عمان – «القدس العربي»:
امتنعت الحكومة الأردنية عن تقديم شرح مقنع للرأي العام يسهم في إخماد حملة الانتقادات الواسعة التي يشنها المواطنون، سواء على صعيد بعض القوى الحزبية أو على صعيد نشطاء الحراك الشعبي وبعض نشطاء الإعلام والجوانب الحقوقية بخصوص الجدل المتعلق بازدواجية الإجراء الرسمي، عندما يتعلق الأمر بمتطلبات الوقاية الصحية.
الجدل لا يزال مستمراً، ومن يراقب منصات المجتمع الأردني وتفاعلاتها يلمس بوضوح أن النقاش الشعبوي والمجتمعي بخصوص ازدواجية معايير تطبيق أوامر الدفاع والوقاية الصحية عند الجهات الرسمية مسألة تنمو وتزحف وباقية وتتمدد، فقد يكون هذا الأمر من الظواهر النادرة التي عبرت للأسبوع الثاني على التوالي وسط حالة نقاش جدلية على منصات التواصل الاجتماعي.
الإخفاق الحكومي واضح ومباشر في تفسير وشرح تلك المقاربة التي اعتمدت عليها الحكومة وهي تعلن عبر الناطق الرسمي باسمها وزير الاتصال فيصل الشبول، بأن التباعد في المساجد سيستمر وهو ضروري، وفي المقابل ستتواصل الحفلات الغنائية والمهرجانات الفنية لأنها أيضاً تسهم في مساعدة القطاع السياحي المتضرر بقوة.
لم تقل الحكومة بعد بأن خلفياتها في مسألة التسهيلات للمهرجانات والحفلات الفنية لها علاقة بالقطاع السياحي، بمعنى الاستثمار المالي في القطاع السياحي.
تتعرض الحكومة لضغط من رموز المنشآت السياحية، لكنها لا تتحدث بشفافية هنا، وإن كان الرهان على تحقيق تباعد حقيقي في المساجد أيضاً من النظريات التي لم تختبر بسردية متماسكة ورقمية أدخلت الجميع في نقاشات يمكن الاستغناء عنها.
وزارة الأوقاف تصمت، في المقابل، على الجدل المتعلق بالإصرار وبعناد شديد على تطبيقات التباعد الجسدي ومتطلبات الفايروس كورونا داخل المساجد وأثناء صلوات الجماعة، وهي مفارقة قال حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض إنه يريد أن يفهم الآن ما إذا كان لها علاقة بسعي بعض الجهات أو بتورط بعض الجهات بمشروع للعبث بها والمساس بهوية المجتمع الأردني الدينية والوطنية. ومن الواضح أن الحكومة أخفقت بالتوازي في تفسير مقاربة أخرى أثارت الكثير من الجدل والتلغيز، وتلك المتعلقة بالحاضنة الاجتماعية التي تسببت بارتفاع عدد الإصابات المسجلة بالفيروس كورونا مما أدى إلى التشدد بتطبيقات أوامر الدفاع في النتيجة.
وكان وزير الصحة، الذي يتمتع وسط الجمهور الأردني بمصداقية كبيرة باعتباره من خارج النادي السياسي والنادي الجهوي والكلاسيكي من أعضاء الفريق الوزاري، قد لفت الأنظار عندما صرح علناً أن الحفلات الفنية الطابع ليست هي المصدر الذي قد يرجح زيادة عدد إصابات الفيروس كورونا، مشيراً إلى أن نسبة معقولة من الإصابات ظهرت في المدارس بعد استئناف العام الدراسي وبين صفوف الطلاب، وهي مسألة أقلقت حتى جميع الأهالي، ثم عاد وعبر بالقلق بسببها وزير التربية والتعليم الدكتور وجيه العويس.
الوزير عويس فاجأ الأردنيين بأن قراراً يدرس أو تحت الدراسة الآن وله علاقة بتطعيم طلاب المدارس، وهي خطوة تعلن السلطات أنها بصدد اتخاذها أو اتخذتها فعلياً لأول مرة عمليا منذ التأسيس لقواعد الاشتباك مع الفايروس كورونا، فيما يستغرب الإسلاميون قراراً إدارياً لوزير الأوقاف يمنع الموظفات في الوزارة من العمل في دور تحفيظ القرآن الكريم.
لكن مجدداً، وفي الجزء السياسي من كل هذه النقاشات التي تشغل ذهن الأردنيين جميعاً في كل الأحوال، بما في ذلك بعض أعضاء البرلمان عشية التحضير لاجتماع الدورة العادية للبرلمان في الخامس عشر من الشهر المقبل، يمكن القول بأن غياب السردية المقنعة ظاهرة ملموسة. فقد عبر رئيس اللجنة الصحية في مجلس النواب عن استغرابه من ازدواجية المعايير الحكومية، وطالب بوقف العمل بقانون الدفاع وأوامره وتطبيقاته مادامت الحكومة تسمح بالحفلات الغنائية الحاشدة وتمنحها تراخيص التنظيم.
في كل حال، هذا النمط من الجدل مستمر، ولا تزال الشروحات الحكومية في الواقع العملي قاصرة عن فهم كيفية ترتيب المعطيات، أو على الأقل تقديم سردية للشارع الأردني تشرح له الفارق بين التشدد في إجراءات التباعد والوقاية في المساجد، والتسهيلات -بالمقابل- التي تحصل عليها الحفلات الغنائية والمهرجانات الفنية.
ويحتاج الشارع، بالتوازي أيضاً، فهم المفارقة الأخرى التي تقول ضمنياً وباسم القطاع الطبي الصحي في الدولة، بأن استئناف العمل والنشاط في المدارس قد يكون أدى إلى رفع عدد الإصابات، فيما لا ينجم عن احتشادات حفلات المطربين العرب الذين يحضرون إلى عمان بشكل متواتر هذه الأيام، رفع الإصابات. تلك أيضاً تعقيدات بالأرقام والحيثيات لا تظهر بالرغم من اجتهاد بعض الوزراء وعملهم في اتجاه تقديم معلومات للرأي العام، لكنها معطيات لا تظهر بأن السردية الحكومية متماسكة وصلبة وقادرة على إقناع أي قطاع من المجتمع الأردني، الأمر الذي يزيد ويعيد ويكرر في مجال التجاذب والنقاشات التفصيلية.