إسطنبول- “القدس العربي”:
بالتزامن مع الحشود والمناورات العسكرية المفاجئة التي يقوم بها الجيش الإيراني على الحدود مع أذربيجان، وغضب باكو من التصعيد الإيراني، أعلنت وزارة الدفاع التركية إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع أذربيجان في إقليم نختشيفان قرب الحدود مع إيران، في أحدث تجليات الأزمة المتصاعدة بين البلدان الثلاثة وتنامي الصراع بين القوى الدولية الفاعلة حول النفوذ في آسيا الوسطى.
ومنذ أيام، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات مقاطع الفيديو التي تظهر نقل الجيش الإيراني تعزيزات عسكرية كبيرة شملت دبابات وعربات مصفحة وأنظمة دفاعية وصواريخ إلى الحدود مع أذربيجان، قبل أن تعلن مصادر رسمية إيرانية أن الجيش يقوم بمناورات عسكرية كبيرة تحت اسم “فاتحو خيبر”.
وقال قائد القوات البرية الإيرانية، كيومرث حيدري، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن المناورات انطلقت بمشاركة وحدات مدرعة ومدفعية وطائرات مسيرة ووحدات الحرب الإلكترونية وبدعم من مروحيات الجيش، لافتاً إلى أن قيادة القوات البرية تنفذ المناورات “لرفع مستوى الجاهزية القتالية للقوات البرية” وأنه سيتم اختبار اثنين من مضادات الدروع وبعض الأسلحة الأخرى التي أنتجتها بلاده في المناورات.
وقدم القائد العسكري الإيراني مبررات مختلفة لهذه المناورات بالقول: “إرهابيو (داعش) جاؤوا إلى حدود إيران بدعوة من دولة إقليمية خلال الاشتباكات بين أذربيجان وأرمينيا“، مضيفاً: “إيران حساسة تجاه تغير الحدود الرسمية لدول هذه المنطقة وترى ذلك غير مقبول. يجب حماية الحدود القانونية. ضعف دولة في حماية حدودها لا يبرر قيام دولة أخرى بتغيير حدودها بدعم من الأجانب. إيران لن تسمح بمثل هذا الشيء”.
هذه المناورات والتصريحات الإيرانية التي جاءت بالتزامن مع إحياء الذكرى الأولى لمعارك قره باغ أثارت غضب أذربيجان وانتقاداتها، وفي هذا السياق، قال الرئيس إلهام علييف: “يمكن لكل دولة إجراء مناورات عسكرية على أراضيها فهو حق سيادي لها لكن بالنظر إلى التوقيت نرى أنه ليس وقتا عاديا، لماذا الآن وعلى حدودنا بالذات؟”.
وتعقيباً على تصريحات علييف، اعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، أن إجراء مناورات “هو قرار سيادي للجمهورية الإسلامية” وأن التصريحات من أذربيجان “تثير الاندهاش في ظل وجود علاقات طيبة ومحترمة بين البلدين”، مشدداً على أن “طهران لن تتسامح مع أي شكل من تواجد الكيان الصهيوني بالقرب من حدودها. وفي هذا المجال، ستتخذ ما تجده مناسبا لأمنها القومي”. كما رد قائد القوات البرية بالجيش الإيراني بالقول: “نحترم علاقات حسن الجوار لكننا لن نتساهل مع وجود عناصر من النظام الصهيوني وإرهابيين من داعش في المنطقة”.
وفي تطور يعتبر الأبرز، قالت وزارة الدفاع التركية، الأحد، إنها ستواصل العمل مع أذربيجان “من أجل دعم الجيش الأذربيجاني”، مشيرة إلى أن مناورات عسكرية تركية-أذربيجانية ستنطلق في إقليم نختشيفان بأذربيجان بين 5 و8 أكتوبر/ تشرين الأول، لافتةً إلى أن الغرض “من هذه المناورات هو تنمية الصداقة والتعاون والتنسيق بين القوات البرية التركية والأذربيجانية، تحت شعار دولتان، أمة واحدة”، وتابعت الوزارة: “سوف نواصل الوقوف جنباً إلى جنب مع إخواننا وأخواتنا في أذربيجان، الذين نجتمع معهم في الحزن والفرح، بكل ما لدينا من إمكانات كما فعلنا حتى الآن”.
وعلى الرغم من أن بيان وزارة الدفاع التركية لم يربط على الإطلاق بين المناورات مع أذربيجان والمناورات التي تقوم بها إيران، كما أن المناورات التركية الأذربيجانية باتت اعتيادية ومكثفة بين تركيا وأذربيجان في السنوات الأخيرة، إلا أن التوقيت والمكان يعطيان مؤشرات قطعية على وجود رابط قوي بين المناورتين.
فالمناورات التركية الأذربيجانية تأتي بفارق أيام فقط عن انطلاق المناورات الإيرانية التي اعتبرت بمثابة رسالة تهديد إلى أذربيجان، ولم يعلن عنها مسبقاً في مؤشر إلى أنه أعد لها وأقرت على عجل لتكون رداً على المناورات الإيرانية، كما أنها المناورات الأولى التي تجري قرب الحدود مع إيران بعدما كانت كافة المناورات السابقة تجري إما في باكو ومحيطها أو في إقليم قره باغ.
إلى جانب ذلك، كانت وسائل الإعلام التركية المختلفة قد تناولت أخبار المناورات الإيرانية باعتبار أنها رسائل تهديد إلى أذربيجان، وكتبت صحف تركية عناوين من قبيل “إيران تلعب بالنار” و”إيران تقوم بخطوات تصعيدية خطيرة” و”إيران تقوم بخطوات استفزازية مفاجئة”، وأجمعت الصحف التركية على أن الخطوة الإيرانية تعبر عن غضب طهران المتواصل حتى اليوم من “النصر التركي الأذربيجاني” في قره باغ، والخشية من تصاعد النفوذ التركي في آسيا.
واعتبرت صحيفة “ملييت” التركية أن إيران غاضبة من تنامي النفوذ التركي في أذربيجان والقوقاز بشكل عام، وغير راضية عن انتشار قوات حفظ السلام الروسية في قره باغ، كما أنها غاضبة أكثر من نتائج حرب قره باغ التي ستتيح قريباً فتح ممر مباشر للتجارة من تركيا إلى أذربيجان ومنها إلى آسيا، وهو سيضعف أهمية موقع إيران لتركيا التي ستتكبد خسائر اقتصادية نتيجة التحول المتوقع في خطوط التجارة التركية نحو آسيا.
وعلى الرغم من تلميحات إيران إلى أن السبب الرئيسي لغضب طهران من باكو هو العلاقة المتنامية مع إسرائيل العدو اللدود لإيران، إلا أن التقديرات الأذربيجان والتركية تشير إلى أن ذلك مجرد “دعاية” تحاول من خلالها إيران تغليف غضبها المتصاعد من تزايد النفوذ التركي في أذربيجان والقوقاز وآسيا بشكل عام والحقائق التي فرضها النصر في قره باغ وما ترتب عليه من تغييرات جيوسياسية حيوية في المنطقة الحدودية بين إيران وتركيا وأذربيجان.
وقبل عام، دعمت تركيا أذربيجان في معركتها لتحرير إقليم قره باغ، وبعد معارك ضارية استمرت 44 يوما، أعلنت روسيا في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، توصلت أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة، وهو ما أتاح فتح ممر مباشر بين تركيا وأذربيجان يمر من إقليم نختشيفان بعد أن ظلت إيران لعقود ممرا إجباريا لتركيا للوصول إلى أذربيجان.
كما أن الخشية الإيرانية تتمثل بدرجة أساسية من تزايد النزعة الانفصالية للإيرانيين من أصول أذرية، والذين تقدر نسبتهم بـ25 في المئة من السكان، ويقطنون المنطقة الحدودية مع أذربيجان، حيث تتهم طهران تركيا وأذربيجان بتعزيز النزعة الانفصالية لديهم.
وكانت أزمة دبلوماسية قد تفجرت قبل نحو عام بين أنقرة وطهران على خلفية إلقاء أردوغان أبياتا من الشعر اعتبرت بمثابة تحريض للإيرانيين من أصول أذرية على الانفصال.