YNP :
إبراهيم القانص :
في السنوات الأخيرة، بات واضحاً أن السياسة الخارجية للإمارات العربية المتحدة تجاوزت حدود التأثير الناعم إلى لعب أدوار أمنية وعسكرية مباشرة في عدد من بؤر الصراع في المنطقة. فبدلاً من دعم الاستقرار كما تدّعي أبوظبي، تكشف الوقائع الميدانية والتقارير الدولية عن تورطها في تمويل وتسليح مليشيات مسلحة في اليمن والسودان، والآن- وفق تقارير جديدة لقناة “سكاي نيوز” البريطانية- في قطاع غزة.
- 29 تشرين1/أكتوير 2025
هذه الأدوار المتشابكة ترسم صورة متكاملة لمشروع يتقاطع، في جوهره، مع الاستراتيجية الإسرائيلية لإعادة تشكيل المنطقة العربية وفق مبدأ “التفكيك والسيطرة عبر الوكلاء”.
في اليمن، شكلت الإمارات أحد أبرز أطراف التحالف بقيادة السعودية، لكنها سرعان ما اتخذت مساراً منفصلاً يخدم مصالحها الخاصة. فقد أنشأت وسلّحت مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي التي رفعت شعارات انفصالية تهدف إلى تقسيم البلاد، كما دعمت قوات طارق صالح في الساحل الغربي، وهي تشكيلات تعمل خارج إطار حكومة الشرعية.
وقد اتهمت تقارير أممية ومنظمات حقوقية هذه القوات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، شملت الاعتقالات التعسفية وإنشاء سجون سرية تديرها الإمارات في عدن والمكلا. والنتيجة: دولة ممزقة، وحكومة ضعيفة، وفوضى أمنية تفتح الباب أمام النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في البحر الأحمر وباب المندب، أحد أهم الممرات البحرية العالمية.
في السودان، لعبت الإمارات دوراً محورياً في تمويل وتسليح قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، التي تشن حرباً دامية ضد الجيش السوداني منذ أبريل 2023. تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية عدة أكدت أن أبوظبي زوّدت هذه القوات بطائرات مسيرة وأسلحة متطورة عبر شبكات لوجستية في تشاد وليبيا، ما أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين وارتكاب جرائم تطهير عرقي في دارفور.
وبينما تعلن الإمارات دعمها لـ”السلام في السودان”، فإنها عملياً ترعى أحد أكثر المشاريع وحشية في المنطقة، خدمةً لأجندة تهدف إلى السيطرة على الموانئ والموارد، وضمان وجود عسكري دائم قرب البحر الأحمر، المنطقة التي تتقاطع فيها المصالح الإماراتية مع الإسرائيلية.
التقرير الذي بثّته قناة سكاي نيوز البريطانية مؤخراً أشار إلى خطة إسرائيلية جديدة لما بعد وقف إطلاق النار في غزة، تقوم على إنشاء أربع مليشيات مسلحة تعمل ضد حركة حماس وتحظى بدعم إسرائيلي وخارجي، بينها دعم من دول عربية، وفي مُقَدَّمِها الإمارات.
أحد زعماء تلك المليشيات، حسام الأسطل، تحدث صراحةً عن “مشروع غزة الجديدة” قائلاً إن هناك دولاً عربية تدعم هذا المسار، رافضاً تأكيد أو نفي صلة الإمارات بشكل مباشر.
ما يثير القلق هو أن شعارات تلك المليشيات، كما كشف التقرير، تتطابق مع شعارات مليشيات أنشأتها الإمارات في اليمن، مثل “قوات مكافحة الإرهاب” التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي. هذا التشابه لا يمكن اعتباره صدفة، بل يعكس استراتيجية موحدة في بناء قوى محلية تابعة لأجندة خارجية، هدفها في الحالة الفلسطينية إضعاف المقاومة وتهيئة الأرضية لتسوية تخدم إسرائيل.
من اليمن إلى السودان إلى غزة، يبدو أن الإمارات تتحول إلى أداة إقليمية في مشروع الهيمنة الإسرائيلي – الغربي الجديد، الذي يقوم على “الحروب بالوكالة” وتفكيك الدول العربية من الداخل.
ما يجري اليوم لم يعد مجرد تطبيع سياسي بين الإمارات وإسرائيل، بل انتقال إلى مرحلة “التنفيذ الميداني” لمشاريع تخدم المصالح الإسرائيلية في المنطقة. فكل مليشيا تموّلها أبوظبي- في اليمن أو السودان أو غزة- تشكل لبنة في جدار مشروع أوسع يرمي إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على أنقاض الشعوب المنهكة.
إن أخطر ما في الدور الإماراتي أنه يُقدَّم بغطاء مكافحة الإرهاب، أو نشر السلام، بينما الواقع يثبت أن هذه السياسات تزرع الإرهاب وتؤسس لمرحلة من الفوضى الممتدة، يستفيد منها طرف واحد فقط: المشروع الصهيوني.



















