اللغة الآشورية هي لهجة من اللغة الأكادية كما اللغة البابلية، وقد اشتهر الآشوريين بإنجازاتهم الحضارية وامتداداتهم التوسعية،أما من الناحية الثقافية بشكل عام فهي كما الأكادية متداخلة مع ثقافة الهلال الخصيب، ومتواصلة مع الثقافات الحورية والحثية والإيرانية، ومن الناحية الدينية فإن للإله آشور المكانة الأولى بين الآلهة كما حملت مدينة آشور أسمه بعد أن كان يشار إليها باسم (بال تـِل)
تواجد الآشوريين بشكل أساسي في مدينة آشور ومدينتي نينوى وأربيل، وقد كان النشاط الأهم للآشوريين هو التجارة حيث وصلت تجارتهم حتى كبودوكيا في غرب الأنضول وأسسوا هناك العديد من الموانئ (المستعمرات) التجارية
المملكة القديمة :
يمكن تتبع وجود الآشوريين في منطقة دجلة الوسطى منذ الألف الثاني قبل الميلاد، فقد وسع (شمشي آدد 1745-1712 ق.م) والذي ينتمي لأسرة أمورية، سيطرت مدينة آشور على منطقة شمال بابل إثر تراجع السيطرة السومرية- الأكادية ، وكان(شمشي آدد) قد بدأ حكمه في مدينة (شباط إنليل) -تل ليلان سوريا في حالياً – ولقب نفسه (ملك الكل ) وبذلك بدأت فترة النفوذ الآشوري القديمة في منطقة الهلال الخصيب والتي استمرت من 1800 حتى 1375 قبل الميلاد إلا أن الجزء الأكبر من بلاد مابين النهريين بقي في هذه الفترة تحت سيطرت بابل، وسع الآشوريين في هذه الفترة نشاطهم التجاري وأنشؤوا شبكة تجارية واسعة و العديد من المناطق (المستعمرات) التجارية في الأناضول، للتجارة بالمعادن، تلا ذلك فترة تنازع على النفوذ في سوريا مع الحوريين الذين أسسوا مملكة ميتاني والحيثيين، وقد تمكن الملك( شلمنصر الأول) من حولي 1400 ق.م من إخضاع ميتاني التي خضت من الضغط الحيثي من الشمال ثم عادت المملكة لتخضع لميتاني بعد الضعف الذي أصابها نتيجة الهجوم الحيثي 1450 ق.م
المملكة المتوسطة :
تمكن (آريبي آداد 1392- 1366 ق.م) من تخليص آشور من السيطرة الميتانية، إلا أنه كان على أشور خوض المزيد من المعارك مع (Hanigalbat) الموقع الذي أسسه الحثيين، وذلك لسيطرة على المنطقة
تمهيد الطريق :
بقيادة (آشور أوبليط الأول 1363- 1328 ق.م) بسطت أشور نفوذها على جنوب بلاد الرافدين، ولتدعيم علاقته مع بابل، زوج ابنته لملكها، إلا أن قتل حفيده في إحدى العصيانات في بابل دفعه لدخولها وتعيين حاكم جديد فيها
ذروة النفوذ الأولى :
بعد النصر الذي حققه (توكولتي نينورتا 1244- 1207 ق.م) على الحثيين والبابليين، نال لقب (مللك الكل) وتجدر الإشارة أن في عهده تظهر أول إشارة لعملية التوطين والنفي ، والتي طبقت في الدولة الآشورية الحديثة بشكل واسع، إلا أنه نتيجة للخلافات الداخلية في الأسرة الحاكمة خسرت الدولة الآشورية بابل لعيلام، ليعاود بعد ذلك الملك (آشور ريشايشي 1132- 1115 ق.م) سياسة التوسعات ممهداً الطريق أمام ابنه
التوسع إلى البحر الأبيض المتوسط :
تابع الملك (تغلات بلاصر الأول 1114- 1076 ق.م) سياسة أبيه التوسعية وقد استخدم الجيش في عهده الأسلحة الحديدية لأول مرة، وقد مكنه ضعف الكاشيون المسيطرون على بابل حينها من إعادتها لسيطرة الآشورية، وتقدم في الشمال والغرب بسهولة- كون الدولة الحيثية لم يعد لها وجود – ليصل سواحل المتوسط ويصف في إحدى النصب رحلة بحرية له يصطاد فيها حيوان بحري (ربما دلفين)، إلا أن من لحقه من الحكام لم يستطيعوا المحافظة على المملكة الواسعة النفوذ،كما كان لتزايد وجود ونفوذ الآراميين في شمال الهلال الخصيب دوراً في انحسار النفوذ الآشوري في المنطقة
المملكة الحديثة :
ساهم الملوك الذين حكموا مباشرة قبل (آشور ناصربال الثاني 883- 859 ق.م) في إحكام النفوذ الآشوري على شرق الهلال الخصيب، إلا أن ( آشور ناصربال الثاني) كان قد وضع نصب عينيه الطرق الموصلة إلى البحر الأبيض المتوسط والتي كانت ضمن الدولة الآشورية زمن ( تغلات بلاصر الأول )، وهذا ما دفعه لتقنية إنشاء الحصون في المناطق المسيطر عليها خلال مسيرته نحو إخماد العصيانات التي كانت تحدث في المنطقة البعيدة عن مركز المملكة، أما ابنه (شلمنصر الثالث 858- 824 ق.م ) فقد وسع حدود الدولة وخاض معارك عدة في الجناح الغربي للهلال الخصيب أشهرها معركة قرقره شمال مدينة حماة عام 854 ق.م، والتي واجه بها تحالف من المالك الآرامية-الكنعانية التي أخرت السيطرة الآشورية على غرب الهلال الخصيب إلى حين ، وفي إحدى النصوص التذكارية لمعاركه يقول:
” لقد هزمت هدد عدر ملك إميريشو مع اثني عشر أمير من حلفائه، وجندلت 29000 من محاربيه الأقوياء، ودفعت بمن تبقى من قواته إلى نهر العاصي، فتفرقوا في كل اتجاه يطلبون أرواحهم، هدد عدر انتهى واغتصب العرش مكانه حزئيل ابن لا أحد، فدعا الجيوش الكثيرة في وجهي، فقاتلته وهزمته وغنمت كل مراكبه، أما هو فقد هرب طالباً حياته، فتعقبته إلى دمشق مقره الملكي، حيث قطعت أشجار بساتينه ” أيضاً واجه ( شلمنصر الثلث ) تحد جديد من قبل مملكة أورارتو في جبال الأنضول الشرقية
الأزمات الداخلية :
لم يكن من الممكن للحكام اللاحقين بعد(شلمنصر الثالث)الحفاظ على مناطق نفوذ الدولة وذلك للأزمات الداخلية التي حاقت بالمملكة بدءاً من عهد ( شلمنصر الثالث ) نفسه ولمدة 80 عاماً تليه، وزاد في الصعوبات، المواجهات المستمرة مع مملكة أوراراتو التي استعصت على الجيش الآشوري لطبيعة الجبلية القاسية فيها والمعارك التي خاضها ابنه (هدد نيراري الثالث) في إعادة النفوذ كانت التمهيد للمرحلة القادمة
إصلاح الأقاليم :
عندما أعتلا تغلات بيلاصر الثالث ( 745- 727 ق.م )العرش كانت تفتك بالدولة الآشورية أخطار العصيانات والتمردات وكذلك الخطر القادم من الشمال عبر( أورارتو) لم يتضح حتى اليوم كيف وصل ( تغلات بيلاصر الثالث ) إلى الحكم، وكون استلامه الحكم كان عن طريق تمرد عسكري قام به، يرجحه عدم انتمائه للأسرة الحاكمة ويخمّن بعض الباحثين أن يكون أحد ولاة المقاطعات الآشورية الكبيرة، الذين نما سلطانهم وأصبحت مناصبهم وراثية، وما أن استلم الحكم حتى ضاعف عدد الولايات كخطوة للحد من قوة حكام الولايات بتصغير ولاياتهم وبالتالي منعهم من المنافسة على عرش الإمبراطورية
الطريق نحو الإمبراطورية :
كان الهم الأول لـ (تغلات بيلاصر الثالث) الحفاظ على الجزء الغربي من الهلال الخصيب المنفذ البحري الأهم للدولة الآشورية وكذلك الحفاظ على المراكز التجارية في هذا الجزء، وقد تمكن من ذلك عبر سلسلة من المعارك أهمها المعركة التي أنها بها القوة الأكبر في المنطقة، مملكة دمشق ، عام 733 ق.م وتوجه بعدها لترسيخ الحكم في الدولة الممتدة من الخليج العربي حتى سيناء، كما كانت عليه سابقاً في زمن ( آشور ناصربال ) و ( شلمنصر الثالث ) قبل ذلك بحدود المائة عام والتي لم يحافظ عليها، وهذا ما أراد ( تغلات بلاصر الثالث) عدم تكراره قام بتقسيم الدولة إلى مقاطعات – إدارات تحكم من قبل ولاة يعينهم بنفسه، وعمل على تطبيق سياسة الترحيل الإجباري ( النفي والتوطين) لمجموعات كبيرة طالت المئات من المدن والقرى في المنطقة بما في ذلك الآشوريين أنفسهم الذين وطنوا بالآلاف أحياناً في المناطق الحدودية والأقاليم الزراعية البعيدة ، وعكساً بعض المدن التي تم ترحيل سكانها إلى العاصمة الآشورية والمدن المحيطة بها ، وحسب النصوص يمكن الحديث عن نقل 100000 إنسان فقط في زمن ( تغلات بيلاصر الثالث )، مما سهل عملية السيطرة على أرجاء الدولة، بقطع الروابط الدموية – العشائرية بين المهجرين وجماعاتهم السابقة وجعلهم معتمدين بأماكنهم الجديدة على الدولة في تدبير أمورهم مما ساهم في عملية مزج للبشر في المنطقة وساهم أيضاً في إضعاف اللهجات- اللغات المحلية لتحل محلها لغة جامعة. بالإضافة لذلك كله كانت عقوبات (تغلات بلاصر الثالث )للجماعات المتمردة على الدولة تصل درجة الوحشية وهي مسجلة في حولياته بتفاصيل لتكون عبرة لمن يراها كما قام (تغلات بيلاصر الثالث) بتتويج نفسه في بابل بعد قلاقل حدثت هناك، وبذلك يتوحد التاج الملكي لبابل وآشور لأول مرة في التاريخ وبعد موته عام 727 ق.م ترك لابنه (شلمنصر الخامس) دولة قوية حسنة التنظيم
ذروة القوة :
لم يقدر( شلمنصر الخامس) على الحكم طويلاً ففي العام 722 ق.م يعتلي ( سرجون الثاني 722- 705 ق.م) العرش إثر تمرد قاده ،المعلومات عنه قليلة ويقول الكثير من الباحثين بأنه ليس أحد ورثة العرش من السلالة الملكية، وأحد الدلائل هو عدم ذكر سلفه أبداً في حولياته، وبعد أن استقر له الأمر توجه لضبط الأوضاع حيث جنحت بعض مدن المملكة لتمرد وذلك قبل توليه الحكم توجه أولاً نحو بابل حيث كان الأمير (مردوخ آبلا عدياني) قد نصب نفسه على العرش ولم يتمكن من هزيمته فعقد معه اتفاقاً وتوجه غرباً ليضم قبرص وأسيا الصغرى ويعقد مع ( الفريجين ) هدنة ثم أن الوقت كان قد حان لتوجيه ضربة لأورارتو تنهي التهديد الذي مارسته على آشور، وتم له ذلك في العام 714 ق.م وكانت نهاية هذا التهديد فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي فتوجه ( سرجون الثاني ) مجدداً إلى بابل في العام 710 ق.م ،وما كان من ملكها إلا أن فرّ جنوباً
هذا وكان ( سرجون الثاني ) قد أمر في العام 717 ق.م ببناء مقر جديد للحكم باسم (دور شروكين= قلعة سرجون) بالقرب من خورسيباد الحالية وانتهى العمل بالبناء عام 706 ق.م وأسكن فيها مجموعات من المرحلين كما يشير نصه:
” أخذت غنائم بأمر الإله آشور سيدي أقوام من الجهات الأربعة، بألسنة غريبة ولغات مختلفة، كانت تسكن في الجبال والسهول […]جعلت غايتهم واحدة، وجعلتهم يسكنون هناك في (دور شروكين)، وأرسلت مواطنين من بلاد آشور، مهرة في كل شيء مراقبين ومشرفين لإرشادهم على العادات ولخدمة الآلهة والملك ”
إلا أن هذا المقر لم يستخدم كمقر للحكم بسبب موت (سرجون الثاني ) بعد سنة من هذا التاريخ في أحد المعارك، بعد وفاته تولى ابنه( سنحاريب 704 – 681 ق.م ) العرش، ونقل العاصمة إلى نينوى، حيث أمر بتحسينها و ببناء قصور ومعابد وأقنية فيها، وخاض معارك عديدة في سبيل المحافظة على الدولة فأخمد العصيان البابلي عام 701 ق.م وتوجه غرباً ليخضع من تمرد من مدن غرب الهلال الخصيب، وأخيراً اصطدم بقوات الملك المصري (ترقا ) و لم يستطيع هزيمتها، فقفل عائداً بعد نشوب تمرد جديد في بابل والذي أنهاه ( سنحاريب ) في العام 689 ق.م مسبباً دماراً كبيراً في المدينة وما حولها.
بعد موت ( سنحاريب ) تولى ابنه الأصغر( اسرحدون 681- 669 ق.م ) وأولى أعماله كانت إعادة بناء بابل وإعادة المهجرين منها، كذلك وطد علاقاته مع الميديين في الشمال الشرقي، وقد أخمد تمرد صيدا التي ثارت في عهده، كما وطد علاقاته مع التجار العرب في أعالي شبه الجزيرة العربية حفاظاً على خطوط القوافل التجارية من جنوب العربة حتى مصر عبر سيناء توجه في العام 675 ق.م إلى مصر عابراً سيناء بمشقة وبعد معارك عديدة حتى 671 ق.م هزم الجيش المصري بقيادة ترقا و دخل منفس العاصمة، معاناَ نفسه ملك على مصر السفلى والعليا وعلى أثيوبيا، إلا أن هذا الوضع لم يدم طويلاً كان (اسرحدون ) قد وصى بأن يحكم ابنه (شمش شم اوكن ) بابل وابنه (آشور بانيبال ) نينوى، وهذا ما حدث بالفعل بعد وفاته بالعام 669 ق.م
بقيادة (آشور بانيبال 669- 627 ق.م ) بلغت الدولة الآشورية أقصى امتداد لها في تاريخها ، فإضافة إلى الهلال الخصيب شملت مصر بإخضاعه عاصمتها طيبة وإيران بإخضاعه عاصمتها سوسا، كما ازدهرت المملكة ليس فقط سياسياً وإنما أيضاً اقتصادياً وثقافياً، والأرشيف الضخم الذي جمع في عصره يعتبر من أكبر مكتبات العالم القديم، عقب موته توالت سنوات ليست جيدة التوثيق
الاضمحلال :
في العام 616 ق.م زحف (نابو بلاصر 625- 606 ق.م) حاكم بابل ومؤسس الدولة البابلية الحديثة بمعونة الميديين واخضع أشور عام 614 ق.م في عهد الابن الثاني لـ ( آشور بانيبال) الملك ( سين شار اوشكن) وبعد معارك أخرى أخضع نينوى في العام 612 ق.م وبذلك كانت نهاية الوجود السياسي الآشوري لقد كان التوسع الذي حققته الدولة الأشورية سبباً من أهم الأسباب التي أدت إلى نهايتها.