وأفادت وكالة شفقنا قسم أفغانستان، بانه جاء هذا الهجوم بعد مقتل عشرات العسكريين الباكستانيين على يد حركة طالبان باكستان، وهو رمز لنهاية عصر، أي عصر «العمق الاستراتيجي»، الذي حلّ محله صراع ظلي جديد حيث أصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم، وتبرز الهند كلاعب رئيس في إعادة تعريف ميزان القوى في جنوب آسيا.
نهاية «العمق الاستراتيجي» الباكستاني
كانت سياسة «العمق الاستراتيجي» التي شكلت منذ التسعينيات جوهر العلاقات الأمنية لباكستان مع أفغانستان، تقوم على مبدأ أن كابول يجب أن تكون تحت النفوذ المباشر أو غير المباشر لإسلام أباد لمنع انتشار النفوذ الهندي. وعلى مدى عقود، سعت باكستان لتحقيق هذا الهدف بدعم عسكري ومالي واستخباراتي لحركة طالبان.
لكن عودة طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021 لم تؤكد هذه الاستراتيجية، بل واجهتها. فقد وسعت طالبان في كابول علاقاتها مع عدة فاعلين، بما في ذلك الهند وروسيا والصين، سعيا للحصول على شرعية دولية وتقليل الاعتماد على قوة إقليمية واحدة. وقد جعل هذا التحول «العمق الاستراتيجي» عديم الجدوى وأصبح مصدر تهديد للأمن القومي الباكستاني.
جماعة إرهابية أم تهديد وجودي؟
تأسست حركة طالبان باكستان في عام 2007 على يد بيت الله محسود في المناطق القبلية الباكستانية. على عكس طالبان أفغانستان التي ركزت أساسا على «تحرير أفغانستان»، كانت لدى حركة طالبان باكستان أهداف سياسية-عسكرية صريحة: الإطاحة بحكومة باكستان واستبدالها بإمارة إسلامية وفق الشريعة.
بعد سقوط جمهورية أفغانستان في 2021، ألغت حركة طالبان باكستان وقف إطلاق النار مع باكستان الذي بدأ في 2020 وزادت من هجماتها بشكل تصاعدي. وتؤكد تقارير الأمم المتحدة، ومركز بحوث الأمن الباكستاني، ومعلومات الجيش الباكستاني أن قادة حركة طالبان باكستان، يقيمون في ولايات ننجرهار وخوست وبكتيا في أفغانستان، وهي مناطق تحت السيطرة غير المباشرة لطالبان ولم تُنفذ أي عمليات مضادة للإرهاب ضد حركة طالبان باكستان فيها حتى الآن.
ووفقًا لتقرير PIPS في أبريل 2025، نفذت حركة طالبان باكستان 217 هجوما في باكستان خلال الثلاثة أشهر الأولى من 2025، مما أسفر عن مقتل 312 شخصا، معظمهم من قوات الأمن، وهو ما يعادل مجموع هجمات عام 2024، مما يشير إلى تحول نوعي في القدرة العملياتية لـ حركة طالبان باكستان بعد عودة طالبان إلى السلطة.
رد باكستان
منذ عام 2022، نفذ الجيش الباكستاني أكثر من 40 هجوما جويا وطائرات مسيرة ضد قواعد حركة طالبان باكستان في شرق أفغانستان، وكانت هذه الهجمات مركزة أساسا في المناطق الحدودية، واعتبرت طالبان أنها «انتهاك للسيادة»، لكنها لم تُظهر أي رد فعل عسكري مباشر.
لكن قبل فترة حدث حدثا غير مسبوق: دوي انفجارين هائلين في مناطق من كابول. وأفادت مصادر أمنية معارضة لطالبان، بما في ذلك «العملية الخضراء» بقيادة أمر الله صالح، وشهود محليون أن الهجوم استهدف نورولي محسود، زعيم حركة طالبان باكستان، بمشاركة طائرتين حربيتين في العملية.
ولم تعلن أي دولة رسميا مسؤوليتها عن هذا الهجوم، إلا أن الأدلة تشير بقوة إلى تورط باكستان، بما في ذلك التهديد الصريح لوزير الدفاع الباكستاني في نفس اليوم، بأن «صبرنا على الإرهاب قد انتهى»، ومقتل 11 جنديا باكستانيا في مواجهات مع حركة طالبان باكستان في خيبر بختونخوا في اليوم السابق، وسجل العملياتي للجيش الباكستاني ضد حركة طالبان باكستان.
الأهمية الاستراتيجية لهذا الهجوم تكمن في أنه أول عملية جوية في قلب العاصمة الأفغانية، وليس في المناطق الحدودية ضد أهداف حركة طالبان باكستان، ما يدل على أن باكستان لم تعد تتجنب «الخط الأحمر الجغرافي» ومستعدة لتعقب أهدافها حتى قرب مراكز سلطة طالبان.
البعد الجيوسياسي
في مايو 2025، زار أمير خان متقي، وزير خارجية طالبان، دلهي، لتكون أول زيارة رسمية لمسؤول رفيع من طالبان إلى الهند بعد عودتهم إلى السلطة. خلال الزيارة، التقى متقي بوزير خارجية الهند ومستشار الأمن القومي أجيهت دوفال، وناقش المساعدات الإنسانية والصحة والتعليم. منذ 2021 قدمت الهند أكثر من 100 مليون دولار كمساعدات مدنية لأفغانستان.
تعتبر باكستان، التي ترى في الهند «عدوها الرئيس»، هذا التقارب تهديدا استراتيجيا. وتصف سلطات إسلام أباد حركة طالبان باكستان والانفصاليين البلوش بـ «فتن هندية»، وتزعم أن الهند تستخدم طالبان لزرع عدم الاستقرار في باكستان. وبالتالي، قد يحمل الهجوم على كابول رسالة مزدوجة: أولا، تحذير أمني مفاده «لن نتحمل وجود ملاذ حركة طالبان باكستان بعد الآن»، وثانيا، رسالة سياسية مفادها «علاقاتكم مع الهند خط أحمر بالنسبة لنا».
التناقض بين القول والفعل
أعلنت طالبان مرارا أن «أرض أفغانستان ليست تهديدا للجيران»، وهي العبارة التي كررها أمير خان متقي في اجتماع موسكو في أبريل 2025. لكن عمليا، لم تُتخذ أي إجراءات ضد حركة طالبان باكستان داخل أفغانستان. في المقابل، تدعي باكستان أن طالبان لديها «اتفاق ضمني» مع حركة طالبان باكستان وتسمح لها بالنشاط.
قال وزير الدفاع الباكستاني: «من يؤوي الإرهابيين سيكون مسؤولا». وكان ذلك قبل أن يخطط الجيش الباكستاني لإرسال وفد إلى كابول الأسبوع المقبل لـ«وضع حد نهائي». إلا أن هذا النهج يتعارض مع التحديات الداخلية لطالبان، إذ تحظى الحركة بدعم القبائل البشتونية التي تنتمي عرقيا إلى حركة طالبان باكستان، ومن شأن نزع سلاح حركة طالبان باكستان أن يهدد الاستقرار الداخلي لطالبان.
في حال تصاعد الصراع، هناك ثلاث سيناريوهات محتملة: التصعيد العسكري والضغط الدبلوماسي وإرسال الوفود والوساطة الإقليمية.
التوتر الحالي بين باكستان وطالبان ليس مجرد خلاف أمني، بل يعكس فشل استراتيجية امتدت لعقود وبداية حقبة جديدة من المنافسة الجيوسياسية في جنوب آسيا. باكستان، التي استخدمت طالبان لسنوات كأداة للسيطرة على أفغانستان، تواجه اليوم طالبان مستقلة وقريبة من الهند.
في هذه اللعبة المعقدة، تعتبر حركة طالبان باكستان أداة ولاعبا في الوقت نفسه، وسيكون شعبا أفغانستان وباكستان الضحايا الرئيسيين لهذه النزاعات الظلية. وبدون تدخل ذكي من الفاعلين الإقليميين والدوليين، فإن هذه الأزمة لا تهدد فقط استقرار البلدين، بل قد تؤدي إلى دورة جديدة من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة بأكملها.

















