Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

انقطاع التجارة بين أفغانستان وباكستان؛ نتيجة الاشتباكات الحدودية وفشل المحادثات

وأعلنت طالبان في كابل يوم الأربعاء 12 تشرين الثاني/نوفمبر أن أي شحنة لا رزمة بريدية ولا قطعة غيار سيارة ولا حتى علبة دواء ضرورية، لا يمكن لها أن تأتي من باكستان ولا أن تخرج من أفغانستان. وهذه نهاية “التبعية الأحادية”. وهو القرار بقطع التجارة والناتج عن الاشتباكات الحدودية التي جرت أخيرا بين افغانستان وباكستان. القرار الذي يلقي بظلاله على مصير وحياة ملايين الأشخاص في أفغانستان.

وتلا المساعد الاقتصادي لرئيس وزراء طالبان عبد الغني برادر، البيان الجديد بحضور ممثلين عن 14 جمعية تجارية ونقابة الصيادلة والبنك المركزي، يتضمن ثلاثة أقسام رئيسية وهي تعليق التجارة ومنع استيراد البضائع وعدم دعم استيراد الأدوية.

وعلى النقيض من البيانات السابقة التي كانت تستخدم عبارة “التعليق المؤقت” فان البيان الحالي انطوى على “إن الإمارة الاسلامية لا تقدم أي دعم أمني ولوجستي أو ترخيص للتجارة مع باكستان”. وهذا مؤشر على أن طالبان اتخذت هذا القرار هذه المرة في إطار “السياسة العامة طويلة الأمد” لا “كرد فعل تكتيكي” تجاه الأزمة الجارية مع باكستان.

ولم يأت القرار من فراغ. وبعد أيام فقط من الاشتباكات المسلحة في منطقة سبين بولدك الحدودية جنوبي شرق قندهار، ألقت طالبان القبض على مجموعة قالت أنها “على ارتباط بالشبكات الأجنبية في باكستان” وذلك بالقرب من حدود جمن. وبعد يومين، وفي 6 الجاري، ضربت عدة مُسيرات باكستانية، ثلاثة مواقع في موسى قلعة قالت طالبان أنها ليست “قواعد إرهابية” بل هي “مناطق سكنية خاضعة للسيطرة الأمنية”.

وكان هذا الهجوم، آخر محطة لفشل المحادثات غير المباشرة. وفي وقت سابق، كانت طالبان قد دعت عن طريق ممثل الصين في كابل إلى “التزام رسمي من جانب اسلام اباد بعدم دعم أي أنشطة ضد أفغانستان”. وجاء الرد الباكستاني تكرارا لعبارة “إن هذه القضايا هي داخلية”، ولم تكسب رضا طالبان فحسب بل عززت قناعاتها بان التبعية التجارية تعني التبعية الأمنية أيضا، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لنظام حكم أرسى مشروعيته على “الدفاع عن السيادة”.

 

الدواء: خط أحمر، اختُرق للمرة الأولى

وقبل هذا، وحتى خلال التصعيد الشديد الذي وقع عامي 2019 و 2022، استثنيت واردات الأدوية من باكستان من المنع دائما. والسبب واضح: أكثر من ثلثي الأدوية العامة في أفغانستان لا سيما المضادات الحيوية وأدوية داء السكري والمضادة للتخثر كانت تُستورد من باكستان عن طريق الشركات الباكستانية التي تملك وكالات للمنتجين الهنود.

لكن اليوم، وللمرة الأولى، وُضع الحظر بصورة صريحة ومن دون شروط على الأدوية. وهذا التغيير يؤشر إلى حقيقتين:

الأولى أن طالبان تؤمن أن الضغط  الاقتصادي – الصحي يشكل السبيل الوحيد لها لإظهار جديتها تجاه باكستان، أي أن هذا القرار ليس يفرض أثمانه على التجار ورجال الأعمال فحسب بل على الناس البسطاء والنظام الصحي في البلاد.

والثانية اعتمادها على البدائل المحتملة بما فيها الشراء المباشر من الهند والتعاون مع تركيا أو التوفير عن طريق ايران، رغم أن الحقائق على الأرض لا تؤكد به هذه المزاعم.

وحذرت نقابة الصيادلة في أفغانستان في بيان صدر بعد ساعات من بيان طالبان أن المخزونات الحالية للأنسولين والأموكسي سيلين تكفي فقط حتى أواخر شباط/فبراير المقبل. كما أن نقل سلسلة التوفير إلى الدول البديلة يستغرق ما لا يقل عن 4-6 أشهر فنيا وماليا. ومن دون اتخاذ إجراء عاجل، قد ينقطع الوصول إلى العلاجات الأساسية في قطاعات واسعة من البلاد اعتبارا من الربيع المقبل.

 

الخيارات البديلة: من جابهار إلى واخان

وقدمت طالبان ثلاثة محاور كبديل للتجارة وهي:

ميناء جابهار الايراني: وهو المسار الفعال الوحيد في الوقت الحاضر، لكن يتم استثمار نحو 30 بالمائة من سعة الميناء، والسبب عدم وجود خط حديدي مباشر (الطريق بين هرات وجابهار بطول 120 كيلومترا ما زال ترابيا) ورسوم التأمين الدولي (بسبب العقوبات) وعدم إمكانية الدفع عن طريق نظام سويفت.

ممر واخان: وطُرح هذا المسار في السنوات الأخيرة كرمز سياسي لا أكثر، وما زال يملك جسرا معلقا واحدا فحسب. والمحادثات مع الصين لبناء جسر فولاذي دائمي ما زالت في مرحلة تبادل الخرائط، لكن ثمة فاصل زمني لسنتين على الأقل حتى التنفيذ الفعلي للمشروع.

تركمانستان – أوزبكستان: الطريق الوحيد الذي يتمتع ببنية تحتية فيزيائية (خط حديد حيرتان – مزار شرف) لكن النقل السككي، يكلف 2.3 أمثال النقل البري من باكستان، ولا يُستخدم هذا المسار للبضائع العامة لا سيما المواد الغذائية بسبب الفترة الزمنية الطويلة.

ومن بين هذه الخيارات، جابهار وحده الذي يملك طاقة جزئية وفورية، لكن بتكلفة أعلى: المزيد من التبعية لايران والدخول إلى لعبة التنافس بين جابهار الايراني وغوادر الباكستاني والتي لا تعلب فيها باكستان دور اللاعب المستقل بل كقطعة من التنافس الجيو اقتصادي الاقليمي.

 

ردود الفعل الداخلية: من صمت كبار رجال الاعمال إلى قلق الأطباء

وتسود أسواق كابل، ردود فعل هجينة تتضمن الصمت الحذر والمضطرب الخفي. إن كبار رجال الأعمال الذي وسعوا سابقا شبكاتهم اللوجستية باتجاه ايران وتركمانستان، اعتبروا هذا  القرار “ضروريا لكنه مبكرا”. أما التجار الصغار والمتوسطين لا سيما مستوردي البضائع الاستهلاكية والأدوية، يمرون بأزمة حقيقية. وقال مستورد أدوية في جلال اباد:

“نستورد 70 بالمائة من بضائعنا من لاهور. والان أمامنا مهلة من ثلاثة أشهر لإلغاء جميع العقود، وإعادة تسديد القروض والعثور على مسار جديد. وهذه المهلة ليس للانتقال بل من أجل بيع الأصول.”

وفي قطاع الصحة، أعلن أطباء المستشفيات الحكومية بصورة خاصة أن قطاعا العلاج الكيميائي وغسيل الكلى، يستعدان لإعداد بروتوكولات عاجلة لخفض استهلاك الأدوية المستوردة، الإجراء الذي يعد في الظروف العادية ضربا من الأزمة.

 

رد باكستان: أسف لا موقف، لِمَ ظلت اسلام اباد صامتة؟

وكرد أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية عن “أسفها” لكنها لم تتخذ أي إجراء متبادل لمنع استيراد البضائع الأفغانية (لا سيما المكسرات أو الفستق). والسبب وفق ما يقوله خبراء اسلام اباد هو:

إن باكستان تواجه أزمة اقتصادية أصلا، وأن واردات البضائع الأفغانية لا سيما في فصل الشتاء مهمة للإبقاء على الأسعار الداخلية منخفضة.

إن قطع أفغانستان التجارة يخدم باكستان بصورة غير مباشرة: لانه يحول دون تصدير السلع الإنتاجية قليلة الجودة، والتي شهدت خلال الأشهر الأخيرة استرجاعا واسعا عند الحدود الأفغانية على خلفية تراجع مراقبة الجودة.

وهذا الصمت يظهر أن باكستان تعتبر قرار طالبان “لا رجعة عنه” وهي تخطط لفترة ما بعد التجارة المباشرة.

وإجمالا فان انقطاع التجارة مع باكستان، هو إجراء أبعد من كونه انتقاميا بالنسبة لطالبان: الإعلان عن الاستقلال الاقتصادي في ظروف العزلة. وينجح فقط عندما يكون مترافقا مع القدرات الفنية والمالية والدبلوماسية؛ لكن أفغانستان تمر بنقص بنيوي. إن حظر استيراد الأدوية رغم أنه يؤشر إلى جدية السياسة، لكنه يمكن أن يتحول إلى سلاح ذي حدين: يدفع الناس البسطاء ثمنه، وأن وقعت أزمة صحية شاملة، فان شرعية طالبان التي تقوم اليوم على “النظام والأمن والسيادة” ستتعرض للتشكيك.