DW :
انطلقت في لاهاي إجراءات محاكمة الجهادي المالي المعروف باسم “الحسن”. وقائمة الجرائم المنسوبة إليه طويلة منها: التعذيب والاغتصاب والاستعباد الجنسي. فمن هو هذا الجهادي الذي ارتبط اسمه بمدينة تمبكتو ذات المعالم التاريخية؟
في صحراء مدينة تمبكتو المالية ارتكب أفراد تابعون إلى إحدى الجماعات الإسلامية المتشددة عام 2012 جرائم قتل واغتصاب بحق مدنيين، كما قامو بتدمير الأضرحة الدينية. وكان “الحسن أغ عبد العزيز أغ محمد أغ محمود” واحدا من بين هؤلاء الأفراد، حسب ما توصل إليه محققو المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
ووفق الادعاء العام فإن “الحسن” لم يكن مجرد تابع من أتباع جماعة “أنصار الدين” الإسلامية المتشددة، بل كان أحد زعمائها من خلال شغله منصب رئيس الشرطة الدينية. وجاء في أمر القبض عليه أنّ الحسن ارتكب بشكل ممنهج جرائم إرهابية في حق سكان المدينة في الفترة الممتدة ما بين أبريل/ نيسان عام 2012 ويناير/ كانون الثاني عام 2013.
ووفق التحقيق فإن عنف المشتبه به كان موجها بشكل خاص ضد النساء. وقد ألقي القبض عليه في مالي عام 2018 وتم نقله إلى المحكمة الجنائية الدولية. وانطلقت محاكمته في لاهاي اليوم الثلاثاء (14 يوليو/ تموز 2020).
المسؤول عن تدمير التراث الثقافي
في عام 2018، اتهمت المدعية العامة في المحكمة الجنائية من غامبيا، فاتو بنسودا الحسن المولود في عام 1977، بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب” على أساس الأدلة التي تم جمعها. وقالت: “حسب تحقيقاتنا، فإن السيد الحسن مسؤول عن ارتكاب الجرائم الخطيرة التالية: المعاملة القاسية والتعذيب وانتهاك كرامة الآخرين، ولا سيما المعاملة المهينة والاغتصاب والاستعباد الجنسي.”
وأضافت فاتو بنسودا في رسالة فيديو رسمية أن الجرائم المذكورة تضاف إليها توجيه هجمات على المعالم التاريخية والمباني الدينية، فضلا عن إصدار عقوبات دون وجود حكم مسبق من محكمة مشكلة تشكيلا نظامياً. وقالت المدعية العامة: “أعيينا على الضحايا. نريدهم أن يحصلوا على العدالة التي يستحقونها. نريد محاربة الإفلات من العقاب، خاصة عندما يتعلق الأمر بمثل هذه الجرائم الخطيرة ضد الإنسانية. نريد أن نقدم مساهمة إيجابية في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في المجتمع”.
ما مدى تأثير الرجل داخل الجماعة؟
فما مدى قوة رئيس الشرطة المزعوم في تمبكتو التي كان يسيطر عليها الإسلاميون؟ هل ارتكب الجرائم التي اتُهم بارتكابها من تلقاء نفسه أم بناء على أوامر من سلطات عليا، مثل قيادة أنصار الدين؟ هذه هي الأسئلة الرئيسية التي يجب الإجابة عليها خلال مجرى هذه القضية.
وبينما يولي المدّعون أهمية كبرى للحسن، يرى توماس شيلر ذلك بشكل مختلف قليلاً. ويقر شيلر، مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية القريبة من الحزب المسيحي الديمقراطي، حزب المستشارة ميركل، في العاصمة المالية باماكو بأن الحسن لعب دورًا بارزًا في قيادة الجماعة الإسلامية المتطرفة، لكن هذا الدور كان يقتصر بشكل أساسي على مدينة تمبكتو.
ويقول شيلر إن الحسن “لم يكن شخصية بارزة ضمن القوى الإسلامية المتطرفة بشكل عام، ومن المؤكد أنه لم يلعب دورا رئيسيا في عملية بسط السيطرة التي قامت بها القوى الإسلامية المتطرفة في ذلك الوقت.”
وتمبكتو، التي تقع على بعد ألف كيلومتر شمال العاصمة، تسمى أيضاً لؤلؤة الصحراء” أو “مدينة الـ333وليا” وهي مصنفة ضمن التراث العالمي منذ عام 1988.
وفي عام 2012، سيطر مقاتلون من ائتلاف مكون من عدة جماعات إسلامية، بما في ذلك تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة أنصار الدين الإسلامية المتطرفة على مناطق واسعة في شمال مالي امتدت إلى تمبكتو أيضا، ودمروا المعالم الثقافة والدينية في المدينة. ويعتقد أن المتهم الحسن متورط في هذا التدمير.
وقال ممثلو الادعاء بأن الإسلاميين المتشددين فرضوا الحظر على الموسيقى والرقص والفن والرياضة باستخدام العنف. وبعد مرور أشهر، تم وضع حد للعنف الذي كانت المنطقة تشهده. ففي يناير/ كانون الثاني عام2013، تمت استعادة السيطرة على مدينة تمبكتو من قبل الجنود الماليين والفرنسيين.
هل المتهم معروف؟
وفيما إذا كان اسم الحسن معروفا في مالي، يقول توماس شيلر “إن الحسن اسم مألوف لكثير من الناس في تمبكتو. لكن من غير المرجح أن تكون غالبية الماليين قد سمعت به”. ويضيف: “لا ينبغي أن ننسى أن الغالبية العظمى من الماليين يعيشون في جنوب البلاد، وبالتالي لم يعايشوا الأحداث في تمبكتو في عام 2012.”
ومن المؤكد أن العملية لا تلعب دورًا مركزيًا في مالي وبالتالي “لن تتوجه أنظار معظم الماليين إلى ما يحدث في لاهاي، ولكنهم يبحثون عن تفسير حول استمرار تدهور وضع بلادهم الأمني كل يوم” .
ويذكر أن الحسن هو ثاني إسلامي مالي يحاكم في لاهاي. ففي عام 2016، حكمت المحكمة الجنائية الدولية على أحمد الفقي المهدي بالسجن تسع سنوات على خلفية تدمير مواقع مصنفة ضمن لائحة التراث العالمي، والتي صنفتها المحكمة للمرة الأولى كجرائم حرب.
وقد اعترف المهدي، أحد قادة ميليشيا الطوارق الإسلامية المعروفة باسم أنصار الدين، بجرائمه وطالب بالعفو. وربما يدلي الآن بشهادته ضد الحسن.
أنطونيو كاسياس/ إ.م