د. نورمان فينكلشتاين، هو أستاذٌ جامعيٌّ أمريكيٌّ يهوديٌّ مُختّصُ في العلوم السياسيّة، وهو أيضًا كاتبٌ وناشطٌ سياسيٌّ، معروف عنه مساندته للقضية الفلسطينيّة ورفضه المُطلَقْ استخدام اليهود للمحرقة كوسيلةٍ لجذب التعاطف العالميّ والتغطية على جرائم إسرائيل ضدّ الفلسطينيين.
ويُعتبر كتابه الجديد:”غزّة، تحقيق في استشهادها”، لائحة اتهام لجرائم إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المكتظة بالسكان منذ عام 2008 وحتى اليوم، حيثُ أوضح أنّه لن يكون النمط الإجرامي للحصار الإسرائيلي المستمر، الذي تتخلله اعتداءات قاتلة ضد السكان المدنيين في المنطقة المحاصرة، خبرًا لأي شخص يتابع إسرائيل/ فلسطين. لكن التأثير التراكمي لسجلات فينكلشتاين الموثقة بدقّةٍ من 408 صفحة هو أمر مدمر، وسوف يترك القارئ مذهولًا من أنّ ردّ الفعل في جميع أنحاء العالم صامت للغاية.
لديه اكتشاف واحد، جديد ورئيسيّ، إذْ أنّه يُجادِل بأنّ المنظمات الدولية الرئيسيّة لحقوق الإنسان، بعد أنْ شجبت فعليًا الاعتداء الإسرائيليّ على غزة في 2008-2009، تراجعت منذ ذلك الحين، لدرجة أنّ (هيومن رايتس ووتش) أصدرت تقريرًا ضعيفًا واحدًا فقط بعد أكبر هجومٍ إسرائيليٍّ على الإطلاق في عام 2014، مُشيرًا إلى أنّ ماكينة الدعاية الصهيونيّة، إلى جانب أنواعٍ أخرى من الضغط، تنجح في القضاء على الجرائم الإسرائيليّة.
كما جاء في مقدّمة الكتاب، الذي صدر بالإنجليزيّة: يدحض فينكلشتاين تمامًا تبرير إسرائيل لهجماتها، والتي تُشكِّل “دفاعًا عن النفس”، ويشير إلى أنّ حماس لم تبدأ الأعمال العدائية المعتادة، ففي الواقع، أظهرت المنظمة إشارات متنامية للتسوية مع واقع إسرائيل، حيث اتسمت سياسة حماس بما يسميه فنكلشتاين “براغماتية صارخة”.
أصدر نتنياهو دعاية خلال اعتداء “السور الواقي” لعام 2014 على ما أسماه “أنفاق إرهابيّة” تحت حدود غزة، من المفترض أنّها تستهدف رياض الأطفال الإسرائيلية، ويذكرنا فينكلشتاين أنّه في الواقع لم يُستهدَف مدنيون إسرائيليون هجومًا واحدًا من خلال الأنفاق.
كما يسحق فينكلشتاين التهمة الزائفة بأنّ حماس استخدمت المدنيين “دروعًا بشرية” مدنيّة خلال القتال، والتي تقول إسرائيل والمعتذرون إنّها تُعفي جزئيًا من ارتفاع عدد القتلى المدنيين الفلسطينيين، حيثُ يؤكّد أنّه لا يوجد دليل واحد موثوق به على ادّعاء الدرع البشري، ولا يوجد أيّ دليلٍ على أنّ حماس أخفت أسلحةً في المساجد والمدارس.
ويُخصِّص فينكلشتاين طاقة كبيرة لتقرير غولدستون، والذي خلُص إلى أن عملية “الرصاص المصبوب” تهدف لمعاقبة وإذلال وإرهاب السكان المدنيين، ويسخر من تراجع مُعِّد التقرير الجنوب إفريقيّ عمّا ورد فيه، ويؤكّد أنّ التقرير هو لائحة اتهامٍ ضدّ كيان الاحتلال.
ولفتت المُقدّمة أيضًا إلى أنّ أكثر ما توصل إليه من نتائج أصلية، وأحد أكثرها إثارة للقلق، هو أنّ منظمات حقوق الإنسان الدوليّة الرئيسيّة تسكت عن غزة، حيث يلفت إلى أنّ “هيومن رايتس ووتش” بالكاد أصدرت تقريرًا واحدًا بعد العدوان الإسرائيليّ على غزّة في صيف العام 2014، والذي كان أكثر الهجمات دموية حتى الآن، مُشدّدًا في الوقت عينه على أنّ أداء منظمة العفو الدوليّة كان أفضل إلى حدٍّ ما، لكنّه يمضي قدمًا طويلاً في القول إنّ تقارير منظمة العفو الدوليّة كانت ملتوية إلى حد أنها تشكل تبييضًا لإسرائيل، كما يتهّم منظمة “بتسيلم”، وهي أبرز مجموعة حقوق إنسان إسرائيليّة، بعدم البراءة إذْ أنّه في تقريرها هناك تمييز صارخ ضدّ غزة، على حدّ تعبيره.
وشدّدّت المقدمة على أنّ استنتاجه متشائم للغاية، إنّه من غير المفاجئ أنْ يرفض “عملية السلام” باعتبارها عملية احتيال، ويُحذِّر من تنامي قوّة إسرائيل وتأثيرها، سواءً في الشرق الأوسط أوْ في جميع أنحاء العالم. ويختتم كلامه قائلاً: في الوقت نفسه، نجم فلسطين في طريقه إلى التراجع، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنّ “قضية فلسطين قد تحطمت الآن بسبب الأزمات الإنسانيّة التي لا تعد ولا تحصى التي تجتاح الشرق الأوسط، ويتوقع أنْ تتحول فلسطين إلى وزنها الضئيل، من الديموغرافيا والأراضي، وتأتي ببطءٍ أكبرٍ لتشبه كفاح تقرير المصير في تيمور الشرقية والصحراء الغربيّة، على جدّ تعبيره.
وكان فينكلشتاين على رأس قائمة أعداء اللوبي الصهيونيّ الأمريكيّ في أمريكا لأكثر من 3 عقود، وعلى مرّ السنين، قذفته القوات الموالية لإسرائيل، وحاولت حرمانه من مهنته التعليمية، بل وسعت إلى منعه من النشر، إنّه غير محتبس، مستمرًا في تحملّه من دراسته في المناطق البعيدة من بروكلين، وبالتأكيد سيُحاوِل الكارهون له التشكيك في كتابه الجديد عن غزة، ولكن، جاء في مُقدّمة الكتاب: “يجب أنْ يكونوا مرعوبين من حقيقة أنّهّ لم يسبق له أنْ خسِر تحديًا ناجحًا في مسائل الواقع والأدلّة الثابتة، على حدّ تعبيرها.