"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

هل استغنى المصريون عن الرموز السياسية؟ ج(1)

تسع سنوات مرت على قيام ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 والتي شَرُفَ الشعب المصري بالقيام بها، وفى أعقابِ تلك الثورة قامت الكثير من الكيانات، جعل الكثير منها جزء من مُسماه يحمل اسم الثورة إشارة إلى أنه يضم بين مكونه أبناء من تلك الثورة وأنه نشأ في رحمها، كذلك كانت هناك الكثير من الكيانات والقوى والرموز التي كانت موجودة على الساحة في مصر بالفعل شاركوا في تلك الثورة كان لهم تأثيرهم الواضح في نجاحها في مراحلها الأولى – لا يُنكر هذا إلا قارئ غير منصف للأحداث أو جاحد.

تطورت الأحداث في داخل مصر بعد الثورة ما بين سيطرةٍ للمجلس العسكري وانتخابات رئاسية جاءت بأول رئيس مدني منتخب انتخابا شرعيًا كان هو الأول في تاريخ مصر الحديث، بل القديم.

تزامن مع هذا أحداثًا وتحركات لتلك الكيانات والقوى والرموز السياسية، إلا أنها وللأسف لم تتمكن بتحرُكاتها تلك بأن تُقنع الشعب المصري بالوقوف خلف قيادة واحدة منها، بل فشل كل هؤلاء في أن يتفقوا على قيادة تقود الشعب المصري في تلك المرحلة الحرجة من حياته، وهنا يتحمل كل هؤلاء مسئولية فشل هذا الأمر كل على قدر ما كان يحمله من حجم مشاركته التي سمح لنفسه أن يُشارك بها في تلك التحركات.

الأحداث تلك في مُجملها سرَّعت في حدوث انقلابًا عسكريًا في 3يوليو2013، أضاع على مصر فرصتها في أن تعيش حياة شرعية كريمة، فقد أطاح بكل أمال وأهداف الشعب المصري التي علقها على تلك الثورة.

وعُلقت برقاب وتاريخ القائمين بهذا الانقلاب أكبر وأخطر مذبحة شهدها العصر الحديث في دولة من الدول، حيث إنها ارتُكبت بيد فئةٍ من الشعبِ حركها هؤلاء المُنقلبون لتُنكل وتُبيد فئةٍ أُخرى من نفس الشعب تظاهرت واعتصمت طلبًا لحقوق كان قد حصل عليها هذا الشعب بعد ثورة يناير، إلا أن هذا الانقلاب جاء فانتزعها منه.

في خضم تلك الأحداث وتطورها كان لكل من تلك المكونات والرموز دوره الفعلي وتأثيره في صنع تلك الأحداث بالمشاركة فيها، والتي تمحورت ما بين نجاح بعضًا من تلك المشاركات وفشل البعض الآخر.

في نهاية المطاف أدت تلك الأحداث إلى سيطرة القائمين بهذا الانقلاب على أركان ومفاصل الدولة المصرية، وتسنى لهم وضع أيديهم على أكبر دولة عربية، وأهم دولة في منطقة الشرق الأوسط، والتي يُنظر إليها على أنها رُمانة الاتزان في المنطقة وقوس السهم في السيطرة على المنطقة بأكملها، لذلك تكالبت كل القوى الخارجية عالمية وإقليميه – أجنبيه وعربية – ذات التوجهات الاستعمارية والصهيونية والتسلطية الديكتاتورية في السيطرة عليها ومُساعدة هذا الانقلاب في توطيد أركانه بشتى الطرق والوسائل مُستخدمين في ذلك أذرعهم وعملائهم في داخل القطر المصري وذلك حفاظًا على مصالح تلك القوى.

وفي خضم هذه الأحداث وخلال تلك السنوات السبع من عمر هذا الانقلاب تحركت تلك المكونات السياسية كلها داخل مصر وخارجها، وكان تركيزها على الخارج بسبب قيام قائد هذا الانقلاب ونظامه بالتضيق عليها في الداخل، واعتقال كل من له علاقة بها، وامتد الأمر إلى اعتقال وإنزال أقصى أنواع التنكيل بكل من يظهر معارضة له ولنظامه.

ونالت جماعة الإخوان المسلمين النصيب الأوفر والأكبر من هذا على اعتبار أن فكرها ذو بناء ومنهج إسلامي، وأنها الكيان الأكثر انتشارًا، والأكثر تأثيرًا، والمفروض أنها كانت الأقدر على حشد أكبر عدد ممكن من الشعب المصري خلف مختلف القضايا التي كانت تُطرح على الساحة، سواء الداخلية، أو الإقليمية، أو العالمية.

لذا كان التحرك الخارجي لتلك الكيانات هو الأكثر شيوعًا وظهورًا، ولهذا ظهرت كيانات أخرى جديده خارج مصر بعد هذا التضييق لم تكن موجودة من قبل

استخدمت كل هذه المكونات السياسية وسائل كثيره في تحركاتها منذ بداية الانقلاب تنوعت بين مُظاهرات في الداخل المصري واعتصامات ومشاركات عبر كثير من وسائل الإعلام، وإنشاء قنوات تليفزيونية، وعمل مؤتمرات داخلية وخارجية، وعمل وقفات أمام السفارات المصرية، وإصدار بيانات ومبادرات وعمل تحالفات وإرسال وفود من بعض أعضاء مجلسي الشعب والشورى الذين كانا موجودين بعد الثورة – وألغاهما هذا الانقلاب – إلى الدول الخارجية، وكذلك وزراء من حكومة الدكتور هشام قنديل – التي جاءت في عهد الدكتور محمد مرسى رحمه الله، أول رئيس شرعي مدنى منتخب في تاريخ مصر جاء بعد الثورة.

هذه التحركات وغيرها التي حدثت، سواء بعد الثورة مباشرة أو بعد الانقلاب قامت بها تلك الكيانات والقوى والرموز السياسية، إلا أن جميعها عجز عن أن يُلبي طٌمُوحات الشعب المصري وآماله في تلك المكونات والرموز السياسية!

وفشلت كل تلك القوى والكيانات والرموز السياسية – الذين أَّوجَدوا أنفسهم في الساحة وأصَروا على تصدُر مشهد العمل فيها – في أن يضعوا الشعب المصري على طريق التصحيح لمساره – الطريق شبه الأمثل في مواجهة هذا الانقلاب – حتى أنها فشلت في أن تجعله يسلك طريقًا خلفها.

وفشلت جميعها في أن تكون تلك القيادة المؤهلة لقيادة هذا الشعب أو تُوجد قائدًا يقوم بهذا الدور، أو أن تلتف الالتفاف الأمثل حول أول رئيس مُنتخب انتخابًا شرعيًا أوجدته الأقدار ليقود تلك البلاد، وفشلت جميعها دون استثناء لأي منها في أن تكون الداعم الأمثل والقوى له.

إلى هنا ينتهي الجزء الأول من هذه المقالة، وسوف أتابع في الجزء الثاني إن شاء الله محاولًا الوصول إلى الإجابة عن السؤال محور هذه المقالة.

فهل استغنى الشعب المصري حقًا عما كانت تُسمى رموزه ومكوناته من أحزاب وقوى سياسية وغيرها؟

وهل وجد في غيرها عوضًا عنه؟