Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

سياسة باكستان تجاه طالبان: من فشل الضغوط الأمنية إلى براغماتية التعاون الإقليمي

 غير أنه بعد أن تجاوز البلدان بعض الأزمات، برزت هذا العام مؤشرات أوضح على المرونة والتفاعل بين الطرفين، وهو ما يمكن اعتباره أحد الموضوعات السياسية والأمنية المهمة في المنطقة.

تشير النتائج إلى أن تغيير سياسة باكستان نتج عن مزيج من فشل استراتيجياتها الأمنية، والضغوط الإقليمية، وتغير الحسابات الجيوسياسية، والاحتياجات الاقتصادية. 

كما أن حكومة طالبان، نظرا لحاجتها إلى الشرعية والحفاظ على الاستقرار الداخلي، انتهجت مقاربة واقعية في التعامل مع إسلام آباد. وعلى الرغم من العقبات البنيوية والتحديات العديدة، فإن هناك طاقة كبيرة لتوسيع التعاون وتعزيز الاستقرار في المنطقة.

فشل السياسات الأمنية 

كانت باكستان في السنوات الماضية قد حاولت باستخدام الأدوات العسكرية والضغوط الأمنية، وخاصة عبر العمليات ضد حركة طالبان باكستان (TTP)، أن تجبر طالبان على كبح هذا التنظيم المتمرد. واستندت هذه الاستراتيجية إلى فكرة ممارسة الضغط وزيادة الكلفة على طالبان لدفعها إلى التعاون في مواجهة التهديدات الأمنية.

 لكن الحقائق الميدانية أثبتت أن هذه السياسة لم تنجح، بل أدت إلى تفاقم حالة انعدام الأمن في المناطق الحدودية الباكستانية، حيث تحولت ولايات مهمة مثل خيبر بختونخوا وبلوشستان إلى ساحات مواجهات دامية. 

في المقابل، لم تكن طالبان مستعدة للحد الكامل من الجماعات المرتبطة بها، وهو ما دفع إسلام آباد إلى إعادة النظر في مقاربتها. وفي نهاية المطاف، تحولت سياسة الضغط إلى سياسة التفاعل والدبلوماسية، وهو ما يمكن اعتباره نقطة تحول في العلاقات بين الطرفين.

التنافس الجيوسياسي

من بين العوامل الحاسمة في هذا التغيير في سياسة باكستان، تزايد النفوذ الهندي في أفغانستان. فقد استغلت نيودلهي الفرص التي توفرت بعد عودة طالبان إلى السلطة، لتطلق مشاريع تنموية عدة في أفغانستان وتوسّع علاقاتها الدبلوماسية مع كابول. وقد شكّل هذا التطور ناقوس خطر لإسلام آباد، التي رأت أن مكانتها التاريخية في أفغانستان قد تكون مهددة. 

هذا القلق من حضور الهند وتأثيرها دفع باكستان إلى اعتماد سياسات تركز على التفاعل والتقارب مع طالبان، بدلاً من المواجهة، للحد من النفوذ الهندي في المنطقة. 

ومن جهة أخرى، فإن الصين، الشريك الاستراتيجي لباكستان في مشروع الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني، تسعى عبر نفوذها ووساطتها في العلاقات بين باكستان وحكومة طالبان إلى الحفاظ على استقرار المنطقة وحماية مشاريعها الاقتصادية. هذه التنافسات الجيوسياسية، إلى جانب الضغوط الاقتصادية، دفعت إسلام آباد إلى إعادة تعريف سياستها الخارجية.

العلاقات بحكومة طالبان

أما طالبان، فقد اتبعت في المرحلة الأخيرة سياسة خارجية تهدف إلى تنويع علاقاتها الإقليمية والدولية. واقترابها من طهران وموسكو شكّل تحديًا جديا لإسلام آباد. فلطالما اعتبرت باكستان اللاعب التقليدي والرئيسي في أفغانستان، غير أن هذا التحول في توجهات طالبان قد يؤدي إلى تراجع نفوذها ومكانتها. 

هذا ما جعل باكستان تسعى بنشاط إلى إعادة إحياء علاقاتها الاستراتيجية مع طالبان، لتفادي مزيد من العزلة أو فقدان مكانتها الإقليمية. ويقوم هذا التوجه الجديد على حسابات واقعية ذات طابع أمني واقتصادي، بعيدا عن الأبعاد الأيديولوجية السابقة.

مقاربة واقعية

في المقابل، تواجه حكومة طالبان ضغوطا داخلية وخارجية متعددة أجبرتها على تبني مقاربة واقعية ومرنة في سياستها الخارجية. فأولوية طالبان الأساسية هي الحصول على الشرعية الإقليمية والدولية، وهو أمر يمكن تحقيقه عبر التفاعل مع باكستان باعتبارها الجار الأهم. 

كما أن أفغانستان تعتمد بشكل كبير على المسارات التجارية والترانزيتية عبر باكستان، مما يجعل تعزيز التعاون الاقتصادي والنقل مع إسلام آباد ضرورة حيوية لها. إضافة إلى ذلك، تحتاج حكومة طالبان إلى ضبط الجماعات المسلحة المتمردة، بما فيها حركة طالبان باكستان، لضمان أمنها الداخلي. كل هذه العوامل دفعت طالبان إلى اعتماد سياسة أكثر اعتدالًا وتعاونًا تجاه باكستان.

تطورات واضحة

شهدت السنوات الأخيرة تطورات ملموسة في مستوى التفاعلات الدبلوماسية والتعاون الأمني والاقتصادي بين باكستان وطالبان. فقد رُفع مستوى التمثيل الدبلوماسي من قائم بالأعمال إلى سفير، وعُقدت اجتماعات ثلاثية مشتركة بمشاركة دول إقليمية، ووقّعت اتفاقيات تخص مشروع خط سكة حديد ترانس–أفغان، وأُعلن عن اتفاق لتوسيع الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني ليشمل الأراضي الأفغانية. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن تغير خطاب طالبان بشأن نشاط الجماعات الوكيلة وتقليص دعمها لحركة طالبان باكستان، يدل على رغبة حقيقية في خفض التوترات وإرساء الاستقرار. وقد ساهمت هذه الخطوات في التمهيد لخفض التوترات الأمنية وتعزيز التنمية الاقتصادية الإقليمية.

العراقيل والتحديات

لكن رغم هذه التطورات الإيجابية، لا تزال هناك تحديات وعقبات بنيوية كبيرة في العلاقات بين باكستان وطالبان. فقضية خط ديورند، الذي يمثل الحدود المتنازع عليها بين البلدين، تبقى من أبرز عوامل التوتر، إذ يتكرر اندلاع مواجهات حدودية بسببه. كما أن الخلاف حول كيفية التعامل مع حركة طالبان باكستان، وعجز طالبان عن القضاء الكامل على هذه الجماعة، ما زالا عاملين مهددين للعلاقات. 

كذلك، تمثل أزمة اللاجئين الأفغان وسبل إعادتهم قضية إضافية تزيد من الأعباء السياسية والنفسية على العلاقات الثنائية. أما داخل باكستان، فإن تباين الرؤى وتضارب المصالح بين المؤسسات السياسية والعسكرية والأحزاب، يجعل السياسة الخارجية تجاه طالبان تفتقر إلى الانسجام الكامل، ما يرفع من مخاطر عدم استقرار هذه السياسة.

المصدر: مطالعات شرق