محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) المشهور بالباقر وباقر العلوم (57 – 114 هـ) هو الإمام الخامس للشيعة. واستمرت إمامته 19 سنة. وقد شهد واقعة كربلاء وهو صغير. ويعتبر المؤسس للثورة العلمية الشيعية الكبرى التي بلغت ذروتها في زمن الإمام الصادق (ع).
الإمام محمد الباقر |
|
---|---|
الترتيب | الإمام الخامس |
الكنية | أبو جعفر |
تاريخ الميلاد | 1 رجب سنة 57هـ |
تاريخ الوفاة | 7 ذي الحجة، سنة 114 هـ |
مكان الميلاد | المدينة |
مكان الدفن | البقيع – المدينة |
مدة إمامته | 19 عاماً |
مدة حياته | 57 سنة |
الألقاب | |
الأب | الإمام السجاد |
الأم | فاطمة |
الأولاد | جعفر، عبدالله، ابراهيم، عبيدالله، علي، زينب، ام سلمه |
النبي محمد · الإمام علي · السيدة الزهراء . الإمام الحسن المجتبي · الإمام الحسين · الإمام السجاد · الإمام الباقر · الإمام الصادق · الإمام الكاظم · الإمام الرضا · الإمام الجواد · الإمام الهادي · الإمام الحسن العسكري · المهدي المنتظر. |
روي عنه (ع) روايات كثيرة في مجالات شتی کالفقه والتوحيد والسنة النبوية والقرآن والأخلاق، كما بدأت المعتقدات الشيعية تتبلور في فترة إمامته وذلك في مختلف الفروع کالفقه والكلام والتفسير.
واعترف علماء أهل السنة بشهرة الإمام الباقر (ع) العلمية والدينية، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم، وجامعه، وشاهر علَمه وأنّه عمّر أوقاته بطاعة الله، وكان يحظى بمراتب عالية في مقامات العارفين.
هويته الشخصية
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المشهور بالإمام الباقر هو الإمام الخامس للشيعة، أبوه الإمام السجاد (ع) رابع أئمة الشيعة. أمّه فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى (ع)، فهو أول هاشمي ولد من أبوين هاشميين، وأول علوي ولد من علويين.[1]
ومن ألقابه الشاكر والهادي وأشهرها الباقر، وقد أشار النبیّ (ص) إلى هذا اللقب قائلاً: يبقر العلم بقراً.[2]
كنيته المعروفة أبو جعفر،[3] وهي الكنية التي يذكر بها عادة في المصادر الروائية.
عن الباقر (ع):
قتل جدي الحسين ولي أربع سنين
وإني لأذكر مقتله، وما نالنا في ذلك الوقت. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 320.
ولادته
ولد الإمام الباقر (ع) في المدينة في يوم الجمعة الموافق للأول من رجب سنة 57 هـ، وذهب البعض إلى أنّ ولادته كانت في الثالث من صفر من نفس السنة.[4]
سمّاه جده رسول الله (ص) بمحمد، ولقّبه بالباقر قبل أن يولد بعشرات السنين، ورواية جابر بن عبد الله الأنصاري وغيرها من الروايات تشير إلى هذه الحقيقة.[5]
استشهاده
ارتحل الإمام الباقر (ع) في اليوم السابع من شهر ذي الحجّة سنة 114 هـ.[6] وقيل 117 هـ[7] وهناك آراء أخرى عن سنة وفاته وشهادته تختلف في مظانها، وقد دفن في المدينة المنورة في مقبرة البقيع.[8]
وقد اختلف المؤرخون في مَن باشر قتل الإمام أو ساهم فيه، فبعض المصادر ترى أن شهادته كانت عل زنى يد هشام بن عبد الملك نفسه.[9] والبعض الآخر يرى أن إبراهيم بن الوليد هو المسؤول عن سمّ الإمام.[10] والبعض الآخر يرى أنّ زيد بن الحسن الذي كان يكنّ للإمام حقداً دفيناً هو الذي قام بهذه المؤامرة.[11] وعلى كل حال، فإنّ شهادة الإمام الباقر (ع) كانت في فترة خلافة هشام بن عبد الملك؛[12] لأنّ خلافته استمرّت من سنة 105 إلى سنة 125 هـ، ولا تتجاوز آخر سنة ذكرها المؤرخون في بيان وفاة الإمام الباقر سنة 118 هـ. ومع اختلاف النصوص بحسب الظاهر في تحديد المسؤول عن شهادته، لا يبعد أن تكون كلها صحيحة، إذ قد تكون هناك أيادٍ متعددة شاركت في قتل الإمام الباقر حيث تشير كل رواية إلى واحد منهم.
دُفن الإمام الباقر في البقيع إلى جوار مرقد أبيه الإمام السجاد (ع) وعمّه الإمام الحسن بن علي (ع).[13]
زوجاته وأولاده
ذكرت المصادر التاريخية أن من زوجاته أم فروة وهي التي أنجبت الإمام الصادق، وله زوجة أخرى باسم أم حكيم بنت أسيد الثقفي التي أنجبت له ولدين، وزوجته الثالثة أم ولد أنجبت له ثلاثة أولاد.[14]
للإمام الباقر سبعة أبناء خمسة ذكور وبنتان، وهم:
- جعفر وعبد الله وأمهم أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر .
- إبراهيم وعبيد الله وأمهم أم حكيم بنت أسيد الثقفي، وقد توفيا صغيرين.
- علي وزينب وأم سلمة وأمهم أم ولد.[15]
حضوره في كربلاء
لقد قضى الإمام طفولته في المدينة في أحضان والده وجدّه لمدة أربع سنين. وقد شهد واقعة عاشوراء في كربلاء حيث يشير الإمام نفسه في إحدى رواياته إلى هذا المعنى بقوله: «قتل جدي الحسين ولي أربع سنين وإني لأذكر مقتله وما نالنا في ذلك الوقت».[16]
روي عن الإمام الباقر أنّه قال:
دخلت على جابر بن عبد الله رحمة الله عليه، فسلّمت عليه، فردّ عليّ السّلام، ثم قال لي: من أنت؟ وذلك بعد ما كفّ بصره؛
فقلت: محمد بن علي بن الحسين.
فقال: يا بني أدن مني، فدنوت منه، فقبّل يدي، ثم هوى إلى رجلي يقبّلها، فتنحّيت عنه.
ثم قال لي: إن رسول الله (ص) يقرئك السلام.
فقلت: وعلى رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، وكيف ذلك يا جابر؟
فقال: كنت معه ذات يوم، فقال لي: يا جابر لعلّك أن تبقى حتى تلقى رجلاً من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب الله له النور والحكمة، فأقرئه منّي السلام.
إمامته
تقلّد الإمام الباقر (ع) منصب الإمامة في سنة 95 هـ. بعد شهادة أبيه، واستمرت إمامته وقيادته للشيعة إلى حين شهادته في سنة 114 هـ أو 117 هـ على قول.
دلائل إمامته
روى جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه سأل رسول الله (ص) يوماً قائلاً: «يا رسول الله ومَن الأئمةُ من ولد علي بن أبي طالب (ع) قال: “الحسن والحسين (ع) سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيّد العابدين في زمانه علي بن الحسين (ع)، ثم الباقر محمد بن علي (ع) وستدركه يا جابر….”[17]
وقد وجّه الإمام السجاد (ع) مراراً أنظار الناس نحو الإمام الباقر (ع)؛ ليبين لهم أنّه هو الإمام من بعده، فقد روى ولده عمر بن علي قال: “كان والدي يردد لقب الباقر، فقلت له: يا أبت! ولم سميته الباقر؟ قال: فتبسّم. وما رأيته تبسم قبل ذلك… ثم قال: يا بني إن الإمامة في ولده إلى أن يقوم قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً وإنه الإمام أبو الأئمة.“[18]
وأورد الشيخ المفيد في الإرشاد ما يشير إلى إمامته بقوله: «وكان الباقر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع) من بين إخوته خليفة أبيه علي بن الحسين ووصيه والقائم بالإمامة من بعده، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم والزهد والسؤدد، وكان أنبههم ذكراً وأجلهم في العامة والخاصة وأعظمهم قدراً، ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر (ع)، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل به علَماً لأهله تضرب به الأمثال وتسير بوصفه الآثار والأشعار».[19]
الخلفاء المعاصرون
لقد عاصر في مدة إمامته خمسة من خلفاء بني أمية، وهم:
1. الوليد بن عبد الملك (86 – 96)
2. سليمان بن عبد الملك(96 – 99)
3. عمر بن عبد العزيز (99 – 101)
4. يزيد بن عبد الملك (101 – 105)
5. هشام بن عبد الملك(105 – 125).
وقد تميّز كل الخلفاء – ما عدا عمر بن عبد العزيز – بظلمهم لجميع المسلمين وخاصة الشيعة منهم.
الثورة العلمية
لقد امتازت السنوات ما بين 94 إلى 114 هـ. بظهور كثير من المدارس الفقهية وهي أكثر فترة اشتهر فيها نقل الحديث والبحث عن التفسير، وكل ذلك بسبب ضعف الدولة الأموية والنزاع الحاصل بين زعماء الدولة للسيطرة على السلطة، وقد برز في تلك الفترة جمع من العلماء بذلوا جهداً واسعاً في رواية الحديث والإفتاء، أمثال الزهري ومكحول وهشام بن عروة… وغيرهم، كما ظهرت في تلك الفترة بعض الفرق مثل الخوارج والمرجئة والكيسانية والغلاة، وبدأت بنشر وإشاعة عقائدها بين الناس. لقد قاد الإمام الباقر (ع) في تلك الحقبة الزمنية حركة علمية واسعة استمرت حتى بلغت ذروتها في إمامة ابنه الإمام الصادق (ع)، فقد حصل بعد ظهور الإمام الباقر تقدّم واسع في هذا الصعيد، وظهرت حركة علمية ثقافية جديرة بالإكبار في أوساط الشيعة كسرت حاجز التقية إلى حدّ ما، وأزالت حالة الانحسار الذي مني به الفكر الشيعي في دوائر خاصة، ففي ذلك الوقت بدأ الشيعة بتدوين علومهم الإسلامية كالفقه والتفسير والأخلاق و… وقد بلغت من الوفرة حدّاًً لو قورن بما نقل عن أبناء الحسن والحسين قبله لكان ما نقل لا يساوي معشار ما نقل عن الإمامين الباقر والصادق (ع)».[20] لقد ردّ الإمام الباقر استدلال أصحاب القياس،[21] كما اتّخذ موقفاً شديداً مقابل سائر الفرق الإسلامية المنحرفة، وحاول – جاهداً – بهذا الموقف أن يضع حدّاً فاصلاً بين عقائد أهل البيت الصحيحة في الأصعدة المختلفة، وبين عقائد سائر الفرق، فقد كان يقول عن الخوارج ما نصّه: «إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم إن الدين أوسع من ذلك».[22]
لقد كان ديدن العلماء الوقوف بتواضع وخضوع قلّ نظيره حين طلبهم العلم والتتلمذ عند الإمام الباقر (ع)، فعن عبد الله بن عطاء المكي قال: “ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع)، وقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلّمه.“[23]
لم تكن شهرة الإمام الباقر العلمية مقتصرة على أهل الحجاز، بل عمّت العراق وخراسان بشكل واسع، حيث يقول الراوي: رأيت أهل خراسان التفّوا حوله حلقات يسألونه عمّا أشكل عليهم.[24]
ونُشير تباعاً وباختصار إلى ميراث الإمام العلمي في الفروع المختلفة:
التفسير
لقد خصّص الإمام الباقر (ع) جانباً كبيراً من وقته لتفسير القرآن، حيث تناول فيه جميع شؤونه، وقد أخذ عنه علماء التفسير – على اختلاف آرائهم وميولهم – الشيء الكثير- وقد قيل أن للإمام الباقر كتاباً في تفسير القرآن ذكره محمد بن إسحاق النديم في كتابه الفهرست.[25]
وقد حصر الإمام أبو جعفر (ع) معرفة الكتاب العزيز بـأهل البيت، فهُم الذين يعرفون محكمه ومتشابهه والناسخ من المنسوخ، وقد أشار إلى هذا المعنى بقوله: «إنّه ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل ينصرف إلى وجوه».[26]
الحديث
لقد أولى الإمام أبو جعفر (ع) المزيد من اهتمامه للحديث الوارد عن جدّه رسول الله (ص) وعن آبائه الأئمة الطيبين، وقد روى عنه جابر بن يزيد الجعفي سبعين ألف حديث، وأبان بن تغلب مجموعة كبيرة، كما روى عنه غيرهما من أعلام أصحابه طائفة كبيرة من الأخبار.
والشيء المهم أنّ الإمام أبا جعفر قد اهتمّ بفهم الحديث والوقوف على معطياته، وقد جعل المقياس في فضل الراوي هو فهمه للحديث ومعرفة مضامينه، فمثلاً يُروى عنه قوله: «اعرف منازل الشيعة على قدر رواياتهم ومعرفتهم، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان».[27]
علم الكلام
إنّ عصر الإمام الباقر (ع) نظراً إلى إتاحة الفرصة بسبب قلة سيطرة السلطة الحاكمة وفّر الفرصة، وأتاح المجال لظهور عقائد وأفكار مختلفة مما أدّى إلى إيجاد وانتشار أفكار منحرفة في المجتمع، فكان على الإمام في هذه الظروف بيان عقائد الشيعة الأصيلة ومجابهة العقائد الباطلة والردّ على الشّبهات المطروحة. وعليه كانت بحوث الإمام الكلامية التي كان يطرحها ناظرة لهذه الأمور، منها: عجز العقول عن إدراك حقيقة الله،[28] وأزلية واجب الوجوب،[29] ووجوب طاعة الإمام.[30]
وقد ترك لنا الإمام تراثاً كبيراً في مجالي الفقه[31] والتأريخ.[32]
مناظرات الإمام
وكانت من جملة النشاطات العلمية للإمام الباقر (ع) هي مناظراته مع الكثير من العلماء والمفكرين بل ومع الزنادقة والمنحرفين وفي شتى المواضيع المختلفة، وكان منها:
- مناظرته (عليه السلام) مع أسقف النصارى
- مناظرته (عليه السلام) مع الحسن البصري
- مناظرته (عليه السلام) مع قتادة بن دعامة
- مناظرته (عليه السلام) مع هشام بن عبد الملك
- مناظرته (عليه السلام) مع محمد بن المنكدر
- مناظراته (عليه السلام) مع نافع بن الأزرق
- مناظرته (عليه السلام) مع عبد الله بن معمّر الليثي
- مناظرته (عليه السلام) مع قتادة بن دعامة.
تصدي الإمام للإسرائيليات
من الفئات التي كانت موجودة آنذاك في المجتمع الإسلامي وكان لها تأثير عميق في ثقافة المجتمع ذلك الوقت هم اليهود، فقد انتشر في المجتمع الإسلامي آنذاك مجموعة من أحبار اليهود الذين تظاهروا باعتناق الإسلام ومجموعة أخرى لازالوا على الديانة اليهودية، وقد تصدّوا للمرجعية العلمية لطبقة من بسطاء المجتمع الإسلامي.
ومن هنا برزت ضرورة الوقوف أمام اليهود وإيحاءاتهم في الثقافة الإسلامية السيئة، وتكذيب الأحاديث المجعولة من قِبلهم عن أنبياء الله وبعض ما ينقلوه مما يشوّه سمعة الأنبياء، وقد تصدّى الإمام (ع) لهم بقوة وبشكل جيّد يكشف عن تعالي الإسلام وهيمنة الفكر الإسلامي على مثل هؤلاء المنحرفين ومع تلك الفرق الضالة. وقد أشار زرارة إلى هذه القضية بقوله:
-
- كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر (ع)، وهو محتبٍ مستقبل القبلة، فقال: أما إن النظر إليها عبادة. فجاءه رجل من بجيلة، يقال له عاصم بن عمر، فقال لأبي جعفر: إنّ كعب الأحبار كان يقول: إنّ الكعبة تسجد لـبيت المقدس في كل غداة.
- فقال له أبو جعفر: فما تقول فيما قال كعب؟
- قال: صدق القول ما قال كعب.
- فقال له أبو جعفر: كذبت، وكذب كعب الأحبار معك، وغضب …
أصحابه وتلامذته
لقد تغيّرت الظروف السياسية للمجتمع الإسلامي في عصر الإمام (ع) تغيراً ملحوظاً مما أدّى إلى إتاحة الفرصة له بتشكيل مجتمع علمي قام من خلاله بتربية وتعليم مجموعة من العلماء الملتزمين بقيم الشريعة الإسلامية، ومن هنا عندما نلقي نظرة على صفحات تاريخ صدر الإسلام نجد في حياة الإمام العلمية عدداً كبيراً من أسماء تلامذته والشخصيات العلمية الممتازة في العالم الإسلامي.
ومع ذلك لا ينبغي الاعتقاد بأنّ الإمام الباقر (ع) كان في مأمن ومعزل عن المضايقات والمزاحمات التي أوجدتها الحكومات آنذاك ضد أهل البيت، فممّا لا شك فيه إنّ الجوّ الحاكم على حياة الإمام الباقر (ع) آنذاك كان جوّ تقية بشكل شديد؛ وذلك لأنّ عدم الالتزام بالتقية مطلقاً – وفي هذا الجو الخاص الذي كان حاكماً على المجتمع بسبب الحكومات الفاسدة – بمثابة رفع اليد عن النشاطات العلمية والابتعاد عن نشر المعارف الأصولية للدين.
إنّ الظروف المرحلية للإمام الباقر والإمام الصادق وفّرت لهما مجالاً لم يتوفّر لسائر الأئمة، وهذه الظروف المناسبة كانت بسبب ضعف أساس الحكومة الأموية، فالاضطرابات الداخلية للنظام السياسي في ذلك العصر لم يسمح للحكام أن يضيّقوا على آل الرسول كما كان يفعله الحكّام السابقون، وهذه الأرضية المناسبة أدّت إلى أن ينشر الإمام الباقر والإمام الصادق أكثر آراءهم الفقهية والتفسيرية والأخلاقية في كتبهم الفقهية والروائية.
ولهذا استطاع فرد كـمحمد بن مسلم أن يروي عن الإمام الباقر (ع) 30000 حديث،[34] وجابر الجعفي 70000 حديث.[35]
ويعتقد علماء الشيعة أنّ أفقه الفقهاء في صدر الإسلام ستة أشخاص وكلّهم من أصحاب الإمامين الباقر والصادق، وهم: زرارة بن أعين، ومعروف بن خربوذ المكي، وأبو بصير الأسدي، وفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي وبريد بن معاوية العجلي.[36]
ذكر الشيخ الطوسي، في كتابه الرجال أن أصحاب وتلاميذ الإمام الباقر (ع) الذين كانوا يروون الحديث عنه بلغوا 462 رجلاً وامرأتين.
كما اتفق المسلمون السنة والإمامية على توثيق بعض أصحاب وتلاميذ الإمام الباقر، وإن كان بعضهم لم يدخل في دائرة رجال أهل السنة الحديثية، ولم ينقل عنه الحديث بسبب توجهاتهم الشيعية العميقة، إلاّ أنّهم كانوا مورد وثاقة عند الشيعة الإمامية فحسب.
الإمام الباقر على لسان الفقهاء
إنّ شخصية الإمام الباقر (ع) لم تكن الفريدة من نوعها في رأي الشيعة الإمامية فحسب، بل إنّ علماء أهل السنة أيضاً يعتبرونه فريداً من نوعه. فيقول ابن حجر الهيتمي:
-
- «أبو جعفر محمد الباقر، سمّي بذلك من بقر الأرض أي شقّها، وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علَمه ورافعه … عمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة …».[37]
وتحدّث عبد الله بن عطاء عن إكبار العلماء وتعظيمهم للإمام الباقر (ع) وتواضعهم له، وهو من الشخصيات البارزة والعلماء العظام ما قوله: «ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي لتواضعهم له …».[38]
أما الذهبي فقد كتب في وصف الإمام الباقر (ع) قائلاً: «كان الباقر أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤود والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة».[39]
الإمام السابق الإمام السجاد (ع) |
الإمام محمد الباقر(ع) (57 – 114 هـ) | الإمام اللاحق الإمام الصادق (ع) |
الهوامش
- ↑ الشيخ المفيد، الإرشاد، ص508.
- ↑ الكليني، الكافي، ج1، ص469
- ↑ الطبري، دلائل الإمامة، ص216.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار ج46، ص212.
- ↑ القمي الرازي، كفاية الأثر، ص144-145.
- ↑ النوبختي، فرق الشيعة ص61.
- ↑ سبط بن الجوزي، تذكرة الخواص، ص 306.
- ↑ الكليني، الكافي، ج1، ص469. الشيخ المفيد، الإرشاد، ص508.
- ↑ الكفعمي، المصباح، ص691.
- ↑ الطبري، دلائل الإمامة، ص216. ابن شهر آشوب، المناقب، ج4، ص228.
- ↑ النوبختي، فرق الشيعة، ص61.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص289. المسعودي، مروج الذهب، ج3، ص219.
- ↑ النوبختي، فرق الشيعة، ص61. الكليني، الكافي، ج2، ص372. المفيد، الإرشاد، ج2، ص156. الطبري، دلائل الإمامة، ص216. الطبرسي، أعلام الورى، ص259. الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص327. ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص306. الكفعمي، المصباح، ص691.
- ↑ الشيخ المفيد، الإرشاد، ص524.
- ↑ الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، ص375.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص289.
- ↑ القمي الرازي، كفاية الأثر، ص144-145.
- ↑ القمي الرازي، كفاية الأثر، ص237.
- ↑ المفيد، الإرشاد، ص509.
- ↑ الشيخ المفيد، الإرشاد، ص507.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص39.
- ↑ الطوسي، التهذيب، ج1، ص241.
- ↑ المفيد، الإرشاد، ص510. الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص117-118.
- ↑ الكليني، الكافي، ج6، ص266. المجلسي، بحار الأنوار، ج46، ص357.
- ↑ ابن النديم، الفهرست، ص59. شريف القرشي، حياة الإمام محمد الباقر، ج1، ص174.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، أعلام الهداية، ص320.
- ↑ شريف القرشي، حياة الإمام الباقر، ج1، ص140-141.
- ↑ الكليني، الكافي، ج1، ص82.
- ↑ الكليني، الكافي، ج1، ص88-89.
- ↑ الكليني، الكافي، ج1، ص185.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، أعلام الهداية، ص341-347.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، أعلام الهداية، ص330-334.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج46، ص354.
- ↑ المجلسي، البحار، ج11، ص83.
- ↑ الدخيل، أئمتنا، ج1، ص347.
- ↑ ابن شهر آشوب، المناقب، ج4، ص211.
- ↑ ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص201.
- ↑ سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص337. الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص329.
- ↑ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج4، ص402.
المصادر والمراجع
- ابن الأثير، عزّ الدين،الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، 1402 هـ/ 1982 م.
- ابن النديم، محمد،الفهرست، ترجمة: محمد رضا تجدد، مطبعة سپهر، طهران، ط3، 1366 ش.
- سبط ابن الجوزي، يوسف بن عبدالله، تذكرة الخواص، مكتبة نينوى الحديثة، طهران، د ت.
- السيوطي، جلال الدين،تاريخ الخلفاء، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، د ن، د م، د ت.
- الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، إعلام الورى بأعلام الهدى، د ن، د م، ط2، 1377 ش.
- الطبري، محمد بن جرير،دلائل الإمامة، مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1413 هـ.
- المجلسي، محمد باقر،بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403 هـ.
- القمي الرازي، أبي القاسم علي بن محمد، كفاية الأثر في النص على الأئمة اثني عشر، مطبعة الخيام، قم، 1401 هـ.
- النوبختي، حسن بن موسى، فرق الشيعة، دار الاضواء، بيروت، 1404 هـ.
- ابن شهر آشوب، أبي جعفر محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، انتشارات ذوي القربى، د م، ط1، 1421 هـ/ 1379 ش.
- ابن حجر الهيتمي، أحمد،الصواعق المحرقة، مكتبة القاهرة، القاهرة، د ت.
- الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي، الاحتجاج، نشر المصطفى، مشهد، 1403 هـ.
- مجموعة من المؤلفين،أعلام الهداية الإمام الباقر (ع)، المجمع العالمي لأهل البيت، قم، ط1، 1385 ش.
- الكفعمي، تقي الدين إبراهيم بن علي، المصباح، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1414 هـ/ 1994 م.
- شريف القرشي، باقر،حياة الإمام محمد الباقر (ع)، دار الكتب العلمية، قم، 1397 هـ.
- الكليني، أبي جعفر محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق: علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط3، 1388 هـ.
- الدخيل، علي محمد علي،أئمتنا سيرة الأئمة الإثني عشر، مؤسسة دار الكتب الاسلامي، قم، ط3، 1429 هـ/2008 م.
- الطوسي، أبي جعفر محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال، تصحيح: حسن المصطفوي، جامعة مشهد، مشهد، 1348 ش.
- العاملي، الحر، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ت.
- المفيد، محمد بن محمد بن نعمان، الإرشاد، ترجمة: محمد باقر ساعدي، انتشارات إسلامية، طهران، 1380 ش.
- اليعقوبي، ابن واضح،تاريخ اليعقوبي، ترجمه: محمد إبراهيم آيتي، انتشارات علمي وفرهنگي، طهران، 1378 ش، و دار صادر، د.ت.