سنة ، سراً ، وواعد هشام بن العاص عند إضاة بني غفار في المدينة ، ولم يواعده في أطراف مكة ، ولا في الطريق ! « التنبيه / 200 ، والدرر / 77 ، والإمتاع : 9 / 188 ، والسيرة الحلبية : 2 / 183 ، وغيرها » . بل روى الذهبي في تاريخه : 1 / 313 ، بسند صحيح عندهم : « فلما اشتدوا على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأصحابه أمر رسول الله أصحابه بالهجرة فخرجوا رَسْلاَ رسلاَ . . » . وعدَّ في الذين هاجروا عمر ، وكان ذلك قبل شهور أو سنة من هجرة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ! ومع ذلك سرقوا هجرة علي ( عليه السلام ) العلنية وأعطوها لعمر ، وجعلوا روايتها على لسان علي ( عليه السلام ) ! فقال كما زعموا : « ما علمت أحداً من المهاجرين
————————— 80 —————————
هاجر إلا مختفياً ، إلا عمر بن الخطاب » ! « أسد الغابة : 4 / 58 » .
قال في الصحيح من السيرة : 4 / 195 : « ونحن نقطع بعدم صحة هذا الكلام ، لأن عمر لم يكن يملك مثل هذه الشجاعة . لما تقدم في حديث إسلامه عن البخاري وغيره ، من أنه حين أسلم اختبأ في داره خائفاً ، حتى جاءه العاص بن وائل فأجاره ، فخرج حينئذٍ » . ثم عدَّد فراره في الحروب ، وما عرف به من الجُبن .
أقول : وقد وثق في مجمع الزوائد « 6 / 61 » قول عمر إنه تواعد مع اثنين عند مشارف المدينة ، فحبس أحدهما ونجا الآخر ! وقال البخاري « 2 / 264 » هاجر في عشرين ولم يسمِّ أحداً منهم ! ولا وصف هجرته كيف كانت !
أما ابن الجوزي فيدهشك في كتابه : المدهش / 224 ، بقوله : « هاتوا لنا مثل عمر كل الصحابة هاجروا سراً ، وعمر هاجر جهراً ، وقال للمشركين قبل خروجه : ها أنا على عزم الهجرة ، فمن أراد أن يلقاني فليلقني في بطن هذا الوادي » !
لكن كيف نصدق كلامه ونحن لا نرى عمرفي أي خطر تعرض له النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ولا نجد ه في نزول النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في قباء ، ولا في بناء المسجد النبوي . ثم نقرأ أنه نزل في المدينة قرب اليهود خارج المدينة ، وكان يحضر دروسهم ، قال عمر كما في البخاري : 1 / 31 : « كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد ، وهي من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ينزل يوماً وأنزل يوماً ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك » .
وبنو أمية بن زيد جيران ملاصقون لبني قريظة وبني زريق . « تاريخ المدينة : 1 / 170 ، وابن إسحاق : 3 / 299 ، وابن هشام : 2 / 569 » .
وبنو زريق هم الذين كتبوا له التوراة ليتبناها النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : « جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله فقال : يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخٍ لي من بني زريق ، فتغير وجه رسول الله » ! « مجمع الزوائد ( 1 / 174 ) ووثقه » .
————————— 81 —————————

22 – فرح النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بوصول علي ( عليه السلام ) !

في إمتاع الأسماع للمقريزي ( 1 / 68 ) : ( وقدم علي رضي الله عنه من مكة للنصف من ربيع الأول ورسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بقباء لم يُرِم بعدُ ، وقدم معه صهيب ، وذلك بعد ما أدى علي عن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) الودائع التي كانت عنده ، وبعد ما كان يسير الليل ويكمن النهار حتى تفطرت قدماه ، فاعتنقه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وبكى رحمة لما بقدميه من الورم ، وتفل في يديه وأمرهما على قدميه فلم يشتكهما بعد ذلك حتى قتل رضي الله عنه . ونزل على كلثوم بن الهدم وقيل على امرأة ، والراجح أنه
نزل مع النبي ) .
أقول : حسب هذه الرواية فإن صهيباً هاجر مع علي ( عليه السلام ) محتمياً به ، وهذا ينقض قولهم إنه هاجر فاعترضته قريش فبذل لهم مالاً ، فنزل فيه قوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ . « أسباب النزول للواحدي / 39 ، ومجمع الزوائد : 6 / 318 » .
أما نزول علي ووالدته عند امرأة ، فيصح قبل أن يتم بناء بيت النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وبيته ، لأن بيت أبي أيوب الأنصاري كان صغيراً . كما يظهر أن البيت الذي بناه له النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كان صغيراً أيضاً ، لأنه لما تزوج أخذ له بيتاً أكبر وسكن فيه .
23 . انتظر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) علياً ( عليه السلام ) في قباء ، وتركه أبو بكر !
فقد روى في الكافي ( 8 / 340 ) : عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أن أبا بكر أراد من النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )
أن يدخل المدينة ولا ينتظر علياً ( عليه السلام ) فقال له : ( فانطلق بنا ولا تقم هاهنا تنتظر علياً فما أظنه يقدم عليك إلى شهر ! فقال له رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : كلا ، ما أسرعه ، ولست أريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عز وجل ، وأحب أهل بيتي إليَّ ، فقد وقاني بنفسه من المشركين . قال : فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأز ، وداخله من ذلك حسدٌ لعلي ( عليه السلام ) وكان ذلك أول عداوة بدت منه لرسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في علي ، وأول خلاف على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فانطلق حتى دخل المدينة ، وتخلف رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بقُبا ينتظر علياً ( عليه السلام ) ) .
* *
————————— 82 —————————

الفصل الرابع: علي ( عليه السلام ) مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في المدينة

بيت علي ( عليه السلام ) جنب بيت النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )
1 . لما هاجر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بنى له النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بيتاً : ولوالدته فاطمة بنت أسد ( عليها السلام ) ، إلى جنب بيته وسكنا فيه ، ويظهر أنه كان صغيراً ، فعندما تزوج علي ( عليه السلام ) انتقل إلى بيت جديد ، وسكنت معه والدته أيضاً . وكان لبيته باب يفتح على السكة وباب يفتح على ساحة المسجد . وكان لبيوت بعض المهاجرين أبواب تفتح على ساحة المسجد .
وفي طبقات ابن سعد : 8 / 22 : « لما قدم رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) المدينة نزل على أبي أيوب سنة أو نحوها ، فلما تزوج علي فاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال لعلي : أطلب منزلاً فطلب علي منزلاً فأصابه مستأخراً عن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قليلاً فبنى بها فيه ، فجاء النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إليها فقال : إني أريد أن أُحَوِّلَك إليَّ ، فقالت لرسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : فكلم حارثة بن نعمان أن يتحول عني . فقال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : قد تحول حارثة عنا قد استحيت منه ، فبلغ ذلك حارثة فتحول وجاء إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : يا رسول الله إنه بلغني أنك تحول فاطمة إليك وهذه منازلي وهي أسقب بيوت نبي النجار بك ، وإنما أنا ومالي لله ولرسوله ! والله يا رسول الله المال الذي تأخذ مني أحب إليَّ من الذي تدع ! فقال رسول الله : صدقت ، بارك الله عليك ، فحولها رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى بيت حارثة » . ومعنى ذلك أن أمير المؤمنين نزل مع والدته ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في بيت أبي أيوب مدة ، ثم انتقل إلى بيت مستقل . ثم سكن في البيت الذي بناه له رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ولعله كان صغيراً فلم يتزوج فيه ، فقد كان زفافه بفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في بيت بعيد قليلاً عن بيت النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، ثم اشترى لهما النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بيت
————————— 83 —————————
حارثة الملاصق لبيته ، وهو بيت علي وفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) الكبير الذي يفتح على سكة بني هاشم ، ويفتح من جهة على ساحة المسجد .
وفي كتاب سُلَيْم / 321 ، قال الحسين ( عليه السلام ) : ( أنشدكم الله ، هل تعلمون أن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه ، ثم ابتنى فيه عشرة منازل تسعة له وجعل عاشرها في وسطها لأبي . ثم سد كل باب شارع إلى المسجد غير بابه ، فتكلم في ذلك من تكلم فقال ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه ، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه ، ثم نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره ) .
وفي الكافي ( 4 / 555 ) عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إذا دخلت من باب البقيع فبيت علي صلوات الله عليه على يسارك ، قدر ممر عنز من الباب ، وهو إلى جانب بيت رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وباباهما جميعاً مقرونان » .
وفي صحيح بخاري ( 4 / 208 ) أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر بن الخطاب عن علي ( عليه السلام ) : « فذكر محاسن عمله ، وقال : هوذاك بيته أوسط بيوت النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ! ثم قال : لعل ذاك يسوءك ؟ قال : أجل ! قال فأرغم الله بأنفك » !
وفي فتح الباري « 7 / 59 » : « أنظر إلى منزله من نبي الله ليس في المسجد غير بيته . . فقال الرجل : فإني أبغضه . فقال له ابن عمر : أبغضك الله تعالى » .
وفي الرياض النضرة ( 3 / 158 ) : ( عن ابن عمر : لقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال ، لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعمة : زوجه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ابنته وولدت له ، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر ) .
وقال في الطبقات « 8 / 166 » يصف بيوت أزواج النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : « رأيت منازل أزواج رسول الله حين هدمها عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة ، في خلافة الوليد بن عبد الملك ، وزادها في المسجد : كانت بيوتاً باللبن ، ولها حجر من جريد ، مطرور بالطين ، عددت تسعة أبيات بحجرها ، وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) » .
ومعناه : أن حجرة عائشة أبعد الحُجَر عن بيت النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
————————— 84 —————————
2 . ونزل أبو بكر بعد هجرته في السنح : شرقي المدينة ، وهو يبعد كيلومترات من المسجد . قال ابن سعد في الطبقات ( 3 / 186 ) : « فأقام هناك بالسنح بعدما بويع له ستة أشهر ، يغدو على رجليه إلى المدينة ، وربما ركب على فرس له ، وعليه إزار ورداء ممشق ، فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس ، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح . فكان إذا حضر صلى بالناس ، وإذا لم يحضر صلى عمر بن الخطاب . وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح يصبغ رأسه ولحيته ، ثم يروح لقدر الجمعة ، فيجمع بالناس ) .
3 . ونزل عمر في العوالي وهي خارج المدينة : على بعد كيلو مترات من المسجد أيضاً ، فقد قال عمر ( صحيح بخاري : 1 / 31 ) : « كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ينزل يوماً وأنزل يوماً ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك » . وهم جيران بني قريظة وزريق ( تاريخ المدينة ( 1 / 170 ) وابن إسحاق : 3 / 299 ، وابن هشام : 2 / 569 ) .
أقول : إحفظ مكان بيت أبي‌بكر وعمر ، لأن عائشة والبخاري سينقلانهما إلى جنب المسجد ، ويزعمان أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) سد الأبواب الشارعة على المسجد إلا باب بيت أبي‌بكر !

4 . أعطى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) علياً ( عليه السلام ) أرضاً كبقية المهاجرين :

قال البلاذري في الفتوح « 1 / 5 » : « وهبت الأنصار لرسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كل فضل كان في خططها ، وقالوا : يا نبي الله إن شئت فخذ منازلنا ! فقال لهم خيراً » .
وفي معجم البلدان ( 5 / 86 ) : « كان ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يُقطع أصحابه هذه القطائع ، فما كان في عفا من الأرض فإنه أقطعهم إياه ، وما كان من الخطط المسكونة العامرة فإن الأنصار وهبوه له ، فكان يقطع من ذلك ما شاء . وكان أول من وهب له خططه ومنازله حارثة بن النعمان ، فوهب له ذلك وأقطعه » .
وذكر الأحمدي في مكاتيب الرسول « 1 / 350 » نحو ثلاثين مورداً أقطع فيها النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أصحابه موضع دار أو أرضاً زراعية .
وفي مكاتيب الرسول ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ( 1 / 333 ) : ( عن عمار بن ياسر قال : أقطع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )
علياً بذي العشيرة من ينبع ، ثم أقطعه عمر بعد أن استخلف قطيعة ، واشترى علي إليها
————————— 85 —————————
قطيعة . وكانت أموال علي ( عليه السلام ) بينبع عيوناً متفرقة تصدق بها . وقال السمهودي : فلما أخذ رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ينبع أقطعها لكشد فقال : إني كبير ولكن أقطعها لابن أخي فأقطعها له ، فابتاعها منه عبد الرحمن بن سعد الأنصاري بثلاثين ألف درهم ، فخرج عبد الرحمن إليها وأصابه سافيها وريحها فسئمها وأقبل راجعاً ، فلحق علي بن أبي طالب دون ينبع فقال : من أين جئت ؟ فقال : من ينبع وقد سئمتها ، فهل لك أن تبتاعها ؟ قال علي : قد أخذتها بالثمن . قال : هي لك ، فكان أول شئ عمله علي فيها البغيبغة . . ضيعة بالمدينة أو عين غزيرة ، كثيرة النخل ، لآل رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ) .
وفي الكافي ( 7 / 54 ) عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( قسَّم نبي الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) الفئ فأصاب علياً ( عليه السلام ) أرضاً فاحتفر فيها عيناً فخرج ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير ، فسماها يَنْبُع ، فجاء البشير يبشر فقال ( عليه السلام ) : بشِّر الوارث ، هي صدقة بَتَّةٌ بَتْلاً ، في حجيج بيت الله وعابري سبيل الله ، لا تباع ولا توهب ولا تورث ) .
وقال ابن شبة في تاريخ المدينة ( 1 / 221 ) : ( لما أشرف علي على ينبع فنظر إلى جبالها قال : لقد وُضِعْتِ على نقيٍ من الماء عظيم ) .
وفي مناقب آل أبي طالب ( 1 / 388 ) : ( قال له رجل ورأى عنده وَسَقٌ نَوَى : ما هذا يا أبا الحسن ؟ قال : مائة ألف نخلة إن شاء الله ، فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة ) ! وسيأتي الحديث عن ماليته ( عليه السلام ) .
5 . وكان علي ( عليه السلام ) التلميذ الخاص لرسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : روى في الكافي ( 1 / 64 ) أن علياً ( عليه السلام ) قال : ( كنت أدخل على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كل يوم دخلة ، وكل ليلة دخلة ، فيخليني فيها ، أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري ، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أكثر ذلك في بيتي ، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نسائه فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ( عليها السلام )
ولا أحد من بنيَّ ، وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكتُّ عنه وفنيت مسائلي
————————— 86 —————————
ابتدأني ، فما نزلت على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي ، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصها وعامها ، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ، ولا علماً أملاه علي وكتبته ، منذ دعا الله لي بما دعا ، وما ترك شيئاً علمه الله من حلال ولا حرام ، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته ، فلم أنس حرفاً واحداً ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً ، فقلت : يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شئ لم أكتبه ، أفتتخوف عليَّ النسيان فيما بعد ؟ فقال : لا لست أتخوف عليك النسيان والجهل ) .
وزادت فيه رواية الصدوق في الإعتقادات / 122 ، عن سُلَيْم : ( وقد أخبرني الله تعالى أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون بعدك . قلت : يا رسول الله ومن شركائي ؟ قال : الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وبطاعتي . قلت : من هم يا رسول الله ؟ قال : الذين قال الله تعالى فيهم : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الَّله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ . قلت : يا نبي الله من هم ؟ قال : هم الأوصياء بعدي ، ولا يتفرقون حتى يردوا علي الحوض ، هادين مهديين ، لا يضرهم كيد من كادهم ، ولأخذلن من خذلهم ، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقونه ولا يفارقهم ، بهم تنتصر أمتي وبهم يمطرون ، وبهم يدفع البلاء ، وبهم يستجاب لهم الدعاء . قلت : يا رسول الله ، سمهم لي . قال : أنت يا علي ، ثم ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسن ، ثم ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسين ، ثم ابنه سميك يا أخي سيد العابدين ، وسيولد في زمانك يا أخي فاقرأه مني السلام ، ثم ابنه يسمى محمداً ، باقرعلمي وخازن وحي الله ، ثم تكملة اثني عشر إماماً من ولدك إلى مهدي أمة محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت قبله ظلماً وجوراً . والله إني لأعرفه يا سُلَيْم حيث يبايع بين الركن والمقام ، وأعرف أسماء أنصاره وقبائلهم ) !
————————— 87 —————————
وفي إثبات الهداة ( 1 / 313 ) : ( روى ابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام . . عن عبد الله بن عباس عن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في حديث طويل أنه كان في بيت أم‌سلمة ، فجاء علي ( عليه السلام ) فدق الباب فقال ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قومي يا أم‌سلمة فافتحي له الباب ، فقالت أم‌سلمة : من هذا الذي بلغ من خطره أن أستقبله بمحاسني ومعاصمي ؟ فقال لها رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : كهيئة المغضب : من يطع الرسول فقد أطاع الله ! قومي فافتحي له الباب فإن في الباب رجلاً ليس بالخرق ولا بالنزق ولا بالعجول في أمره ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، وليس بفاتح الباب حتى يتوارى عنه الوطأ ( صوت المشي ) فقامت أم‌سلمة وهي لا تدري من بالباب ، إلا أنها قد عرفت النعت والمدح ، فمشت نحو الباب ففتحت ، فأمسك بعضادتي الباب ولم يزل قائماً حتى خفي عنه الوطأ ، ودخلت أم‌سلمة خدرها ، ففتح الباب ودخل فسلم ، فقال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : يا أم‌سلمة أتعرفينه ؟ إلى أن قال : إنه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين » .
وفي فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لابن عقدة / 51 : ( قال علي : دخلت على النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وهو في بعض حجراته ، فاستأذنت عليه فأذن لي ، فلما دخلت قال لي : يا علي ، أما علمت أن بيتي بيتك فما لك تستأذن علي ؟ قال فقلت : يا رسول الله ، أحببت أن أفعل ذلك . قال : يا علي ، أحببت ما أحب الله وأخذت بآداب الله . يا علي أما علمت أنك أخي ؟ أما إنه أبى خالقي ورازقي أن يكون لي سر دونك . يا علي أنت وصيي من بعدي ، وأنت المظلوم المضطهد بعدي . يا علي الثابت عليك كالمقيم معي ومفارقك مفارقي . يا علي كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك ، لأن الله تعالى خلقني وإياك من نور واحد ) .
وفي متشابه القرآن لابن شهرآشوب ( 2 / 38 ) : ( ذكر في تاريخ البلاذري ، ومسند أحمد ، وأبي يعلى ، وسنن ابن ماجة ، وكتاب أبي‌بكر عياش ، ومسند أبي رافع ، أنه كانت لعلي كل ليلة دخلة ، وفي رواية دخلتان ، لم تكن لأحد من الناس ، ولم يكن لأحد أن يدخل على أزواج رسول الله بعد آية الحجاب إلا له .
————————— 88 —————————
وهذه مرتبة القربى ، كما قال : إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ ) .
وذكرت عامة مصادر المذاهب هذه الفضيلة لعلي ( عليه السلام ) في بحث أن التنحنح لا يبطل الصلاة ، لأن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كان أحياناً يتنحنح في صلاته . قال في سبل السلام ( 1 / 140 ) : ( عن علي قال : كان لي من رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مدخلان أي وقتان أدخل عليه فيهما فكنت إذا أتيته وهو يصلي تنحنح لي ، رواه النسائي ، وابن ماجة ، وصححه . والحديث دليل على أن التنحنح غير مبطل للصلاة ، وقد ذهب إليه الناصر ، والشافعي ، عملاً بهذا الحديث ) .
وفي فقه السنة لسيد سابق ( 1 / 266 ) : ( كان لي من رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ساعة آتيه فيها ، فإذا أتيته استأذنت فإن وجدته يصلي تنحنح فدخلت ، وإن وجدته فارغاً أذن لي . ذكره النسائي وأحمد ، ولفظ أحمد : كان لي من رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مدخل من الليل والنهار ، وكنت إذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح . رواه أحمد وعمل به ، فكان يتنحنح في صلاته ، ولا يرى النحنحة مبطلة للصلاة ) . ويظهر أن الساعة التي بعد الفجر كانت وقتاً ثابتاً لعلي ( عليه السلام ) ، فكان يذهب فيها إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أو كان هو ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يأتيه إلى بيته . والساعة الثانية متغيرة ، تكون في الوقت المناسب من النهار ، أو بعد صلاة العشاء .
6 . وكان علي ( عليه السلام ) بإجماع الأمة أعلم الصحابة : قال العلامة نهج الحق / 240 : ( وفي صحيح مسلم : أن علياً قال على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله عز وجل ، فما من آية إلا وأعلم حيث نزلت ، بحضيض جبل ، أو سهل أرض ، سلوني عن الفتن ، فما فتنة إلا وقد علمت كبشها ، ومن يقتل فيها ) . ورواه غير العلامة أيضاً عن صحيح مسلم ، ولم نجده في نسخة مسلم الموجودة !
وفي كامل الزيارات / 156 : ( كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يخطب الناس وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله ما تسألوني عن شئ مضى ولا شئ يكون ، إلا نبأتكم به . قال : فقام إليه سعد بن أبي وقاص وقال : يا أمير المؤمنين : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة ؟ فقال له : والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أنك ستسألني عنها ، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ! وإن في بيتك لسخلاً يقتل الحسين ابني ! وعُمَرُ يومئذ يدرج بين يدي أبيه ) !
————————— 89 —————————

7 . وكان علي ( عليه السلام ) كاتب معاهدات النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وعمدة رسائله :

ففي الإستيعاب ( 1 / 69 ) : ( وكان الكاتب لعهوده ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إذا عاهد وصلحه إذا صالح ، عليَّ ابن أبي طالب رضي الله عنه ) . وقال ابن شهرآشوب ( 2 / 66 ) : ( كان ( عليه السلام ) يكتب الوحي والعهد وكاتب الملك أخص إليه ، لأنه قلبه ولسانه ويده ، فلذلك أمره النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بجمع القرآن بعده ، وكتب له الأسرار وكتب يوم الحديبية بالاتفاق ، وقال أبو رافع : إن علياً كان كاتب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى من عاهد ووادع ، وإن صحيفة أهل نجران كان كاتبها . وعهود النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لا توجد قط إلا بخط علي ( عليه السلام ) ) .
أقول : إن حَصْركتابة العهود بين النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وغيره بعلي ( عليه السلام ) يدل على أن الالتزام النبوي بأن العهد ينبغي أن يكون بخط من هو منه ووصيه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
8 . كان علي ( عليه السلام ) متفرغاً للدعوة مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ونادراً ما عمل لمعيشته : والسبب أنه بايع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لما نزل قوله تعالى : وَأَنْذِرْ عَشِيَرتَك الأَقْرَبِين ، وطلب من يؤازره على الدعوة ويتفرغ معه ، فاستجاب له علي ( عليه السلام ) فأعلنه أخاه ووزيره ووصيه وخليفته ، وكانت المهمات التي يكلفه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بها تستوعب وقته ، إلا أحياناً قليلة كان يعمل لتأمين مصروف بيته ، فعمل في سقي النخل بالأجرة وما شابه .

أما بعد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقد اتسع وقته فنمى ثروته ، واستنبط العيون وأنشأ البساتين خاصة في ينبع ، وقد أوقفها على بني فاطمة ( عليها السلام ) .

9 . عمل علي ( عليه السلام ) في بناء مسجد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وبيته : لكن بعض الصحابة غاب عن بناء المسجد كأبي‌بكر وعمر ، وبعضهم حضر ولم يعمل بفعالية كعثمان فقد روى ابن عبد ربه في العقد الفريد ( 5 / 90 ) عن أم‌سلمة ( عليها السلام ) قالت : ( لما بني رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب ، وما يحتاج إليه ، ثم قام رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فوضع رداءه ، فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم وأكسيتهم يعملون ويرتجزون :
لئن قعدنا والنبي يعملُ * ذاك إذاً لعمل مضللُ ) .
————————— 90 —————————
10 . وظلم عثمان عماراً فانتصرله علي ( عليه السلام ) والنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : في رواية ابن هشام ( 2 / 344 ) والإمتاع ( 10 / 87 ) : ( فدخل عمار بن ياسر وقد أثقلوه باللبن فقال : يا رسول الله قتلوني ، يحملون عليَّ ما لا يحملون . قالت أم‌سلمة : فرأيت رسول الله ينفض وفرته بيده ، وكان رجلاً جعداً وهو يقول : ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك ، إنما تقتلك الفئة الباغية ! قال ابن إسحاق : فقال ( عثمان ) : قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية ، والله إن لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك . قال : وفي يده عصا . قال : فغضب رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ثم قال : ما لهم ولعمار ! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، إن عماراً جلدة ما بين عينيَّ وأنفي ، فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يستبق ، فاجتنبوه ) .
أقول : مقتضى قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ومن يظل عن الغبار حائداً ، أن عثمان لم يكن يعمل ، كما أن اختلافه مع عمار كان قبل هذا الشعر ، فقاله علي ( عليه السلام ) وعلمه لعمار ليجيب به عثمان ، ولما طغى عثمان ، أجابه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
وتدل رواية القمي ( 2 / 323 ) على شدة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) على عثمان : ( ثم أتى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال له : لم ندخل معك لتسب أعراضنا ! فقال له رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : قد أقلتك إسلامك فاذهب ، فأنزل الله : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَىَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّه يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ للإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) !
وقالت أم‌سلمة ( العقد الفريد : 5 / 90 ) : ( وكان عثمان بن عفان رجلاً نظيفاً متنظفاً ، فكان يحمل اللبنة ويجافي بها عن ثوبه ، فإذا وضعها نفض كفيه ونظر إلى ثوبه ، فإذا أصابه شئ من التراب نفضه ، فنظر إليه علي فأنشد :
لا يستوي من يعمر المساجدا * يدأب فيها راكعاً وساجدا
وقائماً طوراً وطوراً قاعدا * ومن يرى عن التراب حائدا
فسمعها عمار بن ياسر ، فجعل يرتجزها وهو لا يدري من يعني ، فسمعه عثمان فقال : يا ابن سمية ما أعرفني بمن تعرض ، ومعه جريدة فقال : لتكفن أو لأعترضن بها وجهك ! فسمعه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وهو جالس في ظل حائط ، فقال : عمار جِلْدَةُ ما بين عينيَّ وأنفي ، فمن بلغ ذلك منه فاجتببوه ، وأشار بيده فوضعها بين عينيه ، فكف الناس عن
————————— 91 —————————
ذلك ، وقالوا لعمار : إن رسول الله قد غضب فيك ، ونخاف أن ينزل فينا قرآن . . . فأخذ به وطاف به في المسجد وجعل يمسح وجهه من التراب ويقول : يا ابن سمية ، لايقتلك أصحابي ، ولكن تقتلك الفئة الباغية . فلما قتل بصفين وروى هذا الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال معاوية : هم قتلوه ، لأنهم أخرجوه إلى القتل ! فلما بلغ ذلك علياً قال : ونحن قتلنا أيضاً حمزة ، لأنا أخرجناه ) !

11 . آخى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بين المسلمين واختار علياً ( عليه السلام ) أخاً له :

كتبنا في سيرة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : كانت المؤاخاة مرتين في مكة والمدينة « فتح الباري : 7 / 210 » . وربما آخى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بين المسلم وثلاثة ، فقد آخى بين سلمان الفارسي وأبي ذر ، وبينه وبين أبي الدرداء .
قال العلامة الحلي في كشف اليقين / 208 : « قال حذيفة بن اليمان ( رحمه الله ) : آخى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بين المهاجرين والأنصار ، وكان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال : هذا أخي . قال حذيفة : فرسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) سيد المرسلين وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين الذي ليس له في الأنام شبيه ولا نظير ، وعلي أخوه . والأخبار في ذلك كثيرة ، وهذه منزلة شريفة ومقام عظيم ،
لم يحصل لأحد مثله » .
أما وقت المؤاخاة ، فقيل بعد الهجرة بثمانية أشهر وقيل بخمسة ، والصحيح أنها في ثاني عشر شهر رمضان في السنة الأولى لهجرة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) عند نزول قوله تعالى :
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .

قال الصدوق في كتاب مسارِّ الشيعة / 7 ، وفي طبعة / 32 : « وفي الثاني عشر نزل الإنجيل على عيسى بن مريم ، وهو يوم المؤاخاة التي آخى فيه بين أصحابه ، وآخى بينه وبين علي ( عليه السلام ) » . وقد أوردنا هناك أسماء الذين آخى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بينهم . كما أن مؤاخاته له هنا وبعدها تأكيد لاتخاذه أخاً لما نزلت : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وجمع بني هاشم واتخذ علياً ( عليه السلام ) من بينهم أخاً ووزيراً ووصياً وخليفة .

————————— 92 —————————
12 . معنى مؤاخاة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لعلي ( عليه السلام ) : معنى أخوة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لعلي ( عليه السلام ) : أنه أقرب المسلمين اليه ، لأنه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لا يختار أخاً له عن هوى ، بل بمقاييس الإيمان والعمل .
ومعناها : أنه أشبه الناس بشخصيته ، لأنه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) آخى بين الأشباه والنظائر .
ومعناها : أنه الأولى برسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، ولذلك كان علي ( عليه السلام ) يقول : لا يدعي أحد غيري أنه أخو رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلا كذاب .
ومعناها : أنه خليفته ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حتى لو لم ينص عليه ، فكيف وقد نص عليه مراراً ؟
ومعناها : أنه أخوه في الآخرة وفي الجنة ، وقد نص النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) على ذلك .
ومعناها : أنه تثبت له كل حقوق مقام أخ النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلا ما خرج بدليل .

أمر الله نبيه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أن يطهر مسجده فسد الأبواب الشارعة عليه

1 . في مناقب علي لابن المغازلي / 205 ، والدر النظيم لابن حاتم / 312 :
( حدث عدي بن ثابت قال : خرج رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من المسجد وقال : إن الله عز وجل أوحى إلى نبيه موسى ( عليه السلام ) أن ابن لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا موسى وهارون ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وإن الله قد أوحى إلي أن أبني له مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا أنا وعلي وابنا علي ) . وفي سبل الهدى ( 10 / 424 ) : ( وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن أبي حازم الأشجعي قال رسول الله : إن الله أمر موسى أن يبني مسجداً طاهراً لا يسكنه الا هو وهارون ، وإن الله أمرني أن أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا أنا وعلي وأبناء علي ) .
فقام النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بعملين : فأخرج الفقراء الذين كانوا ينامون في المسجد ، وبنى لهم الصفة وهي سقيفة بجنب المسجد . وثانيهما : أمر أن تسد أبواب البيوت الشارعة على ساحة المسجد ، إلا باب بيته وبيت علي وفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
2 . روى النسائي في خصائص علي ( عليه السلام ) / 73 ، عدة أحاديث : منها عن سعد بن أبي وقاص ، قال : ( كنا مع رسول الله في المسجد فنودي فينا ليخرج من في المسجد إلا آل رسول الله . قال : فخرجنا فلما أصبح أتاه عمه فقال : يا رسول الله أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام . فقال رسول الله : ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان
————————— 93 —————————
هذا الغلام إن الله هو أمر به . قال فطر عن عبد الله بن شريك عن عبد الله بن أرقم ، عن سعد أن العباس أتى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : سددت أبوابنا إلا باب علي . فقال : ما أنا فتحتها ولا أنا سددتها ) .

أقول : لم يكن العباس في المدينة ، فلا بد أن يكون المقصود حمزة رضي الله عنه .

3 . وروى في الكافي ( 5 / 339 ) بسند صحيح عن الباقر ( عليه السلام ) قصة جويبر :

قال : ( إن رجلاً كان من أهل اليمامة يقال له : جويبر أتى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) منتجعاً للإسلام فأسلم وحسن إسلامه ، وكان رجلاً قصيراً دميماً ، محتاجاً عارياً ، وكان من قباح السودان ، فضمه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لحال غربته وعراه ، وكان يجري عليه طعامه صاعاً من تمر بالصاع الأول ، وكساه شملتين ، وأمره أن يلزم المسجد ويرقد فيه بالليل ، فمكث بذلك ما شاء الله ، حتى كثر الغرباء ممن يدخل في الإسلام من أهل الحاجة بالمدينة وضاق بهم المسجد ، فأوحى الله عز وجل إلى نبيه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أن طهر مسجدك ، وأخرج من المسجد من يرقد فيه بالليل ، ومر بسد أبواب من كان له في مسجدك باب ، إلا باب علي ( عليه السلام ) ومسكن فاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، ولا يمرن فيه جنب ولا يرقد فيه غريب .
قال : فأمر رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بسد أبوابهم إلا باب علي ( عليه السلام ) وأقر مسكن فاطمة ( عليها السلام ) على حاله ، قال : ثم إن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أمر أن يتخذ للمسلمين سقيفة ، فعملت لهم وهي الصفة ، ثم أمر الغرباء والمساكين أن يظلوا فيها نهارهم وليلهم ، فنزلوها واجتمعوا فيها ، فكان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يتعاهدهم بالبر والتمر والشعير والزبيب ، إذا كان عنده ، وكان المسلمون يتعاهدونهم ويرقون عليهم لرقة رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، ويصرفون صدقاتهم إليهم . فإن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة منه له ورقة عليه فقال له : يا جويبر لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك ، فقال له جويبر : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، من يرغب فيَّ ، فوالله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال ، فأية امرأة ترغب فيَّ ؟ فقال له رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : يا جويبر إن الله قد وضع بالإسلام من كان
————————— 94 —————————
في الجاهلية شريفاً ، وشرف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً ، وأعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً ، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها ،
فالناس اليوم كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم وإن آدم خلقه الله من طين ، وإن أحب الناس إلى الله عز وجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم . وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلا لمن كان أتقى لله منك وأطوع ، ثم قال له : انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد فإنه من أشرف بني بياضة حسباً فيهم فقل له : إني رسول رسول الله إليك وهو يقول لك : زوج جويبرا ابنتك الذلفاء ، قال : فانطلق جويبر برسالة رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى زياد بن لبيد وهو في منزله وجماعة من قومه عنده ، فاستأذن فأعلم ، فأذن له فدخل وسلم عليه ، ثم قال : يا زياد بن لبيد إني رسول رسول الله إليك في حاجة لي فأبوح بها ، أم أسرها إليك ؟ فقال له زياد : بل بح بها ، فإن ذلك شرف لي وفخر ، فقال له جويبر : إن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يقول لك : زوج جويبرا ابنتك الذلفاء ، فقال له زياد : أرسول الله أرسلك إلي بهذا ؟ فقال له : نعم ، ما كنت لأكذب على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فقال له زياد : إنا لا نزوج فتياتنا إلا أكفاءنا من الأنصار ، فانصرف يا جويبر حتى ألقى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فأخبره بعذري ، فانصرف جويبر وهو يقول : والله ما بهذا نزل القرآن ولا بهذا ظهرت نبوة محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فسمعت مقالته الذلفاء بنت زياد وهي في خدرها ، فأرسلت إلى أبيها أدخل إليَّ فدخل إليها فقالت له : ما هذا الكلام الذي سمعته منك تحاور به جويبر ؟ فقال لها : ذكر لي أن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أرسله وقال : يقول لك رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : زوج جويبراً ابنتك الذلفاء ، فقالت له : والله ما كان جويبر ليكذب على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بحضرته ، فابعث الآن رسولاً يرد عليك جويبراً ، فبعث زياد رسولا فلحق جويبرا فقال له زياد : يا جويبر مرحباً بك إطمئن حتى أعود إليك ! ثم انطلق زياد إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال له : بأبي أنت وأمي إن جويبراً أتاني برسالتك وقال : إن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يقول لك : زوج جويبراً ابنتك الذلفاء فلم ألن له بالقول ، ورأيت لقاءك ، ونحن لا نتزوج إلا
————————— 95 —————————
أكفاءنا من الأنصار ، فقال له رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : يا زياد جويبر مؤمن والمؤمن كفوٌ للمؤمنة والمسلم كفوٌ للمسلمة ، فزوجه يا زياد ولا ترغب عنه ، قال : فرجع زياد إلى منزله ودخل على ابنته فقال لها ما سمعه من رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقالت له : إنك إن عصيت رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كفرت ! فزوج جويبراً ، فخرج زياد فأخذ بيد جويبر ، ثم أخرجه إلى قومه فزوجه على سنة الله وسنة رسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وضمن صداقه قال : فجهزها زياد وهيؤوها ، ثم أرسلوا إلى جويبر فقالوا له : ألك منزل فنسوقها إليك ، فقال : والله مالي من منزل ، قال : فهيؤوها وهيؤوا لها منزلاً وهيؤوا فيه فراشاً ومتاعاً ، وكسوا جويبرا ثوبين ، وأدخلت الذلفاء في بيتها ، وأدخل جويبر عليها معتماً ، فلما رآها نظر إلى بيت ومتاع وريح طيبة ، قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتى طلع الفجر ، فلما سمع النداء خرج وخرجت زوجته إلى الصلاة ، فتوضأت وصلت الصبح ، فسئلت هل مسك ؟ فقالت : ما زال تالياً للقرآن وراكعاً وساجداً حتى سمع النداء ، فخرج . فلما كانت الليلة الثانية فعل مثل ذلك ، وأخفوا ذلك من زياد ، فلما كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فأخبر بذلك أبوها ، فانطلق إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال له : بأبي أنت وأمي يا رسول الله أمرتني بتزويج جويبر ولا والله ما كان من مناكحنا ولكن طاعتك أوجبت علي تزويجه . فقال له النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : فما الذي أنكرتم منه ؟ قال : إنا هيئنا له بيتاً ومتاعاً وأدخلت ابنتي البيت وأدخل معها معتماً فما كلمها ولا نظر إليها ولادنا منها ، بل قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتى سمع النداء ، فخرج ثم فعل مثل ذلك في الليلة الثانية ، ومثل ذلك في الثالثة ، ولم يدن منها ولم يكلمها ! إلى أن جئتك وما نراه يريد النساء ، فانظر في أمرنا . فانصرف زياد وبعث رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى جويبر فقال له : أما تقرب النساء ؟ فقال له : جويبر : أو ما أنا بفحل ، بلى يا رسول الله إني لشبق نهم إلى النساء ، فقال له رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : قد خبرت بخلاف ما وصفت به نفسك ، قد ذكر لي أنهم هيؤوا لك بيتاً وفراشاً ومتاعاً وأدخلت عليك فتاة حسناء عطرة ، وأتيت معتماً
————————— 96 —————————
فلم تنظر إليها ولم تكلمها ، ولم تدن منها فما دهاك إذن ؟ فقال له جويبر : يا رسول الله دخلت بيتاً واسعاً ورأيت فراشاً ومتاعاً وفتاة حسناء عطرة ، وذكرت حالي التي كنت عليها وغربتي وحاجتي ووضيعتي وكسوتي مع الغرباء والمساكين ، فأحببت إذ أولاني الله ذلك أن أشكره على ما أعطاني ، وأتقرب إليه بحقيقة الشكر ، فنهضت إلى جانب البيت فلم أزل في صلاتي تالياً للقرآن راكعاً وساجداً أشكر الله حتى سمعت النداء ، فخرجت . فلما أصبحت رأيت أن أصوم ذلك اليوم ففعلت ذلك ثلاثة أيام ولياليها ، ورأيت ذلك في جنب ما أعطاني الله يسيراً ، ولكني سأرضيها وأرضيهم الليلة إن شاء الله ، فأرسل رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى زياد ، فأتاه فأعلمه ما قال جويبر فطابت أنفسهم قال : ووفى لها جويبر بما قال : ثم إن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) خرج في غزوة له ومعه جويبر فاستشهد رحمه الله تعالى ، فما كان في الأنصار أيَّمٌ أنفق منها بعد جويبر ) !
أقول : اتضح بذلك أن الأمر بتطهير المسجد أمرٌ بإخراج من يبيتون فيه من الفقراء ، وأمرٌ بسد أبواب البيوت الشارعة على المسجد ليكون مدخلها من السكة ، وليس من ساحة المسجد ، إلا بيته ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وبيت علي وفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
4 . حسدوا علياً لاستثنائه ، فاخترعوا حديث الخوخة !
قالت عائشة والبخاري ( 4 / 190 ) إن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) استثنى أبا بكر وليس علياً ! فقال : ( لا يبقين في المسجد باب الأسد الا باب أبي‌بكر ) لكن مشكلة عائشة أن بيت أبيها في السنح ، وهو يبعد كيلو مترات عن المسجد ، فكيف يكون له باب يفتح على ساحة المسجد ! وكذلك بيت عمر كان في العوالي . لكنهم أصروا على التناقض !
كذلك قالوا إن بيت العباس عم النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كان يفتح على المسجد ، لكن العباس كان في مكة ، ولم يأت إلى المدينة إلا بعد فتح مكة .
نعم قد يكون بيت حمزة ، ونقلوا أنه اعترض فأجابه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بأن ذلك أمر الله تعالى وليس من أمره هو ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فقبل حمزة . ومعناه أن سد الأبواب كان قبل أُحُد ، لأن حمزة رضي الله عنه استشهد فيها .
لكن عائشة قالت إن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال في مرض وفاته : ( يا أيها الناس سدوا الأبواب
————————— 97 —————————
الشارعة في المسجد إلا باب أبي‌بكر ، فإني لا أعلم امرؤاً أفضل عندي يداً في الصحبة من أبي‌بكر ) . ( السنة لابن أبي عاصم في السنة / 565 ) .
وفي نفس الوقت قالت عائشة : ( لما قدمت المدينة نزلنا السنح ) . ( سنن البيهقي : 10 / 220 ) وقالت : ( إن رسول الله مات وأبو بكر بالسنح ) . ( البخاري : 4 / 193 ) وقالت :
( إن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح ) . ( البخاري : 5 / 142 ) .
وقال ابن سعد ( 3 / 186 ) : « فأقام هناك بالسنح بعدما بويع له ستة أشهر ، يغدو على رجليه إلى المدينة ، وربما ركب على فرس له ، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح ) .
وحاول شراح البخاري وعلماء السلطة أن يحلوا تناقض عائشة والبخاري ، فقالوا إن قولي عائشة صحيحان وإن كانا متناقضين ! لأنه لا يجوز رد منقبة لأبي‌بكر وعمر وعائشة ، حتى لو كانت متناقضة مع منقبة أخرى !
5 . وجعلوا باب أبي‌بكر خوخة ليحلوا التناقض ! كنت أفكر في قولهم إن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال : سدو الأبواب إلا باب أبي‌بكر ، فهو مقابل : إلا باب علي ( عليه السلام ) . لكن لماذا جعلوا باب أبي‌بكر خوخة كما في البخاري وغيره ؟ والخوخة كوة أو نافذة أو باب صغيرلايكاد يسع شخصاً ؟ ! فوجدت السبب أنهم افتضحوا لأنه لا بيت لأبي‌بكر قرب المسجد لكنه لما صار خليفة فتح خوخة في قبلة المسجد ليمر منها ، وسميت خوخة أبي‌بكر ، فقالوا إن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال : إلا خوخة أبي‌بكر ، أي التي سيفتحها بعد وفاتي !
وسبب الخوخة أن أبا بكر كان يخاف من القتل والسم ، فلما استخلف أحضر طبيب السموم الحارث بن كلدة من الطائف ، فكان لا يأكل طعاماً إلا وهو معه ! قال البلاذري ( 10 / 87 ) والمسعودي ( 1 / 552 ) : ( سمته اليهود في شئ من الطعام وأكل معه الحارث بن كلدة فعميَ ) وصححه السيوطي في تاريخ الخلفاء / 61 ، وقال : ( كانا يأكلان خزيزة ( لحم مثروم مطبوخ ) أهديت لأبي‌بكر ، فقال الحارث لأبي‌بكر : إرفع يدك يا خليفة رسول الله ! والله إن فيها لسُم سنة ، وأنا وأنت نموت في يوم واحد ! فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة ) .
————————— 98 —————————
وفي رواية بعد ثلاثة أيام ، أو خمسة عشر يوماً ! ( وتاريخ دمشق : 30 / 409 ، وفتح الباري : 7 / 34 ،
وتحفة الأحوذي : 10 / 96 ، والحاكم : 3 / 64 ، والطبقات : 3 / 198 ، وأسد الغابة : 3 / 223 ، وصفة الصفوة : 1 / 263 ، والرياض النضرة : 1 / 259 و 2 / 243 ، والمنتظم : 4 / 129 ، ومسائل الإمام أحمد / 75 ، والمصباح المضي : 1 / 33 ، وتخريج الدلالات للخزاعي / 670 ، والتراتيب الإدارية : 1 / 456 ، والصواعق المحرقة : 1 / 253 ،
والعقد الفريد / 1010 . . وغيرها ) .
فخوخة أبي‌بكر باب صغير قبلي المسجد النبوي فتحه ليدخل منه إلى المحراب مباشرة ولا يمر بين الناس ، فزعموا أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) استثناها قبل وجودها !
قال المناوي في فيض القدير ( 1 / 120 ) : ( وفي رواية البخاري : إلا خوخة أبي‌بكر ، فلا تسد تكريماً له ، وإظهاراً لتميزه بين الملأ . ثم هذه الكلمة إن أريد بها الحقيقة فذلك ، لأن أهل المنازل الملاصقة للمسجد قد جعلوا لبيوتهم مخترقاً يمرون فيه إلى المسجد ، أو كوة ينظرون منها إليه ، فأمر بسدها وترك خوخة أبي‌بكر إعظاماً له . ثم رمز للناس في ضمن ذلك إلى شأن الخلافة . وإن أريد بها المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد أبواب القالة دون التطرق إليها والتطلع نحوها . قال بعضهم : والمجاز أقوى ، إذ لم يصح أن أبا بكر كان منزله بلصق المسجد بل بعوالي المدينة ، فالقصد بالأمر بالسد سد طرق منازعته في الخلافة ، على طريق الاستعارة ) !
وقال المحب الطبري في الرياض النضرة ( 1 / 129 ) : ( سدوا كل خوخة في القبلة إلا خوخة أبي‌بكر . فيه دليل بمنطوقه على أن الخوخات المسدودة كانت في القبلة ، وبمفهومه على أن في المسجد خوخات غيرها لم تسد ) .
ولم تكن خوخات في القبلة في زمن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فالحديث مكذوب ومفصل على خوخة أبي‌بكر ! ويؤيد كذبه أنك تجد في ألفاظه أنواعاً من المديح لأبي‌بكر على لسان النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مثل قوله : لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر . . وقد زوجني بنته ، وواساني بنفسه . ما لأحد عندنا من يد إلا لأبي‌بكر ، وإن خير المسلمين مالاً أبو بكر ، أعتق بلالاً ، وحملني إلى دار الهجرة . . الخ .
وزعموا أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كال هذه المدائح عند أمره بأن لا يسدوا خوخة أبي‌بكر ، اي
————————— 99 —————————
سيكون خليفة ويفتح خوخة فلا تسدوها !
ومما يؤيد كذبهم ، أن عمر فتح خوخة أخرى في قبلي المسجد ، فسميت خوخة عمر ! فهل يشملها الأمر بالسد ؟ قال ابن سعد في الطبقات ( 5 / 188 ) : ( كان مجلس القاسم وسالم بن عبد الله في مسجد رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) واحداً . . فكان تجاه خوخة عمر بين القبر والمنبر ) . وفي تهذيب الكمال للمزي ( 31 / 353 ) : ( وإذا يحيى بن سعيد خارج من خوخة عمر ) !
6 . ابن حجر يحاول حل مشكلة باب أبي‌بكر وخوخته !
قال في فتح الباري ( 7 / 12 ) : ( والخوخة طاقة في الجدار تفتح لأجل الضوء ، ولا يشترط علوها ، وحيث تكون سفلى يمكن الإستطراق منها لاستقراب الوصول إلى مكان مطلوب ، وهو المقصود هنا ، ولهذا أطلق عليها باب . .
قال الخطابي وابن بطال وغيرهما : في هذا الحديث اختصاص ظاهر لأبي‌بكر ، وفيه إشارة قوية إلى استحقاقه للخلافة ، ولا سيما وقد ثبت أن ذلك كان في آخر حياة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الوقت الذي أمرهم فيه أن لا يؤمهم إلا أبو بكر . وقد ادعى بعضهم أن الباب كناية عن الخلافة ، والأمر بالسد كناية عن طلبها ، كأنه قال لايطلبن أحد الخلافة إلا أبا بكر فإنه لاحرج عليه في طلبها ، والى هذا جنح ابن حبان فقال بعد أن أخرج هذا الحديث : في هذا الحديث دليل على أنه الخليفة بعد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لأنه حسم بقوله : سدوا عني كل خوخة في المسجد ، أطماع الناس كلهم عن أن يكونوا خلفاء بعده . وقوى بعضهم ذلك بأن منزل أبي‌بكر كان بالسنح من عوالي المدينة ، فلا يكون له خوخة إلى المسجد ، وهذا الإسناد ضعيف لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد ، ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من الأنصار ، وقد كان له إذ ذاك زوجة أخرى وهي أسماء بنت عميس بالاتفاق ، وأم رومان على القول بأنها كانت باقية يومئذ .
وقد تعقب المحب الطبري كلام ابن حبان فقال وقد ذكر عمر ابن شبة
————————— 100 —————————
في أخبار المدينة أن دار أبي‌بكر التي أذن له في إبقاء الخوخة منها إلى المسجد كانت ملاصقة للمسجد ، ولم تزل بيد أبي‌بكر حتى احتاج إلى شئ يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها ، فاشترتها منه حفصة أم المؤمنين بأربعة آلاف درهم ، فلم تزل بيدها إلى أن أرادوا توسيع المسجد في خلافة عثمان فطلبوها منها ليوسعوا بها المسجد ، فامتنعت وقالت كيف بطريقي إلى المسجد . فقيل لها : نعطيك داراً أوسع منها ، ونجعل لك طريقاً مثلها فسلمت ورضيت ) .
أقول : الصحيح أن أبا بكر لم يكن عنده بيت فيه باب أو خوخة على المسجد في حياة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، بل كان يسكن في السنح كما نصت عائشة وغيرها . وبعد خلافته بمدة اشترى بيتاً قرب المسجد ، وهذا هو الذي اشترته منه حفصة !
ثم قال ابن حجر : ( تنبيه : جاء في سد الأبواب التي حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب ، منها حديث سعد بن أبي وقاص قال : أمرنا رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بسد الأبواب الشارعة في المسجدوترك باب علي . أخرجه أحمد والنسائي وإسناده قوي ، وفي رواية للطبراني في الأوسط رجالها ثقات من الزيادة ، فقالوا : يا رسول الله سددت أبوابنا ! فقال : ما أنا سددتها ولكن الله سدها !
وعن زيد بن أرقم قال كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد فقال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) سدوا هذه الأبواب إلا باب علي ، فتكلم ناس في ذلك ، فقال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : إني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكن أمرت بشئ فاتبعته . أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات .
وعن ابن عباس قال : أمر رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بأبواب المسجد فسدت إلا باب علي فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره . أخرجهما أحمد والنسائي ورجالهما ثقات . وعن جابر بن سمرة قال : أمرنا رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بسد الأبواب كلها غير باب علي ، فربما مر فيه وهو جنب . أخرجه الطبراني .
وعن ابن عمر قال كنا نقول في زمن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر . ولقد أعطيَ علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن
————————— 101 —————————
أحب إلي من حمر النعم : زوجه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ابنته وولدت له ، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر . أخرجه أحمد وإسناده حسن .
وأخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار بمهملات قال فقلت لابن عمر : أخبرني عن علي وعثمان ، فذكر الحديث وفيه : وأما علي فلا تسأل عنه أحداً ، وانظر إلى منزلته من رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قد سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه . ورجاله رجال الصحيح الا العلاء ، وقد وثقه يحيى بن معين .
وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً ، وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها . وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات ، وأخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص ، وزيد بن أرقم وابن عمر ، مقتصراً على بعض طرقه عنهم ، وأعله ببعض من تكلم فيه من رواته ، وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق . وأعله أيضاً بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي‌بكر ، وزعم أنه من وضع الرافضة ، قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي‌بكر . انتهى .
وأخطأ في ذلك خطأ شنيعاً ، فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة ، مع أن الجمع بين القصتين ممكن ، وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده فقال : ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي ، وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي‌بكر ، فإن ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري ، يعني الذي أخرجه الترمذي أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال : لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنباً غيري وغيرك . والمعنى : أن باب علي كان إلى جهة المسجد ، ولم يكن لبيته باب غيره ، فلذلك لم يؤمر بسده . ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن ، من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب ، أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب ، إلا لعلي بن أبي طالب ، لأن بيته كان في المسجد .
ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين ، ففي الأولى استثنيَ علي
————————— 102 —————————
لما ذكره ، وفي الأخرى استثنيَ أبو بكر . ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي ، وما في قصة أبي‌بكر على الباب المجازي ، والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه ، وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها ، وأحدثوا خوخاً يستقربون الدخول إلى المسجد منها ، فأمروا بعد ذلك بسدها ، فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين ) !
أقول : يدرك الباحث بأدنى تفكير أنه لا يمكن الجمع بين الأمر بسد الأبواب إلا باب علي ( عليه السلام ) في حياة حمزة أي قبل أحُد ، ثم يقول في مرض موته : إلا باب أبي‌بكر أو خوخته ! فالعجب من تخبط ابن حجر وكبار علمائهم بين الخوخة والباب ، والحقيقة والمجاز ، وإصرارهم على إثبات منقبة لأبي‌بكر مقابل منقبة علي ( عليه السلام ) ، حتى لو لم يكن لأبي‌بكر بيت قرب المسجد ، وحتى لو أحدث خوخته بعد وفاة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) !
وقال الحافظ الغماري في إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل / 18 : ( أمر رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي . حديث صحيح ، أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات . ورد عليه الحافظ في القول المسدد . وابن تيمية لانحرافه عن علي كما هو معلوم لم يكفه حكم ابن الجوزي ، بوضعه فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه ! وأمثلة رده للأحاديث التي يردها لمخالفة رأيه كثيرة يعسر تتبعها ) .
قال الكميت بن زيد الأسدي ( رحمه الله ) :
علي أمير المؤمنين وحقه * من الله مفروض على كل مسلم
وان رسول الله أوصى بحقه * وأشركه في كل حق مقسم
وزوجه صديقة لم يكن لها * معادلة غير البتولة مريم
وردم أبواب الذين بنى لهم * بيوتا سوى أبوابه لم يردم
وأوجب يوما بالغدير ولاية * على كل بر من فصيح وأعجم
( تفسير أبي الفرج : 2 / 193 ) .
7 . اعترف بعضهم بوضع حديث الخوخة ! واعترف ابن أبي الحديد في شرح النهج ( 11 / 49 ) بأن حديث سد الأبواب إلا باب أبي‌بكر أو خوخته ، مكذوب مقابل حديث :
————————— 103 —————————
إلا باب علي ( عليه السلام ) . وقال التستري في خلاصة عبقات الأنوار ( 1 / 89 ) : ( وجاء علماء الكلام وأصحاب الكتب في الإمامة منهم ، فعارضوا بهذه الموضوعات الأحاديث الصحاح في فضل علي ( عليه السلام ) . . وكان من جملة هذه الأحاديث المحرفة أو الموضوعة رأساً في مقابل فضيلة من الفضائل :
1 – لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن الله اتخذ صاحبكم خليلاً .
2 – سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد ، غير خوخة أبي‌بكر .
3 – ما صب الله في صدري شيئاً إلا وصببته في صدر أبي‌بكر .
4 – لو كان بعدي نبي لكان عمر .
5 – لو لم أبعث فيكم لبعث عمر .
6 – ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر .
7 – أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى .
8 – اقتدوا باللذين من بعدي أبي‌بكر وعمر .
9 – خلقني الله من نوره ، وخلق أبا بكر من نوري ، وخلق عمر من نور أبي‌بكر ، فخلق أمتي من نور عمر ، وعمر سراج أهل الجنة .
10 – عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ .
11 – أنا مدينة العلم ، وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها ، وعلي بابها .
12 – أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وأبو بكر وعمر وعثمان حيطانها وأركانها .
13 – أصحابي كالنجوم ، فبأيهم اقتديتم اهتديتم .
* *
————————— 104 —————————
علي ( عليه السلام ) في عمليات النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قبل بدر
قال البيهقي في دلائل النبوة ( 3 / 11 ) : ( ثم غزا رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في ربيع الآخر يريد قريشاً حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ، ثم رجع ولم يلق كيداً فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادي الأولى .
ثم غزا يريد قريشاً فسلك رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) على نقب بني دينار بن النجار حتى نزل العشيرة من بطن ينبع ، فأقام بها بقية جمادي الأولى وليالي من جمادي الآخرة ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة . .
عن عمار بن ياسر قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع ، فلما نزلها رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أقام بها شهراً ، فصالح بها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة فوادعهم فقال لي علي بن أبي طالب : هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء النفر من بني مدلج يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون ، فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ، ثم غشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض فنمنا فيه ، فوالله ما أهبنا إلا رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بقدمه فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء ، فيومئذ قال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لعلي يا أبا تراب لما عليه من التراب فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال : ألا أخبركم بأشقى الناس رجلين ؟ قلنا بلى يا رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذه ، ووضع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يده على رأسه ، حتى يبل منها هذه ووضع يده على لحيته ) !
أقول : نلاحظ أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كان يخبر عن مستقبل أمته ، من أول نبوته ، وكأنه صفحة مفتوحة أمامه ، ففي غزوة العشيرة في السنة الثانية أخبر عن قتل ابن ملجم لعلي ( عليه السلام ) ، وسماه أشقى الآخرين ، وكانوا يبنون مسجده في المدينة ، وأخبر أن عماراً ستقتله الفئة الباغية . كما نلاحظ أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لقَّب علياً ( عليه السلام ) ( أبا تراب ) . لأن العرب يلقبون أولادهم وأعزائهم بلقب ظاهره الذم وواقعه مدح ، ليعجب ذلك خصومهم فيستعملونه ، ولا يلقبوهم بألقاب ذم .
* *
————————— 105 —————————

الفصل الخامس: علي ( عليه السلام ) بطل معركة بدرالكبرى

من سيرة علي ( عليه السلام ) في معركة بدر

1 . أحس علي ( عليه السلام ) بنزول الملائكة وسلموا عليه :
ذكرنا في السيرة النبوية ، دور علي ( عليه السلام ) في معركة بدر ، ونذكر هنا نقاطاً
منها : أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بعث علياً ( عليه السلام ) ليلة بدر ليستقي لهم ، فأحس بنزول مجموعات الملائكة . ففي تفسير العياشي » 2 / 65 « : « عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : لما عطش القوم يوم بدر انطلق علي ( عليه السلام ) بالقربة يستقي وهو على القليب ، إذ جاءت ريح شديدة ثم مضت فلبث ما بدا له ، ثم جاءت ريح أخرى ثم مضت ، ثم جاءت أخرى كادت أن تشغله وهو على القليب ، ثم جلس حتى مضت ، فلما رجع إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أخبره بذلك فقال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : أما الريح الأولى ففيها جبرئيل مع ألف من الملائكة ، والثانية فيها ميكائيل مع ألف من الملائكة ، والثالثة فيها إسرافيل مع ألف من الملائكة ، وقد سلموا عليك وهم مدد لنا ، وهم الذين رآهم إبليس فنكص على عقبيه يمشي القهقرى ، حتى يقول : وَقَالَ إِنِّي بَرِيئٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاتَرَوْنَ إِنِّي
أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ » .
وفي المناقب » 2 / 80 « : « عن محمد بن الحنفية قال : بعث رسول الله علياً ( عليه السلام ) في غزوة بدر أن يأتيه بالماء حين سكت أصحابه عن إيراده . .
وفي رواية أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال له عن الملائكة : ما أتوا إلا ليحفظوك . . عن الليث وكان يقول : كان لعلي في ليلة واحدة ثلاثة آلاف منقبة وثلاث مناقب ، ثم يروي هذا الخبر ، قال الحميري :
————————— 106 —————————
وسلم جبريل وميكال ليلةً * عليه وإسرافيلُ حياه معربا
أحاطوا به في ردءة جاء يستقي * وكل على ألف بها قد تحزبا
ثلاثة آلافٍ ملائكَ سلموا * عليه فأدناهم وحِيّاً ومرحبا »
وفي أمالي الطوسي / 547 ، أنه ( عليه السلام ) ناشد المسلمين بعد قتل عثمان : « فهل فيكم من سلم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف من الملائكة ، وفيهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ليلة القليب لما جئتُ بالماء إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) غيري ؟ قالوا : لا » .
2 . علمه الخضر ( ( صلى الله عليه وآله ) ) دعاء قبل بدر : ففي التوحيد للصدوق / 89 : « قال ( عليه السلام ) : رأيت الخضر ( عليه السلام ) في المنام قبل بدر بليلة فقلت له : علمني شيئاً أُنصرُ به على الأعداء ، فقال : قل : يا هوَ ، يا من لا هوَ إلا هو . فلما أصبحت قصصتها على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال لي : يا علي عُلَّمْتَ الاسم الأعظم ، فكان على لساني يوم بدر . وإن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قرأ : قُلْ هُوَ الله أحَد ، فلما فرغ قال : يا هو ، يا من لا هو إلا هو ، اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين . وكان علي ( عليه السلام ) يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد ، فقال له عمار بن ياسر : يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات ؟ قال : اسم الله الأعظم ، وعماد التوحيد لله لا إله إلا هو ، ثم قرأ : شَهِدَ الله أنَّهُ لا إلهَ إِلَّا هُو ، وآخر الحشر ، ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال . وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق ويؤله إليه ، والله هوالمستور عن درك الأبصار ، المحجوب عن الأوهام والخطرات » .
وهذا يدل على أن سر الاسم الأعظم في الذي يُعلمه ، وفي الذي يدعو به .

3 . بدر أول معركة خاضها علي ( عليه السلام ) :

كانت معركة بدر أول حرب يخوضها علي ( عليه السلام ) ، وكان عمره نحو أربع وعشرين سنة ، على الرواية المشهورة بأن عمره عند البعثة عشر سنين ، وكانت بدر بعد أربع عشرة سنة ونصف من البعثة . ولم يشترك ( عليه السلام ) قبلها في حرب لكن كان له تجربتان في القتال في مكة بعد هجرة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، حيث كمن له فارسٌ في الليل ليفاجأه ويقتله : « فصاح علي به صيحة خرَّ على وجهه وجلله بسيفه » « المناقب : 1 / 335 » فكانت
————————— 107 —————————
هذه أول صيحة له وأول ضربة سيف ! ثم في طريق هجرته ( عليه السلام ) لما أرسلت قريش ثمانية فرسان ليردوه ، يقودهم فارس فاتك : « فأهوى له جَنَاح بسيفه فراغ علي ( عليه السلام ) عن ضربته ، وتختله علي ( عليه السلام ) فضربه على عاتقه ، فأسرع السيف مضيَاً فيه حتى مسَّ كاثبة فرسه » ! « أمالي الطوسي / 470 » فكانت تلك ثاني ضربة لعلي ( عليه السلام ) ! والكاثبة : مجتمع الكتف ، أي شقت ضربته كتف الفارس وبدنه ، حتى وصلت إلى ظهر فرسه !
وفي نسخة المناقب ( 2 / 312 ) أن سعد بن أبي وقاص رأى علياً يوم بدر : « يحمحم فرسه » وقد كان راجلاً ولم يكن عنده فرس ، فهو تصحيف لراوية الخوارزمي في مناقبه / 158 ، عن سعد : « قال معاوية : أتحب علياً ؟ قلت : وكيف لا أحبه وقد سمعت رسول الله يقول له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ، ولقد رأيته بارز يوم بدر وهو يُحمحم كما يحمحم الفرس ، ويقول :
ما تنقمُ الحرب العوان مني * بازلُ عامين حديثٌ سني
سنحْنَحْلُ الليل كأني جني * لمثل هذا ولدتني أمي !
فما رجع حتى خضب سيفه » .
ومناقب ابن سُلَيْمان : 2 / 569 ، والفايق : 1 / 95 ، وينابيع المودة : 1 / 158 ، والنهاية لابن الأثير : 2 / 412 ، ولسان العرب : 11 / 52 وفيه : يقول : أنا مستجمع الشباب مستكمل القوة . ونسب ابن هشام ( 2 / 463 ) أبيات علي ( عليه السلام ) إلى أبي جهل !

4 . سطع نجم علي ( عليه السلام ) في بدر :

وبرز بطلاً فاق عمه حمزة ( رحمه الله ) ، حيث قَتل قرينه ، وساعد حمزة على قتل قرينه : « وحمل أمير المؤمنين على الوليد بن عتبة فضربه على عاتقه فأخرج السيف من إبطه ، ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون : يا علي أما ترى الكلب قد أبهر عمك ! فحمل علي ( عليه السلام ) ثم قال : يا عم طأطئ رأسك وكان حمزة أطول من شيبة ، فأدخل حمزة رأسه في صدره ، فضربه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على رأسه فطرح نصفه ، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق ، فأجهز عليه » . » المناقب : 1 / 311 « .
————————— 108 —————————
وفي الفصول المهمة لابن الصباغ : 1 / 315 ، أن المبارزة كانت بالترتيب : بارز عليٌّ الوليد ، ثم بارز حمزة عتبة ، ثم بارز عبيدة شيبة . « برز الوليد لعلي فقال : من أنت ؟ فقال : أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقتله » . « الطبقات : 2 / 23 ، وابن كثير : 2 / 414 » . ولم يذكر رواة السلطة أنه ( عليه السلام ) قتل قرن حمزة وأجهز على قرن عبيدة ، قالوا : « أما علي فلم يمهل الوليد أن قتله » . « ابن هشام : 2 / 456 » أي برز مع صاحبيه لقرنيهما !
وفي الدر النظيم / 152 : « ثم بارز أمير المؤمنين ( عليه السلام ) العاص بن سعيد بن العاص بعد أن أحجم عنه من سواه ، فلم يلبث إلا أن قتله . وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله ، وبرز بعده طعيمة بن عدي فقتله ، وقتل بعده نوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش . ولم يزل ( عليه السلام ) يقتل واحداً منهم بعد واحد حتى أتى على شطر المقتولين منهم ، وكانوا سبعين قتيلاً . وتولى كافة من حضر بدراً من المسلمين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسومين الشطر الآخر ، وكان قتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للشطر بمعونة الله تعالى له وتوفيقه وتأييده ونصره ، وكان الفتح له بذلك » .
وفي الإرشاد ( 1 / 74 ) : « فاختلفا ضربتين أخطأت ضربة الوليد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) واتقى بيده اليسرى ضربة أمير المؤمنين فأبانتها . قال ( عليه السلام ) : كأني أنظر إلى وميض خاتمه في شماله ، ثم ضربته ضربة أخرى فصرعته وسلبته فرأيت به ردعاً من خَلوق « طيب » فعلمت أنه قريب عهد بعرس » .
وفي إعلام الورى : 1 / 170 : « عن أمير المؤمنين ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال : لقد تعجبت يوم بدر من جرأة القوم ، وقد قتلت الوليد بن عتبة ، إذ أقبل إليَّ حنظلة بن أبي سفيان ، فلما دنا مني ضربته بالسيف فسالت عيناه ، ولزم الأرض قتيلاً » .
* *
وفي الإرشاد للمفيد ( 1 / 70 ) : ( وقد أثبت رواة العامة والخاصة معاً أسماء الذين تولى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قتلهم ببدر من المشركين ، على اتفاق فيما نقلوه من ذلك واصطلاح ، فكان ممن سموه : الوليد بن عتبة كما قدمناه ، وكان شجاعاً جريئاً فاتكاً وقاحاً ، تهابه الرجال . والعاص بن سعيد ، وكان هَوْلاً عظيماً تهابه الأبطال ، وهو الذي حاد عنه
————————— 109 —————————
عمر بن الخطاب ، وقصته فيما ذكرناه مشهورة ، ونحن نثبتها فيما نورده بعد إن شاء الله . وطعيمة بن عدي بن نوفل ، وكان من رؤوس أهل الضلال . ونوفل بن خويلد ، وكان من أشد المشركين عداوةً لرسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وكانت قريش تقدمه وتعظمه وتطيعه ، وهو الذي قرن أبا بكر بطلحة قبل الهجرة بمكة وأوثقهما بحبل وعذبهما يوماً إلى الليل ، حتى سئل في أمرهما ، ولما عرف رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حضوره بدراً سأل الله عز وجل يكفيه أمره فقال : اللهم اكفني قتل بن خويلد ، فقتله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) . وزمعة بن الأسود .
والحارث بن زمعة . والنضر بن الحارث بن عبد الدار . وعمير بن عثمان بن كعب بن تيم ، عم طلحة بن عبيد الله . وعثمان ومالك ابنا عبيد الله ، أخوا طلحة بن عبيد الله . ومسعود بن أبي أمية بن المغيرة . وقيس بن الفاكه بن المغيرة . وحذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة . وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة . وحنظلة بن أبي سفيان . وعمرو بن مخزوم . وأبو المنذر بن أبي رفاعة . ومنبه بن الحجاج السهمي . والعاص بن منبه . وعلقمة بن كلدة . وأبو العاص بن قيس بن عدي . ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص . ولوذان بن ربيعة . وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة . ومسعود بن آمنة بن المغيرة . وحاجب بن السائب بن عويمر . وأوس بن المغيرة بن لوذان . وزيد بن مليص . وعاصم بن أبي عوف . وسعيد بن وهب ، حليف بني عامر . ومعاوية بن عامر بن عبد القيس . وعبد الله بن جميل بن زهير بن الحارث بن أسد . والسائب بن مالك . وأبو الحكم بن الأخنس . وهشام بن أبي أمية بن المغيرة . فذلك خمسة وثلاثون رجلاً ، سوى من اختلف فيه ، أو شرك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فيه غيره ، وهم أكثر من شطر المقتولين ببدر ) .
* *
وفي كشف الغمة : 1 / 181 : « قال الواقدي في كتاب المغازي : جميع من يحصى قتله من المشركين ببدر تسعة وأربعون رجلاً ، منهم من قتله علي وشرك في قتله اثنان وعشرون رجلاً ، شرك في أربعة وقتل بانفراده ثمانية عشر ، وقيل إنه قتل بانفراده
————————— 110 —————————
تسعة بغير خلاف وهم : الوليد بن عتبة بن ربيعة خال معاوية قتله مبارزة ، والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية ، وعامر بن عبد الله ، ونوفل بن خويلد بن أسد وكان من شياطين قريش ، ومسعود بن أبي أمية بن المغيرة ، وقيس بن الفاكه ، وعبد الله ابن المنذر بن أبي رفاعة ، والعاص بن منبه بن الحجاج ، وحاجب بن السايب .
وأما الذين شارك في قتلهم غيره فهم : حنظلة بن أبي سفيان أخو معاوية وعبيدة بن الحارث ، وزمعة وعقيل ابنا الأسود بن المطلب .
وأما الذين اختلف الناقلون في أنه قتلهم أو غيره فهم : طعيمة بن عدي ، وعمير بن عثمان بن عمرو ، وحرملة بن عمرو ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العباس بن قيس ، وأوس الجمحي ، وعقبة بن أبي معيط صبراً ، ومعاوية بن عامر . فهذه عدة من قيل إنه قتلهم في هذه الرواية ، غير النضر بن الحارث فإنه قتله صبراً بعد القفول من بدر . هذا من طرق الجمهور .
فأما المفيد فقد ذكر في كتابه الإرشاد . . أثبت رواة العامة والخاصة معاً أسماء الذين تولى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قتلهم ببدر من المشركين ، على اتفاق فيما نقلوه من ذلك واصطلاح ، فكان ممن سموه . فذلك ستة وثلاثون رجلاً ، سوى من اختلف فيه ، أو شرك أمير المؤمنين فيه غيره ، وهم أكثر من شطر المقتولين ببدر على ما قدمناه . وعلى اختلاف المذهبين في تعيين عدة المقتولين ، فقد اتفقا على أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قتل النصف ممن قتل ببدر أو قريباً منه !
وقال المفيد ( رحمه الله ) : فمن مختصرالأخبار التي قد جاءت بشرح ما أثبتناه ، ما رواه شعبة عن أبي إسحاق عن حارث بن مضرب ، قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : لقد حضرنا بدراً وما فينا فارس إلا المقداد بن الأسود ، ولقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا من نام غير رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فإنه كان منتصباً في أصل شجرة يصلي ويدعو حتى الصباح » !
5 . كان يقاتل ثم يعود ليطمئن على النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) :
وكان جبرئيل ( عليه السلام ) يوجه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في قتاله ، فكان يقاتل شوطاً ثم يرجع إلى مركزه ويدعو . ويظهر أنه بعد أن ألقى كف الحصى على المشركين واصل الدعاء حتى وقعت
————————— 111 —————————
الهزيمة ، قال علي ( عليه السلام ) : « لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال ، ثم جئت مسرعاً لأنظر إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ما فعل . فجئت فإذا هو ساجد يقول : يا حي يا قيوم ، يا حي يا قيوم ، لا يزيد عليها . فرجعت إلى القتال ، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك أيضاً . فذهبت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك ، حتى فتح الله عليه » .
« الصحيح من السيرة : 5 / 68 » .
وروت ذلك عامة مصادرهم ، وفي بعضها أنه ( عليه السلام ) رجع إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مرتين ، كما في النسائي : 6 / 157 ، والطبقات : 2 / 26 ، والحاكم : 1 / 147 ، وصححه . وفي مجمع الزوائد : 10 / 147 ، أنها ثلاث مرات ، وكذا الثعالبي عن الترمذي .
وشارك رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في القتال ، وقال علي ( عليه السلام ) : « رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وهوأقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً » .
« مكارم الأخلاق / 18 » .

6 . مَدَحَ النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) علياً ( عليه السلام ) في بدر ورفع بيده :

وأكد للمسلمين أنه وزيره ووليهم من بعده ، ففي الإحتجاج ( 1 / 209 ) : « قال ( عليه السلام ) في احتجاجه على أعضاء شورى عمر : نشدتكم بالله هل فيكم أحد أخذ رسول الله بيده يوم بدر فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه وهو يقول : ألا إن هذا ابن عمي ووزيري ، فوازروه وناصحوه ، فإنه وليكم بعدي ، غيري ؟ قالوا : لا » .

7 . وكان معه جبرئيل وميكائيل وعزرائيل ( عليهم السلام ) : « وكان جبرئيل يقاتل عن يمين علي ( عليه السلام ) وميكائيل عن يساره ، وملك الموت قدامه » . « المناقب : 3 / 54 » . وسماه المشركون : الموت الأحمر . « المناقب : 3 / 43 » . وقَتَّال العرب فعندما حمل الحسين ( عليه السلام ) على جيش عمر بن سعد في كربلاء وكانوا ثلاثين ألفاً ، قال لهم عمر بن سعد : « الويل لكم أتدرون من تبارزون ! هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتَّال العرب فاحملوا عليه من كل جانب » . « المناقب : 3 / 258 » .
وسموه : قاتل الأحبة ، ففي جواهر الكلام ( 21 / 331 ) أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما زار
————————— 112 —————————
عائشة بعد معركة الجمل : « انتهى إلى دار عظيمة فاستفتح ففتح له ، فإذا هو بنساء يبكين بفناء الدار ، فلما نظرن إليه صحن صيحة واحدة وقلن : هذا قاتل الأحبة ، فلم يقل لهن شيئاً وسأل عن حجرة عائشة ففتح له بابها ، وسمع بينهما كلام شبيه بالمعاذير لا والله وبلى والله ، ثم خرج فنظر إلى امرأة أدماء طويلة ، فقال لها يا صفية فأتته مسرعة ، فقال ألا تبعدين هؤلاء الكلبات يزعمن أني قاتل الأحبة ! ولو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذه الحجرة ومن في هذه وأومأ إلى ثلاث حجر ! فذهبت إليهن وقالت لهن : فما بقيت في الدار صائحة إلا سكتت ولا قائمة إلا قعدت ! قال الأصبغ : وكان في إحدى الحجر عائشة ومن معها من خاصتها ، وفي الأخرى مروان بن الحكم وشباب من قريش ، وفي الأخرى عبد الله بن الزبير وأهله » .
8 . كانت بدر ثالث امتحان لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : وقد تحدث أمير المؤمين عن بدر في مناسبات ، واعتبرها أحد امتحاناته الربانية السبعة التي وفقه الله للنجاح فيها ، فقال له حبر يهودي إن كتبنا تقول إن وصي هذا النبي يمتحن في حياته وبعد وفاته ، فكم هذه الإمتحانات وما هي ؟ فقال ( عليه السلام ) : « وأما الثالثة يا أخا اليهود ، فإن ابني ربيعة وابن عتبة ، كانوا فرسان قريش ، دَعوا إلى البراز يوم بدر ، فلم يبرز لهم خلق من قريش ، فأنهضني رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مع صاحبيَّ رضي الله عنهما وقد فعل ، وأنا أحدث أصحابي سناً وأقلهم للحرب تجربة ، فقتل الله عز وجل بيدي وليداً وشيبة ، سوى من قتلت من جحاجحة قريش في ذلك اليوم ، وسوى من أسرت ، وكان مني أكثر مما كان من أصحابي . واستشهد ابن عمي في ذلك ( رحمه الله ) » . « الخصال / 367 » .
وذكرعليٌّ ( عليه السلام ) بدراً ، رداً على قولهم إنهم بايعوا أبا بكر يوم السقيفة خوفاً على الإسلام فقال ( عليه السلام ) : « ما لنا ولقريش ؟ وما تنكر منا قريش غير أنا أهل بيت شيَّد الله فوق بنيانهم بنياننا ، وأعلى الله فوق رؤوسهم رؤوسنا ، واختارنا الله عليهم ، فنقموا عليه أن اختارنا عليهم ! وسخطوا ما رضي الله وأحبوا ما كره الله ! فلما اختارنا عليهم شركناهم في حريمنا ، وعرفناهم الكتاب والسنة ، وعلمناهم الفرايض والسنن ، وحفظناهم الصدق واللين ، وديَّناهم الدين والإسلام ، فوثبوا علينا ، وجحدوا فضلنا ، ومنعونا
————————— 113 —————————
حقنا ، وأَلَتُونا أسباب أعمالنا !
اللهم فإني أستعديك على قريش ، فخُذ لي بحقي منها ، ولا تدع مظلمتي لها ، وطالبهم يا رب بحقي ، فإنك الحكم العدل .
يا معشر المهاجرين والأنصار : أين كانت سبقة تيمٍ وعديٍّ إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة ؟ ألا كانت يوم الأبواء ( غزوة بني المصطلق ) إذ تكاتفت الصفوف ، وتكاثرت الحتوف ، وتقارعت السيوف ؟ أم هلا خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد وُدّ ، وقد نفح بسيفه ، وشمخ بأنفه ، وطمح بطرفه ! وهلا كانت مبادرتهما يوم بدر ، إذ الأرواح في الصَّعْداء ترتقي ، والجياد بالصناديد ترتدي ، والأرض من دماء الأبطال ترتوي ؟
ثم عدَّد ( عليه السلام ) وقايع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وقرَّعهما بأنهما في كل هذه المواقف كانا مع النظارة ! ثم قال : ما هذه الدهماء والدهياء التي وردت علينا من قريش ؟ أنا صاحب هذه المشاهد ، وأبو هذه المواقف ، وابن هذه الأفعال الحميدة . . . » . « المناقب : 2 / 46 » .
وذكر ( عليه السلام ) بدراً ، في رسالة إلى معاوية :
« فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا ، وهموا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل ، ومنعونا العذب ، وأحلسونا الخوف ، واضطرونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، فعزم الله لنا على الذب عن حوزته ، والرمي من وراء حرمته ، مؤمننا يبغي بذلك الأجر ، وكافرنا يحامي عن الأصل . ومن أسلم من قريش خلوٌ مما نحن فيه ، بحلف يمنعه ، أو عشيرة تقوم دونه ، فهو من القتل بمكان آمن . وكان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إذا احمر البأس وأحجم الناس قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر السيوف والأسنة ! فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر ، وقتل حمزة يوم أحد ، وقتل جعفر يوم مؤتة . وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة ، ولكن آجالهم عُجلت ، ومنيته أُجلت .
فيا عجباً للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي ، ولم تكن له كسابقتي ، التي لا يدلي أحد بمثلها ، إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه ، ولا أظن الله يعرفه ،
————————— 114 —————————
والحمد لله على كل حال » . « نهج البلاغة : 3 / 8 » .
وقال ( عليه السلام ) في رسالة له إلى معاوية : « وقد دعوتَ إلى الحرب ، فدع الناس جانباً واخرج إليَّ ، وأعف الفريقين من القتال ، ليعلم أينا المرين على قلبه ، والمغطى على بصره ! فأنا أبو حسن قاتل جدك وخالك وأخيك شدخاً يوم بدر ، وذلك السيف معي ، وبذلك القلب ألقى عدوي ، ما استبدلت ديناً ، ولا استحدثت نبياً . وإني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين ، ودخلتم فيه مكرهين » . « نهج البلاغة : 11 / 8 » .
وفي رسالة له ( عليه السلام ) إلى معاوية أيضاً : « فأنا ابن عبد المطلب صاحب ذلك السيف ، وإن قائمه لفي يدي ، وقد علمتَ من قتلتُ من صناديد بني عبد شمس ، وفراعنة بني سهم ، وجمح ، وبني مخزوم ، وأيتمت أبناءهم وأيَّمت نساءهم ، وأذكرك ما لست له ناسياً يوم قتلت أخاك حنظلة وجررت برجله إلى القليب ، وأسرت أخاك عمراً ، فجعلت عنقه بين ساقيه رباطاً ، وطلبتك ففررت ولك حصاص » « نهج السعادة ( 4 / 213 ) . والحِصَاص : ركض الشيطان إذا سمع الأذان ، وركض الكلب إذا اشتد عدوه ، وهو يمصع بذنبه – نهاية ابن الأثير : 1 / 396 » .
9 . غُلُو السلطة في الصَّحابة البدريين غَيْر علي ( عليه السلام ) :
كانت معركة بدر معجزة ربانية ، وسر إعجازها النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) والملائكة ، وبطولة علي ( عليه السلام ) وبني هاشم . وقد سرقت السلطة القرشية تلك البطولة وأعطتها لكل الصحابة ! وجعلتهم جميعاً كالملائكة : أبطالاً أخياراً أبراراً ، من أهل الجنة ! ويكفي جواباً على زعمهم : سورة الأنفال التي نزلت في بدر ، وكشفت وجه صحابة بدريين جاؤوا على كره ، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ! ومنهم من أراد من النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أن يرجع ولا يقاتل قريشاً ! ومنهم من كان يلحُّ على النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في مكة أن يقاتل قريشاً فيقول لهم كفوا أيديكم واصبروا ، فلما كتب عليه القتال في بدر اعترضوا على ربهم لماذا كتب عليهم القتال ، ونكصوا عن مبارزة الفرسان ، وفروا إلى خلف الصفوف ، جبناً وحباً بالحياة ! فوبخهم الله تعالى بقوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً .
————————— 115 —————————
ومنهم : من اختلفوا على الغنائم ، على دراهم أو فرس أو بعير ، أو ثوب قماش ، أو نصف كيس شعير ! ومنهم : من أفقده الطمع دينه فاتهم نبيه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بأنه سرق قطيفةً أو عباءة ! فكذبهم الله تعالى بقوله : وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ !
فأي عاقل يعمم المدح لكل الصحابة في بدر ، إلا أن يكون جاهلاً أو في
قلبه مرض !

10 . وهل كانت بدر إلا لعلي ( عليه السلام ) ؟ !

قال في شرح النهج ( 4 / 58 ) : ( فأما عمر بن عبد العزيز فإنه قال : كنت غلاماً أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود ، فمر بي يوماً وأنا ألعب مع الصبيان ، ونحن نلعن علياً ، فكره ذلك ودخل المسجد ، فتركت الصبيان وجئت إليه لأدرس عليه وردي ، فلما رآني قام فصلى وأطال في الصلاة شبه المعرض عني ، حتى أحسست منه بذلك ، فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي ، فقلت له : ما بال الشيخ ؟ فقال لي : يا بنيَّ أنت اللاعن علياً منذ اليوم ؟ قلت : نعم ، قال : فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ! فقلت : يا أبت ، وهل كان علي من أهل بدر ! فقال : ويحك ! وهل كانت بدر كلها إلا له ! فقلت : لا أعود ، فقال : اللهَ إنك لاتعود ! قلت : نعم ، فلم ألعنه بعدها .
ثم كنت أحضرتحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة وهو حينئذ أمير المدينة ، فكنت أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه ، حتى يأتي إلى لعن علي فيجمجم ، ويعرض له من الفهاهة والحصرما الله عالم به ، فكنت أعجب من ذلك ، فقلت له يوماً : يا أبت ، أنت أفصح الناس وأخطبهم ، فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك ، حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل ، صرت ألكن عيِياً ! فقال : يا بني ، إن من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم لوعلموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك ، لم يتبعنا منهم أحد ! فوقرت كلمته في صدري ، مع ما كان قاله لي معلمي أيام صغري ، فأعطيت الله عهداً لئن كان لي في هذا
————————— 116 —————————
الأمر نصيب لأغيرنه ، فلما من الله عليَّ بالخلافة أسقطت ذلك ، وجعلت مكانه :
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وكتب به إلى الآفاق فصار سنة . ومدحه الشعراء لذلك ، فقال كُثَيِّر عزة :
ولِيتَ فلم تشتمْ علياً ولم تُخفْ * بَرِيَاً ولم تقبل إساءة مجرم
وكفَّرتَ بالعفو الذنوب مع الذي * أتيت فأضحى راضياً كل مسلم
ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه * من الأود البادي ثقاف المقوم
وقال الشريف الرضي من قصيدة :
يا ابن عبد العزيز لو بكت العي‍ * نُ فتى من أمية لبكيتكْ
غير أني أقول إنك قد طِبْتَ * وإن لم يَطبْ ولم يَزْكُ بيتُك
أنت نزهتنا عن السب والشت‍ * م فلو أمكن الجزا لجزيتُك
دير سمعان لا أغبك غيث * خير ميت من آل مروان ميتُك
فلوَ اني ملكتُ دفعاُ لما * نابك من طارق الردى لفديتك
( شرح النهج : 4 / 58 ، ومختصر أخبار شعراء الشيعة / 69 ، والحماسة / 150 )
* *

رمى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بكف حصى في بدر وشاركت الملائكة في القتال

جاء في حديثهم عن هجرة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : ( فأقبل رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حتى قام على رؤسهم فأخذ قبضة من التراب فقال : شاهت الوجوه ، ثم حصبهم بها ، فما أصاب رجلاً من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافراً » . « مجمع الزوائد : 8 / 228 ، وصححه »
وجاء في حديث بدر : ( كان علي ( عليه السلام ) في المعركة قرب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال له : ناولني كفاً من حصى ، فرمى بها في وجوههم وقال لهم : شاهت الوجوه ! فلم يبق أحد منهم إلا ولى الدبر لذلك منهزماً » . « الدر النظيم / 152 وابن هشام : 2 / 458 » . فأنزل الله تعالى : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّه قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى وَلِيُبْليَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
————————— 117 —————————
ومعناه أن إصابة التراب والحصى لمن أصابته ، كانت عملاً محسوباً من الله تعالى . ولعلها علامة للملائكة ليقوموا بعمل ما .
وقال علي ( عليه السلام ) : « لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً » ! رواه في مجمع الزوائد ( 9 / 12 ) وصححه . ولم يكن معه أبو بكر ، فأين كان !
وقد اعتذروا عن أبي‌بكر وعمر لأنهما لم يقاتلا في بدر ، بأن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) استبقاهما معه في العريش ، ليستشيرهما في إدارة المعركة ! وجواب ذلك أنه لم يكن للنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) عريش في بدر ، وأنه قاتل قتالاً شديداً ، فأين كانا ؟
أما عمر فاعترف بأنه رأى العاص بن سعيد فهرب منه إلى الصفوف الخلفية ، قال : « فهبته وزُغت عنه ! فقال إلى أين يا ابن الخطاب » ! ( ابن هشام : 2 / 464 ) .
* *

علي ( عليه السلام ) حامل لواء النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الدنيا والآخرة

قال السرخسي في المبسوط ( 1 / 73 ) : ( ولما كسرت إحدى زندي عليٍّ رضي الله تعالى عنه يوم حنين ، حتى سقط اللواء من يده ، قال النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : إجعلوها في يساره ، فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة ) !
وروى الحاكم ( 3 / 111 ) قول ابن عباس : ( لعلي أربع خصال ليست لأحد ، هو أول عربي وأعجمي صلى مع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وهو الذي كان لواؤه معه في كل مشهد وكل زحف ، والذي صبرمعه يوم المهراس ، وهو الذي غسله وأدخله قبره ) .
وروى الخوارزمي في المناقب / 358 : ( عن جابر بن سمرة قال : قيل يا رسول الله من يحمل رأيتك يوم القيامة ؟ قال : من عسى أن يحملها إلا من حملها في الدنيا ، علي بن أبي طالب ) .
وقال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : ( يا أم‌سلمة ، إسمعي واشهدي :
————————— 118 —————————
هذا علي بن أبي طالب ، وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة . يا أم‌سلمة ، إسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي في الدنيا ، وحامل لوائي غداً في القيامة ) .
( أمالي الصدوق / 464 ) .
وقال ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لعلي ( عليه السلام ) : ( سألت ربي عز وجل أن يجعلك حامل لوائي وهو لواء الله الأكبر ، عليه مكتوب : المفلحون الفائزون بالجنة ، فأعطاني ) . ( الخصال / 314 ) .
وفي علل الشرائع ( 1 / 173 ) عن علي ( عليه السلام ) : ( قال لي رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : أنت أول من يدخل الجنة ، فقلت يا رسول الله أدخلها قبلك ؟ قال : نعم أنت صاحب لوائي في الآخرة كما أنك صاحب لوائي في الدنيا ، وحامل اللواء هو المتقدم . ثم قال ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : يا علي كأني بك وقد دخلت الجنة وبيدك لوائي ، وهو لواء الحمد ، تحته آدم فمن دونه ) .
وفي الصراط المستقيم ( 2 / 119 ) : ( أسند في مراصد العرفان إلى سلمان حين سأله : من الخليفة بعدك يا رسول الله ؟ قال : أدخل عليَّ أبا ذر والمقداد وأبا أيوب ، فقال : اشهدوا وافهموا أن علياً وصيي ووارثي وقاضي ديني وحامل لوائي ، وولده بعده ، ثم من ولد الحسين أئمة تسعة هداة إلى يوم القيامة ، أشكو إلى الله جحد أمتي له وأخذهم حقه ) .
وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : ( سمعت رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يقول : أفضل الكلام قول لا إله إلا الله ، وأفضل الخلق أول من قال : لا إله إلا الله ، فقيل : يا رسول الله ومن أول من قال : لا إله إلا الله ؟ قال : أنا ، وأنا نور بين يدي الله جل جلاله أُوَحِّدُهُ وأسبحه وأكبِّره وأقدسه وأمجده ، ويتلوني نور شاهد مني ، فقيل يا رسول الله ومن الشاهد منك ؟ فقال : علي بن أبي طالب ، أخي وصفيي ، ووزيري وخليفتي ووصيي ، وإمام أمتي ، وصاحب حوضي ، وحامل لوائي ، فقيل له : يا رسول الله فمن يتلوه ؟ فقال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ثم الأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة ) . ( كمال الدين / 669 ) .

منصب حامل لواء النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

معنى حامل اللواء أو الراية : القائد العام للجيش ، فهو أمير يجب على كل من كان تحت رايته أن يطيعه . وقد كان النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حريصاً على أن يؤمر علياً ( عليه السلام ) على كل جيش أو سرية يكون فيها ، وأن لا يؤمر عليه غيره ، بل ورد أن تأميرغيره عليه ، أو
————————— 119 —————————
قبوله بذلك عليه حرام ، لأن الله أمره على الآخرين ، فالقبول بكونه مأموراً لغير الله ورسوله حرامٌ عليه .
قال أحمد بن همام كما في الإحتجاج ( 1 / 292 ) : ( أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي‌بكر ، فقلت : يا عبادة أكان الناس على تفضيل أبي‌بكر قبل أن يستخلف ؟ فقال : يا أبا ثعلبة إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثونا ، فوالله لعلي بن أبي طالب كان أحق بالخلافة من أبي‌بكر كما كان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أحق بالنبوة من أبي جهل ! قال : وأزيدكم : إنا كنا ذات يوم عند رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فجاء علي ( عليه السلام ) وأبو بكر وعمر إلى باب رسول الله ، فدخل أبو بكر ثم دخل عمر ، ثم دخل علي على أثرهما ، فكأنما سُفِيَ على وجه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) الرماد ! ثم قال : يا علي أيتقدمانك هذان وقد أمَّرك الله عليهما ! فقال أبو بكر : نسيت يا رسول الله ، وقال عمر : سهوت يا رسول الله ، فقال رسول : ما نسيتما ولا سهوتما ، وكأني بكما قد سلبتماه ملكه وتحازبتما عليه ، وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء رسوله ! وكأني بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا ! ولكأني بأهل بيتي وهم المقهورون المشتتون في أقطارها ، وذلك لأمر قد قضي !
ثم بكى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حتى سالت دموعه ثم قال : يا علي الصبر الصبر حتى ينزل الأمر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فإن لك من الأجر في كل يوم ما لا يحصيه كاتباك ، فإذا أمكنك الأمر فالسيف السيف ، القتل القتل ، حتى يفيئوا إلى أمر الله وأمر رسوله ، فإنك على الحق ومن ناواك على الباطل ، وكذلك ذريتك من بعدك إلى يوم القيامة ) .
ومعناه أنه يحرم على علي ( عليه السلام ) أن يقبل بأن يتقدم عليه أحد ، حتى في الدخول إلى مجلس ، لأن الله تعالى أمَّره فلا يكون مأموراً ، إلا مجبراً .
————————— 120 —————————

عدد الذين قتلهم علي ( عليه السلام ) في بدر

في شرح الأخبار ( 2 / 205 ) أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أرسل علياً ( عليه السلام ) أيام هجرة المسلمين إلى الحبشة في مهمة ، فتأخر فذهبت خديجة ( عليها السلام ) تبحث عنه ! قال ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : ( غاب علي منذ اليوم فما أدري ما صنع به ، وقد أعطاني الله عز وجل فيه ثلاثاً في الدنيا ، وثلاثاً في الآخرة : لا أخاف معها عليه أن يموت ولا يقتل حتى يعطيني الله موعده إياي ، إلا أني أخاف عليه واحدة . قالت : يا رسول الله ، وما الثلاث الذي أعطاكها الله في الدنيا ؟ وما الثلاث الذي أعطاكها الله في الآخرة ، وما الواحدة التي تخشاها عليه ؟ قال : يا خديجة ، إن الله عز وجل أعطاني في علي لدنياي أنه يَقتل أربعة وثمانين مبارزاً قبل أن يموت أو يقتل ، وأنه يواري عورتي عند موتي ، وأنه يقضي ديني وعداتي من بعدي . وأعطاني في علي لآخرتي أنه صاحب مفتاحي يوم أفتح أبواب الجنة ، وأنه صاحب لوائي يوم القيامة ، وأنه صاحب حوضي ) .
أما الذين قتلهم ( عليه السلام ) في حملاته في حروب رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ثم في حروبه ، فهم أضعاف ذلك . فقد قتل في بدر مبارزة وفي حملاته فيها نحو أربعين ، وفي أحد نحو ذلك ، وقتل في حرب الأحزاب عمرو بن ود وابنه وبضعة نفر ، وفي حرب بني قريظة عشرة ، وأسر في الحديبية نحو مائة ولم يقتلهم لحفظ حرمة البيت ، وطالب بهم سهيل بن عمرو فأطلقهم النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) . وقتل ( عليه السلام ) في حنين نحو أربعين من أصحاب الرايات ، ونحو ستين من غيرهم ، وفي خيبر نحو ثلاثين ، وفي سراياه نحو ثلاثين . وقتل ( عليه السلام ) في حرب الجمل بضعة نفر مبارزة وعشرات في حملاته ، وقتل في حرب صفين المئات مبارزة وفي حملاته ، وفي النهروان مئات من الخوارج .
وقد اتفق الجميع على أنه ( عليه السلام ) مبارز لا نظير له في سرعة ملاحظته وسرعة عمله ، فكان ( عليه السلام ) ينظرالى من يبارزه فيعرف نقاط ضعفه ويعين مكان ضربته له . ومن خصوصياته التي لا يشركه فيها أحد : أن ضرباته كانت وتراً ، فلا تحتاج إلى ضربة ثانية ، وكان إذا علا قَدَّ وإن اعترض قَطّ ! كما كان ( عليه السلام ) قائداً مميزاً ، يتقدم جيشه ولا يحتمي به كبعض القادة الذين يكونون في وسط الجيش أو آخره . وكان يبرز ويقاتل أمامهم ، ولا يقعد ويقاتل
————————— 121 —————————
بغيره كخالد بن الوليد . ولايستمد قوته ومعنوياته من جيشه ، بل يعطي لجيشه ببطولته ويقينه قوة معنوية كبيرة . . إلى آخر صفاته القيادية المميزة ( عليه السلام ) .
وقد تميز ( عليه السلام ) بصرخته الحيدرية التي يرتعب منها الفرسان ، وبعضهم يولي هارباً ! فقد جاء في فتح اليمن : ( فقام خالد بن سعيد قال له : دعني يا أبا الحسن بأبي أنت وأمي أبارزه ( يقصد عمرو بن معدي كرب ) فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إن كنت ترى أن لي عليك طاعة فقف مكانك فوقف ، ثم برز إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فصاح به صيحة ، فانهزم عمرو بن معدي كرب ) ! ( الإرشاد : 1 / 160 ) .
* *

أول ملف ظلامة في يوم المحشر ملف علي ( عليه السلام )

1 . علي هو المظلوم الأول في محكمة القيامة :

فقد روى الجميع أن أول محكمة تقام يوم القيامة ، تكون لمحاكمة خصوم علي ( عليه السلام ) والأخذ بحقه منهم ! ففي صحيح البخاري ( 5 / 6 ) : ( أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمان يوم القيامة ) ! وفي رواية الحاكم ( 2 / 386 ) : « يجثو للخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة » .
وقال رواة السلطة إن خصومته تكون مع من قتلهم في بدر ! لكن مبارزة بدر انتهت بفوز أهل الحق ، وليس فيها ظلامة تحتاج إلى محكمة ، فضلاً عن أن تكون القضية الأولى في المحكمة الكبرى . فالقضية هنا محكمة مهمة بين يدي الرحمن عز وجل ، تأتي بعد مشهد القيامة الأول وهو العرض على الله تعالى ، وبعد المشهد الثاني وهو مرحلة التناصف بين العباد ، والمحاكمات هي المرحلة الثالثة يحكم فيها عند القضاة الذين ينصبهم الله تعالى . وطبيعي أن تكون القضايا الأولى المتعلقة بظلامات المجرمين للبشرية والأجيال ، شبيهاً بملفات أمن الدولة وجرائم الحرب . فشكاية علي ( عليه السلام ) إنما هي ظلم قريش لرسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وعلي ( عليه السلام ) هو المرافع عنه ! وكم كان يشكو قريشاً ويعدهم بالمحاكمة والخصومة بين يدي الله تعالى ، فيقول : « اللهم إني أستعديك
————————— 122 —————————
على قريش ، فإنهم أضمروا لرسولك ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ضروباً من الشر والغدر ، فعجزوا عنها ، وحِلْتُ بينهم وبينها ، فكانت الوجبةُ بي والدائرةُ عليَّ . ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ذريعة إلى الرياسة ، وسُلَّماً إلى العز والإمرة ، لما عَبَدت الله بعد موته يوماً واحداً ، ولارتدَّت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعاً ، وبازلها بكراً ! ثم فتح الله عليها الفتوح فأثْرَتْ بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سَمِجاً ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً ، وقالت : لولا أنه حق لما كان كذا ! ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها . . الخ ) . ( شرح النهج : 20 / 298 ) .
ويؤيد ما ذكرنا أن المفسرين اضطروا لأن يوسعوا معنى قوله تعالى : هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ . . وقد أفلتت بعض روايات أهل‌البيت ( عليهم السلام ) عندهم كالذي رواه ابن سعد ( 5 / 94 ) والذهبي في سيره ( 4 / 116 ) عن محمد بن الحنفية رضي الله عنه قال : إنهما نحن وبنو أمية ! وبنو أمية هي قريش .
وهذا نفس ما رواه الصدوق ( الخصال / 43 ) عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( نحن وبنو أمية ، اختصمنا في الله عز وجل ، قلنا صدق الله ، وقالوا : كذب الله . فنحن وإياهم الخصمان يوم القيامة ) .
ولا يعقل تفسير أن يكون ملف خصومة علي ( عليه السلام ) أول ملف على مستوى البشرية ، إلا بذلك . فهو مرافع عن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وخصمه قريش بالدرجة الأولى ، ثم الذين شاركوهم وقاوموه وظلموه ، ومنعوا نور دينه أن يعم العالم .

ذو الفقار جاء به جبرئيل ( عليه السلام ) يوم بدر

1 . نزل به جبرئيل إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) :

ففي الكافي « 1 / 234 ، و : 8 / 267 ، وأمالي الصدوق / 364 » عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) : « سألته عن ذي الفقار سيف رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من أين هو ؟ قال : هبط به جبرئيل من السماء ، وكانت حليته من فضة ، وهو عندي » .
وفي الإحتجاج » 1 / 200 « أن علياً ( عليه السلام ) قال في احتجاجه على أعضاء شورى عمر : « نشدتكم بالله هل فيكم أحد نوديَ باسمه من السماء يوم بدر : لا سيف إلا ذو الفقار ،
————————— 123 —————————
ولا فتى إلا عليٌّ ، غيري ؟ قالوا : لا » .
وفي الفقيه للصدوق « 4 / 178 » : « كان له سيفان يقال لأحدهما ذو الفقار والآخر : العون ، وكان له سيفان آخران يقال لأحدهما : المخذم ، والآخر الرسوم » .
وفي تاريخ اليعقوبي « 2 / 88 « : « وكان رسم رايته العقاب ، وكانت سوداء على عمل الطيلسان ، وكان له سيف يقال له المخدام [ المخذم ] وسيف يقال له الرسوب ، وسيفه الذي يلزمه ذو الفقار ، وقد روي أن جبريل ( عليه السلام ) نزل به من السماء ، فكان طوله سبعة أشبار وعرضه شبراً ، وفي وسطه كال وكانت عليه قبيعة فضة ونعل فضة ، وفيه حلقتان فضة ، ورمحه المثوي ، وحربته العنزة وكان يمشي بها في الأعياد بين يديه ويقول : هكذا أخلاق السنن ، وقوسه الكتوم ، وكنانته الكافور ، ونبله المتصلة ، وترسه الزلوق ، ومغفره السبوغ ، ودرعه ذات الفضول ، وفيها زردتان زائدتان ، وفرسه السكب ، وفرس آخر المرتجز ، وفرس آخر السجل ، وفرس آخر البحر » .

2 . سُمِّيَ ذو الفقار لفقراته ، ولأنه يفقر من ضرب به :

في علل الشرائع « 1 / 160 » عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إنما سمي سيف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ذا الفقار ، لأنه كان في وسطه خط في طوله ، فشبه بفقار الظهر ، فسميَ ذا الفقار بذلك ، وكان سيفاً نزل به جبرئيل ( عليه السلام ) من السماء ، وكانت حلقته فضة ، وهو الذي نادى به مناد من السماء : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي » .
وروي أنه سمي ذا الفقار ، لأنه ما ضرب به أحدٌ إلا افتقر في الدنيا والآخرة ، وهو معنى منتزع من اسمه . وفي المناقب » 3 / 81 « : » زعم الأصمعي أنه كان فيه ثماني عشرة فقرة . كان طوله سبعة أشبار ، وعرضه شبر ، وفي وسطه كالفقار . قال ابن حماد :
فأنزل الله ذا الفقار له * مع جبرئيل الأمين منتجبا
وقيل إن النبي ناوله * جريدة رطبة لها اجتلبا
فانقلبت ذا الفقار في يده * كرامة من إلهه وحبا
سيف يكون الإله طابعه * فكيف ينبو وأن يقال نبا
————————— 124 —————————
وقال الزاهي :
من هزم الجيش يوم خيبره * وهز باب القموص واقتلعه
من هز سيف الإله بينكم * سيف من النور ذو العلى طبعه
أبو عبد الله ( عليه السلام ) : نظر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى جبرئيل بين السماء والأرض على كرسي من ذهب وهو يقول : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي .
القاضي أبو بكر الجعاني بإسناده عن الصادق ( عليه السلام ) : نادى ملك من السماء يوم أحد يقال له رضوان : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي .
ومثله في إرشاد المفيد ، وأمالي الطوسي عن عكرمة وأبي رافع . وقد رواه السمعاني في فضائل الصحابة ، وابن بطة في الإبانة ، إلا انهما قالا : يوم بدر . قال أحمد بن علوية :
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا أبو حسن فتى الفتيان
قال النبي أما علمت بأنه * مني ومنه أنا وقد أبلاني
جبريل قال له وإني منكما * فمضى بفضل خلاصة الخلان
وقال أبو مقاتل بن الداعي العلوي :
ومن مشى جبريل مع ميكاله * عن جانبيه في الحروب إذ مشى
ومن ينادي جبرئيل معلناً * والحرب قد قامت على ساق الردى
لا سيف إلا ذو الفقار فاعلموا * ولا فتى إلا علي في الورى
وقال الزاهي :
لا فتى في الحروب غير علي * لا ولا صارم سوى ذي الفقار
وقال العوني :
من صاح جبريل بالصوت العلي به * دون الخلائق عند الجحفل اللجب
فخرًا ولا سيف إلا ذو الفقار ولا * غير الوصي فتى في هفوة الكرب
وقال منصور الفقيه :
من قال جبرئيل والأرماح شارعة * والبيض لامعة والحرب تشتعل
لا سيف يذكر إلا ذو الفقار ولا * غير الوصي إمام أيها الملل
————————— 125 —————————
وقال آخر :
جبريل نادى في الوغى * والنقع ليس بمنجل
والمسلمون بأسرهم * حول النبي المرسل
والخيل تعثر بالجما * جم والوشيح الذيل
هذا النداء لمن له * الزهراء ربة منزل
لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي
وقال غيره :
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي للطغاة طعون
ذاك الوصي فما له من مشبه * فضلاً ولا في العالمين قرين
ذاك الوصي وصي أحمد في الورى * عف الضماير للإله أمين
وقال آخر :
من كان يمدح ذا ندى لنواله * فالمدح مني للنبي وآلهِ
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي في أوان قتالهِ
نادى النبي له بأعلى صوته * يا رب من والى علياً والهِ » .
3 . أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى : في معاني الأخبار للصدوق / 119 :
« إن أعرابياً أتى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فخرج إليه في رداء ممشق فقال : يا محمد لقد خرجت إليَّ كأنك فتى . فقال ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : نعم يا أعرابي أنا الفتى ، ابن الفتى ، أخو الفتى . فقال : يا محمد ، أما الفتى فنعم ، وكيف ابن الفتى وأخو الفتى ؟ فقال : أما سمعت الله عز وجل يقول : قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ، فأنا ابن إبراهيم ، وأما أخو الفتى فإن منادياً نادى في السماء يوم أحد : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، فعليٌّ أخي وأنا أخوه » .
4 . ما ضربت به أحداً إلا ودخل النار ! كتب علي ( عليه السلام ) إلى والٍ خانَ بيت المال :
« فسبحان الله ، أما تؤمن بالمعاد ؟ أو ما تخاف نقاش الحساب ؟ أيها المعدود كان عندنا من ذوي الألباب ! كيف تسيغ شراباً وطعاماً وأنت تعلم أنك تأكل حراماً
————————— 126 —————————
وتشرب حراماً ؟ وتبتاع الإماء وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين ، الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال وأحرز بهم هذه البلاد . فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم ، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك ، لأعذرن إلى الله فيك ، ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلا دخل النار » ! « نهج البلاغة : 3 / 62 » .
5 . كان يَعْوَجُّ فيقومه علي ( عليه السلام ) بركبته : في شرح النهج « 2 / 282 » في حربه ( عليه السلام ) للخوارج :
« التفت إلى أصحابه فقال لهم : شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم . وحمل بذي الفقار حملة منكرة ثلاث مرات ! كل حملة يضرب به حتى يعوج متنه ، ثم يخرج فيسويه بركبتيه ، ثم يحمل به » .
6 . انكسر سيفه يوم أحد فأعطاه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ذا الفقار : في علل الشرائع « 1 / 7 »
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال في أحُد : « وكان علي ( عليه السلام ) كلما حملت طائفة على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) استقبلهم وردهم ، حتى أكثر فيهم القتل والجراحات حتى انكسر سيفه ، فجاء إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : يا رسول الله إن الرجل يقاتل بسلاحه وقد انكسر سيفي ، فأعطاه سيفه ذا الفقار ، فما زال يدفع به عن رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حتى أثر وانكسر ، فنزل عليه جبرئيل ( عليه السلام ) وقال : يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي لك ، فقال النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : إنه مني وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما . وسمعوا دوياً من السماء : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي » .
في الخرائج ( 1 / 148 ) : « قال علي ( عليه السلام ) : » انقطع سيفي يوم أحد فرجعت إلى رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقلت : إن المرء يقاتل بسيفه ، وقد انقطع سيفي ، فنظر إلى جريدة نخل عتيقة يابسة مطروحة فأخذها بيده ، ثم هزها فصارت سيفه ذا الفقار فناولنيه ، فما ضربت به أحداً إلا وقدَّهُ بنصفين » .
أقول : يظهر من هذا أن سرَّ ذي الفقار من رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وأنه كان له ، وقد أعطاه لعلي ( عليه السلام ) في المعركة ، ولما انكسر عوض الله نبيه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بأن أمره أن يهز جريدة النخل اليابسة ، فكانت ذا الفقار بخصائصه . كما روي أنه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أعطاه لعلي ( عليه السلام ) لما برز إلى عمرو بن ود ، بعد أحُد بسنتين .
————————— 127 —————————
وفي المناقب » 3 / 81 « : « وقد روى كافة أصحابنا أن المراد بهذه الآية : وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ للَّنَّاسِ ، ذو الفقار أنزل به من السماء على النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فأعطاه علياً . وسئل الرضا ( عليه السلام ) من أين هو ؟ فقال : هبط به جبرئيل من السماء ، وكان حلية من فضة وهو عندي . وقيل : أمر جبرئيل أن يتخذ من صنم حديد في اليمن ، فذهب علي وكسره واتخذ منه سيفين : مخذم ، وذا الفقار ، وطبعهما عمير الصيقل ، وقيل : صار إليه يوم بدر أخذه من العاص بن منبه السهمي وقد قتله ، وقيل : كان من هدايا بلقيس إلى سُلَيْمان ، وقيل : أخذه من منبه بن الحجاج السهمي في غزاة بني المصطلق بعد أن قتله . وقيل : كان سعف نخل نفث فيه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فصار سيفاً . وقيل : صار إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يوم بدر فأعطاه علياً ( عليه السلام ) ، ثم كان مع الحسن ، ثم مع الحسين ، إلى أن بلغ المهدي ( عليه السلام ) » .
وهذا يدل على أن ذا الفقار نزل من السماء ، ولكنه كان قابلاً للكسركأي سيف ، فانكسر بيد علي ( عليه السلام ) مرات ، وعوضه الله بسعفة نخل صارت بيد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ذا الفقار بخصوصياته . وفي إحداها أمر نبيه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أن يصنعه من حديد هو قاعدة صنم في اليمن ، ولعل أصل ذلك الحديد من سليمان ( عليه السلام ) ، فبعث علياً ( عليه السلام ) بإعجاز إلى اليمن وأتى به ، وأعطاه للحداد فصنع منه ذا الفقار .
ففي بصائر الدرجات / 206 : « عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : جاء جبرئيل إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال يا محمد ، إن باليمن صنماً من حجارة ، له مقعد من حديد ، فابعث إليه حتى يجاء به ، قال فبعثني النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى اليمن فجئت بالحديد ، فدفعته إلى عمر الصيقل ، فضرب عنه سيفين ذا الفقار ومُخَذَّماً فتقلد رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مخذماً وقلدني ذا الفقار ، ثم إنه صار إليَّ بعدُ مخذم » .
أقول : ظاهر قوله تعالى : وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ للَّنَّاسِ ، أن الحديد نازل من السماء ، وقيل إن الحديد غبار من كواكب أخرى . وقد ورد أن للمهدي ( عليه السلام ) أنصاراً من كواكب أخرى لهم سيوف من حديد غير هذا الحديد ( بصائر الدرجات / 512 ) فيبدو أن حديد ذي الفقار يختلف عن الحديد العادي !
————————— 128 —————————
وقد روى في كشف الغمة ( 1 / 254 ) : ( إن ضرباته ( عليه السلام ) كانت على وتيرة واحدة ، إن ضرب طولاً قدَّ ، أو عرضاً قطَّ ! وكانت كأنها مكواة بالنار ) !
وبعضهم لا يقبل روايات كسر ذي الفقار ولا أنه من حديد الأرض .
7 . قَاتَلَ الحسينُ ( عليه السلام ) بذي الفقار يوم عاشوراء :
في أمالي الصدوق / 222 : « ثم وثب الحسين ( عليه السلام ) متوكئاً على سيفه ، فنادى بأعلى صوته ، فقال : أنشدكم الله ، هل تعرفوني ؟ قالوا : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه . . قال : فأنشدكم الله ، هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأنا متقلده ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : فأنشدكم الله ، هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أنا لابسها ؟ قالوا : اللهم نعم . . قال : فبم تستحلون دمي ، وأبي الذائد عن الحوض غداً ، يذود عنه رجالاً كما يذاد البعيرالصادي عن الماء ، ولواء الحمد في يدي جدي يوم القيامة ؟ قالوا : قد علمنا ذلك كله ، ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً ! فأخذ الحسين ( عليه السلام ) بطرف لحيته ، وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ، ثم قال : اشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم ، واشتد غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم » .

8 . ذو الفقار في مواريث النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) :

في الكافي « 1 / 236 » عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : » لما حضرت رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال للعباس : يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته ؟ فرد عليه فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني شيخ كثير العيال قليل المال ، من يطيقك وأنت تباري الريح ، قال : فأطرق ( ( صلى الله عليه وآله ) ) هنيئة ثم قال : يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضي دينه ؟ فقال بأبي أنت وأمي شيخ كثير العيال قليل المال وأنت تباري الريح . قال : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها ، ثم قال : يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه ؟ فقال : نعم بأبي أنت وأمي ذاك علي ولي . قال العباس : فنظرت إليه حتى نزع خاتمه من أصبعه فقال : تختم بهذا في حياتي ، قال : فنظرت إلى الخاتم حين وضعته في أصبعي فتمنيت من
————————— 129 —————————
جميع ما ترك الخاتم . ثم صاح : يا بلال عليَّ بالمغفر ، والدرع ، والراية ، والقميص ، وذي الفقار ، والسحاب ، والبرد ، والأبرقة ، والقضيب . قال : فوالله ما رأيتها غير ساعتي تلك – يعني الأبرقة – فجيئ بشقة كادت تخطف الأبصار ، فإذا هي من أبرق الجنة فقال : يا علي إن جبرئيل أتاني بها ، وقال : يا محمد إجعلها في حلقة الدرع واستدفر بها مكان المنطقة . ثم دعا بزوجي نعال عربيين جميعاً ، أحدهما مخصوف والآخر غير مخصوف ، والقميصين القميص الذي أسري به فيه ، والقميص الذي خرج فيه يوم أحد ، والقلانس الثلاث : قلنسوة السفر ، وقلنسوة العيدين والجمع ، وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع أصحابه . ثم قال : يا بلال علي بالبغلتين : الشهباء والدلدل ، والناقتين : العضباء والقصوى ، والفرسين : الجناح كانت توقف بباب المسجد لحوائج رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يبعث الرجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وحيزوم ، وهو الذي كان يقول أقدم حيزوم ، والحمار عفير ، فقال : أقبضها في حياتي . فذكر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن أول شئ من الدواب توفي عفير ساعة قبض رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قطع خطامه ثم مر يركض ، حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها ، فكانت قبره « .

9 . ذو الفقار من علامات الإمام ( عليه السلام ) :

في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) « 1 / 192 » قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : » للإمام علامات : يكون أعلم الناس وأحكم الناس وأتقى الناس وأحلم الناس وأشجع الناس وأسخى الناس وأعبدالناس . . ويكون عنده سلاح رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وسيفه ذو الفقار » .
10 . طلبه المسور بن مخرمة من الإمام زين العابدين ( عليه السلام )
ففي مسند أحمد « 4 / 226 » والبخاري « 4 / 47 » : « ابن شهاب أن علي بن حسين حدثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية ، مقتلَ حسين بن علي رحمة الله عليه ، لقيه المسور بن مخرمة فقال له : هل لك إلى من حاجة تأمرني بها ؟ فقلت له : لا ، فقال : فهل أنت معطي سيف رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه . وأيم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبداً حتى تبلغ نفسي » . وفي فتح
————————— 130 —————————
الباري « 6 / 149 » : « والذي يظهرأن المراد بالسيف المذكور ذو الفقار الذي تنفله يوم بدر ، ورأى فيه الرؤيا يوم أحد « .
وذكر ابن حجر وغيره أن غرض المسور حفظ السيف له إكراماً لجدته فاطمة ( عليها السلام ) .
11 . وقالوا إنه كان سيف منبه بن الحجاج :
قال البلاذري في أنساب الأشراف « 1 / 145 » : « وأما نبيه فقتله علي بن أبي طالب . وقتل أيضاً العاص بن منبه ، وكان صاحب ذي الفقار ، سيف رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وذلك الثبت . وبعضهم يقول : إنه كان سيف منبه » .
وقال الواقدي في المغازي « 1 / 103 » : « عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : تنفل رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) سيفه ذا الفقار يومئذٍ ، وكان لمنبه بن الحجاج » .
وقال الطبري « 2 / 172 » : « وفي غزوة بدر انتقل رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) سيفه ذا الفقار وكان لمنبه بن الحجاج . وفيها غنم جمل أبي جهل ، وكان مهرياً يغزو عليه » .
وقد وضعوا هذه الروايات ليسلبوا علياً ( عليه السلام ) فضيلة نزول ذي الفقار من السماء .

12 . وادعاه العباسيون والحسنيون ( عليه السلام ) :

في عمدة القاري « 15 / » : « ولم يزل ذو الفقار عنده ( ( صلى الله عليه وآله ) ) حتى وهبه لعلي رضي الله تعالى عنه قبل موته ثم انتقل إلى آله . وكانت له عشرة أسياف منها : ذو الفقار ،
تنفله يوم بدر » .
وفي الطبري « 6 / 219 » : « الأصمعي قال : رأيت الرشيد أمير المؤمنين بطوس متقلداً سيفاً فقال لي : يا أصمعي ألا أريك ذا الفقار ؟ قلت بلى جعلني الله فداك ، قال : استل سيفي هذا ، فاستللته فرأيت فيه ثمان عشرة فقارة » .
وفي وفيات الأعيان « 6 / 330 » : « كان سبب وصوله إلى هارون الرشيد فيما ذكره أبو جعفر الطبري بإسناد متصل إلى عمر بن المتوكل عن أمه ، وكانت أمه تخدم فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قالت : كان ذو الفقار مع محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم قتل في محاربته
————————— 131 —————————
لجيش أبي جعفر المنصور العباسي والواقعة مشهورة ، فلما أحس محمد بالموت دفع ذا الفقار إلى رجل من التجار كان معه وكان له عليه أربع مائة دينار وقال له : خذ هذا السيف فإنك لا تلقى أحداً من آل أبي طالب إلا أخذه منك
وأعطاك حقك » .
وفي الكافي « 1 / 233 » : قيل للإمام الصادق ( عليه السلام ) إن شخصين يزعمان أن عبد الله بن الحسن عنده سيف رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فقال : « والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ، ولا رآه أبوه ، اللهم إلا أن يكون رآه عند علي بن الحسين ، فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضة ، وما أثر في موضع مضربه ! وإن عندي لسيف رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وإن عندي لراية رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ودرعه ولأمته ومغفره ، فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ؟ وإن عندي لراية رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) المغلبة ، وإن عندي ألواح موسى وعصاه ، وإن عندي لخاتم سُلَيْمان بن داود ، وإن عندي الطست الذي كان موسى يقرب به القربان ، وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة . وإن عندي لمِثْل التابوت الذي جاءت به الملائكة . ومَثَلُ السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل ، في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم أوتوا النبوة ، ومن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي درع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فخطت على الأرض خطيطاً ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله » .
وصححه المجلسي الأول في روضة المتقين « 12 / 243 » وقال : « وفي البصائر في الموثق كالصحيح عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لبس أبي درع رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ذات الفضول فخطت ، ولبستها أنا ففضلت » . إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة .

وفي بصائر الدرجات / 205 : « أتاني إسحاق بن جعفر فعظم عليّ بالحق والحرمة السيف الذي أخذه هو سيف رسول الله . فقلت : لا ، كيف يكون هذا وقد قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل حيثما دار دار الأمر » .

————————— 132 —————————
13 . لماذا قدم جبرئيل ( عليه السلام ) ذا الفقار على اسم علي ( عليه السلام ) ؟
سبب ذلك أن ذا الفقار يعني قدرة الله تعالى المعطاة لرسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ووصيه ( عليه السلام ) ، فيكون المعنى : لا قدرة إلا قدرة الله تعالى ، ولا فتى إلا علي ( عليه السلام ) .
* *

شرَّع الله الخمس لبني هاشم فحرمتهم منه قريش !

شرع الله الخمس لبني هاشم قبل بدر ، وعين النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) صحابياً مسؤول الأخماس ، ثم أنزل الله آية الخمس يوم بدر وربطه بالإيمان بالوحي : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئٍْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَاأَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ . يقول لهم عز وجل : أيها المختلفون على الغنائم ، المتهمون لنبيهم ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بأنه غلَّ وسرق منها ! إنكم مدينون بوجودكم وانتصاركم لمحمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وقرابته ، فاعلموا أن لهم خمس ما غنمتم إن كنتم مؤمنين بما عاينتم ! ألا ترون أن الملائكة وبني هاشم هم الذين حققوا لكم النصر ، فلولاهم لما كنتم أمة ولا دولة ؟ !
وقد سمى الله معركة بدر يوم الفرقان : لأنها فرقانٌ بين باطل قريش وحقانية الإسلام ، وفرقانٌ بين الهدى الإلهي والضلال البشري ، وفرقانٌ في تكوين شيعة العترة بين من يتولاهم ومن يعاديهم أو يعرض عنهم . فالفرقان في السورة بثلاث معان : فرقان الأمة وتمييزها عن غيرها . وفرقان البصيرة للمؤمن بين الحق والباطل : إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا . « الفرقان : 29 » . وفرقان الموالين للنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في أهل بيته ( عليهم السلام ) من الأمة كما نص في آية الخمس .
وفي تحف العقول / 341 : « فلما قدم رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) المدينة أنزل الله عليه : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيئٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى . . » . وفي الكافي « 8 / 63 » : « فنحن والله عنى بذي القربى الذين قرننا الله بنفسه وبرسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) » .
قال البيضاوي ( 3 / 109 ) : « إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ : متعلق بمحذوف دل عليه : وَاعْلَمُوا . أي : إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء ، فسلموه إليهم » .
————————— 133 —————————
وفي كتاب سُلَيْم بن قيس / 228 : « قال سُلَيْم : ثم أقبل « علي ( عليه السلام ) » على العباس وعلى من حوله ثم قال : ألا تعجبون من حبسه وحبس صاحبه عنا سهم ذي القربى الذي فرضه الله لنا في القرآن ؟ وقد علم الله أنهم سيظلموناه وينتزعونه منا فقال : إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ » .
وفي سنن النسائي ( 7 / 129 ) أن ابن عباس أجاب نجدة رئيس الخوارج : ( كتبت تسألني عن سهم ذي القربى لمن هو ؟ وهو لنا أهل‌البيت ، وقد كان عمر دعانا إلى أن يُنكح منه أيِّمنا ، ويخدم منه عائلنا ، ويقضي منه عن غارمنا ، فأبينا إلا أن يُسلمه لنا ، وأبى ذلك فتركناه عليه ) . وفي رواية أن عمر قال : هذا كثير ننظر فيه !
وقال ابن قدامة في المغني ( 2 / 519 ) : « لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة ، وقد قال النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إنما هي أوساخ الناس . أخرجه مسلم .
وعن أبي هريرة قال : أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة فقال النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : كخ كخ ، ليطرحها وقال : أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة ! متفق عليه . قال : ولا لمواليهم : يعني أن موالي بني هاشم ، وهم من أعتقهم هاشمي لايُعْطَوْنَ من الزكاة .
( فتاوى اللجنة الدائمة الوهابية . جمع الدويش : 10 / 69 ) .
وهذا التكريم من الله تعالى لعترة رسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وعشيرته بني هاشم . لا يشمل نساء النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فلا حق لهن في الخمس لأنهن لا تحرم عليهن الصدقة !
قال ابن حجر في فتح الباري ( 3 / 281 ) : ( ولا يحرم عليهن الصدقة قولاً واحداً ) .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار ( 4 / 243 ) : « عن أم عطية قالت : بعث إليَّ رسول الله بشاة من الصدقة ، فبعثت إلى عائشة منها بشئ ، فلما جاء رسول الله قال : هل عندكم من شئ ؟ فقالت : لا ، إلا أن نسيبة بعثت إلينا من الشاة التي بعثتم بها إليها ، فقال : إنها قد بلغت محلها ! متفق عليه . . وذكر ابن المنير أنها لا تحرم الصدقة على الأزواج ، قولا واحداً » .
وقال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ( الكافي : 1 / 540 ) : « وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة
————————— 134 —————————
لهم ، دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم ، عوضاً لهم من صدقات الناس ، تنزيهاً من الله لقرابتهم برسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وكرامةً من الله لهم عن أوساخ الناس ، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة . ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض . وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس ، هم قرابة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) الذين ذكرهم الله فقال : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وهم بنو عبد المطلب الذكر منهم والأنثى ، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ، ولا من العرب أحد ، ولا فيهم ولا منهم في هذا الخمس من مواليهم » .
وقد حبست الحكومات الخمس عن بني هاشم ، ففي جامع أحاديث الشيعة ( 8 / 622 ) عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما وليَ أبو بكر قال له عمر : إن الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها ، فامنع عن علي الخمس والفئ وفدكاً ، فإن شيعته إذا علموا ذلك تركوا علياً رغبة في الدنيا ) .
وقال السيوطي في الدر المنثور ( 3 / 186 ) : ( وأخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سألت علياً رضي الله عنه فقلت : يا أمير المؤمنين أخبرني كيف كان صنعُ أبي‌بكر وعمر رضي الله عنهما في الخمس نصيبكم ؟ فقال : أما أبو بكر رضي الله عنه فلم تكن في ولايته أخماس ، وأما عمر رضي الله عنه فلم يزل يدفعه إليَّ في كل خمس ، حتى كان خمس السوس وجند نيسابور فقال وأنا عنده : هذا نصيبكم أهل‌البيت من الخمس ، وقد أحل ببعض المسلمين واشتدت حاجتهم . فقلت : نعم . فوثب العباس بن عبد المطلب فقال : لاتعرض في الذي لنا . فقلت : ألسنا أحق من أرفق المسلمين ، وشفع أمير المؤمنين ، فقبضه . فوالله ما قبضناه ، ولا قدرت عليه في ولاية عثمان ) .

قتلى بدر « هولوكست » قريش !

1 . كانت معركة بدر ضربة قاصمة لقريش :

فقد قتل سبعون من فرسانها وقادتها ، ثم كانت إذلالاً لها بأسرسبعين منهم . وكان أول عمل قامت به بعد بدر ، جمعها المال لحرب محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ! وقد عقدنا في السيرة النبوية فصلاً لثأرها لقتلى بدر !
————————— 135 —————————
قال اليعقوبي ( 2 / 47 ) : ( اجتمعت قريش واستعدت لطلب ثأرها يوم بدر واستعانت بالمال الذي قدم به أبو سفيان وقالوا : لاتنفقوا منه شيئاً إلا في حرب محمد ) .
وفي السيرة الحلبية ( 2 / 446 ) : ( ناحت قريش على قتلاهم شهراً ، وجزَّ النساء شعورهن ، وكن يأتين بفرس الرجل أو راحلته وتُستر بالستور ، ويَنُحْنَ حولها ويخرجن إلى الأزقة ، ثم أشير عليهم أن لا تفعلوا فيبلغ محمداً وأصحابه ، فيشمتوا بكم ، ولا نبكي قتلانا حتى نأخذ بثأرهم ، وتواصوا على ذلك ) !
وقال علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ( 1 / 110 ) : « فلما غزوا رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يوم أحد ، أذنوا لنسائهم بعد ذلك في البكاء والنوح ) .
2 . وقد أقاموا عليهم أكبر مناحة !
فلا تجد معركة أعمق تأثيراً في التاريخ من بدر ! وما زالت نتائجها ممتدةً في حياتنا إلى اليوم ! وما زال اليهود يبتزون العالم باسم الهولوكست ، لكن قريشاً فاقتهم ، وكان أول ابتزازها أن سيطرت على دولة النبي وعزلت عترته ، لأنهم مسؤولون عن بدر !
قال عثمان لعلي ( عليه السلام ) : « ما أصنع إن كانت قريش لاتحبكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين ، كأن وجوههم شنوف الذهب ، تشرب أنوفهم قبل شفاههم » !
أي وجوههم كأقراط الذهب وأنوفهم طويلة جميلة . « نثر الدرر / 259 ،
وابن حمدون / 1567 » .
فدماء هؤلاء العتاة المشركين في أعناق بني هاشم ، وعلى قريش أن تأخذ الخلافة ثأراً لهم ، ولو أخذها بنو هاشم فعلى قريش تأليب العرب عليهم ، حتى لو وصل ذلك إلى إعلان الردة عن الإسلام !
قال العلامة الحلي ( قدس سره ) في كشف اليقين / 470 : « وروى أحمد بن أبي طاهر في تاريخ بغداد بسنده عن ابن عباس ، قال : دخلت على عمر في أول خلافته وقد ألقي له صاع من تمر على خصفة ، فدعاني للأكل فأكلت تمرة واحدة ، وأقبل يأكل حتى أتى عليه ، ثم شرب من جرٍّ كان عنده ، واستلقى على مرفقة له ، ثم قال :
————————— 136 —————————
من أين جئت يا عبد الله ؟ قلت : من المسجد . قال : كيف خلفت ابن عمك ؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر فقلت : خلفته يلعب مع أترابه . قال لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل‌البيت . قلت : خلفته يمتح بالغرب ( يسقي بالدلو ) على نخلات له وهو يقرأ القرآن فقال : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها ، أبقيَ في نفسه شئ من أمر الخلافة ؟ قلت : نعم . قال : أيزعم أن رسول الله جعلها له ؟ قلت : نعم وأزيدك سألت أبي عما يدعيه فقال : صدق . فقال عمر : لقد كان من رسول الله في أمره ذَرْوٌ [ غلو ] من قول لا يُثبت حجة ولا يقطع عذراً ، وقد كان يربع في أمره وقتاً ما . ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام ، لاورب هذه البينة لا تجتمع عليه قريش أبداً ! ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها ! فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك ، وأبى الله إلا إمضاء ما حتم !
أشار بذلك إلى اليوم الذي قال فيه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : إئتوني بدواة وكتف ، فقال عمر : إن الرجل ليهجر » !
ومعنى انتقضت عليه العرب : أي قريش ! ومعنى انتقضت عليه : نقضناها عليه !
3 . وقد بلغت وقاحة قريش : أن هند بنت عتبة واجهت النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بأنه قتل أبناءها ! فقد جاءت مع نساء مكة ليبايعنه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بعد فتح مكة فبايعهن على الآية وقرأ عليها : وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ ( فقالت هند : أما الولد فقد ربيناهم صغاراً ، وقتلتهم كباراً ) . ( الكافي : 5 / 527 ) ! وفي رواية ابن سعد : ( 8 / 189 ) : ( قالت : وهل تركت لنا ولداً إلا
قتلته يوم بدر ) !
4 . وبلغ تأثير قريش حتى على أزواج النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : فلما رأت زوجته سودة بنت زمعة سهيل بن عمر أسيراً في المدينة ، قالت ( ابن هشام : 2 / 472 ) : ( فرجعتُ إلى بيتي ورسول الله فيه ، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة ، مجموعةٌ يداه إلى عنقه بحبل . قالت : فلا والله
————————— 137 —————————
ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت : أي أبا يزيد ، أعطيتم بأيدكم ألا مِتُّم كراماً ! فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله : من البيت : يا سودة ، أعلى الله ورسوله تحرضين ؟ قالت قلت : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه ، أن قلت ما قلت ) !
أي قالت له : أنتم عظماء قريش ، فكيف سمحتم لمحمد أن يأسركم ؟ !
5 . وحدَّثَ عمر عن نفسه بأنه زاغ يوم بدر عن العاص بن أبي أحيحة وهابه لم يقاتله ! قال لابنه سعيد بن العاص : « مالي أراك معرضاً كأني قتلت أباك ؟ إني لم أقتله ولكن قتله أبو حسن ! رأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه ، فإذا شدقاه قد أزبدا كالوزغ فهبته وزغت عنه ، فقال : إلى أين يا ابن الخطاب ! وصمد له علي فتناوله ، فما رمت من مكاني حتى قتله !
فقال له علي : اللهم غفراً ذهب الشرك بما فيه ومحا الإسلام ما تقدم ، فما لك تهيِّج الناس عليَّ ؟ فكفَّ عمر . وقال سعيد : أما إنه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب » . ( ابن هشام : 2 / 464 ) .
6 . ولذلك قال النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لعلي ( عليه السلام ) : « فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك ، فإنها ضغائن في صدور قوم ، أحقاد بدر وتِراتُ أحد ! وإن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه : إن ضلوا ثم وجد أعواناً أن يجاهدهم بهم ، فإن لم يجد أعواناً أن يكف يده ويحقن دمه ، ولا يفرق بينهم . فافعل أنت كذلك ، إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك » . « كتاب سُلَيْم / 305 » .
وقال ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ( 3 / 21 ) : ( قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
ما تركت بدرٌ لنا مَذيقا [ صديقا ] * ولا لنا من خلفنا طريقا –
وسئل زين العابدين ( عليه السلام ) : لم أبغضت قريش علياً ( عليه السلام ) ؟ قال : لأنه أورد أولهم النار ، وقلد آخرهم العار ) .
7 . وقال علي ( عليه السلام ) ( المناقب : 1 / 382 ) : ( اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم ظلموني في الحجر والمدر . وقال على : ما زلت مظلوماً منذ قبض الله نبيه إلى يومي هذا . وبينما هو يخطب وأعرابي يقول وا مظلمتاه ، فقال ( عليه السلام ) : أدن ، فدنا فقال : لقد ظلمتُ عدد المدر والمطر والوبر ، وما لا يحصى ) .
————————— 138 —————————

وقال ( عليه السلام ) ( شرح النهج : 4 / 108 ) : ( ما رأيت منذ بعث الله محمداً ( ( صلى الله عليه وآله ) ) رخاء ، لقد أخافتني قريش صغيراً ، وأنصبتني كبيراً ، حتى قبض الله رسوله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فكانت الطامة الكبرى ، والله المستعان على ما تصفون ) .

8 . وقد اعترف ابن أبي الحديد : وهو سني معتزلي ، متعصب لأبي‌بكر وعمر ، أن خلافة قريش قامت على الثأر من بني هاشم لقتلى بدر وأحُد ، وقال إن بغض القرشيين للنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وعلي ( عليه السلام ) وبني هاشم طبيعي حتى بعد أن أسلموا !
قال في شرح النهج « 13 / 299 » : « ولست ألوم العرب لا سيما قريشاً في بغضها له « علي » وانحرافها عنه ، فإنه وترها وسفك دماءها ، وكشف القناع في منابذتها ! ونفوس العرب وأكبادهم كما تعلم ! وليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس ، كما نشاهده اليوم عياناً ، والناس كالناس الأُوَل ، والطبائع واحدة ! فاحسب أنك كنت من سنتين أو ثلاث جاهلياً أو من بعض الروم ، وقد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ، ثم أسلمت ، أكان إسلامك يُذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل وشنآنه ؟ كلا ، إن ذلك لغير ذاهب ، هذا إذا كان الإسلام صحيحاً والعقيدة محققة ، لا كإسلام كثير من العرب ! فبعضهم أسلم تقليداً ، وبعضهم للطمع والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار ، أو لعداوة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه !
واعلم أن كل دم أراقه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بسيف علي ( عليه السلام ) وبسيف غيره ، فإن العرب بعد وفاته ( ( صلى الله عليه وآله ) ) عصبت تلك الدماء بعلي بن أبي طالب وحده ، لأنه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلا بعلي وحده ! وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل ، فإن مات أو تعذرت عليها مطالبته ، طالبت بها أمثل الناس من أهله ! لمَّا قَتَلَ قومٌ من بني تميم أخاً لعمرو بن هند ، قال بعض أعدائه يحرِّض عَمْرواً عليهم :
من مُبْلغٌ عَمْراً بأن المَرْ * ءلم يُخلق صَبارهْ
فاقتل زرارة لا أرى * في القوم أمثلَ من زرارهْ !
————————— 139 —————————
فأمره أن يقتل زرارة رئيس بني تميم ، ولم يكن قاتلاً أخ الملك ، ولاحاضراً قتله » !
أقول : خاطب الشاعر الملك هند بن عمرو ملك الحيرة ، بأن الإنسان لم يخلق صَبَارة ، أي حجراً ، بل له إحساسات ومنها غريزة الثأر ، فيجب عليك أن تأخذ ثأرك من
بني تميم الذين قتل أحدهم أخاك حتى لو كان قتل خطأ ، وكان رئيس هم زرارة بن عدس غائباً عن القتل ، لكنه أنسب شخصية لتقتله بثأرك . فأطاع الملك الشاعر وهاجم بني تميم وقتل رئيسهم زرارة ، وقتل معه أكثر من مئتين وبقر بطون نسائهم وأحرقهم ! فالقاعدة عند القبائل أن الثأر لا ينسى بحال من الأحوال والأزمان !
وقريش لها ثأر عند محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأعظمه ثأرها في بدر وأحُد ، ولا يجوز أن تنساه حتى لو أسلمت وأخذت دولته ! وهذا اعتراف جرئ من ابن أبي الحديد ، بأن بطون قريش عصبت دماء قتلاها بعلي ( عليه السلام ) ، وأن خلافتها قامت على الثأر من بني هاشم ! أما وصية النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بعترته وجعلهم كالقرآن ، فلا يصح أن تسمعه قريش ! بل يجب أن تسمع لصوت الثأر ، وأن تأخذ منهم دولة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وتعزلهم .
وعلى المنصف أن يفهم النتيجة السلبية الضخمة لذلك ، على الإسلام كله .
9 . وقد نظم شعراء قريش قصائد كثيرة : في رثاء قتلى بدر ونشروها ، خاصة شعر ابن الزِّبَعْرَى ، وضرار بن الخطاب ، والحاخام كعب بن الأشرف ، وكلها هجاء للنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) والأنصار ومدح لمشركي قريش ، فكان شعر قتلى بدر يُقرأ في المجالس ، وصار ثقافة لمجالس الخمر ، حتى تأثر به الصحابة !
واشتهرت قصيدة عبد الله بن الزبعرَى السهمي في أحُد « ابن هشام : 2 / 541 » :
يا غراب البين أسمعت فقلْ * إنما تنطق شيئاً قد فعلْ
أبلغن حسان عني آية * فقريض الشعر يشفى ذا الغلل
كم قتلنا من كريم سيد * ماجد الجدين مقدام بطل
فسل المهراس عن ساكنه * بين أقحاف وهام كالحجل
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباء بركها * واستحر القتل في عبد الأشل
————————— 140 —————————
فقتلنا الضعف من أشرافهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
بسيوف الهند تعلو هامهم * عَلَلاً تعلوهم يعد نهل
وقال أياس بن زنيم يحرض مشركي قريش على قتل علي ( عليه السلام ) :
في كل مجمع غاية أخزاكم * جذعٌ أبرُّ على المذاكي القرَّح
لله دركمُ ألمَّا تنكروا * قد ينكر الحرُّ الكريم ويستحي
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم * ذبحاً وقتلاً قعصةً لم يذبح
أين الكهول وأين كل دعامة * في المعضلات وأين زين الأبطح
أفناهم قعصاً وضرباً يفتري * بالسيف يعمل حده لم يصفح
أعطوه خرجاً واتقوا بمصيبة * فعل الذليل وبيعة لم تربحِ »
« الإصابة : 1 / 231 ، وأنساب الأشراف / 188 ، وتاريخ دمشق : 42 / 8 » .
10 . وشرب الشيخان القرشيان وناحا على قتلى بدر ! لأن مجالس الخمر حتى في المدينة كان يقرأ فيها شعر النياحة على قتلى بدر ! ومنها مجلسٌ ضم أحد عشرصحابياً فيهم الشيخان أبو بكر وعمر ، شربوا وغنوا بالنوح على قتلى بدر ! فجاء النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وبيده سعفة أو مكنسة يريد أن يضربهم ، فقالوا تُبنا تُبنا !
وتتفاجأ بأن هذا الحديث صحيح عندهم ، فقد رواه تمام الرازي المتوفى 414 ، في كتابه الفوائد : 2 / 228 ، برقم : 1593 ، وفي طبعة : 3 / 481 ، بسند صحيح عن عوف ، عن أبي القموص قال : « شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم فأخذت فيه ، فأنشأ يقول :
تَحَيَّيْ بالسلامة أمَّ بكرٍ * وهل لك بعد رهطك من سلام
ذريني أصطبح يا بكر أني * رأيت الموت نقَّبَ عن هشام
فودَّ بنو المغيرة أن فدوْهُ * بألف من رجال أو سوام
فكائن بالطويِّ طويِّ بدر * من القينات والخيل الكرام
فكائن بالطويِّ طويِّ بدر * من الشيزى تُكلل بالسنام
فبلغ ذلك النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقام معه جريدة يجر إزاره حتى دخل عليه ، فلما نظر إليه قال : أعوذ من سخط الله ومن سخط رسوله ، والله لا يلج لي رأساً أبداً ! فذهب عن
————————— 141 —————————
رسول الله ما كان فيه ، وخرج ونزل عليه : فَهَلْ أنتمْ مُنْتَهُون ؟ فقال عمر : انتهينا والله » . ورواه الثعلبي في تفسيره « 2 / 142 » دون أن يسميهما قال : « وكان قوم يشربونها ويجلسون في بيوتهم ، وكانوا يتركونها أوقات الصلاة ، ويشربونها في غير حين الصلاة ، إلى أن شربها رجل من المسلمين فجعل ينوح على قتلى بدر ويقول . . . فبلغ ذلك رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فخرج مسرعاً يجر رداءه حتى انتهى إليه ، ورفع شيئاً كان بيده « سعفة » ليضربه ، فلما عاينه الرجل قال : أعوذ بالله من غضب الله
وغضب رسول الله ، والله لا أطعمها أبداً » .
ولم يذهب غضب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لكنه اضطر إلى السكوت ، حتى لا ترتد قريش !
وقد رواها ابن هشام « 2 / 549 » وفيها أبيات في إنكارالآخرة قال :
« يخبرنا الرسول بأن سنحيا * وكيف حياة أصداءٍ وهامِ » !
ورواها ابن حجر في الإصابة « 7 / 39 » عن الفاكهي في كتاب مكة وفيه : « شرب أبو بكر الخمر فأنشأ يقول : فذكر الأبيات . فبلغ ذلك رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقام يجر إزاره حتى دخل فتلقاه عمر وكان مع أبي‌بكر ، فلما نظر إلى وجهه محمراً ، قال : نعوذ بالله من غضب رسول الله ! والله لا يلج لنا رأسا أبداً ! فكان أول من حرمها على نفسه ! واعتمد نفطويه على هذه الرواية فقال : شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم ، ورثى قتلى بدر من المشركين » !
وفي فتح الباري : 10 / 31 ، أن تلك الجلسة كانت حفلة خمر في بيت أبي طلحة ، وكانوا أحد عشر صحابياً ، وكان ساقيهم أنس بن مالك ! ثم قال : « ولأحمد عن يحيى القطان عن حميد عن أنس : كنت أسقي أبا عبيدة وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ، ونفراً من الصحابة عند أبي طلحة . ووقع عند عبد الرزاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغيرهما عن أنس ، أن القوم كانوا أحد عشر رجلاً ، وقد حصل من الطرق التي أوردتها تسمية سبعة منهم ، وأبهمهم في رواية سُلَيْمان التيمي عن أنس . ومن المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان عن أنس ، أن أبا بكر وعمر كانا فيهم ! وهو منكر ، مع نظافة سنده ، وما أظنه إلا غلطاً » !
————————— 142 —————————
يقصد أن سنده صحيح ، لكن مكانة الشيخين كبيرة فهو مستنكر ! لكن الحديث إذا صح فلا قيمة لاستغراب معناه !
والأشد من ذلك أن القصةكانت قبل وفاة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بشهر أو شهرين ! لأن آية : فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ، من سورة المائدة ، وهي آخر سورة نزلت من القرآن !
وروى البخاري في صحيحه « 4 / 263 » : « عن عائشة أن أبا بكر تزوج امرأة من كلب يقال لها أم بكر ، فلما هاجر أبو بكر طلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر ، الذي قال هذه القصيدة ، ورثى كفار قريش :
وماذا بالقليب قليب بدر * من الشيزى تزين بالسنام
وماذا بالقليب قليب بدر * من القينات والشرب الكرام
تحييْ بالسلامة أم بكر * وهل لي بعد قومي من سلام
يحدثنا الرسول بأن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام »
لكن عائشة لم تحل المشكلة ، لأنهما نفت نظم أبيها للقصيدة ولم تنف إنشاده لها ! وكأن المهم عندها نفي نظمه لها ، لأنها تثبت كفر ناظمها ، أما إنشادها فأقل مصيبةً !
وروى ابن حجر في الإصابة « 7 / 39 » أنها « كانت تدعو على من يقول إن أبا بكر الصديق قال هذه القصيدة ثم تقول : والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا في الإسلام ، ولكن تزوج امرأة من بني كنانة ثم بني عوف فلما هاجرطلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر ، أبو بكر بن شعوب ، فقال هذه القصيدة يرثي كفار قريش الذين قتلوا ببدر ! راجع في الموضوع : أمالي الطوسي / 737 ، ورواها بسبعة أبيات ، وابن هشام : 2 / 549 ، رواها بتسعة أبيات ، والغدير : 6 / 251 ، و 7 / 96 و : 7 / 95 ، وفتح الباري : 10 / 30 ، وقد أطال في الموضوع ودافع بما يستطيع ، لكن كلامه فيه تعجب وحيرة ، وسيرة ابن كثير : 2 / 535 ، ومستدرك الوسائل : 17 / 83 ، والسقيفة أم الفتن / 74 ، وفيض القدير : 1 / 117 ، والإصابة : 7 / 38 ، والصحيح من السيرة : 5 / 301 و 304 ، ومجمع الزوائد : 5 / 51 ، والهداية الكبرى / 106 ، وأمالي المرتضى : 2 / 18 ، والنص والاجتهاد / 311 ، وأحاديث الشعر للمقدسي / 57 ، والنهاية : 3 / 412 ، وتفسير الثعلبي : 2 / 142 ، والإصابة : 7 / 38 .
————————— 143 —————————

11 . فاعجب ثم أعجب من تناقض القرشيين :

فهم يريدون خلافة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ثأراً لبدر ! ثم يطالبون بثأر بدر ! ولولا معركة بدر لما كان إسلامٌ ولا خلافةٌ يجلسون على كرسيها ! والذي يجلس على كرسي خلافة محمد ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يفترض أنه مسلم ، وأنه إلى جانب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في معركة بدر وضد من قاتله من المشركين ! لكن تعقيد الشخصية القرشية جعلتهم يتبنون نتيجة بدر التي منها الخلافة ، ويتبنون « مناحة قومهم » على قتلى بدر ، لأنها تنفعهم
ضد بني هاشم !
قال عمر لابن عباس في محاورته الشهيرة : « كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة ، فتجخفوا جخفاً « تكبراً » فنظرت قريش لنفسها فاختارت ووفقت فأصابت . . أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول » ! « تاريخ الطبري : 3 / 288 ، وشرح النهج : 6 / 50 ، وجمهرة الأمثال : 1 / 339 ، والعقد الفريد / 1378 » .
وقال لابن عباس مرة : « يا ابن عباس ما أرى صاحبك إلا مظلوماً ، فقلت : أردد إليه ظلامته ، فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة ، ثم وقف فلحقته فقال : يا ابن عباس ما أظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه ، فقلت : والله ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك ! فأعرض عني » ! ( التحفة العسجدية / 144 ) . فاعجب لخليفة يدين منطق الإسلام ، الذي يلبس ثوبه ، ويحكم بإسمه !
12 . وعندما تقوم « الخلافة » على الثأر من بني هاشم :
فطبيعي أن تقوم بقتل الأئمة من عترة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وتقمع شيعتهم ، وتبيد مصادر مذهبهم ! وهذه هي سياسة الخلافة منذ تأسيسها إلى اليوم ! ولذلك قال علي ( عليه السلام ) لقريش : « لعمر أبي وأمي لن تحبوا أن يكون فينا الخلافة والنبوة ، وأنتم تذكرون أحقاد بدر وثارات أحد » . « الإحتجاج : 1 / 127 » .
ولما سألت أم‌سلمة فاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) « المناقب : 2 / 49 » : « كيف أصبحت يا بنت رسول الله ؟ فقالت : أصبحت بين كمد وكرب ! فُقِدَ النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وظُلِمَ الوصي ،
————————— 144 —————————
وهُتك والله حجابه ، وأصبحت إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزيل ، وسنها النبي في التأويل ! ولكنها أحقاد بدرية وتِرات أحدية ، كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة ، فلما استهدف الأمر ، أرسلت علينا شآبيب الآثارمن مخيلة الشقاق » !
وفي تاريخ الطبري : 8 / 187 : « طلب يزيد بثارات المشركين عند المسلمين ، فأوقع بأهل الحرة الوقيعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها ، ولا أفحش مما ارتكب من الصالحين فيها ! ( أشنع منها كربلاء قبلها ) وشفى بذلك حقد نفسه وغليله ، وظن أن قد انتقم من أولياء الله وبلغ النوى لأعداء الله ، فقال مجاهراً بكفره ، ومظهراً لشركه :
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من ساداتكم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
فأهلوا واستهلوا فرحاً * ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا * خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل !
هذا هو المروق من الدين ، وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه » !
* *
————————— 145 —————————

الفصل السادس: تزويج النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) علياً بفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) )

1 . كثرة المكذوبات ضد علي ( عليه السلام ) في أحاديث زواجه بفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) )
تبلغ روايات زواج علي وفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في مصادر الطرفين نحو مئة صفحة ، وفيها روايات ضعيفة السند ، وبعضها لغتها عامية ، وبعضها فيها حشو وأمور غير معقولة ، وبعضها مسمومة وضعها خصوم علي وفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مثل قولهم إن علياً ( عليه السلام ) أراد البناء بها فمنعه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وقال له إنك لم تعطها شيئاً ، فقال له : ما عندي شئ فأعطيها ! فقال له : أعطها درعك الحطمية التي أعطيتك إياها في بدر ، فأعطاها إياها ، أو باعها بأربعة دراهم !
وقولهم إنها اشتكت إلى أبيها ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أنك زوجتني بغير الكفؤ ، فسكَّن غضبها ! وقولهم إنه خطب بنت أبي جهل عليها فغضب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وصعد المنبر وهدده بطلاق ابنته فاطمة !
وقولهم إن علياً كان يؤذي فاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وقد رد عليهم الشريف المرتضى بقوله : « إن الله تعالى هو الذي اختار علياً لفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فكيف يختار لها من يؤذيها ويغمها » ! « الشافي : 2 / 277 » . ويدل كذبهم على علي حتى في زواجه بفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) على شدة حساسيتهم منه وحسدهم له !
وقد كتبنا في المجلد الثاني من السيرة النبوية فصلاً بعنوان زواج علي وفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ونركز هنا على ما يتصل بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ونترك التفصيل لسيرة الصديقة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .

2 . خَطَبَها كبار الصحابة فردهم النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) !

روى الجميع أن أبا بكر وعمر وغيرهما خطبوا الزهراء ( عليها السلام ) ، فردهم النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
قال ابن سعد في الطبقات : 8 / 19 : « إن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : يا أبا بكر
————————— 146 —————————
أنتظر بها القضاء ، فذكر ذلك أبو بكر لعمر فقال له عمر : ردك يا أبا بكر .
ثم إن أبا بكر قال لعمر : أخطب فاطمة إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فخطبها فقال له مثلما قال لأبي‌بكر : أنتظر بها القضاء ، فجاء عمر إلى أبي‌بكر فأخبره فقال : له ردك يا عمر » !
وفي تذكرة الخواص / 276 ، عن أحمد في الفضائل : « فقال رسول الله : إنها صغيرة ، وإني أنتظر بها القضاء ، فلقيه عمر فأخبره ، فقال : ردك ، ثم خطبها عمر فرده » .
وفي سنن النسائي « 6 / 62 » : « فقال رسول الله : إنها صغيرة فخطبها علي فزوجها منه » .
وفي مجمع الزوائد « 9 / 204 » عن الطبراني الكبير « 22 / 408 » ووثقه : « خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال النبي : هي لك يا علي » .
وفي المناقب : 3 / 122 : « اشتهر في الصحاح بالأسانيد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر الأنصاري ، وأنس بن مالك ، والبراء بن عازب ، وأم‌سلمة ، بألفاظ مختلفة ومعان متفقة ، أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مرة بعد أخرى فردهما . وروى ابن بطة في الإبانة أنه خطبها عبد الرحمن فلم يجبه . وفي رواية غيره أنه قال : بكذا من المهر ، فغضب ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ومد يده إلى حصى فرفعها فسبحت في يده ، وجعلها في ذيله فصارت دراً ومرجاناً ، يعرض به جواب المهر » .
أقول : معنى قول عبد الرحمن بن عوف : بكذا من المهر أنه عرض على النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مبلغاً كبيراً مهراً لفاطمة ( عليها السلام ) ، فأجابه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : لسنا من نوعكم نهتم بالمهر والمال ونزوج بناتنا بهذا المقياس ، بل قضيتنا فوق ذلك .
وفي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 203 : « عن علي ( عليه السلام ) قال : قال لي رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : يا علي لقد عاتبتني رجال قريش في أمر فاطمة ، وقالوا : خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت علياً ؟ ! فقلت لهم : والله ما أنا منعتكم وزوجته بل الله تعالى منعكم وزوجه ! فهبط عليَّ جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا محمد إن الله جل جلاله يقول : لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض ، آدم فمن دونه » ! وفي كشف الغمة « 2 / 100 » : « إن الله عز وجل زوجك فاطمة ( عليها السلام ) ، وجعل صداقها الأرض ، فمن مشى عليها مبغضاً لها مشى حراماً » .
————————— 147 —————————

3 . أيها الرسول : زوج النور من النور

نزل جبرئيل على رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يأمره أن يزوج النور من النور ، أي علياً من فاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فأمر علياً ( عليه السلام ) أن يخطب فطلب منه يد فاطمة ( عليها السلام ) ، وأجابه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بالقبول ، وأخبر المسلمين باحتفال الملأ الأعلى بعرسهما .
ثم باع علي ( عليه السلام ) درعه وجاء بثمنه مهراً وأعطاه للنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فأعطى منه قبضة إلى أم‌سلمة وأم أيمن لشراء لوازم عرس الزهراء ( عليها السلام ) ، وقبضة لسلمان وأبي‌بكر ، لشراء لوازم المنزل . ثم أمر الصحابة والصحابيات بتهيئة المنزل .
وبقيت الزهراء بعد عقد زواجها مدة في بيت أبيها ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، ثم أقام النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مراسم زفافها ، فأولم وليمة كبيرة لم يحدث التاريخ بأوسع منها في سيرة الأنبياء ( عليهم السلام ) . والأحاديث في مراسم زواج الزهراء ( عليها السلام ) عديدة ، اخترنا نماذج منها :
في المناقب « 3 / 123 » وتاريخ بغداد « 4 / 432 » : « طلع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ووجهه مشرق كالبدر ، فسأله ابن عوف عن ذلك فقال : بشارة أتتني من ربي لأخي وابن عمي وابنتي ، واللهُ زوج علياً بفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى فحملت رقاعاً بعدد محبي أهل بيتي ، وأنشأ من تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كل ملك صكاً براءة من النار ، بأخي وابن عمي وابنتي ، فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي . فدعاه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وقال : أبشر يا علي فإن الله قد كفاني ما كان من همتي تزويجك ، أتاني جبرئيل ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها ، فتناولتهما وأخذتهما فشممتهما ، فقلت : ما سبب هذا السنبل والقرنقل ؟ قال : إن الله أمر سكان الجنة من الملائكة ومن فيها أن يزينوا الجنان كلها ، بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها ، وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب ، وأمر حور عينها بالقراءة فيها طه ويس وطواسين وحم وعسق ، ثم نادى مناد من تحت العرش : ألا إن اليوم يوم وليمة علي ، ألا إني أشهدكم أني زوجت فاطمة من علي ، رضاً مني ببعضهما لبعض . ثم بعث الله سبحانه سحابة بيضاء فقطرت من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها ، وقامت الملائكة فنثرن من سنبلها وقرنفلها ،
————————— 148 —————————
وهذا مما نثرت الملائكة » .
وفي حديث خباب بن الأرت : أن الله تعالى أوحى إلى جبرئيل : زوج النور من النور وكان الولي الله ، والخطيب جبرئيل ، والمنادي ميكائيل ، والداعي إسرافيل ، والناثر عزرائيل ، والشهود ملائكة السماوات والأرضين . ثم أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك ، فنثرت الدر الأبيض ، والياقوت الأحمر ، والزبرجد الأخضر ، واللؤلؤ الرطب ، فبادرن الحورالعين يلتقطن ، ويهدين بعضهن » .
وقال أنس بن مالك : « كنت قاعداً عند النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فغشيه الوحي فلما سُرِّيَ عنه قال : أتدري يا أنس ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش ؟ قلت : بأبي وأمي ! وما جاء به جبريل من عند صاحب العرش ؟ قال : إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي » . « تاريخ دمشق : 37 / 13 ، ونحوه كبير الطبراني : 10 / 156 ، والزوائد : 9 / 204 ، والمناقب لابن مردويه / 196 ، والجامع الصغير : 1 / 258 ، وكنز العمال : 11 / 606 ، و 13 / 671 ، والكشف الحثيث / 174 ، وجواهر المطالب : 1 / 155 ، وسبل الهدى : 11 / 38 ، والحلبية : 2 / 471 ، وغيرها ، وصححوه » .
وفي تعبير : زوج النور من النور سرٌّ لطيف ، لأن نور النبوة صار جزءين وافترق في عبد الله وأبي طالب : جزء للنبوة ، وجزء للإمامة ، ثم اجتمع في الحسن والحسين ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) « الكافي : 1 / 442 » : « إن الله كان إذ لا كان ، فخلق الكان والمكان وخلق نور الأنوار ، الذي نورت منه الأنوار ، وأجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار ، وهو النور الذي خلق منه محمداً ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وعلياً ( عليه السلام ) ، فلم يزالا نورين أولين ، إذ لا شئ كون قبلهما ، فلم يزالا يجريان طاهرين مطهرين في الأصلاب الطاهرة ، حتى افترقا في أطهر طاهرين في عبد الله وأبي طالب ( عليهم السلام ) » . وقال القاضي سعيد في شرح توحيد الصدوق « 2 / 79 » : « وعندها يتحد النوران اللذان اقتسما في عبد الله وأبي طالب ، رضي الله عنهما » .

4 . لماذا تولى الله أمر فاطمة ( عليها السلام ) دون أبيها ( ( صلى الله عليه وآله ) )

النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ . والنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) والد الزهراء ( عليها السلام ) وولي أمرها ، فكيف لا تكون له ولاية عليها ويقول لمن يخطبها أمرها لله تعالى وليس له !
لا جواب لذلك إلا أنه كان مأموراً بذلك !
————————— 149 —————————
روى في الكافي : 5 / 568 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « قال رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم وأزوجكم ، إلا فاطمة ، فإن تزويجها نزل من السماء » .
وفي كشف الغمة : 1 / 363 ، من كلام أبي‌بكر قال : « قد خطبها الأشراف من رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال : إن أمرها إلى ربها ، إن شاء أن يزوجها زوجها » . وهذا يدل على أنها كانت منذورة لله تعالى كمريم ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، أو أنه أمر نبيه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أن يترك أمرها له ! وهذا مقام عظيم لم يبلغه قبلها رجل ولا امرأة !
وقد حاول بعضهم أن ينتقص من مقامها ( عليها السلام ) ويعمم هذه الفضيلة ، فروى الحاكم : « 4 / 49 » أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال : « ما أنا أزوج بناتي ولكن الله تعالى يزوجهن » . لكنه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) زوج زينب وأم‌كلثوم ورقية ، ولم يقل إن أمرهن لله تعالى وليس له !
ويشبه ذلك ما رواه الحاكم : 2 / 201 ، عن عروة عن خالته عائشة أن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال عن ابنته أو ربيبته زينب : « هي أفضل بناتي أصيبت فيَّ . فبلغ ذلك علي بن الحسين ( عليه السلام ) فانطلق إلى عروة فقال : ما حديثٌ بلغني عنك تحدثه تنتقص فيه حق فاطمة ( عليها السلام ) ؟ فقال : والله ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب وأني أنتقص فاطمة حقاً هو لها ! وأما بعد ، فلك أن لا أحدث به أبداً . قال عروة : وإنما كان هذا قبل نزول آية : أدْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَأَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ . . » .
أي اعتذرعروة عن خالته عائشة بأنها قالت إن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قال عن زينب بنتي ، قبل نزول النهي عن نسبة الربيبة . ومعناه أن زينب ربيبة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وليست بنته .
ومهما يكن ، فلم يقل عن غير فاطمة ( عليها السلام ) إن أمرها ليس بيدي !

5 . من الروايات القوية في زواج علي وفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) )

تقول بعض الروايات أن علياً ( عليه السلام ) خطب فاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وبعضها ضعيف السند ، وبعضها لغته عامية ، ولو صح أنه بادر إلى خطبتها فذلك بأمر رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لأنه قال كما في الترمذي ( 4 / 361 ) : ( يا بريدة إن علياً وليكم بعدي ، فأحِبَّ علياً ، فإنما يفعل ما يؤمر ) .
ومن أصح النصوص وأجمعها ما كتبه ابن شهرآشوب ( رحمه الله ) في مناقب آل أبي طالب
————————— 150 —————————
( 3 / 122 ) نختار منها قوله : « أتى سلمان إليه ( إلى علي ) وقال أجب رسول الله ، فلما دخل عليه قال : أبشر يا علي فإن الله قد زوجك بها في السماء قبل أن أزوجكها في الأرض ، ولقد أتاني ملك وقال : أبشر يا محمد باجتماع الشمل وطهارة النسل ، قلت : وما اسمك ؟ قال : نسطائيل من موكلي قوائم العرش ، سألت الله هذه البشارة وجبرئيل ، على أثري .
أبو بريدة عن أبيه : إن علياً خطب فاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فقال له النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : مرحباً وأهلاً . فقيل لعلي : يكفيك من رسول الله إحداهما ، أعطاك الأهل وأعطاك الرحب .
قال الأصفهاني :
أمْ مَن بسيدة النساء قضى له * ربي فأصبح أسعد الأختان
من بعد خطاب أتوه فردهم * رداً يبين مضمر الأشجان
فأبان منعهما وقال صغيرة * تزويجها في سنها لم يان
حتى إذا خطب الوصي أجابه * من غير تورية ولا استيذان
فالله زوجه وأشهد في العلا * أملاكه وجماعة السكان
والله قدر نسله من صلبه * فلذا لأحمد لم يكن بنتان
تاريخ بغداد بالإسناد عن بلال بن حمامة : اطلع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ووجهه مشرق كالبدر ، فسأل ابن عوف عن ذلك ، فقال : بشارة أتتني من ربى لأخي وابن عمي وابنتي ، والله زوج علياً بفاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى ، فحملت رقاعاً بعدد محبي أهل بيتي : وأنشأ من تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كل ملك صكاً براءة من النار بأخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي .
وفي رواية : في الصكوك براءة من العلي الجبار ، لشيعة علي وفاطمة من النار .
عبد الرزاق باسناده إلى أم أيمن في خبر طويل عن النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : وعقد جبرئيل وميكائيل ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في السماء نكاح علي وفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فكان جبرئيل المتكلم عن علي وميكائيل الراد عني . قال الحميري :
نصب الجليل لجبرئيل منبراً * في ظل طوبى من متون زبر جد
شهد الملائكة الكرام وربهم * وكفى بهم وبربهم من شهد
————————— 151 —————————
وتناثرت طوبى عليهم لؤلؤاً * وزمرداً متتابعاً لم يعقد
وملاك فاطمة الذي ما مثله * في متهم شرف ولا في منجد
وله أيضاً :
والله زوجه الزكية فاطماً * في ظل طوبى مشهداً محضورا
كان الملائك ثم في عدد الحصى * جبريل يخطبهم بها مسرورا
يدعو له ولها وكان دعاؤه * لهما بخير دائماً مذكورا
حتى إذا فرغ الخطيب تتابعت * طوبى تساقط لؤلؤاً منثورا
وتهيل ياقوتاً عليهم مرة * وتهيل دراً تارة وشذورا
فترى نساء الحور ينتهبونه * حوراً بذلك يهتدين الحورا
فإلى القيامة بينهن هدية * ذاك النثار عشية وبكورا
وقال خطيب منبج :
ملاك كانت الأملاك فيه * لتزويج الزكية شاهدينا
وكان وليها جبريل منهم * وميكائيل خير الخاطبينا
وزخرفت الجنان فظل فيها * لها ولدانها متنزينينا
وكان نثارها حللاً وحلياً * وياقوتاً ومرجاناً ثمينا
وعقياناً وحور العين فيها * وولدان كرام لاقطونا
وكان من النثار كما روينا * صكاك ينتشرن وينطوينا
بها للشيعة الأبرار عتق * جرى من عند رب العالمينا
وكان بين تزويج أمير المؤمنين وفاطمة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في السماء إلى تزويجها في الأرض أربعين يوماً ، زوجها رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من علي أول يوم من ذي ا