برلين (د ب أ)-تدرك الأسر ذات الأطفال هذه الحقيقة جيدا، حيث تضطر لإنفاق دخلها على ملابس أبنائها وألعابهم وهواتفهم المحمولة ، أو دفع رسوم حضانة اليوم الكامل أو شراء الكتب المدرسية أو دفع اشتراك الحافلة، ويزداد الأمر سوءا عندما يتعلق بالأسر ذات الدخل المحدود.
فإذا أضيف إلى ذلك، على سبيل المثال، إيجارات السكن المرتفعة، فإن الأسرة تقترب من التعرض لضائقة مالية، وذلك رغم الدعم المالي الذي تقدمه الدولة لمثل هذه الأسر، ومن بينه المخصصات المالية للأطفال.
بناء على ذلك قررت ولاية برلين الألمانية، التي يحكمها ائتلاف من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار وحزب الخضر، أن تتصدر حركة على مستوى ألمانيا، تهدف للوصول بعروض تعليمية لعدد أكبر من الأطفال، وإعفائهم من تكاليف التعليم.
وبذلك تكون العاصمة الألمانية، التي يتلقى نحو ثلث أطفالها دعما ماليا ضمن الدعم الذي تقدمه الولاية للأسر، في إطار المساعدات الاجتماعية المعروفة بـ “هارتس فير”، قد قطعت شوطا أبعد من أي ولاية ألمانية أخرى، حيث ألغت بالفعل منذ عام 2007 رسوم رياض الأطفال، تدريجيا، وأصبحت رعاية الأطفال في رياض الأطفال مجانية تماما منذ عام، مع منح الأطفال الحق في سبع ساعات رعاية يوميا، في هذه الرياض، دون أن يضطر الآباء لإثبات أحقيتهم في هذا الإعفاء.
ولم يعد أي تلميذ في مدارس العاصمة برلين مضطرا لدفع رسوم الكتب المدرسية.
والآن أتبعت حكومة الولاية هذه الإعفاءات بخطوات أخرى، حيث قررت إعفاء أسر الأطفال من رسوم أول عامين في دور رعاية الأطفال، وأصبحت وجبة الغداء المدرسي مجانية، وذلك لتوفير وجبة غداء ساخنة لكل طفل فعلا.
علاوة على ذلك فإن هناك بطاقة لركوب حافلات العاصمة وقطاراتها الداخلية، لجميع تلاميذ العاصمة البالغ عددهم نحو 360 ألف تلميذ، وسيتم خفض رسوم اشتراك المواصلات الخاص بطلبة التعليم الفني.
كل هذه الإجراءات تكلف الحكومة المحلية نحو 225 مليون يورو سنويا، وتساهم في خفض أعباء كل أسرة ذات طفل واحد، على الأقل، بما يصل إلى 1400 يورو سنويا.
يقول رائد صالح، أحد مؤسس المشروع، و رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحكومي الذي يحكم برلين: “نريد أن نجعل من برلين أكثر مدن العالم صداقة للأطفال”.
حذر صالح من أن يصبح توفير التعليم الجيد للأطفال مرهونا بحافظة نقود آبائهم، وهو نفس ما تراه وزيرة التعليم في ولاية برلين، زاندرا شيريس، زميلته في الحزب، حيث تقول: “نريد فعلا فتح الطريق أمام جميع الأطفال للوصول للنظام التعليمي، واستيعابهم في عرض اليوم الكامل الذي نوفره، حيث يعيشون هنا بالفعل وبشكل مبكر، الدعم الهادف لهم”.
وفي الوقت ذاته تخفف حكومة ولاية برلين على كاهل الأسر، وذلك لجعل العيش في برلين “في مقدور الجميع”.
لا تستطيع المعارضة في برلين، التي تعاني من ديون تبلغ 57 مليار يورو، الحصول على شيء من هذه الأموال التي تمطر بها الحكومة الأسر التي تمتلك ملايين اليورو والأسر التي تحصل على مساعدات اجتماعية على السواء.
يرى ماريو تشايا، نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب المسيحي الديمقراطي، المعارض، أن “التعليم الجيد لا يتوقف على الإعفاء من الرسوم”، خاصة وأن هناك بالفعل كثيرا من التلاميذ الذين ينحدرون من أسر تحصل على إعفاءات مالية.
وذهب تشايا إلى أن “هذه الإعفاءات تخفف من أعباء الطبقة المتوسطة بشكل خاص، وهذا أمر طيب، ولكن فقط عندما يصب في تحسين جودة المدرسة والتغذية المدرسية، وهو ما لم يحدث للأسف”.
بدأت ولايات ألمانية أخرى تسلك طريق توفير التعليم المجاني، حيث تعتزم توسيع العروض المدرسية المعفاة من الرسوم، وألغت رسوم سنوات محددة من دور الحضانة ذات اليوم الكامل.
تعتزم بعض الولايات الألمانية استغلال جزء من الدعم الاتحادي البالغ 5ر5 مليار يورو، والذي ستحصل عليه الولايات في إطار “قانون دور حضانة جيدة” الجديد، في توفير مزيد من التخفيضات في هذا المجال، حيث تود وزيرة الأسرة الألمانية، فرانسيسكا جيفي، العضو بالحزب الاشتراكي الديمقراطي، والتي تعتبر صاحبة مبادرة القانون، جعل دور رياض الأطفال في ألمانيا مجانية، تدريجيا، حيث ترى أنه لا يجب أن يكون دخل الوالدين هو صاحب قرار التحاق الأطفال بإحدى رياض الأطفال.
تنظر نقابة GEW التعليمية في ألمانيا إلى هذه الخطوات بعين الريبة، “فتقييمنا إيجابي، من ناحية المبدأ لجعل العروض التعليمية مجانية، ورغم ذلك يجب ألا يكون الإعفاء من الرسوم على حساب الجودة” حسبما رأى بيورن كولر، عضو مجلس إدارة النقابة.
أضاف كولر: “هناك، في برلين بالذات، نقص هائل في أماكن رياض الأطفال ودور رعاية الأطفال، وهناك في الوقت ذاته نقص في آلاف العاملين”.
وعبر كولر عن خشيته من يصبح الاهتمام بجودة التعليم أقل من الاهتمام بالإعفاء من المصاريف.
هذا هو ما تراه أيضا أنيته شتاين، الخبيرة التعليمية، قائلة: “هناك توجه منذ بضعة سنوات نحو مزيد من الإعفاء من الرسوم.. يمكن أن يكون ذلك هو الطريق الصحيح على المدى البعيد، خاصة فيما يتعلق بجعل التعليم المبكر مجانيا.. ولكن توفير جودة جيدة من الرعاية أحد المقاييس الرئيسية للتعليم..”.
تابعت الخبيرة: “وطالما لم تكن الجودة مناسبة للأطفال، وهذا هو الواقع في كثير من الأحوال، وفي برلين أيضا، فإننا نرى أن اعتماد الإعفاء من الرسوم لجميع الأسر خطأ حقيقيا”