تركيا وكغيرها من بلدان الشرق الأوسط، تتمتع بثراء عرقي وطائفي كبير، فالأتراك الذين يشكلون معظم تركيبة البلاد العرقية، هناك أيضًا الأكراد الذين يشكلون ما نسبته 15 إلى 20% من مجموع سكان الدولة، بالإضافة إلى ذلك، هناك تنوع طائفي كبير والذي يشكل المسلون السنة النسبة الأكبر منه، يليهم العلويون المشكلون لثاني أكبر تكوين طائفي في هذا البلد واليهود الذين جاؤوا في عهد الإمبراطورية العثمانية والمسيحيين أقدم القاطنين إلى الآن في تركيا، وكما أنّ هذا الثراء قد أدى لإضافة نوع من الجمالية لعادات وتقاليد البلد وأضفى تنوعًا ثقافيًا ملحوظًا، فقد جعل تركيا تعيش تحديات واقعية وأزمات داخلية شهدتها على مر مئات السنين. وهنا نتحدث عن أهم الطوائف الدينية في تركيا:
أولًا: العلويون
يعد العلويون أكبر أقلية دينية في تركيا فهم يشكلون حوالي 15% إلى 20% من نسيج المجتمع التركي، من الناحية النظرية يتبع العلويون للمذهب الشيعي ولكنهم يختلفون اختلافات عميقة وأساسية مع التفسيرات الشيعية للإسلام، وكذلك فإنهم يختلفون جدا مع السنة قولاً وفعلاً في تفسيرهم للإسلام، ينقسم العلويون في تركيا إلى مجموعتين رئيسيتين: علوية بكتاشية وعلوية قيزيلباشية، تشترك المجموعتان عقائديًا في الأمور نفسها لكنهما يختلفان في طريقة اكتساب الدين وفي مناطق الانتشار.
فالعلوية القيزلباشية تنتشر غالبا في المناطق الريفية ويُكتسب الدين عندهم فقط عن طريق التوريث، أما البكتاشيون فينتشرون في الأماكن الحضرية ويستطيع من يريد الانتماء لهم فهي ليست محصورة بالنسب، ينتمي العلويون إلى مجموعات عرقية مختلفة فمنهم الأكراد والأتراك وقليل من العرب ولهذا فكل مجموعة تتحدث بلغتها وتقيم الشعائر الدينية بها، العقيدة العلوية وكغيرها من المعتقدات الباطنية (مصطلح يطلق على بعض الفرق ـ الإسلامية وغير الإسلامية ـ التي لم تقف في قضية «التأويل» عند حدود وإنما ذهبت فيها مذاهب الغلو والتعميم والإطلاق) فإنّ أسرارها ليست متاحة لكل الأتباع ولا يستطيع معرفة هذه الأسرار إلّا كبار الشيوخ الذين توسعوا في فهم العقيدة وأصبحوا مهيئين لتلقي كل الأسرار.
يؤمن العلويون بالنبي محمد وبالقرآن ولكنهم يفسرونه بطريقة مختلفة كما أنهم لا يقومون بصوم رمضان بل يصومون 10 أيام من شهر محرم (ذكرى استشهاد الحسين) ولديهم أماكن عبادة معينة ولا يسجدون في صلاتهم والزكاة ليست فرضًا، ولكنهم يشجعون ويحثون على الصدقات والتكافل الاجتماعي.
أما اليوم وفي عهد العدالة والتنمية فتمثيل العلويين في البرلمان التركي قليل نسبيًا فهم يشكلون ما نسبته 5% تقريبًا من أعضاء المجلس وعلى سياق آخر فقد قام الرئيس أردوغان في عام 2011 بالاعتذار رسميًا عن مجزرة درسيم، والتي وقعت عام 1937 والتي قتل على أثرها المئات من الطائفة العلوية نتيجة انتفاضة قاموا بها ضد سياسيات الحزب الجمهوري الحاكم في تلك الفترة، كما أنه وفي عام 2015 وعلى أثر حزمة إصلاحات أطلقها رئيس الوزراء التركي آنذاك أحمد داوود أوغلو فقد تم الاعتراف رسميًا بدور العبادة العلوية والتي تسمى «بيت الجمع».
ثانيًا: المسيحيون
لا توجد تقديرات رسمية تشير إلى أعداد المسيحيين الدقيقة في تركيا، ولكن تشير بعض الإحصائيات إلى أنّ أعدادهم تتراوح بين 200 ألف إلى 250 ألف نسمة.
يعد الأرمن و السريان أكبر الفئات المشكلة للمسيحيين في تركيا، كانت تقدر أعداد الأرمن بحوالي مليونين نسمة أيام الدولة العثمانية أما الآن فتتراوح أعدادهم بحوالي 60 ألف نسمة يعيش أغلبهم في مدينة إسطنبول، يتبع الأرمن في معظمهم للعقيدة الأرثوذكسية المسيحية والأرثوذكسية: هي المسيحية التقليدية أو الأصولية وهم الذين لم يغيروا آراءهم بل حافظوا على شكل العقيدة القديمة بعد حدث مجمع خلقيدونية عام 451 والذي اجتمع فيه رجال الدين المسيحيون من كل انحاء البلاد لمناقشة العقيدة والاتفاق على فهمها.
أما عن وضعهم الحالي فيقول البطريرك الـ85 للكنسية الأرذوكسية في إسطنبول إسحاق ماشاليان لصحيفة أكشام اليومية: يتفق الجميع أن كل الأقليات الدينية في تركيا تعيش أفضل فترة لها في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، مضيفًا أن التعديلات التي أدخلت لقانون المؤسسات في عام 2008 كانت ذات أهمية بالغة في هذا الصدد وأضاف أن حجة الأقليات قد استخدمت كثيرًا في التدخل بشؤون تركيا الداخلية، كما قال البطريرك بأنّ الجالية المسيحية مسرورة جدًا من اهتمام الدولة ورعايتها، مشيرًا إلى أنهم يستطيعون التواصل بسهولة مع الرئيس رجب طيب أردوغان مباشرة، في حين يقوم الوزراء بزيارات متكررة، كما يكرس والي إسطنبول اهتمامًا كبيرًا لحل مشاكلهم دائمًا.
ثالثًا: اليهود
كانت الإمبراطورية العثمانية من الأماكن القليلة في العالم، حيث يمكن لليهود العيش فيها بحرية مع إعطائهم حقوق كاملة في التجارة من دون قيود مع إمكانية إنشاء أماكن دينية خاصة بهم، بعكس أوروبا والتي عاش فيها معظم اليهود في تلك الفترة حياة صعبة جدًا، حيث اضطروا غالبًا إلى إلى المكوث في أماكن ضيقة تسمى الأحياء اليهودية، وحرموا من حق التملك وإنشاء المطابع ونشر الصحف، كما أن تركيا استقبلت اليهود الفارين من ألمانيا النازية ووفرت لهم مكانًا آمنًا لهم ودعا أتاتورك العديد من الأساتذة اليهود البارزين للاستقرار في تركيا آنذاك.
تتراوح أعداد اليهود في تركيا اليوم بين 15 ألف إلى 21 ألف نسمة حسب عالم الديمغرافيا السكانية في الجامعة العبرية سيرخيو ديلا بيرجولا معظمهم من اليهود السفاردية القادمين من إسبانيا والبرتغال هربًا من المذابح ومحاكم التفتيش التي كانت تحصل بحق المسلمين واليهود هناك، تعيش الغالبية العظمى منهم اليوم في مدينة اسطنبول كما يوجد حوالي 2500 يهودي يعيشون في مدينة أزمير، حاليًا وكمعظم الأقليات في تركيا يعيش اليهود ضمن ظروف حرية كبيرة فيوجد اليوم 29 كنيسًا نشطًا لليهود في إسطنبول وحدها منها كنيس نيفي شالوم في حي كاراكوي وكنيس أهريدا في حي بلاط الأثري، لليهود مدارس خاصة بهم تضم حوالي 600 طالب على مختلف المراحل التعليمية، ولليهود أيضًا صحيفة أسبوعية خاصة بهم «شالوم» تنشر في اللغة التركية وتوزع في إسطنبول.
وتضم تركيا الكثير من الأعراق والطوائف الأخرى فعلى سبيل الذكر لا الحصر، هناك حوالي 50 ألف ألباني يعيشون في تركيا بالإضافة إلى اللاذ المتحدثين باللغة التركية والذين يقطنون على امتداد سواحل البحر الأسود في تركيا، وهناك أيضًا العلويون السوريون أو النصيرية والروس والأستونيون وغيرهم.