الناصرة- “القدس العربي”:
تحذر خبيرة إسرائيلية في الشؤون الفلسطينية السياسية والاجتماعية، من مغبة تجاهل جيل الشباب الفلسطيني، وتدعو القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية للإصغاء لهم، وتؤكد أنه لا مفر من تسوية الدولتين، منبهة إلى تصاعد الدعوات للإعلان عن مرحلة النضال من أجل تحرير كل فلسطين.
وتقول الباحثة رونيت مرزان، المحاضرة في جامعة حيفا، إن اجتماع وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس بالرئيس الفلسطيني محمود عباس مهم كبادرة حسن نية، لكن إذا بقي عند هذا الحد ولم يتطور إلى محادثات سياسية تشمل قيادة حماس -ليس تلك الموجودة في قطر، بل الموجودة في غزة- فإن أهمية الاجتماع ستضيع.
وفي مقال نشرته صحيفة “هآرتس” ترى مرزان أن الفلسطينيين والإسرائيليين شبعوا من اجتماعات من هذا النوع، هدفها تخفيف ألسن اللهب وليس إطفاء النيران، وأن الشعبين بحاجة إلى زعماء يمتازون بالسمو والشجاعة ولا يختبئون وراء اعتبارات حزبية أو ائتلافية ويخافون من ردة فعل المعارضة؛ زعماء يقفون أمام أبناء شعبهم ويقولون لهم الحقيقة: حان الوقت لاتخاذ قرارات سياسية حاسمة من أجل الأجيال المقبلة.
وتتابع: “صحيح أن هناك انقساما عميقا في الجانب الفلسطيني، وفي الجانب الإسرائيلي تحكم حكومة اتفقت مكوناتها على عدم الاتفاق على الموضوعات السياسية، لكن لا مفر من المضي قدماً في تحقيق حل الدولتين”. وتعتقد الباحثة الإسرائيلية أن النهج الذي تنتهجه النخب السياسية والعسكرية لدى الطرفين -إدارة النزاع وتقليصه بانتظار الوقت لحسمه- فشل مرة تلو المرة. وللتدليل على ذلك تقول: “تكفي كلمات، مثل جولات عسكرية، كي نفهم أن الطريقة العسكرية ليست ناجعة، وكلما حصدت المزيد من الضحايا كلما خسرت شرعيتها، وستُضعف قدرة حكم متبنيها، وستُخرج الجماهير إلى الشوارع”. وتقول أيضا إن“الجولة العسكرية” الأخيرة في غزة، تقدم نموذجاً جيداً مما ينتظرنا: سواء “فتح” أو حكومة إسرائيل ستخسران قدرتهما على الحكم لمصلحة ازدياد قوة العناصر الوطنية، محذرة من صعود القوى اليسارية الراديكالية والقوى الدينية المتشددة.
وتعتبر أن ضعف حركة “فتح” داخل الضفة الغربية، يمكن أن يؤدي إلى ازدياد قوة اليسار الراديكالي والتنظيمات الإسلامية، وترى أن أولى التباشير يمكن رؤيتها في انتخاب نادية حبش ممثلة الجبهة الشعبية و“حماس” رئيسةً لنقابة المهندسين الفلسطينيين. وفي حالة غزة، تعتبر مرزان أن ضعف قيادة “حماس” يمكن أن يؤدي إلى تقوية التنظيمات الجهادية، وبرأيها فإن سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، الشبيهة بالثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، تعطي زخماً لهذه التنظيمات الإسلامية.
فلسطينيو الداخل
أما في الجانب الإسرائيلي، فترى مرزان أن ضعف الجهات المسؤولة عن فرض القانون يمكن أن يؤدي إلى تراجُع إضافي في ثقة الجمهور العربي بمؤسسات الدولة، ونتيجة ذلك سيتوجّه الشباب نحو تنظيمات قومية وإسلامية متشدّدة. وتمضي في تحذيراتها من تغيّرات لدى فلسطينيي الداخل، بالقول إن هذه الأطراف تستغل الإحساس بالإقصاء وعدم تقدير الشباب الفلسطيني لإقناعهم بأن ما يجري نزاع أساسه ديني استعماري. وتتابع: “وهم يعتبرون توجهات الاندماج لدى المواطنين العرب في المجتمع والاقتصاد الإسرائيلييْن، وكذلك مسارات التطبيع مع إسرائيل، ظاهرات سلبية تفرّغ الهوية الفلسطينية من مضمونها التاريخي والأخلاقي والثقافي وتُضعف النضال من أجل التحرر الوطني”.
تفتيت الفلسطينيين في مجموعات
وتحذر من أن هذه العناصر الدينية والقومية تدعو إلى إلغاء الفصل الجغرافي والعزل الذي فرضته إسرائيل على التجمعات الفلسطينية، عندما أسرت سكان الضفة الغربية في “سجن أوسلو”، و“عرب 48” في سجن “الهوية الإسرائيلية”، وسكان غزة في “سجن الحصار”، واللاجئين في “سجن المخيمات”. وتشير إلى أن هؤلاء يطالبون باستبدال النخب السياسية، التي وقّعت اتفاقات أوسلو وتخلت عن استراتيجية النضال الثوري، بزعامة وطنية عليا تعمل على تعزيز التضامن بين الفلسطينيين أينما كانوا، وإقناع كل المترددين بأنه حان الوقت لإعلان مرحلة جديدة من النضال ضد الصهيونية، بحسب نموذج الربيع العربي ومسيرات اللاجئين نحو الحدود.
وتحذر الباحثة الإسرائيلية من أن أي رد عسكري من طرف إسرائيل عندئذ، سيُلحق بها أضراراً سياسية ودبلوماسية وأخلاقية. وترى أن هذه الأفكار يجري الدفع بها قدماً عبر المحطات الفضائية، ومحطات الراديو، وشبكات التواصل الاجتماعي، ومعاهد الأبحاث، وفنانين فلسطينيين، وحركة المقاطعة العالمية. ونوّهت أن الشعار الذي يتردد في كلامهم: “هذا ممكن.. اليوم 15 أيار/ مايو، تحرير فلسطين كلها من البحر إلى النهر ممكن… استقلال السلاح هو شرط استقلال الوطن… المقاومة هي الممثل الوحيد الشرعي والحصري للشعب الفلسطيني. المقاومة تقرّبنا من بعضنا البعض؛ المفاوضات، والتطبيع والأنظمة الديكتاتورية، والحروب المستقبلية، تبعدنا عن بعضنا البعض”. وتستذكر في هذا المضمار، قول الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة خلال العدوان الأخير على غزة، عندما أكد أن كل من يدعم المستبدين والمطبّعين يخدم الجيش الإسرائيلي.
انتقادات داخلية متصاعدة
وتعتقد الباحثة الإسرائيلية، أنه كي يتم منع انسياق الشباب وراء هذه العناصر، يتعين على السلطة الفلسطينية و”حماس” وحكومة إسرائيل، الإصغاء إلى الرسائل التي يرسلها هؤلاء الشباب. وبرأيها أيضا يجب على غانتس وعباس ويحيى السنوار منح هؤلاء الشباب الإحساس بأنهم رصيد وليسوا عبئاً؛ وأنهم جيل حر ومبدع يمكنه أن يؤمن بأن لديه أفقاً ويستطيع أن يتعلم ويتطور ويعيل عائلته، وأن يشارك في القرارات التي تتعلق بمصير شعبه، وهم ليسوا تابعين لأحد، ولا يعيشون في انتظار أموال التبرعات.
يشار إلى أن عددا متزايدا من الباحثين والمحللين الإسرائيليين البارزين كانوا في الشهور الأخيرة خاصة بعد عدوان “حارس الأسوار” الفاشل، قد حذروا وما زالوا من فقدان إسرائيل استراتيجية واضحة حول مستقبلها ومستقبل الصراع مع الشعب الفلسطيني، محذرين من فشل فكرة إدارته أو تقليصه على أرض الواقع، ويحذر بعضهم من عملية تسارعها لدولة فصل عنصري لن تبقى لا يهودية ولا ديموقراطية.