أخلاق أهل البيت الفاطمي بين ميزان الإسلام وطعن الطاعنين

بقلم :

خالد محيي الدين الحليبي :

 

ماذكره المؤرخون في تعريف الدولة الفاطمية ووصفها :

يقول البلاذري في سير أعلام النبلاء :[ ” يدَّعون الشرف ، ونسبتهُم إلى مجوسي ، أو يهودي ، حتى اشتهر لهم ذلك ، وقيل : ” الدولة العلوية ” و ” الدولة الفاطمية ” ، وإنما هي ” الدولة اليهودية ” أو ” المجوسية ” الملحدة ، الباطنية ” انتهى . – سير أعلام النبلاء ” ( 15 / 213 ) ، و ” الروضتين في أخبار الدولتين ” ( 1 / 216 ) ] .

 

التلبيس على الأمة بأن الفاطميين منهم القرامطة الذين خلعوا الحجر الأسود :

 

نقل الذهبي الكذاب : [ أن الفقهاء والعبَّاد نصروا الخوارج في حربهم على الدولة العبيدية لما عندهم من كفر وزندقة ، فعندما أراد أبو يزيد مخلد بن كيداد الخارجي حرب بني عبيد قال الذهبي :
تسارع الفقهاء والعبَّاد في أهبَّة كاملة بالطبول والبنود ، وخَطبهم في الجمعة أحمد بن أبي الوليد ، وحرَّضهم ، وقال : جاهدوا مَن كفر بالله ، وزعم أنه رب من دون الله ، … وقال : اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله المدعي الربوبية جاحدٌ لنعمتك ، كافر بربوبيتك ، طاعن على رسلك ، مكذب بمحمد نبيك ، سافك للدماء ، فالعنه لعناً وبيلاً ، وأخزه خزياً طويلاً ، واغضب عليه بكرةً وأصيلاً ، ثم نزل فصلى بهم الجمعة .” سير أعلام النبلاء ” ( 15 / 155 ) ] .

 

وهنا أنظر كيف كذبوا على أنفسهم وأمتهم واستهانوا بالدماء لأجل دنيا يصيبونها فضلوا وأضلوا كثيراً منهم وذلك لأن الكامل وكتب التاريخ تقريباً كلها اعترفت بأن الفاطميين كانوا من المحاربين للقرامطة :

[اورد ابن االأثير في كتابه “الكامل” أحداث سنة 363هـ و367هـ :

إلقاء القبض على قائد معركة الرملة وتسليمه للخليفة الفاطمي :

معركة الرملة عام 367هـ والتي كان من المفترض أن الطائيين طرفا فيها ضد المصريين، أصبحت بعد إنسحاب الطائيين منها، وقبيل إندلاع معاركها بساعات، بقيادة رجل من أصل تركماني، المدعو الفتكين، أصبح واليا على دمشق الشام بناء على تزكية من أهلها نظرا لحسن سيرته وسريرته، وتحالف مع المفرج وإبنه حسان ضد المصريين ، واستعان الطرفان بالقرامطة ، للتخلص من المصريين، إلا أن المصريين دقوا إسفينا في هذا الحلف، فدفعوا مائة ألف دينار ذهب للمفرج، لقاء انسحابه من معسكر عدوهم، كونهم العدد الأكثر في التجمع ، فانسحب الطائيون ، ودارت المعارك بدونهم، فهربت جموع أهل الشام وجموع القرامطة، وهام الفتكين على وجهه ، فاعترضته سرية فيها المفرج ، نواحي قرية اللبن الغربي قضاء رام الله، وسلم عليه، وحياه تحية صادقة ، نظرا لما كان بينهما من مودة، وعلاقة وطيدة، وسلمه المفرج الى الخليفة الفاطمي الذي بدوره أكرمه ، وأسكنه في دياره. واستلم المفرج مكافأة تسليم الفتكين من الخليفة الفاطمي والتي كانت مائة ألف دينا. جاء في أخبار الأعيان في جبل لبنان، يوسف بن طنوس الشدياق، في احداث عام 367هجرية ما نصه ” فرّ الفتكين ومعه ثلاثة من غلمانه وبه جراح. وقد كدَّه العطش. فلقيته سرية من الخيل، فيها المفرج بن دغفل بن الجراح الطائي، في قرية «اللّبن الغربي» فألقت القبض عليه، فأنزله ابن الجراح، وأكرمه، وقدَّم له الماء والفاكهة، ووكل به جماعة من أصحابه، حيث كان بينهما معرفة قديمة. سار المفرج إلى العزيز فأعلمه بأمر الفتكين، وطلب منه المائة الف دينار التي وعد باعطائها لمن أتاه به، فأعطاه ما وعد وتسلم الأسير. أحسن العزيز لافتكين فأكرمه وأسكنه داراً فسيحة وأغدق عليه من صلاته وعطاياه وظل متمتعاً بنعيم العزيز حتى مات سنة 372هـ.

واما الحسن القرمطي فقد انسحب مهزوماً إلى طبرية ومنها رحل وجماعته إلى لاحساء. وحضر هذه الموقعة مع الخليفة العزيز الأمير تميم أرسلان اللخمي وجماعته. عجب العزيز من شجاعته وكافأه على عمله هذا بأن أنعم عليه بامارة الغرب وبيروت.”

و قال إبن خلدون عن أحداث هذه السنة :

 

“وبذل لمن جاء بالفتكين مائة ألف دينار، فلقيه المفرج بن دغفل الطائى، وقد جهده العطش فاستسقاه، فسقاه، وتركه بعرشه، مكرما ، وجاء إلى العزيز، فأخبره بمكانه، وأخذ المائة ألف التى بذلها فيه”. ويقول إبن خلدون في الجزء الثاني، في سرد حروب المعز مع القرامطة واستيلاؤه على دمشق ما نصه “وجاء حسان بن الجراح في جموع عظيمة من طيـىء، وبـث سرايـاه فـي البلاد، فعاثـوا فيهـا، واهـم المعـز شانه، فراسل إبن الجراح واستماله بمائة الف دينـار علـى ان ينهـزم عـن القرامطـة واستحلفـوه علـى ذلك‏.‏ وخرج المعز ليوم عينوه لذلك فانهزم إبن الجـراح بالعـرب‏.‏ وثبـت القرامطـة قليـلا ثـم انهزمـوا، واخـذ منهم نحو الف وخمسمائة اسير‏.‏ وساروا في اتباعهم، ولحق القرامطة باذرعات، وساروا منها الى الاحساء، وقتلوا صبراً ونهب معسكرهم‏.” ويتابع إبن خلدون قائلا ” ثم نزل في خيامه، وجيء بالاسرى، فخلع على من جاء بهم، وبذل لمن جاء بافتكين مائة الف دينار، فلقيه المفرج بن دغفل الطائي، وقد جهده العطش، فاستسقاه، وتركه بعرشه، مكرماً‏.‏ وجاء الى العزيز، ولما حضر عند العزيز، وهو لا يشك انه مقتول، اكرمه العزيز، ووصل، ونصب له الخيـام، واعـاد اليـه ما نهب له، ورجع به الى مصر، فجعله اخص خدمه وحجابه”. ويستطرد إبن خلدون حديثه قائلا ” وكان مفرج بن الجراح امير بني طيء، وسائر العرب بارض فلسطين، قد كثرت جموعه، وقويت شوكته، وعاث في البلاد وخربها، فجهز العزيز العساكر لحربه، مع قائده بلتكين التركي، فسار الى الرملة، واجتمع اليه العرب، من قيس وغيرهم ولقي إبن الجراح، وقد اكمن لهم بلتكين من ورائهم فانهزم، ومضى الى انطاكية، فاجاره صاحبها‏.‏ وصادف خروج ملك الروم من القسطنطينية الى بلاد الشام، فخاف إبن الجراح، وكاتب بكجور مولـى سيـف الدولـة وعاملـه، على حمص ولجا اليه فاجاره‏.‏”] .

وممن كان يدعي الربوبية والإلهية الحاكم العبيدي حيث قال عنه الذهبي : [ ” الإسماعيلي ، الزنديق ، المدعي الربوبية ” . ” السير ” ( 15 / 173 ) ] .

وهنا واضح أن هذه الفتاوى كانت كفتاوى ابن جبرين الذي حرم نصرة أولاد الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء (ع) قائلاً بأن حزب الله لا يجوز نصرته .

يقول ابن تيمة المرجع الصهيوني الأصلي لهذه المدرسة من هذه الفتاوى :

 [ وهؤلاء المدعون للباطن لا يوجبون هذه العبادات ولا يحرمون هذه المحرمات بل يستحلون الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ونكاح الأمهات والبنات ، وغير ذلك من المنكرات ، ومعلوم أن هؤلاء أكفر من اليهود والنصارى ، فمن يكون هكذا كيف يكون معصوما – الفتاوى الكبرى 4/276 ] .

 

وردد تلميذه نفس الأكذوبة كما هو واضح الذهبي ثم ابن الأثير في الكامل ج8 ص28 : [ أن الفاطميين يبيحون نكاح الأمهات والأخوات ] . والسؤال لهؤلاء الذين استباحوا دماء أهل البيت بهذه الأكاذيب أين هذه الفتوى وأين مصدرها في كتب الفاطميين ؟!!

والاجابة : لن تجد لذلك أصل بما يؤكد دس هذا السم من دول لاحقة معادية لأهل بيت النبي عليهم السلام لاستحالة نشر ال1ذهبي هذا الكلام أو ابن الأثير إلا إذا حدد المصدر القائل أو العالم الذي أفتى بتلك الفتاوى الشنيعة .

 

وهنا السؤال لصالح من كذب هذا السلف الطالح لينتشر بين الخلف الجاهل ومتى يتعلم الجهلاء:

يقول ابن الأثير في مواضع أخرى من كتابه عن المعز لدين الله الفاطمي : [ كان فاضلاً عالماً جواداً شجاعاً جارياً على منهاج أبيه من حسن السيرة وإنصاف الرعية وستر مايدعون إليه إلا عن الخاصة ثم أظهره وأمر الدعاة بإظهاره إلا أنه لم يخرج إلى حد يذم به – الكامل ج8 ص664-665] .

وهنا هل هذه صفات وأخلاق ناكحي الأمهات ؟!.

وهل هؤلاء أشهدوا المجتمع والرعية على هذا النكاح أم كان سراً ؟!!!.

ولو كان سراً كيف اطلعوا عليه هل باعتراف أحدهم أم بوقائع شاهدوها هم عليهم لعائن الله المتتالية إلى يوم الدين ؟؟ . فقد وجدنا كتب التاريخ والاحاديث المروية من طرقهم وكتب فقههم تخلوا من مثل هذه الإفتراءات فعلياً .

 

من كتبب الفاطميين نعرفهم :

 

الإسلام عند الفاطميين :

 

يروي الفاطميين بكتابهم الذي يماثل البخاري عند السنة وهو دعائم الإسلام للقاضي النعماني :[ عن الإمام الباقر ابن علي زين العابدين أنه قال بنى الإسلام على سبع الولاية وهى افضلها وبها وبالولي يوصل إلى معرفتها –الطهارة-الصلاة –الزكاة-الصوم الحج- الجهاد فهذه دعائم الإسلام نذكرها ولا يقبل الله تعالى عملاً إلا به – دعائم الإسلام ج1ص2].

والسؤال هنا هل هذا الكلام بدعة أم في كتب السنة ما يوافق ذلك وشاهد على صحته إليك أخي الكريم بالمفاجئة هنا:

روى المتقي الهندي بكتابه منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد [عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أتاني جبريل فقال يا محمد الإسلام عشرة أسهم وخاب من لاسهم له‏.‏ أولها شهادة أن لا إله إلا الله، والثاني الصلاة وهي الطهرة، والثالث الزكاة وهي الفطرة، والرابع الصوم وهو الجنة، والخامس الحج وهو الشريعة، والسادس الجهاد وهو الغزوة ‏(‏ن – العروة‏)‏، والسابع الأمر بالمعروف وهو الوفاء، والثامن من‏؟‏‏؟‏ النهي عن المنكر وهو الحجة، والتاسع الجماعة وهي الألفة، والعاشر الطاعة وهي العصمة – أبو نعيم محمد بن أحمد العجلي في فوائده والرافعي في تاريخ قزوين من طريق إسحاق الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس‏.‏ – المنتخب هامش مسند أحمد ج1 ص36ط دار الفكر] . وهنا السؤال لعلماء الخوارج رأس الحربة الصهيونية أليس هى نفس معاني الحديث الوارد في المذهب الإسماعيلي الفاطمي .

الإيمان عند الفاطميين من كتابهم دعائم الإسلام :

 

[ الإيمان عند الفاطميين : يقول القاضي النعماني روينا عن جعفر ابن محمد أنه قال: الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان وهذا الذي لا يصح غيره – دعائم الإسلام ج1- ص3] .

أليس هذا الحديث هو نفسه المروي عند السنة قال رسول الله صلى الله عليه وآله ” الإيمان والإسلام أخوان قرينان لاينفصلان ”  – منتخب كنز العمال هامش المسند ج1 فصل الإيمان]

وأليس هو أيضاً قول الإمام أبو حنيفة صاحب المذهب الحنفي ” الإيمان اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان والإقرار وحده لا يكون إيمانا –  كتاب الفقه الأكبر ونقله صاحب شرح العقيدة الطحاوية ص 306 ]  .

وهنا السؤال مادامت أصول الإيمان والإسلام والدين  بين الأمة واحدة فلم الطعن في أمة بأكملها لأنها تولت أهل بيت النبي عليهم السلام  في كل زمن أهو العداء المضمر الباطني لرسول الله صلى الله عليه وآله  وذريته وفي كل زمن  بحجة مختلفة حتى الآن .

 

فقد كانت فاطمة متأولة  تأولاً خاطئاً على أبي بكر في قضية فدك فصدقنا ذلك بكل بلاهة

وكان معاوية محقاً في حربه لعلي طالب المحارب من أجل الرآسة كما قال إمامهم ابن تيمية وهذه لم نصدقها

وكان يزيد محقاً في قتله الحسين عليه السلام لأنه خرج على خليفة الله في أرضه كما قال ابن تيميه لعنه الله وهنا جاء بها عريضة

والفاطميين أصولهم مجوس ويهود وهم بهذا الخلق الرفيع أتريدون أن تتهود الأمة لما تكتشف حسن خلق الفاطميين وحضارتهم التي ما بلغتها أمة حتى الآن .

وهل الإمام  الخميني أيضاً حاربتموه لنفس السبب  ولأن الله تعالى نصره على الصهيونية العالمية بأكملها ومعها دعم صهيونية الأغيار ( حمير بني إسرائيل الموطئة للركوب) .

وأخيراً عدائهم المفضوح مع حزب الله لأن الله تعالى نصره على الصهاينة  تحرمون نصرته والله لقد جئتهم بها أعرض من سلفكم وَبعُدَ  البون وشسع بينكم وبين كونكم من بني آدم أو بشر .

وما هو إلا عداءاً مبطناً لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وباسم الإسلام يهدم آل سعود المقدسات وباسم الإسلام اليهودي المزور يقتلون أهل البيت وشيعتهم وأنصارهم ومحبيهم ويهدمون مساجدهم .

وما قامت الدنيا ولم تقعد على الرئيس القذافي إلا لأنه نادى بخلافة فاطمية ولم يفطن الزعيم القذافي

أن عدائهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وذريته عداءاً محكماً متوارثاً منذ طرد رسول الله صلى الله عليه وآله اليهود وأجلاهم عن حصونهم  لما حاولوا قتله عدة مرات  إنه الحلف الصهيوني القرشي الذي نهض يوم الأحزاب للقضاء على هذا الدين من قريش الأولى والآن التاريخ يعيد نفسه ولكن باسم الدين يهدمون الدين وبواسطة رجال الدين المنافقين أي أننا أمام هجمة الدجال الأخير المدعوم من قريش الآخرة التي دعا عليها المصطفى صلى الله عليه وآله حينما قال ” اللهم كما أذقت أول قريش نكالاً فأذق آخرها نوالاً ….. الحديث فاللهم آمين يارب العالمين

 

(أولاً ) : الوفاء للأمة الإسلامية باختلاف مذاهبها عند الفاطميين :

رفض الفاطميين للعمالة والخيانة للأمة العربية والإسلامية:

[ الشدة المستنصرية كانت هناك علاقات حسنه  بين الفاطميين و الدولة البييزنطية فأرسل  المستنصر بالأمبراطور قسطنطين ليمده بالغلال فوافق على إمداده ب400ألف أردب – خطط المقريزي ج1 ولكنه توفى قبل تنفيذ المتفق عليه بينهما وخلفته الملكة تيودور والتي وافقت على الصفقة ولكن بشرط أن يمدها بالجند لمعاونتها على حرب السلاجقة فرفض بل وأرسل أساطيله  لمحاربتها في مياه الشام (طرابلس وصيدا) فانتصر المصريون أول المعارك ثمانهزم  الجيش ولم يستمر في الحرب – موسوعة السيد حسن الأمين ص408 – حرف الفاء( فاطميين) ] .

 

(1)استغاثة الأمويين بالروم ضد الفاطميين :

 

[ استعان الأمويون في الأندلس بالروم على الفاطميين في المغرب فسأل المعز لدين الله مستشاريه فقالوا نهادن الروم ونقاتل الأمويون فقال : معاذ الله! ما كنت بادئا إلا بمن بدأ الله عز وجل به، قال تبارك وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ وقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ﴾ فهم أقرب إلينا   المجالس والمسايرات، للقاضي النعمان، ص154، تحقيق محمد اليعلاوي ] .

 

(2) استغاثة سيف الدولة الحمداني بالروم ضد الفاطميين خيانة للدين والأمة الإسلامية:

 

[ في زمن العزيز بالله يسير الجيوش لحلب فيستنجد أبو الفضائل سيف الدولة الحمداني بالروم وهى المرة الثانية التي يفعلون فيها هذا الفعل فينجدهم القائد بسيل ملك الروم بخمسين ألف فهجم عليهم القائد منجوتكين بنهر العاصي قبل أن يلتقوا بلؤلؤ قائد الجيش الحمداني ثم حصرها الجيش المصري ثلاثة شهور ثم عادوا مراسلة ملك الروم للمرة الثالثة وقالوا له حلب إذا وقعت أخذت أنطاكية – الكامل ج9 ص89-90 ] .

 

[ وخرج إليه أبو الفضائل الحمداني والقائد لؤلؤ ورحل بسيل قائد الروم إلى الشام ففتح حمص وشيراز ونهبهما وسار إلى طرابلس وكانت مصرية وقتئذٍ فنازلها فامتنعت عليه فأقام نيف وأربعين يوماً فلما أيس عاد إلى بلاد الروم ولما بلغ الخبر العزيز بالله الفاطمي عظم عليه الأمر فتادى بجهاد الروم وفي الطريق عند بلبيس فاجئته أمراض النقرس وغيره فأدركه الموت – الكامل ج9 ص 116 ] .

 

[ العزيز بالله يموت وهو في طريقه لغزو الروم ببلبيس – ] والأعمال بخواتيمها كما قال صلى الله عليه وآله فهل هذا يستوي ب :[ سعد الدولة الحمداني الذي مات وهو يجامع امرأة على صدرها – الكامل ج9 ص88] . أم يستوي بأمير جرجان الذي مات وهو يجامع بعض حظاياه على صدرها – الكامل ج9 ص 29 ] .  [ وقد استعان الحمدانيين بمنجوتكين قائد الروم للمرة الرابعة والخامسة لغزو مصر والفاطميين – الكامل ج 9 ص 118-120 ] .

 

وهنا قارن بين فعل الفاطميين الذن رفضوا العمالة وخيانة الأمة بهؤلاء وحتى أحداث نهر البارد بلبنان عام 2007 مروراً بخيانة آل سعود والوهابية وعمالة أكثر حكام العرب الخونة الذين أدخلوا الروم ببلادنا إلا من رحم ربي وقليل ماهم نسأل الله تعالى لهم النصرة والثبات .

 

(ثانياً) :العفو والتسامح عند الفاطميين أحد من أسباب زوال دولتهم كما سترى :

 

العفو عند الفاطميين من كتب أعدائهم  ( والفضل ماشهدت به الأعداء) :

 

  • يقول ابن الأثير عن المعز لدين الله الفاطمي رحمه الله : [” كان بمصر شاعر إسمه الحسن ابن بشر كثير الهجاء فهجا يعقوب ابن كلس وزير المعز فشكاه للعزيز وفي الشعر هجاء للعزيز بالله أيضاً فقال له هذا شيء اشتركنا فيه في الهجاء فشاركني في العفو عنه ثم هجا الفضل القائد فشكاه للعزيز أيضاً فامتعض وقال اعف عنه ثم هجا العزيز مرة أخرى فأمر بالقبض عليه وحبسه ثم أمر بإطلاق سراحه وإذا بالوزير يدبر للشاعر فقتله فوجد العزيز رأسه مقطوعاً فاغتم له – الكامل ج9 ص117-118- تاريخ مختصر الدول لابن العبري تسنة685هـ – ص178] .

 

ملحوظة هامة :

 

  • تجد الوزير يشتكي رجلاً من عامة الشعب كدليل على عدله بين الرعية حاكماً ومحكوماً وعدم إطلاقه العنان للولاة بالسرقة البطش كما هو الحال عند كل الدول من قبله .
  • عفوه عن الشاعر عدة مرات وهذا لا يحدث إلا نادراً ولا يكون إلا مع رجال أهل بيت النبوة فقط وهذا من آثار إذهاب الرجس عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وأبيهم علي وأمهم فاطمة سلام الله عليهم .

 

  • [ الدولة الحمدانية نشأت في حلب سنة 333هـ بقيادة سيف الولة الحمداني – الكامل ج8 ص445]. [ وغزا هذا الرجل الروم سنة 339هـ – الكامل ج8 ص485] . [ وفي سنة 357هـ قتل أبو المعالي ابن أخته أبي فراس الحمداني – ج8 ص588] . صاحب البطولات في حربهم مع الروم [ وكان القدر ضد أبو المعالي لقتله ابن أخته فزالت دولتهم سنة 358هـ – الكامل ج8 ] . ورفضوا الدخول في ولاية الدولة الفاطمية حباً للزعامة وفلما زالت دولتهم هربوا لمصر وكان من المفترض قتلهم كما في القانون الأموي أو القانون الدولي كمقاتلين للدولة وتصفيتهم ولكننا نجد أن الفاطميين عفوا عنهم بعد هروبهم لمصر ولكنهم فعلوا بها من الفتن مالا يصدقه عقل فقد طمعوا في شدةعفوهم وتسامحهم على الرغم مما فعلوه وقدومهم لمصر كلاجئين  إلا أن احدهم : [أن اقتطع أحدهم الإسكندرية ثم هزموا جيشاً كبيراً حاربوا به جنود  المستنصر فيما بعد راح ضحيتها الآلاف – الكامل ج10 ص82]  .

 

والواضح هنا أن المستنصر قد  عفا عنهم وذلك لأنهم ثاروا عليه مرةأخرة سنة 543هـ [ يقول ابن الأثير : أنهم في سنة 543هـ ثاروا عليه ثانية ( أي في عهد عهد المستنصر بالله) حتى انهزموا بالبحيرة وكان جيشهم عدة آلاف – الكامل ج9 ص578 ] .

وكان هذا سبباً من أسباب زوال دولتهم وضعفعها بالداخل أضف إلى ذلك [ ظهور دولة الخوارج سنة 333هـ واشتداد شوكتهم بواسطة أبو يزيد الخاري من زناته  وكان مذهبهم تكفير الدولة واستباحة أموالهم ودمائهم – الكامل ج8 – ص422-441] .

 

(3) [ بعد حرب زناتة وكتامة مع جيش الظاهر لإعزاز دين الله سنة411هـ صالحهم وواصلهم ثم انقلبوا عليه مرة أخرى فهجموا على القيروان وزناتة وباجة والمهدية – الكامل لابن الأثير ج9 ص319&340& 355 &568&569 ] .

وهنا أيضاً وفقاً للقوانين والأعراف بين الحكام  كان من المفترض كما نقرأ ونشاهد إبادة عامتهم وليس العفو ليثوروا على الدولة مرة أخرى .

وكان على النقيض أصحاب المذهب الآخر كقصة القائد البساسيري الفاطمي ودخوله الكوفة سنة 450 هـ  يقول ابن الأثير : [ ودخل القائد البساسيري الكوفة سنة 450 هـ وخطب بجامع المنصور للمستنصر العلوي صاحب مصر فأذن بحي على خير العمل ويقول ابن الأثير أنه رفعت الرايات المصرية وأجزل العطاء للناس ولم يتعصب لمذهب بعينه- الكامل ج9 ص640- 641-643] ولكنه يقول أيضاً :

[ ولكن السلجوقيين أبوا ذلك منه فقاتلوه حتى قتلوه وصلبوه على فنارة وطيف به وصلب قبالة باب نوبي – ج9 ص648-649] .

 

وهنا السؤال ماذا فعل ليقتل هذه القتلة بعدأن أجزل لهم العطاء  إبحث ستجد أنها فتاوى ابن تيمية وزملائة وتلامذته و رجال الدين خوارج كل عصر رأس حربة الصهيونية العالمية بقلب الدولة الإسلامية الذين يتمسكون دائماً بأن حب  رسول الله وأهل بيته من الوثنية فإذا  راجعت فتاواهم ستجدهم  يفتون بهذه الإفتاءات وأن قتل شيعتهم وأنصارهم  من أعظم القربات ثواباُ عند الله ويمكن لأيب باحث لمواقعهم على شبكة الأنترنت أن يقرأ ذلك أو بالرجوع لكتبهم التي يزعمون أنها من سلف صالح وهل الصالح يكذب على الأمة ؟ .

 

  • يورد ابن الأثير قصة عن مخازي الفاطميين :

 

أعداء أهل البيت  أنهم طافوا برجل مغربي وشهروا به ونادوا عليه هذا جزاء من يحب أبي بكر وعمر – الكامل ج9 ص178]  . وإن كان ذلك خطئ ولكن أنظر هنا في هذه الواقعة لتعلم  ماذا يفعل من يزعمون أنهم أهل سنة ويعملون بما يوافق الشرع الكريم  :

يورد ابن الأثير فيما فعله أنصار أبي بكر وعمر من كتابه الكامل : [ “أن القائد عز الدين ابن مسعود دخل الموصل فسئل عن أحوال الباطنية (الإسماعيلية) وعن أخبارهم فقيل إنهم يجالسون إسكافي بدرب إليا فأحضره ووعدوا بالإحسان إن اعترف فلم يفي فهدده بالقتل فقال إنهم وردوا إليه من سنين فلم يتمكنوا منة (أى من إدخاله في دعوتهم) فأمسكو فقطعوا يده ورجلة وزكره ورجموه بالحجارة- الكامل  لابن الأثير ج 10 ص634-635] . أنظر إلى فعل الطرفين وضعهما على ميزان العقل إن كان لديك عقل أيها المسلم ؟.

 

  • التسامح والحرية الدينية :

وهنا سنذكر إن شاء الله شيء من تسامحهم وعدلهم لكل المذاهب والديانات، [ في عام 362هـ رأى السنيون في مصر أن الشيعة يحتفلون بعيد الغدير فأرادوا الاحتفال بعيد لهم نكاية في الشيعة فقالوا أن 26 من ذي الحجة هو يوم دخل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم غار ثور مع أبي بكر فاتخذوه عيداً وبالغوا في إظهار الزينات ونصب القباب فوجدوا متسع من الحرية خولتهم القيام بذلك ونفس الوضع بالنسبة للأقباط كانوا يحتفلون بكل أعيادهم كالنيروز وما سواه[8]  وتوج الحاكم بأمر الله الدعوة بحرية العبادة بسجل تضمن المبدأ الليبرالي الحر القائل : (لكل مجتهد في دينه اجتهاده، وإلى ربه معاده، وعنده كتابه وعليه حسابه)   هانز هالم، الفاطميون وتقاليدهم في التعليم].

[ وجعل المالكية يدرسون مذهبهم بدار الحكمة، وعين في رئاسة القضاء بمصر وبلاد الخلافة سنياً، وهو أبن أبي العوام، الذي أستمر في القضاء من سنة 405هـ إلى سنة 411هـ. وحينما قال الناس: “أنه ليس على مذهبك”، قال : “هو ثقة مأمون مصري عارف بالقضاء وبأهل البلد، وما في المصريين من يصلح لهذا الأمر غيره” وكذلك اشتهر عصره بتولي القضاء من قبل مالكية وشافعية.   عبد المنعم الماجد، الحاكم بأمر الله الخليفة المفترى عليه، ص 86-87 ] .

[ ومنع سب أعداء مذهبه ولم يعامل أعدائه بالمثل الذين كانوا يسبون علياً من على منابرهم، سيما العباسيون في العراق، والأمويون في الأندلس. فحينما جاء المعز لمصر، لم يلعن لأعنيه، وانما كتب على سائر الأماكن بمدن مصر ((خير الناس بعد رسول الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام)) وأصدر الحاكم بأمر الله سجل في شهر رمضان سنة 398هـ، وها هو نصه: “بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله ووليه أبي علي الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، إلى كل حاضر وباد. أما بعد فإن أمير المؤمنين يتلو عليكم أية من كتاب الله المبين، ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ مضى أمس بما فيه، وجاء اليوم بما يقتضيه. الصلاح والإصلاح بين الناس أصلح، والفساد والإفساد بينهم مستقبح؛ إلا من شهد الشهادتين أحق أن تنفك له عروة، ولا توهن له قوة. بحي على خير العمل يؤذن المؤذنون ولا يؤذنون ويخمس المخمسون ويربع المربعون في الصلاة على الجنائز ولا يعترض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون، ويشتم السلف ولا يبغي الخلف. تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عما كانوا يعملون. معشر المؤمنين، نحن الأئمة، وأنتم الأمة، عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، إلى الله مرجعكم جميعاً، فينبئكم بما كنتم تعلمون. والحمد لله رب العالمين، وصلواته على رسوله سيدنا محمد وآله الأكرمين”  عبد المنعم الماجد، الحاكم بأمر الله الخليفة المفترى عليه، ص 87-88] .

 

(ثالثاً) : عدل المهدي الفاطمي :

 

يذكر ابن الأثير في تاريخه : [  أن أهل صقلية خرجوا على الخليفة المهدي الفاطمي وقتلوا حسن ابن حسين الذي أطلق عليه ابن الأثير ابن خنزير لتبغيض الناس فيه) فتمكن الخليفة المهدي من قاتل حسن ابن حسين وإسمه ابن مرهب فقتله على قبر القتيل – الكامل ج8 ص 71-72] .

 

  • وهنا لابد من المقارنة بين هذا العمل وفعل أياً من حكام أي عصر ففي حالة مقتل عامل الخليفة في أي بلد وفي أي عصر ومصر فلابد من التنكيل بكل أهلها وههذه سنة الظالمين فهل فعل الفاطميين ذلك ؟!.

 

(رابعاً) : زهد الخليفة المستنصر الفاطمي :

 

[ لما أرسل ناصر الدولة الحمداني رسوله للمستنصر العلوي وجده لايملك إلا 3 خدم وحصيرة فبكى رسوله على الخليفة العلوي الفاطمي  وعاد للقاهرة فحكم فيها وأذل السلطان العلوي وأصحابه والذي حمله على ذلك أنه كان يظهر التسنن للمغاربة فنصروه ومات كثير من أولاده جوعاً – الكامل ج10 ص86 ] .

ولهذا الظلم  ستجد أن الله تعالى قد سلط الترك عليه فقتلوه خوفاً منه يقول ابن الأثير : [ وسلط الله الترك على ناصر الدولة بعد ذلك فقتلوه خوفاً منه سنة 465هـ الكامل ج10 ص 86-87] وذلك لأنه فعل مافعل بأبو فراس الحمداني وغدره بأخيه وقتله يقول ابن الأثير :[ وكان قد قتل أخيه كوكب الدولة الحمداني أيضاً فخافه الترك وقتلوه – الكامل 103-104] .

 

(خامساً) : غض المعز لدين الله  لبصره وشهامته :

 

[ يقول ابن الأثير في حادثة خروج أهل القيروان عن طاعة المعز فوجه إليهم ابراهيم ابن أغلب فلما نادى بالأمان لغيرالمحارب رجع كثيرمنهم وأمر أن يجمع ماكان للمحاربين من السلاح والاموال والنساء فاجتمع إليه جواري كثيرة لهن مقداو حظ من الجمال فسأل عمن كانت تكلفهن فذكر له امراة صالحة فاحضرها وأحسن إليها وأمربحفظها وأمرلهن بما يصلحهن ولم ينظر إلى واحدة  منهن – الكامل ج8 ص 45-47 ] .

وهنا السؤال :

– هل هذه أخلاق  ناكحي الأمهات ؟.

– هل يتساوو بما فعله الأمويون بنساء رسول الله  الذين أخذوهن سبايا حاسرات الرأس يطوفون بهم البلدان حتى وصلوا دمشق وهن حاسرات ؟ .

 

سقوط الدولة الفاطمية بين فتاوى العلماء وسيف الحكام :

 

على أهل البيت أن لا يستهينوا بفتاوى المنافقين لأن الأمة تظنها من عند الله وما هى من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون تماماً كما قال تعالى { وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وماهو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون – آل عمران} وهذا تمام ما فعلته أمة بني إسرائيل وتكرره أمتنا لأننا أشبه الأمم بهم كما قال صلى الله عليه وآله : ” أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل ” وهذه الفتاوى تقع بيد الحكام فيستخدمونها في بسط سلطانهم ولا شأن لهم بالقرآى ولا الدين  وهذا هو مربط الفرس في صراع البشرية منذ خلقت وإلى الآن مروراً بفترات بعثة الأنبياء والوصيين ومن رفض منهم قتلوه أو قاتلوه وهذا ما حدث مع رسول الله صلى الله عليه وآل بيته عليهم السلام وحتى فتوى ابن جبرين ضد حزب الله وفتوى لجنة الفتوى التي ردوا بها على الرئيس القذافي بأن الدولة الفاطمية مؤسسها يهودي وإن وقعت هذه الفتاوى بيد جهلاء فسيفجرون أنفسهم وسط المساجد وبين جموع المصلين منذ أن قتلوا أمير المؤمنين علي( عليه السلام)  إلى أن فجروا مسجدي العسكريين بالعراق وهذه سنتهم  والبقية ستأت إن تركهم حكام المسلمون وعلماؤهم:

 

خيانة صلاح الدين وغدره بالفاطميين  :

 

ياليت العاضد مافعل كما سترى :

 

أولاً – خيانته للخليفة الفاطمي العاضد :

 

يقول السيد حسن الأمين : [ (في عام 564هـ كان الصليبيون يهددون مصر (الفاطمية) ويتحفزون للوثوب عليها، بعد أن خبروا أحوالها قبل ذلك في أحداث ليس هنا مكان سرد تفاصيلها، فرأى الخليفة الفاطمي (العاضد)، أن لا قبل لمصر بمدافعة الصليبيين، لكثافة قواهم وتفوقها على القوى المصرية، فتجلّت وطنيته على أبرز صورها، فتناسى ما بينه وبين الآخرين من أوتار، وتجاهل ما يحملونه له من عداوة، وأغضى عما طالما بيتوه له ولأسرته من تآمر، وصمم على الاستنجاد بالقوى الإسلامية خارج مصر، مهما كان في هذا الاستنجاد من مخاطر عليه وعلى أسرته.

ورأى أن أقرب القوى إليه هي في الشام، وفيها نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، وكان الصليبيون زحفوا على عسقلان، حتى وصلوا إلى بلبيس فاحتلوها وفتكوا بأهلها، ثم مشوا إلى القاهرة وحاصروها، فتقرر إحراق مدينة الفسطاط المتصلة بالقاهرة، خوفاً عليها من الصليبيين، فأحرقت وظلت النار تعمل فيها أربعة وخمسين يوماً، ولعوامل عديدة، فك الصليبيون الحصار عن القاهرة وعادوا من حيث أتوا، ولكن الخطر مازال جاثماً، فكرر العاضد الاستنجاد بنور الدين، وأرسل في كتب الاستنجاد شعور النساء وقال له : (هذه شعور نسائي من قصري يستغثن بك لتنقذهنّ من الفرنج) صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين) للسيد حسن الأمين ص 184، ( انظر (الروضتين في أخبار الدولتين)، القسم الثاني من الجزء الأول ص 391 وما بعدها من طبعة 1962، لعبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي، المعروف بأبي شامة ] .

[ ولم يكتفِ، بل بذل له ثلث بلاد مصر، وأن يكون قائد النجدة مقيماً عنده في عسكره، وأن يقطعه خارجاً عن الثلث الذي لنور الدين . فقرر نور الدين تلبية الطلب، فأرسل حملة مؤلفة من ثمانية آلاف فارس، بقيادة أسد الدين شيركوه، ومعه ابن أخيه صلاح الدين، … وجاءت الحملة إلى مصر حيث لقيت ترحيباً وابتهاجاً، وفعل العاضد أكثر من الترحيب، فأناط الحكم بأسد الدين شيركوه وجعله وزيراً له، ولكنه لم يلبث في الوزارة إلاّ شهرين وخمسة أيام، ثم توفي فجأة، وتطلع إلى الوزارة بضعة رجال من قواد الجيش الذي قدم مع أسد الدين، وكان التزاحم بينهم شديداً، ولكن العاضد آثر عليهم جميعاً صلاح الدين.يقول أبو شامة في كتابه (الروضتين): (فأرسل الخليفة (العاضد) إلى صلاح الدين، فأمره بالحضور إلى قصره ليخلع عليه الوزارة ويوليه بعد عمّه) – السيد حسن الأمين (مصدر سابق) ص 184- 185] .

وهكذا أمدّ الخليفة (العاضد) وزيره صلاح الدين بالقوة، ووضع في يده أسبابها، ومكّن له في الحكم، استعداداً للدفاع في وجه الصليبيين إذا حاولوا إعادة الكرّة على مصر، ثم للهجوم عليهم فيما احتلوه من بلاد، وقد صحّ ما توقعه (العاضد)، فقد وصل الصليبيون في ربيع الأول سنة 565هـ.

يقول المقريزي: [ (فخرجت العساكر من القاهرة، وقد بلغت النفقة عليها زيادة على 550 ألف دينار، فأقامت الحرب مدة خمسة وخمسين يوماً، وكانت صعبة شديدة …إلى أن رحل الصليبيون عن دمياط …، يضيف المقريزي: (وكان صلاح الدين يقول ما رأيت أكرم من العاضد، أرسل إليّ مدة إقامة الفرنج على دمياط ألف ألف دينار، سوى ما أرسله إليّ من الثياب وغيرها) – خطط المقريزي ج 1 ص 215].

ويقول يحيى بن أبي طي الحلبي، في كتابه الذي ألفه في سيرة صلاح الدين، واصفاً المدى الذي بلغته محبة العاضد لصلاح الدين: [ (وبلغ من محبته له، أنه كان يدخل إلى القصر راكباً، فإذا حصل عنده أقام معه في قصره اليوم والعشرة، لا يُعلَمُ أين مقرّه… وحكّمه في ماله وبلاده، فحسده من كان معه بالديار المصرية من الأمراء الشامية، ثم إنهم فارقوه وصاروا إلى الشام) – السيد حسن الأمين (مصدر سابق) ص 167- 168] .

[ ويقول صاحب كتاب (الروضتين): (إن العاضد أحب صلاح الدين محبة عظيمة)، ويقول عنه في مكان آخر، أنه لما تولى صلاح الدين الوزارة، مال إليه العاضد وحكّمه في ماله وبلاده)- المصدر السابق ص 186]. [ ولم يترك (العاضد) وسيلة تشيد بصلاح الدين، وترفع من شأنه وتزيد في تكريمه إلاّ اتّبعها، من ذلك أنه لما ارتحل (نجم الدين أيوب) والد صلاح الدين إلى مصر بأهله وجماعته، وسار إلى القاهرة، ركب العاضد بنفسه لاستقباله والترحيب به، وخلع العاضد عليه ولقّبه (الملك الأفضل)، وحمل إليه من القصر الألطاف والتحف والهدايا، كما يقول ابن أبي طي في كتابه السابق الذكر – المصدر السابق ص 168].

 

فكيف تُرى خلفه صلاح الدين في ماله وبلاده؟.. وكيف قابل نجم الدين كرمه وأريحيته وحسن استقباله؟!. لقد كان (العاضد) في وادٍ، وصلاح الدين وأبوه نجم الدين في واد آخر، ووطنية العاضد التي جعلته يستنجد بهم، ويضع سلطته وبلاده تحت تصرفهم، لم تمنعهم من التآمر عليه وعلى دولته.

كانت الخطة قد وضعت قديماً في الشام، بين نور الدين محمود وأسد الدين شيركوه، وصلاح الدين ونجم الدين عالمان بها، وذلك بأن تكون النجدة لا لإنقاذ البلاد مـن الصليبيين، بل للقضاء علـى العاضد ودولته، واستغلال الخطر الصليبي على مصر، وانشغال العاضد به لتنفيذها.

وهكذا يكون العاضد ودولته قد نكبا، وراحا ضحية مطامع نور الدين زنكي، وخيانات صلاح الدين وأبيه من طرف، ومن طرف آخر، إخلاص العاضد للإسلام، ووطنيته تجاه بلده مصر، وإيثاره الاستنجاد بإخوته المسلمين، بدلاً من التفاوض مع الصليبيين والرضوخ إلى ابتزازهم والنزول عند شروطهم، كما فعل صلاح الدين، وكثير غيره من الحكام والسلاطين المسلمين.

يقول المقريزي عن صلاح الدين: [ (واستبدّ بالأمور، ومنع العاضد من التصرف، ثم يقول: وصلاح الدين يوالي الطلب منه كل يوم ليضعفه، فأتى على المال والخيل والرقيق، حتى لم يبق عند العاضد غير فرس واحد، فطلبه منه وألجأه إلى إرساله، وأبطل ركوبه من ذلك الوقت، وصار لا يخرج من القصر البتة)- خطط المقريزي ج 1 ص 358- 359 ] .

 

والأنكى من ذلك، أن صلاح الدين الذي كان يتحدث عن كرم العاضد وحسن رفادته وضيافته، قد قابل كرم العاضد وحبه الشديد له بالجحود والنكران، فيقول المقريزي: [ وعاد فكثر القول عن صلاح الدين وأصحابه في ذم العاضد – المصدر السابق ] .

 

يقول أبو شامة في الروضتين: [إن صلاح الدين يوسف بن أيوب، لما ثبت قدمه في مصر، وزال المخالفون له، وضعف أمر العاضد – وهو الخليفة بها -، ولم يبق من العساكر المصرية أحد، كتب إليه الملك الفاضل نور الدين محمود، يأمره بقطع الخطبة العاضدية، وإقامة الخطبة العباسية، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك، لميلهم إلى العلويين، فلم يصغ نور الدين إلى قوله، وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزاماً… واتفق أن العاضد مرض، وكان صلاح الدين قد عزم على قطع الخطبة لـه، فاستشار الأمراء، كيف يكون الابتداء بالخطبة العباسية، فمنهم مـن أقدم على المساعدة وأشار بها، ومنهم من خاف ذلك، إلاّ أنه لم يمكنه إلاّ امتثال أمر نور الدين، وكان قد دخل مصر إنسان أعجمي يعرف بالأمير العالم، وقد رأيناه بالموصل كثيراً، فلما رأى ما هم فيه من الإحجام قال: أنا ابتدئ به – السيد الأمين (مصدر سابق) ص 187- 188].

وهكذا، فبعد انقضاء سنتين فقط على وصول شيركوه وصلاح الدين إلى مصر، كافأوا العاضد بالقضاء عليه وعلى دولته، ولم تدخل سنة 567هـ حتى (استفتحها صلاح الدين بإقامة الخطبة في مصر لبني العباس)، كما يقول صاحب كتاب (الروضتين)، والخليفة العاضد لا يزال حياً – المصدر السابق ص 168].

 

 

خيانته للخليفة الناصر العباسي:

 

كان الخليفة العباسي الناصر، قد تخلص في بغداد من سيطرة السلاجقة، واستقلّ عنهم برقعة كبيرة من الأرض الإسلامية، وكما يقول ابن كثير : [  استحوذ جيش الخليفة على بلاد الري وأصبهان وهمذان وخوزستان وغيرها من البلاد، وقوي جانب الخلافة والخليفة على الملوك والممالك –  (البداية والنهاية) ج 13 ص 11] ، ولقد بنى فيها جيشاً قوياً، وعزم على أن يرسل جيشه هذا إلى فلسطين، للتعاون مع جيش صلاح الدين على تحرير ما لم يتحرر من الأرض الإسلامية من الصليبيين، فأرسل يستأذن صلاح الدين، فرفض قدوم جيش الخلافة، لأنه اعتقد أنه سيصبح والياً من ولاة الخليفة تابعاً له.

ويصف العماد الموقف بعد ذلك بقوله: [ (ووجد الأعداء حينئذ إلى السعاية طريقاً، وطلبوا لشمل استسعاده بالخدمة تفريقاً، واختلقوا أضاليل ولفقوا أباطيل، وقالوا : هذا – أي صلاح الدين – يزعم أنه يقلب الدولة ويغلب الصولة، وأنه يُنعَت بالملك الناصر، نعتَ الإمام الناصر، و يُدِلُّ بماله من القوة العسكرية) ” – العماد الأصفهاني في (الفتح القسي في الفتح القدسي) ص 183 وما بعدها ( انظر الأمين ( مصدر سابق ) ص 116- 117]. ويبدو أن تلك السعايات لم تنبت من فراغ، فقد كان صلاح الدين يمنّ في مجالسه الخاصة على الخليفة العباسي بقضائه على الدولة الفاطمية، وربما كان يلوّح بالقوة والغلبة، وما إلى ذلك مما نقله السعاة لإثارة حفيظة الخليفة على صلاح الدين .

[ ولما بلغ الخليفة هذا الرفض، مع كل ما نقل إليه عن صلاح الدين، أرسل مبعوثاً وصل في شهر شوال من سنة 583هـ – أي بعد فتح القدس بثلاثة أشهر فقط – مع رسالة شديدة اللهجة ، مملوءة بالتعنيف لصلاح الدين – (تفصيل المراسلات والمفاوضات بين الخليفة وصلاح الدين، مبسوطة في كتاب عماد الدين الأصفهاني: (الفتح القسي في الفتح القدسي)، وأخبار الرسالة العنيفة المنوه عنها تجدها على ص 183 وما بعدها، ويذكر العماد أن صلاح الدين قد وصف تلك الرسالة بأنها (ألفاظ فظاظ وأسجاع غلاظ…قد كان أمكن إيداع هذه المعاني في أرق منها لفظاً وأرفق) ] .

 

فتظاهر هذا بالسكوت، ولكنه راح يعرض الرسالة على من سماهم (أكابر القوم)، ونجح أسلوب صلاح الدين كما يقول العماد، في دفع أولئك الأكابر إلى نقد تلك الرسالة بعنف مماثل، وإلى تحريض صلاح الدين على التمرد على الخليفة، وهذا هو عين ما كان يبيته صلاح الدين في نفسه ويمهد له، ليكون هؤلاء مستعدين بل متحمسين لقتال جيش الخليفة إذا جاء إلى فلسطين.

ورأى صلاح الدين أن من الحكمة أن يؤخر الصدام بالخليفة، وأن لا يعجّل باستفزازه قبل أن يهيئ وسائل المقاومة ويرتب المحالفات، وبادر على الفور إلى التفاوض سراً مع الصليبيين  لعقد هدنة تنهي الحروب بينهما، وتتيح له التحالف معهم لقتال العدو المشترك (خليفة المسلمين) الذي لم تكن يومئذ خلافة شرعية لسواه.

وغني عن البيان أن هذه الخيانات الثلاث: للخليفة الفاطمي (العاضد)، والخليفة العباسي ( الناصر)، والسلطان الأيوبي (نور الدين زنكي)، تعتبر خيانة عظمى للإسلام والمسلمين في ذلك الحين، عدا عن أن مجرد وقف الحرب ضد الصليبيين قبل إخراجهم من بلاد المسلمين، وتحريرها من نير سلطانهم واحتلالهم الغاشم، يعتبر بحد ذاته خيانة عظمى لا جزاء لها إلاّ القتل، فكيف بالتحالف معهم ضد المسلمين وخليفتهم الشرعي؟!.

 

عنف صلاح الدين وبطشه :

 

[ ما أن قويت سلطة صلاح الدين على الخليفة الفاطمي العاضد، واستتبّ له الأمر في مصر بعد التآمر عليه وقطع الخطبة له وإقامتها لبني العباس، حتى أقدم صلاح الدين على جريمة لم يسبق لحاكم أن أقدم على مثلها أبداً، حتى في أشد العصور طغياناً وهمجيةً وظلماً – السيد الأمين (مصدر سابق) ص 169] .

[ (فقد احتجز جميع رجال الأسرة الفاطمية في مكان، واحتجز جميع نسائها في مكان آخر، ومنع الفريقين من الزواج لئلا يتناسلوا…) يقول العماد: (وهم إلى الآن محصورون محسّرون لم يظهروا) –  ويحدّد المقريزي في خططه عددهم بعشرة آلاف شريف وشريفة ( ج 1 ص 497 )، وقال ابن عبد الظاهر أن حبسهم على هذا الشكل استمرّ حتى انقرضت الدولة الأيوبية ومُلكُ الأتراك إلى أن تسلطن الظاهر ركن الدين بيبرس.. البندقداري، فلما كان في سنة 660هـ أشهد على من بقي منهم بطردهم، بعد أن أصبحوا كما يقول المقريزي (كهولاً مرضى لا أمل منهم ولا بشفائهم) ] .

ثم أعمل النهب والسلب في دورهم وقصورهم، وقد تبجح بهذه الأعمال شعراء صلاح الدين، ومن ذلك ما قاله العماد الأصفهاني في قصيدة بذيئة طويلة:

[ عاد حريم الأعداء منتهك الحمى                وفيء الطغــاة مقتَسَمـــا

ثم عمد صلاح الدين إلى المذهب الجعفري فأبطله وحرّم تدريسه ومنع الناس من العمل به، ومال على أشياعه وأتباعه فأوقع فيهم القتل والحرق والتشريد، وقد وصف عبد الرحيم بن علي البيساني قاضي صلاح الدين، الملقب بالقاضي الفاضل، ولم يكن في الواقع فاضلاً، بل كان من الوصوليين الانتهازيين المنافقين، عبيد كل سلطة، وعملاء كل حكومة، وصف وضع الشيعة بعد العاضد بقوله: (… والمَذَلَّة في شيع الضلال شائعة، ومُزِّقوا كل ممزَّق، ورغمت أنوفهم ومنابرهم، وحقت عليهم الكلمة تشريداً وقتلاً) –  السيد الأمين مصدر سابق ص 68 ] .

ومن الذين قتلهم صلاح الدين، وحفظ لنا التاريخ أسماءهم رغم كل محاولات الطمس والإخفاء، الشاعر عمارة اليمني، الذي عاش في مصر وأدرك أواخر الدولة الفاطمية، ورغم أنه لم يكن على مذهب الفاطميين، ولكنه كان منصفاً مخلصاً للحق، معترفاً بالفضل لأهله، وحيث أنه رأى بأم عينيه فضائل الفاطميين ومحاسنهم، ولمس بنفسه مخازي الأيوبيين ومساوئهم، وما ارتكبوه فيهم من جرائم، فرثى الدولة الفاطمية أشجى رثاء في قصيدته اللامية التي مطلعها : [

رميتَ يا دهرُ كفَّ المجدِ بالشللِ                وجيدَه بعد حسن الحَلْيِ ِ بالعطَلِ

وختمها بقوله:

والله مازِلتُ عن حبي لهم أبـداً                ما أخّرَ اللهُ لي في مدة الأجـــلِ –  السيد الأمين (مصدر سابق) ص  66] .

[ وبسبب هذه القصيدة الصادقة، قُتِلَ هذا الشاعر الفاضل الوفي يرحمه الله، الذي طبع على النبل والوفاء، وتُمُحلت له الذنوب – (خطط المقريزي) ج 22 ص 496 ناقلاً قول ابن سعد الذي يضيف قائلاً عن القصيدة: (لم يُسمعْ فيما يُكتب في دولة بعد انقراضها أحسن منها) ] .

 

وفي موقف آخر، اتفق أن اجتمع هذا الشاعر الوفي،عند نجم الدين أيوب – والد صلاح الدين – مع شاعر آخر، هو أبو سالم يحيى الأحدب بن أبي حصيبة، في قصر اللؤلؤة الذي كان يقيم فيه، وكان من أحسن قصور الفاطميين، فأنشد ابن أبي حصيبة نجم الدين قصيدة منها:

[ يا مالك الأرض لا أرضى لها طرفاً                منها وما كان منها لم يكن طرفــــا

قـد عجّل الله هذي الدار تسكنهــــا                وقـد أُعدّت لك الجنات والغرفـــــا

تشرفت بـك عمـن كان يسكنهــــــا                فالبس بها العز ولتلبس بك الشرفا

كانوا بها صَـدفاً والـدار لؤلـــــــؤةٌ                وأنت لؤلؤةٌ صـارت لها صـَدفــــــا

فعزّ على عمارة هذا الغمز بالفاطميين، ولم يسكت على هذا الغمط لحقهم، والغض من مكانتهم، فقام يرد عليه بكل جرأة وشجاعة قائلاً:

أثمتَ يا من هجا السادات والخُلَفا                وقلـتَ ماقلتَه فـي ثلبهم سـخَـفا

جعلتَهم صـدفاً حَلّوا بلـؤلـؤةٍ                والعُرفُ مازال سُكنى اللؤلؤ الصدفـا

وإنما هـي دارٌ حـلّ جوهرهم                فيها وشـفّ فأسـناها الـذي وصفـــــا

إلى آخر هذه القصيدة الارتجالية الرائعة، التي علّق عليها المقريزي بقوله: (فلله دَرُّ عمارةَ، لقد قام بحق الوفاء، ووفّى بحسن الحفاظ كما هي عادته، لا جرم أنه قُتل في واجب من يهوى، كما هي سنّة المحبين، فالله يرحمه ويتجاوز عنه) –  الخطط ج 21 ص 469 ] .

 

[ على أن أفجع الفواجع ما لحق خزانة الكتب، التي (كانت من الضخامة بحيث أنها ضمّت (600) ألف كتاب مخطوط، ثم ما لبثت أن أُنشئت دار الحكمة القاهرية، وهي لم تكن أرففاً لاحتواء الكتب فقط، ولكنها كانت تضم جيوشاً من المترجمين والعلماء والنسّاخين، وكانت بذلك جامعة متخصصة لإنتاج الكتب) – الدكتور محمد الرميحي، مجلة العربي، العدد 426، أيار 1994م ص  22].

هذه الكنوز العلمية من نفائس الكتب التي تعب الفاطميون في جمعها، وأنفقوا من الأموال ما أنفقوا في الحفاظ عليها، أصابها من صلاح الدين ما أصاب الفاطميين أنفسهم، ومثلما شهد العصر الفاطمي ازدهار المكتبات القاهرية، شهدت بداية عصر صلاح الدين انهيارها بفعل النهب والحرق واللامبالاة –  المقريزي ج 2 ص 255، ينقل ذلك عن ابن طي ] .

[ يصف الدكتور محمد كامل حسين كيف أُحرق ورقُ كتب هذه المكتبات، وأخذ العبيد والإماء جلودها لعمل ما يلبسونه في أرجلهم، والذي بقي فيها مما لم يحرق، سفت عليه الرياحُ الترابَ، فصارت تلالاً باقية تعرف بتلال الكتب – المصدر السابق ] .

ثم يقول: [ (وكذلك ضاعت كنوز الفاطميين بيد التعصب الممقوت)، ويختم كلامه بالقول: (ولكن هذه الموجة الفنية التي طغت على مصر، سرعان ما أبادها الأيوبيون فيما أبادوه من تراث هذا العصر الذهبي في تاريخ مصر الإسلامية، فضاع الشعر ولم يبق منه إلاّ اسم الشاعر أحياناً إن قُدِّر لاسمه البقاء، ونحن لا نتردد في اتهام الأيوبيين بجنايتهم على تاريخ الأدب المصري، لتعمدهم أن يمحوا كل أثر أدبي يمت للفاطميين بصلة، فقد أحرقوا كتبهم بما فيها من دواوين الشعر) – المصدر السابق ] . فإذا كان هذا فعلُهم في الشعر، فما بالك بما فعلوا في الفكر؟!.

ويقول ابن أبي طي في وصف ما حلّ بهذه المكتبة الكبرى: [  (ومن جملة ما باعوا خزانة الكتب، وكانت من عجائب الدنيا)-السيد الأمين (مصدر سابق) ص 26- 27].

[ لأنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي بالقاهرة في القصر، ومن عجائبها أنه كان بها ألف ومائتان وعشرون نسخة من تاريخ الطبري، ويقال أنها كانت تحتوي على ألفي ألف وستمائة ألف كتاب، وكان فيها من الخطوط المنسوبة أشياء كثيرة – السيد الأمين (مصدر سابق) ص  169].

[ ويقول العماد الأصفهاني في ذلك: (وفيها من الخطوط المنسوبة ما اختطفته الأيدي واقتطعه التعدي، وكانت كالميراث مع أمناء الأيتام، يتصرف بها بشرَه الانتهاب والالتهام) – المصدر السابق ] .

وهكذا شتتوا هذه الكتب وأضاعوها فغدت هباء منثوراً، وأتلفوا هذه الكنوز العلمية التي لم يجتمع مثلها لا قبلها ولا بعدها في مكتبة قط، وهل فعل التتار والمغول في مكتبات بغداد أكثر مما فعله صلاح الدين هذا بخزانة كتب القاهرة ومكتباتها؟.

ورغم أن نور الدين كان ولي نعمته، وهو الذي رشحه للوزارة لدى العاضد بعد وفاة أسد الدين شيركوه، إلاّ أنه لم يسلم من تنكّر صلاح الدين له والتنمر عليه في حياته، والاحتماء منه بالصليبيين، ثم القضاء على مملكته وضمها إليه بعد وفاته، لكنّ الأشد انتقاماً من نور الدين ما فعله مع ابنه (الملك الصالح).

لقد كان ابن نور الدين هذا مقيماً في حلب، وكان على صغر سنه محاطاً برعاية الحلبيين باعتباره ملكهم المقبل بعد أبيه، فكان أول ما فعله صلاح الدين بعد استيلائه على الشام، أن قصد إلى حلب للقضاء عليه.

يقول ابن الأثير: (لما ملك صلاح الدين حماة، سار إلى حلب فحصرها ثالث جمادى الآخرة، فقاتله أهلها، وركب الملك الصالح – وهو صبي وعمره اثنتا عشرة سنة – وجمعَ أهل حلب وقال لهم: [ قد عرفتم إحسانَ أبي إليكم ومحبته لكم وسيرته فيكم، وأنا يتيمكم وقد جاء هذا الظالم الجاحد إحسان والدي إليه، يأخذ بلدي ولا يراقب الله تعالى ولا الخلق … وبكى وأبكى الناس، فبذلوا له الأموال والأنفس، واتفقوا على القتال دونه والمنع عن بلده)- كتاب (الروضتين) ج 2 ص 676].

[ لقد شفت الليلة غيظه، وانتقم من نور الدين انتقام الأنذال – السيد حسن الأمين (مصدر سابق) ص 203].

[ ولكن صلاح الدين تمكّن منه واعتقله وعاد به إلى دمشق، ولزيادة التشفي بنور الدين وولده، تزوج زوجة نور الدين، ودخل بها وبات عندها ليلة واحدة، وخرج بعد يومين إلى مصر – ابن العديم في الجزء الثالث من كتابه (زبدة الحلب في تاريخ حلب) ص 667] .

ولا تسل بعد ذلك عن المجازر التي أوقعها صلاح الدين بأهل حلب، ولا عن الحرائق التي استهدفت منابر العلم ودور الكتب، ولا عن الإعدامات التي كانت تنتظر العلماء والحكماء، مما ملأ بطون كتب التاريخ، وكان على رأسهم جميعاً، الفيلسوف الإشراقي العظيم، [ شهاب الدين بن يحيى السهروردي- ياقوت الحموي في: (معجم الأدباء). (انظر السيد الأمين – مصدر سابق- ص 148-149].

 

[ الذي قُتل عام 1191م خنقاً بوتر، وقيل بالسيف، وقيل سوى ذلك، وكان الفيلسوف السهروردي من أكبر علماء عصره – وفيات الأعيان لابن خلكان] .

ولا تسل كذلك عن الضرائب الباهظة والمقتطعات التي أثقلت كاهل جميع المسلمين من أهل حلب في تلك الحقبة السوداء. وحسبك للوقوف على طريقة معاملته للشعب الذي كان يحكمه صلاح الدين، ما كتبه عنه الدكتور حسين مؤنس، وهو من أشد المتحمسين للدفاع عن صلاح الدين الأيوبي، قال: [ (كانت مشاريعه ومطالبه متعددة لا تنتهي، فكانت حاجته للمال لا تنتهي، وكان عماله من أقسى خلق الله على الناس، ما مرّ ببلده تاجر إلاّ قصم الجُباة ظهره، وما بدت لأي إنسان علامة من علامات اليسار، إلاّ أُنذِر بعذاب من رجال السلطان، وكان الفلاحون والضعفاء معه في جهد، ما أينعت في حقولهم ثمرة إلاّ تلقّفها الجباة، ولا سنبلة قمح إلاّ استقرت في خزائن السلطان، حتى أملق الناس في أيامه، وخلّفهم على أبواب محن ومجاعات حصدت الناس حصداً) – مجلة الثقافة العدد 462 السيد الأمين – مصدر سابق – ص 164].

ولا غرابة بعد هذا كله أن تعلم أن ولاته وعماله هم جميعاً من أمثال (قراقوش)، الذي خلّفه والياً على مصر، ليتفرغ هو لاحتلال الشام، والقضاء على ملك نور الدين زنكي، والتشفي منه.

 

 هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهله وصحبه وسلم

خالد محيي الدين الحليبي

 

 

 

 

 

 

About leroydeshotel

Check Also

بيان قوله تعالى : (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال) من تفسير البينة

بقلم : خالد محيي الدين الحليبي  مركز القلم للأبحاث والدراسات : ملف بصيغى  بي دي …