الخليج الجديد :
سعى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” منذ فترة طويلة إلى تجنب مواجهة زعيمي تركيا وروسيا، باعتبارهما رئيسين قويين يتنافسان في سوريا وليبيا. ولكن بعد غارة جوية يوم الخميس أسفرت عن مقتل العشرات من القوات التركية في شمال غرب سوريا، قد يضطر “ترامب” لاختيار طرف ينحاز إليه.
انخرط كل من الحليفين الظاهريين -الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والتركي “رجب طيب أردوغان”- في نزاعين دمويين في ظل عدم الاستقرار في الشرق الأوسط؛ ما يهدد بمزيد من موجات اللاجئين إلى أوروبا.
على الرغم من الدعوات الدولية لمزيد من التدخل الأمريكي، فقد نأى “ترامب” عن التدخل الكبير في أي من الصراعين، وهو قرار يتفق مع تعهده بالانسحاب من حروب العقدين الماضيين “التي لا تنتهي”.
- محاولة تركية للتوحد
لكن مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية أوضحوا أنهم يرون روسيا مثيرة للاضطرابات، خاصة في سوريا، ويسعى الأتراك، الذين يدركون جيدا النظرة المشوبة بانعدام الثقة لهم في الكونجرس وداخل حلف “الناتو”، إلى استخدام كلا النزاعين لكي يظهروا للولايات المتحدة أنه يتعين عليها تنحية عام من الدبلوماسية المتوترة والتوحد ضد خصم مشترك وهو موسكو.
بقيت تفاصيل هجوم الخميس غامضة، ولم يكن من المؤكد ما إذا كانت روسيا أم حلفاؤها في سلاح الجو السوري هم من نفذوا الهجوم الذي أودى بحياة 33 جنديا تركيا على الأقل في مدينة إدلب، التي أصبحت الآن مركز الأزمة السورية.
وفي كلتا الحالتين، يؤكد المسؤولون الأمريكيون والأتراك أن روسيا توفر الحماية لجرائم النظام السوري.
ألقى وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” باللوم على روسيا، الثلاثاء، في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى إدلب، وقال إن رئيس النظام السوري “بشار الأسد” بدأ عدوانا جديدا وحشيا هناك بدعم من موسكو وطهران.
ودعا اليسناتور “ليندسي جراهام”، وهو سيناتور جمهوري من كارولينا الجنوبية وحليف مقرب من “ترامب”، الخميس، إلى إنشاء منطقة حظر طيران فوق إدلب لإنقاذ الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء من الموت الرهيب.
- “ترامب” مشتت بين الطرفين
بينما لاحظ الخبراء أن “ترامب” قد تكون لديه مشاعر منقسمة؛ حيث قال “جيفري إدموندز”، الذي تعامل مع قضايا روسيا في مجلس الأمن القومي تحت إدارة “ترامب” وأيضا أثناء إدارة الرئيس السابق “باراك أوباما”: “هناك بالتأكيد توتر لأن ترامب بدا وكأنه منجذب إلى الرئيسين. إنه مؤيد لروسيا في معظم الأوقات فيما هو في موقف صعب تجاه تركيا”.
في الأسبوع الماضي، قلل “ترامب” مرة أخرى من شأن الأدلة التي تُظهر أن موسكو حاولت التأثير على الانتخابات الرئاسية لعام 2016 لصالحه، قائلا: “روسيا وروسيا وهراء روسيا”، وبعد دقائق، تحدث أيضا عن مكالمة هاتفية حديثة مع “أردوغان” حول إدلب، وأضاف: “إننا نعمل معا على رؤية ما يمكن القيام به”.
كان الدبلوماسيون ينتظرون لمعرفة ما إذا كان “أردوغان” سيتوجه إلى “الناتو” بعد الهجوم للحصول على الدعم بموجب بند الدفاع المشترك للحلف.
أحبط الزعيم التركي أعضاء “الناتو”، وربما واشنطن أكثر من أي أحد آخر، بالإجراءات التي اتخذها بشكل أحادي الجانب وتشمل شراء أنظمة دفاع جوي روسية؛ ما أدى إلى تهديد أمريكي بفرض عقوبات.
قالت السفيرة الأمريكية في “الناتو”، “كاي بيلي هتشيسون”، الخميس، إن الحلف لم يناقش ما إذا كان يمكن تطبيق المبدأ الأساسي للمنظمة على تركيا (يقتضي بأن الهجوم على دولة عضو واحدة هو هجوم على الجميع). ومع ذلك، لم يستفد “ترامب” من الأدوات غير العسكرية المتاحة له للتأثير على الأحداث في سوريا أو ليبيا.
قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان التركي “فولكان بوزكر”، هذا الشهر، إن بلاده تدرك أنها تواجه لحظة حاسمة في علاقاتها مع الولايات المتحدة،. وأشار بشكل خاص إلى النزاعات في ليبيا وسوريا باعتبارها مواقف تحتاج فيها كل من تركيا والولايات المتحدة إلى بعضهما البعض.
وأضاف “بوزكر” للصحفيين في واشنطن يوم 12 فبراير/شباط: “يجب أن تكون الولايات المتحدة قوية، ويجب أن تكون تركيا قوية، للتغلب على كل هذه الأحداث”.
تدافع روسيا عما تصفه بحملة “الأسد” العسكرية ضد الإرهابيين وتزعم أنه لا يمكن إقناع رئيس النظام السوري بحماية المدنيين المحاصرين وسط تبادل إطلاق النار.
وقال “بوزكر”: “إذا كان هناك هجوم من قبل النظام السوري باستخدام طائرة أو صاروخ أو حدث هجوم بالقنابل، فلا يمكن القيام بذلك دون علم الروس”.
ودعا دبلوماسيون أمريكيون تركيا وروسيا وقوات أجنبية أخرى إلى منع تفاقم النزاع في كل من ليبيا وسوريا، والتمسك بدلًا من ذلك باتفاقات وقف إطلاق النار وتطبيقها كطريق للوصول إلى تسويات يتم التفاوض عليها.
وقال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، “روبرت أوبراين”، في مؤسسة “المجلس الأطلسي” هذا الشهر: “لا أعتقد أن أي شخص في هذا البلد على استعداد لإرسال قوات 82 المحمولة جوا إلى تلك البيئة الفوضوية لمحاولة حل مشكلة أخرى ليست من صنعنا في سوريا”.
- روسيا لا تساعد
خلال الأشهر القليلة الماضية، وفي مواجهة حشد اللاجئين على حدودها، دفعت تركيا الآلاف من الجنود وأنشأت مراكز مراقبة في إدلب كجزء من اتفاق مع روسيا وإيران للحد من العنف في سوريا.
وقال مسؤول كبير في إدارة “ترامب” إن روسيا هي على الأرجح القوة الوحيدة التي يمكن أن تقنع “الأسد” بالتراجع، في كل من إدلب وحلب، مع كونهما ميزة استراتيجية في الحرب السورية.
حتى الآن لم يحدث هذا، وقال المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن سوريا وتنظيم “الدولة”، “جيمس جيفري”، إنه من غير الواضح ما إذا كانت روسيا عاجزة عن كبح “الأسد” أم أنها ببساطة اختارت عدم القيام بذلك.
وأضاف “جيفري”، للصحفيين يوم 5 فبراير/شباط، أن “روسيا لا تساعد”.
- ليبيا جبهة ساخنة أخرى
كما انحازت تركيا وروسيا لطرفين متعارضين في ليبيا، حيث يتصارع الجنرال السابق بالجيش الليبي “خليفة حفتر” وقواته مع الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة.
انحازت روسيا إلى “حفتر”، وهو مواطن ليبي أمريكي ومساعد سابق للاستخبارات الأمريكية، اتُّهم بالتعذيب. يحظى “حفتر” أيضًا بدعم السعودية ومصر والإمارات، وجميعهم حلفاء للولايات المتحدة. تعد الإمارات هي المورد الرئيسي للأسلحة والطائرات المقاتلة لـ”حفتر”.
لكن موسكو، التي تسعى إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، نشرت أيضًا أسلحة وما يصل إلى 1400 مرتزق مع شركة الأمن الخاصة الروسية “فاجنر” لمساعدة “حفتر”، وساعدت جيشه على أن يعد حكومة منافسة، بما في ذلك طباعة العملة.
في جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ هذا الشهر، ذكر دبلوماسي أمريكي رفيع ليبيا وسوريا في نفس الوقت في خضم لومه للدور العسكري الروسي في تصعيد الحرب في البلدين.
وقال نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية “كريستوفر روبنسون” إن الدعم العسكري والسياسي الروسي لـ”الأسد” “غذى صراعا كلف أرواح مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء وأجبر الملايين على الفرار”.
وأضاف: “ليبيا الآن تخاطر بأن تصبح المكان التالي لجهود روسيا الخبيثة لاستغلال النزاعات الدولية لتحقيق مكاسبها السياسية والاقتصادية الضيقة”.