[ تخريب مصر بواسطة أحد أفرع شجرة الحنضل التي نبتت في مصر من علامات الساعة و زوال ملك ظالمين ]
[ ونبتت شجرة الحنضل في مصر شجرة الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ]
القاهرة ـ «القدس العربي» :
محظوظون بالتأكيد أولئك الأثرياء الذين ما أن تقطع في أحد أحيائهم شجرة إلا وقامت من أجلهم الدنيا، فيما ملايين الفقراء في مئات القرى والمدن يحيون حياة القرون الوسطى، ولا يهب لنجدتهم أحد.. كان هذا في الماضي بالتأكيد، أما الآن فكلا الفئتين في الهم سواء، والمتابع لأوساط الأثرياء في الوقت الراهن خاصة من يقيمون في الأحياء الراقية، سيرى حجم ما يعتريهم من أسى بسبب ما يواجهونه من مشاكل تحاصرهم حتى في منازلهم. وأمس الخميس 7 أكتوبر/تشرين الأول واصل الغاضبون صراخهم على ما تتعرض له بعض المناطق الراقية، وفي القلب منها أحياء مصر الجديدة والزمالك من ترد، ومثلت حديقة الأسماك في الحي الراقي حجر الزاوية في شعلة الغضب، كما خيم الأسى والغضب على الأهالي الذين يقيموت بالقرب من حديقة الميريلاند في مصر الجديدة.
وفي صحف الخميس بادر كثير من الكتاب إلى الاشتباك مع الحكومة وكذلك البرلمان، بسبب عدم اكثراث كلا المؤسستين بأحوال الحديقتين والمناطق الميحطة بهما.. ومن أخبار المؤسسة الدينية: استقبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، جاستن ويلبي رئيس أساقفة كانتربري، في مقر إقامته في الفاتيكان على هامش مشاركة فضيلته في قمة قادة الأديان من أجل تغير المناخ تحت عنوان «الإيمان والعلم». وأكد الطيب أن هذا البرنامج أنتج مجموعة من الشباب الواعي بأهم التحديات التي تواجه الإنسانية، وأن أحد أبرز التحديات التي تواجهنا بعد كورونا هو بناء قيادات شابة قادرة على المضي قدما في صناعة السلام.
من جانبه أكد الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، أن علاقة التعارف والتعايش بين الشعوب هي أصل من أصول الإسلام، وضرورة مجتمعية كونية، وأشار إلى أن الأزهر يرفض نظرية صراع الحضارات، ويدعو إلى إقامة سلام حقيقي بين بني الإنسان. ومن أخبار العام الدراسي الجديد: حددت وزارة التربية والتعليم، ضوابط وإجراءات وآلية التعامل مع حالة الطالب الذي تتعدى درجة حرارته 38 أثناء اليوم الدراسي، موضحة أنه يمنع من دخول الفصل ويعزل في غرفة العزل ويتم استدعاء ولي أمره والزائرة الصحية وطبيب المدرسة لعمل فحص سريع.
أسباب خمسة
الضجة التي أثارها سكان حي الزمالك مؤخرا بشأن «حديقة الأسماك» من وجهة نظر زياد بهاء الدين في “المصري اليوم” في محلها. فالسكان والكاتب منهم معهم الحق في أن يطالبوا بمعرفة ما يجري التخطيط له في هذه الحديقة التاريخية والجميلة، ويتوجسوا من تضارب الأخبار وقلة المعلومات، ويرفعوا أصواتهم مطالبين بالحفاظ عليها، بل إن معهم الحق خمس مرات. المرة الأولى، لأنه لا عيب على الإطلاق في أن يتعاون قاطنو أي حي سكني دفاعا عن مصلحتهم المشتركة والمشروعة في الحفاظ على مساحة خضراء، بل هذا هو السلوك الطبيعي الذي ينبغي أن يكون محل تقدير، وأن يلقى ترحيبا واستجابة من الجهات المسؤولة. والمرة الثانية، لأن حديقة الأسماك لا تمثل مصلحة خاصة لسكان الجزيرة وحدهم، ولا يقتصر استخدامها والتمتع بها عليهم، بل إنها متنزه عام يفد إليه الزائرون من كل المناطق القريبة والبعيدة، ويتمتعون بخضرته النادرة وبرسم دخول في متناول الجميع، ويتيح للناس مساحة مفتوحة وآمنة دون مشقة ولا تكاليف باهظة، فهي بهذا المعنى قضية عامة. والمرة الثالثة، لأن القضية المثارة لا تتعلق بهذه الحديقة وحدها، بل بضرورة الحفاظ على الحدائق والمساحات الخضراء والأماكن المفتوحة القليلة الباقية في القاهرة وسائر المدن المصرية من الانتهاك المستمر والاقتطاع من هنا وهناك، و«التطوير» الذي يحولها لكتل إسمنتية.. مرة بزعم توفير أماكن انتظار، ومرة لتدبير أراضٍ لمزيد من المباني والمصالح الحكومية، ومرة لطرحها للاستثمار التجاري. والقاسم المشترك هو النظر إلى هذه الحدائق العامة على أنها بلا قيمة تستحق الحفاظ عليها، وأنها بالتالي مباحة ويلزم استغلالها بشكل أو بآخر.
النفي لا يجدي
نبقى مع زياد بهاء الدين، وقد وصلنا للسبب الرابع لغضبهم: لسكان الزمالك تجارب متكررة مع محاولات سابقة لاستغلال هذه الحديقة بالذات طوال السنين.. أذكر منها واحدة جرت منذ حوالى ثلاثين عاما، حينما شرعت المحافظة آنذاك في تحويل جزء من الحديقة لموقف انتظار للسيارات من أجل حل المشكلة التي تسبب فيها بناء عمارة شاهقة ومخالفة لكل الضوابط والمعايير العمرانية والمرورية والجمالية.. وبدلا من التصدى للفساد وسوء التخطيط الأصليين، كان الحل كالمعتاد هو الاعتداء على المساحة الخضراء المتاحة.. ولكن نجحت وقتها حملة سكان الحي في إنقاذ الحديقة. ومن هذا الوقت لا يمر عام أو عامان إلا وتلوح في الأفق محاولات الاعتداء على الحديقة مرة أخرى. أما المرة الخامسة، فلأن سكان حي الزمالك لم يكتفوا بمجرد المطالبة بعدم إجراء أي تغيير في الحديقة والإبقاء على الوضع الحالي بلا تغيير، بل سعوا للتواصل مع المسؤولين، واجتمعوا بينهم وتناقشوا، وأعلنوا استعدادهم للتعاون مع الحي من أجل رفع شأن الحديقة وحمايتها والحفاظ على نظافتها ومرافقها وخدماتها، دون اقتلاع أشجارها أو الاقتطاع من مساحتها أو غزوها بالمحال العامة. إن الضجة التي أثارها سكان الزمالك في محلها وتستحق التقدير والدعم، لأنها لا تسعى للحفاظ على مصالح خاصة ضيقة، ولا للتكسب وتحقيق منافع مادية، ولا لتجاهل القانون. ولعل الموضوع كله يكون مجرد شائعة أو سوء فهم أو ترتيب أبسط من كل هذا بكثير. ولكن على المسؤولين أن يقطعوا الشك باليقين، ولا يكتفوا بمجرد النفي والإنكار، بل المطلوب هو فتح باب التشاور مع السكان والترحيب بالتعاون معهم.
ابحثوا عن الجاني
غير مفهوم ولا مقبول على حد رأي عبلة الرويني في “الأخبار” ما يحدث منذ أيام في حديقة «الميريلاند» أحد المعالم البارزة في حي مصر الجديدة، خصوصيتها وذاكرتها أيضا.. تم تقطيع الأشجار، واستقطاع جزء من مساحة الحديقة (منطقة الباتيناج التراثية) وهدمها، من أجل إقامة نصب تذكاري.. وكأن إقامة نصب تذكاري مشروط بهدم مساحة حديقة الميريلاند تحديدا.. الحديقة (أنشئت عام 1949) ملكية خاصة لشركة مدينة نصر للإسكان والتعمير، وتؤجرها حاليا لأحد المستثمرين، الذي بدأ فعليا في أعمال الإنشاءات، بما يحقق له الفائدة (التفكير في إقامة جراج متعدد الطوابق، وإقامة النصب التذكاري) طبعا أهالي مصر الجديدة غاضبون جدا، ويطالبون بنزع ملكية الميريلاند من شركة مدينة نصر، ويهددون برفع دعاوى قضائية.. بينما تقدمت النائبة سميرة الجزار بسؤال برلماني حول الأعمال والإنشاءات التي تتم حاليا في الحديقة (بدعوى التطوير) خاصة أن الميريلاند سبق تطويرها عام 2018 بميزانية تجاوزت 48 مليون جنيه.. فما معنى إعادة تطويرها مرة أخرى بعد عامين أو ثلاثة أعوام؟ ولعل سؤال التطوير، يعاود الكلام حول تطوير وتحديث مصر الجديدة، الذي أدى إلى تغيير في ملامحها وخصوصيتها.. صحيح أن إنشاء عدد من الكباري وتوسيع الشوارع أحدث سيولة مرورية، ومنح المكان رحابة وحداثة.. لكنه في المقابل أخذ معه ذاكرة المكان وخصوصيته بتقليص المساحات الخضراء، وتجريف الحدائق، وقطع الأشجار المعمرة، وإلغاء خطوط المترو.. ويطالب أهالي مصر الجديدة، بتوفير مساحات خضراء بديلة لما تم تجريفه من حدائق، ووعد محافظ القاهرة بإضافة 1600 شجرة إلى الميريلاند بعد تطويرها.
تدمير متعمد
منذ أن كتبت كريمة كمال في “المصري اليوم” في الأسبوع الماضي عن حالة التدمير المتعمد الذي يلحق بالقاهرة والإسكندرية، وصرخات الأهالي لا تنتهي، أهالي مصر الجديدة وأهالي الزمالك: أهالي مصر الجديدة يصرخون من تدمير حديقة الميريلاند وشارع نهرو، وأهالي الزمالك يصرخون من تدمير حديقة الأسماك، ولا يدري أحد ما هذه الموجة من التدمير التي تطال الحدائق بالذات والأشجار في الشوارع.. هي ليست حالة كراهية لكل ما هو أخضر كما تبدو، لكنها سعى للاستثمار في كل مكان حتى لو كان حدائق تاريخية جميلة، تشكل جزءا ليس باليسير من تاريخنا.. هناك حالة من البحث عن أي فرصة لاستثمار أي مكان مهما كان هذا المكان، المهم أن هناك مستثمرا سيأخذ الحديقة ويقيم فيها بعض أو الكثير من الخدمات بدعوى التطوير، بينما يكون هذا التطوير وهذه الخدمات ليس سوى العديد من المطاعم والكافيهات، ليستغل المستثمر المكان أكبر استغلال على حساب جماله.. هذا ما حدث في كل مكان في القاهرة وهو أيضا ما حدث في الإسكندرية، فأفسد الكورنيش تماما وأغلقه في وجه أي متأمل أو راغب في الاستمتاع بجمال البحر وامتداده. المشكلة الحقيقية هي منح المستثمرين مثل هذه الأماكن بغية الحصول على عائد كبير مقابل ذلك، ويدفع المستثمر ثم يسعى ليحصل على أكبر عائد ممكن على حساب المكان، وكل ذلك يتم باسم التطوير، وهو ليس تطويرا في أي حال من الأحوال، بل هو إفساد كامل..
نصب لمجهول
أكدت كريمة كمال، أن ما يجري في حديقة الميريلاند هو حالة من الإفساد لكل المساحات الخضراء بها، وشغلها بكتل إسمنتية ضخمة ليستفيد المستثمر أقصى استفادة، وهو يريد أن يقيم جراجا للسيارات في مساحة من الحديقة، ويريد أن يخلق مدخلا ومخرجا من شارع نهرو، فيتم إفساد الشارع، وهو واحد من أجمل الشوارع في مصر الجديدة.. والغريب أن ذهنهم تفتق أيضا عن إقامة نصب تذكاري في شارع نهرو لا يعرف أحد حتى الذين يقيمونه لأي شيء يقام هذا النصب، لأي شخص، أو لأي مناسبة؟ تسأل فلا يجيبك أحد، ولماذا يقام في هذه البقعة الهادئة الجميلة من مصر الجديدة بالذات.. السكان في شارع نهرو وحول الميريلاند يصرخون من حالة التدمير التي بدأت بالفعل، وكذلك سكان الزمالك خوفا على حديقة الأسماك، وهنا وهناك سيقيمون جراجا للسيارات من أجل التطوير الذي يعني المزيد من المطاعم والكافيهات والمزيد من الأموال للدولة والمستثمر معا على حساب تاريخنا وأجمل الأماكن التي بقيت لنا. الناس يتبادلون التعليقات على كل وسائل التواصل من أجل الدفاع عن هذه الأماكن بأي وسيلة، سواء كانت الكتابة للحكومة أو الاتصال بنواب الشعب لإثارة الأمر في البرلمان، وقد قامت النائبة سميرة الجزار بتقديم استجواب عاجل حول شطب حديقة الأسماك من تعداد الآثار.. والمشكلة هنا أن النواب الذين يمثلون هذه الأحياء لا نسمع لهم صوتا، بل إن بعضهم يدافع عن الهدم والتخريب بدعوى إنه تطوير، وهكذا يجد الناس أنفسهم في المعركة بلا أي سند، فهل هناك مؤسسات في الدولة مهمتها الحفاظ على الأماكن التراثية والتاريخية يمكن أن تتحرك لإيقاف هذا العبث؟
للصبر حدود
من الحقائق المتفق عليها، في التعامل مع هوجة زيادات الأسعار، وفق رأي أحمد عبد التواب في “الأهرام”، أن المنتجين الفعليين لا يستفيدون من هذه الزيادات، وإنما هي تصب في صالح حلقات التجار، بدءا من التاجر الكبير الذي يشتري من الفلاح في الغيط، أو من مُنتِج أي سلعة أخرى من مصنعه أو من ورشته، ثم مرورا بحلقات أخرى من التجار، حتى الوصول إلى الموزع الأخير الذي يتعامل مباشرة مع جمهور المستهلكين، بل إن المنتجين من الفلاحين والصناع، إذا كانوا يقدرون على حجز كل احتياجاتهم من إنتاجهم ولا يبيعونها، فهم يعانون ارتفاع الأسعار عند شرائهم لاحتياجاتهم من السلع الكثيرة الأخرى التي لا ينتجونها، أو السلع التي ينتجونها ولكنها غير قابلة للتخزين. وهذا يعني أنه لا حل إلا بإجراء تعديلات جذرية على عمليات التجارة، مع ضبط تصرفات التجار ومحاسبة المخالفين. وهذه أيضا من الحقائق المتفق عليها. ينبغي التقليل من أهمية السياسة الجديدة التي تتبعها الدولة في وضع إجراءات ترشد عمليات التجارة، بدءا من تقليل حلقات التجار الوسطاء، بما يخصم قيمة أرباحهم من الأسعار النهائية، بما يحقق منفعة لجمهور المستهلكين، عن طريق المشروعات الواعدة، مثل إقامة البورصة السلعية، مع توسيع أعداد الأسواق الكبيرة في كل المحافظات لتصبح إلى جوار المستهلكين. ولكن من المهم تبيان القدر المتيقن منه للفائدة التي تعود على المستهلكين ويشعرون بها، لأن المبالغة في قدر الفائدة وسرعة تحقيقها، ثم لا يتحقق الموعود به، تؤدي إلى إحباط عام. وهو ما يؤكد أهمية الإعلام المستند إلى الحقائق، الذي يشرح الواقع ويحدد بدقة ما هو متوقع. وفي كل الأحوال، فإن للإعلام دورا كبيرا في توصيل المعلومات التي تمهد للسياسات، وتؤهل الجمهور لما هو مقبل من سياسات بعيدة المدى. مع ملاحظة أن هناك جوانب في ظاهرة زيادة الأسعار، مثل رفع مقابل خدمات الكهرباء والغاز، فهي في صميم سياسات وقرارات الدولة، أي أنها ليست نتيجة لتصرفات التجار.
العمل بكرامة
نتحول نحو العملية التعليمية ومشاكل المدرسين وأزمات الشباب والشيوخ منهم بصحبة الدكتورة أماني فؤاد في “المصري اليوم”: أعلنت وزارة التربية والتعليم أنها، خلال العام الدراسي الحالي والأعوام التالية، ستواجه نقصا حادا في عدد المدرسين في مراحل التعليم الأساسي المختلفة، لأسباب متعددة، أهمها أنه لم تكن هناك تعيينات في السنوات السابقة، وبلوغ الكثير من المدرسين سِن المعاش، وربما غير المعلَن من هذه الأسباب عدم تحمس العنصر البشري لمجال التدريس ذاته، حيث أن عمل المدرس على مستويات متعددة في مصر – على سموه – لم يعد مقدرا سواء على المستوى المادي أو الأدبي من الدولة أو المجتمع. وعلى الفور، خرجت بعدها تصريحات الوزارة بأنه سيتم التعاقد مع شباب الجامعات بنظام الحصة وليس التعيين، مقابل عشرين جنيها لكل حصة، وذلك لعدم وجود ميزانية.. وبحسبة بسيطة، لو أن المدرس قام بتدريس خمس أو سِت حصص يوميا؛ لأصبح دَخْله في حدود المئة جنيه، أو قد تزيد لمئة وعشرين في اليوم، أي أنه في الشهر قد يحصل من ألفين إلى ألفين ونصف. لو قمنا بتحليل هذا الوضع على المستوى العملي أو الإنساني لـ«المدرس والطالب»، وتصورنا طبيعة حياة هذا المدرس؛ ماذا يمكن أن نقول.. هل يكفي هذا المبلغ لأن يكون الإنسان إنسانا يعيش على نحو كريم ويتطلع للمستقبل، والأهم أن يكون معلما؟
قليلا من العدل
مطلوب من المدرس كما تشير الدكتورة أماني فؤاد – فضلا عن إجادة المادة العلمية ومهارته التامة فيها – أن يجسد القدوة لطلابه على مستويات متعددة، في أخلاقه وثقافته ومظهره اللائق الأنيق، فهو أقرب النماذج الإنسانية لتلاميذه، يتجسد فيه معنى العِلم والعمل المخلِص، الكفاءة والتمكن العقلي والسواء الوجداني، كما من المتوقع منه أن يهبَ طلابَه نمطا حيا من الإنسانية والأخلاق يمشي على قدمَين، ومن المفترض أن يجسد الرقِي الذي غاب نسبيا عن شرائح كبيرة في المجتمع في العقود الماضية. الرقي في المظهر، والمفردات وأساليب الحوار، والتهذيب الشامل في طريقة المعاملات، أي تتطلب تلك المهام أن يشعر هو أولا بالعدل والكفاية، أن يتوفر له الدخْل المناسب لعَيْشٍ كريم، فيتفرغ لعمله وتفاصيله المهمة، يبتكر طُرَق توصيل مادته إلى طُلابه، يجتهد في كيفية دفْع الطلاب للتفكير في ما يدرس لهم، يضعهم في مواقف تشركهم في عملية التعلم، وتوصيل المعلومات بأيسر الطرق، وأن يشاركهم في بعض الأنشطة؛ في نوع من التواصل الحياتي وتنمية المهارات، ويقتضي هذا الدور – الذي ينبغي أن تحرص عليه منظومة تعليم حقيقية – ألا يضطر لأن يعمل عملا آخَرَ، وأن يتفرغ لمسؤوليته الرفيعة؛ فيكون الجسر الداعم للعِلم والقِيَم والرقِي الإنساني، النموذج البشري الحيوي النابض بين الحياة والعِلم والفكر. ملحوظة: عامل البناء لا يقل أجْرُه في اليوم عن 250 جنيها، ولا يشترط فيه أن يكون قدوة؛ فلا توجد مئات العيون والقلوب والعقول موجهة إليه كل لحظة ويوم (فى حين أن المعلم الذي أمضى في مهنته ما يزيد على 25 عاما بالكاد يبلغ أجره اليومى 150 جنيها).
مجني عليها
قضية مهمة اهتم بها سيد علي في “البوابة”: التنطع والحماقة التي أعيت من يداويها هي من جعلت بعضهم يطالب بإلغاء حصة الدين، ويقول لماذا ندرس في كتب القراءة والنصوص للطلاب نصوصا من الإسلام وحده من القرآن، ومن الحديث، ولا ندرس نصوصا من المسيحية واليهودية، والرد لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين ونصوصه المعجزه أعظم بيان عربي لا يبلغه شعر شاعر والأدب العربي للطلاب يجعل القرآن والحديث، ثم الشعر العربي بأنواعه وكذلك النثر الأدبي العربي نماذج لتعلم العربية، أما النصوص المسيحية واليهودية الأصلية فلم تكتب بالعربية، وإنما كانت بلغات القوم الذين أرسلت إليهم بالعبرانية والآرامية والسريانية واليونانية وترجمت للعربية من بعد ترجمات تتفاوت درجة الإتقان والفهم لها، ولهذا فإن القول بذلك تحرش علني قبيح بالإسلام وبالقرآن الكريم والنصوص الدينية الإسلامية، واقتحام جاهل بلا فهم ولا دراية، وإذا كان صحيحا أن حصة الدين في المدارس مأساة حقيقية. فإن الصحيح أيضا أن تلك الحصة هي التي ساهمت في ضبط القيم والسلوك لأجيال كانت حصة الدين تقدم لهم صحيح الدين ويسره، وتضبط لسانهم، وليس منطقيا أن نلغي من حياتنا كل شيء أصابه الخلل. مأساة حصة الدين تبدأ من كتاب الدين نفسه، والمنهج الذي يتم تدريسه، وتستمر المأساة حين تجد أن حصة الدين أصلا في المدارس حصة غير مهمة، فمن يقوم بتدريسها هو نفسه مدرس اللغة العربية، الذي ليس شرطا أن يكون مؤهلا، وحين يقرأ القرآن الكريم يقرأه بدون أحكام التلاوة، ولربما بتشكيل خاطئ. ويتم التعامل مع حصة الدين بوصفها حصة تحصيل حاصل، فالطلاب «ناجحين ناجحين»، والدين ليس من مواد المجموع الأساسى، بعكس الرسم والتربية الفنية مثلا، حيث تضاف في المرحلة الثانوية للمجموع، بينما الدين يظل بعيدا عن الأمر. لدرجة أن طلاب المدارس الدولية والخاصة يدخلون الجامعات دون امتحان في اللغة العربية والدين، ويقومون بأداء الامتحان عند التخرج من الجامعة وبعد ذلك نسأل في بلاهة ماذا حدث للأخلاق والهوية في هذا البلد.
بين حظرين
نتحول حول ردود الأفعال على الشلل الذي تعرضت له مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، إذ أكد منتصر جابر في “الوفد”، أن العالم لن ينسى هذا اليوم.. إنه أشبه بالليلة التي سبقت إعلان الحرب العالمية الأولى أو الثانية.. فبعدهما تغير العالم، ولم يعد هو نفسه الذي كان من قبل.. كذلك سيظل هذا اليوم كأنه تجربة لحرب حقيقية، وليس مجرد مناورة تدريبية عندما يتم عزل دولة أو بعض الدول عن العالم الخارجي بقطع تواصلها وأوصالها الإلكترونية، وليس فقط منصات التواصل الاجتماعي كما حدث مساء يوم الاثنين الماضي. العالم سيشهد في المرحلة المقبلة، استخدام العقوبات الإلكترونية بدلا من العقوبات الاقتصادية، التي عادة تفرضها أمريكا على بعض الدول، أو التي تفرضها الأمم المتحدة بإيعاز من أمريكا، كما فعلت في العراق وأدت إلى انهياره بالكامل وتجويع شعبه وقتله بالبطيء بمنع الغذاء والدواء عنه لسنوات، دون أن يحاسبها أحد.. وإذا كانت مأساة العراق عرفها العالم كله وأصبحت وصمة عار على جبين كل من كان السبب الرئيسي في قتل ما لا يقل عن مليون عراقي.. فإن العقوبات الإلكترونية على دولة ما ستقتل أكثر من ذلك، بالإضافة إلى خسائر بالمليارات، ولكن هذه المرة دون أن يسمع أو يرى أحد حيث سيكون الاتصال بينها وبين العالم مقطوعا.. حتى تتوقف أنفاسها وتنقطع عنها الحياة، ولن يدري بها أحد. وإذا كان موقع التواصل الاجتماعى تويتر ليلة انقطاع الاتصال على مواقع التواصل الأخرى، رحب باستضافة العالم على موقعه، فإن تويتر نفسه كان أول من مهد لتجربة العقوبات الإلكترونية، عندما فرض عقوبة الحظر على حساب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أن يغادر البيت الأبيض بأيام، بمنعه من استخدام حسابه الخاص أو الحساب المخصص له كرئيس أمريكا.
عرفتهم أخيراً
عصر الاثنين الماضي تعرف يسري السيد من جديد على مجموعة من البشر يسكنون في بيته.. أقسم الكاتب في “فيتو”: اه والله.. تذكرتهم بعد أن دققت في ملامحهم بعض الوقت والسبب إنني وجدتهم يضعون أيديهم على خدودهم.. لم أكن أعرف السر وقد وجدت الحديث يدور بينهم بشكل افتقدته منذ سنوات.. عرفت السبب، وإذا عرف السبب بطل العجب، فقد تعطل الفيسبوك والإنستغرام والواتساب. ياه.. يعني تعطل بعض برامج السوشيال ميديا أعاد لي أفراد أسرتي بعض الوقت، سألت نفسي ترى لو انقطعت الحرارة في الموبايلات هل سيكون العائد الأسري أكثر؟ والإجابة: طبعا.. ورجعت بالذاكرة أيام انقطاع خدمة الإنترنت في مصر في بعض الأوقات، والأمر حدث في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها الاثنين الماضي، لكن يا فرحة ما تمت، لأن الحلو ما بيكملش، مازالت شبكة الإنترنت تعمل، وتابعت الصراخ هنا وهناك.. سألت نفسي ولسان حالي يعبر عن حال المليارات من البشر الآن: ترى كيف كنا نعيش قبل الإنترنت؟ بل قبل الموبايل وحتى قبل التليفون الأرضي؟ وهل كانت حياتنا أو بالأصح الحياة التي كان يعيشها أجدادنا وآباؤنا وعشنا بعضها لا تحتمل؟ أم حياتنا نحن بهذه التكنولوجيا هي التي أصبحت لا تحتمل؟ والسؤال هل يمكن أن نعيش بدون هذه التكنولوجيا؟ الإجابة: لا بالطبع.. لكن هل نستغلها صح؟ الإجابة: لا أيضا. الغرب يعمل ويتقدم وعنده هذه التكنولوجيا أيضا، ونحن نتخلف ولا نعمل بعد وصول هذه التكنولوجيا أيضا.. يعني باختصار العيب فينا وليس في التكنولوجيا التي يمكن استغلالها كما يريد البعض ويوظفها البعض الآخر في ما يريد. منذ منتصف التسعينيات وبعد دخولنا عالم الكومبيوتر وقتها على استحياء وأنا أحلم – وعاش معي الحلم.
التعزية بلايك
توقف قلب العالم النابض، بتوقف بعض منصات التواصل الاجتماعي، وبات البعض بأنهم كما قال محمود عبد الراضي في “اليوم السابع” غير قادرين على العيش دونها، حيث باتت تسيطر على حياتنا بشكل كبير، وربما يقضي البعض معظم يومهم جلوسا إلى منصات التواصل الاجتماعي. البعض، بمجرد أن يفتح عينيه، يتحسس بيديه جهاز “الموبايل” بحثا عن منصات التواصل الاجتماعي يتصفحها، وربما يداهمنا الوقت لعدة ساعات ونحن نجلس دون شعور بالوقت. أصبحنا كـ”المدمنين” لا نستطيع الاستغناء عنها، وكأنها شيء أصيل في حياتنا، فكيف كنا قبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي؟ كانت حياتنا تسير بطريقة طبيعية، هادئة متزنة، بلا ضجيج أو صخب، بلا توتر أو تطرف، فلا خناقات ومعارك وهمية، ولا “سب وقذف” ولا “تشهير” ولا خوض في الأعراض، ولا أشخاص يصدرون لنا الطاقة السلبية. السوشيال ميديا أفسدت حياتنا، فلك أن تتخيل أن أسرة قررت الخروج للتنزه وقضاء يوم جميل، يجلس أفرادها حول منضدة واحدة، يمسك كل منهم بهاتفه المحمول يقلب فيه، ما بين شخص يتحدث في “الشات” عبر الفيسبوك، وآخر يتحدث على الواتساب، وثالثة تقلب في صورها، ليكون الصمت عنوان المشهد، فلا حديث متبادل، ولا حوار قائم، فكل منهم مشغول بمنصته الاجتماعية الخاصة. ربما ينتقل هذا المشهد لداخل المنزل، فيجلس أفراد أسرة واحدة لعدة ساعات دون حديث، حتى عندما تطلب الأم من الجميع الحضور لتناول “الغداء”، تناديهم عبر جروب الواتساب، وعندما تطلب الزوجة من زوجها إحضار بعض مستلزمات المنزل وهو في طريقه إليهم عائدا من عمله، تكون رسالة الواتساب موجودة.بالتأكيد، وأن تطالع صفحات الفيسبوك، تكتشف وفاة أقارب أحد أصدقائك، فتبادر بالعزاء، بـ”لايك”، وربما تكون كريما فتضع بوست، أو يشتد كرمك وذوقك، فترسل له رسالة على الخاص.
محدود وعكسه
“لفظ محدود من الألفاظ التي طفت على سطح الحياة في مصر أيام حسني مبارك، وكان يطرح في سياق وصف الطبقة الفقيرة من المصريين التي كان يحب «مبارك» نعتها بـ«محدودي الدخل” أضاف الدكتور محمود خليل في “الوطن”: خلال العقدين الأخيرين من عصر مبارك أصبح لفظ «محدود» من الألفاظ القادرة على توصيف واقع الحال بصورة أو بأخرى. أذكر أيامها أن أحد الباحثين ابتكر وصف «حزب المتوسطين» في سياق الحديث عن حزب الأغلبية في مصر، فغالبية من طفوا على السطح في مصر في ذلك الوقت كانوا من متوسطي القدرات. قد يقول قائل: وما المشكلة في ذلك.. فالغالبية العظمى من البشر يقعون في إطار هذه الفئة؟ السؤال في محله ولا شك والحديث عن أن «المتوسطين» هم الغالبية بين البشر أمر لا يحتاج إلى جدل أو نقاش، وثمة فارق بين المجتمعات في تسكين كل من «المحدودين» و«المتميزين» على خريطة إدارة الحياة. فداخل المجتمعات المتقدمة تجد أن العمل على دفع المتميزين إلى الصفوف الأمامية متواصل، خلافا للمجتمعات النامية التي يتم تهميش المتميز فيها مع دفع «المحدود» إلى المواقع المتقدمة. معادلة تهميش المتميزين وتقديم المحدودين بإمكانها أن تفسر لك الكثير من أسباب التراجع داخل عالم الجنوب، وفى بعض هذه المجتمعات تتم محاصرة المتميز واستنزافه وإرهاقه بصورة قد تدفعه إلى كراهية اليوم الذي تميز فيه.
متميزون ومنبوذون
ثمة صورة مقلوبة تجدها كما يرى الدكتور محمود خليل، في مجتمعات جنوب العالم يظهر فيها المحدودون في المواقع المهمة التي تتطلب تفكيرا وإبداعا وابتكارا، في حين يقبع المتميزون في مواقع «الشغيلة» المطلوب منهم بذل الجهد المطلوب للإنتاج أو التنفيذ، وهو جهد شديد القيمة بالطبع، لكنه لا يحتاج مبتكرا قدر ما هو محتاج لإنسان قادر على بذل الجهد، ويبقى أن إحساس «الشغيلة» بالغبن، وأنهم يلعبون أدوارا لا تتناسب مع قدراتهم قد يدفع بهم إلى الإهمال، وعدم التجويد، خصوصا أن من يسكنون في الأدوار العليا لا يكترثون أو يقدرون على الحكم على مستوى جودة عمل، لأنهم ببساطة «محدودون». سيطرة المحدودين على جوانب الحياة تؤدي حتما إلى تراجع الأداء وتجريف القدرات والمقدرات داخل المؤسسات المختلفة. لفظ «محدود» ظهر في عصر مبارك، لكن المعاني الحقيقية التي يدل عليها تجد جذورها في عصر عبدالناصر والسادات، وكل ما فعله «مبارك» هو مد الخط على استقامته. رفعت ثورة يوليو/تموز 1952 ضمن شعاراتها شعارا يقول: «الرجل المناسب في المكان المناسب»، لكن التطبيق كان يؤكد أن معنى كلمة «المناسب» أبعد ما يكون عن فكرة الملاءمة، بل يتعلق بالمصاهرة، يعني هذا الرجل مناسب مين من العائلات الكبيرة؟ فالنسب مثل الأساس في وثوب الكثير من المحدودين على المواقع التي كان من الواجب أن يشغلها المتميزون. ولست بحاجة أيضا إلى تذكيرك بالدور الذي لعبته حالة الارتباك بين طرفي معادلة «الثقة/ الكفاءة» في هذا السياق. لن يستقيم حال مجتمع يحاصر متميزيه ويؤازر محدوديه.
باقية في القلب
كلما ضاقت السبل نصحنا كرم جبر في “الأخبار” بأن نستدعي روح حرب أكتوبر/تشرين الأول، الانتصار الأعظم في تاريخ العرب والمصريين، مؤكدا أن الشعوب لا تحيا فقط بأمجاد الماضي، وإنما باستمرار العطاء والتضحيات. جيشهم هو البطل الذي عاهد الله أن يفتدي بلاده بالأرواح، ولم يتورط في نزاعات إقليمية، ولم تتلوث يداه بدماء أشقاء عصفت بهم الحروب الأهلية في بلادهم، فأصبحوا أكثر قسوة على أوطانهم من أشد الأعداء. تحية من القلب للأبطال في ذكرى تحرير سيناء، أجيال وراء أجيال يرفعون علم البلاد عاليا في السماء، تحية للأبطال الذين قدموا أرواحهم، فأعادوا إلينا الحياة والكرامة والكبرياء.. والعار للخونة والأشرار. حررناها من إسرائيل ولا يمكن تركها بأي صورة من الصور للإرهابيين، الذين حاولوا أن يجعلوها مستنقعا لمؤامراتهم فاحترقوا بنيرانها، ودفن في ثراها كل من تآمر عليها. وتجلت عظمة المصريين في الاصطفاف خلف قواتهم المسلحة قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول المجيدة، فاختفت الجرائم تماما أثناء الحرب، ولم تحدث حالات استغلال أو ارتفاع للأسعار، وبعد الحرب تستلهم البلاد الروح التي فجرتها معركة العبور والتحرير. حرب أكتوبر المجيدة كانت مفتاح تحرير سيناء، وفي ست سنوات فقط بعد الهزيمة استطاع المصريون، كما اشار الكاتب أن يعيدوا بناء قواتهم المسلحة، ولم يكن في استطاعة دول وشعوب أخرى أن تفعل مثل ذلك، في أقل من عشرات السنين. الدرس المستفاد هو أن سيناء قطعة من جسد الوطن، لا يمكن التفريط في شبر من أراضيها، ويفتديها شبابنا بأرواحهم ودمائهم، حتى تخلصت من براثن الاحتلال الإسرائيلي.