عمان – “رأي اليوم” :
يبدو أنّ مواقف العربية السعودية الرافضة للتطبيع “دون مُقابل وبلا شُروط”، تضغط على أنفاس إسرائيل، بالإضافة إلى موقفها الذي أدان “مُصادقة تمهيدية” للكنيست الإسرائيلي على مشروعيّ قانونين يخصّان ضم أراضٍ من الضفة الغربية الأربعاء.
ومن شأن ضم إسرائيل الضفة الغربية أن ينهي إمكانية تنفيذ مبدأ حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)، المنصوص عليه في قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن إسرائيل ستفقد جميع أشكال الدعم الأمريكي إذا أقدمت على ضم الضفة الغربية.
وتباين المواقف بين حركة “حماس”، والسعودية حول “السلاح والمُقاومة”، يبدو أنه أعطى لحكومة الكيان انطباع بأن المملكة ماضية باتجاه التطبيع “دون ثمن”، أي بلا قيام دولة فلسطينية، أصرّت عليها الرياض شرطًا أصيلًا للتطبيع.
وأكّدت الرياض في بيان وزارة خارجيتها على “رفضها التام لكل الانتهاكات الاستيطانية والتوسّعية التي تتبنّاها سُلطات الاحتلال الإسرائيلي، مجددةً دعمها للحق الأصيل والتاريخي للشعب الفلسطيني الشقيق بإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية وفقًا للقرارات الشرعية الدولية ذات الصّلة”.
الرفض السعودي للتطبيع إلّا بشرط قيام دولة فلسطين، أثار حفيظة وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، والذي خرج عن سياق الأدب، وأساء علنًا للسعودية، ليعتذر عن فعلته مُجبرًا لاحقًا.
وقال سموتريتش زعيم حزب “الصهيونية الدينية”: “إذا عرضت علينا السعودية التطبيع مقابل دولة فلسطينية، فأقول: لا شكرًا” بحسب ما نقلته عنه القناة “12” الإسرائيلية.
وخاطب السعوديين بقوله: “استمروا في ركوب الجمال في صحراء السعودية”.
ونجحت السعودية بإدارة خطّة للاعتراف بدولة فلسطين، حيث وصل عدد المُعترفين بها 160 دولة من أصل أعضاء الأمم المتحدة الـ193.
ومِن غير المعلوم، إذا كانت السعودية سترد على الوزير المتطرّف بعد اعتذاره العلني، حيث سبق أن هاجم الإعلام السعودي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينما قال الأخير إن “السعودية لديها مساحات شاسعة وبإمكانها إقامة دولة فلسطينية عليها”.
وتُمارس الرياض تجاهلًا مُتعمّدًا فيما يبدو لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم نتنياهو، وتُوعز لنُخبها، وإعلامها للرد الحاد، حيث تصدّرت قناة “الإخبارية” مشهد الرد، وقالت في تقرير: “رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي” “سليل عائلة صهيوينية متطرفة” و”صهيوني أبًا عن جد ورث التطرف عنهما جينيًّا”.
وقالت إنّ نتنياهو “جدّه متطرف وأبوه أكثر تطرفا، ولا يؤمن بالسلام ويرى في الحرب إنقاذا لمستقبله، وعقله المتطرف لا يحب إلا الدم”، و”يسير إلى هاوية لا يراها معصوب العينيين ويحفر نهاية سيندثر بعدها بلا رجعة”.
وفي عبارة لافتة، حادّة، وصارمة، صدرت عن الخارجية السعودية في الرد على تصريحات نتنياهو قالت: “موقف المملكة من قيام الدولة الفلسطينية راسخ وثابت ولا يتزعزع وليس محل تفاوض أو مزايدات”، و”لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون ذلك”.
ورغم التطوّر الاقتصادي في السعودية، وتصنيفه اقتصادها ضمن أكبر اقتصادات العالم من حيث تنافسيّته، وحُلوله 17 عالميًّا، هاجم سموتريتش المملكة من زاوية التطوّر، قائلًا: “أما نحن في إسرائيل، فسنُواصل التطور، نبني اقتصادًا ومُجتمعًا ودولة، ونفعل الأشياء العظيمة التي نعرف كيف نقوم بها”.
وبكون سموتريتش وزيرًا بالحكومة الإسرائيلية، فإن تصريحاته تُمثّلها، الأمر الذي دفع بزعيم المُعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، للتدارك، وعبر منصّة “إكس”، “لأصدقائنا في المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط، سموتريتش لا يمثل دولة إسرائيل”.
ودعا في تدوينة أخرى بالعربية أيضًا سموتريتش إلى الاعتذار.
وقال زعيم حزب “أزرق أبيض” المعارض بيني غانتس، عبر “إكس”، إن “تصريحات الوزير سموتريتش ضد السعودية تدل على جهل وعدم إدراك لمسؤوليته وزيرًا كبيرًا في الحكومة والمجلس الوزاري”.
ولم تَمضِ ساعات على تصريحات سموتريتش، حتى سارع الأخير لتقديم اعتذاره بشكلٍ لافت سريع، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول ما إذا كان تعرّض لضغوط أمريكية وغربية لتقديم اعتذاره، لعدم تعطيل مسار مزعوم لإتمام التطبيع مع دول عربية (غير إبراهيمية)، للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام.
وكان قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه يتوقّع توسيع اتفاقيات أبراهام، وأوضح قائلاً: “السعوديون أشاروا أمس إلى أنهم مهتمون بذلك”، وأضاف: “أعتقد أنه في اللحظة التي سيقومون بذلك – سينضم الجميع”.
المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، تطرّق هو الآخر إلى القضية أكثر من مرة، وفي نهاية يونيو\حزيران الماضي قال: “أعتقد ستكون هناك إعلان كبير عن دول ستنضم إلى الاتفاقيات”. وأكد ويتكوف أن توسيع اتفاقيات أبراهيم ليس هدفًا سياسيًا فقط بل هو أيضًا وسيلة مركزية لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
وعبر حسابه على منصّة “إكس”، كتب سموتريتش مُعتذرًا: “لم يكن تصريحي بشأن السعودية مُوفّقًا بالتأكيد وأنا آسف للإهانة التي سبّبتها”.
ولكن مع هذا الاعتذار، طالب سموتريتش السعوديين قائلًا: “أتوقع من السعوديين ألا يضرونا وألا ينكروا تراث وتقاليد وحقوق الشعب اليهودي في وطنه التاريخي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وأن يقيموا السلام الحقيقي معنا”.
وهاجم عدد كبير من النشطاء السعوديين سموتريتش، معربين عن فخرهم بركوب الجمال، وكتبت أحد الحسابات: “لا يعلم سموتريتش أن السعوديين يفتخرون بالجمل والصحراء”.
ومع موقف السعودية المُتمسّك بقيام دولة فلسطينية، عادت للأذهان مواقف وطنية سعودية، كان بطلها الراحل العاهل السعودي الملك فيصل بن عبدالعزيز، حيث أجبر الملك وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر على دخول خيمته مُنحنيًا، حين جاء مُطالبًا بوقف قطع النفط عن الغرب العام 1973، ودعم السعودية لحرب أكتوبر، ودعمًا للقضية الفلسطينية.
المشهد باختصار.. خيمة عربية، قهوة عربية موضوعة على النار تتصاعد منها رائحة البن الزكية، ورد السعودية باستعدادها لتفجير آبار نفطها، والرسالة: أهل الصحراء قادرون على العودة إلى الخيم والجمال، والاكتفاء بأكل التمر وشرب اللبن لمئات السنين كما عاش آباؤهم آلاف السنين في هذه الصحارى القاحلة!