"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

ذي أتلانتك : الإعلام الفرنسي يفعل مع زمور ما فعلته الصحافة الأمريكية مع ترامب.. فهل سيندم؟

لندن – “القدس العربي”:

نشر موقع “ذي أتلانتك” مقالا للصحفية ياسمين سرحان قالت فيه إن نجما تلفزيونيا يفكر في الترشح للرئاسة، وعلى عكس بقية المرشحين فهو لا يخجل من الاستفزاز الديني أو العنصري، ولا يخفي ولعه بالمؤامرات. فهو معارض صريح للهجرة وللكياسة والأدب السياسي والحركات النسوية. وبالنسبة لأنصاره، فهو وجه مألوف لا يخشى “قول الحقيقة كما هي”. وبالنسبة للمنتقدين فهو شعبوي محرض عازم على تقسيم البلاد. ولكن التغطية الشاملة لوسائل الإعلام تجعل له حضورا لا مفر منه.

وقد يكون إريك زمور، الناقد اليميني المتطرف الذي حقق تقدما في استطلاعات الرأي الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية في البلاد العام المقبل، النسخة الفرنسية من دونالد ترامب. ولا يزال لم يعلن ترشحه بعد إلا أن التغطية الكاسحة له في وسائل الإعلام الفرنسية، فضلا عن حضوره المتزايد في الصحافة الدولية، تشير إلى أن الأمر مسألة وقت فقط قبل أن يفعل ذلك.

وتقول سرحان إن جذب زمور الانتباه الكبير مقارنة مع بقية المرشحين للرئاسة في فرنسا هو دليل على قدرته في الحفاظ على موقفه المستفز، وهي مهارة طورها وشذبها طوال مسيرته المهنية. وببساطة فهو مثل ترامب شق طريقه إلى الصفحات الأولى ونشرات الأخبار في أوقات الذروة، من خلال كونه الصوت الأكثر فظاعة في المجلس، ويبدو أن الهدف هو حشد الزخم الكافي لتعزيز ترشيحه المرتقب. وحتى الآن، أثبتت الصحافة الفرنسية أنها مستعدة بلا وسعيدة لمتابعة ما يقول وخدمته.

وتضيف الكاتبة أن الصحافة فعلت هذا من قبل. على الرغم من أن وسائل الإعلام الأمريكية لم تصنع ترامب، فهو مثل زمور كان اسما مألوفا قبل فترة طويلة من ترشحه، إلا أن المعلقين والكتاب منحوه مستوى غير متناسب من التغطية، ومنحوه مزيدا من الاهتمام والشرعية أكثر مما منحوه لأي من منافسيه.

والطريق أمامه لا يزال بعيدا، فنحن على بعد ستة أشهر من يوم الانتخابات ولم تبدأ المنافسة على الرئاسة في فرنسا بعد. ومع ذلك، فالمبالغة في الإشارة إلى مرشح واحد – أو، في حالة زمور، مرشح محتمل – يبدو أن الصحافيين الفرنسيين سيكررون على ما يبدو أخطاء نظرائهم على الجانب الآخر من الأطلنطي.

 وتقول سرحان إن جزءا من افتتان وسائل الإعلام بزمور هي أوجه التشابه بينه وبين ترامب، وهي مقارنة يبدو أن الفرنسي البالغ من العمر 63 عاما سعيد للغاية بها.

وفي مقابلة مع” نيويورك تايمز”، ادعى أن غلاف كتابه الأخير، “فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة بعد”، تم تصميمه على غرار كتاب الرئيس الأمريكي السابق “عظيمة مرة أخرى”، والذي نشر، مثل كتاب زمور، قبل الانتخابات الرئاسية. كما بالغ أيضا في الحديث عن بعض القواسم المشتركة الأخرى الظاهرة بينه وترامب: فهما من خارج الطبقة السياسية وقلقهما المشترك من الهجرة والتجارة.

مع أن زمور، كما تقول سرحان، ليس دخيلا على السياسة كما يدعي. وولد في ضواحي باريس لعائلة يهودية أمازيغية من الجزائر، ودرس في معهد الدراسات السياسية بباريس، وهي ساحة تدريب للطبقة السياسية الفرنسية، قبل أن يصبح صحافيا. وعمل خلال مسيرته المهنية التي امتدت لعقود في صحيفة لوفيغارو، وهي صحيفة يمين الوسط الفرنسية، و “سي نيوز” التي تشبه وتحاكي قناة “فوكس نيوز” الأمريكية.

وتضيف أن ما يميزه عن بقية النخبة الفرنسية هي نظرته الراديكالية للعالم. بالإضافة إلى تعليقاته التحريضية حول المهاجرين والمسلمين، فقد دين مرتين بالتحريض على الكراهية العنصرية. وقام أيضا، رغم كونه يهودي، بالترويج للمراجعة التصحيحية للتاريخ الفرنسي أثناء الحرب العالمية الثانية والتي تزعم زورا أن حكومة فيشي الفرنسية التي تعاونت علنا مع ألمانيا النازية، أنقذت اليهود الفرنسيين. وكذا دعمه لنظريات المؤامرة، فهو من أنصار النظرية العرقية “الإحلال العظيم” التي روج لها الكاتب الفرنسي رينو كامو والتي تدعي أنه يتم استبدال الأوروبيين البيض الأصليين بالمهاجرين غير البيض من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتعلق الكاتبة أن الصحافة الفرنسية بعدما شهدت صعود ترامب، تعرف مخاطر تحويل زمور إلى نوع من “السيرك السياسي” بل والأسوأ من ذلك، منح صبغة طبيعية على آرائه المتطرفة.

وتقول الكاتبة إن صحافيا بارزا في إحدى الصحف اليومية من يسار الوسط الفرنسية، أخبرها بعدما طلب عدم الكشف عن هويته: “لقد كنا نجري نقاشات كبيرة داخل الصحيفة حول كيفية تغطيتنا له”.   ويعود جزء من الحسابات إلى حقيقة أن زمور ليس مرشحا، فلا يزال بحاجة إلى تأمين دعم ما لا يقل عن 500 رئيس بلدية في جميع أنحاء البلاد ليكون مؤهلا.  أما العامل الآخر فهي الضجة المتزايدة حول حملته. وبحسب وكالة أكريميد الفرنسية للرقابة على وسائل الإعلام، كان هناك 4167 إشارة إلى زمور في الصحافة الفرنسية في أيلول/ سبتمبر وحده – أي ما يعادل 139 مرة في اليوم. خلال نفس الفترة، تلقى زمور أكثر من 11 ساعة من البث، كما أخبرها روبن أندراكا، الصحافي المقيم في باريس والذي يتتبع ظهور زمور التلفزيوني مقارنة بنظرائه. بالمقارنة، تلقت رئيسة بلدة باريس آن هيدالغو ساعتين من البث. وحصلت مارين لوبان، المنافس الرئيسي لزمور على أصوات اليمين المتطرف، على أكثر من ساعة بقليل. ويرى أندراكا، أن وسائل الإعلام “لا تستطيع مقاومة جاذبية الجدل الذي يثيره”، موضحا السبب بقوله: “أنت، كصحافي، متأكد من أنه سيقول شيئا عنصريا للغاية وإشكاليا للغاية ولكن بعد ذلك لا بأس لأنه يمكنك التحدث عن هذا الشيء لمدة يومين.. فهذا أمر جذاب للصحافيين”.

وبهذه الطريقة، تقع الصحافة الفرنسية في نفس الفخ الذي وقع فيه الصحافيون الأمريكيون مع ترامب. فمن خلال مكافأة زمور على تطرفه ومنحه مزيدا من التغطية، كما فعلت الصحافة الأمريكية مع ترامب قبل انتخابات عام 2016، فإنها تقدم رسالة ضمنية ومقصودة في الوقت نفسه أن الخطاب الأكثر تطرفا فقط هو الذي يستحق النقل والمتابعة.

وكانت العواقب المترتبة واضحة عندما خاض ترامب الانتخابات بمسارين: الأول تمثيله بشكل مفرط للآراء الأكثر تطرفا في النقاش العام، وثانيا تشجيعه السياسيين أيضا على أن يكونوا أكثر تطرفا. وتعلق الكاتبة إن زمور لا يحصل فقط على حصة الأسد من اهتمام وسائل الإعلام، بل وإنه يحدد بشكل فعال شروط المناظرة الرئاسية في فرنسا، مثلما فعل ترامب.  وذلك من خلال إغراق الصحافيين بسيل من الأخبار، أو كما قال كبير الاستراتيجيين للرئيس الأمريكي السابق ستيف بانون، محاولة “إغراق المكان بالقرف” ومن خلال استنفاد انتباه الرأي العام. وهو ما أعطى ترامب القدرة على تحويل الإعلام إلى منبر.

 وتستدرك الكاتبة أن التغطية لزمور ليست معه بالطبع. وفي الواقع، يعتبر الكثير مما يكتب عنه نقديا، لأنه يتعلق بآرائه الأكثر إثارة. ولكن إذا كان هناك درس واحد يجب أن تتعلمه الصحافة من حقبة ترامب، سواء كانت التغطية ناقدة أم لا فهي تركز على الشخصية وتعطيها اهتماما.

وهنا يكمن التوتر الأساسي الذي يواجه الصحافة الفرنسية الآن. إن تكريس الكثير من الوقت والمساحة لزمور من شأنه أن يمنحه النفوذ الذي يتوق إليه بلا شك ويعطي الرأي العام إشارة بأنه يستحق اهتمامهم أكثر من المرشحين المحتملين الآخرين. ومع ذلك، فإن تجاهله سيكون بمثابة المخاطرة بالتقصير عن الواجب الصحافي المتمثل في الإخبار عن والتدقيق في مرشح محتمل للرئاسة الفرنسية. فقد أظهر استطلاعان أخيران أن زمور يمكن أن يفوز بـ 16 إلى 17% من الأصوات الوطنية، ويحتل المرتبة الثانية بعد الرئيس إيمانويل ماكرون، ويتفوق على لوبان. ووجد أحد الاستطلاعات أيضا أن أكثر من ستة من كل 10 ناخبين فرنسيين يعتقدون أن وسائل الإعلام تقضي الكثير من الوقت في تغطية زمور. كما أن وجود زمور في كل مكان يجعله شخصا صعب التجاهل كما اشتكى وزير العدل في البلاد الأسبوع الماضي، فإن زمور مثل نشرة الأخبار الجوية “كل يوم هناك شيء جديد”. علاوة على ذلك فإن تغطيته مربحة بالنسبة لوسائل الإعلام.

وقوبلت آخر حيلة لزمور، بتغطية وإدانة واسعة النطاق، كانت توجيه بندقية قنص نحو الصحافيين أثناء حضورهم معرض أسلحة في باريس، بينما كان يضحك ويقول للصحفيين “ابتعدوا”. كما أثار زمور جدلا آخر عندما تعهد مؤخرا أنه في حالة انتخابه، سيسعى إلى إعادة فرض حظر يعود إلى القرن التاسع عشر على الأسماء الأجنبية مثل محمد. لقد كان محفزا لرد الفعل، ربما كان مصمما لذلك. لكنه لم يكن جديدا. في الواقع، كان موضوع الأسماء الفرنسية منذ فترة طويلة قضية محببة لزمور. في عام 2016، انتقد علنا وزيرة في الحكومة لتسمية طفلتها زهرة، على اسم والدتها، بدلا من اختيار اسم مسيحي فرنسي تقليدي. ووجه خطابا مشابها بعد ذلك بعامين إلى زميلة صحافية، قال لها إن اسمها السنغالي هو “إهانة” لفرنسا.

وتؤكد الكاتبة أن الطريقة التي تغطي بها وسائل الإعلام الفرنسية زمور ستنتهي في النهاية إلى هذه الأنواع من الخيارات التحريرية، سواء أعلن ترشيحه، وإلى متى يحتفظ بتفوقه في الاستطلاعات. لكن هذه العوامل مرتبطة. كلما كان زمور حارقا أكثر، زاد احتمال لفت انتباه وسائل الإعلام إليه، وزادت احتمالية بقائه في النقاش العام.