القدس العربي :
أبرز ملفات الخلاف بين تركيا وروسيا التي أدت إلى تأجيل زيارة الوفد الوزاري الروسي إلى أنقرة هو إصرار تركيا على استبعاد حفتر من العملية السلمية، ورفض روسيا لذلك.
إسطنبول-“القدس العربي”: تشير التصريحات الرسمية التركية بوضوح إلى أن أنقرة حسمت موقفها من ضرورة استبعاد خليفة حفتر من مستقبل الحل السياسي في ليبيا عقب الانتصارات العسكرية التي حققتها حكومة الوفاق وثبوت ارتكاب ميليشياته جرائم حرب في المناطق التي كان يسيطر عليها. إلا أن الغموض ما زال يحيط وبقوة حول موقف أنقرة من البديل الذي ستقبل فيه ممثلاً للشرق وما إن كان عقيلة صالح خياراً مقبولا أم لا.
وترى أنقرة أن التفوق العسكري الذي حققته حكومة الوفاق بالأسابيع الأخيرة بدعم تركي مكنها من السيطرة على غرب ليبيا بشكل كامل، بالإضافة إلى ثبوت ارتكاب حفتر وميليشياته جرائم حرب مختلفة ظهرت على شكل مقابر جماعية متفرقة ما زالت تتكشف تدريجياً، كل ذلك يتيح لها الإصرار على المطالبة باستبعاد حفتر من المشهد السياسي في ليبيا وظهور شخصية جديدة على الساحة تكون ممثلاً للشرق وشريكاً في حل سياسي مقبل للأزمة في ليبيا.
أبرز وأوضح هذه التصريحات، جاء على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، الخميس، حيث قال إن “الجنرال الانقلابي خليفة حفتر ليست له شرعية في ليبيا، لذلك يجب ألا يجلس إلى طاولة التفاوض وينبغي عدم مخاطبته. ليست له أي صلاحية أو شرعية” معتبراً أن الجهود المبذولة خلال مباحثات برلين وموسكو لإعلان وقف إطلاق نار باءت بالفشل بسبب موقف حفتر.
وفي تصريحات سابقة له بداية الشهر الجاري، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن حفتر يمكن أن يصبح خارج المشهد السياسي الليبي قريباً، وهي تصريحات كررها وزير الدفاع وعدد من المسؤولين الأتراك، وذلك في ظل تصاعد التسريبات أيضاً عن وجود نية من حلفاء حفتر لاستبداله باعتبار أنه بات غير مقبول على الصعيد الدولي ويضعف موقف داعميه.
وقبل أيام، أكدت مصادر تركية خاصة لـ”القدس العربي” أن أبرز ملفات الخلاف بين تركيا وروسيا التي أدت إلى تأجيل زيارة الوفد الوزاري الروسي إلى أنقرة هو إصرار تركيا على استبعاد حفتر من العملية السلمية خلال المرحلة المقبلة، ورفض روسيا لذلك.
وفي مقابل الإصرار التركي على استبعاد خليفة حفتر، لم تعلن أنقرة بعد عن الشخصيات أو الشخصية التي تقبل بها كممثل عن الشرق لبدء حوار والعودة إلى العملية السياسية في ليبيا، وعلى الرغم من أن أبرز الأسماء المطروحة والمتداولة هو عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق، إلا أن موقف أنقرة منه لم يتضح بعد.
وفي تصريح له للتلفزيون الرسمي التركي الناطق بالعربي ” TRTعربي” قبل أيام، وعقب تشديده على أنه “لا مستقبل لحفتر في ليبيا” توقع المبعوث التركي الخاص إلى ليبيا أمر الله إيشلر أن يكون لعقيلة صالح رئيس برلمان طبرق دور سياسي أكثر فاعلية وإيجابية خلال الأيام المقبلة.
وفي تصريحات أخرى أدلى بها إيشلر إلى موقع ميدل إيست أي البريطاني، قال إن “المفاوضات السياسية في ليبيا يجب أن يقودها السياسيون، وإن عقيلة صالح رجل سياسة ويجب أن يساهم في هذه العملية” لافتاً إلى أن مصر قد تبدأ في المساهمة في المفاوضات السياسية “من خلال التواصل مع حكومة الوفاق وإزالة مخاوفها الأمنية المشروعة”.
ولم تمض أيام قليلة جداً على هذه التصريحات حتى تسربت أنباء عن إقالة الرئاسة التركية أمر الله إيشلر من منصبه كمبعوث خاص إلى ليبيا، ورغم أن أنقرة لم تعلن ذلك رسمياً بعد، إلا أن مصدرا تركيا خاصا أكد لـ”القدس العربي” أن “إيشلر لم يعد يتابع الملف الليبي” لكن المصدر لم يؤكد أو ينفي ما إن كان إبعاد إيشلر جاء على خلفية تصريحاته حول المستقبل السياسي لعقيلة صالح.
في السياق ذاته، اعتبر مولود جاوش أوغلو أن “ابتعاد عقيلة صالح عن حفتر لا يكفي لدخوله العملية السياسية” مضيفاً: “الشخص الذي سيحل مكان حفتر، يجب عليه دعم الحل السياسي لا الحرب، من أجل أن يحظى باحترام في ليبيا” لافتاً إلى أن غالبية أعضاء البرلمان الذي يرأسه عقيلة صالح انتقلوا إلى طرابلس ولم يبق معه إلا القليل، وفق قوله.
والجمعة، نشرت وكالة “الأناضول” التركية تقريراً، جاء فيه: “لا شك أن صالح، أقل سوءا من حفتر، لكنه لحد الآن ليس الخيار المثالي للسلام ولوحدة البلاد، إلا أن عدة دول بدأت ترى فيه بديلا مقبولا يمكنه أن يفاوض الحكومة الشرعية، التي ترفض الجلوس مع حفتر، بعدما نسف عدة اتفاقات وتفاهمات سابقة” مشيرة إلى لقائه الرئيس الجزائري ومباحثاته الهاتفية مع وزير الخارجية الروسي.
وبالتالي، فإن كل المؤشرات والتصريحات الرسمية والتسريبات تؤكد إصرار أنقرة على استبعاد حفتر من العملية السياسية المقبلة في ليبيا، لكن ما لا يعرف حتى الآن ما إن كانت تركيا ومن خلال تنسيقها مع حكومة الوفاق قد رفضا عقيلة صالح أيضاً أو أنها مجرد مناورة لرفع سقف المفاوضات على أن يتم التوافق في النهاية على استبعاد حفتر واستبداله بعقيلة صالح لإعلان وقف لإطلاق النار واستئناف العملية السياسية.