YNP :
إبراهيم القانص :
بشكل صادم ومؤلم، رفض المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، نقل حالات إنسانية حرجة من العاصمة اليمنية صنعاء إلى الأردن على متن طائرته الخاصة، رغم أنها تنفذ رحلات أسبوعية منتظمة إلى صنعاء. هذا الرفض، الذي تسبب في وفاة حالتين على الأقل، وفقاً لما أعلنه وزير خارجية صنعاء جمال عامر، يكشف الوجه الحقيقي لسياسات الأمم المتحدة في اليمن، ويطرح تساؤلات جدية حول مدى التزام المنظمة الدولية بالقوانين والمبادئ الإنسانية التي تتغنّى بها في المحافل العالمية.
وزير الخارجية في صنعاء، جمال عامر، حمّل الأمم المتحدة ومبعوثها الأممي المسؤولية الكاملة عن هذه المأساة، معتبراً أن هذا السلوك الذي وصفه بالاستخدام العبثي للطائرة لا يعكس سوى استهتار مقيت بأرواح اليمنيين، خصوصاً أولئك الذين باتت حياتهم مرهونة بتيسير أبسط الحقوق، كالسفر لتلقي العلاج. كما اعتبر أن استمرار إغلاق مطار صنعاء الدولي، في وقت تعمل كافة مطارات المنطقة بشكل طبيعي، جريمة مركَّبة في حق ملايين اليمنيين، لا سيما المرضى والطلاب والعالقين في الخارج.
إن هذا السلوك اللا إنساني من المبعوث الأممي لا يتناقض فقط مع مبادئ العدالة والحياد، بل يناقض بشكل صارخ ميثاق الأمم المتحدة نفسه، ويهدم منظومة القوانين الإنسانية التي يُفترض أن تكون المرجعية الأخلاقية في أوقات النزاعات. إذ كيف يمكن لمنظمة أممية أن تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، بينما تمنع نقل مرضى في حالات حرجة على متن طائرة شاغرة؟!
وأكثر من ذلك، أن ما يحدث يعكس ازدواجية صارخة في معايير المنظمة الدولية، التي باتت- في نظر كثير من اليمنيين- شريكاً في الحصار وليس وسيطاً لإنهائه. إن انحياز الأمم المتحدة الواضح لحكومة الشرعية الموالية للتحالف السعودي الأمريكي، وتجاهلها لحقوق المدنيين في صنعاء، لم يعد يخفى على أحد، وقد أصبح سلوكاً ممنهجاً يضرب مصداقية الأمم المتحدة في الصميم.
إن السكوت عن هذه الممارسات لم يعد مقبولاً. والمجتمع الدولي مطالب اليوم بموقف واضح وصريح، لا من أجل إدانة هذا الفعل فقط، بل من أجل فرض آليات محاسبة حقيقية لكل من يتسبب في تعميق معاناة اليمنيين، أياً كانت صفته.
وأكثر من أي وقت مضى، أصبحت الأمم المتحدة مطالبة بمراجعة جذرية لسلوك بعثتها في اليمن، وإلا فإنها تخاطر بخسارة ما تبقّى من ثقة الناس بها، وتُثبت للعالم أن شعاراتها عن الإنسانية والحياد والسلام، ليست سوى شعارات للاستهلاك الإعلامي، هدفها فقط تجميل وجه الهيمنة الدولية، لا لإنقاذ الأرواح أو نصرة المظلومين.