القدس العربي :
كشف وزير الدفاع مؤخراً عن حادثة عام 2018، اعترضت في أثنائها حوامة إيرانية وصلت المجال الجوي الإسرائيلي من قاعدة “تي 4″ في سوريا. واستهدفت المسيرة نقل مواد متفجرة إلى منظمات الإرهاب في الضفة. وكان اعتراض الحوامة الذي هو أيضاً نوع من السلاح الدقيق، فصلاً آخر في الحرب ضد مساعي إيران لتهريب وسائل قتالية متطورة، عبر سوريا لـ”حزب الله” في لبنان، ولجماعات إرهابية أخرى أيضاً .
وحسب الإعلام الأجنبي، فإن عدد الهجمات ازداد مؤخراً، ولا يمر أسبوع دون تقارير عن مواجهة واحدة أو أكثر في سوريا وفي المجال. معظم الهجمات موجهة ضد شبكات وقوات إيرانية في سوريا وضد محاولات نقل السلاح الدقيق إلى لبنان. هذه حرب ما بين الحروب، انطلقت في بداية العقد السابق لفرض “خطوط حمراء” في سوريا وضرب البرنامج النووي في إيران. أوضحت إسرائيل بأنها لن تسمح لقوات إيرانية ولميليشيات بالعمل وبالتموضع في سوريا، ولن تسمح لسوريا بأن تكون نقطة عبور لسلاح محطم التعادل لـ”حزب الله”. السلاح الدقيق ليس صواريخ فقط، بل حوامات، ومسيرات وصواريخ جوالة أيضاً.
حافظت إسرائيل في البداية على الصمت، ولكنها غيرت “القرص”، وابتداء من 2019 كشفت مصادر سياسية وعسكرية النقاب عن أن آلاف الأهداف دمرت في السنوات الأخيرة. وتكيفت الرسالة مع جمهور محدد: إيران، وروسيا، والأسد. تركز إيران على تطوير سلاح دقيق بتعليمات من خامينئي في 2009، انطلاقاً من الفهم بأن هذا سلاح “محطم للتعادل”. وبموجب ذلك، قضى رئيس الأركان بأن هذا هو التهديد الثاني من حيث أهميته، بعد النووي. تفهم إسرائيل بأن الخطتين مرتبطتان، كجزء من خطة إيرانية بعيدة المدى، ويجب وقفهما.
الانعطاف المشوق مؤخراً، أن الروس والسوريين لا يشتكون، رغم تتواصل الهجمات. نتنياهو وبينيت بذلا جهداً كبيراً لإقناع بوتين بأن المصلحة الروسية تكمن في إخراج إيران من سوريا. وأوضحت إسرائيل بأنه طالما استمر التهديد وخرقت إيران الخطوط الحمراء، فستستمر الهجمات، ولن يكون في سوريا استقرار، وستكون الاستثمارات الروسية في خطر. ثمة تفهم روسي وتقبل بالرواية أخيراً. فهل سيتخذ بوتين إجراءات فاعلة لإخراج إيران؟ هذه مسألة أخرى، ولكنه يسمح بحرية عمل كاملة، يكون مريحاً لإسرائيل العمل بدونها أيضاً.
الأسد نفسه الذي كان سيفقد السلطة لولا التدخل الإيراني والروسي، انضم مؤخراً إلى الروس وبات يقبل الهجمات بهدوء. أما الإيرانيون فقد بدأوا يبالغون، وبدأ الأسد يفهم بأنهم يخرقون سيادته ويستخدمون سوريا. ويفهم أيضاً أنه بدون إخراجهم من سوريا فلن يحصل على حضن الأمة العربية مرة أخرى، في الخطوة الدبلوماسية التي أدارها بقيادة الإمارات. مشروع الدقة يهدد لبنان أيضاً، الذي يقف على شفا الانهيار. فإذا استمرت التهريبات لـ”حزب الله” ولا سيما إنتاج الصواريخ الدقيقة، أو تحويل القديمة على أراضي لبنان، فلن يكون لإسرائيل مفر غير الهجوم. وقد يتدهور هذا إلى حرب تؤدي إلى دمار وانهيار نهائي للدولة البائسة.
كل هذا يحصل على خلفية استئناف المفاوضات بين إيران والقوى العظمى. تريد إسرائيل اتفاقاً جيداً وشاملاً، يعطل قدرة إيران على الوصول إلى النووي، على نحو دائم. أما نهج بايدن ومالي، فلا يتماثل تماماً. معالجة الصواريخ الدقيقة ليست جزءاً من المحادثات، وليس مؤكداً أن سيكون هذا سيئاً في هذه المرحلة، من أجل التركيز على النووي. فمعالجة الصواريخ الدقيقة يجب أن تجري بالتوازي وعلى نحو منفرد، في ظل تشديد الحرب ما بين الحروب.
إن التطلع الأمريكي للوصول إلى اتفاق، “أقل مقابل أقل” هو عملياً سير نحو اتفاق “أكثر مقابل أقل”. فرفع العقوبات، وإن كان جزئياً، سيسمح لإيران بترميم اقتصادها ومواصلة دعم الإرهاب، مثل الصواريخ الدقيقة، وبالتوازي يبعث برسالة إلى الأسواق بأن عقد الصفقات مع إيران يعد مجداً. هذا هو السبب وراء الحديث عن “أكثر بكثير”، بما أن إيران –بالتوازي- تتنازل عن “أقل بكثير”.
إن العقيدة الإيرانية مبنية على أربع أقدام: للولايات المتحدة قدرات هجومية لكن بايدن ضعيف ولن يفعل هذا؛ وإسرائيل تفهم بأن الولايات المتحدة ضعيفة ولن تهاجم وحدها، إذ ليس لديها القدرات؛ إيران تشعر بأن اقتصادها قد يصمد أمام الضغوط في المستوى الحالي؛ وأخيراً، القيادة لا تشعر بتهديد حقيقي على النظام وعلى حياة رجاله وعلى ممتلكاتهم الشخصية.
طالما لم تقطع الأقدام الأربع، سيسمح الإيرانيون لأنفسهم بالوصول إلى الطاولة مع مطالب سخيفة وبالحد الأقصى، وبالتوازي العمل كما يشاؤون في سوريا والمنطقة. وهم ليسوا مستعدين للتحدث إلا عن تخفيف للعقوبات، وعن ضمانات أمريكية بألا تخرج أي إدارة في المستقبل من الاتفاق، حتى لو تعارض الطلب مع القانون الأمريكي، ويطالبون بغلق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأسئلة المفتوحة. لا توجد موافقة إيرانية على الحديث عما سيفعلونه بالنووي وبالخروقات وبالسلوك الإقليمي.
تفهم واشنطن موقف إسرائيل بالنسبة للصواريخ الدقيقة، ولهذا يتجاهل البيت الأبيض، بصمت، الحرب ما بين الحروب، لكنه يصر على العودة إلى المفاوضات في نهج مغلوط. لإسرائيل “شيك مفتوح” لمعارضة الصواريخ الدقيقة، وليس لها ذلك بشأن التهديد النووي ولا حتى من خلال قدراتها في السايبر، الأمر الذي لا يعد مقبولاً بالطبع من جانب إسرائيل. سيستمر العمل ضد تهديد الصواريخ الدقيقة بإقرار من واشنطن، وبدعم شبه علني من الروس والسوريين. والأعمال الإسرائيلية تجاه النووي كفيلة بأن تؤدي إلى مواجهة.
بقلم: يعقوب نغل ويونتان شنزر
إسرائيل اليوم 30/11/2021